
تجمعت الدموع بحدقتيها، ونظرت أمامها بشرود،
غافلة أنها تحدق ببدر المنشغل بكثرة الزبائن،
وأثناء انشغاله، التقت عيناه بعيون دامعة تنظر له بشرود،
عيون خطفت أنفاسه، وجعلت قلبه ينتفض بنبضة غريبة بل جديدة عليه، لم يشعر بها من قبل،
نظرتها جعلته يفقد تركيزه قليلاً، وظهر عليه التوتر،
وأخيراً أتى دورهما، التفت لها والدها بتساؤل
“ها هتاكلى ايه يا هبه..”
أى هبة؟!.. أين هبة؟!.. من يراها يظن أنها تنظر بهيام لملامح بدر،
ولكنها بالحقيقة لا تراه هو بل ترى ملامح صغيرها البريئة، وابتسامته الصافية، التى تضئ حياتها،
وكزها والدها برفق ليفيقها من شرودها،
فبتسم بدر ابتسامته الجذابة، وبهدوء تحدث..
“انتوا اول مره تشرفونا يا عم الحج؟!!..”
ابتسم له محمد وتحدث بود..
“فعلا يا ابنى هى اول مره الصراحه اكل من عندكم..”
نظر لابنته..
“مش عارف بقى بنتى كلت من هنا قبل كده ولا ايه؟!..”
فاقت هبة من شرودها على نظرة بدر لها، بابتسامة متسعة يخبرها بعينيه انه على علم بوسامته،
توردت وجنتيها بحمرة الخجل، وباستحياء ابتعدت بنظرها عنه، ونظرت لوالدها، وحركت رأسها بالنفى دليل على أنها أول مرة تأتى إلى هنا،
تنقل بدر بنظره بين هبه ووالدها بتفحص، ونظرة شاملة يستطيع قراءة معادن البشر بعناية، وبثقة تحدث..
“ان شاء الله لما تدوقو اكلنا..”
نظر لهبة المبتعدة بنظرها عنه
“..مش هتبقى أخر مره..”
“”””””””””””‘
..بمملكة حبيبة،
بعشق شديد،
تقف بمطبخها الصغير تجهز الغداء لزوجها،
غداءً بسيطاً للغاية، ولكنه أكلة زوجها المفضلة،
بنفس راضية تتذوق الطعام بتلذذ، وباستمتاع تحدثت..
“ياربى على الجمال أحلى كشرى أسكندرانى لأحلى ايوب..”
رفعت خاتم زواجها وقبلته بحب..
“سبحان الله يا ايوب اى اكل اعملهولك بيطلع طعمه جميييل اووووى..”
اتجهت نحو الطاولة الصغيرة، وجلست عليها، وبدأت تعد طبق من السلطة الخضراء، فزوجها قد اقترب موعد عودته من عمله،
انتهت سريعاً من تحضير الطعام، وأسرعت نحو الحمام، لتنعم بحمام منعش، وتستعد لاستقبال زوجها بأروع طلة وأطيب عطر،
انتهت من حمامها، وملأت البانيو بالماء والصابون الخاص بالاستحمام لزوجها،
وارتدت منامة روزية رقيقة، ولفت شعرها الحريرى بمنشفة، واتجهت نحو الخارج،
وضعت الطعام على طاولة المطبخ،
وأسرعت بإحضار ثياب مريحة لزوجها ووضعتها داخل الحمام،
ووقفت أمام مرأه صغيره تمشط شعرها،
ليصل لسمعها صوت نبضات قلب زوجها،
ابتسمت بعشق، وأغمضت عينيها باستمتاع حينما تسللت رائحته لأنفاسها،
وباشتياق، وشوقا
جارف همست لنفسها..
“اطلع بسرعه يا أيوب..واحشتنى اوى اوى..”
لحظات مرت عليها كأنها سنوات،
وأخيراً فتح زوجها باب الشقة وأول كلمة نطق بها..
بلهفة
“..حبيبه؟!..”
بسرعة البرق، كانت قد ركضت حبيبة لمكانها ومسكنها المفضل،
أسرع هو بفتح ذراعيه لها، والتقطها داخل حضنه، رابتاً على ظهرها، وشعرها بحنان بالغ وبعشق همس بأذنها..
“وحشتينى يا بيبه..”
زادت هى من ضمه داخل حضنها، وبعشق أشد همست..
“وانت اكتر يا بيبو..”
ظلا فترة ليست أبداً بقليلة متعانقين،
كلا منهما لا يريد الابتعاد عن الأخر،
على مضض ابتعد عنها، متحدثاً
“حبيبتى انا عندى شغل كتير اوى انهارده..بس قولت اجى اطمن عليكى واشوفك كلتى ولا لاء وهاخد دش سريع وهنزل شغلى تانى..”
قبل جبهتها بعمق..
“وشك حلو عليا يا احلى حبيبه الحمد لله مش ملاحق على الشغل..”
قالت حبيبة بفرحة لفرحته..
“الحمد لله يا حبيبى..ربنا يرزقك من فضله كمان وكمان يارب..”
دفن وجهه بشعرها، يستنشق رائحته بهيام وباستمتاع همس..
“امممم.ريحتك ورد..”
رفع رأسه ونظر لعينيها بعشق..
“ربنا يحميكى ليا يا حبيبه أيوب..عبس بملامحه..هدخل انا بقى اخد دش علشان ريحتى اسمنت وجبس وتراب..”
بفخر وعشق شديد تنظر له حبيبه..
تخبره بنظرتها أن رائحته هذه بالنسبة لها أروع رائحة على الاطلاق،
تفهم هو نظرتها هذه، فبتسم لها ابتسامته، التى تذيب قلبها وحرك رأسه بالايجاب وبثقه همس..
“عارف يا حبيبه..”
تحسس وجنتيها بأصابعه، فمالت حبيبه بوجهها قليلاً وقبلتهم بعمق، فأسرع هو، وأمسك كلتا يديها ورفعهما على شفتيه، وقبل باطن يدها مرات متتالية، وبين كل قبلة، وأخرى يتحدث بابتسامة..
“استعدى علشان هعملك مفاجأة حلوه اوى بعد ما اخلص شغل..”
نظرت له حبيبة بابتسامة، وعيون لامعة بالسعادة، وبعشق همست..
“مافيش احلى منك انت فى حياتى يا أيوب..”
أمسكت وجهه بين كفيها..
“انت احلى واجمل حاجه فى حياتى يا حياتى..”
أنهت جملتها، ووقفت على أطراف أصابعها، وقبلت وجنته قبلة رقيقة للغاية أطاحت بقلبه وعقله،
ابتعدت عنه، ونظرت لعينيه بابتسامتها الهادئة و تحدثت..
“انا جهزتلك الحمام ادخل خد دش بسرعه وتعالى علشان نتغدا سوا قبل ما تنزل على شغلك..”
تنهدت أيوب براحة هامساً لنفسه
“الحمد لله دعواتك ليا بتتحقق يا امه فى كل خطوه بخطيها..”
بعبث نظر لزوجته، وبلحظة كان لف يده حول خصرها، وجذبها إليه فجأة حاملاً إياها عن الأرض، جعلها تشهق بخجل وببراءة، مصطنعه همس بأذنها..
“عامله غدا ايه؟؟..”
بتوتر ملحوظ من قربه المهلك لقلبها والعاصف بمشاعرها همست..
“كشرى أسكندرانى..؛وسلطه خضرا..؛وبيض مدحرج..”
داعب أيوب أنفها بأنفه، وبحب همس..
“الله..تسلم ايدك يا حبيبتى..”
أنهى جملته، وهم بتقبيلها فأسرعت هى بدفن وجهها بكتفه، وبخجل همست..
“ايوب..انت كده هتتأخر على شغلك..”
أخذ أيوب نفساً عميقاً يحاول السيطره به على ثورة مشاعره معها..؛
وببطء أنزلها وتخلص من كنزته الزرقاء، وأعطاها لها وهرول نحو الحمام سريعاً قائلاً..
“بيبه هاتيلى التيشرت الأسود بتاع شغل التكسير بسرعه..”
بطاعة ركضت حبيبة نحو أحد الأرفف الخاصة به المعلقه بالجدار،
بابتسامة راضية، وزعت نظرها بين ملابسه القليلة،
ومدت يدها وأحضرت له كنزة سوداء قديمة، مهترئة من كثرة العمل بها،
وبحب شديد رفعت كنزته الزرقاء الذى كان يعمل بها تستنشقها بهيام وعشق شديد،
بل لم تكتفى بهذا، فأسرعت بخلع منامتها وارتدتها على جسدها، فهي رائحة معشوق قلبها وروحها التى تعتبرها هى أروع العطور بالنسبه لها..؛
وبخطى مسرعة سارت نحو الحمام، وقفت أمامه حاملة بيدها منشفة نظيفة وكنزته السوداء، التى لا يرتديها الا للعمل الشاق،
دقائق قليلة، وخرج أيوب،
لينصدم بحبيبة الواقفة أمامه ترتدى كنزته المملوءة برائحة كفاحه وعمله الحلال، تنظر له بابتسامتها العذبة،
تأملها بعيون تفيض عشقاً، فبرغم من أنها غارقة داخل كنزته التى تصل لمنتصف فخذها، إلا أنها جعلها بغاية الإثارة بالنسبه له،
نظر لها قليلاً وبابتسامة همس..
“لبستيه ليه؟؟..”
مسح على شعرها..
“حبيبتى اقلعيه انا كنت شغال فيه و؟!!..”
قطعت هى حديثه واقتربت منه، وبدأت تجفف شعره بالمنشفة، وبحب تحدثت..
“انا مرتاحه وريحتك محوطانى كده فمش هقلعه يا بيبو ويلا خلينى اساعدك تلبس هدومك وأكلك علشان بابا قالى هبه اختى هتجيلى انهارده..”
..بأميريكا..
بغضب وتعجب، تنظر ليان لزوجها،
توتر أيمن من نظرتها وتساءل
“فى ايه يا ليان؟؟..”
اقترب منها وامسك يدها..
“مالك يا حبيبتى؟؟..”
تنهدت ليان بصوت مسموع، وبصرامتها المعتادة تحدثت..
“مستغربه كلامك يا ايمن ومش قادره اقتنع بيه الصراحه..”
ازدرد أيمن لعابه بصعوبة، وبابتسامة مصطنعة، وقلق تحدث..
“ليه بس يا حبيبتى؟؟..”
“علشان يا ايمن مينفعش..
انت مصر ان والدتك اول ما حالتها تتحسن ترجع بيتها وانت عارف انه مينفعش نسيب والدتك ترجع تعيش لوحدها تانى..”
حاول أيمن رسم دهشة واستنكار على وجهه
” انا اللى مصر يا ليان؟؟..انا لو عليا مش عايزها تبعد عنى واحمد اخويا نفس الكلام لكن هى اللى عايزه ترجع بيتها..مبترتحش غير فيه..”
هبت ليان واقفة، وبصرامة وأمر تحدثت..
“اسمع يا ايمن والدتك هتعيش معانا ومش هنسبها بعد كده ابدا..وانا هعمل كل جهدى علشان اشوفها مرتاحه..”
نظرت له بأسف..
“كفاية الفتره اللى عشتها لوحدها وانت واخوك بعيد عنها وانا حتى معرفش عنونها علشان ازورها وكل ما اطلبه منك تتحجج بميت حجه..”
نظرت له بلوم، وعيون امتلأت بالدموع مكملة بحزن
“فى حد يبقى عنده أم زى ماما زينب ويبعد عنها وعن حضنها الدافى..”
هربت دمعة على وجنتها، وبألم حاد همست..
“الله يرحمك يا أمى ويجعل مئواكى الجنه يارب..”
نظرت لزوجها بشرار..
“كلامى خلص انا وبناتى محتاجين لوجود ماما زينب معانا..”
رتبت على بطنها المنتفخ قليلاً، وأكملت..
“وكمان عيزاها معايا وانا بولد..”
ابتسمت من بين دموعها، وهي تقول بصدق..
“..انا حبيتها اوى وأعتبرتها عوض ربنا ليا عن أمى..”
احتضنها أيمن وربت على ظهرها بحنان، وصك على أسنانه وهمس بداخله بغيظ..
“وبعدين بقى فى ام الوقعه دى؟؟..”
زفر بضيق، ورسم ابتسامة رضا كاذبة على وجهه، وتحدث
“طيب انا هروح أطمن عليها وارجعلك يا حبيبتى..”
قبل جبهتها..
“عيزك تهدى وتعرفى انى هعملك اللى انتى عيزاه..”
نظرت له ليان بإصرار
“اللى انا عيزاه دا هو الصح يا ابو لارين..”
ربتت على كتفه..
“علشان لما نبقى فى سن مامتك لارين وليليان..”
أمسكت يده ووضعتها على بطنها..
“واللى جاى فى السكه ميسبوناش لوحدنا..نظرت لعيناه..داين تدان يا ايمن..”
أنهت جملتها، وسارت من أمامه قائلة..
“انا هطمن على البنات وهجهزهم علشان نحصلك ونطمن على ماما زينب..”
نظرت له من فوق كتفها..
“اسبقنا انت واحنا هنيجى وراك..”
جذب أيمن مفاتيح سيارته، متجهاً للخارج بخطى غاضبة وبوعيد همس لنفسه
“بطرقتى هخليك بنفسك تقول لأمك يا ايوب تقعد معانا..”
دقائق قليلة مرت، وكان أيمن أمام والدته الجالسة، تصلى فرضها داخل الغرفة الخاصة، التى انتقلت إليها بعدما خرجت من العناية،
جلس على مقعد أمامها واضعاً ساق فوق الأخرى،
انتهت زينب من صلاتها، ونظرت له بغضب مصطنع وبأمر تحدثت..
“اقعد عدل يا واد انت..”
نظرت لساقه، وأكملت
“نزل العرجه من على المكسوره يا ابن بطنى..”
اعتدل أيمن بجلسته وبتساؤل تحدث..
“عامله ايه انهارده يا ام ايمن؟؟..”
انزعجت زينب وهي تقول
“أم ايوب يا عنيا..والحمد لله بقيت كويسه يا ضنايا..”
التمعت عينيها بالدموع،..
“ومبقتش اتعب من الكلام..”
تحولت نظرتها لأخرى راجية..
“وعايزه اكلم اخوك براحتى من غير ما تقولولى كفايه..”
أخرج أيمن هاتفه، وطلب رقم شقيقه وتحدث متعجلاً..
“خدى كلميه شويه قبل ما مراتى تيجى..”
تنهدت زينب بيأس من تصرفات ابنها، وهمست محدثة نفسها..
“ربنا يهديكم يا ولادى وترجعوا لحضن بعض يااارب..”
لحظات وأتاهما صوت أيوب الملهوف،
“امه..”
بلهفة أخذت زينب الهاتف، ووضعته على أذنها، وببكاء تحدثت..
“قلب أمك..واحشتنى يا ضنايا..”
أسرع أيوب، واتجه نحو الخارج مبتعد عن العمال، الذى يعمل برفقتهم، وبأمر تحدث..
“الهمه يا رجاله هخلص التليفون اللى معايا وارجعلكم..”
بدأت زينب تنتحب..
“ياحبيبى واحشنى صوتك اوى يا قلب امك..”
قال أيوب بشوق..
“انتى اللى وحشتينى اكتر يا امه..ارجعيلى بقى يا حبيبتى..”
بثت زينب إليه فرحتها عبر الهاتف “انا خفيت يا ضنايا..وهرجعلك فى اقرب وقت باذن الله..”
“ايوه بقى يا ام أيوب..ارجعى نورى حياتنا..”
“بأذن الله ربنا يجمعنا على خير يا حبيبى..”
قال ايوب بتنهيدة..
“يامهون هونها..”
بتمنى وشوق قالت له زينب..
“واد يا ايوب..غنيلى الاغنيه اللى بحبها يا واد..”
بكت بنحيب أشد..
“صوتك واحشنى اوى يا حبيب امك..”
“عيونى يا ام ايوب..انتى تؤمرينى..”
وضع الهاتف على أحد الأركان، وبدأ يحمل التكسير مع العمال، وبصوته العذب غنى أغنيتها المفضلة..
يــا مهـــــوّن .. هوّن هوّن..
هـوّنهــــــا .. هوّنها و قول..
يا مهــوّن هوّن على طـول..
و تروّح بلـدك يـــا غريب..
و تــلاقي ع البـــر حبيـب..
مستني يقول لك سـلامـات..
هـــــــوّن..
يا مسافر بين ضلمة و نور..
يا مبحّـر و معــدّي جسور..
خد بــالك الايــــام ح تدور..
و تروّح بلـدك يـــا غريب..
و تــلاقي ع البـــر حبيـب..
مستني يقول لك سـلامـات..
هـــــــوّن..
غنينا ألفين مــــوّال..
ع الغــربــــــــــــة..؛
و ليـــالي طــــوال..؛
و مسيــــــــــــــرك..؛
ترتــاح البـــــــــال..
ليـه تشكـــــــــــــي..؛
و الا تقــــــــــول آه..
بعـــــافِيتـــــــــــــك..؛
و بعــــــــــــون الله..
ح تنول اللي بتتمناه..
و تروّح بلـدك يـــا غريب..؛
و تــلاقي ع البـــر حبيـب..
مستني يقول لك سـلامـات..
هـــــــوّن..
أنهى غنائه، وأسرع بامساك الهاتف، ووضعه على أذنه بلهفة،
تستمع زينب له بقلبها، وعيون يغرقها الدمع من شدة اشتياقها له؛
لتنتفض فجأه على يد ابنها، الذى جذب منها الهاتف، وبأمر تحدث..
“كفايه عياط بقى..”
سار نحو الخارج، ووضع الهاتف على أذنه، وأكمل بجحود..
“بقولك ايه يا ايوب..انا مش عيزك تتعشم ان امى هترجعلك تانى..”
صمت لوهلة،
“انا مش هسيب امى وهتعيش معايا انا وولادى على طول..”
..صدمة غير متوقعة أدمت قلبه بعنف،
بجنون يدور حول نفسه،
عيناه تحجرت بها الدموع،
أنفاسه تقطعت،
أوشك على فقدان نبض قلبه من شدة صدمته،
أيعقل؟؟..لن يستطيع رؤيتها مرة أخرى،
لن يضئ صباحه برؤية ابتسامتها، لن ينال بركة اليوم
بصوت دعائها له، هل كُتب عليه الحرمان من
حنانها الذى كانت تغرقه به….
أيعقل؟؟!!..لن يقبل يدها بحب كما كان يفعل،