روايات

حكاية رأى اخر بقلم نسمه محمود

علي نغمات و صوت كارم محمود و أغنية  «مـ,ـرحب شهر الصوم »، و روائح و نفحات رمضان تـ,ـجول في شوارع المحروسة و الحـ,ـواري، و مـ,ـتاجر الفوانيس و ياميش رمـ,ـضان… و هنا بداخل إحدي الأحياء الشعبية الشهيرة في محافظة الجيزة، حي إمبابة الشهير، و بأعلي ذلك البناء القديم حيث يحلق أعلاه سرب من الحمام الزاجل يقوم هذا الشاب مـ,ـتوسط القامة بالصـ,ـفير و التلويح بعلم كـ,ـبير، أمتدت إيدي ذات ملمس ناعم و رائحة ذكية فوق عينيه، أبتسم و قال:
-قال يعني لما تغمي عيـ,ـنيا مش هاعرفك.

أبعدت كفيها عن عينيه و لكزته في كتفه قائلة:
-أنت رخم أوي علي فكرة.

ألتفت إليها و أخبرها بنبرة تلعب علي أوتار فؤادها المُغرم به حتي النخاع:
-و أنتي حلوة و جميلة أوي يا ليلة.

ظل يحدق في عينيها مبتسماً و بداخله يريد أن يعانقها و يحلق بها مثل هذا السرب المحلق في السماء ، شعرت بالخجل من نظرته الـ,ـثاقبة تلك فتهربت و قالت:
-شوفت بقي نستني اللي كنت جاية لك عشانه.

أخرجت من حقيبتها ورقة رفعتها أمام عينيه و بكل سعادة أخبرته:
-أولاً أنا جيت لك عشـ,ـان أقولك كل سنة و أنت طـ,ــ,ـيب بما أنه أول يوم رمضان بكرة و كمان عشان أنا جبت ٩٠٪.

شبه إبتـ,ـسامة ظهرت علي شفاه قائلاً بإقـ,ـتضاب:
-مبروك.

أدخلت الشهادة إلي حـ,ـقيبتها و سألته و القلق و التوتر يداهمان قلبها من ردة فعله التي لم تكن تتوقعها:
– مالك مش مبسوط ليه، حساك زعلان؟

ولي ظهره إليها و أغترف بيده حبات القمح من الكيس البلاستيكي مُجيباً علي سؤالها:
-مين قال كده،أنا فرحان ليكي بس..

صمت فوجدها تقف أمامه مباشرة تمسك بساعده و تسأله بترقب:
– بس أي؟

أطلق تنهيدة من أعماقه ثم أخبرها:
-خايف من أخوكي ليرفض جوازنا عشان فرق التعليم اللي ما بينا.

قطبت حاجبيها قائلة:
-دي حاجة تخصني أنا هو مالهوش دعوة.

– و لما يرفضني زي المرة اللي فاتت و يسمعني كلمتين مالهمش لازمة!

داهم الحزن ملامح وجهها عندما تذكرت ذلك اليوم الأسود عندما تقدم عمار لخطبتها و قام شقيقها برفضه بحُجة إنه ليس يمتلك عمل مُستقر و لم يمتلك سُبل المعيشة البسيطة ليعطي إليه شقيقته.

ردت علي حديثه و هي تمسك بيده لتطمئنه:
-ما تقلقش أنا الحمدلله خلصت من الثانوية العامة و هادخل الجامعة، و عقبال ماتفتح الدراسة هاشوف أي شغلانة و أهو قرش مني علي قرش منك يبقي معاك حق الشبكة و جمعية ورا التانية نقدر نجيب العفش.

زادت كلماتها أوجاعه، زفر بضيق و قلة حيلة، أخبرها بحدة:
– و فكرك بقي أنا هوافق علي حاجة زي كده!

صاحت بنفاذ صبر و من فرط خناق شقيقها الذي يفرضه عليها:
– هو مفيش غير كدة، عمار أنا بحبك و بحلم باليوم اللي هابقي معاك فيه و لينا بيت و حياتنا الخاصة، نفسي أصحي علي صوتك مش زعيق أخويا و خناقه يا إما معايا يا إما مع مراته،أنا تعبت و مابقتش قادرة أستحمل.

و مع أخر جملة داهمها البكاء، فأطلقت لدموعها العنان، أقترب منها و كاد يعانقها أوقفه رنين هاتفها، أنتفضت و أخرجت الهاتف من حقيبتها، أتسعت عينيها بفزع عندما رأت إسم زوجة شقيقها فأدركت سبب الإتصال.

ــــــــــــــــــ

و في البناء المقابل تقف تلك السيدة ذات الثلاثة و الثلاثون عاماً و إمارات الـ,ـخوف تغزو ملامحها لاسيما بعدما سمعت صوت زوجها الذي ولج للتو من الباب مُنادياً عليها بصوته الأجش المُخيف:
-هدي ، يا هدي.

ألقت نظرة أخيرة علي شاشة هاتفها و تمتمت بصوت خافت:
– يخربيتك يا ليلة لو عرف أنك خرجتي و مارجعتيش لحد دلوقت هيقتلني و هيقتلك.

-بت يا ليلة.
تركت هاتفها علي القطعة الرخامية و خرجت إليه تبتسم له بتصنع:
-أنت جيت يا سي حـ,ـبشي، أنا أفتكرتك هتيجي بالليل.

جلس علي أقرب كرسي و قام بخلع حذائه المتسخ قائلاً:
-لا أنا قفلت الورشة بدري النهاردة،أصل الولاه صامولة جدته تعيشي أنتي.

عقبت بقليل من الحزن:
-لا حول ولا قوة إلا بالله ده أنا لسه شـ,ـيفاها ديك الـنـ,ـهار كانت فرشة الفجل و الجرجير.

عاد بظهره إلي الوراء بأريحية:
-عمرها كده بقي ربنا يرحمها، أومال فين البت لـ,ـيلة لسه ماصحيتش؟

تجنبت النظر إليه حتي لا يكشف كذبها قائلة:
– شكلها نايمة أصلها كانت شغاله معايا في الشقة بنحضر لرمضان بقي و كده،كل سنة و أنت طيب.

و بعدما أنتهت من إجابتها نظرت إليه لتتأكد من إقتناعه، فوجدته يرمقها بنظرة أخري و سألها:
-هم العيال لـ,ـسه مارجـ,ـعوش من عند أمـ,ـك؟

هزت رأسها بإيجاب:
-اه، أصل أختي رجـ,ـعت من السفر و أنت عارف العيال بيحبو خالتهم قولت أسيبهم لها و هابقي أروح أشـ,ـوفها و أخد العيال و أنا راجعة.

نهض و أقـ,ـترب منها و عينيه تنضح بنظرات جـ,ـريئة سافرة، سألته بإرتباك:
-فيه حاجة يا سي حبشي؟

جذبها من خصرها و أخبرها:
-فيه إنك وحشتيني.

قطبت حاجبيها و سألته بعدم فهم كالبلهاء:
-وحـ,ـشتك إزاي يعني ما أحنا في خـ,ـلقة بعض كل يوم.

هزها بين ذراعيه و عينيه تنضح بنظرة إشتهاء:
-ما تفهمي بقي يا أم مخ تخين، بقولك وحشتيني، و بكرة رمضان.

عقدت حاجبيها بضيق ثم رمقته بنفور و إشمئزاز قائلة:
-ريحتك كلها شحم و جاز.

تركها و قام بأستنشاق ثيابه:
-عندك حق،كان عندي شغل كتير إمبارح و نسيت أجيب لك الهدوم تغسليهم، عشر دقايق هادخل أخد دش و أرجع لك فُلة.

و بعدما دلف إلي المرحاض، ركضت الأخري إلي باب المنزل تسترق السمع إلي خطوات تلك القادمة، صوت المفتاح في قفل الباب، سبقتها هي و قامت بفتحه، شهقت ليلة عندما وجدتها في وجهها:
-خضتيني يا هدي حرام عليكي.

جذبتها الأخري إلي الداخل و أغلقت الباب بهدوء حتي لايصدر صوتاً يصل إلي زوجها، دفعتها إلي غرفتها لتوبخها:
-أخص عليكي يا ليلة ،هي دي النص ساعة و جاية!

-هو جه؟
سألـ,ـتها بـ,ـخوف بعدما نظرت نحو الـ,ـخارج و سمعت صوت إنهمار صنبور المياه في المرحاض، أجابت الأخري:
-اه جه و سألني عليكي، قولت له أنتي نايمة، خليكي هنا بقي لحد ما أخلص الغدا، ألا قوليلي صح عمـ,ـلتي أي؟

أخرجت الشـ,ـهادة من حـ,ـقيبتها و قالت بشبه إبتسامة:
-أتفضلي.<!–nextpage–>

رددت و هي تنظر إلي النسبة المئوية:
-بسم الله ماشاء الله، كده تقدري تدخلي الكلية اللي نفسك فيها.

جـ,ـلست علي حافة الفراش و أخبرتها بسأم:
-تفتكري حبشي هيخليني أدخل الكلية بعد ما حلف عليا ما هاخرج من البيت!

ربتت عليها بمواساة و قالت:
-معلش ده شـ,ـيطان و دخل ما بينكم، هو بيحبك و خاف عليكي لما طلعتي الرحلة من غير ما تقولي له.

عقبت بحزن و بنبرة مليئة بالشجن:
-يعني هو سكت، ده فرج عليا أصحابي و الناس و جرني زي العيلة الصغيرة في الشارع و جابني علي هنا و دور عليا الضرب لولاكي كان زمانك بتقرأي عليا الفاتحة.

أطلقت الأخري تنهيدة لا تعلم بماذا تواسـ,ـيها أو تخفف عنها آلامها، تدرك مدي قسوة زوجها علي شقيقته لاسيما بعد وفاة أبويهما نتيجة حادث سير و كانت ليلة في العاشرة آنذاك، تولي بعدها حبشي تربية شقيقته و هو في العشرين عاماً و رفض تدخل أو مساعدة أحد من الأقارب، لكن كلما كبرت زادت قسوته و طغيانه عليها، و فوق كل هذا لديه أسوأ الخصال و هو البخل!

ــــــــــــــــــــــ

و في إحدي الأبنية القريبة ولجت تلك الـ,ـمرأة ذات الوجه العابس و المتجهم،تغزو  تحمل الكثير من الأكياس البلاستيكية المليئة بالخضروات و الفاكهة، تتمتم بصوت غاضب:
-لسه نايمة لي لحد الضهر يا ست عايدة والله عال ما هو لو اللي معاكي ليه كلمة عليكي مكنش بقي ده حالك.

و بداخل إحدي غرف الشقة تتقلب عايدة بتأفف و تلكز زوجها:
-أصحي يا جلال و أخرج لأمـ,ـك بدل ما أنا ما أخرج لها و أنت تزعل في الأخر و تقولي أمي.

زمجر الأخر و يزيح يدها عنه:
-أخرج لها شوفيها عايزة أي، أنا عايز أنام و مش ناقص صداع.

-هو ده كل اللي ربنا قدرك عـ,ـليه، نام يا أخويا نام ده اللي باخده منك و بس.

أزاحت الدثار بتأفف و نهضت، ذهبت لإرتداء عباءة محتشمة فوق منامتها القطنية، و ألقت علي رأسها وشاحاً ثم خرجت ترفع زواية فمها جانباً، فقالت لها حماتها بسخرية:
-صباحية مباركة يا عروسة، نقش الحنة لسه علي رجلك!

رفعت إحدي حاجبيها بإمتعاض:
-و ليه المسخرة اللي مالهاش لازمة دي علي الصبح،أنا فضلت سـ,ـهرانة لحد ما إبنك رجع الفجر من الشغل.

ألقت ما بيدها فوق المنضدة و قالت:
-تعالي خدي الحاجة دي و أبدأي جـ,ـهزي في حاجة فطار بكرة ، و خـ,ـدي بالك معتصم كلمني الصبح و زمانه علي وصـ,ـول يعني عايزه كل يوم الأكل اللي بـ,ـيحبه مش اللي علي مزاجكك أنتِ و جوزك.

إبتسامة عارمة دبت علي شفتيها:
-هو خد الأجازة و لا أي؟

جلست علي الأريكة ذات الطراز القديم و خلعت و شاحها، أجابت:
-واخد أجازة شهرين بالعافية،يا دوب ألحق اشوف له عروسة بدل ما العمر يجري بيه نفسي أفرح بعياله قبل ما أموت.

كانت الأخري تجترع الماء فأصابها السعال، و عندما بدأت تهدأ قالت:
-و مستعجلة عليه ليه، قصدي و هي العروسة دي هانلاقيها فين بالسرعة دي!

-الـ,ـبنات علي قـ,ـفا من يشيل ياخـ,ـتي، و معتصم إبـ,ـني جدع زي القمر طول بعرض و كسيب و لو شاور بصباعه بس كل البـ,ـنات هيقولو له أمرك.

و كأنها أنتبهت إلي شئ فأردفت بصياح:
-أنتي لسه هاترغي معايا روحي يلا أعملي اللي قولت لك عليه و أنا هادخل أصلي الضهر و أجي أحصلك.

ـــــــــــــــــــــ
يتجمع كلا من حبشي و ليلة و هدي حول مائدة الطعام المستديرة، كان الأخر يأكل بنهم ثم يجترع القليل من الماء و يمسح علي شاربه الكث، ينظر إلي شقيقته الشاردة في صحنها التي لم تتناول مـ,ـنه ملعقة واحدة، سألها:
-مابتاكليش ليه؟

أنـ,ـتبهت إلي سؤاله، و قبل أن تجيب وجدت زوجة أخيها ترمقها بنظرة و كأنها تخبرها بأن عليها الحذر في حديثها معه حتي لا تسبر أغواره.
أجابت بهدوء بالغ:
-أنا جبت ٩٠٪.

ما زال يأكل و علي غرار توقعها كان مُبتسماً و أفحمها بتعقيبه علي كلماتها:
-و أنا أعملك أي ما تجيبي ٩٠ و لا ١٠٠٪ حتي، أنا كده كده حالف عليكي ما هاتكملي تعليمك و كفاية عليكي الثانوية العامة عشان تبقي تقرطسيني تاني و تطلعي رحلات من ورايا.

تركت الملعقة و نهضت قائلة:
-و الله دي حياتي و أنا حـ,ـرة فيها، أنت مجرد واصي عليا في الميراث آه، لكن حياتي الشخصية لاء.

شـ,ـهقت زوجته و ضربت بكفها علي صـ,ـدرها، جحظت عينيها ترمق الأخري بأن تتراجع عن قولها قبل أن يفتك بها، و ما لبث سوي لحظات حتي تردد صدي صرخات ليلة و شقيقها يجذبها من خصلاتها:
-سمعيني تاني كده يا روح أخوكي اللي قولتيه من شوية، أصـ,ـل سـ,ـمعي تقيل أو الـ,ـظاهر العلقة بـ,ـتاعت المرة اللي فاتت مكنتش كـ,ـفاية.

أنهال عليها بلطمة تلو الأخري و صفعات، صرخت زوجته:
– أبوس إيدك يا حـ,ـبشي سـ,ـيبها لتموت في إيدك هي مكـ,ـنتش تقصد.

زجرها بنظرة نارية أرعبتها و قام بتهديدها:
-عليا الطلاق كلمة تاني لتكوني عند أمك، ملـ,ـكيش دعوة أخـ,ـتي و بربـ,ـيها.

ظلت ليلة تصرخ من ضربه المُبرح لها و جذبه لخصلاتها التي أقتلع البعض منها بين أنامله حتي أنقذها صوت رنين جـ,ـرس الـ,ـمنزل، توقف عن عنفه و دفعها إلي غرفتها يأمرها من بين أسنانه:
-غوري علي جوة و ما أسمعش ليكي نفس لحد ما أرجع لك.

ذهب ليري من الزائر، فتح الباب وجد طفل صغير من إحدي أطفال الحارة يخبره:
-أسطي  حـ,ـبشي، فيه جماعة واقفين قدام الورشة بيـ,ـسألو عليك.

قطب حاجـ,ـبيه بإسـ,ـتفهام قائلاً:
-ياتري يطلعو مين دول كمان، ما هو يوم باين من أوله؟

و بعدما غادر، ذهـ,ـبت زوجـ,ـته لمواساة تلك الـ,ـمسكينة الباكية، تربت عليها بحنان:
-معلش يا ليلة حقك عليا أنا، أخوكي و الله بيحبك بس إيديه سابقة دماغه.

رمقتها الأخري بسخط و أعين غارقة بالدموع، صاحت في وجهها:
-حب أي ده اللي يخليه كل شويه يضربني و يذل فيا!

أثرت هدي الصمت لاتملك حق الدفاع عن زوجـ,ـها الآثم، طالما توسلت إليه بعدم التعرض لشقيقته بهذا الأسلوب المؤذي فما كان من الأخر سوي التهديد و الوعيد إذا لم تكف عن رشده.

ـــــــــــــــــ<!–nextpage–>

و هنا في إحدي المطاعم المزدحمة حيث يعمل عمار علي توصيل الطلبات المنزلية عبر الدراجة النارية، نزل من أعلاها للتو بعدما أوقف المُحرك، أخرج ما لديه من النقود و ذهب إلي مسئول الحسابات.
-أتفضل يا عم حسن فلوس العشر أوردرات.

حدقه الرجل بنظرة أثارت قـ,ـلقه و جعلته مرتبكاً لا سيما عندما سأله:
-عشر أوردرات مش ١٣ يعني!

أبتلع الأخر ريقه بتوتر بدي علي ملامحه فأجاب بصوت يكاد يكون مسموعاً:
-أه عـ,ـشرة.

رفع الرجل زواية فمه جانباً ببـ,ـسمة سـ,ـاخرة و قام بالـ,ـنقر علي لوحة الـ,ـمفاتيح التي أمامه ثم قام بتوجيه شاشة الحاسوب أمام محمود التي جحظت عينيه عندما رأي نفسه في تسجيل الكاميرات و هو يستلم الطلبات و بالفعل أعدادهم أكثر من عشرة، أجترع لعابه و نظر بتوجس إلي مديره الذي يرمقه بتجهم:
-بص، أنا أديتلك فرصتين قبل كده و قولت لنفسي خلاص يا حسن سامحه يمكن كان معذور في قرشين عـ,ـشان كدة عمل الحركة دي، و سامحتك مرة و التانية يمكن تتوب، لكن لما لاقيته داء فيك و فاكرني مغفل و ماتعرفش إن دبة النملة هنا بتكون بعلمي، يبقي كده خلاص ملكش عندي أكل عيش.

و بدلاً من أن يطالب العفو و السماح من رب عمله قام بخلع القميص المدون عليه شعار و إسم المطعم و صاح بكل تبجح:
-أنت هتذلني يا عم، خدي قميصكم العرة أهو، أومـ,ـال لو كنت بـ,ـتقبضني مرتب عدل زي باقي الناس كنت عملت فيا أي.

ثـ,ـارت أغوار الرجل فقام بمهاجمته:
-يعني حرامي و بـ,ـجح و كمان مش عاجـ,ـبك، ألف و نص في الشهر مش عاجـ,ـبينك غير التيبس اللي بتطلع بيه من الـ,ـزباين.

لم يتحمل توبيخ الرجل له فقام بدفعه و كاد يضربه لكن قام العاملون بالمكان بمنعه، أخذ يتملص من قبضاتهم لكنه فشل.

و في الحارة كانت تجلس خلف النافذة تنظر عبر فتحات الخشب إلي الخارج بأعين بها آثار البكاء، تقوم بإجراء إتصال أكثر من مرة و لم تتلق أي إجابة مـ,ـنه، تريد أن تخبره كما تـ,ـطوق أن ينقذها من ظلم شقيقها، لم تعد تتحمل أكثر من ذلك فهي تحبه و لا تريد العيش سوي معه، فمنذ أن جاء هنا و سكن في هذا البناء منذ سنوات،لم تكن تعلم عنه شئ سوي إنه شاب مُغترب من محافظة الدقهلية و جاء هنا للعمل و يعود إلي بلده من حين لأخر حتي أخبرها بأن والدته توفت و أشقائه الثلاثة لكل منهم حياته .

هناك صوت المسحراتي الجهوري و هو ينادي علي أطـ,ـفال الـ,ـحارة بينما هي كانت تنتظر عمار،
فأنتبهت إلي صوت دراجته حيث توقف أمام الـ,ـبناء المقابل، لاحظت عدم إرتدائه لزي عمله كما أن ثيابه غير مهندمة، يبدو إنه تشاجر مع أحدهم.
نهضت بهدوء و ألـ,ـتقطت وشاحاً أرتدته علي عجالة و ذهبت لتطمئن بأن شقيقها و زوجته كلاهما يغطان في النوم و دون أي جهد للسير إلي غرفـ,ـتهما كان صوت شـ,ـخير شقـ,ـيقها يصل إلي أذنها، تـ,ـنفست الصعداء.
تسللت من النافذة و تتلفت من حولها لمراقبة الأجواء و حتي لا يكتشف أمرها، ولجت إلي البناء و صعدت خلفه علي أطراف أناملها، و حينما وصلت إلي السطح وجدت يد تجذبها بعنف و تدفعها إلي الجدار!

#الفصل_الثاني
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

تسللت من النافذة و تتلفت من حولها لمراقبة الأجواء و حتي لا يكتشف أمرها، ولجت إلي البناء و صعدت خلفه علي أطراف أناملها، و حينما وصلت إلي السطح وجدت يد تجذبها بعنف و تدفعها إلي الجدار!

شهقت بفزع و أخذت تلتقط أنفاسها و تردد بعض الأدعية حتي هدأت عندما أطمئنت إنه عمار و علي وجهه علامات الـ,ـغضب يسألها:
– أي اللي منزلك الشارع في الوقت المتأخر ده؟

ردت بخوف و علامات الذعر علي وجهها:
-كنت جاية أطمن عليك لما لاقيتك ما بتردش.

أبعد يده عن تلابيب عـ,ـبائتها و أطلق زفرة نافرة فهذا ما كان ينقصه في تلك الحالة التي يمر بها.
-مـ,ـكنتش بترد ليه؟

أجاب بتأفف:
-كنت في الـ,ـشغل.

ألقت نظرة علي ثيابه و مظهره الـ,ـمُزري فسألته مرة أخري:
– و أي اللي عمل فيك كده؟

جلس علي أقرب مقعد خشبي بالي و أجاب بسأم:
– أتخانقت و سبت الشغل.

غـ,ـرت فاهها بصدمة ثم قالت:
– أنت لحقت ده أنت لسه مـ,ـكملتش شهرين!

رمقها من طرف عينيه و عقب علي كلماتها:
-نصيبي كده أعمل أي يعني أبوس أيديهم و أتذل عشان أفضل أشتغل مـ,ـعاهم!

أقـ,ـتربت منه و جذبت مقعد شبيه للجالس فوقه و جلست عليه بجواره قائلة:
-أنا ماقولتش كده، أنا قصدي يعني أي شغل فيه مشاكل و قرف و أنت مـ,ـحتاج لكل قرش عشان الشبكة و العفش و تشوف أوضة وصالة إيجار جديد .

إبـ,ـتسم بتهكم و قال:
– شبكة و عفش و شقة إيجار، عايـ,ـزاني أشتـ,ـغلك حرامي!

ضيقت ما بين حاجـ,ـبيها و تضايقت من حديثه الساخر:
– و هو كل اللي بـ,ـيتجوز كده بيشتغل حـ,ـرامي!

– لاء، بس اللي ما بيشوفش من الغربال يبقي أعمي.
أمسكت يده و بعينين مليئة بالرجاء و بنبرة توسل أخبرته:
– عمار أنا بحبك و مش عايزة حاجة تفرقنا حتي لو كان أخويا، أنا هستناك مهما حصل، بس زي ما هاستحمل و أصبر و أجي علي نفسي لازم أنت كمان تعمل كده، عشان هو ده الحب، الحب تضحية عشان تسعد اللي بتحبه.

ما زالت ضحكة السخرية علي ثغره و قال:
– كلام أفلام كانو بـ,ـيضحكو علينا بيه، الواقع بيقول عـ,ـكس كده فيه فلوس يبقي فيه حب، مفيش فلوس، يبقي مفيش حب و لا كلام الأغاني اللي كنا بنصبر بيه نفسنا و نفضل عايشين في وهم.

نـ,ـهض و وقف أمامها و نظر نحوها من موضعه و أردف:
-تقدري تقولي لي لو جيت تاني لأخـ,ـوكي و أقول له طالب إيد أختك عشان بحبها و أصبر عليا عـ,ـقبال ما أكون نفسي تفتكري هيرضي!، و لا هايصرف علينا أنا و أنتي!

نهضت لتقف أمامه و بداخلها قد سأمت حالته الإنـ,ـهزامية تلك، فبرغم حبها له لكن تمقت سلبيته المُفرطة و حالة اليأس المسيطرة عليه بالكامل:
-طول ما أنت إنسان سلبي و شايف كل حاجة سـ,ـودة قدامك عمرك ما هاتتقدم خطوة واحدة، ماتنساش وعدك ليا و أنت بتعترف لي بحُبك و أنك هاتعمل المستحيل عشان أكون ليك، بس الظاهر كان كله كلام في كلام.<!–nextpage–>

– أعتبريه وعد حين ميسرة.
رمقته من أعلي لأسـ,ـفل بإزدراء و تذكرت كل ما تحملته من معاملة شقيقها السوء لها و ها هو الآن الإنسان الذي أحبته يـ,ـتخلي بإستسلام بائس عـ,ـنها،فقالت بغضب:
-لاء و أنت الصادق الوعد ده للرجالة بس و اللي شـ,ـايفاه قدامي مش راجل.

تلقت صفعة قوية صاحبها صياحه بغضب:
– أنا راجل غصب عنك.

رمقته بصدمة غير مُصدقة ما فعله بها للتو،و كأن بداخلها بركان قد أندلع و أطلق حممه الحارقة:
-لاء مش راجل، و لا أخويا راجل عشان مفيش راجل يمد أيده علي واحدة بنت أضعف منه، هقولك علي حاجة أنا بقي اللي مش عايزاك و لو جيت بوست أيدي عشان أسامحك هقولك مليون لاء.

دفعته من أمامها و عادت إلي مـ,ـنزلها باكية ضائـ,ـعة، شريدة القلب.

ــــــــــــــــــــــ
تتعالي أصوات التواشيح التي تسبق آذان الفجر و هناك أعين نائمة و أخري يجافيها النوم، و هناك في إنتظار إحدهم علي أحر من الجمر.
نهضت بتأفف من جوار زوجها الذي لا يجيد في حياته شيئاً سوي النوم، وقفت أمام المرآة تنظر لصورة إنعاكـ,ـسها، تتأمل قدها الممشوق و المهمل من هذا النائم، و لما لا فقد أخذت علي نفسها عهداً بأنه لم يستسلم هذا الجسد بإرادتها سوي من سلب قلبها منذ سنين، و زواجها من جلال لأنها تريد القرب من حبيب القلب و الذي أختطف لُبها، أفتنها شيطانها الغاوي و سيجعلها تخرج في بئر من الوحل كلما إستسلمت لأهوائها كلما كان طريق التراجع صار درباً من دروب المستحيل.

أنتفضت عندما سمعت صوت باب الـ,ـشقة، قطبت حاجـ,ـبيها و ذهبت لتوقظ زوجـ,ـها:
-ألحق يا جلال فيه حد بيفتح باب الـ,ـشقة، قوم شوف لـ,ـيكون حـ,ـرامي.

هز كتفه و يغمض عينيه قائلاً:
-هتلاقيها أمي قامت تصلي الفجر و بتقفل باب الشقة، ما أنتي عارفها موسوسه.

أشاحت بيدها له و قالت:
-أمك زمانها في سابع نومة، فضلت مستنية أخوك لحد ما نامـ….
صمتت و هي تتذكر أمر ما ذكرته الآن، نهضت و أرتدت مأزرها و ألقت بوشاح فوق رأسها، و بمجرد خروجها أنتفضت عندما رأته يقف في منتصف الردهة، يكشف ذلك الضوء المنبعث من المطبخ نصف وجهه، تفوهت باللهفة و إشتياق:
-معتصم!

– أزيك يا مرات أخويا عاملة أي؟
و ها هو يذكرها بأكثر شئ تمقته و تريد نسيانه، أقتربت منه و بإبتسامة تشق ثغرها من الأذن للأذن الأخري:
– بخير، حمدالله علي السلامة.

جلس علي أقرب كـ,ـرسي له و أجاب:
-الله يسلمك، معلش بقي المفروض كنت جيت من ساعات بس حصل شوية حاجات كدة هي اللي أخرتني و عديت علي مطعم في طريقي أتسحرت فيه، كل سنة و أنتم طيبين.

نظر من حوله ثم سألها:
-هو جلال لـ,ـسه نايم؟

هزت رأسها بالإيجاب:
-اه، ما أنت عارف أخوك قدامه للضهر عقبال ما يصحي، شكلك طبعاً عايز تنام، أنا مجهزه لك أوضتك و مروقها لك بنفسي و مخليها لك بتلمع.

– تسلم إيدك، أنا فعلاً كل اللي محتاجه دلوقت أريح و أنام.
نهض و كاد يتحرك نحو غرفته أمـ,ـسكت يده و سألته:
-رايح فين؟

رمقها بتعجب من سؤالها و من ما فعلته، نظر نحو يدها الـ,ـتي تمسك بيده، و حـ,ـين أدركـ,ـت خـ,ـطأ ما فعلته و قرأت ذلك في عينيه أبعدت يدها و أبتلعت ريقها:
-قصدي يعني مش هتصلي الفجر؟

– داخـ,ـل أتوضأ و بعد ما هـ,ـيأذن هصلي،  أدخلي صلي أنتِ كمان خلي ربنا يهديكِ.

تركها و ولج إلي غرفته و وصد الباب عمداً كرسالة إليها لـ,ـعلها تدركها!

ـــــــــــــــــــــــ

أستيقظت كالعادة علي صياح شقيقها و توبيخه لزوجته و هذا بسـ,ـبب المصاريف التي لم تنته و متطلبات البيت من مأكل و أشياء كثيرة.

-مش هاقدر أستني أسبوع كمان يا حبشي دي الولية أم إمام ممكن تيجي لنا قدام البيت و تفضحني، ما أنت عارفها معندهاش تفاهم في تأخير فلوس الجمعية.

أخبرها بصوت هادر و دخان سيجارته يتطاير من فمه و أنفه، فلديه مبدأ عجيب بل و غريب بأن الصوم هو الإمتناع عن الطعام و الشراب فقط لكن تدخين السجائر و إطلاق السباب و الشتائم،كل هذا في قاموسه لا يبطل الصيام!<!–nextpage–>

– ما قولتلك أصبري عـ,ـليا كمان يومـ,ـين، قولت لك معيش أنزل أسرق لك يعني!

وضعت الأخري يديها في خصرها و قالت:
-ماشي أنا هدفع لها من مصاريف البيت بس ما تجيش تسألني عن أكل.

رد بصوت جـ,ـهوري مُهدداً إياها:
-طب و عليا الطلاق لو ما جيت لاقيت الفطار علي الطبلية لأخدك أرميكي عند أمك و أجيب واحدة بدالك.

تركته و لم تجب عليه، دلفت غرفة ليلة و هي تتمتم:
-يا شيخ روح هو في واحدة هاتستحملك زيي، ده أنا ليا الجنة و ربنا.

نظرت إليها ليلة و سألتها بصوت ناعس:
-أنا اللي نفسي تبطلو خناقة الصبح دي و لو يوم واحد،أو أقولك خليه يطلقني أنا و يرحمني أو يتبري مني.

ضحكت هدي رغماً عنها و لكزتها في يدها:
-اهو ده اللي باخده مـ,ـنك تريقة وبس.

– حد قالك تـ,ـتجوزي واحد إسمه حبشي .

قهقهت الأخري و أخبرتها:
– أهو قدري و نصيبي كده،يلا يا لمضة قومي اغسلي وشك و جهزي نفسك عشان رايحين السوق.

ضحكت ليلة و هزت رأسها مُرددة:
-صدق المثل اللي قال، الجبن سيد الأخلاق.

ألقتها الأخري بوسادة في وجهها، تلقتها ليلة و هي تقهقه، من يراها يحسب تلك الضحكة نابعة من قلبها لا يعلم أحد إنها تضحك من فرط حزنها!

ـــــــــــــــــــــ

-شهلي يلا يا عايدة عشان ما نتأخرش.
كان صوت نفيسة التي ترتدي نعليها إستعداداً للذهاب للتسوق، ردت الأخري من داخل الغرفة:
-حاضر جاية ثواني.

كانت ترتدي وشـ,ـاحها و تضع به دبوساً فقام بإختراق طرف إصبعها تأوهت، فقال لها زوجها:
-ألف سلامة عليكي من الآهه.

رمقته من خلال المرآه و قالت:
-بدل ما أنت عمال تتمسخر عليا قوم أنزل أفتح المحل خلي ربنا يفتحها عليك بدل الفقر اللي ماسك فيك و عايش علي معاش أمك و فلوس أخوك.

لوح لها بيده قائلاً:
-و الله الفقر ده راكبنا من يوم ما أتجوزتك.

أستدارت لتنظر إليه مباشرة:
-و ليه ما تقولش الهباب اللي بتشربه هو ده السبب، و صرمحتك ويا أصحابك العرة اللي فاكرين تحت القبة شيخ!

نهض و أقترب منها ليجذبها من عضدها، و هسهس من بين أسنانه:
-خليكي في حالك أحسن لك،  و لا عايزاني أمد  أيدي عليكي؟

رمقته بإزدراء جاذبة ذراعها من يده:
-أبقي أعملها و شوف أنا هاعمل فيك أي وقتها.

أتسعت عينيه بشر مستطير:
-قصدك أي؟

– اللي علي راسه بطحة بيحسس عليها، خد بالك من بطحتك يا جلال .
ألقت كلماتها ذات المغذي و تركته و ذهبت لتجد حماتها في إنتظارها و ذهبت كلتيهما للتسوق.

ــــــــــــــــــــــ

و هنا يكثر الإزدحام حيث يتراص بائعين الفاكهة و الخضار علي جانبي الشارع و صوت البائعين و أفران عمل الكنافة و القطايف ، و تجد كل ما لذ و طاب، و هنا لدي بائع الدجاج تقف ليلة بعدما طلبت منها زوجة أخيها أن تنتظرها هنا حتي تشتري بعض الأشياء و تأتي إليها، و في الجهة المقابلة لها كانت تقوم عايدة بتعبئة ثمرات الطماطم فأخبرتها حماتها بصوت خافت:
-مش دي ليلة أخت حبشي الميكانيكي؟

ألتفتت الأخري لتنظر نحو ما تشير إليها حماتها، و بعدما تحققت ردت:
-اه هي.

عقبت نفيسة بإبتسامة:
-يا صلاة النبي، ماشاء الله البت كبرت و أتدورت و أحلوت، أي رأيك ناخدها للولاه معتصم.<!–nextpage–>

و هنا عند ذكر إسمه أضرمت نيران الغيرة بداخلها فقالت بإندفاع:
-معتصم!،ماينفعش خالص إزاي، قصدي يعني دي لسه مخلصه ثانوي و هو قد أخوها، فيه فرق يجي ١٢ سنة ما بينهم.

– و أي يعني ما حماكي الله يرحمه كان أكبر مني ب١٥ سنة، و بعدين أهو كده أحسن خليه يشكلها و يربيها علي إيديه .

تـ,ـخشي أن تستمر في مجادلتها و تظن الأخري ظناً أخر، قامت بشراء الثمرات و دفع المال، بينما ليلة كانت كالتائهة في عالم آخر لا سيما عندما أنتفضت لتوها عندما رأت عمار يقف مع بعض الشباب علي مقربة، تلاقت أعـ,ـينيهما لكنها تصنعت عدم الإنتباه بل و أظهرت اللامبالاة إليه، أنتبهت إلي صوت زوجة أخيها:
– يلا أنا خلصت و جبت كل حاجة.

ذهبت كلتيهما في إتجاه إحدي الشوارع المؤدية إلي الحارة، و في الطريق تعرض إليهما شابين في الطريق.
-كنافة بالمانجا ماشية علي الأرض و في نهار رمضان، كده كتير !

رد زميله بوقاحة:
-كنافة أي يا صاحبي ده بطل.

صاحت هدي بتوبيخهما:
-جري أي يا أهبل منك ليه، أنتو ماتعرفوش إحنا نبقي مين!

أقترب منها الشاب بكل جرأه قائلاً:
– عايزين نعرف، و لا عارفينا أنتي.

– لاء يا روح خالتك منك ليه، هاعرفكم أنا.
كان صوت عمار الذي أنهال عليهم باللكمات، و هما كذلك يوجها إليه الكثير من اللكمات، أخذت ليلة تصرخ خوفاً علي عمار، تجمع المارة و تدخل الشباب في هذا العراك.

و في مكان قريب يقبع حبشي أسفل السيارة يقوم بتصليحها، سمع نداء مساعده الصغير و هو يناديه:
-ألحق ياسطا حبشي في خناقة كبيرة في الشارع اللي جمبينا.

رد الأخر من أسفل السيارة و منهمك في إصلاحها:
-خليك في حالك يا ولاه و ناولني مفتاح ١٠ من عندك.

جاء إحدي الأطفال إليهما ليخبره:
– ألحق ياسطا حبشي الخناقة اللي دايرة في الشارع هناك بسبب أن فيه عيال كان بيضايقو الست هدي و الآنسة ليلة أختك .

دفع نفسه من أسفل السيارة و الغضب ينضح من ملامحه حينما سمع ما قاله الصبي، أخرج المُدية من جيبه و صاح بمساعده:
– خلي بالك أنت من الورشة و أنا هاروح أشرح ولاد الـ……  دول.

و حين وصل إلي المكان المنشود وجد شقيقته تجلس بجوار عمار الذي يلتقط أنفاسه، جذبها من يدها بعنف و دفعها نحو زوجته، و بأمر:
-خديها و أرجعو علي البيت.

أومأت له بخوف، فأمسكت بيدها و أسرعت الخطي إلي المنزل، أمـ,ـسك حـ,ـبشي بالشابين و أبرحهم ضـ,ـرباً و قام بخدشهم بالمُدية ثم صاح بصوته الغليظ الـ,ـجهوري:
-عليا الـ,ـحرام اللي هيقرب من حد يخصني لأكون معلقه زي الدبيحه علي بوابة البيت.

و قبل أن يبتعد ألقي نظرة علي عمار، كانت نظرة تحذير أكثر من كونها وعيد لأنه أقترب من شقيقته مرة أخري.

ـــــــــــــــــــــ

عادت عايدة و تحمل الكثير من الأكياس بعدما تركت حماتها تثرثر مع جارتها التي تنقل لها ماحدث من العراك منذ قليل، ذهبت و تركت ما تحمله فوق طاولة الرخام بداخل المطبخ و في طريقها بدون أن تنتبه أصتدمت به و كادت تسقط، فأمسك بها:
-معلش مكنتش واخد بالي.

رفعت وجهها و نظرت في عينيه و ظلت صامتة، تحمحم و تركها ثم سألها:
– أومال فين أمي؟

أبتلعت ريقها بتوتر و أجابت:
-خالتي تحت زمانها طالعة،محتاج حاجة؟

رمقها من أسفل لأعلي و قال لها بإقتضاب و نفور:
– شكراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

دفع باب المنزل علي مصراعيه كالثور الهائج يبحث عن زوجته و شقيقته، و شياطينه تتراقص أمام عينيه:
-ليلة،هدي ،أنتي يا زفـ,ـتة منك لـ,ـيها.

تختبئان بداخل الغرفة، قامت هدي باللـ,ـطم علي خـ,ـديها:
-يالهوي، يالهوي خلاص ضيعنا.

عقدت ليلة ساعديها أمام صـ,ـدرها و أخـ,ـبرتها:
-بـ,ـطلي خوف بقي، أنتي اللي بتخليه يعمل فيكي كدة.

أشاحت الأخري بيدها و قالت بتهكم:
-يا شيخة روحي ده أنا لسه حايشة عنك إمبارح لما كان هايموتك في إيده، مافكيش غير لسان و بس.

و قبل أن ترد الأخري أنتفضت ذعراً حين قام الأخر بطرق الباب بقوة أفزعتهما:
-أفتحي منك ليها بدل و ربنا لأكسر الباب فوق دماغكم أنتو الأتنين و أبقو صرخو لحد بكرة محدش هايحوشني عنكم.

تفوهت زوجته بخوف و هي تبتلع ريقها:
-طيب ممكن تسمعنا قبل ما تتـ,ـهور و تمد إيدك و أنت مش عارف حاجة؟

زمجر كالوحش الضاري و قال بتهديد:
– أنا هعد لواحد لغاية تلاتة و ديني و ما أعبد لو الباب ما أتفتحش بعدها لتكوني طالقة بالتلاتة.

#الفصل_الثالث
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

فتحت بسرعة قبل أن ينفذ تهديده الذي لم يتراجع عنه إذا صمدت علي موقفها العنيد، ترفع يديها أمام وجـ,ـهها بوضع الدفاع تـ,ـخشي أن يجفلها بصفعة أو لـ,ـطمة،و في لحظة كانت تلابيب عـ,ـبائتها في قبضته و بصوت جهوري صاح بها:
– مش قولت مليون مرة لو أي عيل و… عاكسك أو عاكس السنيورة ما تردوش عليه؟

هزت رأسها بخوف و طاعة:
-صح يا سي حبشي، حصل.

عنفها مرة أخري و يرمق شقيقته بغضب لأنه يعلم خصالها جيداً و قال:
– و مش فهمتكم قبل كده إن لو أي حد من المقاطيع اللي في الشارع عاكس واحدة فيكم ما تردوش لأن الواحدة ترد على واحد بـ,ـيعاكـ,ـسها تبقي واحدة لا مؤاخذة قليلة الأدب.

صاحت ليلة بإعتراض و سخط:
-ما تبطل تخلف و جهل بقي، دلوقتي بقي فيه قانون للأشكال الزبالة اللي بـ,ـتتحرش بللفظ بيتقبض عليه و يتسجن يعني يحمدو ربنا إننا ردينا عليهم بدل ما جرجرناهم علي القسم.

ليتها ما تفوهت بتلك الكلمات التي سبرت أغوار هذا الوحش الماثل أمامها، ترك زوجته و أمـ,ـسكها هي و صـ,ـدي صوته الأجـ,ـش يتردد في الأرجاء:
-كنتي بتقولي أي يا روح ماما، سمعيني كده تاني أصلي ما سمعتش كويس.<!–nextpage–>

صرخت من هزه لها بعنف، لم تري أمامها شيئاً واضحاً حيث يهزها كزجاجة مياه غازية و يلقي عليها أفظع السباب و الشتائم المصاحبة بالضرب و السحل و كالعادة صوت صرخاتها يصل إلي كل أهل الحارة.

ــــــــــــــــــــ

و بعد إنتهاء صلاة التراويح، علي المقهي البلدي حيث يجلس الرجال و الشباب لمتابعة إحدي مباريات كرة القدم، يهللون تارة و يصيحون تارة أخري عندما يركض اللاعب نحو المرمي و علي وشك تسديد الهدف و كأنه يسمع تشجيعهم!

– واحد شيشة يا بني.
صاح بها جلال إلي صبي المقهي، فأجاب الآخر:
-واحد شيشة للمعلم جلال و زود الفحم و صلحو.

رمقه معتصم علي مضض قائلاً:
-يا بني أرحم نفسك ده أنت فوق شـ,ـارب لك يجي حـ,ـجرين شـ,ـيشة، صـ,ـدرك مش كده.

أبتسم الأخر بتهكم و قال له:
-اللي يسمعك و أنت بـ,ـتنصحني ما يشوفكش و أنت الـ,ـسجاير ما بـ,ـتفارقش إيدك!

أنتهي من سخريته و ختمها بقهقه مُجلجلة مما جعل شقيقه أشاح وجهه إلي الناحية الأخري، يعلم كم هو عنيد و جاهل لم يستمع إلي أي نصائح و هذا ما جعله يخشي أن يحذره إلي أمر زوجته التي تلاحقهدائماً.ً

و في زواية قريبة يجلس حبشي بالقرب منهما فأنتبه معتصم إليه، نهض فسأله شقيقه:
-رايح فين الماتش لسه ماخلصش.

أشاح له بيده و قال:
-هاروح أسلم علي الواد حبشي المعفن.

ذهب إلي حبـ,ـشي الذي عندما رآه تمعن النظر إليه و هلل بسعادة:
– أهلاً حمدالله على السلامة يا معتصم، جيت أمتي يا صاحبي؟

صافحه الأخر بعناق أخوي و قال:
-لسه راجع إمبارح، أخبارك أي و الجماعة و العيال.

– الحمدلله كلنا بخير، أنت اللي أخبارك أي جاي و ناوي تتجوز و لا شايف حالك في الخليج؟
غمز له بعينه، ضحك الأخر وقال:
– و الله يا صاحبي أمي اللي مُصرة علي موضوع الجواز ده و أنا بيني و بينك مش ناقص وجع دماغ، أنا راجل حر ما بحبش واحدة تقولي رايح فين و جاي منين.

عقب حبشي علي حديثه قائلاً:
-علي رأيك و الله ده كفايه المصاريف و هات هات كأن الواحد قاعد علي بنك و مصاريف العيال ما بتخلصش، كتب و كراريس و دروس.

-يا عم أنت هاتشتغلني قال يعني بتصرف ده أنت ميت علي القرش، ألا قولي صح بقي عندك كام عيل بالصلاة علي النبي.

أجاب الأخر بعدما تجرع رشفة من كوب الشاي:
-عليه أفضل الصلاة و السلام، عندي ماشاء الله   بسنت و محمد.

رد معتصم بسعادة:
-يا ماشاء الله ربنا يبارك لك فيهم.

أنتبه حبشي إلي شقيقته التي تشير إليه من بُعد مسافة قليلة، لاحظها معتصم و قال:
-ألحق يا حبشي فيه مزة جامدة عمالة تشاور لك من بعيد الله يسهله يا عم.

تمعن النظر نحو ما أشار إليه الأخر فوجدها شقيقته و قال:
– مزة أي يا جدع دي البت ليلة أختي.
ثم تمتم بصوت لم يسمعه الأخر:
-برضو خرجتي من غير استئذان و ربنا لأربيكي يا بنت الـ….

بينما الأخر عندما علم إنها شقيقته التي تركها قبل سفره كانت طفلة صغيرة ها هي أصبحت صبية يافعة تمتلك جسداً بضاً و جمالاً يسحر الألباب و يخطف الأنظار من أول وهلة، ربما سيعدل عن رأيه في عدم الزواج الأحري وجد ضالته أخيراً، كم تخيل فتاة أحلامه لليالي طوال، فهي مُراده الذي طالما تمناه و سيظفر به بأي ثمن.

وصل حبشي لدي شقيقته رمقها بنظرة من الجحيم و قال لها:
-اي اللي خرجك من البيت و أنا محذرك؟

رمقته بسخط و ودت أن تصفعه بكل قوتها و قالت:
-عايزة فلوس عشان أخلص ورق التنسيق و أطبعه في مكتب الكمبيوتر.

صاح بها و لكزها في كتفها بعنف، يا له من أخ وغد و مقيت لا يعرف الحنان درباً إلي قلبه،مثله من قيل علي أفئدتهم من الفولاذ لم تتأثر قط بأي مشاعر :
-تنسيق أي يا روح خالتك، مش قايلك أنسي موضوع التعليم ده نوهائي!

لم تتحمل كم الإهانة و كعادتها أنفجرت بغضب و نفذ صبرها من هذا الأرعن:
-أنت ما بـ,ـتصرفش عليا من جيبك علي فكرة، أنا ليا ميراث أبويا الله يرحمه و لو مش هـ,ـتديني يبقي خلاص تعالي نتحاسب و هاخد حقي أتعلم و اصرف بيه علي نفسي و لا الحوجه لأمثالك.

نظر من حوله يـ,ـخشي أن يقترف فـ,ـضيحة أمام الناس و يشمت فيه اعدائه، أمسك قبضته بشدة و قال لها:
-غوري من وشي علي المسا أحسن لك، بدل و ديني و ما أعبد لأجرجرك علي البت و أخليكي تلحسي تراب الشارع و أكسر لك رجلك دي عشان أعجزك و تقعدي مكسحه في البيت و تبطلي تنطيط.

مـ,ـسحت عبراتها علي مضض و تراجعت قائلة و قد فاض بها الأمر و وكلته إلي ربها:
-مش هرد عليك بس كل اللي اقوله لك حسبي الله و نعم الوكيل فيك يا ظـ,ـالم.

و ركضت قبل أن يلحق بها، و أنتظر حتي رآها تدلف إلي داخل فناء المنزل و عينيه مليئة بوعيد ، عاد بعد ذلك إلي صاحبه:
-معلش يا صاحبي، كنا بنقول أي؟

أرتشف معتصم الماء و السعادة تتلألأ داخل عـ,ـينيه و قال دون أي مقدمات:
-أنا عايز أتـ,ـجوز أختك.

ـ<!–nextpage–>ــــــــــــــــ

و بعد عودتها إلي المنزل ولجت إلي غرفتها باكية جلست فوق السرير و أخرجت صندوق من درج الـ,ـكمود مليئ بالصور، أمسكت بصورة والدها الحنون قائلة و كأنها تحدثه:
-ليه سبتني يا بابا، شوفت حصلي أي من بعدك، حبشي قلبه حجر و قاسي و عمره ما كان حنين، أنت عمرك ما مديت إيدك عليا ابداً و لو زعقت فيا بتيجي تطبطب عليا و تاخدني في حضنك، عمرك ما كسرت بخاطري، لكن أبنك ديماً كاسر بخاطري و عايش عشان يقهرني، لو الحياة هاتبقي ديماً كده ياريت خدني عندك عشان ارتاح بقي من العذاب و القرف اللي أنا عايشه فيه من وقت ما سبتني أنت و ماما.

وجدت يد حنونه تربت عليها و اليد الأخري تعطيها كوب عصير ليمون، صاحبة اليدين زوجة شقيقها قالت لها:
-استغفري ربنا يا ليلة، ربنا بإذن الله هايفرحك و هايعوضك بفرحة كبيرة بس أنتي قولي يارب و بلاش التشاؤوم و تفاولي علي نفسك بالموت، انتي لسه شابه صغيرة و الطريق قدامك طويل، بكرة تلاقي ابن الحلال اللي ياخدك في حضنه و يطبطب عليكي و يعيشك في فرح و سعادة.

هزت الأخري رأسها و تجفف عبراتها في آن واحد:
-أنا كل اللي عايزاه أكمل تعليمي و اخد شهادتي و أشتغل و أبقي حرة نفسي و أطلع بره الحارة دي خالص، للأسف مفيش راجل عدل تقدري تأمنيه علي نفسك، كلهم صنف واحد ملهمش أمان.

– و مين سمعك يا ليلة كلنا كان نفسنا في كدة، بس الواقع حاجة تانية، الظروف ساعات بتحكم عليكي و تفرض عليكي عيشة و حياة غير اللي نفسك فيها خالص، كل اللي في أيدك دلوقت هو الصبر، و إن شاء الله حياتك هاتكون احسن.

نظرت إلي الفراغ داعية ربها:
-يارب.

ــــــــــــــــــــــــ

يتجمع أفراد عائلة معتصم حول المائدة لتناول طعام السحور، حيث تتراص أطباق مليئة بالطعام من الفول و الفلافل و البطاطا المقلية و الخضروات الورقية و البيض المسلوق و البذنجان و علب الزبادي، كل ما تشتهي الأنفس و تهواه المعدة.
خرجت عايدة من المطبخ تحمل دورق المياه الزجاجي و كوب فارغ، وضعتهم أمام  زوجها الذي يلوك الطعام بفمه و شارد في الفراغ:
-أتفضل يا حبيبي.

بينما كان معتصم يأكل في صمت لكن عينيه لا تبرح تلك العاهرة التي أتت إليه بالأمس لتراوضه عن نفسه، لكن محاولتها بائت بالفشل الذريع عندما لوي ذراعها خلف ظهرها و هددها بفضحها أمام والدته و شقيقه إذا لم تبتعد عنه، لكن كيف يمكنها الإبتعاد و هي تعشقه بكل ما بها قلبها و عقلها و تريده بشدة، و لا تكترث إنها ترتكب إثماً عظيماً و ربما إذا أفتضح أمرها ستكون فتنة كبيرة ما بين الأخوة ربما تودي بحياة إحداهما!

حدقها بإزدراء و إشمئزاز بينما هي تبادله بنظرة كبرياء و كأنها لم تقترف أي شىء يا لها من فاجرة وضيعة.
كسر الصمت صوت نفيسة و تسأل إبنها:
-مقولتليش يا معتصم يا بني، لسه ما لقتش عروستك و لا أنقهالك أنا؟

أخذ الكوب و قام بسكب الماء من الدورق ثم شرب الكثير من الماء و أجاب:
– أيوة يا أمي لاقيتها.

خفق قلب عايدة و شعرت بالإختناق الذي قد يودي بحياتها عندما سمعت ما ذكره للتو هل قال إنه وجد عروسه، هل سيتزوج بأخري!

ردت والدته بإهتمام و فرحة:
-و دي مين دي يابني و أنا أروح أخطبهالك من دلوقتي.

نهض و نفض يديه من آثار الخبز و أجاب:
-تبقي ليلة بنت حبشي صاحبي.

تخلي جلال عن صمته أخيراً و تحدث و الطعام بفمه:
-أي ده أخت الواد حبشي المكانيكي؟

أومأ له شقيقه ثم نظر إلي عايدة التي شحب وجهها و الجحيم يندلع من عينيها خاصة عندما قال زوجها:
-يا إبن المـ,ـحظوظة يا معتصم، دي بت زي البدر، ، بس لسه صغيرة عندها 18 سنة.

عقبت والدتهما بإمتعاض:
-و أنت ما لقتش غير حـ,ـبشي البخيل المعفن و رايح تناسبه، دول محلتهمش حاجة و هو بخيل و جلدة طول عمره، تفتكر هيجهز أخته!

أخرج معتصم سيجارة من العلبة و أشعلها بالقداحة و نفث دخانها ثم أجاب:
-ملكيش دعوة ياماه ،  أنا هاخدها بشنطة هدومها و لا مش هيجيب لها هدوم أنا ممكن أخليكي تاخديها و تشتري لها بنفسك.

قال له شقيقه مبتسماً بمكر و يغمز له بعينه:
-طبعاً ليك حق،  أنا لو مكانك ده أنا أبيع نفسي و أشتري واحدة زي ليلة.

علقت عايدة بغيرة و حقد لم تستطع إخفائهما:
-دي حتة عيلة لسه خارجة من ثانوي،  و علي ما أظن هي ثانوية عامة و سمعت البت أسماء بنت أم شهاب كانت بتتكلم إمبارح إنها جابت مجموع حلو و داخلة كلية جميلة،  و معلش يا معتصم أنت يا دوب واخد دبلوم، تفتكر هتوافق؟

رمقها بحدة قد تكون قاربه للغضب ، يدرك سخريتها الواضحة و يشوبها الحقد و الضغينة،
شهقت نفيسة و قالت:
– فشر ياختي،  ماله معتصم أبني، ده جدع طول بعرض و زي القمر و كسيب، عنده اللي مش عند خريج الطب، يعني لو شاور بصباعه الصغير البنات هتيجي تترمي تحت رجله.

ضحك جلال و عقب:
-طبعاً يا ماه و مين يشهد للعريس.

لوت زوجته شفتيها جانباً بتهكم و إمتعاض، نهضت من المائدة و قالت:
-لما أروح أعلق علي الشاي .

قال لها جلال :
-أبقي و النبي يا دودو ولعي لي حجر فحم و هاتي لي الشـ,ـيشة معاكي.

ربتت نفيسة علي إبـ,ـنها الأخر فقالت:
-ماشي يا معتصم هـ,ـاخد مرات أخوك و نروح نقعد قعدة ستات مع هدي مرات أخوها و نرمي لها الكلام و نشوف رأي البت أي و ربنا يقدم اللي فيه الخير.

نفث دخان سـ,ـجائره مرة أخري و قال بصوت مرتفع حتي يصل إلي التي تقف في المطبخ و تسترق السمع و نيران الغيرة تنهش قلبها :
-بس ياريت تفهميهم إنه هيبقي جواز علي طول يعني في خلال أسبوع، ما أنتي عارفة يا دوب واخد أجازة شهرين بالعافية  و ممكن يبعتولي في أي وقت ربنا يستر.

– إزاي يابني هاتتجوز في رمضان!، ما تخليها علي العيد طيب.

رد قائلاً:
– أنا لسه بقولك هم شهرين بس اللي واخدهم أجازة و بعدين اليوم مش كله رمضان و الليل طويل.

بينما بالداخل كانت مثل المياه التي تغلي و تفور في براد الشاي، أطفأت الموقد و نسيت أن تمسك بعازل حرارة فأمسكت بمقبض البراد و سرعان ما أحـ,ـرقتها الحرارة شديدة السخونة، صرخت و وقع البراد بداخل الحوض، نهض جلال يركض لـ,ـيطمئن عليها:
– مالك يا دودو ؟

تصنعت البكاء لكن بالفعل تتألم بشدة لكن ألماً أقل من ما يشعر به قلبها العاشق لشقيق زوجها.
– إيدي يا جلجل لزقت في البراد.

أمـ,ـسك بيدها و وضعها أسـ,ـفل الصنبور و قام بفتحه، أنهمرت المياه علي أثر الحريق فأنتفضت و أخذت تصرخ بدلال، و عينيها صوب الذي يرمقها من بعيد شزراً.
ـــــــــــــــــــــ

و قبل الفجر بساعة، بداخل تلك الغرفة  يتمتم لها و كأنه كالغريق :
-بحبك أوي يا دودو، بحبك أوي يابت.

أبتعد عنها و أرتمي علي ظهره بـ,ـجوارها كذكر الماعز دون أن يكترث إليها ، فهو كما كانت ترمي إليه دائماً حيث لا تجد منه سوي عدم الإكتراث لإحتياجاتها.

نهضت لترتدي ذلك القميص الحريري الذي قام بخلعه عنها هباءً، أرتدته و الإستياء يعتمل صـ,ـدرها، تريد الصراخ في وجهه لكن ما الفائدة أن تستنزف كامل طاقتها في الصراخ أمام هذا الأحمق، و هذا ما جعلها تُحلل لنفسها مشاعرها إلي شقيقه!

<!–nextpage–>

ألقت نظرة من فوق كتفها وجدته قد غطي في النوم بعدما جذب الدثار و لم يكلف عناء نفسه و ينهض حتي للأغتسال، كم كرهت قذارته تلك، أرتدت المأزر الخاص بالقميص و كأنه يواري جسدها بقماشه الشفاف و خرجت متجهة إلي المرحاض لاحظت الهدوء الذي يعم الأرجاء، لكن يبدو هناك مستيقظ لا يريد النوم، راودها شيطانها بأفكاره السامة لتجد قدميها ذهبت أولاً للأطـ,ـمئنان علي حماتها فوجدتها تغط في نوم عميق، ذهبت علي أطراف قدميها إلي الغرفة المنشودة و أدارت مقبض الباب بلا تردد، تجرعت لعابها بقلب من فولاذ لا يـ,ـخشي شىء بتاً.

بينما مَنْ يشغل بالها يتمدد علي الأريكة و يضع سماعات الأذن المتصلة بهاتفه و يشاهد إحدي المسلسلات الرمضانية .
و بدلاً من أن تتراجع و تعود إلي غرفتها، يبدو هذا راق لها الوضع فالكل نائم، يا لها من عاهرة قذرة تتوهم العشق المحرم و لا تعلم إنها بذلك ستنشب حرب ضروس بين الأخوة، فهي كالأفعي التي تتسلل بين الضباع و تزحف بينهم و تصطاد الأضعف منهم و تلدغه بسُمها الزعاف، يا لها من خبيثة و لعينة.

أقتربت منه بخطي وئيدة و عينيها تتأجج بالرغبة الجامحة، وضعت يدها علي كتفه بجرأة سافرة، أنتفض معتصم بفزع و كأن لدغه عقرب و عيناه وقعت علي ثيابها الفاضحة :
– عايدة!

#الفصل_الرابع
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

و في منزل حبشي الذي يصيح بصوت جهوري:
– هدي، لما تخلصي الفطار أبقي أبعتي الواد محمد إبنك بعلبة الأكل عشان عندي شغل كتير و مفيش وقت أجي و أفطر و أمشي.

ردت من داخل المطبخ و تزفر بتأفف فهي تمسك بإسطوانة الغاز تقوم بهزها قليلاً:
– ياريت تقول للواد اللي شغال معاك  يجيب لنا أنبوبة من المخزن اللي في الشارع اللي ورانا، الأنبوبة شكلها بتشطب.

كانت ليلة تجلي الصحون و قامت بشطف أخر كوب و وضعته بجوار الأكواب الأخري علي مصفاه أعلي طاولة الرخام القديم و الذي يخترقها شقاً كبير، سألت زوجة أخيها:
– شوفتي يا هدي عمايل جوزك هو ناوي يحرمني أني أكمل تعليمي و لا أي!

ردت بقلة حيلة:
– و الله ما أعرف ، هو كل اللي فهمته من رفضه و كلامه شكله ناوي يخليكي ما تكمليش.

صاحت بسخط:
-نعم ! ، و ربنا ده أنا كنت كلمت خالي و خليته يجي من البلد يشوف شغله معاه، هو فاكر نفسه أي إن شاء الله.

أشارت لها بخوف و أن تصمت:
-هشش يخربيتك هايسمعك و ينزل فيكي ضرب زي كل مرة،  و بعدين خالك ده و لا ليه أي ستين لازمة، إذا كان بيخاف من مراته مش هيخاف من حبشي!، يا شيخة أتوكسي.

هزت رأسها بسأم و رددت:
– علي رأيك، ده أنا عمري ما أنسي لما كنت عايزة أبيت عندهم و اقعدي لي يومين مراته راحت سحباه من قفاه و تقوله بقولك أي أنا عايزة اقعد براحتي في بيتي مش ناقصة حد يقعد يكتم علي نفسي.

ضحكت الأخري علي أسلوب ليلة الساخر و تقليدها لزوجة خالها:
-يخرب فقرك ،  هي فعلاً بتعمل كده، دي وليه حيزبون ربنا يهدها البعيدة.

– أنا ماشي و ماتنسيش اللي قولتلك عليه.
صاح بها حبشي بصوته الغليظ و الجهوري،  فصرخت الاخري:
– ما قولنا الأنبوبة شطبت عمال أهز فيها زي إزازة الحاجة الساقعة و يا دوب شعلتها سهراية.

أشاحت ليلة بيدها و قالت:
– ياختي بلا هم، أموت و اعرف أنتي أتجوزتيه ليه،  مش هو أخويا بس و ربنا لو جالي واحد زيه عندي أقطع شراييني و لا أتجوزو.

<!–nextpage–>

أخبرتها هدي:
– النصيب يا ليلة،  النصيب و القلب اللي بيدق من غير ما ياخد رأيك.

كادت الأخري تعقب علي كلماتها لكن صوت رنين هاتفها صـ,ـدح من الغرفة، جففت يديها بمنشفة المطبخ و قالت:
– شكلها البت سلمي صاحبتي عايزة تتطمن عملت أي، منك لله يا حبشي يا لي موقفي لي حالي.

ذهبت و أمسكت بهاتفها، أنتفض قلبها عندما رأت إسم المتصل (سلمي عمار)، تسحبت علي قدميها لتتأكد من عدم سماع زوجة شقيقها لها ثم أوصدت باب الغرفة، قامت بإجراء الإتصال:
– ألو،  ليك عين بتتصل بيا بعد اللي عملته معايا أخر مرة!

اتاها صوته و يبدو عليه الإعياء و التعب:
-أنا بكلمك عشان أقولك أنا بحبك أوي و ما تزعليش ربنا أنتقم لك مني و أديني راقد في سريري مش قادر أعمل لنفسي الفطار بقالي يومين عايش علي سندوتشات بيجيبها لي واحد صاحبي.

خفق قلبها بقلق و خوف فقالت:
-مالك يا حبيبي بعد الشر عليك.

أخذ يسعل ثم أجاب:
-عندي سخونية و زوري واجعني و جسمي كله همدان مش قادر أحرك دراعي،  حتي بكلمك من التليفون بالعافية.

أخبرته بحزن و قلق:
-خليك مكانك و أنا جاي لك ما تقلقش عشر دقايق و هاكون عندك، سلام دلوقتي.

أنهت المكالمة بينما هو رفع زواية فمه كإبتسامة ذئب ينتظر فريسته الشهية ليفترسها بضراوة.

ــــــــــــــــــــ

و فوق سطح المنزل تمسك عايدة بقطعة ثياب مبتلة و ألقتها أعلي الحبل ثم قامت بتثبيتها بالمشبك الخشبي، و بمجرد سماعها صوت هذا القادم و الذي يصعد الدرج تركت ما بيدها و اختبأت في زواية لا يمكن من رؤيتها منها.

كان يطلق صفيراً و ذهب ليقف بالقرب من سور السطح ، و ما أن تأكدت من خلو السطح إلا من وجودها و وجوده أطلقت ساقيها بخطي لم يشعر بها الأخر، و في لحظة أجفلته بجذبه من يده و سألته و الغضب ينضح من سؤالها:
– أنت صحيح هاتتجوز البت اللي إسمها ليلة يا معتصم !

لم يكن مذعوراً، هذا حدث كثيراً من قبل، رمقها من أعلي لأسفل و قال:
– عايزة أي؟

<!–nextpage–>

أخبرته بنظرة ولع و عشق مدفون بقلب ملتاع:
– عايزاك أنت و لا نسيت اللي ما بينا!

نفض يدها عن يده و قال:
– للأسف ما نستش، ما نستش كذبك و خداعك لما كنتي بتوهميني بحبك و في نفس الوقت ماشية مع صاحبي، و جيت واجهتك بتسجيلات مكالمتكم قعدتي تحلفي كدب و تألفي لي قصص من خيالك و فاكراني أهبل،  و كله كوم و إن تستغلي رفض ليكي و خلتيني أسيب لك البلد و أطفش من وشك و عمايلك و قعدت في الغربة تلات سنين ما نزلش أشوف أهلي، في الأخر أتصدم يوم ما رجعت ألاقيكي متجوزة أخويا،  لولا نظرة حبه ليكي اللي شايفها في عينيه كنت حكيت له عن حقيقتك القـ,,ــذرة.<!–nextpage–>

اقتربت منه و قالت:
– أنت لسه برضو مش مصدقني،  و الله كل ده كذب و تلفيق، انا بحبك أنت و الواد سعد هو اللي عمل كل ده عشان ياما رفضت إن أرتبطت بيه و لما عرف إني بحبك أنت قرر ينتقم مني و منك، عايز تصدق براحتك مش عايز أنت حر.

إبتسامة هاكمة ظهرت علي محياه قائلاً:
-علي أساس الوفاء و الإخلاص مقطع بعضه عندك!، كفاية عمايلك السودة و اللي كل مرة بتعدي بستر ربنا بدل ما تتفضحي و أنا أخسر أخويا.

أقتربت أكثر و كادت تلتصق به:
-ما تبطل بقي دور المحترم و الأخ الوفي اللي عايش فيه ده، فاكر لما قـ,ـولت لي أنا ماحـ,ـبتش و لا هاحب زيك!

صاح بها و يرمقها بإزدراء:
– كان كله وهم و كدب،  دلوقتي مش شـ,ـايف غير واحدة لولا إننا في نهار رمضان و أنتي للأسف واحدة ست كنت قولت لك لفظ يليق عليكي.

اقتربت منه بشدة و كادت تلتصق به:
– لو ده هايرضيك و يشفي غليلك مني أنا موافقة، بس تسامحني و ترجع لي.

يا للوقاحة إلي هذه الدرجة تجرأت في الحديث معه دون رادع أو خجل!

قبض علي عضدها و هدر من بين أسنانه:
-أسمعي يا عايدة أقسم بالله أنا ماسك نفسي عنك بالعافية و عامل حساب لأخويا الكبير لكن  لو لاقيتك ما بطلتيش عمايلك الوسخة دي لهاعملـ..

– عايدة، بت يا عايدة.
كان صوت والدته تنادي من الشرفة، نفض ذراعها من يده قائلاً من بين أسنانه:
– أبقي كرري حركاتك و كلامك ده تاني و أنا هخليكي تندمي علي اليوم اللي دخلتي فيه البيت ده.

ـــــــــــــــــــــ

و في الليل وصلت إلي نهاية الدرج حيث يقطن عمار فوق السطح بداخل غرفة يتكون سقفها من الصفيح و الخشب القديم.
و بخطي وئيدة تتقدم نحو الغرفة و قلبها يدق بشدة مثل جرس إنذار و الأحري ناقوس خطر لكن هنا العاطفة كان لها الكلمة الأخيرة، أختصرت خطواتها الأخيرة و دلفت و هذا بعدما وجدت باب الغرفة مفتوحاً، فـ نادت:
– عمار ، عمار؟

كررت النداء و لم تجد تلبية و كادت تلتفت خلفها حتي أجفلها كجدار صلب يقف أمامها، أنـ,ـتفضت بفزع و تراجعت، ترمقه بتوجس:
-أنت بخير؟

لوي شفتيه جانباً بإبتسامة ماكرة كـ,ـذئب أضحت فريسته أمامه و لم تجد مفر للهرب أو ربما هكذا ظن:
– أنتي شايفة أي يا لولو ؟

رددت بتعجب و دهشة لاسيما عندما لاحظت تعابير وجهه التي تخبرها إنه ليس في حالته الطبيعية و عليها الحذر:
– عمار أنت شارب حاجة؟

أغلق الباب خلفه و تقدم نحوها قائلاً:
-لسه هاشرب، تعالي أوريكي أشرب أي.

و سرعان فاجئها بجذبها من خصرها و حملها إلي فراشه المُهترئ، أخذت تقاومه و تضربه بقوة محاولة أن تفلت من بين يديه:
-سيبني يا حيوان، أبعد عني،  أنا كنت حاسة إن فيه حاجة غلط من الأول بس لما عرفت إنك تعبان مهونتش عليا و جيت لك جري.

<!–nextpage–>

ألقاها علي الفراش و أرتمي عليها بثقله حتي لا يمكنها الهرب، قام بتقبيلها بوحشية و يقول لها بثمالة :
-طاوعيني مفيش غير الحل ده عشان نتجوز،  لازم نحط أخوكي قدام الأمر الواقع و يخليني أتجوزك غصب عشان الفضيحة.

أستطاعت فلت يدها و صفعته بقوة:
– ده بعينك يا واطي يا قذر، عايزني أفرط في شرفي عشان أخسر نفسي و أخويا و تبقي فضحتي علي كل لسان.

نهض عنها و لم يصدق نفسه و ينظر لها بغضب عارم:
– أنا بقي هادفعك حق القلم ده غالي و هخلي فضيحتك علي كل لسان يا زبالة.

و جذبها من تلابيب ثوبها و يدفعها نحو الحائط، أخذت تصرخ و لكن لم تستطع الإستغاثة فهي الآن المُدانة أمام الجميع،  هي من ذهبت إليه بإرادتها و دون علم شقيقها،  عليها أن تتحمل ذلك و يا ويلها إذا نال منها هذا الثائر بجنون و عزم علي أخذها بالقوة و لم يتركها سوي أن تراق الدماء علي جوانب شرفها!

– شكلك محرمتش من المرة اللي فاتت، يبقي أستحمل.
صرخت بتلك الكلمات و ما أن قالتها ركلته بقوة بين ساقيه و لم تمهله أن يستوعب ما فعلته أمسكت بعصا خشبية و نزلت بها فوق رأسه مما سببت في فتح جرح أعلي جبهته، صرخت و ركضت إلي الخارج قاصدة الهرب و ربما إذا حدث له مكروه فلا تكون المتهمة و يفتضح أمر علاقتها الخفية به.

ــــــــــــــــ
خرجت من البناء تتلفت يميناً و يساراً بخوف تخشي أن يراها أحد،  كانت تضبط من هندام حجابها و إدخال خصلاتها التي تشعثت من الأمام، خبئتها أسفل الحجاب، ألقت نظرة أخيرة و لم تنتبه فأرتطمت بهذا الشاب الفارع الذي لم يهتز إنشاً واحداً و هي قد وقعت علي الأرض،  رفعت عينيها و رأت كف غليظ ممدود إليها:
-قومي.

رفعت وجهها و نظرت إليه أجفلتها نظرته الثاقبة و كأنه يعرفها بينما هي تجهل هويته، لم تذعن لأمره و أستندت علي الأرض و لم تكترث للغبار الذي أنغمرت به يديها، أسرعت من خطاها للعودة إلي المنزل و إكتشاف إحداً بعدم وجودها.

بينما معتصم مضي في طريقه إلي ورشة حبشي الذي رآه قام بالترحيب به رافعاً يده:
-يادي النور،  يادي النور، معتصم منورنا في الورشة، أجري ياض يا بلية هات حاجة ساقعة لعمك معتصم.

خرج الأخر من أسفل السيارة قائلاً:
– أمرك يا سطي حبشي، فوريرة و جاي بسرعة.

أخبره معتصم بتهكم مازحاً :
-أي يا عم جو الضيافة و الكرم ده،  أنت عيان و لا أي!

أستشف الأخر تهكمه و إتهامه بصفة الشح و هو كذلك بالفعل:
– ماشي يا عم الله يسامحك.

جلس كليهما علي الكراسي فقال معتصم:
– يارب يسامحنا كلنا، علي العموم أنا جاي لك في موضوع كده بس اسمعني للنهاية قبل ما ترد.

رمقه بإهتمام مبالغ و عقد حاجبيه و كأنه يخشي أن يطلب منه أموالاً سلفاً:
– خير يا صاحبي.

ضحك الأخر عندما لاحظ علامات توجس صديقه:
– ما تخافش مش هطلب مـ,ـنك فلوس،  بس طالب حاجة تانية،  مـ,ـبدأياً كدة بالصلاة علي النبي أنت عارف بقالي أكتر من أربع سنين شغال بره و الحمدلله أنا راجل كسيب و بنيت البيت اللي أمي و أخويا و مراته اللي عايشين فيه، و بنيت التالت عشان أتـ,ـجوز فيه.

أدخل الأخر طرف خنصره في أذنه و يهزه ليزيل شئ عالق يضايقه بداخلها و قال مُتظاهراً بالحماقة:
– ربنا يزيدك يا معتصم يا أخويا، بس أنا مافهمتش برضو أنا داخلي أي بالكلام ده؟

أبتسم الأخر و تجلي الفرح علي ملامحه:
– أنا طالب أيد أختك ليلة .

<!–nextpage–>

غر فاهه و كاد يتدلي فكه إلي صـ,ـدره عندما أخبره صديقه:
– بس أنا عايز خطوبة و كتب كتاب و فرح كل ده في خلال أسبوع و أنا متكفل بكل حاجة حتي شنطة هـ,ـدومها أنا هجيبها لها، يعني عايز كل اللي عايزه العروسة بس.

حك ذقنه و يفكر في الأمر:
– و الله يا صاحبي ده شرف ليا تتجوز أختي و كل اللي قولته كلام موزون و جميل، بس أستني أسألها الأول و أشوفها هتوافق و لا أي؟

– أنت هاتستعبط عليا يا حبشي!، ده أنت اللي مربيها و كلمتك مسموعة يعني لو أنت موافق هي هتوافق و تقولك آمين.<!–nextpage–>

أتسع فمه بإبتسامة ظهرت فيها كل أسنانه:
– برضو يا عصوم لازم أفاتـ,ـحها خصوصاً لسه مخلصة ثانوية عامة و قال أي عايزة تدخل الجامعة و بيني و بينك أنا مش راضي علي موضوع الجامعة ده، هناك الشباب مع البنات و الدنيا مليطة مولد و صاحبه غايب،  و أنا راجل دمي حامي ما اسـ,ـتحملش علي أختي الهوا.

أشاح الأخر له بيده بسخرية:
– ياعم أجري أنت هاتعملهم عليا، أنت بس خايف من مصاريف الجامعة و اللبس،  خلاص أنا موافق أنها تكمل و تدخل الكلية اللي تشاور عليها، كدة كدة هقعد معاها أجازة الصيف و هسافر تكون هي بدأت الدراسة.

– يبقي كدة إحنا متفقين.
قالها بسعادة واهية علي غرار حال شقيقته عندما تعلم بالأمر و يا ويلها إذا علمت بقراره الحاسم و الذي لا رجعة فيه.

#الفصل_الخامس
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

– بت يا ليلة،  أنتِ يا بت.
كان صوت حبشي الجهوري و الذي ينبأ عن أخبار سارة، يحمل في يديه أكياساً تفوح منها رائحة الطعام الجاهز.
كانت ليلة تمكث بداخل غرفتها و تبكي و عندما سمعت صوت أخيها بدأت تجفف دموعها التي تنهمر بسبب قلبها الحزين و إكتشاف حقيقة من أحبته المخادع الوغد.

ولج إلي المطبخ و رأي زوجته:
– بتعملي أي يا وليه؟

أجابت عليه بإمتعاض:
– هاكون بعمل أي يعني،  بحضر لكم السحور.
أشار إليها قائلاً:
– سيبي اللي في أيدك ده و تعالي جيب لكم كفتة و طرب من عند الحاتي اللي نفسك تاكلي عنده.

أتسعت عينيها غير مصدقة،  و لما لا فطالما كان شحه يغلب عليه كلما طلبت منه أي شئ:
– سلامتك يا سي حبشي أنت عيان و لا حاجة!

<!–nextpage–>

صاح بسخط:
– جري أي يا وليه محسساني إن بخيل و لا أي.

لوت شفتيها بتهكم قائلة:
– كفي الله الشر يا أخويا هو أنا قولت حاجة!

– طيب ياختي،  هاتي الصينية و أطباق فاضية و معالق و تعالي علي أوضة البت ليلة .

طرق الباب:
– أفتحي يا بت يا ليلة.

هذا أخر ما ينقصها في هذا اليوم العصيب، ذهبت و فتحت الباب:
– أتفضل.

أشارت إليه بالدخول، ذهب خلفها و سألها:
– مالك بتعيطي و لا أي؟

توترت ملامحها و أبتلعت غصتها قائلة:
– أبداً أنا أنـ..

قاطعها و ربت عليها:
– أنا عارف أنك لسه زعلانة مني عشان موضوع الجامعة،  و أنا جاي أصالحك بالأكلة اللي بتحبيها و ليكي عندي خبر لوز اللوز.

رمقته بعدم إستفهام، دخلت هدي باللهفة،  تناولت منه الأكياس و بدأت تخرج محتوياتها و ترص الأطباق:
– خير يا سي حبشي، أي الخبر ده.

– تعالي أقعدي بس كولي و أكلي ليلة ، أومال فين الولاد؟

أجابت زوجته:
– كنت شيعت لأمي عشان تبعتهم مع الولاه أخويا قالتلي العيال فضلو يعيطو مش عايزين يمشو.

رمقها بسعادة:
– أحسن برضو عشان نحتفل أنا و أنتي بعد السحور الجامد ده .
و غمز بعينه لها، لكزته في صـ,ـدره و قالت له بـ,ـصوت خافت :
– عـ,ـيب إخـ,ـتشي يا راجل أخـ,ـتك قاعدة.

حك ذقنه بحرج قائلاً:
– عندك حق يا أم محمد،  المهم بصو بقي،  البت ليلة جالها عـ,ـريس.

نهضت فزعاً و صاحت بإعتراض:
– و أنا مش موافقة.

رمقها محذراً إياها:
-ما تتهدي يابت مش تسمعي الأول هو مين و هايعملك اي.

صاحت مرة أخري برفض تام:
– و انا مش عايزة أعرف، بالتأكيد واحد من المقاطيع أصحابك و لا من أهل الـ,ـحارة اللي أكتر واحد فيهم محترم بيشرب حشيش.

– ما تقعدي يا بت و أسمعيني بدل ما أسفخك كف علي صرصور ودنك أخليكي طرشة.

رمقتها زوجة أخيها بغمزة قائلة:
– أقعدي يا ليلة أسمعي كلام أخوكي، حـ,ـبشي بيحبك و عمره ما هيريد لك الأذي.

رمقتها الأخري بدهشة جلية رافعه حاجبيها لأعلي حتي قال شقيقها:
– الواد معتصم صاحبي جه و طالب إيدك مني.

<!–nextpage–>

صاحت بغضب:
– نعم!، معتصم إبن نفيسة اللي أكبر مني ب ١٢ سنة!

تصنع الحنان الذي يفتقده في خصاله الخبيثة قائلاً:
– ده راجل كسيب مش هيخليكي تشتري حتي هدمتك، هيجيب لك كل حاجة من الإبرة للصاروخ،  و فوق ده كله موافق تكملي تعليمك في الجامعة،  مش كان نفسك تكملي علامك، يالا أهي جت لك الفرصة علي طبق من دهب.

عقدت سـ,ـاعديها أمـ,ـام صـ,ـدرها و رفعت إحدى حـ,ـاجبيها برفض:
– و أنا مش موافقة يا حـ,ـبشي.
ـــــــــــــــــ

– يا بت ربنا يهديكي أخرجي الناس بقالهم داخلين علي النص ساعة قاعدين مستنينك برة.

أومأت لها ليلة بالرفض و قالت:
– أخرج لهم أنتي لأن أنا مش خارجة و مش موافقة، جـ,ـواز أي اللي في اسبوع واحد ده أنا لو جوزك لاقيني علي باب جامع مش هايعمل فيا كده.

لطمت هدي علي خدها:
– يخربيت مخك الحجر،  أخوكي حالف بإيمانات ربنا كلها لو رفضتي مش هاتشوفي الشارع تاني.

صاحت بإعتراض:
– ده عند أمه الله يرحمها.

تدخل صوته كما تدخلت يده و قبضت علي عـ,ـضدها بعنف  قائلاً بتهديد:
– ما هو هيبقي عند أمك فعلاً،  لما اقتلك و اشرب من دمك و أخلص من قرفك.

جزت علي أسنانها بألم و غضب:
– أوعي سيب دراعي، قولت لك مش هاتـ,ـجوز و لا أتنيل، أنت أي ما بتفهمش،  و لا ما بطلتش تهديدك و لا أسلوبك ده معايا هارقع بالصوت و  ألم عليك الحارة و هخلي اللي ما يشتري يتفرج.

كانت كلا من نفيسة و عايدة تجلسان علي الأريكة ذات الفراش البالي و المهترئ، و قد وصل إلي مسمعهما صوت جدال حـ,ـبشي و شقيقته ، و هذا أسعد قلب عايدة بعدما أستنتجت رفض ليلة من الزواج بمعتصم :
– ألحقي يا خالتي شكل البت رافضة تطلع تقعد معانا، شكلها رافضة معتصم.

– يا بنت الرفدي، ليه هو أنا ابني عيبه اي،  ده ضفره برقبتها.

لوت الأخري شفتيها بتهكم و قالت:
– شكلها مش عاجبها و لا نكون مش قد المستوي، ما أنتِ ما تعرفيش الأشكال دي واخده مقلب في نفسها و لا كأنها برنسيسة.

<!–nextpage–>

ردت الأخري بحنق و ضيق:
– ليه إن شاء الله فاكـ,ـرة نفسها أي،  ده أبوها الله يرحمه كان حتة بياع علي عربية فول و أمها كانت خياطة و أخوها حتة مـ,ـيكانيـ,ـكي و لا راح و لا جه.

لكزتها عايدة و قالت بصوت خافت:
– وطي صوتك ليسمعونا، أنا من رأيي تعالي ناخد بعضنا و نمشي بكرامتنا أحـ,ـسن.

أقتنعت الأخري بحديث زوجة إبـ,ـنها فقالت:
– يلا يا بت بلا هم البنات علي قفا من يشيل.

و غادرت كلتيهما دون أن يشعروا من بالداخل،  و عندما أنتهي حبشي من حديثه مع شقيقته صعبة المراس، صاح بصوت مجلجل:
– طب عليا الطلاق بالتلاتة ما هاتشوفي الشارع تاني و يوم ما رجلك تخطي باب الشقة لأكون كسرها و أخليكي عجزة طول عمرك.

ـــــــــــــــــ

طرق متواصل علي باب المنزل يتبعه رنين الجرس فصاحت هدي :
– حاضر يالي بتخبط أنا جاية أهو.

فتحت الباب فظهرت لها فتاة في مثل عمر ليلة:
– صباح الخير يا طنط هدي.

رمقتها الأخري بإمتعاض:
– طنط أي يابت ده كل اللي بيني و بينك خمس سنين قولي هدي و خلاص.

تصنعت الفتاة الإبتسامة و قالت:
– حاضر يا دودا ، أومال فين البت ليلة؟

أشارت لها نحو الداخل:
– جوة في أوضتها صحيها عقبال ما أجهز الفطار كلها نص ساعة و المدفع يضرب،  أقعدي افطري معانا.

– مـ,ـعلش خليها يوم تاني عشان يا دوب جايه اقولها كلمتين عشان بس سايبة المحل و راجعة و امي لو عرفت هاتنفخني.

ردت الأخري بمزاح:
– هاتنفخك أي أكتر من كده، ده أنتي قربتي تفرقعي.

طرقت الفتاة باب الغرفة:
– قمر أنا مي ممكن أدخل؟

أتاها صوتها الحزين من الداخل:
– أدخلي يا مي أنا صاحية.

دلفت و رأتها تجلس علي الأريكة و الحزن يكسو ملامحها شهقت من مظهرها المزري:
– ليه يا بنتي عامله في نفسك كده، شايله طاجن ستك ليه فوق دماغك كفي الله الشر.

أشارت لها ليلة بأن تجلس جـ,ـوارها و قالت:
– تعالي يا مي أقعدي.

سألتها الأخري بإستفهام:
– مالك يا بنتي في أي؟

<!–nextpage–>

ظلت صامته و لم ترغب في الحديث، فكما تعلم أن مي لم يدوم لديها سراً، أصـ,ـرت الأخري بإلحاح:
– هو أنا هاقعد أتحايل عليكي كل مرة عشان تحكي لي و لا أنتي مش مأمناني، حرام عليكي ده أنتي عارفاني بحفظ السر و كأني ما سمعتوش.

رمقتها ليلة و زمـ,ـتت شفتيها جانباً بتهكم و أخيراً لم تجد مفر من تلك الفتاة ذات الفضول و لديها إسـ,ـتعداد أن تتفنن في الإسئلة و أن تلقي بكلمات تميل قلبك و تـ,ـجعلك تشفق علي حالها حتي تتمكن من إيقاعك و العلم بكل شئ.
– أخويا بيساومني يا أتـ,ـجوز معتصم إبن نفيسة و أكمل تعليمي،  يا إما أتحبس في البيت و مفيش كلية.

غرت فاهها بصدمة و رددت:
– معتصم أخو جلال الحلاق !

أومأت لها ليلة و قالت:
– أيوه هو بعينه.

ضحكت الأخري و قالت:
– بغض النظر إن ما بطقش الوليه أمه و لا مرات أخوه اللي شايفة نفسها علينا و هي ماتسواش في سوق الحريم ربع جنيه، بس بصراحة لسه شايفاه إمبارح معدي من قدام بيتنا، بصراحة الواد قمر طول بعرض و عيون عسلي و أسمراني اللون يا لالالي.

زجرتها ليلة قائلة:
– ما تتجوزيه أنتي و ريحيني.

ضحكت الأخري و قالت:
– ياختي مش لما أمي تجوز أخواتي الكبار الأول دي أمنية أختي خللت بس تستاهل هي اللي اتبطرت علي الولاه خطيبها الأولاني عشان ظروفه كانت وحشة و أهو ربنا فتحها عليه من وسع و بقي عـ,ـنده مطعم كبير و بيفتح الـ,ـفرع التاني في وسط البلد، أهي بتندم و بتدعي علي نفسها و مخها الغبي.

ضحكت ليلة رغماً عنها من حديث صديقتها و نبرتها الفكاهية كلما تحكي لها عن شقيقتها،  فقامت بـ,ـسرد لها كل ما ألقاه عليه شقيقها من أمر و وعيد و في نهاية الحديث أخبرتها:
– هي مشكلة فعلا، و بعدين جواز أي أن جوزك بعيد عنك طول السنة و يجي لك شهرين بس، طيب ما تسافري معاه.

أنتفخت أوداجها من تلك الحمقاء:
– بقولك مش عايزة أتزفت أتجوز، أنا عايزة أخد شهادتي الأول و يبقي ليا كيان و أبقي حرة نفسي ما طلعش من بيت أخويا أروح لبيت تاني و هاعيش مع ناس عمري ما أرتاحت لهم و الست نفيسة أمه دي تقول للشر قوم و أنا أقعد مكانك.<!–nextpage–>

رددت الأخري بعد تفكير عميق:
– خلاص أنا جاتلي فكرة.

– قولي.

تحمحمت و أخبرتها بكل ثقة:
– أهربي!

ــــ<!–nextpage–>ـــــــــــــــــــــــ

في هدوء و سكون الليل في وقت متأخر، بعدما أصبح أهل الحارة نيام و خاصة شقيقها الذي يـ,ـصدر من فمه و أنفه شخيراً متواصلاً يصل إلي أخر الحارة و زوجته التي تتمدد بجواره تغط في نوم عميق، تسحبت علي أطراف قدميها و أطمئنت إن النوم يسيطر عليهم جميعاً ليتثني لها الهرب كما قررت،  ذهبت و أخذت حقيبتها الصغيرة و أخذت بها كل متعلقاتها مع بعض الثياب و الأموال التي أدخـ,ـرتها دون علم شقيقها و ما تمتلكه من حُلي ذهـ,ـبية قد أتتها هدية من خالها و أقاربها.

فتحت النافذة بتروي و أشرأبت بعنقها لتتأكد بخلو الحارة من المارة، وقفت علي الأريكة و قفزت عبر النافذة المرتفعة عن الأرض بمقدار نصف متر فقط.

أخذت تركض و تنظر خلفها تارة و أخري تنظر أمامها و قبل أن تغادر الحارة أرتطمت بهذا الجسد الصلب مرة أخري،  شهقت عندما رأت ضوء من بعيد يكشف عينيه الحادة و التي ترمقها بنظرة أجفلتها و جعلتها تتراجع إلي الخلف، لكن مهلاً هذا الشخص تعلمه جيداً يا الهي هذا الذي تهرب الآن حتي لا تقع أسيرة له تحت مسمي الزواج.
سألها و لسانه شبه ثقيل من الثمالة و صوته غليظ مُخيف :
– رايحة فين؟

أبتلعت ريقها و هزت رأسها بتوجس حينما تذكرت هويته، لم ترد عليه و شرعت في المضي ركضاً لكنه أوقفها بقبضة من أنامله علي ساعدها حتي شعرت بأن لو زاد من ضغطه أكثر من ذلك لأنكسرت عظمة الساعد، صاح بصوت أفزعها:
– لما أكلمك تجاوبيني، رايحة فين في وقت زي ده و إزاي خرجتي؟

رمقته بغضب و هدرت:
– و أنت مالك عايز مني أي؟

ظل يراقب ملامحها و ردة فعلها، فيبدو إنها راقت له كثيراً و أخيراً وجد الفتاة التي طالما تمناها، صبية و جميلة يمكن التحكم بها و لو بنظرة مثل التي يرمقها بها الآن، أخبرها و عيونه لا تحيد عن خاصتها و ألقي عليها بأمر و كأنها ملكه :
– يلا أرجعي علي بيتكم بدل ما أتصل علي أخوكي و أقوله يجي يرجعك بنفسه.

أزدردت ريقها بخوف يا له من وغد مخيف، لما يرهبها بنظرته و نبرته التي جعلت فرائصها ترتعد للتو لا سيما عندما قام بتهديدها و إبلاغ شقيقها و هي تحت رحمته الآن:
– و أنت مالك بيا!

زجرته بنظرة عدائية و سألته بضيق و غضب، جذبها خلفه إلي البناء الذي يقف كليهما أمامه و كان هذا البناء الخاص بعائلته، دفعها نحو الحائط و أقترب منها حتي أخترق أنفها أنفاسه الكريهة بسبب رائحة الخمر و السجائر، هسهس إليها و في ذات الوقت يقترب من موطن كلماتها:
-عشان هاتبقي ملكي.
و كاد يلتهم شفتيها لكن جمعت قواها و فعلت كما فعلت مع حبيبها السابق، صفعته بكل قوتها و دعست علي قدمه مما جعلته يتأوه و يبتعد عنها، ركضت من أمامه و تراجعت عن فكرة الفرار،  عادت إلي منزلها عبرة النافذة و قلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من فرط الخوف.

ـــ<!–nextpage–>ــــــــــــــــــ
بينما هو عاد إلي منزل عائلته وجد المنزل ساكناً دون أي صوت أو حركة، ولج إلي غرفته و لم يهتم لإغلاق الباب، نام علي ظهره أعلي سريره يشعر بثقل فـ رغماً من حالة الثمل التي هو بها لكن ليلة تشغل تفكيره بملامحها التي تمتاز بالجمال و البراءة.

أنتبه لحركة في الظلام لدي باب الغرفة الذي أُغلق دون تدخل منه و حين ألتفت و نظر أمامه تفاجئ بالتي تقف ، بصيص من الضوء ينبعث من نافذة الغرفة و يسقط علي وجهها و يبدو من إبتسامتها و نظرة الشماتة التي تنضح من عينيها إنها ستخبره بما سيكدر صفوه، سألها بضيق:
– عايزة أي؟

دنت نحوه و أستندت علي يديها و علي مقربة شديدة منه حيث ترتدي ثوب عاري يعلوه مأزر مفتوح، قامت بفك حزامه عند ولوجها إلي هنا، تقصد إغرائه و ترويضه عن نفسه كما تسعي كلما أنفردت به:
– عايزة أقولك البت رفضت تقابلنا أنا و أمك و صوتها جايب لأخر الحارة مش عايزاك و لا عايزة تتجوز، شوفت بقي عشان تعرف مهما عملت و لا لافـ,ـيت أنت بـ,ـتاعي في النهاية.

رمقها بإزدراء و إشمئزاز ثم نهض بجذعه جالساً علي طرف السرير و قال:
– أنتي طايقة نفسك إزاي!  ، أنا لولا أخويا كنت دفنتك بالحيا بس خسارة ألوث إيدي بدم واحدة قذرة زيك.

هبطت علي عقبيها أمامه و أمسكت يده بتوسل دون أن تهتم لما ألقاه عليها من صفات شنعاء:
– أنا مش قذرة يا معتصم،  أنا بحبك و جاية لحد رجلك عشان أقولك أنا ملكك كل حالي و مالي ليك،  تعالي نهرب أنا و أنت نروح أي مكان بعيد عن أمك و أخوك اللي عايشة معاه مجرد جسم من غير روح، عايشة معاه ميتة، أنا عايزاك أنت أكون مراتك أنت مش هو.

<!–nextpage–>

وقف بصعوبة و صاح بغضب رداً علي ما تهذي به تلك المجنونة:
– أنتي أكيد مجنونة أو شاربة حاجة، أطلعي برة بدل ما أنا اللي أخدك بأيدي و أرميكي تحت رجل جـ,ـوزك و هـ,ـخليه هو اللي يتصرف معاكي.

هزت رأسها بنفي و كانت كالتي فقدت عقلها، جذبته من تلابيب قميصه بعنفوان و تملك و غضب:
– ما تقولش جوزي،  أنا بكرهه و لولا هو أخوك كنت حطيت له سم في الأكل و أخلص منه.

برقت عيناه باللهيب مستعر، فقد السيطرة علي غضبه صفعها بقوة شقت شفتها السفلي و ذرفت دماءً، أخذت تبكي و ترمقه بنظرة إستعطاف لعل قلبه يرق لحالها.

عيناها تغرقهما الدموع و تنهمر، تلك النظرة التي رآها منذ قليل في عيون ليلة، بل يري الآن زوجة شقيقه ليلة ذاتها، هنا صدح وسواس إبليس في أذنه و زين له أسوء ما يمكن حدوثه، بينما هي لم تكلفه عناء أن يبادر لتبدأ هي بتقبيله، و قبل أن تلمس شفتيها خاصته عاد لرشده و قبض علي ذراعها:
– أنتِ كده جبتي أخرك معايا، غوري بقي.

دفعها خارج غرفته علي الأرض و بصق عليها ثم صفق الباب في وجهها، ظلت تنظر نحو الباب قائلة بتوعد:
– ما بقاش عايدة غير لما أدفعك تمن اللي عملته دلوقتي غالي أوي.

#الفصل_السادس
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

و في منزل حبشي،  تمكث بداخل غرفتها منذ ليلة الأمس يجافيها النوم تحتضن صـ,ـورة والدتها و والـ,ـدها كم تمنت إنهما يعودا إلي الحياة ربما لم يحدث لها ما تتلقاه علي يد شقيقها الظالم الذي لديه إسـ,ـتعداداً و دون تردد بيع شقيقته إلي من يزيل عنه مسئوليتها و لا يصرف قرشاً واحداً، فالبخيل مثله لا يصرف سوي عندما يوقن أن الجنيه عندما يخرج من جيبه سوف يعود إليه أضعافاً مضاعفة.

طرقت هدي الباب و قالت من خلفه:
– ليلة يلا عشان آذان المغرب هيأذن أهو.

أجابت الأخري:
– مليش نفس يا هدي كولي أنتي و العيال، و معلش سبيني لوحدي و لا أقولك اعتبروني هوا في البيت.

أدارت المقبض و ولجت إليها قائلة بعتاب جلي:
– طيب أنا ذنبي أي تخاصميني و عارفه معزتك و محبتك في قلبي زي أختي الصغيرة.

نظرت إليها بطيف إبتسامة ثم أخـ,ـبرتها بنبرة يتخللها الهزيمة و الإنكسار:
– أنتي أكتر واحدة مصبراني أعيش و أستحمل القرف و الذل اللي شايفاه علي أيد أخويا، صعبانة عليا أوي انك وقعتي معاه ياريتك أتجوزتي واحد أحسن منه يمكن كان حالك يبقي احسن و عندك كل اللي نفسك فيه.

جلست بجوارها لتري بداخل عينيها تلك النظرة التي طالما كان بخاصـ,ـتها نحو عمار و أخبرتها :
– مش بأيدي يا ليلة ، القلب هو اللي بيختار لنا ناس لو فكرنا بالعقل هانقول إستحالة نعيش معاهم،  و أنا مهما أخوكي عمل و علي كل عيوبه دي بحبه أوي و ماقدرش أتخيل أعيش يوم من غيره،  قولي عليا مجنونة أو واحدة معنديش كرامة، بس أحكام القلب بتجبرنا نعيش في وسط النار كأنها الجنة و نعيمها.

ضحكة قوية أطلقتها ليلة حتي سألتها الأخري بحنق:
– هو أنا كنت بقول نكت يا ست ليلة؟

توقفت عن الضحك و أجابت:
– معلش يا هدي مش قصدي اللي فهمتيه، بس مستغربة كمية الكلام العميق اللي قولتيه و أنتي ماوراكيش حاجة طول الليل و النهار غير شغل البيت و تجري ورا العيال و طلبات أخويا اللي ما بتخلصش فأستغربت.

أخرجت هاتفها من جيب عبائتها و اخبرتها بإبتسامة:
– أكمني يعني معايا دبلوم يبقي مش بعرف اتكلم،  عموماً يا ستي هقولك علي السبب، أنا بيني و بينك عامله حساب علي الفيس بأسم الولاه محمد ابني و مشتركة في جروبات بتنشر روايات حلوة أوي، دي اللي علمتني الكلام اللي قولته ده و مش هاعرف أعيده تاني، و بصراحة بتهون عليا خصوصاً لما بكون مخنوقه بقعد أرفه عن نفسي و اقرأ.

عقبت ليلة و تكتم ضحكاتها:
– و كمان عامله فيس،  ربنا يستر و حبشي لو شم خبر هايمسك التليفون و يفتح بيه دماغك.

شهقت هدي و ضربت بكفها علي صـ,ـدرها:
– يا مصيبتاي حرام عليكي يا ليلة أوعي تكوني هاتفتني ليه عليا!

<!–nextpage–>

ضحكت و قالت:
– جوزك أصلاً لا يفقه أي حاجة في التكنولوجيا و كل فكرته عن الفيس أنه بتاع العيال الفشلة و البنات اللي بتدخل عليه مش محترمه، جوزك دماغه تعبانه خالص تحسي إنهم شالوا مخه و حطو له بطاطس بدالها.

أخذت تضحك الأخري قائلة:
– يخرب شيطانك يا ليلة ده أنتي فظيعة، بمناسبة البطاطس يلا بقي تعالي أفطري قبل ما الأكل يبرد عاملالك صينية بطاطس في الفرن اي نعم قرديحي بس هتاكلي صوابعك وراها و جمبها بتنجان مخلل زبدة يستاهل بوقك.

و قبل أن تذهب ليلة و تغادر غرفتها أوقفتها هدي و اردفت:
– بصي هقولك نصيحة و لو مش عجباكي ماتعمليش بيها،  أنا لو مكانك و جالي واحد زي معتصم شاريني و ينجدني من جحيم أخويا هوافق علي طول.

عاد الحزن إلي ملامح ليلة التي أكتفت بهز رأسها و عقبت:
– هافكر يا هدي و هابقي أرد عليكم، سبيني بس علي راحتي.

ــــــــــــــــــــ

– عايدة،  بت يا عايدة.
كان نداء نفيسة علي زوجة إبنها التي لم تجب عليها، خرج جلال يتثائب و قال:
– صباح الخير يا ماه.

– صباح أي يا بني قول مساء الخير، ده الضهر قرب يأذن، فين المحروسه مراتك؟

رفع كتفيه بعدم معرفة و يحك فروة رأسه:
– و الله ما عارف أنا لسه صاحي ما لقتهاش جمبي يمكن نزلت تشتري حاجة و طالعة.

– أنا صاحية من الفجر صليت و قرأت قرآن، يعني لو صحيت كنت شوفتها.

أشار إلي والدته و طلب:
– معلش و النبي ياماه ولعي لي فحم خليني اخدي لي نفسين يفوقوني بدل ما أنا قايم مصدع.

رمقته بغضب و رفض قائلة:
– الناس تصحي تصلي ، أنت أول ما تصحي عايز تشرب شيشة،  ده أنت لو لاقي صحتك في الشارع مش هاتعمل في نفسك كدة، و كأنك ناسي إحنا في رمضان يا موكوس.

تأفف و زفر بحنق:
– يوه بقي كل يوم الموال الأخبر ده علي الصبح، مش ناوية ترحميني بقي من الأسطوانة الحمضانة دي!

– شكراً يا أبني، الحق عليا خايفه عليك و تبقي دي جـ,ـزاتي في الأخر…

ظلت تتمتم بكلمات متكررة حتي شعر إبنها بالضجر و تركها و دلف إلي المرحاض:
– يوه بقي مش هانخلص من الموشح.

بينما في مكان أخر،  مكان موحش و تفوح منه روائح البخور و روائح أخري كريهة
يلقي هذا الدجال ذو المظهر المخيف و لحيته التي تشبه لحية السحرة و الكهنة قديماً حفنة من مادة تجعل الفحم المشتعل ينبعث منه دخاناً كثيفاً و يتمتم:
– حي، أرزق ياللي بترزق،  أبعت ياللي بتبعت.

<!–more–><!–nextpage–>

دخلت بتردد و تضع طرف وشاحها تخفي به نصف وجهها:
– السلام عليكم يا شيخنا.

أشـ,ـار لها للـ,ـجلوس قائلاً:
– اتفضلي يا اختاه قولي علتك.

نظرت إليه بتوجس من مظهره المخيف ثم قالت له:
– علتي هي قلبي يا سيدنا الشيخ، بحب واحد و هو مش حاسس بيا نفسي يحبني و يبقي يتمني مني كلمة و سمعت إنك ياما جمعت حبايب و جوزت بنات فاتها قطر الجواز.

صاح مُهللاً:
– حي،  حي،  كله بأمره كله بأمره يا بنتي، و عشان تنولي المراد من رب العباد لازم ترضي الأسياد.

كانت في حالة ذعر من النـ,ـيران الـ,ـمشتعلة و زيادة رائحة الـ,ـبخور فقالت بتوتر:
– أنا تحت أمر الأسياد، قولي أيه طلباتهم و هاتكون عندك في الحال.

أخرج من جـ,ـيبه ورقة مطوية و مد يده بها إليها:
– بكرة زي دلـ,ـوقتي يكون عندي كل الطلبات دي و هاديكي اللي يخلي حبيبك ما بين إيديكِ و ماتنسناش في دعواتك.

أومأت له و قالت:
– من عينيا.
و كانت السعادة تتخلل ملامحها و تنضح من عيناها ذات النظرة الشيطانية.

ـــــــــــــــــــــ

عادت من الخارج و ركضت إلي غرفتها و بدات في خلع عبائتها لتبدلها بأخري، دخل زوجها و يرمقها بنظرة لم تستشف منها شيئاً:
– كنتي فين؟

أنتفضت بفزع و أجابت:
– ككـ كنت صاحيه مخنوقة و احتاجت أشم شوية هوا فوق السطوح.

أشار إلي ثيابها و سألها بتهكم:
– طالعة تشمي هوا بعباية الخروج!

حالفها الحظ و وجدت الإسدال علي كرسي طاولة الزينة و أشارت إليه قائلة:
– ما أنا كنت لابسة الإسدال و لسه قلعاه.

أقترب مـ,ـنها و عانقها:
– ما تسبنيش نايم لوحدي تاني و تقومي،  و بعدين لو مخنوقة صـ,ـحيني و أنا أفرفشك.

غمز لها بعينه فأبتسمت بشفتيها فقط و قالت:
– حاضر.

أخذ يستنشق بأنفه رائـ,ـحتها:
– أي الريحة العِفشة دي؟

تذكرت أمر البخور فأبتعدت و التوتر يخالج ملامحها و سرعان تـ,ـصنعت الدلال:
– قصدك اي يعني، علي فكرة دي ريحتك أنت من الشيشة بتاعتك و مـ,ـكنتش عايزة أقولك عشان ما جـ,ـرحكش.

حك فروة رأسه بحرج و قـ,ـال:
– مـ,ـعلش بقي يا حب أصلي كنت سـ,ـهران مع جماعة صحابي و طـ,ـلبت مـ,ـعاهم سجاير مـ,ـحشية و وجبو معايا بـ,ـصراحة مرضتش أكـ,ـسفهم.

قالت له و كأنها تكترث لأمره:
– طـ,ـيب ياريت بلاش تـ,ـشرب تاني عشان صحتك.

جـ,ـذبها بين ذراعيه و سألها:
– خـ,ـايفة عليا يا دودو؟

ظهرت أسـ,ـنانها في إبتـ,ـسامة مصـ,ـتنعة:
– طبعاً يا روحي أنا ليا مين غـ,ـيرك أخاف عـ,ـليك يا سـ,ـبعي.

– بقولك أي إبقي أسـ,ـتنيني لما أرجع بالليل عشان عايز اقولك كـ,ـلمة سر ما ينفعش اقولها لك في الصيام .

دفعته عنها دون أن تنـ,ـظر له:
– يا عـ,ـم إجـ,ـري أنت بتفطر من هنا و بتبقي بـ,ـعدها زي الفراخ البيضا اللي مفرهدة في الـ,ـقفص.

و قبل أن ينطق صاحت والدته من الخارج:
– واد يا جلال، واد يا معتصم .

– روح شوف مامتك و أنا هـ,ـاخد لي هـ,ـدوم عـ,ـشان عايزة أخد لي دش و أغـ,ـير و ألحق احضر للفطار بدل ما أمك تفرج عليا الجيران.

خرجت من غـ,ـرفتها و في طـ,ـريقها إلي المرحاض فوجدت مـ,ـعتصم يخرج من غرفته و عندما تلاقت أعـ,ـينهما رمقها بإزدراء، رفعت أنـ,ـفها بكبرياء واهي و لم تهتم أو ربما تـ,ـصنعت هذا و الـ,ـحقيقة غرار ذلك.<!–more–><!–nextpage–>ــــــــــــــــــــ
و عقب صلاة التراويح بمنزل حبشي يجلس كل من معتصم و شـ,ـقيقه و جلال و والدتهما نفيسة التي ذهبت بعد عناء و محايلة من ابنها بعدما رفضت الذهاب و تلك الزيجة لكن لم تستطع رفض مطلب إبـ,ـنها الصغير.
لكن لم تأت معهم عايدة و تحججت بالتعب و لديها ألم برأسها، لا تريد أن تري إتمام مراسم الإتفاق.

تحمحم مـ,ـعتصم و يبدو كأنه أنتهي من طلب يد ليلة و ينتظر إجابة شقيقها:
– قولت أي يا حـ,ـبشي؟

أعـ,ـتدل الأخر في جـ,ـلسته و قال:
– طبعاً أنا أتمني يا صاحبي بس لما نـ,ـسمع رأي العروسة الأول،  روحي ناديها يا أم محمد.

وجه أمره إلي زوجته التي تضع يدها علي قـ,ـلبها و تخشي رفض ليلة التام و ينشب عراك مرة أخري بين زوجها و شقيقته، نهضت علي الفور و ذهبت لتخبرها، فتفاجئت بخروج ليلة من المطبخ و تحمل صينية يعلوها كؤوس المياه الغازية.
– و أنا اللي كنت فاكـ,ـراكي هاتـ,ـقلبي الدنيا زي المرة اللي فاتت!

ردت الأخري و ترفع وجـ,ـهها بكبرياء:
– أطمني يا هدي هانفذ اللي أخويا عايزه بس بشروطي.

ذهبت أمامها و الأخري تتمتم بتوجس:
– يا تري ناوية علي أيه، ربنا يستر.

قامت ليلة بتقديم لكل من الـ,ـجالسين كأساً فالأول كانت نـ,ـفيسة التي رمقتها شزراً و بتوعد لكن الأخـ,ـري لم تعط لها أدني إهـ,ـتمام،  ثم ذهبت لتعطي الكأس الثانية لجلال الذي لكز شقيقه بمرفقه و همس إليه:
– عروستك قمر ياض يا معتصم علي طول محظوظ.

بينما كان معتصم لم يسمع و لا يري سواها، فكلما يراها يشعر بشئ غريب يختلج صـ,ـدره، لكنه لن يوهم نفسه مرة أخـ,ـري فالمتاعب لا تأتي سوي من وراء الحب و الغرام و تستيقظ علي حـ,ـقيقة مريرة سوداء لا تعلم متي سـ,ـتأتيك الضربة.

– أتفضل.
كان صوتها رقيق عذب، تنـ,ـاول كأسه قائلاً:
– تسلم أيدك.

<!–nextpage–>

تركت الصينية علي المنضدة و جلست بجوار شـ,ـقيقها عاقدة ساعديها أمام صـ,ـدرها و ترمقهم بعنجهية جلية للعيان مما جعل نفيسة تـ,ـسألها بتهكم:
– قولي لي يا حبيبتي بتعرفي تطبخي زينا و تعملي شغل البيت و لا مرات أخوكي هي اللي شايلة البيت كله فوق دماغها لوحدها!

رفعت ليلة إحدي حاجبيها و قالت:
– أنا و الله يا طنط كان عندي ثانوية عامة يعني وقتي و تركيزي كله للمذاكرة.

– أومال هاتبقي ست بيت إزاي، ده الواحدة فينا مهما أخدت شهادات في الأخر ملهاش غير بيت جـ,ـوزها.

ردت الأخري عليها بنبرة مماثلة لها:
– دي ظروفي و أظن إبنك جاي و فاهم وضعي.

عقب معتصم قائلاً:
– اه طبعاً يا عروسة،  أنا خلاص أتفقت مع أخوكي علي أي طلب أنتي عايزاه.

فسألته و تراقب ردة فعل والدته:
– و طنط عارفه أي شرطي ليكون عندها إعتراض و لا حاجة.

رمقته والدته علي الفور بغضب، فقال:
– أمي راحتي من راحتها، و طالما أنا موافق هي موافقة.
و ألتفتت إلي والدته و سألها بنظرة أدركت ما يريد قوله لها:
– صح يا أمي؟

&nbsp;

ردت بتصنع السماحة و الطيبة كالعادة:
– طبعاً يا حبيبي، أنا كل اللي عايزاه أشوفكم مـ,ـرتاحين و يبعد عنكم ولاد الـ,ـحرام.

و نظرت إلي ليلة التي أدركت مقصدها في الحديث فأجابت عليها:
-أيوه ربنا يبعد عننا ولاد الحرام.

تدخل جلال قائلاً قبل أن ينشب خلاف بين والدته و ليلة :
– أنا بقول خير البر عاجله و نقرأ الفاتحة كدة بالصلاة علي النبي.

ردد حبشي:
– عليه الصلاة و السلام.

رفع جـ,ـميعهم إيديهم و بدأو يرتلون آيات سورة الفاتحة و عندما أنـ,ـتهو أطلقت هدي زغاريد الفرح و السعادة.

ـــــــــــــ<!–nextpage–>ــــــــــــــــ
و في اليوم التالي ذهب الجميع لشراء الحُلي ماعدا عايدة التي تصنعت التعب.
كانت ليلة تراقب ملامح معتصم عن قرب و هو يقف بجوارها و ينظر إلي قطع الحلي ليختار لها ما سيهديها إياه.

– أي رأيك في طقم الكوليه و الإسورة بالخاتم بتاعـ,ـها أظن هيبقي حلو أوي عليكي.
رمقته بوجه متجهم عندما شعرت بإطراء منه:
– أنا أصلاً ما بحبش الدهب.

كانت والدته تستمع إليهما فسألتها بتهكم:
– أومال عايزاه يجيب لك سولتير و عقد ألماظ!

رمق معتصم والدته بإمتعاض فأصلح ما أفسدته :
– لو عايزة سـ,ـولتير أنا مـ,ـعنديش مشكلة، الحمدلله خير ربنا كتير، شاوري بس و أنا هاجـ,ـيب لك اللي أنتي عايزاه.

تـ,ـعجبت ليلة من هذا المعتصم الذي كلما يحدث شئ لا تجد منه سوي معاملة طيبة يشوبها الحنان، زفرت بضيق حيث شعرت بالإختناق كلما علمت إنها مجرد أيام قليلة و سوف تصبح زوجة لرجل يوجد بينهما فارق ثلاثة عشر عام كما يوجد فرق في التعليم و الفكر و فوق هذا و ذاك لا تعلم عنه سوي إنه جارهم في الحارة و كان إحدي أصحاب شقيقها و هذا أكثر ما يثير مخاوفها.

– أنا كل اللي عايزاه دبلة و خلاص مش فارقة معايا أي حاجة تانية.

همس شقيقها إلي زوجته من بين أسنانه:
– خديها علي جمب و عقليها بدل ما أجرها علي البيت و أعقلها بقلمين علي وشها.

بادلته هدي هامسة:
– أهدي يا حبشي ما ينفعش تعمل اللي كنت بتعمله فيها،  كده أنت بتقل من كرامتها قدام نسايبها.

تحدث معتصم إلي الصائغ و يشير إليه نحو طقم الحلي و المتشكل علي هيئة فراشة:
– لو سمحت إحنا عايزين الطقم ده و دبلة فضة إيطالي و أحفر لي إسم ليلة بالعربي جواها.

<!–nextpage–>

نظر جميعهم نحوه بتعجب، و بعد أن جلب الرجل لهم ما قام بطلبه:
– ألف ألف مبروك ربنا يتمم بخير.

أطلقت هدي الزغاريد مثل الأمس ثم قامت بتهنئة و مباركة العروسين.

#الفصل_السابع
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

كانت تزرع الأرض ذهاباً و إياباً منذ أن غادرت والدة زوجها و إبنها الأخر لشراء الحُلي للعروس،  و ليست بأي عروس بالأحري ستسميها غريمتها أو من أختطفت منها الشخص الذي تحبه بل و يغمرها الهوس به.

صوت فقعات مياه الأرجيلة و الدخان الذي يعبئ المكان، يخرج من فم و أنف جلال الذي يتابعها بتعجب و عدم فهم لما تفعله:
– عماله رايحة جايه زي الخيلة الكدابة، مالك في أي!

وقفت لدي النافذة المطلة علي الشارع، أزاحت الستار قليلاً و ألقت نظرة من الفتحة الصغيرة تري هل عادوا أم لا، و لم ترد علي سؤال زوجها فأردف:
– طب لما كنتي عايزة تروحي معاهم ماروحتيش ليه و لا غيرانة؟

ألتفتت إليه في لحظة و رمقته بتوتر، فسألته بتوجس و تراقب ملامح وجهه لعلها تستدل إلام يقصد بحديثه:
– غيرانة إزاي و من مين؟

ضحك بسخرية و أجاب:
– أصل خلاص كلها أيام و هتيجي اللي تاكل منك الجو، و البت أي صغيرة و حلوة و متعلمه و كمان شارطة علي أخويا تكمل تعليمها و تدخل الجامعة.

نظرت إليه بحنق و ودت أن تقبض علي نحره و تجعله يصمت لكنها تصنعت غرار هذا و أخبرته:
– و أنا هاغير من حتة عيلة و لا أي،  و ما تنساش أنا أبقي مرات الكبير يعني ليا وضعي و لا أي!

غمز لها بعينه ثم قال بإشادة:
– أموت فيك و أنت واثق في نفسك و مسيطر.

أقتربت منه و تناولت عصا الأرجيلة قائلة:
– و خد عندك بقي أمك مش بالعه البت و هتوريها النجوم في عز الضهر،  بكرة هاتقول عايدة قالت.
و سحبت نفساً عميقاً من الأرجيلة و نفثت الدخان بإحترافية مما جعل زوجها صاح بتهليل:
– الله عليك يا باشا، ما تقومي قبل ما يجو أرقصي لي شوية،  واحشتني أوي هزة وسطك.

أعطته العصا و نهضت لتقوم بتشغيل المسجل،  فبدأت موسيقي لإحدي الأغاني الشعبية و أخذت تتمايل بخصرها المنحوت لكن ملامح وجهها تبدو هادئة و هي بالحقيقة عكس ذلك، و إذا تمعنت بالنظر في عينيها الكحيلة ستجد ألسنة نيران مشتعلة تود إحراق الأخضر و اليابس!
ـــ<!–nextpage–>ــــــــــــــــــ
مرت الأيام و ها قد جاء اليوم السابق ليوم الزفاف و الذي يسمي بيوم الحناء، تتجمع به الفتيات و النساء، يهللن و يصفقن و يتراقصن علي الأغاني المأخوذة من الفلكلور المصري.

و في زواية تجلس ليلة شاردة فيما يحدث معها، القلق و الخوف ينهشان قلبها، تمنت أن يكون زفافها غداً علي عمار الذي أحبته بصدق بينما هو لم يحب سوي نفسه فقط و الذي فعله قبيل أيام قضي علي ما تبقي في قلبها نحوه.
أنتبهت إلي إبنة شقيقها الصغيرة تجذبها من طرف ثوبها:
– عمتو، عمتو.

أنحنت نحوها و أبتسمت و هي تربت عليها بحنان:
– قلب عمتو من جوة، عايزة أي يا روحي؟

رفعت يدها لها ممسكة بهاتفها:
– خدي الموبايل بتاعك كل شوية يرن كتير.

و في تلك اللحظة لاحظت من النافذة المفتوحه علي مصراعيها و المطلة علي الشارع حيث تري كل المارة و هم يرونك، تفاجئت بهذا الذي يرمقها بتهديد و وعيد.
صدح رنين هاتفها، فأشار لها من بعيد أن ترد علي إتصاله، أستغلت إنشغال الجميع في الرقص و الغناء، نهضت و أسرعت إلي داخل غرفتها و أوصدت الباب من الداخل حتي تتمكن من التحدث إليه دون أن يسترق أحدهم الإستماع إليها.

أجابت علي الإتصال بصوت خافت:
– يا بجاحتك يا أخي،  جاي بعد اللي عملته بتتصل بيا و كمان جاي لحد البيت.

أتاها صوته الثائر من الغضب الذي يضرم به كالنيران :
– وقفي كل اللي بتعمليه ده إلا و الله العظيم لأطربق الدنيا علي دماغك.

شعرت بالخوف من تهديده الذي يبدو إنه لا يمزح بتاً، فقالت له:
– عمار أرجوك كفاية بقي و أنساني، كل اللي ما بينا أنتهي.

– ده أي اللي أنتهي!  ،  اللي ما بينا عمره ما بينتهي و لا هينتهي خالص و لازم توقفي كل المهزلة اللي بتحصل دلوقت.

<!–nextpage–>

أخبرته من بين أسنانها بتحذير:
-المهزلة الحقيقية هو أنا رضيت أرد علي تليفونك أصلاً و لو ما بعدتش عني أنا هخليك تبعد غصب عنك.

– طب وريني هاتعملي أي.
تعجبت لصدي صوته المتردد، ألتفتت خلفها و كانت الصاعقة!
– أنت!  ، إزاي دخلت هنا؟

رمقها بإبتسامة و سخرية و أشار لها نحو النافذة الذي دلف منها و قال:
– دخلت زي ما كنتي بتخرجي كل يوم منها و بتجي لي فوق السطوح.

و أخذ يقهقه علي ملامح وجهها الغاضبة، فأجابت:
– كنت مغفله و غبية و الحمدلله ربنا كشفك ليا قبل ما كنت اتدبست فيك و ابقي شربت مقلب العمر كله.

– تقومي سايباني و تروحي تتجوزي صاحب أخوكي اللي أكبر منك بـ 13 سنة!
قالها بتهكم ساخر، فأرادت رد الصفعه إليه:
– بس علي الأقل راجل و قد كلامه مش حتة عيل ما يعرفش عن الرجولة حاجة.

تلك الكلمات كافية بسبر أغواره،  فقال من بين أسنانه و حقد دفين:
– أنا بقي هوريكي مين فينا الراجل و القوي كمان.

و ما أن أنتهي أنقض عليها و أخذ يُقبلها غصباً و إقتداراً قائلاً:
– أبقي صرخي عشان تفضحي نفسك و يقولو العروسه بتخون العريس من يوم الحنة.

و أنقض عليها مرة أخري بينما هي أخذت تقاومه دون إصـ,ـدار صوت حتي جاء صوت أخر أفزعها مع طرق الباب:
– أفتحي يا ليلة، أنا حبشي و معايا معتصم خطيبك.

يا للكارثة ، إذا دلف شقيقها و خطيبها الآن ستصبح فضيحة علي مرئي و مسمع أهل الحارة ، أخبرت عمار بهمس:
– أستخبي بسرعة في الدولاب.

و فتحت الخزانة و جعلته يختبئ بداخلها و سرعان ما جعلته يدخل و أوصـ,ـدت عليه بابيها.
– حاضر يا أبيه ثواني.

و ذهبت لفتح الباب دلف شقيقها أولاً:
– قافله علي نفسك ليه و سايبة الهيصة بره؟

أجابت بتصنع التعب:
– حسيت بشوية صداع فدخلت أريح لي حبه،  فيه حاجة؟

أشار إلي هذا الواقف في الإنتظار أمام الباب:
– تعالي يا عريس.
ثم قال لها:
– عريسك جاي يقعد معاكي شوية،  افردي وشك و أتكلمي معاه عدل و بلاش الغشومية بتاعت أول إمبارح بدل ما أنتي فاهمة.

دلف الأخر و جلس بالقرب منها:
– ألف مبروك يا ليلة، قصدي مبروك لينا أنا و أنتي.

رمقته بإبتسامة زائفة و قالت :
– الله يبارك فيك.

<!–nextpage–>

نهض حبشي و قال:
– لما أقوم أجيب لك حاجة تشربها يا عريس.

غادر و تركهما بمفردهما، تحمحم معتصم و بدأ يتحدث:
– أنا بصراحة سيبت الحنة اللي عاملها قصاد بيتنا و قولت اجي اطمن عليكي لتكوني محتاجة حاجة أنا تحت أمرك.

– لاء، شكراً مش محتاجة حاجة.
تزحزح قليلاً حتي ألتصق بجوارها و قال:
– بصراحة أنا جيت عشان أقولك وحشاني.

و قام بتقبيل خدها، أتسعت عينيها و نهضت و وقفت بغضب:
– أي اللي هببته ده!

أشار إليها لتكف عن صوتها المرتفع و أجاب:
– أهدي كده ما حصلش حاجه للنرفزة اللي أنتي فيها دي  غير  أن كلها بكرة و هاتبقي مراتي يعني أظن ما ينفعش تقولي لي وقتها ايه اللي هببته ده!

تذكرت تلك المأساة فقالت:
– لما يجي وقتها و بعدين أنا يا دوب لسه عرفاك بقالي أسبوع لازم ناخد علي بعض الأول.

زفر بضيق و قال بنفاذ صبر :
– حاضر يا ليلة اللي أنتي شيفاه براحتك ، عموماً أنا راجع لأصحابي.

كاد يتركها و يغادر عاد من جديد و أخرج من جيب بنطاله كيس من المخمل أخرج منه سلسلة ذهبية يتوسطها إسمها بالعربي:
– أتفضلي.

رمقته بتعجب ثم أخبرها:
– كنت معدي إمبارح من قدام محل الدهب اللي اشترينا منه الشبكة لاقيت عنده السلسلة دي فدخلت و اشتريتها لك.

طيف إبتسامة أرتسم علي ثغرها فقالت:
– شكراً.

أشار لها نحو جيدها و سألها:
– ممكن ألبسهالك؟

لاحظت فتح الخزانه قليلاً و ينظر عمار لها يحذرها لتبتعد عنه، خشيت أن يراه معتصم فقامت بدفعه نحو الحائط و رفعت وشاحها عن عنقها ثم ولت ظهرها إليه:
– أتفضل لبسهالي بسرعة.

تعجب من ما فعلته للتو فقام بفتح قفل السلسلة و وضعها حول عنقها، خرج عمار من الخزانة و ود أن يذهب و يقوم بخنق غريمه لكن سرعان ما لحقت ليلة الموقف و ألتفتت إلي معتصم و إشغاله بأمر يسلب تركيزه فقامت بتقبيل وجنته:
– تسلم إيدك.

تراجع عمار عند سماع خطوات قادمة نحو الغرفة ، بينما معتصم أستغل ذلك الموقف و أقترب منها لتقبيلها من شفتيها،  أوقفته شهقة زوجة شقيقها التي دخلت و تمسك بصينية يعلوها كأسين من المياه الغازية، أبتعد الأخر عن ليلة بحرج و قال:
– طيب أستأذن أنا بقي عشان أصحابي و جماعة قرايبي مستنيني قدام البيت هناك،  سلام عليكم.

و بعدما ذهبت ضحكت هدي و لكزتها في كتفها:
– يخرب عقلك يا ليلة أي يا بت مستعجلين أوي كده، ده خلاص الفرح كلها بكرة.

– هو اللي مش محترم أعمله أي يعني،  و جوزك عمال يقولي بطلي تكشري و أضحكي  .

ضحكت مرة أخري و أخبرتها:
– طيب ياختي خدي أشربي الحاجة الساقعة لما أروح أدور أعمل الشاي لأخوكي و أصحابه و أنتي أبقي اخرجي و أقعدي مع البنات و الستات بره.

وافقت ليلة و قالت لها:
– ماشي،  روحي أنتي عقبال ما أصلح مكياچي و خارجة.

ضحكت الأخري و غادرت، فأسرعت خلفها و أوصدت الباب من الداخل، و ذهبت لفتح الخزانة و قالت له:
– ياريت تطلع و ما شوفش وشك هنا تاني، أديك شوفت خطيبي عامل إزاي ده لو نفخ فيك هايطيرك.

صاح بها:
– و لا يقدر هو و لا عشرة زيه يعملي حاجة.

دفعته نحو النافذة و قالت له:
– طب يلا أمشي بسرعة قبل ما حد يشوفك.

أومأ لها و بغضب أخبرها:
– أنا هامشي بس خدي بالك مش هاسيبك تتجوزي و تتهني علي حساب قلبي سلام يا عروسة.

و قفز من النافذة بعدما ألتفت يميناً و يساراً،  لم ينتبه إلي تلك الواقفة علي بعد مسافة و حين تأكدت من المنزل،  أبتسمت بإنتصار  و قالت:
– الله،  هي الحكاية كده!  ، حلو اوي اوي !

ــــ<!–nextpage–>ـــــــــــــــــــــ

و في صباح اليوم التالي،  تخرج عايدة الثياب من المغسلة و تضعها في إناء بلاستيكي  ،  سألها زوجها:
– طالعه فوق و لا أي؟

أجابت دون النظر إليه:
– اه عندي حبة هدوم لسه غسلاهم، هاطلع انشرهم فوق السطح ينشفو بسرعة و عشان فيهم حاجات هنلبسها بالليل في الفرح.

– خلصي و أنزلي علي طول،  أيوه يا جدعان و الله و كبرت يا واد يا معتصم و هاتتجوز ربنا يتمم له علي خير.

تركته دون إهتمام و صعدت إلي السطح بعدما علمت بوجوده في الأعلي، بينما هو يقف أمام حوض مياه قديم تعلوه قطعة مرآه، كان جذعه عارياً و يرتدي بنطال فقط، يقوم بحلق ذقنه فأنتبه إلي التي تخبره:
– بتحلق دقنك ليه ما أنت رايح للحلاق.

رمقها عبر المرآة بإزدراء و قال لها:
– لاء ما أنا اللي هحلق و اظبط لنفسي، أنا أدري بالحاجة الكويسة و الأنضف ليا،  لكن الحاجة الوسخة برميها في الزبالة.

أختطفت من يده شفرة الحلاقة و رمقته بتحدي و جنون :
– بطل الوهم اللي معيش نفسك فيه و فوق بقي.

زجرها و هسهس من بين أسنانه بغضب:
– بطلي أنتي بقي و أبعدي عني، عايزاني أخسر أخويا و أمي و خطيبتي اللي هاتبقي الليلة دي مراتي و كل الناس اللي بحبهم عشانك أنتِ!

أطلقت ضحكة ساخرة قبل أن تلقي عليه قنبلتها الموقوته:
– طيب ياريت تخلي بالك من اللي هاتبقي مراتك لأنها ضاحكة عليكم كلكم و علي علاقة بواحد غيرك .

أمسك بيدها بقوة و هدر من بين أسنانه:
– هي وصلت بيكي وساختك تسوقي سمعة مراتي!، أقسم بالله يا عايدة لو أتكلمتِ عليها بحرف و لو ضايقتها لأخلي عيشتك جحيم و هخلي اخويا يعيشك زي الخدامه تحت رجله.

جذبت يدها و صاحت به:
– فوق أنت و أعرف بنفسك، أنا مش بتهمها  و لا برمي بلايا علي حد،  أبقي اسألها لما تشوفها و قولها مين اللي كان خارج من شباك أوضتك إمبارح زي الحرامية و كان بيعمل ايه جوه!

ــــــــــــــــــــــ

حل المساء و بدأت مراسم الزفاف وسط أهل الحارة و أهل العروسين…
كانت ليلة تجلس شبه مبتسمة بجوار معتصم الذي  كان متجهم الوجه فكلمات تلك الأفعي عايدة تجول برأسه و يخشي أن الشك يخترق قلبه و يقلب حياته جحيماً.

أنتبه إلي حبشي الذي يصافحه و يدس في يده حبة مغلفة قائلاً:
– ألف مبروك يا صاحبي.
و أقترب نحو أذنه ليخبره بصوت لا يصل إلي شقيقته:
– بقولك أي البت ليلة أختي دماغها صرمه قديمة لو طلبت منها حاجة و ما سمعتش كلامك أديها بالجذمة، و لو زودتها قولي و أنا هكسر لك دماغها و هخليها من قبل ما تأمرها تقولك سمعاً و طاعة.

رمقه معتصم بإمتعاض و قال له:
– ليلة مراتي أنا يا حبشي و عارف هاتعامل معاها إزاي يعني أنسي ولايتك و سلطتك عليها لأنها خلاص بقت علي ذمتي و مني و اللي يمسها يمسني.

غر فاهه  ثم ضحك و حك ذقنه قائلاً:
– ده أنت الهوا رماك و قلبك طب يا صاحبي،  خد بالك بقي ياما رجالة بشنبات الحب ضيعهم و ضيع هبيتهم و خلي النسوان لامؤاخذة تسوقهم زي الحمير.

– دي عقلية أشباه الرجال يا صاحبي، الراجل الصح اللي يحط مراته و أخته و أمه و بنته فوق راسه لأن رسولنا عليه افضل الصلاة والسلام وصانا عليهم و قالنا رفقاً بالقوارير.

شبه ضحكة أطلقها حبشي من فاهه و قال بتهكم :
– ماشي يا أخويا أبقي خلي بالك من قارورتك و خد بالك لتتكسر و تعورك.

و في منزل نفيسة لم يوجد أحد سوي عايدة حيث أستغلت وجود الجميع في الفرح و صعدت إلي شقة العروسين و تتذكر كلمات الشيخ الدجال و هو يخبرها:
( الحجاب ده تدسيه في مكان ما هينام و الميه دي ترشيها علي عتبة الباب اللي هيخطي عليها)

ذهبت إلي غرفة النوم و قامت برفع الفراش و دس هذا الشئ أسفله ثم أعادت ترتيب الفراش مرة أخري كما كان و قبل أن تغادر رأت ثياب العروسين مطوية،  أمسكت بثياب ليلة و تأملتها بحقد و ضغينة قائلة بنبرة مليئة بالكره و الغل:
– إلهي ما تلحقي تلبسيه و تقلعي فستان فرحك علي كفنك علي طول.

أنتهت مراسم الزفاف و بعد مباركات و توصيات من هدي زوجة أخيها إلي معتصم علي أن يراعي ليلة و هذا علي غرار زوجها الذي لا يكترث أن يفعل هذا بل كان يوصيه علي تعنيف شقيقته كما يفعل معها هو، و يا له من أخ حنون!

<!–nextpage–>

و لدي وصول العروسان إلي المنزل و قبل أن يصعدا أمسكت نفيسة إبنها من ذراعه و همست له:
– بقولك أي يا معتصم خليك جد و ناشف معاها و إياك تبقي نحنوح لتركب فوق كتافك و تدلدل رجليها،  حكم أنا اللي عرفاك ابو قلب حنين.

أطلق زفرة كتعبير عن ضيقه و نفاذ صبره و قال:
– أمي أنا مش عيل صغير و حياتي أنا و مراتي خاصة بيا و بيها عارف اللي ليا و اللي عليا.

ثم ألتفت إلي ليلة التي يبدو عليها التوتر و الخوف كلما أقتربت خطاها إلي عش الزوجية.

– يلا يا حبيبتي أطلعي.
و أمسك بيدها ليساعدها علي صعود الدرج حتي لا تتعثر في طرف ثوبها الواسع…
كانت عايدة تقف علي الدرج بالقرب من شقة معتصم و قالت له:
– أطلع أنت يا عريس الأول و أفتح الباب و أنا هساعدها.

نظر إلي ليلة فقالت له:
– أطلع أنا عارفه أتحرك ما تقلقش.

و عندما فتح الباب و خطي فوق المياه المنسكبة فوق قطعة البُساط قاتمة اللون أتسع فم عايدة بإبتسامة إنتصار و قالت بداخل عقلها:
– ليلة سعيدة يا عريس الهنا.

<!–nextpage–>

#الفصل_الثامن
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

تجلس عايدة في غرفتها و نيران الغيرة و الحقد تنهش قلبها بضراوة ودت أن تصعد و تفسد عليهم تلك الليلة بشتي الطرق لكن ما يطمئن قلبها ما قامت بدسه في الفراش و ما سار عليه معتصم،  لم تنتبه إلي زوجها الذي دلف للتو و يردد كلمات الأغاني التي سمعها في الحفل وجدها جالسة في حالة سكون تضع ساق فوق الأخري فقال:
– ربنا يستر،  يا تري قاعدة كده و بتفكري في مصيبة لمين؟

رفعت إحدي حاجبيها إليه و قالت:
– ليه شايفني أي بالظبط عشان أفكر في مصايب لحد،  ليه ما تقولش المصايب بتتحدف علينا لحد عندنا و أنتم نايمين في العسل.

ضيق عينيه و عقد حاجبيه فسألها:
– قصدك علي مين؟

نهضت من فوق المقعد و وقفت عاقدة ساعديها أمام صدرها و أجابت:
– هي فيه غيرها ست الحسن و الجمال اللي أخوك بإذن الله هياخد فيها أكبر خازوق.

أنتبه لكلماتها جيداً فسألها مرة أخري:
– قصدك أي بالكلام ده.

أقترب منها و أردف:
– أنتي تعرفي حاجة و مخبيها و لا أي، أنطقي.

جلست علي حافة الفراش و تصنعت وجه الحمل الوديع قائلة بتمثيل إحترافي:
– لاء يا سيدي ما بحبش أتكلم علي حد دي أعراض، ربنا يستر علي ولايانا، و بعدين أخاف أمك و أخوك يقلبو عليا و لا يقولو غيرانه و بتلفق لسلفتها مصايب عشان تتخلص منها  .

أمسكها من يدها و صاح بها بحنق:
– ما تتنطقي يا بت أحسن ما أخليكي تنطقي بالعافية.

تصنعت ملامح الحزن و قالت:
– أخص عليك يا سي جلال،  ماشي هقولك بس ياريت ما تجبش سيرتي، أول إمبارح و انا رايحة الحنة لسه كنت واقفة قبلهم بتلات بيوت لاقيت الولاه اللي اسمه عمار اللي ساكن فوق بيت شوقي بينط من شباك أوضتها اللي بيطل علي الحارة و عمال يتلفت من حوليه زي الحرامية، تفتكر ده كان بيعمل أي جوه عندهم و لا علاقته أي بالبت ليلة!

عقب زوجها علي كلماتها:
– ما هو ممكن يكون كان بيسرق من بيتهم حاجة، إن بعد الظن إسم،  بقولك أي أوعي تقولي كلمة هنا و لا هنا،  أخويا ممكن يقلب الدنيا فوق دماغنا غير أخوها حبشي ده مجنون و ممكن الموضوع يوصل للدم.

أشارت إلي فمها ببراءة قائلة:
– و أنا مالي يا أخويا مليش دعوة هكتم بوقي أهو.

و وضعت كفها علي فمها كدلالة علي عدم البوح.

<!–nextpage–>ــــــــــــــــــــــ
و بالأعلي كانت تجلس في الغرفة تحاول خلع الوشاح الأبيض، تلتقط الدبابيس منه و توخزها بداخل قطعة من الأسفنج الملون،
بينما هو يجلس بالخارج في الردهة،  أزرار قميصه مفتوحة و ينفث دخان سيجارته بشراهة حيث ما ألقته عليه تلك الأفعي عايدة من كلمات مسمومة علي زوجته ليس بالشئ الهين، هل بالفعل زوجته علي علاقة برجل آخر!

نهض و ذهب ليتأكد من هذا، فتح الباب فوجدها تحاول خلع الثوب لكنه علق بجسدها، و هناك من خطف أنفاسه سلاسل خصلاتها المنسدلة علي ظهرها كشلالات من الحرير و ملامحها المختلفة عن الحجاب،  فهي أجمل بكثير عن ما رآها من قبل، وجد نفسه يقترب منها دون إرادة و وقف خلفها وضع يده علي بداية السحاب و قال لها:
– ممكن أساعدك؟

أومأت له عبر المرآه بالموافقة دون أن تتحدث،  أخذ يفتح سحاب ثوبها ببطئ و عينيه تتأمل ملامحها في صورتها المنعكسة،  و عندما أنتهي من فتح السحاب كاملاً أزاح خصلاتها علي إحدي كتفيها و أخذ يُقبل كتفها، تحركت بين يديه لتبتعد فوجدته يشد من قبضتيه  :
–  معتصم لو سمحت،  معتصم.

ظلت تكرارها ليبتعد عنها و هو كان كالوحش الجائع الذي وقعت تحت يديه فريسة و عليه أن يلتهمها، كانت قبلاته علي جيدها تتميز بالعنف فصرخت ليبتعد عنها:
– أوعي، أبعد عني.

ابتعد و رمقها بغضب و عندما نظر إليها وجدها تبكي و تمسك موضع قبلاته التي تركت علامات وردية داكنة،  عاد إلي رشده بعد أن كان علي وشك أن يستسلم لوساوس شيطانه و يتعامل معها بهذا الأسلوب العنيف.

أقترب منها بحذر حتي لا يزيد خوفها منه و قال لها:
– حقك عليا مكنتش أقصد اللي عملته.

رمقته بغضب و الدموع حبيسة داخل عيناها:
-أطلع برة.

أشار لها بأن تتمهل قائلاً:
– إسمعيني بس هقولك.

أخذت تدفعه في صدره نحو الباب بقوة لا يستهان بها من يديها الضعيفتين أو هكذا تبدو علي غرار قوتها:
– مش عايزة أسمع،  أطلع برة.

و صفقت الباب في وجهه تحت نظراته المتعجبة و عيناه المتسعة من الصدمة.

ـــــــــــــــــ<!–nextpage–>ــــ

في صباح اليوم التالي…
– قوم يا حبشي خلينا نروح نصبح علي أختك و نشتري لها شوية حاجات خلينا نرفع راسها قدام نسايبها بدل ما أنت ما صدقت جوزتها و ماجبتلهاش خيط في إبره حتي.

أستيقظ بغضب و بصوت أجش:
– يا فتاح يا عليم علي الصبح،  مش شيفاني نايم يا وليه بتصحيني ليه،  و بعدين فيه حد يروح لعرسان علي الصبح خلاص مفيش إحساس و لا دم!

رمقته بإمتعاض و قالت:
– يا راجل بطل تهرب بقي من أي مشوار يبقي فيه فلوس و هايكلفك فاكرني هبلة و مش هافهم!

صاح بها بتهديد:
– طب غوري من وشي علي الصبح بدل و ربنا و ما أعبد لأقوم أديكي علقة هخليها هي اللي تيجي تزورك و أطفي النور بدل ما أخليكي عايشة في الضلمة طول عمرك لما أديلك كشاف علي عينيكي يعميكي و أرتاح.

تأففت بضيق و غضب منه و ذهبت تتمتم بصوت خافت:
– عادتك و لا تشتريها روح يا شيخ اللهي اللي بتحوشه من ورايا و حايشه عني أنا و اختك و عيالك يجي لك حرامي يقشهم كلهم و يحسرك عليهم.
ــــــــــــــــــ
كان يتمدد علي الأريكة و مازال بثيابه منذ الأمس و لم يبدلها بعد ، أستيقظ علي صوت الجرس حينما فتح عينيه و تذكر خلافهما البسيط في البارحة،  نهض مُسرعاً و طرق الباب عليها:
– أفتحي يا ليلة جرس الباب بيرن شكلها أمي و لا يكون أخوكي و مراته،  أفتحي ما ينفعش يدخلو يلاقوني لسه ببدلة الفرح!

فتحت الباب و أتسعت عيناه عندما رآها ترتدي منامة حريرية باللون النبيذ و مشطت خصلاتها بعناية و شكل فني جذاب، فقالت له و كأنه لم يحدث شئ ليلة أمس:
– هتلاقيهم أخويا و مراته.

أمسكها من يدها و سألها بحدة:
– هو أنتي ناوية تطلعي لهم بالمنظر ده؟

ألقت نظرة علي هيئتها فقالت:
– ماله منظري، دي بچامة ستان بكوم و بنطلون طويل، و بعدين بقولك أخويا و مراته يعني محدش غريب.

دفعها إلي داخل الغرفة و أخبرها بأمر:
– روحي ألبسي عباية أو الإسدال و لو أتكررت الحركة دي تاني هتلاقي كل اللي في الدولاب ده مرمي في الشارع.

<!–nextpage–>

رمقته بسخط و قالت بتذمر:
– هو يعني عشان شاريهم لي بفلوسك هتذلني مش عايزة منك حاجة،  انا هاكلم مرات أخويا تجيب لي هدومي القديمة.

رمقها بنظرة نارية قاتلة  :
– ليلة، أحذري غضبي و أتقي شري و خشي أسمعي الكلام بسرعة.

أرتدت في النهاية كما أمرها علي مضض و ذهبت هي و قامت بفتح الباب ريثما يبدل ثيابه.

– السلام عليكم  ،  ازيكم يا عرايس.
صاحت بها هدي بسعادة و تحمل علبة من الحلوي، عانقتها الأخري:
– أهلاً بحبايبي وحشتوني.

ثم أنحنت إلي أولاد شقيقها و عانقتهما و ربتت عليهما بحنان، نظرت خلف هدي و سألتها:
– أومال فين حبشي مجاش معاكم ليه؟

أجابت الأخري بإبتسامة تخفي توترها و الحرج الذي تشعر به:
– أخوكي معلش مش هايقدر يجي لك النهارده أصله يا عيني من ساعة الفرح إمبارح و هو مصدع و تعبان ماقامش من النوم من وقت ما روحنا،  شوفتي نسيت خدي شيلي الحلويات دي في التلاجة أبقو كلوها بعد الفطار.

أدركت ليلة كيف تقوم بتشتيتها عن الإجابة لتداري عن زوجها البخيل الذي يخشي أن يأتي إلي شقيقته و يبارك لها و يهنئها و يجب أن يعطي إليها مبلغاً من المال كنوعاً من أنواع المباركة.
– ربنا يشفيه، أدخلو أقعدو عقبال ما أجيب حاجة للعيال .

ذهبت لتحضر كؤوس من العصير و قطع حلوي وضعتها أمام الصغيرين، أقتربت هدي منها و سألتها بصوت خافت:
– ها طمنيني عملتي أي؟

رمقتها الأخري بعدم إستفهام  :
– في أي؟

<!–nextpage–>

لكزتها بمزاح و خفة:
– ما أنتي عارفة يا بت قصدي أي.

أدركت ما تقصده فقالت بتردد و ترجع خصلاتها خلف أذنها:
– ماحصلش حاجة.

غرت الأخري فاهها و شهقت:
– أنتي هبلة يا ليلة، ده أنا فاكرة أول ما دخلنا أنا و أخوكي من باب الشقة يا دوب عقبال ما وصلنا لأوضة النوم كان حصل اللي حصل و أنتي تقولي لي ما حصلش حاجة!

نهضت ليلة لتتهرب من نظرات الأخري قائلة:
– هدي لو سمحت دي حاجة خاصة بيا أنا، أنتي و أخويا كنتم عارفين بعض و بتحبو بعض قبل ما تتجوزو بخمس سنين،  أنا يا دوب لسه عارفه جوزي من أسبوع، لازم أتعود عليه الأول.

خرج معتصم من الغرفة يرتدي قميص و بنطال من القطن فأصبح شديد الوسامة،  لأول مرة ليلة تحدق به هكذا لم تصدق هذا الذي كان معها منذ أسبوع.
– يا أهلاً و سهلاً البيت نور.

ردت هدي:
– ده نوركم يا أستاذ معتصم،  و ألف مبروك عليك أنت و ليلة و ربنا يرزقكم بالذرية الصالحة.

رد بإبتسامة متكلفة:
– تسلمي ربنا يحفظك، أومال فين حـ,ـبشي؟

أجابت بتوتر يشوبه طيف إبتسامة:
– تعبان من إمبارح و ماقدرش يقوم من النوم بعد الفطار هتلاقيه جاي لكم إن شاء الله  .

نهضت و أمسكت بطفليها و أردفت:
– فوتكم بعافيه بقي.

فقالت ليلة بتعجب:
– أنتي لحقتي تقعدي،  رايحة فين؟

<!–nextpage–>

– أنا جيت أطمن عليكم و الحمدلله أطمنت هابقي أجي لكم وقت تاني بإذن الله.

غادرت هدي، فقامت ليلة بحمل الصينية و دخلت إلي المطبخ ، وجدته خلفها فسألته:
– تحب تاكل أي علي الفطار؟

أجاب و يبدو من نبرته لا يرغب في التحدث معها:
– لما يجي وقت الفطار هاتصرف أنا.

ألتفتت إليه و سألته مرة أخري:
– أنت زعلان مني عشان إمبارح؟

تأفف بضجر و أخبرها:
– ليلة واضح جدا أنك لسه ما تعرفيش يعني أي جواز و لا أي حاجة، و شكلي هاخد وقت عقبال ما تتعودي عليا بس ياريت بسرعة عشان أنا مش من النوع الصبور، خدي بالك.

أبتلعت لعابها بتوجس و نظرت إليه بتوتر و قالت:
– و أنا مش ذنبي أنك اتجوزتني بعد أسبوع من معرفتنا لبعض،  يعني مالحقتش أعرفك.

تلاقي حاجباه بضيق و قال:
– و دي مش حجة أو مبرر كافي لمعاملتك الجافة ليا إمبارح.

– و المطلوب مني؟

اقترب منها ليخبرها :
– المطلوب منك تسيبي لي نفسك و أنا هعلمك كل حاجة علي إيديا.

رمقته بصمت قاطعه صوت مزعج للغاية:
– صباحية مباركة يا عرسان.

ألتفت كليهما إليها فسألها معتصم بغضب:
– أنتي إزاي دخلتي هنا؟

<!–nextpage–>

لوت عايدة شفتيها جانباً و رفعت أمام عينيه مفتاح الشقة قائلة:
– دخلت بمفتاح خالتي نفيسة و هي اللي قالت لي اطلعي لهم يمكن محتاجين حاجة و اقولكم تحبو تاكلو أي علي الفطار،طلعت افتكرتكم نايمين، بس واضح شكلكم صايحين من بدري، غريبة أول مرة أشوف عرسان يبقو صاحيين من صباحية ربنا الظاهر كانت ليلة مش ظريفة.

رمقها الأخر بنظرة جعلتها تتراجع إلي الخلف و حتي لا يثير شكوك ليلة حاول أن يهدأ من روعه و هو يخبر زوجة أخيه:
– أعمل أي أصل ليلة حبيبتي وحشاني و مش طايق النوم يبعدها عني،  صح يا ليلة؟

إبتسمت الأخري و قالت:
– صح يا حبيبي.

عقبت عايدة بتهكم و حقد جلي:
– ما براحة علي نفسكم يا عرايس ده أحنا حتي في نهار رمضان و لا تكونو فاطرين!

لاحظت ليلة نظرة الغيرة و الحقد القاتلة في عينيي الأخري و قد فسرت هذا غيرة سلايف ليس إلا، لا تعلم ما خفايا كان أعظم!
ـــــــــــــــــــــ

و بعد تناول الإفطار كان يجلس أمام التلفاز يشاهد مبارة كرة القدم ما بين فريقين كلاهما يتميز بالشهرة، يصب كامل تركيزه علي اللعب،  بينما هي كانت تتصفح الأنترنت علي هاتفها و إذ فجاءة يصدح رنين الهاتف الذي أجفلها،  شهقت عندما علمت بهوية المتصل فسرعان جعلت الهاتف علي وضع الصامت و بعدما أنتهي الإتصال تلقت رسالة كان فحواها كالتالي
( ردي عليا أحسن لك بدل ما أقابل المحروس جوزك و أحكي له علي اللي بينا أو أسمعه تسجيلات مكالمتنا )

أتسعت عيناها و الخوف ضرب قلبها، نهضت لتذهب و تري ماذا يفعل معتصم بالخارج،  و من بعيد رأته يصيح تارة و يهلل تارة و يشجع فريقه، عادت إلي الغرفة و قررت أن ترد علي الإتصال خوفاً من أن ينفذ ذلك الأحمق تهديده و يهطل علي رأسها المصائب.
– ألو، عايز مني أي يا عمار؟

– عايز تنفذي إتفاقنا.

<!–nextpage–>

ردت بحنق من بين أسنانها :
– إتفاق أي يا أبو إتفاق،  أنت أي ما عندكش دم و لا كرامة و لا ما حرمتش من أخر مرة لما أديتك علي دماغك.

قهقه بصوت أخافها و قال:
– لاء مانستش،  بس كل اللي أعرفه إننا متفقين مهما حصل هانكون لبعض  .

شهقت و أجابت بغضب:
– ده في أحلامك،  أنا دلوقتي خلاص ست متجوزة و بحترم جوزي حتي لو مش بحبه علي الأقل دخل البيت من بابه مش بيدخل من الشبابيك زي الحرامية،  و بص بقي لو ما بعدتش عني و لميت نفسك هخلي جوزي و أخويا يقطعوك حتت.
أنهت المكالمة علي الفور و قلبها يخفق بقوة من الخوف و إذا بصياح أفزعها من الخارج  :
– جول،  جيبنا جول،  أيوه بقي.

خرجت وجدته في حاله حماس،  ذهبت  و أحضرت طبق من الحلوي الشرقية و وضعتها أمامه علي الطاولة ثم جلست علي كرسي أخر و نظرت إلي التلفاز و سألته:
– هما مين اللي بيلعبو؟

أجاب و عينيه نحو الشاشة:
– الأهلي و الزمالك .

فسألته مرة أخري:
– و أنت بتشجع أي؟

أجاب بإقتضاب و كامل تركيزه نحو المباراة:
– الأهلي طبعاً،  و أنتِ؟

أبتسمت بمكر ثم أخبرته بزهو و فخر:
– الزمالك طبعاً.
أمسك بجهاز التحكم و ضغط علي كتم الصوت و أنتبه إليها و يشير نحو أذنه:
– قولتي بتحبي أي؟

ترددت في الإجابة بعدما رأت في عينيه نظرة أرعبتها،  قالت بصوت خافت:
– قولت بحب الزمالك،  فيها أي يعني.

نهض و أقترب منها مما جعلها تلتصق بظهر الكرسي من الخوف،  أستند بيديه علي مساند الكرسي الجانبية و أخبرها:
– بما إننا بنتعرف على بعض أحب أفهمك تلاته ما بسمحش فيهم و ممكن تطير فيها رقاب.

أبتلعت ريقها بصعوبة و تركته يردف:
– الخيانة و الكدب و تالتهم الزمالك  .

غرت فاهها فأكمل حديثه:
– أيوه زي ما سمعتي كده أنا أهلاوي و تقدري تقولي أهلاوي متعصب كمان،  و بكره الزمالك جدا،  فلو مش عايزة مشاكل ياريت ما تجبيش الاسم ده علي لسانك أحسن ليكي و لمصلحتك.

كادت تضحك رغماً عنها،  لكن نظرته الجادة جعلتها توقفت عن الضحك فجاءة و أبتلعت ريقها،  أنقذها من هذا الموقف رنين جرس المنزل المتواصل فأخبرها:
– ادخلي جوه و ألبسي حاجة عشان شكلهم أمي و أخويا.

نهضت و أسرعت إلي الداخل لتبدل ثيابها  ،  بينما بالخارج دلفت نفيسة إلي الداخل و تقول:
– اللهم صل علي النبي،  اللهم بارك ألف مبروك يا حبيب أمك، أومال فين عروستك ؟

أشار إليها  لكي تجلس و أجاب:
– أتفضلي يا أمي،  هي بتلبس حاجة و جاية.

صافحه شقيقه قائلاً:
– مبروك يا عريس.

رد الأخر مبتسماً:
– الله يبارك فيك  .

أقترب منه و ألتصق به  ليهمس إليه:
– ها عملت اي يا بطل،  رفعت راسنا و لا أي؟

صمت الأخر و لم يعلم ماذا سيخبره فقال:
– يابني حرام عليك ما كان علي يدك بقالي يومين ما نمتش و هي كذلك فمش معقول يعني كله ورا بعضه،  إحنا مش هانطير من بعض.

تذكر جلال حديث زوجته و ما أخبرته به،  لوي شفتيه جانباً و ربت علي كتف شقيقه قائلاً  :
– شد حيلك بقي.

أكتفي بإبتسامة ثم نظر إلي ليلة التي خرجت للتو،  ترتدي عباءة بيضاء مزخرفة بالخيوط الفضية بأشكال من الطبيعة كما ترتدي وشاحاً باللون الخيوط،  و كالعادة جمالها يطفو علي أي شئ،  خاصة بشرتها الملساء الوردية.

– أزيك يا طنط.
قالتها و تمد يدها إلي والدة زوجها فقالت:
– طنط أي يا سنيورة  ،  إسمها ماما يا عينيا و لا أخوكي و مراته ما علموكيش إن أم جوزك يتقالها يا ماما!

نظرت ليلة إلي معتصم لعله يتخذ موقف لكنه أكتفي بالمشاهدة فأخبرتها :
– أخويا علمني إن كلمة ماما ما تتقالش غير لأمي اللي ولدتني و سهرت عليا الليالي،  يعني مش أي حد يتقاله يا ماما.

رأي جلال الأمر أصبح صعباً و يخشي أن والدته تفعل ما لا يحمد عقباه فقال:
– أنا عايدة مراتي بتقولها ياخالتي، قولي لها يا خالتي.

ردت و قالت:
– لو كان كده ماشي، أزيك يا خالتي.

نهضت الأخري و أجابت بإزدراء و تهكم :
– ماشي يا روح خالتك، تعالي معايا عشان عايزاكي في حاجة.

نظرت ليلة إلي معتصم الذي أومأ لها بأن تذهب ففعلت هذا و ذهبت معها و دخلت كلتيهما إلي الغرفة،  فقالت نفيسة لها بقوة و حزم:
– أنا طبعاً مش هوصيكي علي ابني و أقولك  خدي بالك منه،  لأن لو حصل عكس كده مش هقولك أنا ممكن أعمل فيكي أي، أنا ولادي اللي يزعلهم أكله بسناني خصوصاً معتصم،  من صغره و هو شقيان يا قلب أمه و سافر و أتغرب عشان يساعد أخوه في الجواز و بني البيت ده و عشان يعرف يتجوز و يعيشك في الخير اللي أنتي فيه ده كله.

لاحظت الأخري لهجة والدة زوجها الحادة و العداء الجلي في نظراتها لها، فسألتها:
– أنا ممكن أفهم ليه حاسه أنك كرهاني و مش طيقاني كأني خطفت منك إبنك!

أجابت الأخري بحدية:
– أنا و لا بحبك و لا بكرهك،  انا بـ,ـحذرك بس.

بالخارج كان يتحدث جلال مع شقيقه الذي يخشي علي ليلة من حديث والدته الحاد و خاصة عندما أخذتها إلي الداخل،  تأكد أن هناك خطب ما يحدث.
نهض و ترك شقيقه بمفرده و ذهب ليري الذي يحدث و قبل أن يفتح الباب سمع قولها:
– طب إسـ,ـمعيني بقي زي ما سمعتك،  لو حضرتك فاكرة طريقتك دي ها تخوفني و جو الحموات و ماري منيب ده هيعمل معايا حاجة، أحب اقولك وفري مجهودك لأنه مش هياكل معايا، كل اللي ليكي عندي كل إحـ,ـترام و أدب غير كده يبقي مـ,ـعلش،  إبنك و حاجته و خيره عندك، أصلاً أنا مـ,ـكنتش موافقه علي الجوازة من الأول يا طنط.

فتح معتصم الباب و توقف ينظر لكلتيهما قائلاً:
– في أي مالكم صوتكم جايب للحارة  .

و سرعان وجد والدته تبكي بحُرقة قائلة:
– تعالي يابني شوف مراتك اللي لسه بقولها تاخد بالها منك و بنصحها زي أي أم تاخد بالها من بيتها و جوزها راحت مزعقة فيا كأني قتلت لها قتيل.

رمق ليلة بغضب فأقترب من والدته و عانقها و ربت عليها:
– معلش يا أمي أكيد ليلة ما تقصدش حاجة،  صح يا ليلة؟

كانت الأخري تقف في حالة صدمة من تمثيل والدته المتقن و علمت إنها قد وقعت في براثن عقربة إذا لم تآمن غدرها فستلدغها لا محالة.

– أنا معملتلهاش حاجة هي اللي عماله تهددني  و تتكلم معايا بأسلوب مش كويس.

صاح بأمر و عينيه تنضح شرر:
– ليلة، أعتذري لأمي.

نظرت إليه و الغضب ينبلج في عينيها، أجابت برفض تام :
– مش هعتذر.

قالت له والدته:
– خلاص يا بني هي زي بنتي برضو اللي مخلفتهاش.

هدر بصوت أجفل كلتيهما و لأول مرة تراه ليلة في تلك الحالة:
– هاتعتذر غصب عنها.

– خلاص يا بني أقصر الشر.
وقف أمام الأخري و أجاب علي والدته:
– أسكتي أنتي يا أمي،  أنا عارف أنا بعمل ايه.

كادت ليلة تذهب من أمامه قائلة:
– و أنا معملتش حاجة عشان أعتذر، أبقي أتاسفلها أنت عن أذنك.

أمسك يدها و أوقفها، تسحبت والدته قبل نشوب أي مشكلة و غادرت الغرفة بل و الشقة بعدما أشارت إلي إبنها الأخر و قالت له:
– يلا بينا يا ولاه.

سألها بقلق:
– هو في أي!

جذبته من يده إلي الخارج:
– هابقي أقولك تحت.

و بالعودة إلي معتصم و ليلة التي تقف أمامه تتظاهر بالقوة لكن بداخلها عكس ذلك.
– ممكن أفهم أي الأسلوب الزبالة اللي سمعتك بتكلمي بيه أمي قبل ما أدخل!

صاحت بغضب:
– احترم نفسك و أنت بتتكلم معايـ…

قطع جملتها و هو يركل الكرسي من أمامه بقوة بدلاً من أن يصفعها أو يقترف بها شئ يندم عليه لاحقاً و لم يكتف بهذا فقط بل زجر كالوحش أمراً إياها:
– أطلعي بره.

هرولت من أمامه قبل أن يدركها غضبه،  ذهبت إلي الغرفة الأخري و تبكي رغماً عنها، حسبت إنها تخلصت من ظلم و قساوة شقيقها لتجد نفسها وقعت في مصير أكثر قسوة!

#الفصل_التاسع
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

مضي اليوم بأكمله دون أن يري إحداهما الأخر مما جعل نيران غضبه تندلع كلما تذكر نظرة التحدي و التمرد التي رمقته بها عندما أمرها و لم تلبي أمره، علم أن القادم سيكون ملئ بالصعاب، لعن في داخله زوجة أخيه التي جعلته تسرع في هذه الزيجة .

أنتبه إلي رنين جرس المنزل نهض من فوق الأريكة بعد أن كان ممدد عليها، فتح الباب ليجدها أمامه مرة أخري تقف و لا تكترث إلي نظرة الإزدراء التي يرمقها بها.
– أتفضلو السحور ، علي فكرة أنا اللي عملاه مش خالتي نفيسة .

عقد حاجبيه و ينظر إلي الطعام بتردد فقالت له:
– ما تخافش مش هاكون حطلكم فيه سم يعني .

حدقها بتهكم و أخبرها:
– مش بعيد عن واحدة زيك تقدر تعمل أي حاجة.

أبعدته عن طريقها و ولجت إلي الداخل حيث المطبخ، ذهب خلفها فوجدها تركت الصينية أعلي الطاولة الرخامية و ألتفتت إليه:
– أنا أي حاجة بعملها بالنسبة لك وحشة، أنت السبب فيها، عموماً خلاص أنا مش هجري وراك تاني كفاية بس هاقعد أحط رجل علي رجل و أنا شايفة مراتك بتديك علي قفاك .

أمسكها من رسغها و عنفها قائلاً:
– لمي لسانك أحسن لك، و مراتي أنضف و أطهر منك و لو جيبتي سيرتها علي لسانك مرة تانية هقطعه لك .

أقتربت منه و رفعت إحدي حاجبيها و قالت بجرأة سافرة دون خجل :
– أقطع لك لساني أنا بنفسي لو كانت سمحت لك تتدخل عليها.

أبتسمت حين لم تتلق منه سوي الصمت فأردفت:
– البت دي واخداك سلم عشان تكمل تعليمها و تهرب من عيشة أخوها البخيل .

جز علي أسنانه ود سحب لسان تلك الأفعي و قطعه بيده فقال لها:
– عارفة يا عايدة لو كل اللي بتقوليه طلع صح، علي الأقل هي عندي أحسن منك بكتير و أنضف مش واحدة لا مؤاخذة.

جزت علي شفتها السفلي بغيظ فقالت له بتحدي و علي وشك الذهاب:
– خليك نايم في العسل، بكرة الأيام تثبت لك كلامي.
قالتها و ذهبت تاركة إياه في حالة غضب إذا لم يسيطر علي حاله لسوف يدمر كل شئ.

بعد مرور وقت…
عندما شعرت بالجوع قررت الخروج من الغرفة و الذهاب للبحث عن أي شئ تأكله، ولجت إلي داخل المطبخ وجدت صينية الطعام، رفعت الغطاء فنظرت إلي الطعام بتلذذ تود أن تلتهم الأطباق، تناولت رغيف من الخبز و أخذت تأكل و تلتهم كل ما يقع عليها يدها بنهم.

– براحة علي نفسك محدش بيجري وراكي.
كان يقف لدي مدخل المطبخ عاقداً ساعديه أمام صـ,ـدره و يستند إلي الحائط.
توقفت عن تناول الطعام و نظرت إليه و تشعر بالحرج، ضحك رغماً عنه من هيئتها الطفولية لاسيما عندما ضربت حُمرة الخجل خـ,ـديها، تراجعت عن تناول الطعام فقال لها:
– ما أنتي عندك دم و بتتكسفي، أومال ليه ما تكسفتيش و أنتي بتردي علي أمي و كمان مهـ,ـنش عليكي تعتذري لها.

عادت نظرة الغضب إلي عينيها مُجدداً ، رمقته بإمتعاض و قالت:
– مامتك اللي غلطت فيا الأول، عماله تهددني بكلام كل اللي فهمته منها شكلها متضايقة مني عشانك، روح شوف أنت حكيت لها ايه مخليها شايله مني.

قطب حاجبيه و أجاب بنفي:
– أنا ما أتكلمتش معاها غير لما جت الصبح تبارك لنا و أحكي لها أي يعنـ…

صمت بعدما تفهم ما ترمي إليه الأخري فقال:
– و فرضاً حكيت لها حاجة ، مش ده صح و لا أنا بكذب.

صاحت بعدم فهم:
– هو أي اللي صح وضح كلامك أنا مش فاهمة أنت تقصد أي.

اقترب نحوها و هي تتراجع حتي أصبحت محاصرة بينه و بين الموقد :
– قصدي هو أن المفروض يحصل ما بينا اللي يحصل بين أي اتنين متجوزين.

أنتابها التوتر و الخجل في آن فأخذت تتمتم :
– أي اللي أنت بتقوله ده إحنا ما تفقناش علي كده ، عايزني إزاي أعمل اللي بتقول عليه و إحنا يا دوب عارفين بعض بقالنا اسبوع بس.

أقترب بشفتيه نحو أذنها و همس بصوت يعلم ماذا سيكون تأثيره عليها:
– مش شرط علي فكرة إننا لازم نكون مخطوبين فترة كبيرة، و بعدين مش يمكن لما نقرب من بعض أكتر تتعودي عليا بسرعة.

حاوط خصرها بين يديه و هبط بشفتيه علي عنقها، يقبلها ببطئ جعلها تسمرت بين ذراعيه بإستسلام و كأنها فقدت الوعي، بينما هو عندما وجدها لم تقاوم أخذ يرتفع بقبلاته حتي وصل إلي شفتيها و كاد يُقبلها سرعان ما عادت إلي وعيها عندما صدح رنين هاتفه، شعرت بالفزع و دفعته في صدره و ركضت إلي الغرفة.

أخرج هاتفه من بنطال جيبه و أجاب:
– عايز أي يا هادم اللذات.
…….
– طيب يا عم خمس دقايق و جاي لك، سلام.

أنتبه لإختفائها من أمامه فأبتسم و حك فروة رأسه بسعادة ثم قال إلي نفسه:
– هاتجنني معاها بنت الأيه.

ــــــــــــــــــــــ
يجلس عمار علي المقهي و يحتسي كوب الشاي و حين أفرغ منه لاحظ قدوم معتصم و إحدي الجالسين علي طاولة قريبة منه يشير إليه:
– تعالي هنا يا نجم.

أسترق الأخر السمع و صاحب معتصم يقول له:
– معلش يا صاحبي خليتك تسيب عروستك و تنزل.

رد الأخر:
– طب أنجز عشان سايبها لوحدها.

و حين أستمع عمار إلي هذا الحوار و علم إن ليلة بمفردها الآن ، ضربت رأسه فكرة جنونية، أسرع خطواته حتي وصل إلي منزل عائلة معتصم و دلف دون أن يراه أحد، صعد مسرعاً حتي وجد باب شقة جلال مفتوحاً، أسرع للطابق الأعلي و ضغط علي الجرس.

هي بالداخل كانت تجلس أمام التلفاز تنتظر زوجها لتناول السحور و عندما سمعت صوت الجرس تأففت بضجر و قالت:
– لما أنت نازل المفروض كنت اخدت مفتاح و لا لازم انـ…

صمتت عند رؤيته أمامها، شهقت و وضعت كفها علي فمها و بعد ذلك أخبرته:
– يخربيتك أنت جاي لحد بيتي! ، عايز مني أي يخربيتك هاتوديني في داهية و هاتفضح.

دفعها إلي الداخل و أغلق الباب خلفه ثم أخبرها:
– اطمني المحروس جوزك قاعد علي القهوة و مش جاي دلوقت، أنا جاي لك بس عشان أسألك سؤال، أنتي بتحبيني لسه؟

أخذت تتلفت من حولها و قالت بصوت خافت:
– أطلع برة و أمشي من هنا يا مجنون جوزي لو جه هيدبحك ده غير الفضيحة اللي هاتعملها لي .

و بالطابق الأسفل كانت عايدة تفكر في أمر ما و هي أن تصعد إلي ليلة و التحدث معها و محاولة الوقوع بينها و بين زوجها و هذا بعدما رأت من الشرفة معتصم يغادر المنزل منذ قليل.
صعدت إليها و قبل أن تضغط علي زر الجرس أستمعت حديث كلا منهما و الشيطان يهيئ لها مئات السيناريوهات.
و في لحظة أتت لها فكرة من الجحيم، عادت إلي منزلها و ذهبت إلي والدة زوجها التي تشاهد إحدي المسلسلات الرمضانية و قالت:
– خالتي بقولك ما تيجي نطلع نقعد شويه مع العرايس و نتسحر معاهم.

أشاحت الأخري بيدها:
– لاء خليهم علي راحتهم و بعدين أسكتي هتلاقيهم من وقت ما كنت عندهم و هم متخانقين.

عقدت عايدة حاجبيها و سألتها:
– ليه هو أنتي عملتي لهم أي؟

أجابت نفيسة ببراءة و وداعة زائفة:
– البت ياختي خدتها علي جمب و بوصيها علي جوزها بنصحها يعني لاقيتها هبت فيا زي نار الفرن و لا كأني قتلت لها قتيل بس أي معتصم إبني ربنا يبارك له نفخها سيبتهم و نزلت أنا و جوزك قولت خليه يربيها أم لسان متبري منها.

قالت الأخري بداخل عقلها:
– هي برضو اللي لسانها متبري منها برضو!  ، اه منك يا حيزبون هتلاقيكي إديتلها كلمتين شبه وشك العكر و البت ما استحملتش،  يلا أحسن يكش تولعو أنتم الأتنين في بعض.

أنتبهت إلي سؤال حماتها:
– بتقولي حاجة يا عايدة؟

أبتسمت لها إبتسامة صفراء و قالت:
– بقول أن كنت لسه شايفه معتصم من البلكونة رايح ناحية القهوة فأي رأيك نطلع نقعد معاها و تفهميها إنك هنا الكل في الكل و الكلمة كلمتك.

أخذت نفيسة تفكر قليلاً و راق لها الأمر فقالت:
– طب يلا بينا و أبقي أطفي التليفزيون ده و حصليني.

أتسع ثغرها بإبتسامة عارمة قائلة:
– عينيا.

و عودة إلي ليلة و عمار الذي يقبض علي عضديها بعنف و يخبرها من بين أسنانه بتملك و هوس:
– أنا مليش دعوة بكل اللي قولتيه أنا اللي أعرفه حاجة واحدة أنتِ بتاعتي أنا و بس.

دفعته بكل قوتها عنها مما أدي إلي إختلال توازنه فوقع علي الأرض، نهض و كاد يهجم عليها لكن صوت جرس الباب أوقفه، أتسعت عيناها و لطمت علي خديها قائلة بصوت خافت:
– أنا أتفضحت،  أتفضحت.

رفع يديه و قال:
– إهدي أنا هاتصرف بس خدي بالك لو معملتيش اللي قولت لك عليه المرة الجاية كلامي هايبقي مع جوزك نفسه، سلام يا حلوة.

و في لحظة ركض من أمامها و فر من نافذة المطبخ و منها يتسلق علي المواسير إلي أعلي السطح.

بينما ليلة ذهبت لتفتح الباب فوجدت أمامها نفيسة و عايدة التي قالت بتهكم :
– معلش يا عروسة صحناكي من النوم.
و أخذت تبحث بعينيها عن عمار في أرجاء المنزل حتي لاحظت نافذة المطبخ مفتوحة فأدركت أمر هروبه،  جزت علي أسنانها بحنق.

فقالت نفيسة:
– معلش لو عملنالك إزعاج بس قولنا نطلع نقعد معاكي شويه و أقولك ما تضايقيش من كلامي أنا زي أمك برضو.
و ربتت علي كتفها، فأخبرتها ليلة:
– خلاص يا خالتي حصل خير.
ــــــــــــــ
يمشط خصلات شعره ثم شاربه الكث أمام المرآه فجاءت زوجته بجواره قائلة:
– حبشي إيدك علي فلوس عشان هاعزم أختك و جوزها يجو يفطرو معانا بكرة.

توقف عن ما كان يفعله و رمقها بنظرة من قاع الجحيم قائلاً:
– عزومة أي يا روح خالتك !

لوت شفتيها جانباً بتهكم ثم أجابت:
– بقولك هعزم أختك و جوزها فيها أي دي يعني.

قبض علي ذراعها و وضعه خلف ظهرها مما جعلها تتأوه بألم قائلاً:
– أراكِ توزعين من مال أمك، ده عشان تقولي يا عزومة عايزه لك اقل حاجة 200 جنيه.

صاحت بسخرية:
– 200 أي يا حبشي أنت مش عايش في الدنيا و لا أي دي الـ 200 دي يا دوب تجيب لك فرختين و بعدين يا أخي لا روحت زورتها و لا جيبت لها موسم أو خزين زي أي عروسة،  ده الحمدلله ربنا رزقها و كرمها بواحد زي معتصم راجل كريم و جدع مش بخيل و القرش بيطلع منه بالضالين.

زاد قبضته مما جعلها تصرخ بألم:
– مين اللي بخيل يا بنت مفيدة ما أنتِ لو شقيانة و بتنزلي تحت العربية و تقعدي تصلحي فيها بالساعات كنتِ عرفتِ قيمة الجنيه اللي عايزة تبعتريه يمين و شمال و تقولي لي موسم و هباب علي دماغك، هي خلاص بقت علي ذمة راجل مسئولة منه مش كفاية قعدت أصرف عليها و علي تعليمها لحد ما خدت شهادة ثانوية عامة!

– يا شيخ حرام عليك أنت يعني كنت بتصرف عليها من جيبك ده لولا ورث أبوك و أمك الله يرحمهم كنت زمانك رمتها في الشارع.

كانت كلماتها كالنيران التي أضرمت فجعلته ثائراً بغضب عارم:
– طب عليا الطلاق لأخليكِ تحرمي تنطقي إسطوانتك الحمضانة بتاعت كل مرة أنتِ اللي جبتيه لنفسك.

أنهال عليها بالضرب علي أنحاء جسدها حتي تمكنت من الهرب من أمامه و اللجوء للغرفة و إغلاق الباب عليها و وصده من الداخل:
– حسبي الله و نعم الوكيل فيك.

– بتقفلي الباب عليكي و بتحسبني عليا،  ماشي يا هدي هانروح من بعض فين مصيرك تقعي في أيدي.

هم بالذهاب و أردف:
– كتك الهم لازم تنكدي عليا كل يوم قبل ما أروح الشغل،  هات هات و كأن الواحد قاعد علي بنك و أنا مش عارف.

غادر و صفق الباب خلفه.
ــــــــــــــ

أمام بناء في الحارة تقف تلك المتشحة بالسواد و ترتدي غطاء الوجه حتي لا يراها أحد و هي ذاهبة إلي عمار الذي عندما رأته ولج إلي داخل المبني و يصعد الدرج، ذهبت خلفه حتي وصل إلي غرفته المقيم بها أعلي السطح، توقف فجاءة و ألتفت إليها و أخرج مُدية من جيبه و أشهرها بالقرب من تلك السيدة:
– أنت و لا أنتِ مين؟

تحدثت بصوتها الأنثوي و دون أن ترفع غطاء وجهها حتي لا ينكشف أمرها له :
– نزل اللي في أيدك الأول و تعالي نتفاهم، ما تخافش أنا مش جاية أئذيك لأن مصلحتنا واحدة.

أخفض يده و أعاد المدية إلي جيبه و سألها بتوجس:
– أنتِ مين و عايزة أي؟

أجابت بكل هدوء :
– ليلة، أنا عارفة اللي بينك و بينها و أنك بتحبها و بتحاول تضغط عليها و عايزها تطلق من معتصم ، أنا بقي جاية أساعدك بس لمصلحتك.

نظر إليها بعدم فهم و سألها:
– و أي مصلحتك أنتِ؟

بالطبع لم تخبره بحقيقتها حتي لا تكشف له نواياها الخبيثة و القذرة فأجابت:
– مصلحتي أنا و معتصم كنا متجوزين في السر، عيشت معاه أسود أيام عمري و في الأخر رماني و خد كل اللي ورايا و قدامي، عايزة أخد حقي منه بس أنا مهما كان ست وحيدة و ضعيفة و ماليش أهل يقفوا له.
شعر بأن هناك أمر ما خاطئ، و قبل أن ينصاع لها سألها للمرة الرابعة:
– و المطلوب مني أي اعمله؟

أشارت إليه نحو أريكة خشبية بالية:
– تعالي نقعد بس الأول عشان نعرف نتكلم.

ذهب كليهما و جلسا فأردفت:
– بص يا سيدي، معتصم شغال بقاله أكتر من تلات سنين في الكويت و قبلها كان في السعودية ماشاء الله بيقبض حلو أوي و ربنا فاتحها عليه من وسع ، لولا أمه الحيزبون كنت زماني بتمتع في خيره و لما عرفت بجوازنا فضلت وراه لحد ما خلته يسيبني، طبعاً زمانك بتقول طب برضو أنا هاعملك أي، اقولك أنت بأيدك تعمل كتير أوي و الخير يعُم علينا إحنا الأتنين.

أتسعت عيناه عندما أدرك ما تقصده من حديثها الطائل هذا:
– قصدك أبتز ليلة و اطلب منها فلوس!

أومأت له و قالت:
– براوه عليك، أنا نظرتي ما تخيبش، هي كده و لا كده خلاص معدتش بتحبك و لا عايزاك و راحت أتجوزت غيرك و هو كمان باعني و قطع الورقة العرفي اللي بينا ، و ما تستغربش إن أنا عرفت إزاي، أنا كنت طالعة إمبارح لمعتصم  عشان محتاجة قرشين و قبل ما أخبط سمعت صوتك أنت و مراته و الحوار اللي دار بينكم.

لاحظت علامات الإعتراض و الرفض علي ملامحه، نهضت و أستعدت للمغادرة فقالت قبل أن تذهب:
– خد وقتك في التفكير و اه قبل ما أنسي هات رقم تليفونك عشان أكلمك و اتواصل معاك و لو في أي جديد هابلغك، و ياريت و أنت بتفكر أعقلها صح و فكر في مصلحتك، القرش هيجيب لك اللي أحسن من ليلة لحد عندك .

#الفصل_العاشر
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

مر يوم تلو الأخر و هنا في منزل معتصم .. عقب صلاة التراويح أستيقظت ليلة علي رنين هاتفها و رأت المتصل زوجة شقيقها فأجابت:
– الو أزيك يا هدي.

ردت الأخري:
-الحمدلله يا حبيبتي، أنتِ في شقتك و لا عند حماتك؟

ردت ليلة بصوت يغلبه النعاس:
– لاء،  في شقتي أنتِ و حبشي جايين ؟

أخبرت الأخري بتردد:
– اه،  بس أنا اللي جاية لك،  معلش بقي أخوكي عنده شغل كتير يا دوب بيرجع يفطر و ينام.

قالت ليلة و الضيق جلي من نبرة صوتها:
– خلاص يا هدي كفاية تبرري له موقفه و تخلقي له حجج و أعذار،  أنا عارفه كويس أنه ما صدق جوزني و خلص من همي و مصاريفي أهو وفرت عليه علي رأي المثل هم و أنزاح.

– ليه بتقولي كده،  أنتي فاهمة غلط هو فعلاً و الله مشغول أوي حتي قالي الصبح أول ما هفضي من اللي ورايا هايجي يزورك.

إبتسمت الأخري بسخرية و قالت:
– و أي الجديد في كده،  طول عمري آخر إهتماماته  ،  عمتاً أنا مستنياكي و أبقي هاتي العيال عشان وحشوني أوي حبايبي.

أنهت المكالمة و نهضت تبحث عن عباءة  ترتديها لإستقبال الضيوف،  فخلعت منامتها بعدما ألقت نظرة علي الباب فوجدته مُغلقاً و لحظات و وجدت الباب يُفتح  علي مصرعه،  شهقت بفزع و تدثرت  بالعباءة،  صاحت بغضب:
– أنت إزاي تدخل من غير ما تستأذن و لا تخبط!

غر فاهه ليعيد كلماتها داخل رأسه فقال:
– أنتي هبلة و لا شاربة حاجة علي المسا ،  فيه واحد بيستأذن أو بيخبط الباب قبل ما يدخل أوضة نومه اللي فيها مراته!

فكرت قليلاً فوجدت لديه حق،  أنتابها التوتر مرة أخري و تلعثمت في الحديث:
– برضو يعني و ما ينفعش و إزاي.

أخذ يضحك علي هيئتها و أفعالها الطفولية و خاصة عندما أقترب منها و هي تعود إلي الوراء بتوجس،  توقف عن الضحك و تبدلت نظراته من السعادة إلي أخري غامضة بل يرمقها بنظرة خبيثة جعلت خوفها يزداد:
– مالك بتبص لي كده ليه!

أجاب بهدوء أعصاب أثار ريبتها:
–  عادي شايف قدامي واحدة زي القمر و يمكن أحلي كمان عايزاني أبص لها إزاي!

أشارت له بسبابتها و تحذره:
– بطل الكلام  بتاعك ده و بصاتك دي اللي مش..

تعثرت و وقعت علي ظهرها أعلي الفراش،  دنا إليها و استند علي كفيه:
– و لو ما بطلتش!

أبتلعت ريقها و لا تعلم لما قلبها يخفق و تتوقف الكلمات علي لسانها، لا تستطيع التفوه و غير قادرة أن تحيد عينيها عن خاصته و كأنه سحر شديد القوة.
بينما هو ظل ينظر إليها بتمعن فهي كالحورية تسلب عقول من يري جمالها الأسر و ذات عيون يؤلف من أجلها الشعراء آلاف الدواوين.

توقف الزمان في تلك اللحظة فوجد حاله ينجذب إليها و يهبط بشفتيه إلي خاصتها،  ألتقمها كالظمآن عندما وجد بئر ملئ بالماء ظل يغترف منه و يرتشف بنهم،  تحركت إحدي يديه إلي العباءة التي تتشبث بها و أبعدها من يدها فأصبحت بثوب قطني يظهر معظم معالم جسدها من أسفله،  أبتعد عنها ليتمكن من رؤيتها في تلك الهيئة المثيرة فأفزعهما جرس المنزل،  فعادت إلي وعيها علي الفور شهقت و دفعته من فوقه لكنه أمسك يدها:
– رايحة فين؟

أجابت بحدة و ضيق منه و من جسدها الذي كان علي وشك الإستسلام له:
– رايحة ألبس عشان مرات أخويا اللي بتخبط.

رمقها بإمتعاض و زفر بنفاذ صبر:
– ألبسي و أنا هاروح أفتح لها و نازل تحت شوية، أنا عارف إنها ليلة نحس و حد باصص لنا فيها أنها ما تكملش لحد الأخر.

ولي ظهره إليها و خلع قميصه القطني ليبدله بأخر من الخزانة، و لأول مرة تراه عاري الجذع،  خفضت بصرها من الخجل و نهضت لتُعد نفسها لإستقبال زوجة شقيقها.
ـــــــــــــــــــــــ
و بعد قليل قام بفتح الباب و رحب بالزائرة:
– أهلاً يا أم محمد،  بصي معلش أنا نازل ليلة عندك جوه اقعدو براحتكم  .

تركها و غادر مسرعاً،  تعجبت و ولجت إلي الداخل فرأت ليلة آتيه من المطبخ تحمل صينية مليئة بالحلوي و المشروبات، ركض صغيريها نحوها مُهللين :
– عمتو يا عمتو.

– أهلاً أهلاً بحبايب قلبي اللي وحشني أوي.
تركت ما بيدها أعلي المنضدة و جلست علي ركبتيها لتعانقهما معاً،  فقالت الصغيرة:
– ليه يا عمتو سبتينا إحنا بنحبك أوي.

ربتت عليها بحنان و أخبرتها:
– عشان خلاص أنا اتجوزت و ليا بيت تاني.

فسألها الصغير:
– يعني مش هتيجي تعيشي معانا تاني؟

عانقته و قالت:
– ياريت كان ينفع يا ميدو بس للأسف بقي خلاص مابقاش ينفع،  أنا ممكن أجي لكم يومين كده.

نهضت و ربتت علي كلا الصغيرين و أخبرتهما:
– يلا بقي عايزاكم تاكلو كل الحاجات الجميلة دي و تشربو العصير.

جلست بجوار سهيلة التي سألتها بإهتمام:
– عامله أي يا ليلة أنتي كويسه؟

أومأت لها و أجابت بإقتضاب:
– الحمدلله.

– أنا عارفة أنك زعلانه من أخوكي،  أنتي المفروض تكوني عارفاه أدعي له ربنا يهديه.

رددت بحزن و شجن:
– يارب.

– أنا شايفة إنه الله أكبر عليكي و اللهم بارك أحلويتي أوي،  طبعاً يا سيدي باين علي جوزك حنين و طيب،  الحمدلله ربنا عوضك عن أخوكي و قساوته.

أومأت لها بصمت مما جعل الأخري تسألها دون خجل:
– ألا قولي لي يا ليلة،  هو أنتي و معتصم خلاص؟

قطبت حاجبيها بإستفهام:
– خلاص أي؟

أخبرتها بهمس لايسمعه سواها بما تقصده من سؤالها ، شهقت ليلة و وبختها:
– أي اللي بتقوليه ده يا هدي عيب.

غرت الأخري فاهها و قالت:
– يخرب عقلك هو أنتي و هو لسه! ،  يا نهارك أزرق أنتي كده ناوية علي خراب بيتك و ياسلام لو الحيزبون حماتك شمت خبر بحاجة زي كده دي ممكن تخليه يدخل عليكي بلدي.

أنتفضت بفزع و قالت برفض تام:
– إستحالة ده يحصل،  و بعدين هاتعرف منين هو و انا متفقين نتعود علي بعض الأول و بعد كده ممكن يحصل اللي هو عايزه.

كانت في الخارج من تسترق السمع علي حديثهما و حين التقطت الخبر المبين أتسع فمها بإبتسامة شيطانية،  الأمور تسير تماماً كما تخطط،  هبطت إلي اسفل قبل أن يراها أحد تتمتم في نفسها:
– بركاتك يا شيخنا و بركات الأسياد.

و بالعودة إلي هدي و ليلة التي تخبرها:
– هدي لو سمحت دي حياتي أنا و أنا حرة فيها،  و ريحي دماغك هو ما أعترضش علي حاجة.

– و هو يا خايبة عشان موافقك علي موضوع زي كده تقومي تسوقي فيها!، و الله اللي أنا شيفاه أن الراجل بيحبك و اشتراكي بالغالي و مادام  مطوعك  في حاجة زي كده يبقي ابن اصول و بيحبك و مش عايز يغصبك علي حاجة،  طب تصدقي بالله ده أنا عمري ما أنسي حبشي أخوكي يوم دخلتنا لسه برفع وشي و أبص له راح رزعني الكف و وراه يجي عشرة و في الأخر حصل اللي حصل و لما جيت سألته ليه ضربتني،  قالي هو لازم يفرض سيطرته من اول ليلة بالبلدي كده يدبح لي القطة،  تخيلي لو قولته له ما تقربش مني لما نتعود كان زمانه روحني لابويا بالفستان و معايا ورقتي.

رمقتها ليلة بإمتعاض و عقبت علي حديثها بسخط :
– و مالك فخورة بنفسك ليه كده،  دي إهانة ليكِ و لكرامتك،  عشان كده كنت بستغرب كل ما تتخانقو و يديكي علقة موت تروحي تغضبي يوم و ترجعي علي طول.

ردت الأخري بسلبية تامة:
– أعمل أي يا ليلة بحبه أوي رغم عيوبه و بخله اللي محدش يستحمله أبداً.

هزت رأسها بسأم و قالت:
– ربنا يهديه ليكِ.

ـــــــــــــــــــــــــ
و بالأسفل تجلس عايدة علي الأريكة و تنظر نحو الفراغ،  دلف زوجها من الباب و تعجب لعدم رؤيتها له أو حتي لاحظت وجوده،  تحمحم و سألها:
– اللي شاغل بالك؟

لم ترد حتي قذفها بعلبة السجائر في وجهها،  حينها أنتبهت بفزع و صاحت به:
– في أي يا جلال مالك أتجننت و لا ايه !

ضحك و قال:
– داخل من بدري و غيرت هدومي و لاقيكي من وقتها سرحانه،  أي اللي واكل عقلك كده و لا بتخططي لأي؟

نهضت و أقتربت منه و بنظرة غامضة رمقته و قالت:
– و انا كنت بلم الغسيل من فوق السطوح ونزلت سمعت صوت واحده عند ليلة و معتصم اتاريها مرات أخوها،  و بيني و بينك أنا ما بطيقش الوليه دي بس اللي سمعته شدني و مش عارفه أخوك ساكت علي مراته دي إزاي.

نظر بإستفهام:
– ساكت عليها في أي مش فاهم؟

أجابت بفرح و شماته:
– أخوك الأهبل البت مش راضيه تخليه يجي جمبها،  يعني هي لسه بنت بنوت لحد دلوقت بقالهم اسبوع.

فقال الأخر بحسن نية:
– يا شيخة أتقي الله ممكن سمعتي غلط و لا هم بيحكو عن حد و افتكرتي الكلام يخصها هي و اخويا.

عقدت ساعديها أمام صدرها و قالت:
– طيب يا جلال أي رأيك بقي ليك ورقه بـ 200 جنيه من عندي لو طلع كلامي صح و أسأل أخوك كده بس من غير طريقة مباشرة و لو طلع كلامي صح لأخليك تجيب لي كل اللي نفسي فيه.

ضحك بتحدي و قال:
– موافق!

ـــــــــــــــــــــ

جاء يوم أخر و ليس بجديد سوي أن يغادر معتصم المنزل و يذهب للجلوس علي المقهي برفقة أصدقائه ،  و ليلة تمكث في المنزل تتابع التنسيق و قامت بملئ إستمارة الرغبات الألكترونية و تدعو ربها بأن تأتي لها الكلية التي ترغب بها.

علي حين غرة وجدت باب الشقة يُفتح  و ظهرت أمامها عايدة و ترمقها بإزدراء:
–  بقالك أكتر من أسبوعين عملالنا برنسيسة و قولنا نعديها عشان أنك عروسه،  لكن هتسوقي فيها و ماتجيش تعملي معانا حاجة ده بقي اللي مش هانعديه.

تركت ليلة هاتفها علي المنضدة و نهضت تقف في وجهها مباشرة:
– في أي يا عايدة،  أنا عملت لك أي عشان تكلميني كده!  ، و حاجة أي اللي أعملها معاكم!

– صحصحي يا حبيبتي و شوفي أنتي ساكنه في بيت عيله يعني المفروض تنزلي تخدمي حماتك و تشوفي طلباتها من غير ما تقولك.

صاحت الأخري:
– و مين قال الهبل اللي ذكرتيه ده كله، أنا لو نزلت و ساعدت حماتي ده بيبقي زوق مني مش فرض عليا،  و بعدين لو أنتِ بتعملي كل حاجة ده شئ طبيعي عشان أنتي عايشه معاها في نفس الشقة،  و علي كل حال أنا هانزل و أطمن علي خالتي نفيسة بنفسي و اشوفها لو محتاجه حاجه و مش عشان كلامك،  عشان انا بنت اصول و متربية.

تركتها بمفردها و ذهبت لتبدل ثيابها و ذهبت إلي الأسفل،  فوجدت والدة زوجها تعاملها بحدة و تلقي بعض الكلمات التي تحمل أكثر من معني لعل الأخري تدركها مما جعل ليلة تندم علي نزولها و مساعدة هؤلاء.

أنتهت من إعداد الطعام و من قبله قامت بجلي الصحون و ترتيب الشقة و كل شئ.
و لدي وقت الإفطار همت بالذهاب فأوقفتها نفيسة قائلة:
– رايحة فين،  جوزك كلمني و طالع دلوقتي عشان نفطر كلنا.

كانت تشعر بالإرهاق و التعب :
– معلش يا خالتي هاطلع أنا هاريح شويه و هابقي أفطر بعدين.

صاحت الأخري بحدة:
– جري أي يابت،  هو أنا عشان بعاملك بما يرضي الله هاتشوفي نفسك علينا و لا أي!،  و لعلمك الفطار و السحور من النهارده كل يوم هنا عندي و بعد كل ده أطلعي علي شقتك.

كادت ليلة تطلق لسانها لكنها أكتفت بالصمت فهي قد تعلمت من الموقف الفائت لكن دون أن تنصاع لأوامر تلك السيدة المتسلطة،  فغادرت بلا تردد و صعدت إلي منزلها،  لا تعلم أن ما فعلته جعل والدة زوجها تستشيط غيظاً بل و أثار غضبها،  توعدت لها بالإنتقام.

عاد معتصم من الخارج إلي منزل والدته كما أخبرته هي بأن يأتي ليتناول الفطور لديها وجد المنضدة مليئة بالطعام الشهي لكن لم يجلس حول المائدة أحد و وصل إليه صوت بكاء والدته:
– و الله يا عايدة و ما ليكِ عليا حلفان لسه كنت بقولها أقعدي عشان تفطري و جوزك زمانه طالع من تحت راحت هبت فيا و فضلت تزعق و أخرتها قامت زقتني في كتفي جامد لما حسيت أن كتفي أتخلع.

لاحظت عايدة وجود معتصم دون أن ترفع عيناها لكنها تصنعت الحزن و ربتت علي كتف حماتها برغم علمها بالحقيقة :
– معلشي يا خالتي ربنا يهديها ممكن تكون متضايقه من حاجه.

أخذت تبكي و قالت:
– و رحمة ابو جلال يا بنتي ما عملت لها حاجة،  ده حتي كنت ناوية بعد ما نفطر أطلع لها الهدية اللي جبتها لها معرفش أنها هاتعمل معايا كده.

و أطلقت لعبراتها الزائفة العنان مما جعلت الأخر ثار كالوحش المفترس،  لم يتمهل و صعد إلي ليلة ليأخذ حق والدته!

ـــــــــــــــــــــــ
صعد إليها و قد وصل غضبه إلي ذروته، و كانت هي تستحم و أنتهت لتوها و بعدما جففت جسدها بالمنشفة تذكرت أمر ثيابها التي تركتها في الغرفة ، قامت بلف المنشفة علي جسدها و خرجت.

ولجت إلي داخل الغرفة و ضغطت علي زر الضوء،  شهقت بفزع عندما رأت هذا الجالس بزاوية و بين أنامله سيجارة مشتعلة نفث دخانها من فمه و أنفه حتي وصلت الرائحة إلي أنفها أنتابها السعال و قد ظن إنه أمراً عادياً فوجد السعال يزداد و وجهها أصبح محتقن بالدماء،  نهض ليطمئن عليها رغماً من غضبه الذي ينوي أن يلقيه فوق رأسها.

– مالك في أي؟

أشارت إليه نحو السيجارة التي بيده و أخبرته بصعوبة:
– عندي حساسية علي الصدر و ريحة السجاير بتزودها.

سرعان أطفئ السيجارة في المنفضة فوق الكمود و أمسك بزجاجة مياه و سكب منها في الكوب:
– خدي أشربي ميه و الكحه هتهدي، المغرب لسه مأذن من شوية.

أخذت من يده و لم تنتبه إلي نظراته الجريئة علي جسدها الشبه عاري أمامه لا يستره سوي منشفة تغطي من أعلي مفاتنها حتي منتصف فخذيها و خصلاتها المبتلة التي أعطتها هيئة مثيرة للغاية، أبتلع ريقه و يراقب تصرفاتها العفوية،  بعدما أنتهت من شرب الماء مسحت شفتيها بلسانها دون قصد منها.

– بقيتي أحسن؟
سألها فنظرت إليه و أجابت:
– اه الحمدلله.

– حلو أوي، أنا بقي عايز أعرف أي اللي حصل تحت عند أمي و أي اللي عملتيه معاها ده!

و قبل أن تسأله عن ماذا يتحدث أنتبهت إنها تقف أمامه بمظهرها هذا،  أبتعدت و قالت:
– عن أذنك هلبس هدومي الأول.

أوقفها و جذبها من يدها و أخبرها بحزم:
– لما أكلمك تقفي و تردي مش تمشي و تسبيني!

ردت بخجل و دون أن تنظر إليه:
– أنا بس كنت عايزة ألبس حاجة الأول و بعدها هانتكلم.

زجرها بحنق و قال:
– أنتي واقفة قدام جوزك مش واحد غريب.

و من فرط ما تشعر به من الخجل و الحرج كانت علي وشك البكاء و ربما أنسدلت عبرة علي خدها مما جعلته يزفر بضجر قائلاً:
– بتعيطي ليه دلوقتي!

جلست علي طرف الفراش و أجابت باكية:
– عشان كلكم جايين عليا،  أنت و مامتك و اخويا و كأني عدوتكم،  أخويا طول عمره  قاسي عليا و مامتك مش عارفه ليه بتعاملني وحش و كلامها كله جارح رغم ربنا يعلم أنا معملتش معاها حاجة وحشة و عملت شغل البيت و عملت معاهم الأكل و عشان طلبت بس ارتاح و ابقي أفطر بعدين زعقت فيا مقدرتش أرد عليها سبتها و مشيت و أنت جاي كمان تكمل عليا.

ها قد أتضح له الأمر،  يبدو هناك من يكذب و أحدهم من يقول الصدق،  و بعد أن كان ينوي توبيخها عدل عن قراره بل و شعر بالشفقة حيالها،  جذبها بين ذراعيه و عانقها بحنان و أخذ يربت عليها، هيهات و تحول تربيته إلي تمسيد علي طول نصف ظهرها العاري و هبط بيده إلي خصرها و بشفتيه دنا إلي خاصتها و تناولها في قبلة حميمية.

– و أنا اللي كنت فاكراك تقولها عيب اللي عملتيه مع أمي،  يا خيبتك نفيسة في إبنك النحنوح.
انتفض كليهما بعد سماع صوت والدته التي فتحت باب الشقة الخاص بها و دون أن تستأذن أو تنبه ولدها،  بينما ليلة أختبأت خلفه و تشعر بالخجل.

أشار الأخر إلي والدته و أخبرها:
– لو سمحتي يا أمي تعالي نطلع في الصالة نتكلم عقبال ما ليلة تلبس هدومها.

لوت والدته شفتيها جانباً و قالت و النيران بداخلها قد وصلت للعنان:
– تعالي يا ضنايا،  تعالي.

و أخذت تتمتم دون أن يسمعها أحداً:
– شكلك طلعتي داهية يا بنت آمال ،  أما وريتك ما بقاش أنا!
يتبع…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
38

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل