منوعات

كان عندنا فى القسم

عندنا في القسم اللي شغالين فيه وهو قسم الرعاية لازم وبصورة يومية تخرج حالة وفاة أو أكتر، ونادرًا لو يوم عدى بدون ما شخص يموت على الأقل، لأن القسم فيه عدد كبير وكلهم حالات خطرة جدًا ومنهم اللي في غيبوبة وأسوأ كمان، عشان كدا فكرة إنك تشوف حد بيحتضر قدامك وبيبص للدنيا بنظراته الأخيرة بقت فكرة عادية جدًا وبحضرها بصورة يومية لدرجة إني مبقتش بتأثر تقريبًا وبقيت بتعامل مع الميت كأنه جهاز كهربائي، مجرد إجراءات عشان أهله يستلموه ويدفنوه ونفضي السرير عشان حالة جديدة تدخل مكانه..

فضلت أموري مكملة وحياتي مستمرة لحد ما وقعت في مشكلة كبيرة، للأسف اتورطت في قرض من البنك لأني كنت اشتريت عربية وشغلت عليها ابن خالتي الصغير تبع برامج التوصيل عشان أعمل دخل كويس، وهو وبعد أسبوعين بالظبط عمل بيها حادثة كبيرة وعرفت إني محتاجة نص تمن العربية تقريبًا عشان تتصلح، غير التعويض اللي اتحكم عليا بيه لصاحب العربية التانية لأن ابن خالتي كان هو اللي غلطان..

دفعت كل اللي ورايا واللي قدامي وكمان بقيت مُطالبة بدفع قسط شهري للقرض كنت فاكرة إن العربية هتدفعه من الشغل، ودلوقتي بقا مفيش عربية، وخالتي قلبت عليا وقالت اللي عندك أعمليه، ابني بيموت ومتكسر ومش معاه يدفعلك، وكأن الدنيا كلها أسودت في وشي في يوم واحد، يومها كنت في المستشفى مش طايقة نفسي، وبتعامل بعصبية شديدة حتى مع المرضى اللي على أجهزة الرعاية..

ومن كتر الضيق والتفكير وخناقة صغيرة مع زميلة سبت المكان كله وروحت أشرب قهوة من الكافيتريا الصغيرة اللي عند الباب الخلفي، كان الليل داخل والمكان فاضي تقريبًا لأن البوابة دي بتتقفل بعد الساعة 4، قعدت في مكان مستخبي أشرب قهوتي وأحاول أفصل من كمية الأفكار اللي بتاكل في دماغي، وأثناء ما أنا بفكر ودماغي هتنفجر لمحت حاجة غريبة شوية، لمحت واحدة ست بتفتش في صندوق الزبالة الكبير وبتبص يمين وشمال عشان محدش يشوفها..

فضلت مركزة معاها وهي بتقلب في القطن والسرنجات وبقايا الشاش ومخلفات المستشفى، ومن باب الزهق قررت أمسكها وأشوفها بتعمل أيه، قربت من وراها بهدوء وروحت متكلمة بصوت يخض وقولتلها (بتعملي أيه عندك) تخيلت لوهلة إنها هتتخض أو تخاف أو تحاول تبرر، ولكنها بصتلي بصة طويلة ببرود وفضلت مركزة مع عنيا وبعدها ابتسمت، لدرجة إن أنا اللي حسيت بالخوف، سألتها مرة تانية لقتها بتقول
– مشاكلك كتيرة أوي يا هند، قرض وعربية وعنوسة واحتياج..

غصب عني جسمي كله اتنفض مكانه وسألتها بتوتر كبير
– أنتي بتقولي أيه يا ست أنتي؟!
طلبت مني أهدى وقالتلي بكل وقاحة وجرأة
– أنا عايزة منك حاجة شمال، هتعمليها وهديكي مبلغ محترم تسدي القسط اللي عليكي والدنيا هتمشي معاكي شوية..
لسة كنت هزعق فيها قاطعتني وكملت وقالت
– متكابريش عشان أنتي اللي هتخسري مش أنا..

سألتها عن الحاجة اللي هي عاوزاها، قالتلي محتاجة كمية من روب العمليات، هتاخد الكمية كلها، بشرط يكون الروب لمريض مات فيه، وهتديني على الروب خمس آلاف جنيه، هتيجي الأسبوع اللي جاي تاخد الكمية كلها ولو كانت 50 روب، حسيت بإثارة غير طبيعية وفضلت مترددة لقتها ابتسمت وقالت
-اتفقنا خلاص؟؟

وسابتني ومشيت، ناديت عليها وسألتها ازاي هنتقابل تاني قالتلي إنها هتلاقيني وتيجي لحد عندي، وفعلًا رجعت مكاني وبدأت أفكر، ازاي أخد الروب اللي مات فيه المريض من غير ما حد ياخد باله، أول حاجة عملتها جبت أكتر من دستة من الروب الجديد بتاع المستشفى، وخلتهم جوة شنطتي، بحيث أي فرصة أبدل الجديد بالقديم ومحدش ياخد باله..

وجت الفرصة الأولى لما مريض كان بيحتضر قدامي، وأنا عارفة إنه كان بيموت، وقفت أسعفه وأساعده ومشيت زميلتي بحِجة إني محتاجة شاش وبدأت أسحب منه الروب بكل عنف، وقتها وهو بيحتضر بصلي بصة مش هنساها عمري كله، بصة غريبة وكأنه مذهول، ولقيته بينقط دم من مناخيره وبقه على الروب، بس أنا مستنتش ولو لحظة، سحبت الروب وقلعتهوله ولبسته الروب الجديد بسرعة وغطيته بالملاية، ومات بعدها بثواني، مات وهو باصص جوة عنيا، ملامحه اتحفرت تقريبًا في ذهني، راجل عجوز أقرع ووشه رفيع أوي وعضم الفك واضح وأسمر وعنده شامة في خده اليمين وعنيه مفتوحة على آخرها، مشهد مرعب زي ما بيقولوا..

خدت الروب القديم وخبيته كويس، وعلى مدار الأسبوع قدرت أجمع 10 أرواب من 12 حالة وفاة، رقم قياسي ومعرفش حققته ازاي، واستنيت يوم التسليم بفارغ الصبر، خمسين ألف جنيه مرة واحدة هيحلوا أزمة كبيرة، جمعتهم كلهم في شنطة وفضلت طول اليوم في المستشفى مستنية، بس الست للأسف مجتش..

روحت يومها وأنا حاسة بقلق وخوف كبير من إنها تكون نصابة أو بتضحك عليا، أو يمكن مرشدة وتبلغ إدارة المستشفى عليا، بس فضلت أطمن نفسي إن الأمور كلها هتكون كويسة، اتغديت أنا وبنتي الصغيرة وكل واحد دخل في سريره ينام، وفي الليلة دي شوفت ناس كتير أوي في شقتي، ناس عاملين زي الزومبي، وكلهم كانوا بينزلوا اللعاب من بقهم بطريقة مقززة ومنهم اللي كان بينزف دم، وكلهم بيتألموا بأصوات بشعة..

فضلوا يلفوا في الشقة لحد ما اتجمعوا حولين سريري وبدأوا يخنقوا فيا، فضلت أصرخ بأعلى صوت لحد ما صحيت وأنا قلبي هيقف من الرعب، كابوس بشع، أبشع كابوس ممكن إنسان يشوفه في حياته، روحت تاني يوم المستشفى على أمل إن الست هتيجي بس برضه مجتش، وللأسف اتكرر نفس الحِلم ولكن بتفاصيل أشد بشاعة، وبقا الناس دول بينهشوا في لحمي بسنانهم وضوافرهم، وصحيت مرعوبة لدرجة إني منمتش طول الليل..

واستنيت الست لليوم التالت بس برضه مجتش، وفضلت صاحية طول الليل مرعوبة أنام من اللي بشوفه، وفي اليوم الرابع كنت بموت وبقع من طولي من قِلة النوم، ولما كنت بغفل بس كنت بشوفهم في نومي، لحد ما عدى أسبوع جحيم عليا، عنيا بقت جاحظة وباين عليا الإرهاق والسواد تحت عيني ومش قادرة أقف متزنة..

ولما الست مجتش برضه كلمت واحد على النت وقالي إن سبب كل ده العشرة أرواب اللي شايلاهم عندي بتوع اللي ماتوا ولازم أتخلص منهم بأي طريقة، لعنت الست في سري ألف مرة وخدت الشنطة ورمتها في صندوق الزبالة وأنا بحمد ربنا إن الكوابيس البشعة دي هتنتهي، وفعلًا الكوابيس انتهت، بس بدأ كابوس أسوأ وأسوأ..

الراجل اللي مات قدامي وأنا بشد منه الروب، شوفته في الليلة دي بنفس المشهد البشع ده واقف قدام سريري ولما صحيت من الكابوس وأنا بنهج لقيته نايم جمبي، تخيل تفتح عينك تلاقي واحد عجوز باصص ناحيتك بعيون جاحظة ومناخيره بتنزف، المشهد خلاني أفقد الوعي لحد الصبح تقريبًا، خدت أجازة من المستشفى لأني مكنتش بنام، وكمان بدأ يحصلي نزيف كل شوية من مناخيري، نزيف عملي مشاكل صحية وروحت الطوارئ أكتر من مرة..

بالليل قلة نوم وبشوف الراجل ده، وبالنهار نزيف في الأنف ومستشفيات، وفضلت حالتي الصحية تسوء أكتر وأكتر لحد ما اتحجزت أيام في المستشفى واتعملي نقل دم لأن الأنيميا كانت واصلة لمرحلة خطيرة عندي، ورغم كل ده مكنش بيسبني وكان على طول معايا وقدامي، لحد ما كلمت نفس الشخص وقالي اتأكدي إنك اتخلصتي من كل الأرواب اللي عندك، قولتله إني رميتهم كلهم فعلًا..

ورجعت وأنا إيدي على قلبي لصندوق الزبالة ولقيتهم، لسة محدش جمع الزبالة من الصندوق، عدتهم وكانت المفاجأة، لقتهم 9 مش عشرة، رجعت أجري على شقتي وقلبت الدنيا عليه لحد ما سألت بنتي ولقتها شايلاه في دولابها وبتقولي إنها خدته عشان تلعب بيه، ولما بصيت فيه لقيت عليه بواقي دم، نفس الروب بتاع الراجل العجوز، خدته ورميته ومن يومها أموري هديت كتير بس صحتي بقت في النازل يوم بعد يوم لدرجة إن حد حذرني من إني اتعور لأن عندي سيولة غريبة وممكن أنزف لحد ما أموت..

أنا السبب، خدت قرض رغم تحذيرات كل المقربين وتجارب كل الناس اللي حوليا، واللي مفيش حد منهم خد قرض إلا وحياته اتدمرت، ولما جيت أسد القرض قررت أساعد واحدة الله أعلم هي أيه بس واضح إنها بتاعت أعمال، وطالما القرض ورطني قررت أكمل في سكة الحرام وأذي الناس لدرجة إني أذيت راجل بيموت ومتعظتش من الموت وسكراته، معرفش هعيش لحد أمتا، بس أنا فعلًا مريضة وتعبانة وشعري تقريبًا كله شاب، وجاية أحذركم من أي فلوس حرام، سواء قروض أو رشاوي أو مساعدات مشبوهة، والله ما بتجيب إلا الخراب..
[وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ] سورة النساء
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
………………
لو حابب تشوف قصص حقيقية وغريبة ادخل اعمل متابعة للصفحة د
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
……………….
متنساش لو عجبتك القصة تعمل لاف وتعليق برأيك في كومنت..

ومتنساش تمنشن أقرب صديق لك عشان يتابع معانا القصة أو تشاركها مع أصحابك..

وفولو لصفحتي الشخصية لو أول مرة تتابعني عشان يوصلك كل جديد..

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل