
-اسحبها؟
لا أنا ابقى ابن عمها يا خفيف يعني مش ساحبها ولا حاجة وأحمد ربنا اني هعدي وقفتكم دي على خير لكن اعمل حسابك لو اتكررت تاني،
ساعتها أنت اللي هتتسحب معايا، فاهم يالا ؟!
أغمضت نجمة عيناها في ذعر تستغفر بصوت منخفض وهي تدعو ألا يتضخم الأمر لشجار يسبب لها فضيحة أكبر، فرفعت يداها امام سليم تفصل بينه وبين زميلها المسكين المرتبك ورددت بحروف متوترة كحالها:
-خلاص يا سليم ، شكرًا يا خالد وبعتذرلك عن سوء الفهم.
استدارت حتى تذهب وهي تواكب خطوات سليم مشيرة بنظرة غاضبة متوعدة إليه بينما هو ينفث الدخان من أنفه خاصةً حينما استطرد “خالد” بنبرة أرادها أن تعكس التهكم لكنها خرجت مهتزة قليلًا:
-ولا يهمك يا نجمة انا بس مش فاهم الكابتن دخل حامي علينا كده ليه؟
-كابتن؟!
كز سليم على أسنانه وكاد يعود إليه لولا نجمه التي وقفت له بالمرصاد تقتله بنظراتها، فزمجرت تحاول إيقافه عن أخذ دور الفرعون المُدمر محذرة:
-سليم!
حاول بصعوبة تمالك أعصابه حتى لا يتسبب لها بمشكلة تكون جدار عازل جديد بينهما، فيما حاول خالد ألا يظهر قلقه من تهديد سليم له تاركًا لنجمة إبراز ملامحها بالنفور والغيظ من استغلاله لسلطته بهذه الطريقة..!
ولم ينتظر سليم أكثر بل تمادى بسحب نجمة من ذراعها نحو سيارته وما إن ابتعدوا خطوتين حتى نفضت ذراعها بعيدًا عنه لكنها استمرت في سيرها مزمجره فيه وقد زالت قشرة الهدوء والتماسك ليتناثر الغضب على ثناياها:
-أنت بتتدخل وبتعملي مشاكل كمان، وفرحان أوي بالبدلة اللي أنت لابسها.
لم يرد سليم عليها حتى لا يطحنها بكلمات سامة، ولكنها لم تصمت بل ازداد سعير غضبها من صمته المستفز:
-أنا بكلمك يا بني ادم ولا أنت مش بتنطق وتتشطر غير على الغلابه!
رفع سليم حاجبه الأيسر ساخرًا:
-الواد الصايع ده غلبان؟
والنبي انتي اللي غلبانه وهبلة!
انفعلت أكثر عندما وصلا للسيارة ووقف جوارها في ثبات يحجز جسدها من التراجع ويدفعها للركوب وبعد إغلاق الباب اتجه بخطوات قوية تصرخ بالهيبة قبل أن يجاورها في كرسي السائق وينطلق بالسيارة فصاحت فيه بغيظ:
-وأنت مالك أصلاً، أنا مش قولتلك ابعد عني، جاي الكلية ورايا ليه؟!
حينها استدار لها سليم قائلًا بصوته الرجولي الخشن وبثبات أذهلها:
-عشان أنتي عارفه وانا عارف إني مش هبعد إلا أما اكون متأكد إنك فعلاً مش عايزاني،
إنما أنتي مرة تشغليني ومرة تتجنني زي دلوقتي، انتي عايزه ايه بالظبط يا بنت الناس؟!
أشارت نجمة بيدها نحو صدرها وهي تتشدق بانفعال وارتباك:
-أنا مش بشاغل حد أنا كنت بعتبرك صديق .. اه .. صديق .. واديني رجعت لعقلي ومش عايزة يكون ليا أصدقاء شباب في حياتي، مش طيقاك يا أخي الله!
عايز تتأكد أكتر من كده إيه؟
فعليًا لم يعد يفهم ما يدور في دواخلها، احيانًا يشعر أنه نجح في تسلق جدران قلبها وانه تسلل داخلها مسيطرًا على وهجها العاطفي، واحيانًا اخرى يشعر أن كل خلية بها تنفر منه بل أسوأ هي تجعله ينفر من نفسه بنظراتها تلك..!
زفر أنفاسه بحدة وهو يقول مستنكرًا:
-انتي ليه مصره تستفزيني بأسلوبك ده؟
استدارت بنصف جسدها ترفض النظر نحوه أو الإجابة وقالت في قسوة:
-أنا مش مُلزمه أتكلم معاك أكتر من كده، انت أصريت تشبهني واللي حصل حصل خلاص … يا… يا باشا!
ارتفع طرف فمه في شبة ابتسامة قاسية كي لا ينسى رزانته ويمطرها بوابل من الشتائم الوقحة لأنها تصر على جرح كبريائه والاستهزاء بمركزة دون أي مبرر، فأخبرها ساخرًا:
-أشبهك؟
ليه ركبتي العربية مع قَتْ.اَل قُت.له؟
عادت ترمقه في غل وقالت بنبرة تتقطر بالتهكم:
-يمكن ومين عالم اللي في إيده سلطة بيعمل أيه في خلق ربنا!
-سلطة أيه هو انا رئيس الجمهورية!
وبعدين مهما كانت سلطتي قوية أكيد مش أقوي من سلطة ربنا،
تفتكري لو مشيت أضر في الناس زي ما خيالك المريض مصورلك، السلطة دي هتفدني بأية قدام ربنا؟
-بقولك أيه متعملش نفسك مؤمن أوي انتوا مفترين ومعدومين الضمير أصلًا!
-هما مين دول اللي مفترين يا بنت ال…
عض سليم فوق شفتيه يكبح كلماته القاس.ية فطبيعة عمله أجبرته على كسب بعض الخصال الحادة في طباعه منها رفض الإهانة بشكل قطعي ولكن نجمة هي النجمة التي تعتلي عرش قلبه رغم جحودها وقسوتها الغير مبررة نحوه.
قطعت أفكاره عندما التفتت نحوه تلوح بيدها في وجهه مؤكدة:
-شوفت مقدرتش تستحمل كلمة واحدة، وبتسأل مش طيقاك وبكرهك ليه ده أنت جبروت.
أوقف السيارة في حدة والتفت يميل نحوها مجبرًا جسدها على الابتعاد للهرب منه قليلًا في خوف.
انتقلت عيونه كالقناص فوق ملامحها ووجهها المتخضب بحمرة فجائية بسبب قربه، ثم سرق منها شهقة رفيعة عندما مد كفه يلامس معصمها يستشعر نبضاتها الهادرة مع ملمس بشرتها الناعمة بينما كفه الاخر يقبض على جانب عنقها ووجهها في قو.ة يجبرها على النظر في عينيه بثبات، مستطردً في غموض حاد:
-نجمة بتحبيني ولا لا؟
كانت تنظر له ببلاهة عاجزة عن الرد بل عاجزة عن التنفس وقد اقترب منها لهذه الدرجة لأول مرة ورغم لمسته الخاطئة الغير مقبولة إلا انها لم تقوى على منع مشاعرها نحوه من الانتفاض بكل الزوايا داخل صدرها لكنها تمالكت نفسها بما يكفي لتجيب في ارتباك حاد وعيون مرتعشة:
-قولت لا، الله .. هو.. هو بالعافية..
أبعدت عيناها عنه تشعر كمن يتعرى من مشاعره بنظراته الثاقبة ثم دفعت كفه عن وجهها.
عادت ابتسامته الجذابة تتسع فوق شفتيه وتنير محياه قبل ان يخبرها في ثقة مخلوطة مع نبرة جفاء أثناء تعديله لجلسته مشغلًا سيارته:
-كل حرف بيطلع منك كدب، انا مش بس ظابط بيشم الكدب من على بُعد ميل أنا واخد دورات لغة جسد كمان فلما تحاولي تكدبي سيطري على جسمك أكتر من كده.
كانت تنظر له بأعين وفم منفرجين يعبران عن ذهولها مما يتفوه به لكنها هتفت في غصب:
-أنت مش طبيعي … لا لا أنت مش طبيعي …
-اه فعلًا، أنا اللي فضلت ألاعبك ٨ شهور، وبعدين جيت قولتلك من غير أي مبرر اني هقطع علاقتي بيكي وكسرت قلبك مش كده؟
أخبرها في تهكم أثناء انشغاله بالطريق، فاعتدلت تزمجر اعتراضها في غرور :
-اولًا كان في مبرر اني مش هرتبط بظابط، ثانيًا أنا ملعبتش بيك احنا كنا مجرد اصحاب مش ذنبي انك فهمت علاقتنا غلط.
توقفا في اشارة المرور فالتفت برأسه يطالعها من اسفلها لأعلاها قبل أن يردف ساخرًا:
-اه فعلا الحق عليا انا اللي فضلت اشاغلك عشان اوقعك على جدور رقبتك مش كده،
يا شيخه منك لله ده أنا هاين عليا اخز..ق عنيكي دي بإيدي!!
-أنت .. أنت إنسان مش محترم وانا ندمانة اني قربت منك في يوم!
قالت نجمة في غيظ تخفي مشاعر الخجل داخلها، فجاءها رده السريع الحازم:
-ابقي قابليني لو عرفتي تبعدي!
جزت على اسنانها ثم التفتت تنظر للنافذة في غ.ضب عندما تجاهل النظر نحوها تمامًا وملامح الرضا تملئ وجهه فعضت على شفتيها تك.بح غيظ.ها ثم عقدت ذراعها أمام صدرها في دفاعية.
أغمضت جفونها تبتلع إحراجها وخجلها الذي سببه بتصريحاته ولعن.ت ذلك القلب الذي يرفض الانصياع لها ويذوب في تصريحاته الصارمة ويتركها هاربًا نحو ذكريات تتمنى نسيانها.
***
مطت نجمة رأسها من باب الغرفة الخاصة بالعروس داخل القاعة واتسعت ابتسامتها وهي ترى العريس يتقدم أصدقاءه متجهًا في حماسة شديدة نحو الغرفة، فسرق انتباهها صوت ضحكة رجولية مشاكسة بطريقة جذابة حولت نظرها لذلك الشاب الذي يجاور صديقه يحاول مواكبة خطواته الحماسية قبل أن يهتف ممازحًا في نبرة مغيظة تستهدف صديقة دون خجل:
-أنت على طول مستعجل كده، رامي أنا مش مرتاحلك، انت هتفض.حنا مش كده؟!
حرك العريس كفه بإهمال غير مبالي بكلماته المغيظة أو بضحكات رفاقهم مقتربًا أكثر من الباب فاتسعت أعين نجمة التي تخلت عن هيامها بذلك الوسيم وابتسامته الجذابة مغلقة الباب بإحكام تمنع دخولهم وهي تلتفت نحو العروس المحاطة بأكثر من شخص ما بين ترتيب ثوبها ووضع أحمر شفاهها:
-يلا بسرعة بسرعة العريس وصل!
ص.رخت “نجمة” بصديقتها العروس “داليدا” التي قابلتها بصرخة حماسية متجاهلة عامل التزيين الذي يضع بصعوبة لمساته الأخيرة فوق وجهها دون أن يلطخ فستان زفافها الأبيض البراق.
-اوعي تخلي يدخل يا نجمة لحد ما اجهز.