
بمثل هذا الوقت من العام الماضي في إحدى ليالي كانون الباردة هُزِمت إحداهن أمام كلمات دافئه أغتالت برودة قلبها فأذابته و أضرمت النيران بأوردتها و التي سُرعان ما أخمدتها لوعه الفُراق لتترُك خلفها بقايا حُطام إمرأة أقسمت على نُكران العشق طيله حياتها .
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كُلما كانت ذاكرة الإنسان قويه كُلما كانت حياته أصعب بكثير و في قانون العقل كل الأشياء قابله للنسيان ماعدا الشئ الوحيد الذي تود نسيانه .
أخرجت تنهيدة حارة من جوفها و هي تقف أمام شرفه مطبخها تُراقب نزول المطر الذي كان ينهمر بشدة في الخارج . كم كان ذلك المنظر من أهم مسببات السعادة بحياتها و الآن اصبح لا يجلب لها سوي تعاسه كبيرة ممزوجه بألم قاتل يستقر بمنتصف قلبها الذي و بعد مرور أربع سنوات علي فاجعته الكبري لايزال ينتفض وجعًا حين يتحسس أي شئ و لو بسيط يُعيد إليه ذكرياته الرائعة المُشبعه بمرارة قاتله لازالت عالقه بحلقها للآن ..
أخيرًا استطاعت أن تتخلص من سطوة ذلك العذاب الذي يتجلى بوضوح في عيناها و أغلقت الستار متوجهه إلي الثلاجه التي تتوسط ذلك المطبخ المستدير المترف إلى حد ما و قامت بإخراج ما تحتاجه لإعداد وجبة طعام ساخنه تُدفئ جوفها في هذا الليله شديدة البرودة كـ ليالي كانون المعتادة و التي كانت ذات يوم تحمل الدفء الى قلبها الذي كان غارقًا بالعـ,,ــشق حتي أذنيه و ها هي الآن تدفع ثمن حماقته …
زفرت بحدة و كأنها تنازع لتُخِرج وجعها بذرات ثاني أكسيد الكربون و شرعت في عملها الذي أتمته بعد عشرون دقيقه ثم توجهت إلي غرفه شقيقتها و طرقت عدة طرقات علي الباب فلم يأتيها رد فقامت بفتح الباب بهدوء لتجدها نائمه كالعادة فتسللت مخالب الندم إلي قلبها لتقرضها من الداخل علي ذلك الذنب الذي اقترفته بحق شقيقتها و عادت بذكرياتها للأسبوع الفائت
عودة إلى وقت سابق
كانت جالسه علي أحد المقاعد بشموخ في ذلك البهو الكبير تنتظر الميعاد الذي جاهدت أسبوعًا كاملًا حتى تحصل عليه و ها هو يأتي بمنتصف اليوم و هي في عملها لتهاتفها تلك الفتاة بلهجه صلفة تخبرها بأن موعدها مع السيد سيكون بعد خمسة و أربعين دقيقة و ألا تتأخر فاضطرت إلى ترك عملها ومهرولة إلى ذلك الصرح الكبير الذي كان يثير في نفسها التوتر الذي قُلما يظهر عليها و لكنه كان نابع من السبب المحرج في كونها تود مقابلة ذلك السيد الذي كان الوصول إليه شاقًا و كأنه أحد رموز الدوله أو أحد المشاهير .
فجأة طرأ على بالها صورته التي تخيلته عليها من حديث أخاه عنه. عجوز، بدين, أصلع، قصير القامه، سمج، لا يفقه شئ في هذه الحياة سوي جمع الأموال فقط .
كم يثير نفورها و إشمئزازها هؤلاء الأشخاص الذين هم على شاكلته ! و تتمنى من الله أن يمُر موعدها معه علي خير و أن تجد عنده من التعقل ما يجعله يستمع إلي حديثها أو بالأحرى طلبها كي تعود حياتهم هادئه من جديد ..
بلغ توترها ذروته حين أخبرتها الفتاة بأنه ينتظرها فسحبت نفسًا عميقًا إلى رئتيها قبل أن تنهض متوجهه إلى حيث أشارت عليها الفتاة و ما أن دخلت حتي لفت انتباهها المكتب الأنيق الذي يتمتع بذوق رجولي جذاب بتلك المقاعد الجلديه ذات اللون البني يتوسطهم منضده دائريه وضعت فوقها مزهرية بها بعض الزهور الجميله .
كان هذا أول ما رأته حين دلفت إلى الداخل لتجد على يمينها مكتب ضخم و لكنه أنيق و عصري أمامه مقعدين تتوسطهم منضدة صغيرة و خلفهم كان مقعد السيد المنشود و الذي كان يعطيها ظهره مما جعلها تتقدم خطوتين إلى الداخل و قد كانت خطواتها هادئه لا تعكس توترها الذي كان يزداد مع مرور الوقت خاصةً و أن ذلك المتعجرف لا يزال يعطيها ظهره مما جعلها تسخر داخلها قائله
” هيا أرنا وسامتك أيها السيد المغرور !”
بدأ شبح إبتسامه ساخرة في الظهور على جانب شفتيها و لكنها تجمدت فورًا ما أن دار الكرسي ليواجهها لتجد نفسها أمام أوسم رجل قد رأته بحياتها !
شعر أسود حريري لامع مصفف بأناقه ملامح رجوليه جذابه، عينان ثاقبه، أنف مستقيم، شفاه غليظه، ذقن منحوت ببراعه لحيه كثيفه نوعًا . كانت ملامحه تضج بالرجوله مُحاطه بهاله من الهيبه و الثقه اكتسبها من سنوات عمره الاربعين و جعلت ثباتها يتلاشي شيئًا فشيئًا إلى أن أتتها نبره صوته العميقه لتُكمِل صورتة الرائعه حين قال و هو ينظر إلى أسمها المدون أمامه
” أنسه فرح عمران . ”
لا تعلم لما شعرت بشئ من السخريه في حديثه و إنعكس على نظراته التي بدت و كأنها تُقيمها و قد حمدت ربها كثيراً بأنها كانت ترتدي ثياب العمل الرسميه المكونه من تنوره سوداء تصل إلى أسفل ركبتيها و فوقها قميص من الستان الأزرق و جاكت من نفس لون التنورة و قد كانت تعكص شعرها فوق رأسها علي هيئه كعكه منمقه فلا تترك الحريه لخصله واحده منه في الهرب. كان هذا المظهر يعطيها وقارًا تحتاجه كثيرًا و خاصةً الآن لمواجهه تلك الهيبه التي أمامها .
واصلت التقدم الي أن وقفت أمامه مباشرةً ثم قالت بهدوء
” أهلًا بحضرتك يا سالم بيه ”
هز رأسه ثم قال بإختصار
” أتفضلي ”
أشار إليها لتجلس علي المقعد أمامها فأطاعته بصمت و قد كانت عيناه مسلطه عليها بطريقه أربكتها قليلًا و لكنها تجاهلت ذلك و حاولت التركيز على ما أتت لأجله فرفعت عيناها إليه فوجدته يومئ برأسه بمعني أن تبدأ في الحديث فتحمحمت بخفوت و إحتارت كيف تبدأ فوجدت نفسها تقول بخفوت
” بصراحه في موضوع مهم كنت حابه أتكلم فيه مع حضرتك ”
لم تتغير ملامحه إنما تخللت السخريه نبرته حين قال
” أنا كمان عايز أعرف يا ترى إيه الموضوع الخاص اللي بيربطنا ! ”
حل محل التوتر شعور بالغضب الممزوج بالخجل فهي حين سألتها مديرة مكتبه عن سبب طلبها لرؤيته أجابتها بإختصار موضوع خاص و كررت تلك الإجابه على مسامعها طوال الأسبوع المنصرم .
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة ثابته
” في الحقيقه هو فعلًا موضوع خاص .”
قاطعها دلوف مديرة مكتبه لتسمعه يخبرها بأن تحضر لها عصير ليمون و تحضر قهوته المعتادة . ثوان و التفت اليها قائلًا
” معاكِ . قولتيلي موضوع خاص !”
إغتاظت من تكراره تلك الكلمه و كأنه يسخر منها لذا شدت ظهرها و أستقامت أكثر في جلستها و قالت بنبرة قويه
” المقصود هنا بموضوع خاص أنه يخص ناس تهمنا . و اللي هما حازم أخوك و جنة أختي !”
قالت جملتها الأخيرة على مهل و هي تُراقِب تبدل ملامحه من السخريه إلى الترقب و لكن لهجته بدت هادئه و هو يقول بإختصار
” كملي ..”
أخذت نفسًا قويًا قبل أن تقول بلهجه قويه
” بصراحه أنا عيزاك تبعد حازم أخوك عن جنة أختي !”
سالم بلهجه خشنه
” أنسه فرح ياريت توضحي أكتر ؟”
أومأت برأسها قبل أن تقول بنبرة قويه
” تمام . بإختصار حازم و جنه مرتبطين ببعض بقالهم فترة. في البدايه أنا كنت مفكراها مجرد علاقه زماله لكن أكتشفت بعد كدا أنهم بيحبوا بعض . و بصراحه أنا غير راضيه عن العلاقه دي . و كمان أختي لسه صغيرة ”
سالم بتهكم
” و الصغيرة دي عندها كام سنه ؟”
أهتزت عيناها قليلًا قبل أن تقول بهدوء
” ٢١ سنه ”
رفع سالم إحدى حاجبيه قبل أن يقول بسخريه مُبطنه
” واضح أنها صغيره فعلًا ! أقدر اعرف إيه سبب رفضك لعلاقتهم ؟”