روايات

ابو الرجالة بقلم شيماء سعيد

الفصل الأول
#الفراشة_شيماء_سعيد
#أبو_الرجالة

بمنزل راقي به لمحة من التراث رغم بساطته بعروس البحر المتوسط، مكون من طابقين الأول به محلات والثاني خاص بصاحبة المنزل، به شقة كبيرة مكونة من خمس غرف ومطبخ كبير ومرحاض بحجم غرفة…

على أغنية أم كلثوم “أنت خلتني أعيش الحب واياك ألف حب” بدأت السيدة ثريا إعداد وجبة الإفطار في السادسة صباحا قبل موعد ذهابها للمدرسة، وضعت الطعام على المائدة وأردفت بنبرة مرتفعة بعض الشيء :

_ عطر يلا أدخلي صحي الهانم عايزين نفطر..

خرجت عطر من المرحاض وهي تربط رأسها بقطعة سميكة من القماش قائلة :

_ البرد تقيل عليا أوي ومش قادرة أفرهد نفسي مع الست هادية.

رفعت ثريا حاجبها ساخرة من أصغر بناتها، بارعة عطر بتمثيل المرض حتى تهرب به من مصائبها، رفعت سكينة الطعام الصغيرة مشيرة للأخري بالاقتراب قائلة :

_ والبرد ده جالك فجأة كدة، والا عشان باقي على فرحك أسبوع؟!..

بلعت عطر ريقها بتوتر من نظرات والدتها الثاقبة وفرت من أمها بسرعة البرق وهي تزيح عن رأسها قطعة القماش مردفة :

_ خمس دقايق وهنكون عندك يا ماما أنا ورايا كلية ولازم أفطر..

أجابتها ثريا بقوة وهي تجلس على أحد مقاعد السفرة مردفة :

_ طلعي من دماغك ابن أبو الدهب يا بنت بطني وارضي بنصيبك..

أغلقت عطر الباب خلفها بقوة، تبقى أسبوع واحد فقط على تنفيذ حكم الإعدام الذي حكمت به والدتها، رأت هادية مثل عادتها تقف أمام المرايا تتأمل بجمالها الساحر وتغازل نفسها بكل ما لذ وطاب، جزت عطر على أسنانها مردفة بغيظ :

_ أنتِ مالك باردة ومستفزة كده ليه، مش الأولى تقفي جانبي وتوقفي المهزلة اللي ماما عايزة تعملها دي..

تركت هادية الروج من بين أصابعها ودارت بوجهها لشقيقتها الصغرى مخرجة تنهيدة طويلة من أعماق صدرها قبل أن تقول :

_ هو أنتِ خليتي قدام ماما حلول تانية بعد عمايلك السودة، نوح أبو الدهب الكل عارف إنه مطلق مرتين ده غير إن أخوه مطلق أختك وأكبر منك وفوق كل ده جنابك مقفوشة معاه في السطح من أمك بدل المرة اتنين، احمدي ربنا إنها جات على قد جوازك من حسن واحدة غير ماما كانت غسلت عارها بايدها..

شهقت عطر مردفة :

_ عار إيه يا متخلفة أنتِ إحنا كنا بنتكلم مع بعض عادي، وبعدين أنا بحبه ومتأكدة من حبه ليا، اتقدم لأمك بدل المرة عشرة ومفيش فايدة..

ردت عليها هادية ساخرة :

_ مش كفاية اللي حصل في فيروز هتبقى أنتِ كمان متعلم عليكي من عيال أبو الدهب كدة كتير أنا رايحة أفطر..

تركتها بمفردها وخرجت لتلقي عطر بنفسها على الفراش بقلة حيلة، ظلت صامته لعدة ثواني قبل أن تسمع باب الشقة يفتح وتدلف فيروز بعد نهاية عملها فهي كانت تعمل بالمساء بأحد المشافي الخاصة..

دلفت إليها فيروز مردفة بابتسامة حنونة :

_ الصغنن قاعد حزين لوحده ومش بيفطر ليه؟!..

_ ماليش نفس مفيش حد في البيت ده كله حاسس بيا، حرام عليكم أنا مش عايزة أتجوز غير نوح..

جلست فيروز بجوارها على الفراش وحركت يدها على ظهر الأخرى بحنان قائلة :

_ أنتِ لسة صغيرة ومش فاهمة الدنيا يا عطر بس نصيحة مني ارضي بنصيبك، لو نوح ده بيحبك بجد زي ما بتقولي ومش بيلعب بيكي هيعمل المستحيل عشان تبقي على إسمه..

رفعت عطر عينيها لها بالكثير من الأمل مردفة :

_ تفتكري يا فيروز؟!..

_ أيوة طبعاً يلا نفطر بقى قبل ما ماما تقيم علينا الحد وربنا هيحلها من عنده..

_ يلا…

_______ شيماء سعيد _______

على بعد مسافة صغيرة من منزل أم البنات نجد عمارة أخرى ولكنها أكثر فخامة، من الطراز الحديث بمساحة أربع شقق، ملفتة للأنظار بشكل غريب وأسفلها أكبر سلسلة محلات ذهب بمحافظة الإسكندرية..

بداخل المحل الرئيسي، رفع نوح أبو الدهب ساقيه على سطح مكتبه ثم وضع ساق على الآخر وهو يسمع لأحد رجاله الذي يقول :

_ كله زي ما أمرت يا باشا..

رسمت على ملامحه الوسيمة إبتسامة إجرامية وهو يسأله بنبرة صوته الخشنة بطبقة أكبر من باقي الرجال :

_ وعريس الغفلة أخباره إيه؟!..

رد عليه مرتضى بقوة :

_ لما نخلص اللي حضرتك عايزه هيتحاسب يا باشا، لا عاش ولا كان اللي يرفع عينه في حاجة تخصك..

أومأ إليه نوح برضا تام وقبل أن يرد عليه دلف كمال للمحل بهيبته ووقاره، من يراه يستحيل أن يعطي له عمره أبداً قادر على إيقاع أي أمرأة به من نظرة واحدة، أشار نوح لمرتضى بالانصراف ليختفي بنفس اللحظة، قام من مكانه باحترام لوالده ليجلس محله مردفا :

_ ناوي على إيه يا إبن كمال أنا مش مرتاح لك..

أبتسم نوح إبتسامة ماكرة قبل أن يقول :

_المثل بيقول إبن الوز عوام وأنا بصراحة يا وز مش ناوي أسيب حاجة نفسي فيها لحد مين ما كان..

ضحك كمال ضحكة رنانة مردفا بفخر :

_ صح يا واد طول عمري بقول عليك إبن أبوك، بس عايزك تلعبها صح وعلى الهادي..

غمز إليه نوح وهو يتجه لمحل آخر قائلا بذات المغزى :

_ متخافش يا كبير أنا عامل حساب اللي ليك كويس أوي، هاخد اللي يخصني من غير أضرار..

حرك كمال رأسه بمعنى لا فائدة، ثم أخذ نفس عميق وأخرج هاتفه من جاكيته وقام بإرسال رسالة صغيرة عبر تطبيق الواتساب :

_ عايزك بالليل الساعة 11 تكوني في الشقة…

______ شيماء سعيد ______

بمنطقة المعادي بشقة من الطراز الحديث استيقظ خاطر أبو الدهب، الإبن الأصغر والنسخة الحقيقية من والده، تلك العائلة يمكن أن نطلق عليها لقب أسوأ عائلة على وجه الأرض، نظر أمامه بضجر وهو يزيح كف زوجته السرية بعيداً عنه مردفا :

_ جرى إيه يا نوسة أنا بدأت أفصل منك، قولتلك تخفي من وشي لحد ما أصحى بمزاجي..

رفعت له حاجبها وهي تعود خطوة للخلف مبتعدة عن الفراش مردفة :

_ وأنا عملت إيه بس يا سي خاطر، ده نوح باشا برة..

أنتفض خاطر من فوق الفراش بالقليل من التوتر وسحب ملا من الدولاب وهو يشير إليها على باب الغرفة قائلا :

_ أطلعي أعملي لنا فطار وبعدها أياكي تخرج من الأوضة فاهمة..

أومأت إليه بابتسامة واسعة وخرجت، بعد دقيقة دلف لغرفة الصالون ليجد نوح ينام على الاريكة بكل أريحية وكأنه بمنزله، جلس خاطر على المقعد المقابل إليه ثم قال بسخرية :

_ معلش لو هقلق منامك يا باشا بس أنت هنا بتعمل إيه؟!..

تكاسل نوح عدة مرات ثم أعتدل بجلسته ورد علي أخيه ببرود :

_ قول للبنت المعفنة دي تشوف لها مكان تاني تقعد فيه الفترة الجاية، الشقة تلزمني..

رفع حاجبه بسخرية وسأله :

_ من أمتا ليك في الجواز اللي في السر، ده أنا ياما قولتلك تفرفش عن نفسك شوية بعد ما طلقت جوز المعيز اللي كانوا معاك..

رفع نوح رأسه بكبرياء وهو يضع ساقا على الآخر قائلا ببساطة :

_ لأ اطمن يا حبيب أخوك المرة دي من غير جواز خالص..

أنتفض خاطر بفزع، من المحتمل إن يكون ينقصهم هم ووالدهم الكثير والكثير من التربية والأخلاق ولكن لكل شيء خطوط حمراء، تحدث بأعين غير مصدقة :

_ لأ عندك يا نوح كله إلا الحرام مالناش فيه، عايز واحدة أتجوزها ولما تزهق قولها مع السلامة غير كدة لأ يا إبن الحاج كمال..

رد عليه نوح ساخرا :

_ يعني كدة هيبقى حلال وبعدين حاج إيه ده أبوك معملش باي باي للكعبة من بعيد..

_ يمكن احنا غلط بس غلط عن غلط يفرق..

قام نوح من على الأريكة بنفس اللحظة التي دلفت بها نوسة بالافطار ليأخذ قطعة من الجبن مجيبا قبل أن يذهب :

_ نفذ اللي بقولك عليه يا خاطر عايز على آخر الأسبوع الشقة تبقى فاضية..

_ آخر الأسبوع؟!.. يبقى الموضوع فيه عطر بنت ثريا، ناوي على ايه؟!..

ألقى عليه نظرة خبيثة وقال :

_ناوي أعمل فضيحة طالما الأصول مش جايبة نتيجة..

______ شيماء سعيد _______

مر الأسبوع سريعاً وأتى اليوم الموعود، حفل كتب كتاب عطر بأجواء عائلية بسيطة بين أهل الحي وبعدها من المفترض تذهب مع زوجها لعش الزوجية، ارتدت فستانا من الستان باللون الأبيض وخرجت بيد والدتها وخلفهما فيروز وهادية، أزالت دمعتها سريعاً قبل أن يراها أحد ولكن رأتها ثريا التي أردفت من بين أسنانها :

_ افردي بوزك ده أنتِ عروسة مش محكوم عليكي بالإعدام..

ابتسمت إبتسامة ساخرة على حديث والدتها التي تتحدث ببساطة وكأنها لم تحكم عليها بالإعدام بالفعل، أرتفعت دقات قلبها أكثر وأكثر مع كل خطوة تقترب بها من زوجها المستقبلي الذي يضحك بسعادة، ضغطت على كفيها وهي تجلس على الأريكة بجواره وتهمس لنفسها :

_ أنت فين يا نوح الحقني..

تقريباً كان يسمعها ووصل بنفس اللحظة ومعه جيش من الرجال، اقتحم البيت بطريقة هجومية، الجميع من هيئة إبن أبو دهب، يقف أمام الجميع عاري الصدر لا يرتدي غير بنطلون من الجينز، اقترب منها بخطوات واثقة وسحبها من بين يدي والدتها مشيراً للمأذون بالرحيل قائلا :

_ بالسلامة أنت يا شيخنا. معندناش حد للجواز..

فر الرجل سريعاً كأنه يهرب من الموت وقفت أمامه ثريا بقوة مردفة :

_ مشيت المأذون ليه يا إبن أبو الدهب؟!.. عطر مش هتبقى على إسمك لو مسكت نجوم السما..

شهقت عطر برعب وهي تحمل مثل شوال البطاطس على ظهره ورجاله تمنع أي شخص من بالاقتراب، وصل بها لباب المنزل وهي ت بكل قوتها لي ها على ظهرها مردفا :

_ بس يا بت كفاية صداع..

ت ثريا :

_ نزل البنت رايح بيها على فين..

_ طلبت الحلال قولتي لأ دلوقتي بنتك معايا وفي الحرام يا أبلة ثريا..

______ شيماء سعيد ______

أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️

الفصل الثانى
#أبو_الرجالة
#الفراشة_شيماء_سعيد

بفيلا راقية خرج صوت ضحكات رجولية رنانة من غرفة المكتب الجالس بها الابن الأكبر لكمال أبو الدهب ” فريد” مع شقيقه ” خاطر”..للحق فريد وسيم جداً وجذاب بطريقة مدهشة، لديه شخصية رجولية مميزة تجعله مثل المغناطيس، ألقى القلم من يده وهو يضحك على ما فعله نوح، حرك خاطر رأسه بجنون قائلا :

_ أنت بتضحك على إيه يا جدع أنت، الواد أخد البت من نص فرحها ورفض يكتب عليها كمان وأنت وأبوك كأنكم جوا مسرحية ضحك بس..

توقف فريد عن الضحك وغمز لأخيه قائلا :

_ فخور بأخويا يا جدع ده عمل اللي محدش فينا قدر يعمله..

جز خاطر على أسنانه قبل أن يرد عليه بسخرية :

_ هو في زيك رسمت الحب واتجوزت وفي الآخر طلقتها واتجوزت غيرها ده أنت جبروت يا راجل..

أختفت إبتسامته من على وجهه ليعلم خاطر أنه تحدث عن أكثر ما يريد شقيقه الهروب منه، أخرج فريد تنهيدة طويلة، ذكرياته معها سارت أمام عينيه مثل شريط السينما، كل لحظة كانت بين أحضانه، كل لحظة ابتسمت له بها، وها هي لحظة النهاية أتت بذاكرته من جديد، طلقها لأنها تعوق مستقبله كطبيب..

تحدث خاطر بأسف :

_ فريد أنا مكنتش أقصد..

تنهد فريد وقال ببساطة :

_ لأ عادي، فيروز كانت كتير عليا ربنا يوفقها، قوم خلينا نتصرف في المصيبة اللي عملها أخوك العاقل..

_____ شيماء سعيد ______

ترك خاطر بالسيارة وصعد هو لغرفة نومه لكي يبدل ملا ، رآها تجلس على الفراش بهدوء تنتظره، ألقى عليها نظرة ساخرة واتجه لغرفة الملابس، قامت من فوق الفراش وذهبت خلفه بخطوات سريعة وللمرة الثانية يتجاهل وجودها لت ب ية :

_ اللي أنا سمعته ده صح؟!..

خرجت منه ضحكة عالية قبل أن يرد عليها وهو يختار بذلته :

_ بذمتك مش عيب لما تبقي هالة هانم صفوان ورامية ودنك معايا أنا وأخويا، ده عيب في حقك..

حبها له أكثر شيء قلل منها وأفقدها قيمتها، تعبت من غرام هي فقط من تدفع ثمنه وهو يشاهد ويأخذ، وضعت كفها على كفه برجاء :

_ بلاش تروح هناك يا فريد، تقدر تقابل إخواتك في أي مكان إلا هناك..

اقترب منهاورفع أحد أصابعه ليجذب خصلة كبيرة من خصلاتها السوداء هامسا :

_ بتعملي كل حاجة عشان تخليني أحبك وأنسى فيروز، بس ده مش هيحصل طول ما أنتِ نسخة منها حتى شعرك الأصفر اللي غيرتي لونه..

حركت رأسها مردفة برجاء :

_ أنا متقبلة تشوفني فيها بس تبعد عنها يا فريد أرجوك..

حملها فجأة لتتعلق برقبته وسندت رأسها على صدره مغلقة عينيها بخوف، أخذها بخطوات هادئة وخرج بها لغرفة النوم ثم وضعها على الفراش قائلا :

_ لو كانت تلزمني مكنتش أتجوزتك عليها، ولو كنت باقي عليها كنت خليتها على ذمتي حتى لو غصب عنها، أنا شبعت من فيروز يا هالة ريحي قلبك..

سألته بتردد :

_ وأنا هتشبع مني أمتا يا فريد؟!.

_ لما أوصل للمرحلة دي هتأخدي ورقتك يا روحي لا تقلقي..

تركها على الفراش وأخذ هاتفه المحمول ومفاتيحه الخاصة ثم ارتدى جاكيت البذلة ملقيا لها قبلة بالهواء، رن عليه خاطر بعد شعوره بالملل ليقول :

_ سلام يا روحي، نامي بقى لحد ما أرجع لك..

_____ شيماء سعيد _____

بمنزل بعيد عن الحي.. خاص بكمال أبو الدهب..

استيقظ بضجر على صوت جرس الباب، أخرج تنهيدة طويلة وهو يعلم المعركة التي تنتظره على باب المنزل، تناول كوب الماء الموضوع بجوار الفراش على دفعة واحدة وانحنى ليأخذ بنطلونه الملقى على أرضية الغرفة مردفا بمرح :

_ يااا على الصداع اللي هيحصل دلوقتي..

السابقانت في الصفحة 1 من 9 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
36

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل