
بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي «روز أمين»
وسؤالاً دوماً يراودني،كيف حالُ من فارقوا،أمازالت تراودهم تلك الافكار ذاتها، إين هي الأنُ مشاعرهم! رسائلهم!،لحظاتهم الخاصة أمازالت تسكُنهم أم أنها تاهت وأنتست بزحمة الفراق.
بقلمي
«روز أمين»
«الفصل الاول»
بإحدي قُري محافظة الغربية،داخل منزل هيأة أثاثه تتسم بالفخامة وتوحي بأن ساكنيه ينتمون إلي الطبقة فوق المتوسطة
جالسةً هي فوق فراشها تبكى وتنتحب حظها العَسر بمرارة وحُرقة قلب وهي تودع قصة عشقها التي تغنى بها جميع اصدقائهما المُقربين وبعضًا من أهالي القرية العالمون بقصتهما لسنواتٍ،لتنتهي بلحظاتٍ وكأنها لم تكُن موجودة بالأساس،ارتفع رنين هاتفها،نظرت بشاشته وجدت نقش اسم صديقتها والتي كانت إحدى الشهود على تلك القصة،ضغطت زر الإجابة لتُجيب بدموعها التي تُقطع أنياط القلب:
-شفتي محمود عمل فيا إيه يا هالة، محمود دبـ.ـحني بسكينة تلمة
تنهدت صديقتها بحزنٍ ثم تحدثت بنبرة مستنكرة:
-أنا مصدقتش الكلام اللي سمعته في البلد غير لما اتصلت بـ حسام وأتاكدت منه إن خبر الخطوبة صحيح
ارتفع صوت بكائها لتسترسل هالة في محاولة منها لإيجاد عذر لمحمود تُطمئن به قلب صديقتها المفتور:
-حسام قالي إن محمود عمل كدة غصب عنه، أنا كمان شايفة إنه معذور يا جنة
إستمعت لدقات تعتلي باب غرفتها الخاصة،فأنهت المكالمة سريعًا وعلى عُجالة قامت بتجفيف دموعها قبل أن تدخل إليها تلك السيدة الخمسينية تتطلع إلى غاليتها بقلبٍ حزيناً متألمًا لأجلها،هى تعلم جيداً ما تشعُر به من ألامٍ تُمزق داخلها وتبعثر كل كيانها،ولكن ما بيدها لتفعلهُ كي تُعيد لصغيرتها بسمة وجهها وسعادة قلبها اللتان تركاها مُنذ ما حدث قبل عِدة شهور
جلست “سامية”قُبالة إبنتها الشابة البالغة من العمر الثانية وعشرون عامًا لتتنهد بأسى ثم لتتحدث بعينين لائمتين:
-انتى بتعيطى ليه الوقت؟
واسترسلت لتذكيرها مؤنبتاً إياها كي تعي على حالها وتستفق:
-هو مش خلاص سابك وراح خطب واحدة تانية،إنسيه وخرجيه من دماغك إنتِ كمان ووافقي على العريس اللي خالك جايبهولك، لا هو عُمره كان ليكِ ولا انتِ هتبقي في يوم ليه وإنتِ وهو كنتوا عارفين الكلام ده من الأول
ثم استطردت تذكرها بما يفرق العائلتين ويجعل أي تقارب بينهما يكادُ يكون مستحيلاً:
-إنتِ عارفة من الأول المشاكل اللى بين العيلتين وأن مستحيل يحصل بينهم نسب ومع ذلك سيبتي نفسك ومشيتي ورا الخيبان قلبك وأديكي شايفة وصلك لأيه،أهو سابك وراح خطب وقراية فتحتهم النهاردة
ثم أكملت بنبرة تحمل الكثير من الألم:
-ريحي نفسك بقي وريحني معاكى يا جنة
كانت تستمع إلي والدتها بقلبٍ بتمزقُ ألماً علي حالتها وما أوت إليه قصة غرامها الكبير،تساؤلاً مستاءً كان يطرحهُ دومًا عقلها.. لما رزقها الله وغرس بداخل قلبها عشق ذاك الفتي بدلاً عن غيره،شهقت بدموعها لتتحدث بنبرة تقطع نياط القلب:
-أنا عارفة الكلام دا كويس يا ماما،بس غصب عنى
تنهيدة حارة خرجت من صدر” سامية” التي تحدثت بصرامة كي تُجبر صغيرتها علي النهوض وعدم الإستسلام لتلك الحالة المزرية:
-طيب قومى خدي لك دُش يفوقك
واسترسلت بإعلام:
-أختك إتصلت وقالت إنها جاية فى الطريق مع جوزها،أهى تبات معاكى النهاردة وتحاول تفرفشك شوية.
أومأت لها وبعد خروج والدتها ارتمت فوق وسادتها تبكى بحرقه وهى تتذكر أنه الآن فى حفل خطبته مع إحداهُن،بعد أن حلما معاً وخططا لحياتهما القادمة تركها بمنتصف الطريق خانعًا مُستسلماً وذهب لخُطبة غيرها وأستكمال حياته بصُحبة أخري تاركاً إياها لتواجه مصيرها المُعتم بدونه،كم شعرت بدونيته وبغبائها
دخلت اختها الكبرى البالغة من العُمر الخامسة والعشرون وتدعي “ليلى”،متزوجة ولديها طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات،تسكن مع زوجها فى محافظة القاهرة الكبرى:
-حبيبتى يا جنة،عاملة إية؟
تعالى، وحشتينى…نطقتها “جنة” باشتياقٍ وهي تفتح ذراعيها لاستقبال شقيقتها نظراً لحبها الشديد لها وتوافقهما بالأراءِ والأفكار،ارتمت داخل أحضان اختها وأجهشت ببكاءٍ مرير ادمى قلب شقيقتها،ربتت “ليلى” علي ظهر شقيقتها وباتت تمسح بيدها عليه كي تحثها على السكون ثم تحدثت بتنبيه:
– إهدى يا “جنة”وبلاش اللى بتعمليه دا،بابا لو شافك كدا هيفهم، ولا علي، علي لو حس بحاجة هيطربق الدنيا على دماغنا
خرجت من داخل أحضانها لتتحدث بهستيريا وعدم استيعاب لما يحدث:
-مش قادرة اتخيل إزاي هكمل حياتى من غيره يا “ليلى”،مش قادرة حتى اتخيل انه قاعد معاها الوقت وبكل سهولة قدر يستغنى عني ويسيبني
واستطردت وهي تهز رأسها بجنونٍ وعدم استيعاب:
-يا تري بيقول لها إيه،بيبص لها إزاي، فرحان ولا الموضوع بالنسبة له عادى،فاكرنى ولا خلاص نسينى وأعتبرني صفحة قلبها وهيكمل حياته بعدها،أنا هموـ,ـت مش قادرة،معقولة بعد كل الحب دا النهاية تكون كدا؟!
هزت رأسها باستنكار لتسترسل بتألم ظهر بَيِنّ بنبرة صوتها:
-دى البلد كلها كانت شاهدة علي قصة حبنا وعشقنا لبعض،دا كان بيبكى لو في يوم تعبت يا” ليلى”،فجأة كدة يبعد عني ومرة واحدة يسبنى وبعدها اسمع من الناس إنه خطب؟!
كانت تشاهد إنهيار شقيقتها الصُغري بقلبٍ يتمزق ألماً عليها،اردفت تعقيباً علي حديثها:
-وهو كان هيعمل إيه أكتر من اللي عمله يا “جنة”،ماهو بعت لبابا هو وأهله علشان ييجي يخطبك،وبابا رفض مع المرسال حتى ما أدهوش فرصة ييجي هو وأهله ويتكلموا،وإنتِ علي أخد منك التليفون وكسره.
هتفت بنبرة حادة رافضة:
-يقوم يستسلم من أول جولة ويروح يخطب؟!
واستطردت بتألم ظهر بَيِن بعيناها ونبرة صوتها:
-ده أنا قلت له إني عمرى ماهكون غير ليك،قولت له مستحيل إسمي يرتبط بإسم حد غيرك
تنهدت تلك التي تتوجع لاجلها ثم تحدثت للتخفيف عنها:
-معلش ياقلبى،قومى اتوضى وصلى الظهر وسبيها على ربنا
ونعم بالله…جُملة مهمومة نطقت بها جنة قبل أن تنصاع لرأي شقيقتها وتذهب إلى الحمام لتتوضأ إستعدادًا للصلاة
*****
فى الجهة الأخرى من نفس القرية،كان محمود البالغ من العمر الخامسة والعشرون،يجلس مع اسرتهُ يتبادلون فيما بينهم التهانى والمباركات فرحاً بخطبة غاليهم وذلك بعدما عادوا من منزل والد العروس بعد إتمام الخُطبة وقراءة الفاتحة
إقتربت عليه الأم وتحدثت بوجهٍ سعيد:
-مبروك يا حودة،ألف مبروك يا حضرة الظابط
تطلع عليها بنظرة حزينة مُنكسرة كحال قلبه البالي ليتحدث ساخراً بإلتياع:
-مبروك عليكِ إنتِ يا ماما،مش اخترتى العروسة اللي علي مزاجك
هتفت”عفاف” بنبرة حماسية:
-عروسه زي القمر وأبوها عميد في الشُرطة قد الدُنيا وهينفعك فى شغلك،هعوز لإبني إيه أكثر من كدة
واستطردت بعتابٍ حادّ:
-وبعدين إنتَ زعلان ليه؟! ما أنت عملت اللي عليك واتقدمت للبنت اللي كنت عايزها ورفضوك حتى قبل ماتروح ولا يسمعوك،وقلوا مننا قدام البلد كُلها واخوها كان هيضـ,ـربك
عبست ملامحها لتستطرد بنبرة تحمل الكثير من الاستياء:
-هو أبوك قليل في البلد علشان إبنه يترفض بالطريقة دي يا محمود؟
ده أنتَ ابن الحاج”عبدالله التهامي”على سِن ورُمح
هز رأسه مقتنعًا بكلام والدته ثم تحرك صوب غرفته،ولج إليها ثم إرتمي بجسده فوق تختهُ باهمال ونفخ بقوة ليخرج لهيب صدرهُ المُحترق،بات يتذكر أول لقاء جمعهُ بها قبل سبعة أعوام من الأن، عندما كان طالبًا بالصف الثالث الثانوي
فلااااااش باك
قبل سبعة أعوام من حاضرنا الأن
داخل المدرسة الثانوية المُشتركة بالبِلدة المجاورة وفي أول يومًا دراسياً بالعام الجديد، يقف محمود الطالب بالصف الثالث الثانوي ومجموعة من أصدقائه،سامح صديقهُ المُقرب والاخر يُدعي ذكريا المسيري،والذي كان يغار بشدة من محمود لكونهِ محبوباً من أصدقائه والمدرسين ولانهُ وسيماً للغاية ولذا تُعجب به كل من تراهُ من الفتيات المُثيرات
وأثناء حديثهم وضحكاتهم لفت إنتباه جميعهم ولوج فتاة جميلة للغاية وجمالها يكمن في جمال روحها التي طغت فوق ملامحها فجعلت منها جميلة حد الفتنة،كانت تمتلك عينين عسليتين ذات رموش كثيفة جذبت بها معظم الحضور،أما عن شفتاها فكانت كنزة باللون الوردي المُشهي لناظرهُ،متوسطة الطول
إرتبك بوقفته حين رأها تهلُ عليه كاقمراً منيراً بليلة إكتماله،هتف ذكريا بعيناي منبهرة:
-أوباااا،إيه الصاروخ الأرض جو اللي إقتحم المدرسة ده
نظر عليها وتحدث هو الاخر بانبهارٍ ظهر بَيِنّ داخل زرقاويتاه:
-مين البنت دي يا شباب،أنا اول مرة أشوفها
أردف سامح وهو يتطلع عليها بتمعن:
-شكلها مُستجدة لأن أنا كمان أول مرة أشوفها في المدرسة.
إبتسم محمود وتحدث بمداعبة لاصدقائه:
-شكلها كدة هتبقي سنة فُل علينا إن شاء الله
ضحك الشباب باستهزاء في حين تحركت وهي تحتضن حقيبة كتبها وتقربها من صدرها،باتت تتجولُ بعينيها باحثةً عن أحداً تعرفهُ،إقترب منها ذكريا ووقف يقابلها ليتحدث بوقاحة:
-القمر أول سنة ليه في مدرستنا،صح؟
رمقته بنظرة محتقرة قبل أن تنطلق بطريقها مما جعل محمود وأمجد يطلقان ضحكاتهم الساخرة حتي بات كلاهما أن يقع أرضاً من شدة قهقهاتهما المتهكمة عليه مما جعل داخلهُ يستشيطُ غضبًا
دارت بعينيها مستكملة في البحث إلى أن استقرت بمقلتيها على مجموعة من صديقاتها بالصف الثالث الإعدادي يقتربن عليها مُرحبين بتهليل،إبتسمت بشدة وكأنها وجدت ضالتها وباتت الفتيات يتبادلن السلامات والترحاب ببعضهن البعض
نظر عليها بإعجاب ومُنذُ ذاك الحين وهو يراقب تحركاتها بالمدرسة،وبيومٍ من الأيام وبعد مرور حوالي ثلاثة اسابيع علي بداية الدراسة،خرج من بوابة المدرسة ووقف ينتظر قدوم سيارة أجرة جماعية كي توصلهُ إلي قريته حيثُ تبتعد عن القرية المتواجد بها المدرسة بثلاث قُري،إشتدت سعادتهُ حين وجدها تقف بجواره تُشير إلي إحدي السيارات وبعدما توقفت نطقت باسم قريتهُ لتُعلم السائق إذا كان باستطاعته إصطحابها أم لا
أعلمها السائق بموافقته فاستقلت بالمقعد المجاور للشباك ليجاورها هو الجلوس وتلاهُ بعض الطلبة حتى اكتمل عدد العربة،إبتعدت عنه لتلتصق بالشباك وقامت بوضع حقيبتها كفاصلٍ بينهما تجنبًا للتلامس،أعجبهُ تصرفها للغاية ليتحمحم متحدثًا إليها باستفسار:
-هو إنتِ من كفر هلال؟
تطلعت عليه بجبينٍ مُقطب ولم ترد فاسترسل مفسراً بهدوء:
-أنا مش قصدي أعاكس والله،أنا بس إستغربت لما لقيتك بتقولي للسواق علي بلدي وانا أول مرة أشوفك
واستطرد بإبانة:
-على فكرة،أنا معاكي في المدرسة،في تالتة ثانوي السنة دي
وأخيرًا قررت الخروج عن صمتها لتنطق بنبرة تهكمية دون النظر إليه:
-طب مش تذاكر علشان تجيب مجموع بدل ما أنتَ مقضيها فُرجة علي البنات إنتَ والأتنين أصحابك الرخمين اللي دايماً واقف معاهم
إتسعت عينيه بعدم استيعاب لحديثها الذي جعلهُ يطير فرحاً،ليهتف بضحكة سعيدة اظهرت كم إبتهاجه:
-ده أنتِ عارفاني ومركزة معايا بقي
إشتدت وجنتها توهجاً من شدة خجلها الذي إعتراها جراء حديثه الجرئ والذي جعلها تخجل من حالها وتسخط من سذاجتها،إبتلعت لُعابها وتحدثت بصعوبة بعد أن إستجمعت حالها:
-وهو فيه حد في المدرسة كُلها مايعرفش محمود عبدالله التهامي وشلته اللي ما سابتش بنت في المدرسة إلا وعاكسوها وضايقوها
قهقه بشدة جعلتها ترتبك ليتحدث إليها بدُعابة:
-طب والله أنا مظلوم في وسط الشِلة دي وبفكر أسيبهم بسبب السُمعة اللي مطلعينها عليا
رمقته بنظرة عدم تصديق لحديثه ثم أشاحت بنظرها عنه لتتابع الطريق عبر النافذة، تحمحم ثم من جديد تحدث بملاطفة بعدما تفاجئ بتجاهلها له:
-طب مش هتقولي لي إنتِ بنت مين ومن أي عيلة عندنا في البلد؟
نظرت له وضيقت عيناها متعجبة إصرارة فتحدث بمشاكسة:
-طب ينفع تكوني عارفة عني كل حاجة وأنا معرفش حتي إسمك؟
أشاحت عنه ببصرها مطلة من جديد للخارج عبر النافذة مما جعلهُ يستشيطُ غضباً من تجاهلها المتعمد له ويقرر هو الأخر ان يتجاهل وجودها،وما هي إلا دقائق وتوقفت السيارة، ترجل من السيارة وتلتهُ هي حيثُ نزلا ببداية الطريق بالبلدة،تحرك في طريقه بوجهٍ غاضب فاقتربت عليه وتحدثت بنبرة هادئة:
-إسمي جنة،جنة محمد الأنصاري
نطقتها وتحركت بطريقها بخطواتٍ متعجلة تاركة إياه بفاهٍ منفرج علي مصرعيه من شدة سعادته ومفاجأته ايضاً باهتمامها لزعله،لكن سُرعان ما اختفت إبتسامته عندما تذكر اسم عائلتها وتذكر المشاكل والكُره والحقد المتبادلان بين العائلتان وتوارثهُ الأجيال عبر الزمان،ويرجع هذا لقديم الزمن لحاـ,ـدثة قتـ,ـل بالخطئ تسبب بها أحد أفراد عائلة التهامي بضـ,ـرب أحد أفراد عائلة الأنصاري داخل إحدي المناوشات بين الرجال مما أدي إلي مضاعفات جثمانية وبعدها ظهرت بعض الامراض العضوية وتوفي المريض بعد ما يقرب من الشهرين،فألصقت له العائلة تهمة القتـ,ـل وبرأته النيابة من التهمة بعد الكشف علي المتوفي،لكن عائلة جنة كانت تريد بأخذ الثأر فتدخل رجال الشُرطة والعُقلاء من الطرفان وأيضاً عُقلاء المركز وفضوا تلك القضية، و منذ حينها تم قطع العلاقات بين العائلتين وابتعدا عن كل ما يقربها سواء كان مشاركة بالعمل أو تبادل الزيجات وخلافه
مرت الأيام والسنوات،استطاع خلالهم محمود بأن يحقق أحد أحلامه وهو الإلتحاق بكلية الشرطة وكل هذا وهما سوياً،حيث تعلق قلبي العاشقان بعضهما بالبعض حتي أصبحا لا يستطيع احدهما التنفس دون الآخر،واصبحا لا يغفيان إلا بعد إستماع كُل منهما لهمسات صوت خليلهُ عبر الهاتف،واليوم هو اليوم الأول لجنة حيث التحقت بكلية الأداب،توقفت سيارة الأجرة أمام بوابة الجامعة لتترجل منها جنة،اتسعت عينيها بمزيجًا من السعادة والذهول عندما فوجئت بوقوفهُ أمام البوابة منتظرًا حضورها بباقة من أروع الزهور الطبيعية،تطلعت عليه بحبورٍ ونظراتها الهائمة جالت بعينيه المتيمة،رعشة قوية سرت بكامل جسدها بفضل هيأته المهلكة لقلبها،فلطالما عشقت مظهرهُ وهيأتهُ الرجولية،اقترب عليها وتحدث وهو يُهديها باقة زهورها:
-مبروك يا قلبي،عقبال ما اجيب لك بوكية ورد خطوبتنا
تبسمت بشدة لتتحدث بحبورٍ ظهر بعينيها وهي تتناول منه زهراتها:
-إيه المفاجأة الحلوة دي
واستطردت متسائلة:
-ما قولتليش ليه إنك هتيجي
ابتسم ليُجيب على تساؤلها:
-طب ولو قُلت لك كانت هتبقى مفاجأة حلوة إزاي
ثم استكمل وهو يجول بعينيها بنظراتٍ هائمة:
-زائد إني كُنت هحرم نفسي من أرق إبتسامة وأجمل طلة عيون وهي مبهورة من المفاجأة
تنهدت بسعادة سُرعان ما اختفت فور رؤئيتها لنظرات الفتيات وهُن يتطلعن بانبهار على ذاك الواقف بمظهره الرجولي وثيابه الميري الخاصة به كطالب بكلية الشُرطة،استشاط داخلها وشعرت بفورانٍ بكامل جسدها ناتج عن شِدة غيرتها عليه،تطلعت إليه بنظراتٍ حادة قبل أن تهتف ساخطة:
-طبعاً إنتَ جاي مخصوص ببدلة الشُرطة علشان تشوف نظرات الإعجاب من عيون البجحين اللي تندب فيهم رصاصة دول
لم يفهم مقصدها إلا بعدما تطلع حولهُ ليندهش من جُرأة بعض الفتيات وهُن يتطلعن عليه بنظراتٍ توحي لشدة إعجابهُن دون حياء،أراد أن يستغل ما حدث ليُشعل صدرها بنـ,ـار الغيرة أكثر عَل قلبهُ يسعد لرؤية عشقها الجارف له فاعتدل ينظر إليها ليتحدث بتسلي:
-اللي إنتِ شيفاه ومستغرباه ده بقى العادي بتاعي يا حبيبتي
واسترسل لاثارة حِنقتها:
-أنا مش عاوزة أقول لك اللي بشوفه من البنات وجرأتهم طول ما أنا ماشي في الشارع
وده طبعاً شيء مفرح حضرة الظابط وراضي غروره…جُملة غاضبة نطقت بها جنة بعينين تُطلقان شزرًا ليضحك هو بعدما حصل على مبتغاه ليُزيد من اشتعال نيران غيرتها،توقف سريعًا عن اطلاق ضحكاته ليتحدث إليها بنبرة حنون بعدما رأى حزنها الذي ظهر بعينيها:
-مفيش حاجة تفرح قلبي وترضي غروري غير نظرة الحب اللي بشوفها في عيونك وإنتِ راضية عني يا جنة
رُغمًا عنها تبسمت بإشراقة ساحرة جعلتهُ يبتسم ليتحدث بحبورٍ ظهر بَيِنّ بعينيه:
-أيوة كدة إضحكي علشان شمس يومي تطلع وتنور دنيتي
أنزلت بصرها خجلاً فاسترسل ذاك العاشق بما جعل قلبها يتراقصُ فرحًا:
-بحبك يا جنة،والله العظيم بحبك
تنهيدة حارة شقت صدرها وخرجت لتُعلن عن وصولها للمنتهى من الراحة والعِشق ليسترسل هو بنبرة حماسية:
-إعملي حسابك إننا هنتغدى مع بعض النهاردة
رفعت بصرها لتتقابل أعينهم وتحدثت باستنكار:
-غدى إيه اللي بتتكلم عنه يا محمود؟
إنتَ عاوز حد يشوفني معاك ويروح يقول لبابا ولا لحد من إخواتي والدنيا تولع؟!
قطب جبينهُ مستنكرًا لتسترسل هي بإبانة:
-ده غير إن لا يمكن أخون ثقة بابا فيا
تحدث مُلقيًا عليها اللوم:
-براحتك يا جنة، افضلي إنتِ كدة ارفضي أي محاولة ليا وضيعي من ادينا أي فرصة بحاول أخلقها علشان نقرب فيها من بعض ونستمتع بوجودنا بحجج فارغة
بس دي مش حِجج فارغة يا محمود، إنتَ عارف كويس أوي لو موضوعنا اتعرف إيه اللي ممكن يحصل…نطقتها بحُزن لتسترسل بنبرة محبطة:
-أنا أصلاً مش عارفة إزاي طاوعت قلبي ومشيت وراه وحبيتك وأنا عارفة نهاية الحكاية
مش عاوز أشوف نظرة الانكسار واليأس دي في عنيكِ مرة تانية…نطقها بحدة ليسترسل بتأكيدٍ حاد:
-مفهوم يا جنة
نظرت عليه وتنهدت بيأسٍ ليسترسل بنبرة حماسية:
-عاوزك تتأكدي إن مهما كانت الصعاب اللي هتقابلنا ،حبنا في الآخر هو اللي هينتصر،ربنا مش هيتخلى أبداً عننا
ابتسمت له بارتياح بعدما طمأنتها كلماته لتتحدث بنبرة تفاؤلية:
-أنا واثقة فيك يا محمود،وعندي يقين إن بكرة شايل لنا أجمل أيام
ابتسم لها ثم تحدث بعدما أراد مداعبتها ليرى غيرتها العمياء عليه والتي تجعله يصل لمنتهى النشوة:
-طب وبالنسبة للغدى،سيادتك هتتعطفي وتيجي معايا ولا أخدها من قصيرها وأعلق مُزة من اللي هيمـ,ـوتوا على البدلة الميري دول واروح اتغدى معاها ونتسلى؟
اشتعلت عينيها لتنظر إليه شزرًا وهي تتحدث من بين أسنانها:
-إمشي من قدامي يا محمود بدل ما ارتكب فيك جناية على الصُبح
أمـ,ـوت فيك وإنتَ شرس…نطقها بغمزة من إحدى عينيه تحت خجلها ليتحدث بنبرة جادة وهو يعدل من ياقة حلته إستعدادًا للرحيل:
-خلي بالك على نفسك يا حبيبي
نطقت بابتسامة مشرقة:
-وإنتَ كمان
بحبك…نطقها بهمس قبل أن يتحرك ويستقل سيارته لينطلق بها مسرعًا تحت سعادة قلبها العاشق ونظرات الفتيات لها.
يتبع
بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أَنْـتَ سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين