منوعات

بنتي

“ممكن تخلي بالك من بنتي وتخليها تنزل في محطة ا…”

جملة سمعتها وانا في قطر الصعيد مسافر عشان شغلي، أمر طبيعي وعادي جدا، أم بتبعت بنتها بالقطر لأبوها عشان يستلمها في المحطة، الله أعلم بظروفهم، بس انك تكتشف ان الموضوع أكبر من الطفلة والأم، الموضوع أكبر من حياتهم نفسها..
صفحة الكاتب على فيس بوك: أحمد محمود شرقاوي
………….
يادوب استقريت مكاني وحطيت الشنط بتاعتي لقيت واحدة ست واقفة قدامي وباين في عنيها خوف كبير اوي، بصيت عليها بتعجب وابتسمت ابتسامة خفيفة وقولتلها:

– أساعدك ازاي
– انت نازل فين يابني
– نازل في محافظة كذا
– طيب انا لازم بنتي توصل لابوها في محطة كذا، ينفع تنزلها في المحطة وابوها هيعرفها

بصيت للبنت وابتسمتلها وقولت:

– عنيا حاضر
– تسلم يا ابني ربنا يبارك فيك، انا بس عشان عندي ظروف وأمي بتمو.ت، وبنتي لازم تروح لابوها بأي طريقة
– متقلقيش هاتي بس رقمك وانا هطمنك
– معلش يابني مش معايا تليفون، اكتبلي رقمك على ورقة وانا هكلمك اتطمن

كتبتلها رقمي، واستأذنت الراجل اللي جمبي يروح يقعد على كرسي البنت اللي قدامي ويجيب البنت جمبي، أمانة ولازم توصل لأصحابها، وطلع بينا القطر..

في البداية طلعت أكل وعصير وبدأنا ناكل انا والبنت اللي كانت مكسوفة وخايفة شوية، بس انا كنت دكتور في احتواء مشاعر الناس، ربنا رزقني بقبول كبير، في النهاية ابتسمت، وعرفت منها ان عندها ٨ سنين، شغلتلها كارتون على الموبايل وخلتها تستمتع برحلتها، ووسط ضحكها على الكارتون مسكت ايدي بقوة وحنية..

وبدأت اسرح بخيالي، خيال شاب نفسه يستقر وتبقا له زوجة تهون عليه مرار الحياة، وبنت زي دي تنسى هموم الدنيا بابتسامة منها، حمدت ربنا انها وقعت بين ايديا، لأني عارف بفضل الله اني هحفظ الامانة وهوصلها..

ونامت البنت على كتفي في النهاية، ونام أغلب الناس في العربية، إلا أنا، قررت أفضل صاحي مهما كان، خايف محطة البنت تعدي، طلعت دفاية من شنطتي وغطيت البنت وسرحت بخيالي، سرحت لدرجة اني فقت على ايدين البنت الصغيرة بتمسح دمعة نزلت على خدي..

دمعة نزلت لما افتكرت ظروفي الصعبة، لما افتكرت خيانة وغدر اكتر انسانة حبيتها في حياتي، سمعت صوتها بتهمس وبتقول:

– انت بتعي,ط يا عمو

ابتسمت وطبطبت عليها وقولت:

– لا طبعا
– تعرف اني كمان كنت بعي,ط عشان مش لاقية ماما

جسمي اتنف,ض من الكلمة الغريبة اللي سمعتها، امال مين الست اللي وصتني عليها دي، اتكلمت بهدوء شديد عشان مخوفش البنت وقلت:

– مش اللي كانت معاكي دي ماما
– لا هي قالتلي إنها هتوديني السفر لبابا وماما
– سفر ايه
– مش عارفة هي قالت كدا
– طيب انتي تعرفيها أصلا
– لا بس هي قالتلي هتوديني لبابا وماما في السفر

قلبي اتق,بض بطريقة عجيبة، حسيت غريبة، البنت دي رايحة فين أصلا، ولا هي لسة مش مستوعبة اللي بتقوله، بس ايه اللي هيخليها تكذب وتقول ان الست دي مش أمي..

طلبت منها تنام وغرقت في التفكير، طيب أنا ممكن أعمل ايه، وهتأكد ازاي انها وصلت لأهلها من الأساس، وفضلت مول,ع من التفكير، مش عارف اخود أي قرار، وكل ما كنت ببص في وش البنت كنت بخا,ف اكتر واكتر..

بخاف أحسن تكون الدنيا اختارت تدهسها تحت رجليها وهي في السن ده، شعوري بيقولي ان فيه حاجة غلط، وعدت ساعة واتنين وانا مكاني، دماغي هتتشل من التفكير، وبدأ يدق ناقوس الخ,طر لما عرفت ان المحطة الجاية هي محطة نزول البنت، ومبقتش عارف، هسبها تنزل ولا اخليها معايا..

وقفت انا وهي على باب القطر اللي فضل يه,دي خالص، وكانت صدمتي، محطة فاضية خالص الإقبال عليها ضعيف، ونزلت البنت وهي بتتر,عش وبصتلي بصة كس,رت قلبي نصين..

فضلت واقف أراقبها والقطر بدأ يتحرك بيا، وشوفت راجل ضخم بيقرب منها، شوفته بيمسك ايديها وهي بتشدها منه بخوف، واخر مشهد لمحته انه شدها بالعافية عشان تمشي معاه، وبعد القطر عن الرصيف، ولقيت نفسي بصر,,خ من الق,,هر والخو,,ف..

ومرت عليا كل لحظة، كل كلمة اتكلمتها معاها، واخرهم نظرة الانكس,,ار اللي بصتها عليا، وبدون وعي مني خدت شنطتي ونطيت من القطر اللي كان لسة ماشي بطئ نسبيا..

وعلى ما وصلت للمحطة وانا كنت هقع مرتين بسبب الاستعجال كان الراجل سحب البنت وخرجوا برة المحطة خالص، جريت وراهم وانا قلبي ملهوف، ضميري مول,ع نا,ر اني سبتله البنت كدا، وأول ما خرجت لمحته خد البنت في عربية وفورا طلع بيها، وكل اللي قدرت أعمله حفظت

ق ت ر
٢٦٧٨

أرقام العربية، حفظتها في دماغي وكتبتها بسرعة على التليفون، قعدت على الرصيف وحطيت ايدي على دماغي، استنيت ساعة كاملة الست تتصل تطمن، مبتتصلش، دي لو أم فعلا كانت زهق,تني اتصالات، يارب متسبنيش يارب..

في الوقت ده سمعت صوت الآذان، دخلت صليت ورفعت ايدي للسما، طلبت من ربنا يحميها ويحفظها، طلبت منه لو كانت هتضر انه يسخ,رني لنجدتها..

وبعد الصلاة خرجت من المسجد، وفو,جئت بعربية وقفت قدامي والسواق بيقول

“النجدات يا أستاذ”
المنطقي اني اقول لا، مانا مش رايح النجدات ولا عارف انا فين أصلا، بس كلمة النجدات فكرتني بالنجدة، وطالما ربنا شايف فانا مكمل، وروحت راكب عربية رايحة بلد انا عمري ما سمعت عنها..

يارب انا ماشي بنورك، وفضلت في العربية اللي دخلت بيا بين غيطان القصب لمدة تلت ساعة، حسيت اني بخرج برة الدنيا، بروح لعالم تاني، في الأخر لقيت السواق بيقولي هنا الأخر..

ونزلت وانا لسة تايه، ماشي وحاسس اني جوة صحرا، مش شايف غير سراب، بس اتولد جوايا يقين أكبر ان ربنا بيستخدمني، انا واحد ساب شغله وحياته ونزل يدور على طفلة..

ووسط مانا ماشي في البلد لقيت كام راجل قاعدين قدام بيت كبير، شافوني وانا شايل الشنطة وماشي زي التايه، ركزوا معايا شوية، غريب ولازم يبصوا عليه، خاصة في بلد بعيدة ومقفولة زي دي..

وبلهجة صعيدية قوية وبصوت ثابت اتكلم واحد منهم وقال:

– خير يا ولدي نقدر نقدملك ايه

بصتله وانا لسة تايه، مش عارف أرد اقول ايه من الأساس، عنيا كانت جواها دموع وخوف وحيرة وتوهان، وهما شافوا كل ده، قام شاب منهم شال عني الشنطة وشدوني شد عشان يضا,يفوني ويساعدوني، الصعايدة هيفضلوا طول عمرهم ومش هيتغيروا، أهل كرم وشهامة ورجولة، قعدت وسطهم ساكت..

وبنظرة واحدة من راجل كبير وسطهم الكل قام واستأذن وسابوني معاه لوحدنا:

السابقانت في الصفحة 1 من 2 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل