
السابع
سقط الجاكيت من يده لا إرادياً وقد فقد السيطرة وكذلك النطق..لونا فتاة كما يقال عنها بالمثل الدارج تحلُ من على حبل المشنقة، وقد أضحت زوجته .
بلل شفتيه يحاول تمالك حاله وألا يفتك بها الأن وقد خرجت عليه بكامل حلّتها وزينتها وكأنها تتحداه.
لونا..ذات الليونه العالية والعيون المغوية والصوت المسهوك تتقدم منه بخطوات بطيئة مثيرة وهي متأنقة في ثوب مذهب قصير تناغم مع قدها المياس بروعه ساحره وقد حررت شعرها بتموجاته الرائعة.
تحدثه بإبتسامة متعبة للأعصاب:
-حمد لله على السلامة يا ماهر
وهل سيتمكن ماهر المسكين من الرد في كهذاموقف، لقد حاصرته وأسرته بنجاح.
إبتلع رمقه بصعوبه وعلت أنفاسه بل سخُنت ينتظرها أن تقترب أكثر بعدما تثبتت قدميه في الأرض إحتراماً وتقديراً لهذا الجمييييل.
ولونا تمارس عليه أقصى درجات العذاب حين قالت:
-أنا أستنيتك أهو زي ما قولت لي.
ففتح ذراعيه ببلاهة يردد:
-هاتي حضن.
رمشت بأهدابها مرتبكة، لم تكن تلك هي أهدافها مطلقاً.
ظل ينتظر بإلحاح وإحتياج،هو محتاج لذلك جدداً وهي قررت أن تنادي الكلب بسيدي حتى تقضى حاجتها لذا أقتربت بتوتر وتحاملت على ان تفعل و….غمرته.
ما أن ضمته حتى أغمض عيناه متأوهاً بينما لونا تكمش ملامحها بضيق وامتعاض، تشعر أن قدرتها على التمثيل أوشكت على الإنتهاء ولن تتحمله زياده عن ذلك القدر.
لذا همت لأن تخرج من أحضانه وتبتعد لكنه لم يستطع بل تمادى المجرم وبدأ يسحبها نحو غرفته فصرخت:
-موديني فين؟!
انتهت جملتها مع إغلاقه لباب غرفته عليهما من الداخل ثم جاوب بإبتسامة:
-لأوضتي..ولا تحبي يشوفونا؟! أنا عن نفسي ماعنديش مانع.
حمحمت بإدراك ثم قالت:
-لأ وعلى أيه، الطيب أحسن.
ضحك بخفه من حلاوتها بينما لونا عادت لعقلها وقررت إكمال طريق الطلب بالإغواء فهمست:
-ماهر
رفرف قلبه بين أضلعه وإسمه من فمها بصوتها يزلزله فيردد بلا سيطرة منه على نفسه:
-ياعيون ماهر.
تشكلت داخلها علامة استفهام كبيرة فطريقته كمن يتعامل مع حبيبته وليس كما هو حالهم، لكنها أبعدت عقلها عن كل هذا لتركز على إنهاء مهمتها كونها ماعادت تتحمل المكوث معه بغرفته أكثر من ذلك فأكملت:
-قبل ما تمشي أنا كلمتك عن بابا وانت قولت لي عندك خبر حلو لما ترجع هتقولهولي.
همهم مبتسماً وسأل:
-عشان كده لابسه ومتشيكة ومستنياني.
هزت رأسها بثقة وقالت:
-انت لسه ما تعرفش مين لونا.. أنا أيقونة، ومتربية على العز، طول عمري بلبس كده جوا وبرا البيت وكل البنات كانت بتقلدني.
عض على أسنانه يضربها على ذراعها العاري مردداً بحده:
-بتطلعي بدراعاتك دي كده؟!
-أاااه…أيدي يا ماهر.
ناظرها بضيق شديد فحاولت امتصاص غضبه ريثما تحصل على ما تريد كما تعلمت مؤخراً:
-لا ده وانا صغيرة بس انا كبرت خلاص ومصيري أعقل، المهم قولي عملت إيه في موضوع بابا؟
سحب نفس عميق ثم قال:
-مستعدة يعني للي هتسمعيه؟!
ضحكت متألمة وجاوبت:
-مستعدة
-بصي يا لونا انا مش عارف ايه حصل معاه بس هو تعبان جداً وعمك كان مدخله مصحه بس مصحة شمال من الاخر.
كانت تتابع ما يقوله بوجه خالي تماماً من الإنفعالات كأنها لديها علم مسبق، غير متفاجئة ولا مصدومة ليكمل:
-أنا عرفت إزاي أضغط على عمك وخرجته من المصحة الي كان حاجزه فيها ودلوقتي باباكي في مصحة محترمة وكبيرة .
فهمست بوجع:
-عايزه أزوره.
جعد مابين حاجبيه وسأل:
-انتي مش متفاجئه خالص!!
-عمي يعمل الأكتر من كده…بابا كان بيهلوس قدامي وبيكلم ناس مش موجودة وفجأة أختفى وانا كنت بلف حوالين نفسي.
جلست على أقرب مقعد تحاول الا تبكي فيما اقترب منها ماهر يجلس بجوارها وهمس:
-أهدي ماتعيطيش.
فقالت مباشرة:
-عايزه أروح له.
ليجيب:
-الزيارة ممنوعة عنه.
نظرت له بحده كبيرة وشك عظيم تراه لا يتخير عن عمها بشيء ليزفر بضيق ثم قال:
-من غير البصة دي انا مش بشتغلك..الزيارة فعلاً ممنوعة عنه ولفترة كبيرة بس عشان تطمني انا هاخدك أعرفك المستشفى عشان تبقي عرفتي إسمها ومكانها وهخليكي كمان تتكلمي مع الدكاترة بنفسك وتعرفي الحالة وتشوفيه من بعيد.
تهلل وجهها تسأل:
-بجد يا ماهر؟!
مسح على شعرها بحنان يقول:
-بجد يا لونا.
أبتسمت عيناها كأنها تشكره لتتسع إبتسامته ومالبث ان إشتعلت عيناها تسأله بشك كبير:
-وانت ازاي عرفت تدخله مصحه كبيره ومحترمه من غير ما يكون لك اي سلطة عليه ولا حتى صلة قرابة.
-عمك هو الي خلص كل الإجراءات بصفته أخوه.
-وهو ازاي عمي وافق بسهوله كده؟!
ضحك بزهو قلدها حرفياً:
-أنتي لسه ماتعرفيش من هو ماهر.
فانتهزت الفرصة تحاول المضي في خطتها للنهاية:
-طب وياترى ماهر هيقدر يرجع لي فلوسي من عمي.
ضحك ضحكة خبيثه قد تشكلت على جانب ثغره فهو لن يعطيها ماقد يحررها او يساعدها على الوقوف على قدميها بدونه لذا قال:
-دي قصه كبيره قويّ ومحتاجه روقه يا لونا خلينا نمشي واحده واحدة والمهم دلوقتي نطمن على باباكي.
-بس انا محتاجه للفلوس عشان أصرف منها، بابا فلوسه ماشاءالله تكفيني العمر كله من غير ما أحتاج لحد.
اااااه…هنا مربط الفرس…المال سيغنيها عنه وعن الجميع وهو يريدها دوماً بحاجه إليه لذا قال:
-عارف…بس واحده واحدة
-هو ايه اللي واحده واحده ..عمي ده سكير وبتاع قمار وكمان بيتعاطى يعني هيخلص على الفلوس مش هيفضل لي حاجة.
كانت تتحدث بحرقه وإشتعال أمام ذلك البارد الذي بات هو من يضع يده على أموالها وهي لا تعلم ثم قال:
-أنا هتصرف.
لعق شفته بلسانه وقال وهو متعب منها:
-بس هاتي حضن بقا.
إبتسمت له بضيق شديد فهل إشتراها هو؟! لكنها عمّدت سريعاً لتغيير دفة الحديث:
-حاضر..بس ..أحمم..كنت عايزه أكلمك في حاجة كمان.
سألها بنفاذ صبر، ملهوف عليها:
-إيه هي؟
-عايزه شغل.
ابتعد وقد رفع احدى حاجبيه ثم ضحك يردد:
-شغل؟!
-اه
-ليه؟!
-عشان اصرف على نفسي.
-أنا هصرف عليكي
-مانا مش هقبل بكده.