روايات

نجمة الباشا

رواية نجمة الباشا
الفصل الأول:

خرجت “نجمة” من كلية “الآثار” بملامح بيضاء طفولية رقيقة تنبض بالإرهاق بعد يوم طويل في المحاضرات، عدلت خصلاتها السوداء الناعمة خلف أذنها منزعجة من تمردها، نظرت أمامها مباشرةً متمنية إيجاد وسيلة مواصلات فارغة تنقلها فورًا لمنزلها، فاستوقفها رؤيته…!
وقف “سليم” مستندًا بظهره على سيارته عاقدًا ذراعيه معًا يرتدي بذلته السوداء الخاصة بالشرطة والتي تكرهها، تقابلت أعينهم في وصال سريع مخضب بالمشاعر، تكره حصاره لها وحضوره الطاغي، وتكره نظراته الرجولية التي تسبر أغوارها فترسل لها ذبذبة من المشاعر تبعث فيها ما تحاول هي دفنه.
أما هو فلم يكن أفضل حالًا منها وعيناه تأبى أن تطيعه فتظل مُثبتة عليها وكأنها لا تبصر غيرها، تأسره بطلتها المُهلكة رغم شحوبها بل تأسر قلبه الذي يذوب فيها كل مرة يقع نظره عليها، فتشدد على أقفال قلبه المغلقة بمفاتيحها…
سرعان ما أنهت وصال الأعين لتحرمه حلاوة النظر لهما وشوقه لتلك العيون التي سرق.ت منامه منذ النظرة الأولى، ضاقت عيناه بنفاذ صبر وغض.ب عندما نظرت له من أعلاه لأسفله بنظره يعلمها جيدًا، وأكملت طريقها دون أن تتوقف وكأنها لا تراه…
كان يعلم أنها لن تكلف نفسها عناء التحدث معه او حتى نهره، ولكن ماذا يفعل في قلبه العصي الذي يختض داخله قلقًا عليها خاصة كل يوم أحد منذ بداية هذا الفصل الدراسي اللعين فهو يعلم أن محاضراتها تنتهي في وقت متأخر أكثر من اللازم، فيظل ينتظرها كل أحد طوال شهرين مضوا حتى تنتهي ثم يراقبها بحرص حتى تصل بيتها دون علم منها ولكنه اليوم تعمد إعلان حضوره ووجوده بصراحة بعد شجارهم الأخير الشرس التي افتعلته هي بدون مبرر لتخبره بعدها برغبتها في الابتعاد عنه!.
تحركت “نجمة” مبتعدة عنه في عناد، عندما استوقفها نداء أحد زملائها لأسمها قبل ان يمد الأبلة يده بتلقائية يلامس ذراعها كي يوقف تقدمها لاهثًا بسبب ركضه خلفها:

-انتي بتجري كده ليه يا نجمة!
مش قولتلك هوصلك في طريقي.

عادت نجمة خطوة للخلف محاولة عدم احراجه فخالد لطيف ومهذب ويساعدها كثيرًا عند غيابها بل ويتكبد عناء الامضاء في كشف الحضور بدلًا عنها دون طلب منها، ثم هزت رأسها نافية بابتسامة مُجاملة تشكره:

-لأ شكرًا يا خالد أنا هروح لوحدي وكده كده هاخد تاكسي متتعبش نفسك.

هز خالد رأسه بإصرار، فهو ينتظر ذلك اليوم من الأسبوع للأسبوع حتى يتقرب منها بأي طريقة لكنها كل مرة تهرب منه:

-تعب إيه بس، مفيش تعب ولا حاجة يا ستي، الوقت اتأخر واحتمال كبير متلاقيش مواصلات دلوقتي،
واحنا طريقنا واحد يعني مش هروح حته مخصوص.

تحركت نجمة من جديد وبنبرة رقيقة شاكرة ردت في محاولة لتثنيه عن إصراره:

-صدقني مفيش داعي، شكرًا جدًا بجد.

أما “سليم” فكان يتابعهما في صمت قاتل وكل ثانية تمر تجعله يتراقص على جمر الانتظار لا يصدق أنها تتجرأ على محادثة رجل غيره أمام عينيه، ازدرد ريقه محاولًا إطفاء نيران صدره وهو يراها تتحدث مع ذلك الأحمق بينما هو مُحرم عليه سماع صوتها أو التثبت بحق امتلاكها ….. وفوق ذلك هي تقف هناك بكل وقاحة توزع ابتسامات لا يحق لغيره أن يغرق في حلاوتها…
كان يحاول تكبيل غضبه وغيرته ولكن زمام انفعالاته فلت من يده ووقت وقوفهما سويًا يزداد، تقدم نحوهما بخطى نارية حتى أصبح أمامهما مباشرًا، ودون أن يعير الأحمق الواقف أمامه أي اهتمام كان يحادث “نجمة” في نبرة أجشه تحمل الكثير من الغضب والوعيد المكتوم :

-امشي قدامي على العربية.

حاولت هي كبح الدهشة التي استباحت ملامحها لتدخله الغير مسبوق بينما تجهم وجهه خالد وهو يشاهد في دهشة دخول شاب من رجال الشرطة بينهما فقاطعه بنبرة منذهله لا يستوعب المنافسة:

-إيه ده، مين ده يا نجمة وساحبك يوصلك ليه مش فاهم!

اقترب منه “سليم” خطوة وأردف من بين أسنانه بنبرة خافتة مُقلقة:

السابقانت في الصفحة 1 من 29 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل