رواياتمنوعات

ارتويت بها الفؤاد بقلم سهام صادق

الملخص.

لم تهوىٰ يومًا حضور حفلات الزفاف لكن هذا الحفل كان مختلفًا بالنسبة لها، حفل حضرته من أجل هدف واحد.. هو لفت انتباه ذلك الذي صار يحتل عقلها ويخفق قلبها عند رؤيته كلما أتى إلى صيدلية شقيقه…
وسيم هو ذو مڪانة مرموقة؛ فهو يعمل ضابط شرطة ومن عائلة معروفة في بلدتهم واليوم هو حفل زفاف شقيقته.
بالفعل لفتت أنظاره عليها لكن كانت مجرد نظرة معجبة عابرة…
هذه الليلة لم تخطف قلب من أرادت بل خطفت قلب أخر كان ابن العم.

🍂 وَ إِرتَوَىٰ الفُؤَاد 🍂
الفصل الأول

نظرت إلى هيئتها المنمقة بالمرآة وعلى محياها اِرتسمت إبتسامة عريضة، تراجعت إلى الوراء قليلًا ليتسنى لها رؤية فستانها ثم اِنتقلت عيناها نحو الحذاء الذي أكمل تنسيق مظهرها.
السعادة غمرت ملامح وجهها وهي تُلقي بنظرة أخيرة  راضية على حالها.
_ مش مهم الفلوس، المهم مظهر وشياكة الواحد يا “سلسبيل”.
قالتها لحالها حتى لا تتيح فرصة لضميرها بتأنيبها، فمن أجل عُرس صديقتها دفعت راتب الشهر في أمور لم تكن تهتم بها يومًا ولكن كيف ستلفت نظره كما نصحتها
“هبة” صديقتها إذا لم تهتم بأناقتها مثل فتيات المدينة.
_ يارب النهاردة يشوفني وألفت نظره.
أعقبت قولها بزفرة طويلة ثم أسرعت بإلتقاط حقيبة يدها لتنظر  إليها قائلة:
_ تعالي ياللي دوخت في اللف عليكي امبارح عشان بس تتلبسي النهاردة.
كادت أن تُغادر الغرفة لكن عادت إلى مرآتها حتى تطمئن على مظهرها وزينة وجهها الخفيفة.
خرجت من الغرفة لتجد والدتها تحمل كوبين من الشاي وتتجه نحو الشرفة التي تطل على مساحة أرض زراعية صغيرة.
_ ماما، يا ست الكل.

إنتبهت السيدة “روحية” على صوتها وإلتفت إليها وسُرعان ما ڪان يخرج صوتها بتمتمه خافتة.
_ بسم الله ما شاء الله.

_ ماما قولي رأيك في شكلي، والفستان يستاهل الفلوس اللي دفعتها فيه..
ثم أردفت وهي تمط شفتيها بعبوس.
_ بسببه هو والجزمة والشنطة هعيش عالة عليكم باقي الشهر.

إبتسمت السيدة “روحية” لتفتح لها أحد ذراعيها قائلة:
_ تعالي لحضني يا حببتي.
أسرعت “سلسبيل” إليها؛ فضمتها “روحية” لها.
_ طالعه زي القمر يا قلب ماما.
اِبتعدت عنها “سلسبيل” تسألها.
_ بجد يا ماما؟

بإبتسامة واسعة ردت “روحية”.
_ يا بت أنا مرايتك معقول لو وحش هقولك عليه حلو.
_”روحية” فين الشاي؟
اِرتفع صوت الجالس بالشُرفة لتُسرع “سلسبيل” إلى داخل الشُرفة قائلة:
_ بـابـا، “محمود” هيوصلني وهيجبني متقلقش عليا.

طالعها السيد “رضوان” بعدما رفع رأسه عن الراديو الذي اِنشغل بتصليحه.

_ اتأكدي من اخوكي وظروفه لو معرفش يرجع ياخدك كلميني اجي اخدك تمام.

اِبتسمت وأسرعت لتقبيل رأسه.
_ ماشي.

اِرتفع رنين هاتف “سلسبيل” لتتجه “روحية” نحو سور الشُرفة وتنظر إلى الأسفل بعدما وضعت صنية الشاي عليه.
_ اخوكِ مستنيكِ تحت.
توقف رنين هاتفها قبل أن تخرجه من حقيبة يدها وأسرعت بتقبيل خد كلًا من والديها قائله بمزاح.
_ يلا اسيبكم لوحدكم شوية بدل ما انا ليل نهار كابسة على نفسكم.
غَادرت “سلسبيل” لتتنهد “روحية” قائلة:
_ عقبالك يا بنتي أنتِ كمان، نفسي افرح بيكي…
_ “روحية”.
اِبتعدت “روحية” عن سور الشُرفة لتنظر إليه.
_ فيه إيه يا “رضوان” فزعتني ومخلتنيش اكمل الدعوه للبت.
رمقها “رضوان” بنظرة مستاءة ونظر إلى كوب الشاي خاصته.
_ الشاي ناقص سكر، فين علبة السكر؟
طالعته “روحية” بسخط وتحركت من أمامه.
_ نسيتها يا “رضوان”، الواحد حرام ينسى يعني.
••••
_ طالعه زي القمر يا بت يا “سلسبيل”.
قالها “محمود” شقيقها وهو يتحرك بالسيارة ثم رمقها بطرف عينه.
_ قولتيلي اسم القاعة إيه؟
طالعت “سلسبيل” الطريق وتمتمت باسم القاعة المعروفة في مدينتهم.
_ طبعًا عيلة “الراشد” مش هتعمل أفراحها في أي مكان، تعرفي دول لسا مشترين حتت مطعم… مقولكيش على واجهته ولا مكانه… أنا مش عارف الناس دي بتستثمر فلوسها في إيه ولا إيه.

_ هما ما شاء الله اخلاق ومجتهدين، أنا من ساعة ما اشتغلت مع دكتور “محمد” في الصيدلية بتاعته واتعاملت مع زوجته مدام “زينه” وانا بصراحه بقول الناس دي اكيد اجتهدت بجد في أكل عيشها عشان كده وصلوا لكل ده.
تهكم وجه شقيقها من ذلك المديح الذي تتحدث به عن تلك العائلة.
_ دول كانوا جايين من الصعيد بيشتغلوا عتالين.
شعرت “سلسبيل” بالضيق من فِكر شقيقها.
_ وآهو ربنا كرمهم عشان مستكبروش على الشغل ومع الوقت بقوا من أكبر العائلات في قريتنا وكمان المدينة كلها.
_ هي الآثار اكيد اللي رفعتهم كده.
تمتم بها شقيقها الذي يحلم بالثراء دون تعب؛ فتنهدت قائلة:
_ ما هما لو تجارتهم فيها شُبهه مكنش بقى عندهم ناس في الشرطة.
ضاقت حدقتيّ “محمود” وألقىٰ بنظرة سريعة عليها ثم زاد من سرعة السيارة.
_ أنتِ من ساعة ما اشتغلتي عندهم في الصيدلية وكأنك اتعينتي محامية ليهم.
زفرت أنفاسها وقررت الصمت؛ فالجدال مع شقيقها لن يأتي بالنفع.
توقفت السيارة أخيرًا أمام قاعة الزفاف الشهيرة لتنظر إلى المكان وقد وقف بعض الشباب أمام القاعة.
_ هتدخل معايا يا محمود”؟.
رمق “محمود” المكان بنظرة ساخطة وتأفف قائلًا:
_ أنا العيلة دي مبحبهاش، رافعين مناخيرهم في السما… أنا هروح بيت حمايا اقعد شويه عندهم واطمن على “رضوان” الصغير وارجع اخدك تكوني قعدتي شويه.
نظرت إليه “سلسبيل” بتوتر، فهي تشعر بالحرج من دخول قاعة الزفاف بمفردها.
_ تمام.

ترجلت من السيارة ثم أخذت نفس عميق وزفرته ببطء لترفع رأسها قليلًا وتسير بجسد مشدود نحو القاعة.
••••
_ دلوقتي مفيش حد فاضل غيرك، استلم بقى الزن من بكره يا باشا.
قالها “حاتم” وهو ينظر نحو “سفيان” -ابن عمه- الذي ألقىٰ بعقب سيجارته أرضًا ودهسه بحذائه.
_ لا متقلقش ابن عمك اتعود على كده، وعندي طاقة لسماع زن الحريم… ده أنا عندي تلات اخوات بنات وكل واحده فيهم خلتني اعرف الصبر.

اِرتفعت قهقهة “حاتم” وربت على كتف الواقف قائلًا:
_ يعني اخويا “محمد” ليه الجنة مع اختك “زينة”.
ثم أردف “حاتم” بمِزاح يليق بشخصيته.
_ الله يعين “هيثم” اخوك على “مروة” أختي، أنا قولتله بلاش اختي لكن هو كان مصمم…
ثم استطرد وهو يحرك كف يده على ذقنه الحليقة.
_ شكلي أنا و أنت هنكون براويين ومش هنكمل التحالف العائلي لعيلة “الراشد”.
رمقه “سفيان” بنظرة مستهزءة.
_ ربنا يهديك من خفة دمك دي يا “حاتم”، مش عارف أنت ظابط شرطة إزاي.
تقوس حاجبين “حاتم” وسُرعان ما كانت تضيق حدقتاه بذهول.
_ يا بنت الإيه طلعتي مخبيه الجمال ده كله.
لفتت كلمات “حاتم” إنتباه “سفيان” الذي كاد أن يتحرك إلى داخل قاعة الزفاف؛ فهو شقيق العريس.
_ شايف البنت اللي واقفة مع “محمد” و “زينه” هناك.
طالع “سفيان” مكان وقوف شقيقته “زينة” وابن عمه “محمد”؛ فأردف “حاتم” وهو يتأمل “سلسبيل” من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.
_ دي بقالها سنتين بتشتغل عندنا في الصيدليه وعمري ما اخدت بالي إن يطلع منها الجمال ده كله.
اِحتقنت ملامح “سفيان” رغم أنه لم يتبين ملامح الواقفة مع شقــ,,ــيقته.
_ راعي إننا عندنا اخوات بنات وخد بالك من كلامك.
لم يهتم “حاتم” بكلامه وتحرك نحو “محمد” و “زينة”.
_ مساء الخير.

اِرتبكت “سلسبيل” عندما استمعت إلى صوت “حاتم” وخفق قلبها بقوة لينظر “حاتم” نحو شقيقه متسائلًا:

_ معقول دي “سلسبيل” يا “محمد”، ازيك يا “سلسبيل”.

بصوت يكاد أن يُسمع ردت عليه، فابتسم “محمد” كما اِبتسمت “زينة” التي ربتت على كتف “سلسبيل”.
_ أنت اكيد متفاجئ يا حضرت الظابط بالجمال ده كله،”سلسبيل” طول عمرها قمر.
اِتسعت إبتسامة “حاتم” دون أن يحيد نظراته عن
“سلسبيل” التي أخفضت رأسها من شدة حرجها.
_ طبعًا ،طبعًا يا مرات أخويا.
وكز “محمد” شقيقه لتفحصه المحرج بــ “سلسبيل” حتى ينتبه على حاله.
_ تعالي معايا يا “سلسبيل”، العريس والعروسة دخلوا القاعة من بدري.

تحركت “سلسبيل” مع “زينة” ووقف “حاتم” ينظر نحوهما.
_ شيل عينك واتلم.
مرر “حاتم” أصابعه على خُصلات شعره وأشاح عيناه؛فأردف “محمد” قائلًا:
_ لو عجباك “سلسبيل” اكلم الحاج والحاجة ونروح نطلبها، البنت ما شاء الله عليها ادب واحترام وتعليم وأهلها ناس محترمين.
نظر إليه “حاتم” وهو مندهش من تفسير شقيقه لإعجابه الوقتي بــ “سلسبيل” على أنه يرغب بخِطبتها.
_ هو أنتوا أول ما تشوفوا الواحد بيقول رأيه في الجمال تفتكروا على طول عايز يدخل قفص الزوجية.
اِمتقعت ملامح “محمد” ولولا اِقتراب “سفيان” منهم لكان قال كلام لن يعجبه.
••••
شعرت “سلسبيل” بالحرج عندما اِجتذبتها “زينة” نحو الطاولة التي تجتمع عليها كلًا من والدتها وزوجات أعمامها.

_ قربي يا “سلسبيل” على فكرة ماما عايزة تتعرف عليكي من زمان لأن “زين” يا ستي كل شوية يقولها أنا بحب “سبيل” عنك.
اِبتسمت “سلسبيل” وهي تتذكر نطق الصغير “زين” لـ اسمها.
_ ماما، دي بقى الباشمهندسة “سلسبيل” اللي حكتلك عنها.
إلتفت السيدة “صباح” برأسها نحو “سلسبيل” التي أشارت عليها ابنتها.

_ هي دي “سبيل” اللي “زيزو” بيحبها.

أومأت “زينة” برأسها مبتسمة؛ فاتسعت إبتسامة السيدة “صباح” ونهضت حتى ترحب بها.
تفاجأت “سلسبيل” بإحتضان السيدة “صباح” لها وترحيبها الطيب.
_ بسم الله ما شاء الله، زي القمر يا بنتي.

ومثلما هنئت السيدة “صباح” هنئت البقية وكان من بينهم السيدة “فاتن” والدة “مروة” صديقتها وحماة “زينة” والتي كانت تعرفها تمامًا لأن الصيدلية التي تعمل بها أسفل العقار الذي تسكن بِه عائلة الطبيب “محمد” كما أنها تذهب أحيانًا للجلوس مع “مروة” بحكم صداقتهم التي نشأت منذ عملها بالصيدلية.
_ تعالي يا “سلسبيل” اقعدي جمب “منار” أختي.
قالتها “زينة” بعدما شعرت بإرتباك “سلسبيل” ثم قالت وهي تبحث عن صِغارها بعينيها.
_ هشوف “مروان” و “زين” فين ورجعالك.
تلك الشجاعة التي كانت تتحلى بها “سلسبيل” ضاعت بعدما شعرت بأنها غريبة بينهن. أخفضت رأسها وتمنت لو لم تسمع كلام “هبة” صديقتها.
مع مرور الوقت اِستطاعت أن تتجاذب أطراف الحديث مع “منار” شقيقة “زينة” بعدما لطخ طفلها الصغير ذراع فستانها. اِعتذرت منها “منار” بشدة؛ فابتسمت بلُطف لها ثم داعبت خد الصغير قائلة:
_ محصلش حاجة مجرد بقعة بسيطة.
«سبيل،، سبيل»
ركض الصغير “زين” نحوها وهو يصيح باسمها وقد اِجتذب ركضه أعيُن الواقف الذي كانت عيناه عالقة بــ ابن شقيقته.
••••

آتى شقيقها ليصطحبها بعدما قضت بعض الوقت في العُرس ليتساءَل “محمود”.
_ اتبسطي في الفرح؟
حركت رأسها وقالت بعدما اِتجهت بأنظارها نحو الطريق.
_ اه كان حلو.

ظَلت طِيلة الطريق صامته وكذلك شقيقها إلىٰ أن وصلوا أمام منزلهم الذي يتكون من ثلاث طوابق.
دخلت “سلسبيل” غرفتها بعدما تناولت وجبة العشاء مع والديها لتقع عيناها على الثوب المُلقى بإهمال على الفراش قائلة:
_دفعت فيك المرتب كله ومتبسطش.
تنهدت بقوة ثم اِقتربت من الثوب لتلتقطه حتى تقوم بتعليقه لكن رنين الهاتف جعلها تلقي به مرة أخرى على الفراش ثم أخذت تبحث عن هاتفها.
ردت على الفور حتى توبخ صديقتها على إقتراحها الأحمق.

_ لفتي نظرة ،طمنيني.. رقصتي زي ما قولتلك.. الرجاله دلوقتي مش بيتلفتوا للبنت اللخمة.
بضيق أجابتها “سلسبيل”.
_ لا طبعًا مرقصتش وكويس إني معملتش بنصايحك.
تأففت “هبة” بحنق وأخذت تهز صغيرها على ساقيها.
_ أومال اتشيكتي وحضرتي الفرح ليه؟
جلست “سلسبيل” على الفراش قائلة بكذب.
_ حضرت عشان خاطر “مروة” ومدام “زينة”.
اِرتفعت زاوية شفتيّ “هبة” بإستنكار.
_ يا سلام، يعني مكنتيش على سنجة عشرة عشان حضرت الظابط!
صمتت “سلسبيل”؛ فهي كانت تتمنى لو كانت تمتلك من دهاء الفتيات حتى تلفت نظره.
_ مش عارفه يا “هبة” ولا فاهمه نفسي.

اِرتفعت قهقهة “هبة” عاليًا قائلة:
_ ما هو ده الحب يا “سلسبيل” بيخليكي مش فاهمة نفسك.

بضياع قالت “سلسبيل”:
_ أنا عمري ما افتكرت إني في يوم هحاول ألفت نظر راجل.

تنهدت “هبة” بقوة من ضِيق أُفق صديقتها في زمن تغيرت فيه المعايير.

_ الزمن اتغير يا “سلسبيل” و الرجاله بقت عايزه اللي يجري وراها.
أنهت “سلسبيل” مكالمتها مع “هبة” صديقتها ثم دست وجهها بين كفيها تهتف بحيره.
_ سنتين بحبه في صمت، طيب اعمل إيه أصارحه بحبي له.
شعرت بالصدمة بعدما وصل إلى عقلها هذا القرار لا تُصدق أن إقتراحات “هبة” صديقتها أوصلتها لأمور لم تَظُن يومًا أن تفكر بها.

تُصارح رَجُلًا بحبها، تسعى إلى لفت نظر أحدهم.
_ معقول بقيت اتأثر بكلام “هبة”.

نفضت رأسها بقوة ثم اِستقلت على فراشها واحتضنت وسادتها لتخرج زفرة طويلة من بين شفتيها.

حاولت النوم لكن قلبها الحالم أخذها لوهم نسجه وسُرعان ما كانت الإبتسامة تداعب شفتيها عندما تذكرت ترحيبه بها بحفل الزفاف وتلك النظرات التي كان يختطفها نحوها من حين إلى آخر.
••••
اِستلقىٰ “سفيان” على الفراش بعدما غادرت والدته الغرفة… فَــ والدته بعد كل عُرس تسأله إذا أعجبته فتاة حتى تخطبها له ويُفرح قلبها برؤيته عريس مثل أشقائه وهو كالعادة كان يُريحها بكلامه. تنهد بقوة؛ فَـ الجميع ينتظر زفافه وكأنه حدث عظيم سيحدث بالعائلة.

أغمض عينيه لينام لكن إحداهن كان طيفها يطوف بين جفنيه المثقلين.
••••

توقفت “سلسبيل” عن رَص الأدوية بالأرفف وابتلعت ريقها عندما اِستمعت إلى صوته.
_ مساء الخير يا شباب.

قالها “حاتم” الذي مَازال يقضي إجازته بالبلدة، فنهض “فهيم” ذلك الشاب الذي كان جالس أمام الحاسوب ليدون أسماء الأدوية التي تم إستلامها من المندوب اليوم.
_ اتفضل يا “حاتم” باشا.

اِبتسم “حاتم” بغرور يتمتع به وتساءَل عن شقيقه.
_ هو “محمد” لسا مجاش؟

اِستدارت “سلسبيل” جِهته بعدما تمكنت من السيطرة على دقات قلبها المتسارعة؛ فهي من يبلغها الطبيب “محمد” بتحركاته.
_ دكتور “محمد” في مشوار وقال هيجي على الساعه سته.
وهل كان ينقصها أن يبتسم لها تلك الإبتسامة التي تزيده وسامة. تحرك جِهتها متسائلًا:
_ على كده تحركات “محمد” ومواعيده معاكِ؟
اِرتبكت “سلسبيل” من نظراته إليها ثم نظرت نظرة خاطفة نحو “فهيم” زميلها وقالت:

_ دكتور “محمد” بيبلغنا دايمًا بمواعيده.
اِرتسمت على شفتيه اِبتسامة خفيفة وبصوت خافت قال:
_ طيب ما دام مش فاضل كتير على الساعه سته هقعد استناه.

اندهش “فهيم” من الأمر كما اندهشت هي… فهذا لم يحدث من قبل وسُرعان ما كان يخفق قلبها.
_ براحتك أكيد.
••••
رغم مرور أسبوعًا على حفل زفاف شقيقه إلا أنها لم تغادر عقله كلما وضع رأسه على وسادته.
تقلب “سفيان” بالفراش ثم زفر أنفاسه بقوة فاليوم رآها وهي تعبر الطريق عندما كان ذاهبًا إلى زيارة صديق له.
أغمض عينيه حتى يستعيد صورتها ثم اِبتسم وهو يتذكر مظهرها وهي تأكل حلوى غزل البنات أثناء سيرها.
زفراته خرجت هذه المرة ببطء يتساءَل داخله لِما علقت في ذاكرته ولفتت نظره في عُرس شقيقه.
_ مالك يا “سفيان” محتار ليه كده!
ليطبق على جفنيه بقوة بعدما بدأت تتضح له صورة مشاعره… ورغم أنهم تجمعهم قرية واحدة وتعمل بصيدليه ابن عمه إلا أنه لم يلمحها يومًا إلا في ليلة عُرس شقيقه  واليوم عندما كان يمر بسيارته في نفس الطريق الذي تسير به.
•••

🍂 وَ إِرتَوَىٰ الفُؤَاد 🍂

الفصل الثاني

دخلت “سلسبيل” الصيدلية بملامح مُشرقة وعلى ثغرها اِبتسامة عريضة صَارت مؤخرًا لا تغادر شفتيها.

_ إيه الجمال ده، لا شكلنا فكينا الكيس وبقينا نروق علي نفسها.

قالتها “تغريد” زميلتها بالصيدلية والتي تتناوب معها فترة الدوام.

اِرتبكت “سلسبيل” قليلًا وهربت بعينيها بعيدًا وتساءَلت:

_ هو “فهيم” معايا في الشيفت النهاردة ولا “عمر”؟

إلتقطت” تغريد عُلَب الدواء وقالت وهي تنظر نحو كل عُلبة حتى تضعها بمكانها الصحيح.

_ المفروض “عمر” يوصل دلوقتي عشان يستلم مني لأن “فهيم” مشي من ربع ساعة، صحيح يا “سلسبيل” قولتي لدكتور “محمد” إننا محتاجين بنت وشاب معانا تاني بدل “سعد”.

وتابعت” تغريد” قائلة:

_ “مروة” اخت دكتور “محمد” الصراحة كان وجودها شايل عننا وكانت بتساعدنا لكن دلوقتي خلاص اتجوزت.

وأردفت “تغريد” بتنهيدة طويلة تحمل حالمية صاحبتها.

_ كانت طالعه زي القمر ولا عريسها يا خرابي يا “سلسبيل”.

وسُرعان ما كانت تلتف “تغريد” برأسها نحو “سلسبيل” التي جلست أمام الحاسوب حتى ترى الأدوية التي أوشكت على النفاذ من الصيدلية.

_ بقولك إيه يا “سلسبيل” أنا اسمع إن مدام “زينة” ليها اخ تاني أكبر من أستاذ “هيثم” زوج “مروة”…

قطبت “سلسبيل” حاجبيها بعدما رفعت رأسها نحوها وتساءَلت:

_ اه اعرف إن مدام “زينة” ليها تلات اخوات ولاد واختين بس يعني بتسألي ليه؟

_ بيني وبينك يا “سلسبيل” عيني منه نفسي اوي اوصل لطريقة ألفت نظره بيها وكان نفسي احضر فرح “مروة” معاكي لكن اقول إيه اخويا الله يسامحه دايمًا مضيع عليا الفرح.

تلك التنهيدة التي خرجت من بين شفتيّ “تغريد” جعلت “سلسبيل” تخفض رأسها مرة أخرى؛ فهي مثلها قد خطف قلبها أحد أبناء عائلة “الراشد” وتُحاول جاهدة أن تلفت نظره حتى أنها ليلة أمس قامت بمتابعة أحد حساباته على مواقع التواصل الإجتماعي.

_ “سلسبيل” أنا محتاجة مساعدتك.

حدجتها “سلسبيل” بنظرة مصدومة تتساءَل بدهشة عما قالته.

_ أنتِ بتقولي إيه يا “تغريد”، اساعدك إزاي؟

اِقتربت منها “تغريد” سَريعًا وما ساعدها في سرد ما تفكر به أن الصيدليه بهذا الوقت لا يتوافد عليها إلا القليل.

_ إيه رأيك نروح نبارك لـ “مروة” على جوازها في شقتها.

ردت “سلسبيل” على الفور.

_ أنا جبتلها هدية قبل الفرح وكمان حضرت الفرح وباركتلها، بيتهيألي مفيش داعي إني اروح ليها شقتها.

تفاجأت “سلسبيل” من إلتقاط “تغريد” كلا ڪفيها لتهتف برجاء وتوسل.

_ أرجوكِ يا “سلسبيل” أنا محتاجة مساعدتك، أنتِ قريبه من “مروة” ومدام “زينة” وبيحبوكي، لو روحنا بيت عيلة “جمال الراشد” ممكن تكون فرصة ليا واقابله هناك.

سحبت “سلسبيل” يديها منها ونهضت من مكانها وهي لا تستوعب ما تطلبه منها “تغريد”.

_ أنتِ بتقولي إيه يا “تغريد”، عايزانى اروح معاكِ عشان تعرفي تقابليه، لأ طبعًا أنا مش موافقة.

كادت أن تتحدث “تغريد” وتترجاها لكن دخول “عمر” زميلهم بالصيدلية جعلها تبتلع بقية حديثها.
••••

بعد إنتهاء دوامها في الحادية عشر مساءً….

عادت “سلسبيل” إلى المنزل بملامح مُحبطة، لتهتف والدتها عندما استمعت إلى فتح باب الشقة.

_ أنتِ جيتي يا “سلسبيل”؟

بصوت مرهق ردت وهي تزيل عن قدميها حذائها.

_ أيوة يا ماما.

تجلىٰ الإرتياح على ملامح وجه السيدة “روحية” وهي تراها أمامها؛ فكل مرة يكون لديها دوام مسائي لا تستطيع النوم إلا بعدما تطمئن عليها.

_ فين بابا، شيفاكي قاعدة بتتفرجي على المسلسل لوحدك.

وضعت “روحية” طبق المقرمشات الذي تأكل منه على المنضدة الصغيرة التي أمامها وقالت وهي تنهض.

_ لقيته فجأة بيقولي زهقت من المسلسل وداخل أنام.

اِبتسمت “سلسبيل” واقتربت من والدتها تُشاكسها.

_ شكله زهقان منك يا “رورو”.

صفعتها “روحية” بصفعة خفيفة على يدها ودفعتها من أمامها قائلة:

_ لو زهق مني معنديش مشكله يغيرني ويبقى يشوف مين هيعمله الشاي.

اِرتفعت ضَحكات “سلسبيل” عاليًا؛ فهي لا تعرف سبب عشق والدها الشديد لـ مشروب الشاي.

_ قولي كده زهقتي من عمايل الشاي.

وبصوت مرتفع هتفت “سلسبيل” وقد غادر قلبها تلك الحالة السيئة التي كانت عليها قبل دقائق.

_ يا حاج “رضوان” تعالا شوف “رورو” بتقول إيه.

رمقتها والدتها بنظرة فهمت “سلسبيل” ما سيأتي بعدها لتسرع نحو غرفتها قائلة:

_ لا أنا مش قد القرص، ده أنتِ قرصتك بتيجي بالدم.

_ ماشي يا بنت بطني أنا مستحملاكي لحد ما يجي اللي يخدك واقوله اوعى ترجعها ليا.

لتقف “سلسبيل” عند باب غرفتها ترقص لها كلا حاجبيها.

_ ده هيفوز بنجمة من السما.

_  نجمة! قصدك بلوه.

قالتها “روحية” وهي تتحرك نحو المطبخ حتى تسخن لها الطعام.

_ اه صحيح مرات اخوكي جات بالسلامة من عند أهلها.

أسرعت “سلسبيل” بلهفة نحو باب الشقة قائلة بإشتياق للصغير “رضوان” أول صغير ينضم لعائلتهم.

_ لأ متسخنيش الاكل دلوقتي هروح اشوف حبيب قلب عمتو واشوف البت “هناء” كمان وحشاني.

_ أنتِ يا بت استنى عندك، الصباح رباح.

أغلقت “سلسبيل” باب الشقة ورائها وهي تهتف.

_ “هناء” بتسهر.

لطمت “روحية” كفيها ببعضهما بيأس من أفعالها.

_ مهما تكبر مش بتعقل.

طرقت “سلسبيل” باب شقة شقيقها بطريقتها المزعجة لتفتح لها “هناء” الباب قائلة بإبتسامة زينت ثغرها المطلي بأحمر شفاه صارخ.

_ يا مزعجة.

مَدّت “سلسبيل” يديها لها قائلة بلهفة لصغير شقيقها.

_ ما لازم اكون مزعجة لأن شكلي جايه في وقت مش مناسب.

أعطتها “هناء” الصغير وهي تلوي شفتيها.

_ اخوكي لسا بره على القهوة مع صحابه.

دلفت “سلسبيل” إلى الشقة وهي تحمل الصغير وعلى وجهها إبتسامة واسعة.

_ ده العادي بتاعه يا “هناء”.

وبنظرة ماكره أردفت.

_ ما أنتِ اللي سيبتيه شهرين وقاعده بعيد عن بيتك.

تنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيّ “هناء” وهي تتحرك وراء “سلسبيل”.

_ ما أنتِ عارفة بعد الولادة جالي اكتئاب ده غير تعب
“رضوان” بس اول ما لقيت اخوكي مبقاش فارق معاه قعادي من عدمه عرفت إني لازم ارجع.

فرقعت “سلسبيل” أصابعها أمام وجه الصغير حتى ينتبه عليها ويبتسم.

_ “سلسبيل” بقولك إيه.

رفعت “سلسبيل” أحد حاجبيها وقد فهمت ما ستطلبه منها زوجة شقيقها.

_ كلمة بقولك إيه دي مبقتش اشوف من وراها غير المصلحة، قولي يا مرات أخويا.

اِقتربت منها “هناء” وجلست جوارها.

_ ما تاخدي “رضوان” كام ساعه، هعملك الرضعة بتاعته والولد متقلقيش هينام معاكي لأن ابني حبيبي مؤدب.

رمقتها “سلسبيل” بإبتسامة عابثة وهي تنظر نحو ما ترتديه.

_ روچ أحمر وقميص نوم أحمر، مفهومه يعني… ماشي يا ست “هناء” هاخد “رضوان” مع اني جايه من شيفت الصيدليه مش شايفه قدامي ولولا “رضوان” الصغير مكنتش طلعت.

_ بنت حلال أنتِ يا “سلسبيل”.

قالتها “هناء” وهي تحتضنها ثم قبلتها على خدها قائلة:

_ بكره هعملك صنية المكرونة بالبشاميل أنا عارفه إنك بتحبيها من ايدي.

بإشتهاء أخرجت “سلسبيل” لسانها لتُحركه على شفتيها.

_ كله فدا اخويا والمكرونة.
••••

ضاقت حدقتيّ والدتها عندما وجدتها تدلف الشقة بالصغير ومعها أغراضه.

_ أنتِ جايبه “رضوان” معاكي ليه؟

بإبتسامة واسعة ردت “سلسبيل”.

_ عيب على ابن اخويا يكون عزول فجبته معايا.

اِبتسمت والدتها واِقتربت منها لتحمل الصغير.

_ تعالا يا حبيب تيتا اخاف عليك تاكلك.

إلتوت شفتيّ “سلسبيل” بعبوس وسُرعان ما كانت تضحك على والدتها عندما بكى الصغير في حضنها.

وجود الصغير معها هذه الليلة جعلها لا تفكر في ذلك الذي جعلها مؤخرًا تشعر بالتخبط، خاصةً بعدما بدأ يُظهِر لها بعض الإهتمام بالأيام الماضية قبل إنتهاء اجازته والعودة إلى عمله في العاصمة.
••••

في أحد مكاتب الإستيراد والتصدير الخاصة بعائلة “الراشد” كان صوت “سفيان” يرتفع بغضب من داخل غرفة مكتبه.

_ إزاي الورق معرفتش تخلصه في المينا، هو أنا لازم اعمل كل حاجة بنفسي، اقفل أنا جاي بكره اتابع كل حاجة بنفسي.

بالخارج حيث تجلس سكرتيرة “سفيان”، نهضت على الفور من مكانها عندما وجدت “عبدالرحيم الراشد” الشقيق الأكبر يدلف ويتساءَل وهو يستند على عكازه الذي صار يرافقه منذ ذلك الحادث الذي حدث له منذ ثلاث سنوات.

_ ماله “سفيان”؟ صوته واصل لحد مكتبي.

نظرت “نسرين” نحو الغرفة المغلقة وهي تهز رأسها دون فهم.

_ معرفش حاجة يا فندم بس تقريبًا في مشاكل معاه في ميناء السخنة.

تحرك “عبدالرحيم” نحو غرفة شقيقه ليبتسم “سفيان” ويتلاشى عبوسه.

_ “عبدالرحيم” باشا بنفسه في مكتبي، وانا اقول المكتب نور فجأة ليه.

قهقه “عبدالرحيم” بعدما اِقترب منه “سفيان” ليُقبل رأسه.

_ اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش من دقيقتين صوتك كان بيرج حيطان المكتب كله.

تنهد “سفيان” وجلس قُبَالة شقيقه الذي وضع عصاه جانبًا ومدد أحد ساقيه.

_ اعمل إيه يا “عبدالرحيم” ساعات بحس إني بتعامل مع أغبيا ده غير عدم وجود “هيثم” معايا الفترة دي عشان اجازة شهر العسل فارق معايا.

إمتدت يد “عبدالرحيم” نحو فخذ شقيقه يربت عليه.

_ الله يعينك يا ابن امي وأبويا، أنا عارف إن الحمل بقى تقيل عليك من ساعة تعبي.

قالها “عبدالرحيم” وهو ينظر إلى ساقه اليسرى التي باتت تعجزه عن فعل ما كان يفعله بالسابق؛ فانتفض قلب “سفيان” عندما رأي نظرته.

_ حمل إيه اللي بتقول عليه يا “عبدالرحيم” أنت ربيت رجاله ومتقلقش اخوك قدها بس الواحد ساعات بيفقد اعصابه.

ابتسم “عبدالرحيم” وقال وهو يحاول ألا يجعل ذكرى الحادثه تسيطر على عقله.

_ إيه مش ناوي تسمع كلام الحاجة “صباح” وتفرح قلبها، ده “هيثم” اتجوز ومبقاش فاضل غيرك وغير الدلوعه بتاعتنا “إسراء”.

اِبتسم “سفيان” وهو يهز رأسه بيأس من حديثهم الدائم عن أمر الزواج.

_ هو أنا فَصيله خايفين عليها من الإنقراض!!

صدحت ضَحكات “عبدالرحيم” عاليًا وقال:

_ الله يعزك يا ابن أمي و ابويا، بس عارف ايوة أنت فصيله نادرة يا “سفيان”.. أنت زينة شباب العيلة لو شاورت بس على بنت من العيلة أو معارفنا الكل هيرحب ويفتح بابه.

زفر “سفيان” أنفاسه بقوة ثم وضع يديه على ذراعي مِقعده وتساءَل:

_ هو لازم يعني اتجوز واحدة من العيلة أو معارفنا.

إبتسامة واسعة داعبت شفتيّ “عبدالرحيم” عندما شعر ببصيص من الأمل.

_ يا سيدي شاور أنت بس ومش مهم من بنات العيلة أو لأ المهم قول يا جواز.

هذه المرة كانت ضَحكات “سفيان” تصدح بقوة ثم نهض من فوق المقعد الجالس عليه.

_ كله بآوانه يا “عبدالرحيم”.

أماء “عبدالرحيم” برأسه وهو يتابعه متمتمًا.

_ ونعم بالله، خلينا نتكلم في الشغل وتعالا ركز معايا.

قالها “عبدالرحيم” وهو يعتدل في جلوسه؛ فابتسم “سفيان” وجلس قُبالته مرة أخرى.

_ اكيد هتكلمني على مصنع عيلة “الصالحي”.
••••

مررت “سلسبيل” أصابعها فى خُصلات شعرها لتشعثه؛ فهذه كانت إحدى عادتها عندما تغضب من شئ وكيف لا تغضب وقد وضعتها “تغريد” في مأزق.. فهي للتو أغلقت مكالمتها مع “مروة” التي أخبرتها بأنها تنتظرها هي و “تغريد” بعد صلاة المغرب.

إلتقطت هاتفها حتى تهاتف “تغريد” وتوبخها على فعلتها؛ فَـما يزعجها أن هذه الزيارة ليست من أجل “مروة” والمباركة لها بل ورائها هدف يصيبها بالغرابة.

ثواني مرت حتى ردت “تغريد” على هاتفها.

_ بنت حلال كنت لسا هتصل بيكي عشان اقولك إني هعدي عليكي…

قطعت “سلسبيل” ثرثرتها قائلة:

_ أنا مش قولتلك كذا مرة إني مش عايزه اروح، أنا بتحرج ادخل بيوت الناس.

_ معقول يا “سلسبيل” هتتحرجي تدخلي بيت “مروة”
ثم اردفت بإستنكار.
_ ما أنتِ كنتِ ساعات بتطلعي عندها لما بتخلصي شيفت الصيدلية وكانت لسا في بيت أهلها.

تنهدت “سلسبيل” بنفاذ صبر.

_ يا “تغريد” أنتِ مش فهماني ليه…

_ أنتِ ليه مش بتعتبريني صاحبتك يا “سلسبيل” ولا مستكبره نفسك عليا حاكم أنا مجرد معهد سنتين وأنتِ ما شاء الله مهندسه.

زفرت “سلسبيل” أنفاسها بقوه ثم أخذت تمسح وجهها وهي لا تصدق أن “تغريد” فهمت أن رفضها لمرافقتها إستكبار. لكنها بالفعل لا ترغب بالذهاب خاصةً أنها تعلم أن عائلة “جمال الراشد” يحبون الخصوصية ومنغلقين على حالهم.

_ مهندسه وبشتغل في صيدليه يا “تغريد”، يعني شهادتي محطوطه في الدرج ولا عملت بيها حاجة.
••••

إلحاح “تغريد” جعلها رغمًا عنها تقبل بالذهاب معها لتنظر إلى ما تحمله “تغريد” في يدها:

_ خلينا نفوت على محل حلويات اشتري حاجة بدل ما ادخل بأيدي فاضيه.

نظرت “تغريد” نحو الوقت بهاتفها قائلة:

_ مش لازم يا “سلسبيل”، أنتِ جبتي هدية قبل كده وأنا اهو واخده معايا حاجة مش هندخل يعني ايدينا فاضية.

لتحرك “سلسبيل” رأسها بقلة حيلة وسارت أمامها وهي تهتف.

_ لأ يا “تغريد” أنا متعودتش ادخل بيت و إيدي فاضية.

تأففت “تغريد” بضيق، فالوقت يضيع منها و ربما لا تتقابل معه.. لقد اختارت يوم الجمعة بالتحديد بعدما أخبرتها جارتها التي تعمل في منزل عائلة “الراشد” عن الوقت الذي يتواجد فيه “سفيان الراشد”.

_ يا “سلسبيل” إحنا كده بنضيع وقت.

قالتها “تغريد” بصوت خافت مما جعل “سلسبيل” تلتف إليها بعدما أشارت إلىٰ بائع الحلوى على قطع الجاتوه التي ترغب بأن يضعها لها.

_ مالك يا “تغريد” مستعجله ليه، “مروة” على فكرة قالتلنا تعالوا بعد المغرب ولسا المغرب فاضل عليه ساعه ويأذن ده غير البيت مش بعيد.. أنا مش عارفه في إيه كل ده عشان تشوفيه.

إلتفت “تغريد” حولها بفزع وقالت قبل أن تغادر المحل.

_ أنا هستناكي برة عشان شكلك هتفضحيني.

أغمضت “سلسبيل” عيناها بقوة بعدما غادرت “تغريد” ثم تنهدت… فهي لا تستطيع أن تلوم “تغريد” على حبها لأحد أبناء عائلة “الراشد” فهي من سوء حظها وقعت بهذا الأمر أيضًا.

خرجت “سلسبيل” بالحلوى بعدما دفعت ثمنها لتزفر “تغريد” أنفاسها براحة قائلة:

_ نمشي في طريقنا بقى ولا عايزه تشتري حاجة تاني؟

طالعت “سلسبيل” الطريق أمامها ثم نظرت نحو ما تحمله.

_ اشتري إيه تاني، ده انا مستلفه من “محمود” اخويا فلوس الجاتوه.

تحركت “سلسبيل” أمامها لتسرع “تغريد” ورائها وتجتذبها من ذراعها.

_ خلينا نركب، المشوار بعيد وكده بنضيع وقت.

قطبت “سلسبيل” حاجبيها وارتسمت الحيرة على ملامحها.

_ أنتِ مش قولتي هنتمشى عشان المشوار مش بعيد.

والرد كانت تحصل عليه “سلسبيل” من اِجتذاب “تغريد” لذراعها.

وصلوا أخيرًا لمنزل عائلة “جمال الراشد” ليقفوا أمام البوابة التي كانت مفتوحة لتحدق “سلسبيل” بالمنزل من الخارج بتوتر:

_ خلينا نتصل على “مروة” عشان…

لم تكد تكمل “سلسبيل” كلامها، فوجدت “تغريد” تجرها من يدها قائلة:

_ خلينا ندخل.

توقف الكلام على طرف لسان “سلسبيل” وهي ترى نفسها داخل المنزل المحاط بسور عالي وبه مساحة لا بأس بها تحيطه.

اِجتذب دخولهم أنظار ڪلًا من “سفيان” و “هيثم” الواقفين بالبهو الخارجي للمنزل وحولهم أبناء شقيقهم “عبدالرحيم”…

أسرعت “سلسبيل” بحفض رأسها بحرج بسبب فِعلت
“تغريد” لتتعلق عينين “سفيان” بها بذهول وهو لا يُصدق أنه يراها اليوم في منزله..
••••

🍂 وَ إِرتَوَىٰ الفُؤَاد 🍂

الفصل الثالث

بعد ساعة من قدومهن كُن يُغادرن منزل عائلة “جمال الراشد” تحت أنظار “سفيان” الذي جلس بالحديقة الصغيرة التي تحاوط المنزل.

_ إيه ده أنت قاعد في الجنينة يا “سفيان”، مش كنت قايل إنك خارج.

قالتها “منار” شقيقته وهي تحمل على ذراعها صغيرها؛ فارتبك “سفيان” لوهلة ثم استدار برأسه نحوها.

_ بقالي كتير مقعدتش مع “علي” و “جمال”.

قالها وهو ينظر إلى أولاد شقيقه “عبدالرحيم” المندمجين باللعب بدراجاتهم.

_ طيب خد شيل “سفيان” الصغير حبيب خالو.

ابتسم “سفيان” وهو يلتقط منها الصغير الذي أصرت شقيقته على تسميته باسمه.

_ تعالا يا استاذ “سفيان” ياللي مقدرش اقول لأ على حاجة معاك.

اِتسعت إبتسامة “منار” ثم اِجتذبت المقعد الجالسة عليه وقربته من مقعده قائلة بصوت خفيض:

_ إيه رأيك في البنت اللي لسا خارجة وكانت لابسة فستان زهري؟

إلتمعت عينيه عندما فهم مقصد شقيقته لكنه تظاهر بالغباء.

_ أنهي بنت؟ ،تقصدي مين؟

تأففت “منار” من عدم إهتمام شقيقها بالنظر إلى الفتيات ثم شدته -نحوها- من ذراعه.

_ يا “سفيان” كان في بنتين عند “مروة” بيباركوا ليها ولسا نازلين من شوية، نظرك ملتفتش لواحدة فيهم..

ضاقت حدقتيّ “سفيان” ثم إلتقط كف الصغير وقَبله قائلًا:

_ هاتي اخرك يا “منار” من غير لف ودوران.

اِفتر ثغر “منار” عن إبتسامة خفيفة ثم فرقعت بأصابعها أمام صغيرها لتُداعبه.

_ بص يا سيدي أنا و “زينة” اقترحنا على ماما “سلسبيل”، البنت اللي كانت لابسه فستان زهري ولسا نازله من شقة “هيثم” و “مروة”.

توقفت عن الكلام لتمط شفتيها متذمرة.

_ صحيح نسيت إنك مش بتفهم في الألوان غير الأحمر والأسود والأبيض.

إنتاب “سفيان” شعور غريب عندما استمع إلى اسمها الذي صَار يعرفه  لكنه أخفى إهتمامه وأكمل مداعبته للصغير.

_ بص يا سيدي هي كانت…

اِستنكر “سفيان” عبارتها التي كررتها وقال وهو يعطيها صغيرها.

_ إيه بص يا سيدي اللي عماله تقوليها ليا دي، ما انا باصص اهو ابص فين تاني!!

اِمتعضت ملامح “منار” وكادت أن تنهض.

_ خلاص أنا غلطانه…

تنهد “سفيان” بضيق ثم اِجتذب ذراعها ليجعلها تجلس.

_ اقعدي يا “منار” واحكيلي على اختيارك أنتِ و أختك شكلكم اتعاديتوا من الحاجة “صباح” وشغالين ليا خاطبة.

اِتسعت إبتسامة “منار” ثم حركت كلا حاجبيها بتلاعب.

_ نفسنا نفرح بيك يا “سفيان”.

تنهد بسأم وهتف راغبًا في معرفة الحديث الذي دار بين شقيقتيه عنها.

_ كملي يا “منار” كلامك من غير رغي كتير لأن المفروض اقوم عشان “منصور” مستنيني.

وكأنها مسجل راديو ضغط على زر تشغيله لتخبره بكل ما دار بينها وبين شقيقتهم “زينة” وما صارت تعرفه عن “سلسبيل”.

_ ما شاء الله عليها مهندسة وادب وأخلاق والبت لولا أهلها رافضين سفرها للقاهرة كان زمانها اشتغلت بشهادتها، “محمد” ابن عمك بيثق فيها أوي و “زينة” كمان دايمًا تقولي بنت متربية ومن بيت اصل بس فيه مشكلة…

بكاء الصغير جعلها تتوقف عن إستكمال حديثها، ليزفر “سفيان” أنفاسه بضجر بعدما فقد صبره.

_ أنتِ بتنقطيني بالكلام يا “منار”.

اِندهشت “منار” من ضيقه لترفع أحد حاجبيها بتساؤل وقد توقف الصغير عن البكاء.

_ أنت مش من شوية مكنتش مهتم؟

_ “مــنــار”.

هتافه باسمها بتلك الطريقة زاد من دهشتها لتُسرع قائلة:

_ المشكلة في الحاجة “صباح”، امك..

زَوىٰ “سفيان” ما بين عينيه وخرج تساؤله في حيره.

_ مالها، إيه المشكلة اللي هي شيفاها في “سلسبيل”.

اِتسعت إبتسامة” منار” عندما رأت إهتمام شقيقها ونطقه لـ اسم “سلسبيل”.

_ أنت لحقت تحفظ اسمها.

لم يتحمل “سفيان” سخافة شقيقته وإلتقط هاتفه ومفتاح سيارته ثم نهض من فوق المقعد الجالس عليه.

_ أنا غلطان إني قاعد بسمعلك.

_ استنى يا “سفيان”، خليني اقولك الحاجة “صباح” معترضه على البنت ليه..

لم يتوقف “سفيان” عن السير إلا عندما استمع من شقيقته سبب إعتراض والدته عليها.

_ أصلها اول ما عرفت إنها عدت الخمسه والعشرين قالت كبيره عايزالك واحدة صغيرة.

اِستدار “سفيان” بجسده نحوها ثم ابتسم.

_ هي دي المشكلة اللي عند الحاجة “صباح”.

قالها ثم اِتجه نحو سيارته تحت أنظار “منار” التي حدقت به بذهول وسُرعان ما كانت تبتسم إبتسامة عريضة.

_ هو شكله مهتم ولا إيه؟
••••

طِيلة طريق عودتهن الذي إتخذنه سيرًا على الأقدام كانت “تغريد” تتحدث بتمني أن يحالفها الحظ وتكون كِنة لتلك العائلة وبهيام وأمل أردفت:

_ شوفتي يا “سلسبيل” كان قاعد في الجنينة تحت رغم إن كان باين عليه اول ما وصلنا إنه خارج، تفتكري ليه.

اِبتسمت “سلسبيل” وهي شاردة تتذكر حديث “مروة” عن “حاتم” شقيقها الذي رُبما يعود لبلدتهم ويخدم بها مرة أخرى.

_ “سلسبيل” أنتِ معايا.

إنتبهت “سلسبيل” على صوت “تغريد” لتسألها.

_ أنتِ كنتي بتقولي حاجة؟

توقفت “تغريد” عن السير وبنظرة ماكرة رمقتها.

_ طيب أنا عقلي مبقاش فيا بسبب الحب، أنتِ بقى إيه السبب بتحبي ولا إيه؟

جَلىٰ الإرتباك بوضوح على وجه “سلسبيل” ثم أسرعت بإشاحة عيناها عن “تغريد” وواصلت سيرها.

_ “تغريد” هنتأخر في الرجوع، ياريت تمشي بسرعة.

باغتتها “تغريد” بجذبها لذراعها قائلة بنبرة صوت حالمة.

_ مش عايزة تعرفي أنا إزاي حبيبت “سفيان الراشد”؟

والفضول بالفعل كان يُسيطر على “سلسبيل” التي توقفت عن السير واِلتفت نحوها لتتسع إبتسامة “تغريد” ثم تأبطت ذراعها واستطردت.

_ الحكاية بدأت من سنتين.

زفرة طويلة خرجت من صدر “تغريد” ثم بدأت تسرد قصة إعجابها بِه.

_ أنا مش عارفة أنتِ تعرفي موضوع حادثة اخوه الكبير ولا لأ.

رفرفت “سلسبيل” بأهدابها وقد تذكرت ذلك الحادث الذي أخبرهم عنه شقيقها ذات ليلة.

_ بيتهيألي إني سمعت عنها.

لتواصل “تغريد” ما تتوهمه من مشاعر.

_ سواق اخوه الكبير كان ابن عمي يا “سلسبيل”.

توقفت “سلسبيل” عن السير ثم إلتفت جِهتها لتخرج تنهيدة حارة من بين شفتيّ “تغريد”.

_ الله يرحمه، مات في الليلة دي ومن ساعة الحادثة عيلة “الراشد” بقت مسئولة عن عيلة عمي لأن “حمدي” ابن عمي كان وحيد امه وابوه على تلات بنات وطبعًا بعد وفاته مبقاش ليهم مصدر رزق لأن عمي مجرد راجل أُرزقي بيبيع خضار وكان شُغل “حمدي” مع عيلة “الراشد” هو اللي ممشي الدنيا معاهم.

شعرت “سلسبيل” بالأسي نحو ذلك الشاب ونحو تلك العائلة.

_ الشهادة لله يا “سلسبيل” من يوم وفاة “حمدي” وهما فعلاً مش سايبين حد من عيلة عمي، “سماح” بنت عمي جهزوها احلى جهاز و “سفيان” حضر فرحها.

إلتمعت عينيّ “تغريد” عندما تذكرت صاحب الأعيُن السوداء والشعر الأسود الناعم.

_ وكل فترة يغيب يغيب ويجي يزور بيت عمي ده غير الشهرية بتاعتهم بتوصل ليهم في ميعادها.

وأردفت “تغريد” وقد تسارعت دقات قلبها.

_ على فكرة هو اللي اتوصتلي في صيدلية دكتور “محمد”.

اِحتلت الدهشة ملامح “سلسبيل” لكنها لم تُعقب وتركت “تغريد” تفيض لها بتلك المشاعر التي تشترك بها هي أيضًا نحو ابن العم الأخر.

_ من سنة وانا عيني عليه يا “سلسيل” لكن عمره ما اتلفت ليا… اول ما بعرف إنه عند عمي بنزل من شقتنا جري عشان اشوفه.

مشاعر عِدة ومتضاربة اِخترقت قلب “سلسبيل” لتخرج منها تنهيدة قوية.

_ يعني عمره ما اتلفت ليكي وأنتِ معلقة نفسك بيه يا “تغريد”.

لتبتسم “تغريد” وهي تدفع ذلك الحجر الصغير بحذائها.

_ عندي أمل إني ألفت نظرة في يوم واهو النهاردة حسيت ان فيه إشارة خصوصًا إنه فضل موجود رغم إنه مش بيقعد كتير في البيت.

ارتفع أحد حاجبيّ “سلسبيل” في دهشة وتساءَلت بفضول.

_ عرفتي منين إنه مش بيقعد في البيت كتير واختارتي ليه يوم الجمعه بالذات.

إنفلتت من بين شفتيّ “تغريد” ضحكة رن صداها حولهما لتزجرها “سلسبيل” بنظره منها حتى تتوقف عن الضحك ولا تلفت الأنظار نحوهما.

_ الواحدة مننا لما بتحب توصل لراجل يا “سلسبيل” لازم تستخدم كل الأسلحة المتاحة عندها وأنتِ عشان صاحبتي هقولك بقيت اعرف منين كل حاجة عنه.

فغر فاه “سلسيل” في دهشة وهي تستمع إليها، فَــ تغريد صارت تضع “سفيان” نصب عينيها.

_ يعني جارتك اللي شغاله عندهم بتجبلك معلومات عنه؟

لتومئ “تغريد” برأسها وهي تخرج قطعه من الحلوى التي أعطتها لهم “مروة” من حقيبتها قائلة وهي تزيل عنها مغلفها وتدسها بين شفتيها.

_ والدته حاليًا بتدور ليه على عروسة وبتلح اوي على الموضوع ده.

دهشة أشد اِحتلت ملامح “سلسبيل” وسُرعان ما كان يخرج تساؤلها.

_ عشان كده اصريتي وإحنا نازلين ندخل نسلم على الحاجة “صباح”.

إلتمعت عينين “تغريد” بأمل وقالت وهي تلوك الحلوى بفمها.

_ أهو بنسعى يا “سلسبيل” و ده مش أي حد ده “سفيان الراشد”.
••••

ارتفعت قهقهة “هبة” عاليًا وهي تستمع لما تخبرها به “سلسبيل”.

_ أنتِ لازم تصاحبي “تغريد” عشان تتعلمي منها النصاحة.

قضمت “سلسبيل” الجزرة التي بيدها ورمشت بأهدابها.

_ شكلي فعلا عايزة دروس من “تغريد” مش منك يا “هبة”.

إلتوت شفتيّ “هبة” وحركت الهاتف من على أذنها اليمني إلى الأخرى.

_ بقى دي آخرتها أنتِ اللي مش بطبقي نصايحي صح.

تنهدت “سلسبيل” بقوة ثم أخفضت عيناها نحو أظافر رجلها المطلية.

_ “تغريد” جميله ما شاء الله يا “هبة” واكيد بعد روحتنا بيتهم عرفت تلفت نظرة.

لتستكمل “سلسبيل” كلامها عندما تذكرت ما أخبرتها به “تغريد” اليوم.

_ وإن يجي الصيدلية يومين ورا بعض بحجة شكل يأكد فعلاً كده.

_ أهو شوفتي بيختار ايام الشيفت بتاعها عشان يجي.

قالتها “هبة” وسُرعان ما كانت تواصل كلامها حتى تعطي صديقتها أملًا بأن يكون “حاتم” هو الآخر إلتفت إليها.

_ متنسيش حضرت الظابط برضو في آخر اجازة ليه بقى مقضي وقته في الصيدلية.

توردت وجنتين “سلسبيل” عندما تذكرت مداعباته لها بالحديث مؤخرًا وملاطفته لها لكن كل هذا تلاشى في ثواني معدودة.

_ بعتله متابعه على الإنستا يا “هبة” وقبله لكن لحد دلوقتي محاولش يراسلني، ده غير البنت اللي بقولك عليها على طول بتعلق على صوره.

زمت “هبة” شفتيها ثم قالت وهي ترج رضعة صغيرها.

_ مسيرنا هنعرف مين هي بس دلوقتي قوليلي حطيتي صورة حلوه ليكي.

أغمضت “سلسبيل” عينيها ثم زفرت أنفاسها وردت بحيره.

_ حطيت يا “هبة”، أنا خايفه اكون عايشه على أمل كداب.

شعرت “هبة” بضيق صديقتها فهتفت بمِزاح حتى تخرجها من تلك الحالة.

_ لأ اعملي بنصيحة “تغريد” وكملي سعي، خليكي زي “تغريد”… اهي جابت رجل “سفيان الراشد”.

ارتفعت قهقهة “هبة” مجددًا؛ فشاركتها “سلسبيل” الضحك.

أنهت “سلسبيل” مكالمتها مع صديقتها لتُلقي بهاتفها على الوساده التي تضعها على ساقيها شاردة في آخر نصيحة قدمتها لها صديقتها.

_ ابعتله رسالة واحاول اتواصل معاه؟

قالتها ثم حدقت بالهاتف وكادت أن تَمُد يدها وتلتقطه إلا أنها تراجعت تنهر نفسها.

_ اوعي يا “سلسبيل”، اوعي تعملي كده.

نهضت من على الفراش حتى تغلق نور غرفتها وعادت تستلقي عليه ثم احتضنت وسادتها.

ابتسمت عندما تذكرت أول مرة وقعت عيناها على
“حاتم” منذ عامين ، كان ببذلة الشرطة يخرج من سيارته بهيبة ووقار اختطفوا فؤادها.

_ امتى هتحس بيا يا “حاتم”؟
••••

في أحد كافيهات مصر الجديدة……

كان “حاتم” يلتقط يد إحداهن مبتسمًا.

_ شوفي الميعاد المناسب يا “ماريهان” واجي اتقدم لمعالي الباشا.

أخفضت الجالسة أنظارها بخجل مصطنع تمثل به الدلال قائلة:

_ أنت بلغت “ماجد” الأول بعلاقتنا.

تنهد بقوة وسحب يده عن يدها قائلًا:

_ أبلغه إزاي وأنتِ اللي صممتي ميعرفش حاجة عن علاقتنا.

إلتمعت عينين “ماريهان” بحقد لــ ابن عمها الذي لا يعيرها إهتمامًا.

_ لأ بلغه خلاص بعلاقتنا وياريت تكلم بابي في أسرع وقت ونتخطب يا “حاتم”.
••••

دلفت “سلسبيل” الصيدلية وهي تحمل في يديها عُلب من عصير القصب وقد اِرتفع صوتها بدُعابه.

_ احلى عصير قصب لأحلى…

اِبتلعت بقية حديثها وأخفضت رأسها بخجل عندما اِنتبهت على الجالس أمام الدكتور “محمد” الذي ابتسم.

_ أهي دي بقى “سلسبيل” يا “سفيان”، الفاكهه بتاعتنا.

تعلقت عينين “سفيان” بها بإبتسامة أخفاها سريعًا ثم هَز رأسه قائلًا بصوت خفيض بالكاد سمعه “محمد”.

_ هي فعلاً شكلها كده.

اِقتربت “سلسبيل” من “فهيم” الواقف خلف طاولة البيع وأعطته عُلبة العصير خاصته ثم اِتجهت بخجل نحو الدكتور “محمد” لتعطيه عُلبته.

_ اتفضل يا دكتور.

بمِزاح تساءَل “سفيان” وهو ينظر نحو “سلسبيل” بنظرة رافقتها منذ دلوفها.

_ وأنا على كده مليش نصيب في عصير القصب، إيه يا “محمد” هو أنت بخيل ولا إيه؟

اِرتبكت “سلسبيل” وقد اندهش “محمد” من مِزاح ابن عمه وشقيق زوجته ورفع أحد حاجبيه في تعجب وكاد أن يتحدث إلا أن فِعلت “سلسبيل” جعلته يصمت ويراقب الأمر.

_ اتفضل العصير بتاعي، أنا كده كده بشرب كل يوم.

لم يرفض “سفيان” عرضها بل تناول عُلبة العصير وأخذ يرتشف منها دون أن يسأل أسئلته المعتادة عن نظافة الأشياء.

_ طعمه جميل شكلي كده هبقى زبون دائم عند صاحب المعصرة.

بخجل ردت “سلسبيل” وهي تستدير بجسدها وتتجه نحو مكانها وراء طاولة البيع.

_ دا احلى واحد تشرب من عنده عصير قصب.

اِتسعت إبتسامة “سفيان” واستمر بالنظر إليها لتضيق حدقتيّ “محمد” بفضول سُرعان ما غادر بؤبؤي عينيه واحتلهم المكر.
••••

🍂 وَ إِرتَوَىٰ الفُؤَاد 🍂

الفصل الرابع.

_ بقلم سهام صادق.

غَمرت السعادة ملامح “سلسبيل” التي كانت للتو تُغادر الصيدلية بعدما اِنتهى دوام عملها بالفترة الصباحية.

وقفت مكانها وعلى محياها اِرتسمت إبتسامة خفيفة بعد أن تأكدت من هوية صاحب تلك السيّارة التي لمحت قدومها من بعيد.

بالفعل وجدته هو من يترجل من سيارته وقد اِستعجبت قدومه اليوم؛ فهي صَارت تعلم مواعيد إجازته.

اِبتسم “حاتم” عندما اِنتبه على وقوفها ثم حياها برأسه ومضىٰ نحو مدخل البناية التي تتكون من عدة طوابق وملك للعائلة.
…..
_ يا أهل الدار، يا أهل الدار أنا جعانه، أنا شامة ريحة محاشي ترد الروح.

قالتها  “سلسبيل” عندما دلفت المنزل؛ فضحك والدها الجالس أمام التلفاز ويشاهد أحد النشرات الإخبارية.

_ فضحتينا من على الباب.

تقدمت “سلسبيل” من والدها وغمزت بعينها قائلة:

_ هي “روحية” راضية علينا ولا إيه؟

صفعتها والدتها على رأسها بعدما إلتقطت أذنيها حديثها.

_ “روحية” راضية عليكم على طول، اعملوا بس ليا زي ما أنا بعمل ليكم.

_ شوفي آهو جبتي لينا الكلام.

اِمتعضت ملامح “روحية” بعدما اِستمعت إلى رد زوجها لتقترب منه قائلة:

_ هو ده اللي ربنا قدرك عليه يا “رضوان”، ده انا واقفه في المطبخ بعمل ليك المحشي اللي أنت قولت نفسك فيه.

قلبت “سلسبيل” عينيها بينهما وسُرعان ما كانت تبتعد عنهما وهي ترفع ذراعيها بإستسلام.

_ أنا بقول انسحب قبل ما يتقال ليا أنتِ السبب.

على الفور رد والدها بعدما هرولت من أمامهم.

_ محدش بيقلبها عليا غيرك وياريت بتقفي معايا.

صدح صوت ضحكات “سلسبيل” على ما فعلته، فوالدتها صَارت لا تمرر أي كلمة لوالدها.
••••

في منزل “سليمان الراشد” والد “حاتم”….

كان صوت السيدة “فاتن” يرتفع برفض قاطع لِما يخبرها به ولدها.

_ عايز تتجوزلي واحده من بتوع مصر، لأ والف لا… مالهم بنات عيلتنا ومعارفنا… “إسراء” بنت عمك يعيبها إيه.. مال وجمال وعلام ولا “أحلام” بنت خالك دكتوره أد الدنيا.

تنهد “حاتم” بمقت ثم نهض من فوق المقعد الجالس عليه ونظر نحو والده الذي يتخذ دور الصامت دائمًا أمام والدته.

_ قولت مليون مرة مش هتجوز من العيلة ولا من القرية نفسها، و “ماريهان” اللي مش عجباكي ابوها مساعد وزير الداخلية وابن عمها الرائد “ماجد” زميلي… ده غير باقي العيلة كلها رُتب عالية.

لوت السيدة “فاتن” شفتيها وكررت رفضها بتعنت.

_ خلي الرُتب والدبابير ليها، أنا مش عايزه واحده مصراوية.

بنظرة يائسه ألقىٰ “سليمان” نظرة على زوجته التي لا يغادر التجهم ملامح وجهها ثم نهض حتى يترك لهم المكان.

_ لو بنت ناس كويسين فعلاً يا بني خد لينا ميعاد وسيب أمك، على سواد الليل هتلاقيها وافقت ولانت.

ابتسم “حاتم” لوالده الذي لولا ضعف شخصيته أمام والدته لكان تمنى أن يشبهه.

أشاحت السيدة “فاتن” عينيها وأخذت تتمتم بضيق بأنها لن تذهب معهم.
ولأنه كان يعرف طِباع والدته، كان متأكد أن ما يُريده سيحدث.

_ ست البيت القمر، أطيب وأجمل ست في العيله.

_ ابعد يا واد وبطل تضحك عليا.

قالتها “فاتن” بعدما جلس جوارها وانتزعت ذراعها من قبضة يده ليُقبل خدها مداعبًا لها بالكلام.

_ بقى حضرت الظابط يتقلوا واد، مقبولة منك يا ست الكل.
••••

في منزل “جمال الراشد”….

كان الأمر مختلفًا حيث جلست السيدة “صباح” صاحبة الوجة البشوش تنتظر سماع ما يتوق له قلبها.

_ يا بني قول الخبر اللي نفسي فيه وريح قلبي.

اِبتسم “سفيان” ثم إلتقط كفوف والدته وقبلهم.

_ هريح قلبك خلاص يا أم “سفيان”.

بلهفة تساءَلت:

_ عجبتك واحده وعايزني اخطبهالك؟

ضحك “سفيان” على لهفة والدته لتعبس ملامحها بعدما أصابها الإحباط ثم دفعته بقبضة يدها على صدره بخفة.

_ الوحيد في اخواتك اللي مش مريح قلبي.

_ بقى كده يا أم “سفيان”.

خرجت تنهيدة “صباح” برضىٰ عن فلذة كبدها.

_ لأ يا بني ربنا يرضى عنك، بس لو تريح قلبي.

اِتسعت إبتسامة “سفيان” ليخرج الكلام منه دفعة واحدة مما جعل إبتسامة والدته تتسع.

_ أنا فعلاً لقيت بنت الحلال اللي الكل أجمع على أخلاقها وأدبها وأهلها ناس طيبين.

الفرحة اِخترقت قلب السيدة “صباح” وظهرت بنبرة صوتها.

_ مين يا بني قولي واحدة نعرفها؟، بنت ناس نعرفهم؟.

َإلتمعت عينيّ السيدة “صباح” وانتظرت أن ينفلت الكلام من بين شفتيه.

_ “سلسبيل” يا أمي.
….

جلست “سلسبيل” على فراشها تتثاءب بنُعاس ثم إلتقطت هاتفها لتتصفحه.

_ البت “هبة” مرنتش عليا ولا ردت على رسالتي، شكلها مشغوله ولا عيانه ولا إيه!

ثم أردفت وهي تمرر أصابعها على شاشه الهاتف بعدما دخلت أحد مواقع التواصل الإجتماعي الذي يهتم فيه الأشخاص بعرض صورهم.

_ بكره اتصل بيها وأعرف مختفيه ليه.

وسُرعان ما كان يُغادر النُعاس ملامحها عندما إلتقطت عينيها صورة ليدين متعانقتين ويرفق الصورة مقطع من أغنية تصف الحالة والصورة. قربت شاشة الهاتف منها حتى ترى صورة اليدين بوضوح لتتساءَل بحيره.

_ معقول دي ايده ولا مجرد صورة.

ظَلت طيلة الليل تقلب في الهاتف وقد اِختفى الحماس الذي كان يُطمئن قلبها.
••••

زفرت “سلسبيل” أنفاسها بقوة واِستكملت سيرها بالطريق المؤدي إلى مكان عملها وقالت بوجوم.

_ حساها ايده يا “هبة”، صحيح الصورة مش واضحة اوي.. بس قلبي بيقولي إنها ايده.

تنهدت “هبة” بحيره وهي تلتقط العبوة حتى تجهز لــ صغيرها رضعته.

_ تفتكري هيخطب قريب؟

أسبلت “سلسبيل” جفنيها وجَلىٰ الحزن ملامحها.

_ أنا مش عارفه ليه عملت في نفسي كده، اقول فيكي إيه يا شيخة.

مطت شفتيها بعبوس بعدما اِرتفع صوت “سلسبيل” فجأة.

_ وأنا مالي يا ختي، أنتِ روحتي اشتغلتي عندهم في الصيدليه وشوفتيه وعجبك…

شعرت “سلسبيل” بأنها بحاجة لإستكمال سيرها في صمت، فقالت قبل أن تنهي المكالمة.

_ أنا مخنوقه يا “هبة”، اقفلي خلاص عشان مكالمتك زودت همي.

ذهبت إلى الصيدليه وفي رأسها عِدة أسئلة بلا إجابة لكن ما صَارت متيقنة منه، “حاتم” لا يشبهها وعليها أن تتعافىٰ من وهم حُبه.

شرودها اليوم أثناء عملها كان مُلفت للجميع..

_ مالك يا “سلسبيل”؟.

تساءَل الدكتور “محمد”؛ فردت عليه بــ نبرة شاردة وهي تنظر نحو عُلبة الدواء التي بيدها.

_ مفيش يا دكتور.

ليرمقها بنظرة طويلة ثم اِبتسم وحرك رأسه وعاد للجلوس وراء طاولة مكتبه.
••••

نظرت “سلسبيل” نحو والدتها بتعحب عند دلوفها غرفتها وعلى وجهها اِبتسامة واسعة فرحة.

_ تعالي كلمي بابا و “محمود” اخوكي يا “سلسبيل”.

زادت دهشتها من طلب والدها لها وأيضًا شقيقها وفور أن خرجت لهم تساءَلت بقلق.

_ انتوا عايزني في حاجة؟

تلاشىٰ القلق من على ملامحها عندما اِبتسم شقيقها ونهض من جِوار والده قائلًا:

_ مش قولتلك من قريب شكلك اخرك معانا الصيف ده.

إحتضنها شقيقها وواصل كلامه بحُب.

_ المرادي العريس مفهوش عيب.

_ عريس!!

هتفت بها “سلسبيل” وهي تنقل عيناها بين والدها المبتسم وشقيقها.

_ عريس شافك في فرح عيلة “الراشد” يا بنت بطني.

قالتها والدتها من ورائها لتلتف “سلسبيل” ناحيتها بذهول.

_ أنا مش فاهمه حاجة.

_ هو إيه اللي مش فاهمه حاجة يا “سلسبيل” بنقول عريس شافك في فرح عيلة “الراشد”، ما أنتِ كنتي طالعه زي القمر.

هتف بها “محمود” شقيقها والسعادة تضج بعينيه.
تدخل والدها أخيرًا بالحديث وقد اتضحت الصورة وهوية العريس الذي ظنت لوهلة أنه “حاتم الراشد”.

_”سفيان الراشد” طلب ايدك يا بنتي.
••••

اِندفعت “سلسبيل” نحو غرفتها بعدما أخبرتهم برفضها للعريس وقد اِرتفع صوت شقيقها من ورائها بإستنكار.

_ إيه هو اللي لأ، بنتك عايزة تعقل يا ماما… عقلي بنتك عشان الظاهر دماغها فيها حاجه.

اِبتلع “محمود” بقية كلامه بعدما خرج صوت والده بتحذير.

_ اختك ست البنات، وهي حره في قرارها… أنا هدخلها اشوفها.

جلست “سلسيل” على فراشها وهي تشعر بالإختناق ولا تصدق ما سمعته، “سفيان الراشد” تقدم لخِطبتها وهي التي كانت تنتظر أن يكون “حاتم” ابن عمه. رفرفت بأهدابها عدة مرات حتى لا تبكي لتستمع إلى صوت والدها قبل أن يلج لـ غرفتها.

_ إيه يا حبيبتي ممكن أدخل؟

حاولت “سلسبيل” إخفاء مشاعرها عن والدها وأخفضت رأسها قائلة:

_ طبعًا، اتفضل يا بابا.

ابتسم “رضوان” عندما جلس جانبها ومد يديه يحتضن وجهها بين كفيه.

_ قوليلي يا حبيبتي ليه قولتي لأ على العريس من قبل ما تعرفي مميزاته.

بصوت منخفض ردت دون أن تنظر في عينين والدها:

_ مش محتاجة اعرف عنه حاجة لاني عارفه، أنت ناسي يا بابا إن مدام “زينه” زوجة دكتور “محمد” اخته، غير إن الدكتور “محمد” ابن عمه…

هَـز “رضوان” رأسه ثم تنهد وقال:

_ ما أنا عشان كل اللي بتقوليه ده عايزك تفكري كويس وتصلي استخارة، الشاب يا بنتي مافيهوش حاجة تخلينا نرفضه من بره بره ، الكل بيمدح في اخلاقه، انا بسمع عنه من زمان خصوصًا بعد حادثة أخوه الكبير.

رفعت رأسها وكادت تتحدث وتخبر والدها أن الأمر منتهي ولا تُريد أن يتقدم لها بالمنزل لكن والدها نهض قائلًا بحنو:

_ هسيبك تفكري وبكره قوليلي قرارك ولو عايزه وقت زيادة تمام، الراجل كده كده شاري وعايز يدخل البيت والموافقة مستنيها من عندنا.

غَادر والدها غرفتها لتضع وجهها بين كفيها لا تستوعب ما سقط فوق رأسها فجأة، “سفيان” ذلك الذي صَار يأتي إلى الصيدلية مؤخرًا وظنت أنه يأتي من أجل “تغريد”!!…

غير أن “سفيان” و “حاتم” أولاد عم.. ما هذا المأزق؟؟؟

وضعت يدها على قلبها لعلَّ دقاته تهدء قليلًا ويخف الألم الذي جثم عليه.

_ مستحيل أوافق عليه مهما كان.

وكما فعل والدها فعلت والدتها، وها هي والدتها تُغادر غرفتها حانقة من مبررها الغير مقنع… أنها لا تراه مناسبًا لها.

في الصباح…

قبل أن يذهب “محمود” -شقيقها- إلى عمله دق باب غرفتها ثم دلف بعدما أتاه صوتها.

_ صباح الخير يا “سلسبيل”.

طَوت “سلسبيل” سجادة الصلاة ووضعتها على الفراش، ليقترب منها “محمود”.

_ مرضتش امبارح ادخلك، قولت اسيبك تفكري مع نفسك شويه.. قوليلي بقي إيه سبب الرفض العجيب.. ده أنتِ حتى مستنتيش تسمعي عنه حاجة.

إبتلعت “سلسبيل” لُعابها ثم هربت بعينيها بعيدًا عنه وقالت نفس الحديث الذي قالته لـ والدها:

_ يا “محمود” هو مفيهوش عيب ولا سمعت عنه حاجة وحشه كفاية إنه اخوه مدام “زينة”.

لطم “محمود” كفيه ببعضهم وتساءَل:

_ طيب ما دام شايفه إنه مفيهوش حاجة تترفض، ليه قولتي لأ.

_  يا سيدي أنا حره ، دي حياتي وأعمل اللي عايزه اعمله.

لم تنتبه “سلسبيل” على ما نطقته إلا عندما اِرتفع صوت “محمود” بحده.

_ “سلسبيل”، خدي بالك من كلامك متنسيش إني اخوكي الكبير.

تنهدت بضيق من تسرعها بالكلام.

_  أسفه يا “محمود” متزعلش مني، أنا مش عارفه أنا مخنوقه ليه.

اِقترب منها “محمود” وضمها بحُب إليه.

_ خدي وقتك في التفكير، بس فكري بعقلك يا “سلسبيل” لأن “سفيان الراشد” عريس ميترفضش ده غير إنك مش هتلاقي فرصه زي دي.. أنتِ ناسيه إننا عايشين في قرية والعائلات المرتاحة فيها معدودين.

إبتعدت عن حضنه، فأخيها يفكر كما فكرت هي من قبل عندما شغلت عقلها بــ “حاتم” حتى وقع قلبها في حُبه.

_ أنت من قريب كنت بتقول إنك مبتحبش عيلة
“الراشد” وشايف إن فلوسهم أساسها الأثار.

زَوىٰ “محمود” ما بين عينيه يدعي الجهل لما قاله.

_ أنا قولت كده خلاص اعتبريني مقولتش.

ضحك عقب ما تفوه به ثم مَدّ كف يده ومسح على خدها بلُطف.

_ عايزين نفرح يا “سلسبيل”.

وما قاله شقيقها أعادته زوجته… أنهم يريدون الفرح و
“سفيان الراشد” عريس مناسب ولن تأتيها هذه الفرصة مرة أخرى، فعائلة “الراشد” أكبر عائله بقريتهم وبالمدينة.

عندما غَادرت “هناء” زوجة شقيقها زفرت “سلسبيل” أنفاسها بقوة قائلة:

_ مفاضلش غير “مهاب” يقول رأيه،، اكيد ماما زمانها اتصلت بيه وبلغته.
••••

_ بتقولي مين اللي اتقدم ليكِ، “سفيان الراشد”!!

قالتها “هبة” بصدمه وبصِراخ أفزع زوجها الجالس بالصالة وذلك الصغير النائم على فخذيها.

_ تصدقي حظك حلو يا بت يا “سلسبيل”.

وسُرعان ما كان يتحول حديث “هبة” للدهشة مرة أخرى.

_ يعني هو كان بيجي الصيدليه عشانك أنتِ مش عشان “تغريد”.

ثم واصلت “هبة” كلامها بصوت خرج كالصراخ.

_ ايوة بقى، ده إحنا طلعنا جامدين وطلعنا من فرح عيلة “الراشد” بعريس.

هذه المرة اِرتفع صوت “أسامة” زوج “هبة”.

_  صوتك يا هانم.

أسرعت بوضع يدها على شفتيها بعدما حذرها زوجها.

_تعرفي يا “هبة” انا ندمانة إني كلمتك، روحي شوفي جوزك..

قاطعتها قبل أن تنهي المكالمة.

_ استنى بس يا “سلسبيل”، يا بت بنكشك.

زفرة طريقة خرجت من بين شفتيّ” سلسبيل” ثم رفعت كف يدها لتمسح وجهها.

_ أنا دماغي مش حِمل هزاز يا “هبة”، قوليلي اعمل إيه، في البيت مصممين إن” سفيان” يدخل البيت ويتقدم شايفين رفضي المرادي غباء وحجج فارغة.

شعرت “هبة” بالشفقة على صديقتها.

_ أنتِ ليه مكبره الحكاية يا “سلسبيل”، ما توافقي تقعدي مع “سفيان” مش يمكن يعجبك.

اِمتقعت ملامح “سلسبيل” من كلام “هبة”، فهي تعرف كل شئ وتتحدث مثل أهلها.

_ أنا غلطانه يا “هبة” فعلاً إني كلمتك.

_ استنى خلاص والله حاسه بيكي بس اقولك إيه؟ ضيعي عريس من ايدك ابن ناس عشان خاطر حبك لشخص مش قادرين نحدد مشاعره من ناحيتك.

تنهيدة عميقه خرجت من “سلسبيل” ثم أخذت تحرك إصبعها بحركة دائرية على الوسادة التي تضعها على فخذيها.

_ أنا مقدرش أقبل بــ “سفيان”، مهما كان ده ابن عمه يا
“هبة”… واهو عندك كمان “تغريد” بتحبه.

بتعقل تحدثت “هبة” وهو تمرر يدها على خُصلات شعر صغيرها.

_ “تغريد” عايشه في وهم زيك.. هي ربنا هيبعتلها إن شاء الله النصيب الحلو وأنتِ ربنا بعتلك واحد ابن ناس والكل بيتكلم عن رجولته… فكري يا “سلسبيل” وانسى “حاتم” لأنك موقفه حياتك عليه سنتين وهو آخره  مجرد نظرات ومؤخرًا شوية ملاطفة بالكلام معظم الرجاله بيعملوها.

اليوم كانت “هبة” مثل البقية تتحدث بتعقل وترى “سفيان” عريس لا يرفضه أحد.. ،وهي عليها أن تقضي ليلتها حائرة.
••••

في اليوم التالي….

اِندهشت “سلسبيل” عندما وجدت “زينة” تتصل بها.

_ مالك يا “سلسبيل”، “محمد” بيقولي إنك غايبة من الصيدلية يومين.

بصوت خافت ردت “سلسبيل”.

_ تعبانة شوية يا مدام “زينة”.

عبست ملامح “زينة” ونظرت نحو صِغارها الملتهيون في ألعابهم.

_ مدام!!!

خجلت “سلسبيل”؛ فواصلت “زينة” كلامها.

_ انسي مدام دي لانك خلاص قريب هتكوني فرد من العيلة، وعلى فكرة “سفيان” أخويا طول عمري بقول محظوظه اللي هتتجوزه وصدقيني مش عشان اخويا بكره هتعرفي ده بنفسك.

وكأن الجميع متفق عليها في دفعها نحو قَبول زيجة ستكبلها قيود الخيانة ، فماذا سيحدث إذا ظل قلبها مع “حاتم”؛ فلو قبلت زواجها من “سفيان” سيكون دائمًا أمامها.

قررت عند عودة والدها من صلاة العشاء ستُخبره برفضها القاطع لأي فرد من عائلة “الراشد” وستتوقف عن الذهاب إلى الصيدلية.

فاقت من أفكارها على صوت والدتها المرحب بــ “هبة” صديقتها التي عند دخولها أغلقت الباب ورائها وأطلقت زفيرًا طويلًا حتى تستطيع إلتقاط أنفاسها.

_ أقبلي “سفيان” يا “سلسبيل”، حضرت الظابط “حاتم” هيخطب قريب بنت قهراوية.

ظهرت الصدمة على ملامح “سلسبيل” وجف حلقها لتتساءَل بصوت متحشرج.

_ عرفتي إزاي؟

اِقتربت “هبة” منها وجلست جوارها على الفراش.

_ أنتِ عارفة إن هالة بنت خالتي فاتحة محل لبيع العبايات الخليجي وليها زباين كتير ومن زباينها ستات عيلة “الراشد”، النهاردة كانت الحاجة “فاتن” عندها.

توقفت “هبة” عن الكلام وإلتوت شفتيها بتهكم ثم أردفت.

_ رايحة تشتري عباية فخمة عشان المحروس حضرت الظابط لما يروح يتقدم لبنت مساعد وزير الداخلية وخريجة الجامعه الأمريكيه، من الاخر نسب يدخلك قسم الشرطة والكل يضربلك تعظيم سلام.

سيطرت الصدمة على ملامح “سلسبيل” وتذكرت أمر الصورة التي رأتها.

_ شكل صورة الايدين صورتهم هما .. والاغاني اللي بينزلها ليها هي.

شحب وجه “سلسبيل” وخرج صوتها بتعلثم.

_ “حاتم” هيخطب!!

🍂 وَ إِرتَوَىٰ الفُؤَاد 🍂

الفصل الخامس

يختار المرء أحيانًا طريقه وهو متخبطًا، لا يدري هل قراره هو الصواب أم حفر لنفسه بئر مظلم ليسقط فيه.

لقد تمت الخِطبة منذ أسبوعين و صَار “سفيان الراشد” خطيبها.

وهـا هي اليوم تجلس جواره بسيّارته متجهين إلى القاهرة من أجل حضور خِطبة “حاتم” على “ماريهان” تلك الجميلة التي لم تهدء “هبة” صديقتها إلا عندما أتت لها بصورتها من أحد مواقع التواصل الإجتماعي.

“ماريهان” الفتاة التي حظت بــ قلب الرَجُل الذي ظلت لعامين تتمنىٰ أن تلفت نظره وتتخيل بغباء أن إبتسامته ونظرته إليها ربما بداية إعجاب سيتطور لــ حُب لكن كل شئ اتضحت صورته.

_ مالك سرحانه في إيه؟

تساءَل “سفيان” بعدما رمقها بنظرة خاطفة سريعة ثم عاد يركز أنظاره على الطريق.

بتوتر ردت بعدما جلت حنجرتها.

_ قلقانه شويه، اصل دي اول مرة احضر معاك مناسبة عائلية ويعني لسا إحنا مخطوبين.

اِبتسم “سفيان” ونظر إليها بنظرة سريعة.

_ إن شاء الله مش هتكون أول ولا آخر مناسبة لأنك خلاص بقيتي من العيلة يا “سلسبيل”.

ألجمها حديثه الذي يؤكد لها إصراره على إستكمال خِطبتهم بل ويرى فيها الزوجة التي ستكون فرد من أفراد عائلته وستشاركه مناسباتهم.

_ عارفه مبسوط اوي إن عم “رضوان” وافق تحضري معايا الخطوبه.

وأردف وهو مبتسمًا، فاجتذبت إبتسامته عيناها.

_ وأنا بطلب منه إنه يسمحلك تحضري معايا الخطوبة كنت حاسس زي التلميذ اللي مش عارف يقول للمدرس ليه مكتبش الواجب وإنه هيكتبه بس يسبله فرصة.

ضحكت على تشبيهه اللطيف وأخفضت عيناها نحو باقة الأزهار التي جلبها لها اليوم قبل أن تستقل معه السيّارة.

_ ضحكتك حلوه يا “سلسبيل”، اضحكي على طول.

قالها “سفيان” دون النظر إليها وعلى محياه اِرتسمت إبتسامة خفيفة. توقفت “سلسبيل” عن الضحك وازدرت لُعابها ومَا زالت عيناها نحو باقة الأزهار.
••••

حفل الخِطبة كان في أرقىٰ قاعات القاهرة ليبتسم “سفيان” عند دلوفهما سويًا وقال بصوت هامس بعدما لاحظ تباطئ خُطواتها.

_ متقلقيش أنا معاكِ تمام.

بالفعل كان معها أغلب الوقت حتى لو لم يكن بقُربها لكن عينيه لا تبتعد عنها بل كلما تحركت او اِقترب منها أحد وإلتفت حولها وجدته ينظر إليها.

_ أنتِ عملتي إيه لاخويا يا “سلسبيل”، ده عينه متشالتش من عليكي… لا لا أنا كده هغير.

قالتها “زينة” بمِزاح وسعادة من أجل سعادة شقيقها، فأطرقت “سلسبيل” رأسها وأخذت تداعب الصغير “سفيان” الذي أعطته لها “منار” وذهبت لتقف بالقُرب من زوجة عمها.

ثم أردفت “زينة” قائلة:

_ هاتي اشيل “سفيان” الصغير، “منار” اختي دي ما بتصدق ترمي الولد لاي حد.

إبتسمت “سلسبيل” وهي تضم الصغير إلى حضنها.

_ لأ خليه معايا.. هو لطيف وهادي.

_ أه لو “زين” سمع الكلام ده.

هتفت بها “زينة” وهي تبحث بعينيها عن صغيرها “زين” الذي إلتصق اليوم بعائلة والده.

_ قصدك اه لو أنا سمعت الكلام ده، هو انتوا وعيالكم هتشاركوني فيها… فين “منار” تيجي تاخد ابنها.

قالها “سفيان” وهو يحمل الصغير من حضن “سلسبيل” وقد اِندهشت “سلسبيل” من قدومه ووقوفه بجانب مِقعدها لترفع “زينة” أحد حاجبيها بمشاغبة.

_ بقى كده يا “سفيان”، من اولها كده بتغير ومش عايز حد من عيالنا يشاركك في “سلسبيل”… ردي يا “سلسبيل” عليه.

طالعتهم “سلسبيل” بخجل؛ فهي -مَازالت- لم تعتاد على مناكفتهم واندماجها معهم كــ عائلة واحدة.

_ “سلسبيل” مش هترد عليكي وخدي “سفيان” لاختك اللي عماله تتنطط هنا وهناك.

كادت أن تتحدث “زينة” لتأتي “منار” من ورائهم تصيح بلهفة.

_ أنتوا مالكم عَمّالين ترموا ابني لكل واحد فيكم شويه، عملوا فيك إيه يا حبيبي؟

إلتقطته “زينة” من على ذراعيّ شقيقها ثم دفعته إلي شقيقتها برفق قائلة:

_ خدي ابنك لأنه عزول ولو متحركناش إحنا كمان دلوقتي هنكون عزول.

خرجت شهقة “منار” بصدمة ونظرت نحو “زينة” التي أخذت تحرك رأسها لها بتأكيد ثم مالت بجسدها نحو “سفيان” الجالس ولم يعطي إهتمامه لهن.

_ اتغيرت يا “سفيان”، اتغيرت واتخليت عن اخواتك.

لم تشعر “سلسبيل” بحالها إلا وهي تضحك ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيها.

_ اضحكي يا “سلسبيل” ما أنتِ خلاص اخدتيه مننا، ده أنا هعمل عليكي حما خلاص.

قالتها “زينة” وهي تضحك، فهتفت “سلسبيل” بحرج.

_ أنا مش قصدي والله.
••••

_ بناتك مبسوطين أوي بخطيبة اخوهم يا “صباح”، ياختي مشوفتش فرحتهم دي مع “مروة” بنتي.

نظرت “صباح” نحو اِبنتيها ووقوفهم بجانب شقيقهم وأخذت تتمتم بسرها ببعض الآيات.

_ “سلسبيل” كانت قريبة من “زينة” من قبل ما “سفيان” يفكر يخطبها، حتى “مروة” من اول ما “سفيان”  فكر يخطب “سلسبيل” وهي دايمًا كلامها طيب عليها.

اِمتقعت ملامح “فاتن” وإلتوت شفتيها بإستنكار.

_ “مروة” بنتي دي طول عمرها هبله، أنا البت دي لما كانت بتطلع عندنا ساعات تقعد مع “مروة” كنت احرس ليكون “حاتم” اجازة وقاعد.

ضاقت حدقتيّ “صباح” ونظرت نحو “فاتن” تتساءَل.

_ تحرسي من إيه يا “فاتن” وإيه كلامك ده… لأ فهميني ياختي في إيه من ورا كلامك.

اِبتسمت “فاتن” وهي تُلقي بنظرة متفاخرة نحو عائلة الفتاة التي خطبها ولدها.

_ يا “صباح” يا اختي ابني ما شاء الله عليه زينة الشباب وأي واحدة تتمنى تكون ليه وتدخل العيلة، أنا لحد دلوقتي مش عارفه أنتِ وافقتي بالبنت دي إزاي، ما في عائلات تانيه في البلد تستاهل نناسبها.

زفرت “صباح” أنفاسها براحة بعدما فهمت كلام “فاتن” المبطن وقالت:

_ “سلسبيل” مهندسة ما شاء الله وبنت ناس اصل ومحترمين وجميلة والأهم هو اختارها… هو أنتِ يا “فاتن” قدرتي تخلي “حاتم” يتجوز “أحلام” بنت اخوكي.

اِحتقنت ملامح “فاتن” وشعرت بالسخط ليخرج صوتها بتهكم.

_ مهندسه وكانت شغاله عند “محمد” ابني في الصيدلية.

قالتها “فاتن” بعدما لم تجد حديث تقوله ثم واصلت كلامها وهي تلوي شفتيها.

_ لكن “حاتم” ابني ما شاء الله عليه عرف يختار، شايفه النسب يا “صباح”.

اِبتسمت “صباح” وربتت على كف يدها وقد اِرتفعت أصوات الموسيقى عاليًا بعدما أعلن منظمين الحفل عن قدوم العروسين أخيرًا.

_ ربنا يسعده يا “فاتن”، “حاتم” ده ابني وفرحتي بيه النهاردة متتوصفش.

شعرت “فاتن” بالضيق؛ فمهما حاولت أن تكيد “صباح” لا تستطيع.

بدأت مظاهر الإحتفال، وظهرت العروس الجميلة سليلة الحسب والنسب تتأبط ذراع “حاتم” المبتسم بسعادة.

نغزة قوية اِنغرست في قلب “سلسبيل” وهي تراه سعيد.

تعلقت نظراتها نحو “سفيان” الذي تركها مع شقيقاتها وقد أتت والدته للجلوس معهم على نفس الطاولة.

_ إن شاء الله هنعملك احلى حفل زفاف يا عروسة ابني.

قالتها “صباح” عندما ظنت أن نظرة الحسرة التي رأتها بعينين “سلسبيل” ما هي إلا نظرة حزن لأنها لم تحظى بــ حفل خِطبة كهذا.

اِبتسمت لها “سلسبيل” وحاولت أن تخرج صوتها بثبات حتى لا تفضحها حرقة قلبها على وهم كانت تعيشه.

_ أبدًا يا طنط أنا مش زعلانه ولا بفكر في حاجة زي دي، و ماما الحمدلله عودتني مقارنش حياتي بحد.

إلتمعت عينين “صباح” بسعادة؛ فرغم عدم حماسها بالبداية من اختيار ابنها لها وترددها؛ إلا أن “سلسبيل” يومًا بعد يوم تظهر لها مدى تربية والديها لها وطيبة أصلها.

_ ربنا يرضى عنك يا بنتي ويكمل فرحتي بيكم على خير.

كانت الإبتسامة تعلو شفتيّ “سفيان” الذي وقف جِوار عمه “سليمان” وابن عمه الطبيب “محمد” وباقي رجال العائلة.

_ يا بني هي هتهرب منك، دي حتى قاعدة مع الحاجة “صباح” وشكلهم هيعملوا حلف نسائي عليك.

قالها “محمد” بهمس خافت بعدما زجره بذراعه؛ فارتبك “سفيان” قائلًا:

_ مش فاهم قصدك يا “محمد”.

ارتفع كلا حاجبين “محمد” ونظر له بنظرة بإستنكار.

_ هنستعبط يا ابن عمي.

اِبتسم “سفيان” وأشاح عيناه بعيدًا عن الطاولة التى تجلس عليها والدته و “سلسبيل”.

تلك التنهيدة الطويلة التي خرجت من بين شفتيّ “محمد” جعلت “سفيان” يتجه بأنظاره إليه.

_ مالك يا “محمد”؟

تبدلت ملامح “محمد” التي كانت البهجة تحتلها منذ لحظات واِحتل الوجوم ملامحه.

_ عجبك اللبس والمسخرة اللي إحنا فيها، ده الواحد حاسس إن واقف في ملهي ليلى.

تنهد “سفيان” بقوة، فجميع رجال عائلتهم ينظرون حولهم بإستياء ويتهامسون؛ فاستطرد “محمد” قائلًا وهو ينظر نحو شقيقه الذي نهض ليرقص مع عروسه.

_ النسب ده مينسبناش يا “سفيان”، تفتكر البنت دي هتقبل تعيش عندنا في الأرياف.

هَـز “سفيان” رأسه بآسف ثم ألقىٰ بنظرة سريعة حوله.

_ بس أهلها ناس كويسين.

_ لكن مش شبهنا يا “سفيان”.

تمتم بها “محمد” وهو ينظر نحو والده الذي ظهر على ملامحه عدم الرضىٰ بما يحدث حوله ويراه.
••••

لم تبرح “سلسبيل” مكانها رغم محاولات “زينة” و “منار” في جذبها لتقف بينهم وسط فتيات ونساء العائلة.

حاولت مرارًا ألا تنظر نحو “حاتم” الذي طغى الفرح على ملامحه وتصرف عيناها بعيدًا عنه لكن رغمًا عنها كانت تنظر إليه وتبتلع غصتها.

لم تفرح بخِطبتها وهو الآن يطير من السعادة والفرح… صدقت “هبة” عندما أخبرتها في مكالمتهم هذا الصباح أن تفيق من هذا الوهم وتنظر إلى ما بين يديها حتى لا يزول.

تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها عندما وقعت عيناها على خاتم خِطبتها وهي تخفض رأسها نحو يديها المتشابكتين ببعضهم.
••••

عادت “سلسبيل” في نفس الليلة إلى البلده مع “سفيان” لكن بقية العائلة قرروا قضاء الغد بالعاصمة؛ فهم يمتلكون -بحي المعادي- عدد من الشقق في أحدى البنايات التي تعد من أملاك “جمال الراشد”.

_ احكيلي يا “سلسبيل” اتبسطي.

تساءَلت والدتها عند دلولفها ليهتف والدها قائلًا:

_ الصباح رباح يا “روحية”، سيبي البنت ترتاح.

اِمتقعت ملامح “روحية” لتقترب منها “سلسبيل” وتُقبل خدها.

_ اتبسط اوي يا ماما.

_ طيب يعني اتبسطي مع خطيبك.

اِندهشت “سلسبيل” من سؤال والدتها ولم تفهم سببه  ليزفر “رضوان” أنفاسه بقوة متمتمًا.

_ قولنا نخلي الكلام بكره الصبح.

نظرت “روحية” إلى زوجها بنظرة ساخطة؛ فهي كل ما تُريده أن تطمئن على ابنتها التي منذ خِطبتها لا ترى علي ملامحها سعادة الفتيات.

_ ادخلي يا بنتي اوضتك ارتاحي.

قالها والدها وهو يربت على كتفها، لتتجه نحو غرفتها في صمت.. فهي بالفعل تحتاج إلى الراحة.

عند دخولها إلى الغرفة وغلقها الباب ورائها، أسندت ظهرها عليه  ورفعت يدها لتضعها على قلبها.

_ لازم انساه هو ميستحقش إني افكر فيه وأحبه.
••••

في اليوم التالي….

بعدما قضت “سلسبيل” الصباح تقص لوالدتها ما حدث بحفل الخِطبة دخلت غرفتها لتجلب هاتفها وتُهاتف “سفيان” حتى تدعوه لتناول طعام الغذاء معهم.

اِندهشت “سلسبيل” من رسائل “تغريد” العديدة وجميعها بها عبارات يرجف القلب منها.

دمعت أعيُنها ومررت إصبعها على شاشة هاتفها حتى تُحادث “تغريد” وتسألها ما السبب الذي جعلها مَازالت تحقد عليها وتَظُن أنها خطفت منها “سفيان”.

بعد أول رنين فتحت “تغريد” المكالمة وقالت بنبرة حاقدة.

_ أهـلاً بــ “سلسبيل” هانم خطافة الرجاله.

اِتسعت حدقتي “سلسبيل” وردت عليها بلسان ثقيل.

_ أنا خطافة رجاله يا “تغريد” الله يسامحك.

_ اعمليهم عليا ياللي كنت فكراكي صاحبتي،، لعبتي عليه واخدتيه.

وضعت “سلسبيل” يدها على فمها للحظه ثم هتفت وهي تغلق باب غرفتها.

_ اخدته منك؟؟ تاني يا “تغريد”… أنتِ ليه مش مصدقه إن “سفيان” اتقدم ليا عشان شافني في الفرح.

_ كنتي رفضتيه لكن أنتِ طماعه و وصوليه ودايمًا عايزه الأحسن ليكي.

_ ربنا يسامحك ويهديكي يا “تغريد”.

قالتها وهي تجلس على فراشها بوهن لتهتف “تغريد” بسخرية.

_ ادعي لنفسك ربنا يسامحك، يارب ما تشوفي الفرح يا “سلسبيل”.

شعرت “سلسبيل” وكأن سكين انغرز بقلبها لتبعد الهاتف عن أذنيها بعدما أنهت “تغريد” المكالمه ونظرت إلى الهاتف بأعين جاحظة.
••••

_ بتدعي عليكي ليه، هي البنت دي تعبانه في عقلها.

تمتمت بها “هبة” وهي تشعر بالإختناق على حال صديقتها.

_ مكنتش فاهمه السبب اللي خلاها تكلمني بعد ما جاتلي البيت وقالتلي اقطعي علاقتك بيا… بس لما شوفت الصور اللي نزلتها “مروة” على صفحتها الشخصية وشوفت صور العيلة في الخطوبة وانا كنت في الصور مع “سفيان” عرفت السبب.

_ وفيها إيه ده خطيبك وأنتِ متصوره معاه ومع العيله كلها.

قالتها “هبة” بإستياء لتتنهد “سلسبيل” قائلة بصوت ضعيف.

_ قلبي موجوع أوي يا “هبة”، مش كفايه اللي أنا فيه.

بنبرة صوت قوية تساءَلت “هبة” بعدما لطمت صدرها.

_ مالك يا “سلسبيل”؟.

بأعين دامعة وخزي ردت “سلسبيل”.

_ أنا لسا بحب “حاتم” يا “هبة”
••••

وقفت “تغريد” أسفل البناية التي يحتل فيها طابق بأكمله مكتب الإستراد والتصدير الخاص بعائلة “جمال الراشد”.

أخذت تنظر إلى الوقت بهاتفها… فهي مُنذ ساعة وهي تقف وقفتها هذه.

عندما إلتقطت عيناها خروج “سفيان” وإتجاهه نحو سيارته، أسرعت بترتيب ملابسها وحجاب رأسها.

عندما اِقترب “سفيان” من سيارته قطب حاجبيه في حيره ونظر إليها وظنت أنه سيُحادثها لكنه تجاهل وجودها.

_ استاذ “سفيان”.

إلتف “سفيان” نحوها؛ فاقتربت منه “تغريد” ليتساءَل.

_ فيه حاجة يا آنسة؟

حدقت به “تغريد” ثم سحبت عيناها بعيدًا عنه وقبضت بيديها على قماش تنورتها.

_ أنا “تغريد” بنت عم “حمدي” الله يرحمه، حضرتك بتيجي عند بيت عمي كل شهر يعني عشان..

خرج الكلام من بين شفتيّ “تغريد” متقطعًا ليحك “سفيان” أسفل ذقنه قائلًا:

_ خير يا أستاذه “تغريد”؟

نظرت إليه “تغريد” بلهفة.

_ أنت فاكرني؟

زفر “سفيان” أنفاسه بقوة، لترتبك وتخفض رأسها وكاد أن يسألها ما سبب وجودها جوار سيارته وأمام مقر عمله لكنها بحديثها أضاعت أي كلام على طرف لسانه.

_ أنا جايه اقولك إن “سلسبيل” متستهلكش وبتضحك عليك.

تجهمت ملامح “سفيان”؛ فتراجعت بخُطواتها إلى الوراء إلى أن إلتصق جسدها بالجزء الخلفي من السيارة وأردفت بتعلثم وقد شعرت بالمأزق الذي وضعت حالها فيه.

_ هي مبتحبكش واتغصبت على خطوبتها منك، أهلها غصبوها.
••••

أسبوع بأكمله تشعر فيه “سلسبيل” بأن “سفيان” يتهرب من الحديث معها حتى أن مكالمتهم اليومية صارت هي من تبادر بها.

_ مش عارفه يا “هبة”، حاسه إنه اتغير.

تنهدت “هبة” ثم أخذت تمرر يدها على خُصلات شعرها وتفكر معها بالسبب.

_ يمكن حس بحاجة.

اِحتقنت ملامح “سلسبيل” من قولها لتُسرع “هبة” قائلة بندم.

_ يا بت أنا بفكر معاكي وأنتِ عارفاني بقول كلام أهبل.

أرخت “سلسبيل” جفنيها وزفرت أنفاسها بزفرة طويلة.

_ محدش يعرف حبي لــ “حاتم” غيرك يا “هبة” وأنا من ساعة خطوبة “حاتم” وعاهدت ربنا إني هنساه وهحاول احب “سفيان”.

تناست “هبة” ما يتحدثون عنه ورفعت أحد حاجبيه وتساءَلت بمكر.

_ حبيتي “سفيان” يا “سلسبيل”؟.

أغلقت “سلسبيل” جفنيها بقوة وسحبت نفسًا عميقًا ثم أخرجته ببطء.

_ “سفيان” شخص جميل ورائع بس مشاعرنا مش بإيدينا ومش من يوم وليله هقول خلاص نسيت حبي لــ “حاتم”.

_ حبك لــ “حاتم” وهم يا “سلسبيل” وبكره تقولي “هبة” صاحبتي قالت.

قالتها هبة” وهي تتمنىٰ داخلها أن يأتي اليوم الذي تعترف فيه “سلسبيل” بهذا الأمر دون أن تخسر رَجُلًا كــ “سفيان”.

في مساء هذا اليوم الذي أفاضت بمكنوناتها إلى صديقة طفولتها وجدت “سفيان” يُهاتفها، شعرت باللهفة وهي ترى رقمه وردت علي الفور.

_ “سفيان” أنا اتصلت بيك كتير النهاردة.

تسطح “سفيان” بإرهاق على فراشه؛ فهو عاد اليوم من رحلة عمله القصيرة.

_ لسا راجع من بورسعيد ومشوفتش التليفون غير دلوقتي.

تعجبت من طريقة كلامه ليردف قائلًا:

_ معلش كنت مشغول بسبب ضغط الشغل.

_ أنا مكنتش اعرف إنك مسافر، مقولتش ليه عشان اطمن عليك.

ابتسم “سفيان” وهو يُغلق جفنيه.

_ قولتلك في وسط كلامنا من يومين لكن أنتِ مأخدتيش بالك.

_ أنا آسفة.

تمتمت بها “سلسبيل” بأسف حقيقي ليزفر “سفيان” أنفاسه بثقل قائلًا:

_ تصبحي على خير يا “سلسبيل”.
••••

بعد يومين من تلك المكالمة -الفاترة-  التي حسم فيها “سفيان” قراره حتى يقضي على ذلك الشك الذي زرعته داخله “تغريد” بعدما أخبرته أن “سلسبيل” تم إجبارها لـلموافقة عليه.

أتى “سفيان” لــ زيارة “سلسبيل” وقد تركهم والديها للجلوس بعض الوقت بمفردهم.

_ “سلسبيل” أنا عايز اكلم والدك النهاردة إن الفرح يكون بعد شهر، “مهاب” اخوكي خلاص نازل اجازه وده انسب وقت، ولا أنتِ ليكي رأي تاني؟

باغتها “سفيان” بقراره لتبتلع ما إرتشفته من قطرات العصير بصعوبه وأخذ صدرها يعلو ويهبط من شدة توترها.

_ بعد شهر!!، بس إحنا كنا متفقين بعد ست شهور.

تنهد “سفيان” وإلتقط كأس العصير الذي أمامه وقال بهدوء بعدما ركز أنظاره عليها حتى يرى ردة فعلها.

_ أنا شقتي جاهزة وكل حاجة اقدر اعملها الحمدلله في وقت قصير ليه نفضل مخطوبين خمس أو ست شهور.

توترت “سلسبيل”، فهي في بداية إعتيادها عليه وقد فاجئها ما أخبرها به.

_ رأيك إيه يا “سلسبيل”؟

تعلقت عيناها به؛ فهي صارت لا تعرف ماذا تُريد.

_ الرأي رأي بابا.
••••

هذا وهم!!!،، حبها لــ “حاتم” مجرد وهم و “سفيان” رَجُل رائع ..

هذا ما أخذت تردده  “سلسبيل” طيلة ليلتها التي تسبق الليلة التي ستزف فيها عروس وتكون فرد من أفراد عائلة “الراشد”.

أقيم حفل الزفاف في أفضل وأرقى قاعات مدينتهم، ثوب الزفاف جلبه لها “سفيان” من دبي عندما كان في رحلة عمل هناك، كان وكأنه صمم خصيصًا لأجلها، كل شئ حلمت به في هذه الليلة حققه لها “سفيان” ولا تستطيع إنكار أنه يعطيها أكثر ما تعطيه هي.

لم تتأثر اليوم عند رؤية “حاتم” وخطيبته بل بالعكس كان تركيزها كله ينصب على فرحتها وفرحة عائلتها وذلك الذي يمسك يدها بحُب ولا يصدق أنهم بعد سويعات قليلة سينغلق عليهم الباب وتكون له.

اِنتفض جسدها عندما أغلق “سفيان” باب الشقة لتغمض عينيها بقوة وسُرعان ما كانت ترتفع دقات قلبها.

اِقترب منها ببطء يضع يديه على خصرها ثم أدارها برفق إليه قائلًا بصوت رخيم.

_ مبروك يا “سلسبيل”.

اِرتجفت وشعرت أن صوتها هرب لتُحاول بصعوبة إخراج صوتها.

اِبتسم “سفيان” وهو يرى خجلها الواضح على ملامح وجهها ومحاولتها في الرد عليه.

_ من أول يوم شوفتك فيه وأنتِ احتليي قلبي و عقلي.

تحركت يَديه بخفة من على خصرها إلى أن وصل بهما نحو ذراعيها.

دغدغها ذلك الشعور الجديد وتخدر جسدها بالكامل ثم رفرفت بأهدابها.

_ أنا…

تساءَل وهو يلصقها بصدره.

_ أنتِ إيه يا “سلسبيل”.

وهل لديها معرفة بما تُريد أن تقوله. كادت أن تخفض رأسها لكن وجدته يمنعها ويهمس بأنفاس خرجت ثقيلة وبطيئة.

_ أنتِ جميلة أوي يا “سلسبيل”.

وضاع أي حديث آخر رتبه داخل عقله، وترك لشفتيه الحرية.. ولم تشعر بحالها إلا وهي على ذراعيه يتجه بها نحو غرفتهم.

🍂 وَ إِرتَوَىٰ الفُؤَاد 🍂

الفصل الأخير

داعبت أنفاسه القريبة وجهها ليُمرر أصابعه على خديها ببطء ثم شفتيها التي اِنفرجت بإنفراجة خفيفة. اِبتسم “سفيان” وهو يراها تغلق جفنيها بقوة وتقبض على شَرْشَف الفراش بأحد أيديها المنبسطة عليه ثم أخذ يُحدقها بنظرة طويلة راضية وقد اِرتاح قلبه من تلك الشكوك اللعينة عن عدم رغبتها بالزواج منه.. فما يراه الآن يؤكد له أنها مستمتعه بما عاشوه سويًا رغم أنه لم يستكمل ما بدئه.

_ “سلسبيل”، فتحي عيونك.

قالها “سفيان” بهمس وعلى محياه اِرتسمت إبتسامة واسعة لتفتح “سلسبيل” عيناها بتِيه.

_ تحبى اساعدك في فك الطرحة والفستان؟

بصوت رخيم تساءَل وهو ينهض من جوارها لترفع عيناها نحوه وترفرف بأهدابها.

_ هــا!

عادت شفتيه تنفرج بإبتسامة لينحني بجسده صوبها قائلًا:

_ بقولك تحبي اساعدك.

اِستمرت “سلسبيل” في تحريك أهدابها حتى بدأت تستوعب وضعها ثم اِنتفضت من على الفراش وقد استعجب من ردة فعلها، نظرت حولها وتساءَلت:

_ هو أنا دخلت الأوضة إزاي!

ضاقت حدقتيّ “سفيان” واِرتسم الإستمتاع على ملامحه ونظر نحو باب الغرفة.

_ دخلتي الأوضه وأنا شايلك يا حبيبتي.

طالعته بنظرة خجله ثم هربت بعينيها بعيدًا عنه واِرتفعت دقات قلبها؛ فأردف بمكر وهو يصف لها المشهد.

_ دخلت بيكِ الأوضة وبعدين حطيتك على السرير وكنا مندمجين اووي…

أراد أن يستمر بحديثه ويلفظ بعض الكلمات لتُسرع نحو الحمام وهي ترفع أطراف فستان العُرس قائلة:

_ أنا هدخل أغير الفستان.

أغلقت باب الحمام وسمحت لتلك التنهيدة التي اِحتبستها داخل صدرها أن تخرج بتمهل.

_ أنا إزاي استسلمت بالسهولة دي وليه حسيت كأني متخدرة.

قالتها وهي تنظر إلى نفسها بالمرآة الموجوده بالحمام؛ فتعلقت عينيها بشفتيها لترفع يدها وتمرر أناملها عليهما.

خرجت زفراتها بقوة هذه المرة وأسبلت جفنيها تتساءَل بحيره.

_ هو أنا اللي حساه شئ طبيعي بتحسه أي ست ولا الإحساس ده مش بيوصل غير بالحب.

أغمضت عينيها حتي تستعيد تلك اللذة التي عاشتها لدقائق بين ذراعيه وسُرعان ما كانت تنفض رأسها رافضة مشاعرها التي تولدت في فترة قصيرة نحو “سفيان”.

بعد وقت…

كانت” سلسبيل” تزفر أنفاسها براحة بعدما حررت خُصلات شعرها من حجاب رأسها.

_ فاضل الفستان.

سحبت نفسًا عميقًا ثم بدأت بتلك المهمة ومدت يدها إلى الوراء حتى تتمكن من فتح سحاب الفستان.

اِبتسمت بإرتياح بعدما سقط الفستان أسفل قدميها لتتذكر مداعبة “هناء” -زوجة شقيقها-  بأن عليها تركه ليساعدها في خلع الفستان.

_ الحمدلله قومت بالمهمة الصعبه.

_ “سلسبيل”، أنتِ كويسه… مش محتاجه مني مساعده.

تساءَل “سفيان” ثم نظر إلى الوقت، لترتبك وتُسرع نحو باب الحمام حتى تتأكد من غلقه.

بصوت يكاد أن يُسمع ردت.

_ لأ أنا مش محتاجة مساعده، ممكن بس تخرج من الاوضه وتقفل الباب وراك.

ارتفع أحد حاجبيّ “سفيان” واِقترب من باب الحمام.

_ انتِ عرفتي تعلقي الفستان وتفكي دبابيس الطرحة؟

اِنشقت شفتيها بإبتسامة واسعة وهي تنظر إلى الفستان.

_ اه الحمدلله عرفت افتح السوستة واقلعه.

بكلمات مازحة داعبها.

_ ليه ضيعتي مني اللحظة دي.

بغباء تساءَلت وهي تُحدق بالباب.

_ لحظة إيه؟!!

_ خلع الفستان يا حبيبتي.

توردت وجنتيها وشعرت بعودة قلبها يخفق بذلك الشعور الذي تجهله.

اِبتسم عندما طال صمتها لتتحدث أخيرًا.

_ طيب ممكن تخرج من الاوضة.

أطلق زفيرًا طويلًا ثم تحرك نحو باب الغرفة.

_ حاضر يا “سلسبيل”، اجهزي بس عشان نصلي.

عندما تأكدت من مغادرته وغلقه لباب الغرفة أسرعت بالخروج من الحمام.

بحثت بعينيها عن ما جهزته لها والدتها من ملابس لتتسع حدقتاها بإندهاش من إستبدال والدتها لثوب النوم الذي اِختارته هي.

_ ده مش القميص اللي أنا اختارته، شكلها “هناء” هي اللي عملت كده، ماشي يا “هناء”.

ظلت للحظات تُحدق بالثوب إلى أن حسمت قرارها وقررت إرتدائه.

••••

اِستدار “سفيان” بجسده بعدما داعبت رائحة عطرها أنفه، اِقترب منها بخُطوات بطيئة وهو يتمعن بالنظر إليها.

_ جاهزه؟

هزت رأسها بتوتر بعدما هربت بعينيها ليبتسم وهو يَمُد يده لها ويتجه بها نحو المكان الذي خصصته معه للعبادة.

مضت ساعة، تركها فيها “سفيان” تأخذ حريتها في تناول الطعام الذي لم تمس منه إلا القليل.

_ شبعتي يا “سلسبيل”؟.

تساءَل بعدما شعر بأنه لم يعد يطيق صبرًا لتُحرك رأسها له في صمت.

_ هو أنتِ ليه النهاردة كلامك بتحريك راسك، هي القطة اكلت لسانك ولا إيه يا “سلسبيل”.

قالها بداعبة حتى يُمازحها؛ فابتسمت بتوتر وهي ترفع عيناها إليه.

_ لأ أبداً بس أنا لسا مش متعودة.

بمكر قطب حاجبيه واِقترب منها؛ فصارت أنفاسها تلفح عنقه.

_ لسا مش متعودة على إيه يا “سلسبيل”؟.

اِزدادت ربكتها وأسرعت بخفض رأسها حتى تهرب من تحديقه بها.

_ مقولتيش يعني لسا مش متعودة على إيه.

بتوتر ردت وهي تفرك كفوف يديها ببعضهم.

_ إننا يعني في مكان واحد لوحدنا.

اِتسعت إبتسامة “سفيان” ودون إنتظار المزيد كان يلتهمها كقطعة حلوى شهية.

اِبتعد عنها بعدما شعر بمحاولتها الضعيفة للإبتعاد عنه لينظر لها بنظرة اِحتلتها الرغبة واللهفة لتهتف بصوت متقطع ضائع كحال صاحبته.

_ أنا هدخل الحمام الأول.

أسرعت نحو الحمام وهي تلهث أنفاسها، لتغمض عينيها بقوة بعدما أغلقت الباب.

_ اهدي يا “سلسبيل”، خدي نفسك بالراحة.

تمتمت بتلك الكلمات لنفسها حتى بدأت أنفاسها تهدء رويدًا.

بنظرة حملت الندم أخرجت تلك العُلبة التي دستها في مكان يصعب الإنتباه إليه ثم وضعت تلك الحبه في كف يدها ونظرت إليها بتردد وسُرعان ما كانت تبتلعها.

هذه الليلة أدرك فيها “سفيان” معنى ألا يرتوي الرَجُل من اِمرأته وقد غادر أي شك أرهق رأسه بالأيام الماضية.

دفن رأسه بتجويف عنقها يتنفس بثقل وإنتشاء يهمس لها بحب.

_ حاسه بـ إيه؟

سألها بصوت خافت ومَازالت أنفاسه الهادرة تداعب عنقها، لم تكن بحاله تساعدها على النطق بشئ… لكنها كانت تشعر بشعور لا تستطيع وصفه.

اِبتعد عنها حتى يستطيع رؤية ملامحها بعد ما حدث بينهما ثم ابتسم بعدما حصل على الجواب من نظرتها إليه.

وهَـا هو يغرقها معه مرة أخرى في بحور لذة جديدة على كلاهما.
••••

بعد أسبوع….

بعدما غادر الأهل شقتهم، اِجتذبها “سفيان” من خصرها يهمس لها بعشق.

_ وحشتيني.

إبتسمت وهي تتمايل بين ذراعيه حتى تستطيع تحرير جسدها من قبضة يديه.

_”سفيان” خليني انضف المكان.

لَفّ جسدها إليه؛ فأصبح وجهها أمامه.

_ الرومانسية عندك يا “سلسبيل” مدفونه.

وأردف بعبوس مصطنع:

_ في واحدة جوزها يقولها وحشتيني تقوله انضف.

إنفلتت منها ضحكة قصيرة خافتة وأومأت برأسها قائلة:

_ أه أنـا.

اِحتلت شفتيه تلك الإبتسامة التي صَار قلبها يخفق معها ثم داعب أنفها بإصبعه.

_ يا عديمة الرومانسية.

هذه المرة كان صوت ضحكتها يخرج بقهقة عالية جعلته يُسرع في حملها وقد باغتها بفعلته.

_ “سفيان” أنت بتعمل إيه نزلني.

وهل سيقبل هو إعتراضها وتذمرها هذة اللحظة؟؟

وبخبث قال:

_ قولتلك متضحكيش الضحكة دي تاني.
••••

كانت السعادة تحتل ملامح “روحية” لينظر إليها “رضوان” زوجها من أسفل نظارته بعدما اِرتشف القليل من الشاي.

_ شايفك مبسوطة يا ام العيال.

_ الحمدلله يا “رضوان” إن الواحد اطمن على “سلسبيل”، ما شاء الله على جوزها راجل ابن أصول.

اِبتسم “رضوان” وهو يومئ برأسه.

_ ربنا يهنيهم يا “روحية”، “سلسبيل” بنتنا طيبة ومتربية وإن شاء الله ربنا هيبارك ليها في حياتها… اهم حاجة بس تكوني مفهماها دورها كزوجة كويس.

اِتسعت إبتسامة “روحية” وقالت:

_ متخافش على البت يا أبو العيال.

لترتفع قهقة “رضوان” على كلامها، فخرج “مهاب” من غرفته:

_ يا سلام عليكم لما تكونوا رايقين وزي عصافير الكنارية.

اِبتسم والديه إليه ليردف قائلًا:

_ اقعد وسطكم ولا هكون عزول.

عيناهم المتلهفة لحضنه أعطته الرد؛ فأسرع نحو الأريكة ليندس بينهما حتى ينعم بحضنهما الذي يفتقده في غربته.

_ ملعون الغربة اللي تخليني ابعد عنكم.

لتسقط دموع والديه عقب حديثه..
••••

شعر “حاتم” بالصدمة عندما أكد له صديقه سبب تقرب اِبنة عمه منه وموافقتها على الخِطبة ثم تهاوىٰ بجسده على أقرب مِقعد.

_ يعني كل اللي كانت معيشاني فيه ده وهم، يعني لو مكنتش سمعتها وهي بتترجاك إنك تحبها كنت هفضل مغفل كده.

قالها “حاتم” وهو مَازال لا يستوعب ما سمعه بالصدفة بين من كانت خطيبته وصديقه.

طالعه “ماجد” بنظرة آسفة وتنهد بقوة.

_ مكنتش اقدر اقولك حاجة يا “حاتم”، كل اللي كنت بقدر اقوله ليك بلاش تستعجل في قرار الجواز وحاول تفهم طبع “ماريهان” صح.

هَز “حاتم” رأسه ثم ضغط على جبهته لعلَّ ذلك الصداع الذي طرق رأسه فجأه يزول.

_ بنت عمك طلعت بتضحك عليا يا “ماجد” وسبتها تلعب بيا.

_ غصب عني يا صاحبي، لو كنت مكاني كنت عملت كده.

نظر له “حاتم” ثم تساءَل بصوت خرج ثقيل.

_ كنت بتحبها يا “ماجد”.؟

بصدق رد “ماجد” بعدما جلس على المقعد المقابل له.

_ زمان أه كنت معجب بيها منكرش، “ماريهان” طول عمرها جميلة ودلوعه.

حدجه “حاتم” بنظرة فاترة؛ فاستطرد “ماجد” قائلًا بعدما أطلق زفيرًا.

_ صدقني يا “حاتم” مشاعري اتغيرت من زمان ناحية “ماريهان”، ولما جيت تطلبها من عمي أنا كنت مرحب جدًا…

لم ينظر إليه “حاتم”؛ فواصل “ماجد” كلامه.

_ طريقة حياة بنت عمي أنت كنت مبهور بيها لكن في الحقيقة كل ده فَلصوا يا “حاتم”.

نهض “حاتم” من أمامه وتحرك حتى يُغادر الغرفة التي يجلسون بها.

_ لولا صداقتنا كنت انتقمت من بنت عمك على خداعها ليا.
••••

نظرت “سلسبيل” نحو عُلبة الحبوب ثم ألقت ما بها نحو المكان الذي يجب أن تكون به. تنهدت بقوة وهي ترى المياة تغمرها وقد ضاع أثرها.

غادرت المرحاض ليبتسم “سفيان” فور أن دخل الغرفة ووجدها أمامه بتلك الهيئة المُهلكة.

_ هتجننيني معاكِ يا “سلسبيل”.

اِحتضن خصرها وقربها منه لتتساءَل.

_ هتتأخر في اسكندرية؟

وضع رأسه في عنقها وقد دغدغتها تلك الحركة.

_ يومين بس يا حبيبتي.

_ خدني معاك يا “سفيان”.

ابتسم وهو يبتعد عنها ثم مد يديه نحو كتفيها وإلتمعت بعينيه تلك النظرة التي تعرفها تمامًا.

_ اوعدك المرة الجاية اخدك معايا.
••••

تجمعت العائلة يوم الجمعه في نفس اليوم الذي عاد فيه “سفيان” من رحلة عمله القصيرة.

كانت الإبتسامة لا تغادر ملامح السيدة “صباح” وهي ترى أولادها وزوجاتهم وأحفادها حولها.

حديث العائلة هذا اليوم كان عن “حاتم” وإنفصاله عن خطيبته.

_ يعني مقالش السبب يا “مروة”؟

تساءَلت السيدة “صباح”؛ فحركت “مروة” رأسها نافية معرفتها لشئ.

_ قال كل شئ قسمة ونصيب.

كانت “سلسبيل” بالمطبخ مع “بدور” زوجة “عبدالرحيم” ومعهم الخادمة.

_ تفتكري مفيش سبب عن فسخ خطوبة حضرت الظابط.

طالعتها “سلسبيل” ثم عادت تركز فيما تفعله ولم تتأثر بهذا الأمر ولم يعد “حاتم” وأخباره تشغل بالها.

_ ما دام “مروة” قالت مفيش نصيب يبقى اكيد مفيش سبب.

إلتوت شفتيّ “بدور”؛ فهي لا تصدق أن فسخ الخِطبة حدث دون سبب.

_ بيني وبينك أنا فرحانه عشان مرات عمي “سليمان” تبطل الأنعرة الكذابة بالنسب بتاعها.

ابتسمت “سلسبيل” لها وقالت:

_ أنتِ بتحبي طنط “فاتن” أوي يا “بدور”.

ضحكت “بدور” واِقتربت من الموقد حتى ترى نضوج الطعام.

_ بحبها حب مقولكيش، يلا خليني اسكت لأحسن “مروة” تدخل وتزعل.

عندما بدئوا في وضع الطعام على الطاولة، أرادت “مروة” النهوض لكن “سلسبيل” أسرعت في منعها.

_ متتحركيش يا “مروة”، أنتِ عارفة الدكتور مانعك من الحركة الكتير عشان الحمل.

إبتهجت ملامح السيدة “صباح” وهي ترىٰ تعاون زوجات أبنائها.

لفت نظر “سفيان” فعلت “سلسبيل” واِبتسم.
••••

صعدت “سلسبيل” شقتها بإرهاق لكنها قاومت إرهاقها واِتجهت نحو الحمام حتى تزيل رائحة الطعام عن جسدها.

غادرت الحمام وهي تحمل المنشفة وتجفف بها خُصلات شعرها.

عندما وجدته جالس على الفراش اِبتسمت واِقتربت منه.

_ شكلك مرهق.

إلتقط “سفيان” يدها وأجلسها جواره ثم تولي مهمة تجفيف شعرها.

_ مبعرفش أنام بعيد عن البيت.

ردت وهي تمد يدها نحو أحد خديه تمسح عليه برفق.

_ طيب قوم يا حبيبي خدلك شاور وتعالا ريح جسمك ونام.

طبع قبلة على جبينها ثم تحرك نحو الحمام؛ فهو بالفعل يحتاج إنعاش جسده بالماء البارد.

عندما غادر “سفيان” الحمام وجدها في صورة تخطف الأنفاس، ألقى المنشفة التي يجفف بها شعره الأسود الغزير واِقترب منها.

تجاوبها معه في علاقتهم الزوجية وكل ما تفعله جعله كالمشتت، لا جواب لديه….

تفاجأت من إبتعاده عنها، لينظر إلى سقف الغرفة وأنفاسه تخرج بوتيرة سريعة.

_ بطلتي الحبوب ليه؟

سؤاله ألجمها وجعلها تفيق من الحالة التي تركها عليها لتنظر إليه بنظرة مذعورة.

_ ليه يا “سلسبيل”؟

_ أنا آسفة.

قالتها بصوت مهزوز وهي تضم غطاء الفراش عليها.

_ أنا مش عايز اسمع أسفك يا “سلسبيل” أنا عايز اعرف السبب.

بأعين دامعة ردت وقد خرج صوتها متحشرجًا.

_ كنت خايفة من جوازنا اللي تم بسرعة.

_ في ناس بتتجوز في أقل من شهر وحياتهم ناجحة يا “سلسبيل”.

قالها بعدما نهض من على الفراش؛ فهو لم يعد يتحمل ذلك الشعور الذي جعلته يعيشه ولا يعرف سبب له.

_ أنا كنت غبية صدقني.

رمقها “سفيان” بنظرة جلدتها ليرفع كف يده يمسح به وجهه.

_ لولا إني متأكد إن مفيش راجل في حياتك غيري كنت شوفت تصرفك بصورة تانية يا “سلسبيل” ومكنتيش فضلتي على ذمتي.

غادر “سفيان” الغرفة ليتركها ترثي حالها بقهر… لقد أضاعها غبائها.
••••

تنهدت “هبة” بحزن على حاله صديقتها ثم رفعت الوعاء الذي تغلي به اللبن من على الموقد وقالت:

_غلطانه يا “سلسبيل”، معقول “سلسبيل” العاقلة تعمل حاجة زي دي.

جلست “سلسبيل” على الفراش وهي تمسح دموعها.

_ هجرني اربع أيام يا “هبة”،”سفيان” طلع قلبه قاسي أوي.

بعتاب تحدثت “هبة”.

_ عنده حق يا “سلسبيل” يزعل، شوفي بقاله فتره عارف وبيتعامل معاكي بحب.

عادت دموع “سلسبيل” تغرق خديها.

_ ليه مقالش ليا من بدري إنه عارف، ليه اختار يسألني بعد ما وقفت الحبوب.

حركت “هبة” رأسها دون فهم.

_ الرجاله دماغهم غريبة ولو فضلتي تفكري في تصرفاتهم هتتعبي، بصي يا “سلسبيل” خلينا دلوقتي نفكر إزاي تصالحيه.

بعبوس اِحتل ملامح وجهها فجأة ردت.

_ ما أنا اعتذرت منه كذا مرة وبرضو يا “هبة”.

اِتسعت إبتسامة “هبة” بمكر؛ فرغم نباهت “سلسبيل” إلا أنها كانت في هذه الأمور تفتقر الخبرة.

_ لأ اسمعيني كويس وركزي.

بعدما أنهت “هبة” ما أخبرتها أن تفعله هتفت بتحذير.

_ ياريت نقفل الصفح القديمة يا “سلسبيل” من حياتنا وننساها.

وقبل أن تستطرد “هبة” بكلامها الذي تفهمه، قاطعتها “سلسبيل” قائلة:

_ أنا حبيت “سفيان” يا “هبة”، هو ده الحب اللي كنت بدور عليه… اللي قبل كده فعلًا كان وهم، وهم أنا نسيته صدقيني.

زفرت “هبة” أنفاسها بزفرة ارتياح وابتسمت.

_ ما قولنا كده من زمان، اقفلي وروحي شوفي هتطبقي نصايحي إزاي، اه لو “روحية” عرفت عمايل بنتها.

ضحكت “سلسبيل” بقوة.

_ أسراري عندك في بير يا “هبة”.

كادت أن تنهي “سلسبيل” المكالمه لكن صوت “هبة” أوقفها.

_ صحيح يا “سلسبيل”،”تغريد” اتخطبت من يومين.
••••

هذه الأيام كان يأتي من عمله يتناول الطعام معها ثم ينزل إلى شقة والدته ليجلس معها بعض الوقت.

أسرعت في تجهيز حالها قبل أن يأتي لتزفر أنفاسها ببطء ثم ارتسم الحزن على ملامحها عندما اِستمعت إلى غلق باب الغرفة الأخرى التي صار ينام بها.

غادرت الغرفة بتردد وأطرقت الباب عليه قبل دخولها لينظر إليها بنظرة ثاقبة ثم أشاح عيناه عنها وعاد يُركز بشاشة هاتفه.

أصابها الإحباط؛ فحتى ما اِرتدته لم يجذب عينيه.

اِقتربت منه وبحرج تساءَلت:

_ ممكن اتكلم معاك شوية؟

رمقها “سفيان” مجددًا ثم تنهد بقوة، فهل أتت تتحدث معه بهذا الثوب الذي لا يستر.

_ تمام، اتكلمي.

بصعوبه حركت ساقيها نحو الفراش وجلست جواره.

_ أنت لسا زعلان مني؟

قالتها وهي تفرك يديها بتوتر لتضيق حدقتيّ “سفيان” ثم أشاح عينيه عنه.

_ هو اللي أنتِ عملتيه ميستهلش الزعل يا “سلسبيل”؟

هزت رأسها إليه؛ فهي تستحق خِصامه لكنها لم تعد تحتمل.

_ الخصام طول اوي.

صوتها خرج هذه المرة بخفوت شديد لتقترب منه وتمرر يدها على صدره.

_ أنت طِلع قلبك قاسي يا “سفيان”.

أغلق “سفيان” جفنيه بقوه وتساءَل بعدما فهم ما تسعى لفعله.

_ عايزه إيه يا “سلسبيل”، لو عايزه حقك كزوجة معنديش مانع بس ده لو حصل ما بينا هكون بقضيه واجب عليا.

طعنها حديثه لتنتفض من جواره قائلة وهي تتحرك نحو باب الغرفة.

_ أنا اسفة يا “سفيان”، مش هفرض عليك نفسي تاني.

ليشعر هو بالضيق من نفسه وقسوة حديثه الذي أراد به تأديبها وتحرك ورائها بلهفة.

_”سلسبيل”.

دفعته عنها بعدما إلتقط ذراعها.

_ ابعد عني يا “سفيان”.

ضمها إلى حضنه؛ فارتفع صوت بكائها.

_ خلاص اهدي متزعليش، اعمل إيه انا موجوع منك يا
“سلسبيل”.

_ أنا آسفة يا “سفيان”، صدقني انا كنت غبيه.

بخوف مما سوف يسمعه قال:

_ أنتِ عملتي كده عشان كنتي مغصوبه على جوازنا يا
“سلسبيل”؟.

اِبتعدت عنه بفزع وقبل أن يواصل أي كلام أخر وضعت يدها على شفتيه.

_ لو رجع اليوم اللي طلبت فيه ايدي من تاني هقول للمره الألف إني مش عايزه غيرك يا “سفيان”.

توهج وجهه من حلاوة كلامها ورفع يديه يمسح دموعها.

_ ريحيني يا “سلسبيل” وقوليها.

كانت تعلم أنه يريد سماع كلمة واحدة منها.

_ بحبك يا “سفيان” ومعرفتش الحب غير معاك.

لم يتحمل قلبه ما يسمعه ليتجذبها إلى حضنه مرة أخرى.

عندما اِبتعدت عنه، أعطت عينيه فرصه لتأملها بتمهل.

_ بقينا آخر جراءة.

أسرعت بوضع يديها على وجهها ليهتف بمكر.

_ أنتِ جايه تتكسفي دلوقتي.

دفعت يديه التي إلتفت حول خصرها.

_ مين علمك الجراءة دي يا بنت “رضوان”.

رفعت عينيها إليه وهو تمط شفتيها بإمتعاض.

_ أنت يا حبيبي.
••••

مرت الأشهر إلى أن أتى يوم ولادة “مروة” لصغيرها، وفي هذا اليوم الذي فرحت بِه عائلة “جمال الراشد” بقدوم حفيد أخر لهم، فرحوا بخبر حمل “سلسبيل”.

لم ينقطع الفرح والأخبار السعيدة عن العائلة؛ فبعد سبوع الصغير “سليم” تقدم “حاتم” لخِطبة “إسراء” ابنة عمه.

اِعترض “سفيان” وعارض الأمر لكن بقية إخوته ووالدته كانوا مرحبين وخاصةً شقيقته صاحبة الشأن فرضخ بالنهاية لقرارها.
••••

_ بقولك إيه يا “هبة” هو المحل ده هدومه زي الصور المعروضة ولا كله خداع بصري.

ضحكت “هبة” بقوة ومازحتها.

_ خداع بصري يا “سلسبيل”.. مش عجبك متشتريش.

ركزت “سلسبيل” عينيها على شاشة الجهاز اللوحي واستكملت مكالمتها مع “هبة”.

_ لأ هشتري، عندهم حاجات حلوه وتهبل.

اِرتفعت قهقهة “هبة” وقالت:

_ هنياله “سفيان”، يــاا فين أيام لما كنت بنزل معاكي عشان تكملي حاجتك في الجهاز وكل ما اختار ليكي حاجة تقوليلي إيه قلة الأدب دي ولا يجوز.

اِشتعلت وجنتيّ “سلسبيل” من الخجل واِبتسمت.

_ لأ بقى يجوز واقفلي يا “هبة”.
••••

أيام أخرى كانت تمضي وما كان يسعدها أكثر مع تقدم حملها هو نجاح “سفيان” في عمله وإفتتاحه فرع أخر لمكتبه بالقاهرة.

_ يعني لو استقرينا في القاهره بعد كده ممكن تسمح ليا اشتغل يا “سفيان”؟.

داعب “سفيان” أنفها بأنفه وقال:

_مع إن كلامنا في الموضوع ده مش وقته وعايز اكمل اكل الفراولة بس أنا معنديش مشكلة إنك تسعى في مستقبلك.

ثم أردف بعد وضع حبة الفراولة بين شفتيها.

_ كان لازم تكوني مهندسة بترول، عارفه لو كنتي تخصص ديكور كنت استغليتك دلوقتي في تصميم ديكورات المكتب الجديد.

زمت شفتيها بعبوس بعدما مضغت حبة الفراولة وابتلعتها.

_ احبطني.

ضحك بقوة على انفعالات وجهها التي تزيده هيامًا بها ورغبة في إلتهامها.

_ وأنا اقدر احبطك برضو يا حببتي.

ثم تساءَل بمكر حتى يُغير دفّة الحديث.

_ ناوية تدلعيني الليلة دي ولا أدخل أنام.

ضحكت بقوة ودفعته بعيدًا عنها بعدما حاصرها بين ذراعيه.

_ وقح يا “سفيان” وعملتني الوقاحة.

ليضحك هو الآخر على عبارتها التي دائمًا تنطقها في لحظاتهم الخاصة.
••••

ما كان يخشى “سفيان” حدوثه من إتمام زيجة شقيقته الصغرى من “حاتم” قد حدث… لم يمضي على زواج شقيقته سوى شهرين وها هي تأتي للمرة الثانية غاضبة من أفعاله ومحادثته مع النساء.

عندما دلف “سفيان” من باب الشقة تحركت “سلسبيل” نحوه ببطء بسبب انتفاخ بطنها؛ فموعد ولادتها قد اِقترب.

_ مالها “إسراء” يا “سفيان”، برضو اتخانقت مع “حاتم”؟

تنهد “سفيان” بقوة وأسندها وتحرك بها برفق نحو أحد الأرائك.

_ المفروض يعقلوا ويصلحوا من نفسهم،، جايلهم خلاص طفل بعد شهور.

ابتسمت “سلسبيل” بسعادة عندما إستمعت إلى ذلك الخبر.

_ هي “إسراء” حامل، ربنا يكملها على خير.

وأردفت عندما شعرت بضيقه.

_ إن شاء الله بكره حالهم يتصلح يا “سفيان”

أغلق “سفيان” جفنيه قليلًا ثم تنهد بإرهاق بسبب ضغط العمل.

_ اتمنى يا “سلسبيل”، أنا هدخل الاوضة ارتاح شوية لو حسيتي بتعب صحيني. تمام يا حبيبتي.

قالها وهو ينهض ثم وضع قبلة على جبينها لتتابعه بعينيها وهي تحمد الله على نعمته عليها وسِتره لها.

في الساعة الثالثة صباحًا….

فتح “سفيان” عينيه بصعوبة من شدة النُعاس ثم نظر جواره متعجبًا من عدم وجودها.

تحرك إلى خارج الغرفة وقد أرشده صوت التلفاز إلى مكانها ، كالعادة وجدها غافية على الأريكة وفي حضنها جهاز التحكم الخاص بالتلفاز. إلتقطه وأغلق التلفاز ثم داعب خدها بلطف.

_ “سلسبيل” اصحى، إيه اللي نيمك هنا.

رمشت بأهدابها قبل أن تفتح عينيها لتتمطى في نومتها.

_ هو الفجر آذن؟

برفق رفع جسدها قليلًا.

_ لا يا حبيبتي لسا.

_ طيب سيبني أنام.

عادت تستلقي على الأريكة التي صَارت لا تُريح جسدها بالنوم لكنها تفضل النوم عليها.

_ هتتعبي من النومه الغلط كده، قومي معايا براحة.

بعدما أغمضت عينيها فتحتهم ونظرت له بتلك النظرة التي يعرفها.

تنهد بيأس ثم مَدّ ذراعيه ليرفع جسدها ويحملها.

_ عقبال ما تولدي هيكون جالي الغضروف.

اِحتدت نظراتها ومطت شفتيها بتذمر.

_ قصدك إن أنا تخينة.

تحرك بها نحو غرفتهم؛ فلفت يديها حول عنقه بقوة ليضحك على فعلتها.

_ لأ أنا اللي تخين يا حبيبتي.

اِبتسمت وهي تخفف من قبضة يديها حول عنقه.

_ وبكرش كمان.

وضعها على الفراش برفق وإلتمعت عينيه وهو يُحرك يده على بطنها.

_ وبكرش يا حبيبتي، ارتاحتي كده.

حركت رأسها برضىٰ ومَدّت ذراعيها إليه وهي تتثاءب.

_ زي ما صحتني نيمني بقى.

ولم يشعر بحاله إلا وهو يضحك بقوة….

تمت بحمد الله.

بقلم سهام صادق & سيمو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
84

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل