
من أيام قليلة بدأت تظهر عليا أعراض الحمل المُتعارف عليها وسط الستات، ولما خدت رأي أكتر من واحدة أكدتلي إني خلاص بقيت حامل وهفرح جوزي اللي اتجوزني على مراته مخصوص عشان أحمل لأن مراته الأولى مكنتش بتحمل، اتصلت بيه وبلغته بالخبر ومن فرحته جالي يجري وهو طاير من الفرحة، وبدأ يأكد عليا متحركش ولا أعمل أي مجهود وأكد عليا معـ,ـملش أي أشعة سونار لأن أغلـ,ـب الأطباء بيقولوا ممكن الأشعة دي تأذي الجـ,ـنين، وفضل يأكد عليا مروحش أكشف أبدًا إلا وأنا معاه..
وفعلًا سمعت كلامه بالحرف الواحد، ولقيت مراته الأولى بتتصل بيا وبتباركلي، والحقيقة وعكس المُتعارف عليه هي نفسها اللي شجعته يتجوز عليها عشان يخلف، وهي اللي جت وكلمتني قبل ما أتجوز أنا وهو، ولما كلمتني كانت بتهزر وكانت فرحانة بجد، يمكن حاجة غيرتلي مفـ,ـهومي تمامًا عن فكرة الزوجات مع بعض..
فضل الحمل مستمر والأمور ماشية بصورة طبيعية جدًا لحد ما وصلنا للشهر السابع، وكان لازم فعلًا نروح نكشف بأي طريقة لأن بطني كبرت والوجع بقا بيزيد كل شوية وبحس بحركة غير طبيعية، وفعلًا روحنا لدكتور ثِقة هو يعرفه وكشفنا وبعدها عملنا السونار، لكن الغريب إن بعد ما جوزي خرج لقيت نظراته باهتة وشكله مخضوض، حاولت أستفسر عن السبب بس متكلمش ولا قال أي حاجة..
رجعنا البيت وهو فاقد النُطق تقريبًا، وأنا في دماغي فيه فكرة عمالة تكبر وبستعيذ بالله منها إن الجنين يكون مات ولا حاجة، بس ازاي وأنا حاسة بالحركة جوة بطني، سألته أكتر من مرة بس مكنش بيرد لحد ما سألته وقولت
– ابني مات ولا أيه أبوس ايدك رد عليا؟؟
لقيته بص عليا بصة طويلة أوي وقال
– مفيش طفل أصلًا..
للوهلة الأولى مكنتش فاهمة هو قصده أيه ولا فاهمة الكلمة، لحد ما تمالك نفسه وقالي إن الحمل كاذب وإن عندي ورم كبير عامل مشاكل في الجهاز الهضمي كله، وهو اللي عامل بطني كدا ولازم جراحة خلال شهر واحد بس عشان الورم يتشال، وقالي إن التحركات دي بسبب انتفاخات في القولون مش تحركات الطفل..
فضلت وقت طويل على ما قدرت أستوعب اللي هو بيقوله لأني مكنتش فاهمة حاجة، وفي النهاية استوعبت، استوعبت كل كلمة وفضلت أسبوع في حالة صدمة غير طبيعية، وهو فضل جمبي مسبنيش ولو لحظة واحدة، طلبت منه نتأكد في أكتر من مكان وعملنا فعلًا سونار في مركز تاني وعرضه على أكتر من دكتور وكانت الإجابة واضحة (مفيش جنين أصلًا)..
يعني كل حركة كنت بحس بيها جوة بطني وبتخيله إنه ابني ده مجرد ورم بينهش في جسمي وعايز يتخلص مني، زهدت في الدنيا وكنت فعلًا بتمنى الموت لحد ما في النهاية جوزي أجبرني أجهز للعملية وعملنا تحليل دم وإشاعات كتير لحد ما اتحدد ميعاد العملية، وفعلًا زورنا المركز وتهيأت للعملية، كان طالب مني مبلغش حد من أهلي عشان ميسافروش ويتعبوا وإننا هنبلغهم بعد العملية..
وفعلًا عملت العملية وخرجت منها مفيش أي ورم في بطني، وبلغوني إن العملية نجحت ولله الحمد بس جه معاها خبر أصعب، الورم عمل مشاكل كبيرة في الرحم وصعب جدًا جدًا أحمل إن مكنش مستحيل، ورجعت بيتي مقهورة، كلمت أمي اللي جت تجري وفضلت تواسي فيا وتفكرني إن دي كلها تدابير ربنا ولو دعيناه هيستجيب لينا، وكلها شهر واحد وللأسف جوزي طلقني، لأنه كان متجوزني عشان الخِلفة وأنا محققتش ده فكان من حقه يتخلص مني ويطلقني يرجع لمراته الأولى..
ورجعت بلدنا مكسورة، زي اللي فقدت روحها وبقت عاملة زي الجسم من غير روح، وفضلت هناك سنة كاملة بحاول أتعايش، أمي جمبي وكل شوية بتفكرني برحمة ربنا وإن الصبر هو الحل لأي مشكلة بيقع فيها الانسان ودايمًا كانت بتقولي رددي (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها)..
لحد ما جالي اتصال من مرات طليقي، استغربت إنها بترن عليا بعد الفترة دي كلها، ولما رديت عليها لقتها بتصرخ، استغربت أوي ولقتها بتترجاني اجي فورًا وبدون أي تأخير، حكيت لأمي اللي حصل وقالتلي روحي شوفيها واطمني عليها..
ولما روحت لقيتها حامل وعلى وش ولادة وبتتجهز عشان تاني يوم الصبح تدخل العمليات، حاولت أطمنها وأهديها لأنها كانت ثايرة، وأول ما شافتني واستوعبت إن أنا اللي جمبها هديت خالص وطلبت مني أسمعها بدون ما أقاطعها بكلمة واحدة..
قالتلي إنها مكنتش بتخلف وكان واضح إنها مش هتحمل أبدًا، وعشان كان نفسهم هي وطليقي في الأطفال وعايزين يبقا ليهم طفل قرروا إنه يتجوز واحدة تانية تحمل وياخدوا ابنها وبعدين يطلقها، وعشان كدا راح اتجوزني من بلد بعيدة واختارني لأني أبويا ميت ومليش حد غير أمي وكمان مش متعلمة، يعني مش هعمل مشاكل كتير..
حملت فعلًا وفهموني بعدها إن ده مش حمل وإنه حمل كاذب وإن عندي ورم كبير، وروحت المركز بتاع حد يعرفهم واللي حدد إن الولادة تبقا بدري شوية لأنها مش هتكون طبيعية، وفعلًا خدوا ابني وفهموني إن العملية نجحت وبعدين طلقني ومشيت..
بتكمل كلامها وبتقول، الولد ولأنه نزل بدري عن ميعاده رغم إن الدكتور قال إنه اكتمل النمو إلا إن مشاكله الصحية كانت بتكتر كل شوية لحد ما في النهاية اتوفى بعد شهرين بس، اتوفى بعد ما سجلوه باسم أبوه واسمها هي، ولما فقدوا الأمل عملوا حقن مجهري للمرة التالتة وبعد شهر واحد حملت..
بس الحمل كان كله مشـ,ــ,ـاكل وانهاردة بلغوها إن العملية مش هتكون سهلة أبدًا وهي من جواها عارفة إنها مش هتكـ,ـمل وهتموت، وجابتـ,ـني عشان تطلب مني السماح، حكت كلامها من هنا وجت الممرضة تاخدها للعمـ,ـليات وهي عمالة تصرخ وتطلب مني أسامحها وأخلي بالي من ابنها لو عاش..
صدمتي باللي سمعته وقتها كانت أكبر من صدمتي بيوم ما اكتشفت إن ماليش ابن، ازاي فيه ناس ممكن تأذي حد بالطريقة دي بدون أي خوف من ربنا وبدون أي خوف من عقابه، أنا كنت بخاف أموت نملة أحسن أتحاسب عليها، وكلها ساعة وطلع الخبر، الأم ماتت وبيحاولوا ينقذوا الجنين، وفعلًا ابنها عاش، وماتت قبل حتى ما تشوفه، أبوه جالي وطلب مني نرجع وأربي ابنه زي ما وصت مراته بس مقدرتش أجاوبه ولو بكلمة..
مش شرط ننفذ وصية الظالم، ممكن نسامحه لوجه الله لو قدرنا، إنما أنا مش هربي ابن مش ابني، هخليه مع أبوه هو أولى بيه، الطفل مالوش ذنب في اللي أمه عملته ومالوش ذنب لو افتكرت موت ابني في يوم من الأيام وضايقته أو أذيته، ورجعت بلدنا، حكيت لأمي كل حاجة لقتها ابتسمت، قالتلي ربنا قدر إن ابني يموت عشان مكملش في حياة مغشوشة زي دي ومع ناس زي دول، وخدت ثواب الصبر على فقدانه وشوفت حقي بعنيا وهو بيتاخد، وكمان اتجبر بخاطري لما عرفت إني بولد عادي مش عندي مشاكل زي ما أوهموني..
وده أمي حكته للعريس الجديد اللي كان عاوزني وناس قالوله دي مبتخلفش، واتمسك بيا أكتر وفعلًا اتجوزت، وعدت السنة وكان معايا توأم، يومها استغربوا كمية البكاء اللي بكيته، بس محدش كان عارف اللي جوايا، لأني كنت فرحانة لأن ده اختيار ربنا اللي دايمًا بيكون الخير الأكبر لينا حتى لو افتكرنا إنه العكس..
(اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها) صحيح مسلم
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
………………