
بنت خالي تعتبر فلتة من فلتات الزمن, البنت اللي تقريبا اجتمعت فيها كل الصفات الجميلة اللي ممكن تجتمع في بنت, وكأنها جاية من زمن تاني غير الزمن اللي عايشين فيه, لدرجة إن كل الستات في بلدنا كانوا بيحلفوا بعفتها وجمالها وحيائها, حفظت القرآن وهي عندها 10 سنين تقريبا, وقررت يوميا بعد ما تخلص المعهد تروح تعلم الأطفال اللي أصغر منها, ربنا وهبها جمال مشفتوش على مدار حياتي كلها في أي بنت, حتى طريقة لبسها كانت بتخليك تحس إن فيه ملاك جاي في الطريق مش مجرد بنت, تقريبا مفيش بنت في البلد إلا واتعلمت منها خصلة كويسة أو حفظت على ايديها سورة من القرآن..
وانا من صغري حبتها, أو يمكن نقدر نقول عشقتها, كنت شايفها الملاك اللي جه الدنيا, والمو,ت كان عندي أهون من إنها تكون لحد غيري, ومن جوايا بدأت أجري بالزمن عشان كنت واثق إنها مسافة ما توصل لسن الجواز هيقف العرسان طوابير على باب بيتها, وفكرة إن حد يتجوزها غيري كانت عاملة زي فكرة الانتحار بالنسبالي, مو,ت مقدرش أتحمله أبدا..
وأول ما كملت عشرين سنة روحت فاتحت والدتي إني عاوز أتقدم واتجوز بنت خالي, بس الغريب إني لمحت في عنين أمي نظرة غريبة أوي, نظرة مفهمتش معناها غير وخالي بيرفض بلُطف إنه يجوز بنته ليا, ماهو البنت اللي حافظة القرآن المحترمة اللي كل بيحلف بيها هتروح تتجوز عيل سواق توك توك وبيدخن ومعروف كمان إنه بيشرب حشيش..
حسيت يومها بخنجر ملتهب بيقطع في قلبي, لدرجة إني ولأول مرة أشوف الدنيا سودة قدامي, سودة بطريقة مُخيفة, عارف لما تعيش عشرين سنة تحلم بحاجة وتعيش عشانها وفي لحظة تكتشف انك كنت عايش وهم كبير أوي, وهم بيقول انك مش هتاخدها ولا تستحقها من الأساس..
كتمت دموعي واتصلت بخالي وحاولت معاه مرة تانية ووعدته إني هتغير بس كان على إصراره, استحالة هيجوز بنته ليا, طلبت منه ياخد رأيها لقيته قلب عليا وقالي أطلعها من دماغي خالص, وقعدت ليلتها والدموع في عنيا, مكنتش أعرف إن القهر ممكن يعمل في الانسان كدا, لدرجة إني كنت شايف المو,ت وقتها صديق, صديق قادر يخرجني من كل اللي انا فيه..
اتصلت بواحد صاحبي وجبت منه شريط مخدر وبابتسامة سخرية روحت واخد كل الأقراص المخدرة, وضلمت الدنيا كلها قدام عنيا, بس المو,ت رفض انه يقبلني, وصحيت لقيت نفسي في المستشفى وأمي جمبي بتبكي بحرقة شديدة, اتعملي غسيل معدة والموضوع عدى على خير, سألت أمي إن كانت تقى بنت خالي عرفت إني تعبان لقيت أمي بصتلي بغضب وطلبت مني أطلعها من دماغي نهائيا..
وقعدت في الفترة دي من الشغل خالص, اعتزلت في اوضتي واشتريت حشيش يكفيني شهر على الأقل, وقعدت أعيش في عالم كامل من الخيال مع تُقى, تُقى اللي تقريبا كانت عايشة مع الحوريات في الجنة ونزلت الأرض في مهمة إنها تكسر قلبي و# بحبها..
شهر كامل فضلت في الدوامة دي لحد ما بدأت الأخبار توصلني عنها, البنت بدأ الخُطاب يخبطوا على بابها, وبدأ خالي يستقبلهم باحترام ومودة كبيرة, طيب مش من باب أولى كان استقبل ابن أخته كويس على الأقل, وجالي الخبر اللي نحرني تماما لما عرفت إنها اتخطبت كمان, واتخطبت لأستاذ في الجامعة, اللي هو حد أنا لا أقارن بيه ولا من قريب ولا من بعيد, ومن يومها بدأت حالتي الصحية تنزل بطريقة مخيفة, كنت بعجز ومستني المو,ت اللي هيجي يخلصني من تفكيري في تُقى..
وبدأت أمي تعمل مشاكل مع أبويا عشان يشوفلي شغل برة البلد خالص, وكان الحل النهائي إني فعلا لازم أنشغل بأي شغل برة البلد كلها, ورغم المرار والقهر اللي كنت حاسس بيه إلا إني في النهاية طلعت برة البلد واشتغلت في مجال المقاولات, وبدأت اتنطط من محافظة لمحافظة, ومن الصعيد لوجه بحري, كل ده وصورتها مش عاوزة تفارق خيالي, وفضلت على حالي كتير وانا مرعوب حتى أسأل هو فرحها امتا..
لحد ما عملت مشكلة في شغلي واتطردت منه خالص, رجعت يومها الساعة 12 بالليل لمحطة القطر, اتصلت باتنين اصحابي نسهر مع بعض لأني كنت في حالة سيئة جدا جدا, ومش عارف هروح البيت أقولهم إيه, كلمتهم واتفقنا نسهر في المقابر, وقالولي انهم جايبين مخدرات والليلة هتبقا للصبح, وروحت وقابلتهم وقعدنا في قلب الظلام وبرفقة الأموات نحشش, ليلتها فضلت أشرب واشرب لحد ما نسيت اسمي حرفيًا, في اللحظة دي لقيت واحد منهم بيبص ناحيتي بنظرات كلها رهبة وخوف, استفهمت منه عن سبب النظرات دي وانا شبه تايه لقيته بيقولي:
– هو انت رجعت عشان تاخد العزاء ولا عشان اتطردت من شغلك
بصتله وانا لسة تحت تأثير المخدر وقولتله:
– عزاء مين يابني انت
– هو محدش قالك إن بنت خالك ماتت امبارح ولا ايه
عنيا جحظت بطريقة مخيفة واختفى تأثير المخدر كله من راسي, مسكته بقسوة وصرخت فيه:
– انت بتقول ايه
لقيت التاني بيقول بنبرة حزن:
– دي البلد كلها حزنت عليها الله يرحمها
وقعت مكاني وانا حاسس إن نفسي بيضيق وفقدت النطق تماما, لقيت واحد منهم بيقول:
– مش عاوز تزورها وتقرأ لها الفاتحة طيب
بصتلهم والدموع متحجرة في عنيا وقمت زي المُغيب عن الواقع, خدوني لحد قبر من القبور ووقفت قدامه عاجز, جسمي بيتنفض, قربت من القبر وانا بترعش وحضنته في سكون تام, لقيت واحد منهم بيهمس ويقول:
– لو واحشاك أوي كدا افتح وشوفها
بصتله برعب من الصدمة لقيته بيقول:
– يابني انت مش كنت بتحبها, دي مجرد نظرة وداع, وبدون تفكير لقيت واحد منهم طلع أجنة وشاكوش وضرب على قفل القبر, ضربة واتنين والتالتة ولقيت الباب اتفتح والقفل اتكسر..
وقفت قدام رهبة وظلمة القبر اتنفض, لقتهم بيشجعوني عشان أدخل أسلم عليها واخرج بسرعة, وفعلا نزلت, نزلت وانا قلبي بيتنفض بين ضلوعي, نورت الكشاف وشوفت الجثمان ساكن في نص القبر, قربت منه وانا حاسس إني هقع من طولي, مديت ايدي وشلت الكفن الأبيض… و