
علي نغمات و صوت كارم محمود و أغنية «مـ,ـرحب شهر الصوم »، و روائح و نفحات رمضان تـ,ـجول في شوارع المحروسة و الحـ,ـواري، و مـ,ـتاجر الفوانيس و ياميش رمـ,ـضان… و هنا بداخل إحدي الأحياء الشعبية الشهيرة في محافظة الجيزة، حي إمبابة الشهير، و بأعلي ذلك البناء القديم حيث يحلق أعلاه سرب من الحمام الزاجل يقوم هذا الشاب مـ,ـتوسط القامة بالصـ,ـفير و التلويح بعلم كـ,ـبير، أمتدت إيدي ذات ملمس ناعم و رائحة ذكية فوق عينيه، أبتسم و قال:
-قال يعني لما تغمي عيـ,ـنيا مش هاعرفك.
أبعدت كفيها عن عينيه و لكزته في كتفه قائلة:
-أنت رخم أوي علي فكرة.
ألتفت إليها و أخبرها بنبرة تلعب علي أوتار فؤادها المُغرم به حتي النخاع:
-و أنتي حلوة و جميلة أوي يا ليلة.
ظل يحدق في عينيها مبتسماً و بداخله يريد أن يعانقها و يحلق بها مثل هذا السرب المحلق في السماء ، شعرت بالخجل من نظرته الـ,ـثاقبة تلك فتهربت و قالت:
-شوفت بقي نستني اللي كنت جاية لك عشانه.
أخرجت من حقيبتها ورقة رفعتها أمام عينيه و بكل سعادة أخبرته:
-أولاً أنا جيت لك عشـ,ـان أقولك كل سنة و أنت طـ,ــ,ـيب بما أنه أول يوم رمضان بكرة و كمان عشان أنا جبت ٩٠٪.
شبه إبتـ,ـسامة ظهرت علي شفاه قائلاً بإقـ,ـتضاب:
-مبروك.
أدخلت الشهادة إلي حـ,ـقيبتها و سألته و القلق و التوتر يداهمان قلبها من ردة فعله التي لم تكن تتوقعها:
– مالك مش مبسوط ليه، حساك زعلان؟
ولي ظهره إليها و أغترف بيده حبات القمح من الكيس البلاستيكي مُجيباً علي سؤالها:
-مين قال كده،أنا فرحان ليكي بس..
صمت فوجدها تقف أمامه مباشرة تمسك بساعده و تسأله بترقب:
– بس أي؟
أطلق تنهيدة من أعماقه ثم أخبرها:
-خايف من أخوكي ليرفض جوازنا عشان فرق التعليم اللي ما بينا.
قطبت حاجبيها قائلة:
-دي حاجة تخصني أنا هو مالهوش دعوة.
– و لما يرفضني زي المرة اللي فاتت و يسمعني كلمتين مالهمش لازمة!
داهم الحزن ملامح وجهها عندما تذكرت ذلك اليوم الأسود عندما تقدم عمار لخطبتها و قام شقيقها برفضه بحُجة إنه ليس يمتلك عمل مُستقر و لم يمتلك سُبل المعيشة البسيطة ليعطي إليه شقيقته.
ردت علي حديثه و هي تمسك بيده لتطمئنه:
-ما تقلقش أنا الحمدلله خلصت من الثانوية العامة و هادخل الجامعة، و عقبال ماتفتح الدراسة هاشوف أي شغلانة و أهو قرش مني علي قرش منك يبقي معاك حق الشبكة و جمعية ورا التانية نقدر نجيب العفش.
زادت كلماتها أوجاعه، زفر بضيق و قلة حيلة، أخبرها بحدة:
– و فكرك بقي أنا هوافق علي حاجة زي كده!
صاحت بنفاذ صبر و من فرط خناق شقيقها الذي يفرضه عليها:
– هو مفيش غير كدة، عمار أنا بحبك و بحلم باليوم اللي هابقي معاك فيه و لينا بيت و حياتنا الخاصة، نفسي أصحي علي صوتك مش زعيق أخويا و خناقه يا إما معايا يا إما مع مراته،أنا تعبت و مابقتش قادرة أستحمل.
و مع أخر جملة داهمها البكاء، فأطلقت لدموعها العنان، أقترب منها و كاد يعانقها أوقفه رنين هاتفها، أنتفضت و أخرجت الهاتف من حقيبتها، أتسعت عينيها بفزع عندما رأت إسم زوجة شقيقها فأدركت سبب الإتصال.
ــــــــــــــــــ
و في البناء المقابل تقف تلك السيدة ذات الثلاثة و الثلاثون عاماً و إمارات الـ,ـخوف تغزو ملامحها لاسيما بعدما سمعت صوت زوجها الذي ولج للتو من الباب مُنادياً عليها بصوته الأجش المُخيف:
-هدي ، يا هدي.
ألقت نظرة أخيرة علي شاشة هاتفها و تمتمت بصوت خافت:
– يخربيتك يا ليلة لو عرف أنك خرجتي و مارجعتيش لحد دلوقت هيقـ,ـتلني و هيقـ,ـتلك.
-بت يا ليلة.
تركت هاتفها علي القطعة الرخامية و خرجت إليه تبتسم له بتصنع:
-أنت جيت يا سي حـ,ـبشي، أنا أفتكرتك هتيجي بالليل.
جلس علي أقرب كرسي و قام بخلع حذائه المتسخ قائلاً:
-لا أنا قفلت الورشة بدري النهاردة،أصل الولاه صامولة جدته تعيشي أنتي.
عقبت بقليل من الحزن:
-لا حول ولا قوة إلا بالله ده أنا لسه شـ,ـيفاها ديك الـنـ,ـهار كانت فرشة الفجل و الجرجير.
عاد بظهره إلي الوراء بأريحية:
-عمرها كده بقي ربنا يرحمها، أومال فين البت لـ,ـيلة لسه ماصحيتش؟
تجنبت النظر إليه حتي لا يكشف كذبها قائلة:
– شكلها نايمة أصلها كانت شغاله معايا في الشقة بنحضر لرمضان بقي و كده،كل سنة و أنت طيب.
و بعدما أنتهت من إجابتها نظرت إليه لتتأكد من إقتناعه، فوجدته يرمقها بنظرة أخري و سألها:
-هم العيال لـ,ـسه مارجـ,ـعوش من عند أمـ,ـك؟
هزت رأسها بإيجاب:
-اه، أصل أختي رجـ,ـعت من السفر و أنت عارف العيال بيحبو خالتهم قولت أسيبهم لها و هابقي أروح أشـ,ـوفها و أخد العيال و أنا راجعة.
نهض و أقـ,ـترب منها و عينيه تنضح بنظرات جـ,ـريئة سافرة، سألته بإرتباك:
-فيه حاجة يا سي حبشي؟
جذبها من خصرها و أخبرها:
-فيه إنك وحشتيني.
قطبت حاجبيها و سألته بعدم فهم كالبلهاء:
-وحـ,ـشتك إزاي يعني ما أحنا في خـ,ـلقة بعض كل يوم.
هزها بين ذراعيه و عينيه تنضح بنظرة إشتهاء:
-ما تفهمي بقي يا أم مخ تخين، بقولك وحشتيني، و بكرة رمضان.
عقدت حاجبيها بضيق ثم رمقته بنفور و إشمئزاز قائلة:
-ريحتك كلها شحم و جاز.
تركها و قام بأستنشاق ثيابه:
-عندك حق،كان عندي شغل كتير إمبارح و نسيت أجيب لك الهدوم تغسليهم، عشر دقايق هادخل أخد دش و أرجع لك فُلة.
و بعدما دلف إلي المرحاض، ركضت الأخري إلي باب المنزل تسترق السمع إلي خطوات تلك القادمة، صوت المفتاح في قفل الباب، سبقتها هي و قامت بفتحه، شهقت ليلة عندما وجدتها في وجهها:
-خضتيني يا هدي حرام عليكي.
جذبتها الأخري إلي الداخل و أغلقت الباب بهدوء حتي لايصدر صوتاً يصل إلي زوجها، دفعتها إلي غرفتها لتوبخها:
-أخص عليكي يا ليلة ،هي دي النص ساعة و جاية!
-هو جه؟
سألـ,ـتها بـ,ـخوف بعدما نظرت نحو الـ,ـخارج و سمعت صوت إنهمار صنبور المياه في المرحاض، أجابت الأخري:
-اه جه و سألني عليكي، قولت له أنتي نايمة، خليكي هنا بقي لحد ما أخلص الغدا، ألا قوليلي صح عمـ,ـلتي أي؟
أخرجت الشـ,ـهادة من حـ,ـقيبتها و قالت بشبه إبتسامة:
-أتفضلي.