
رددت و هي تنظر إلي النسبة المئوية:
-بسم الله ماشاء الله، كده تقدري تدخلي الكلية اللي نفسك فيها.
جـ,ـلست علي حافة الفراش و أخبرتها بسأم:
-تفتكري حبشي هيخليني أدخل الكلية بعد ما حلف عليا ما هاخرج من البيت!
ربتت عليها بمواساة و قالت:
-معلش ده شـ,ـيطان و دخل ما بينكم، هو بيحبك و خاف عليكي لما طلعتي الرحلة من غير ما تقولي له.
عقبت بحزن و بنبرة مليئة بالشجن:
-يعني هو سكت، ده فرج عليا أصحابي و الناس و جرني زي العيلة الصغيرة في الشارع و جابني علي هنا و دور عليا الضـ,ـرب لولاكي كان زمانك بتقرأي عليا الفاتحة.
أطلقت الأخري تنهيدة لا تعلم بماذا تواسـ,ـيها أو تخفف عنها آلامها، تدرك مدي قسوة زوجها علي شقيقته لاسيما بعد وفاة أبويهما نتيجة حادث سير و كانت ليلة في العاشرة آنذاك، تولي بعدها حبشي تربية شقيقته و هو في العشرين عاماً و رفض تدخل أو مساعدة أحد من الأقارب، لكن كلما كبرت زادت قسوته و طغيانه عليها، و فوق كل هذا لديه أسوأ الخصال و هو البخل!
ــــــــــــــــــــــ
و في إحدي الأبنية القريبة ولجت تلك الـ,ـمرأة ذات الوجه العابس و المتجهم،تغزو تحمل الكثير من الأكياس البلاستيكية المليئة بالخضروات و الفاكهة، تتمتم بصوت غاضب:
-لسه نايمة لي لحد الضهر يا ست عايدة والله عال ما هو لو اللي معاكي ليه كلمة عليكي مكنش بقي ده حالك.
و بداخل إحدي غرف الشقة تتقلب عايدة بتأفف و تلكز زوجها:
-أصحي يا جلال و أخرج لأمـ,ـك بدل ما أنا ما أخرج لها و أنت تزعل في الأخر و تقولي أمي.
زمجر الأخر و يزيح يدها عنه:
-أخرج لها شوفيها عايزة أي، أنا عايز أنام و مش ناقص صداع.
-هو ده كل اللي ربنا قدرك عـ,ـليه، نام يا أخويا نام ده اللي باخده منك و بس.
أزاحت الدثار بتأفف و نهضت، ذهبت لإرتداء عباءة محتشمة فوق منامتها القطنية، و ألقت علي رأسها وشاحاً ثم خرجت ترفع زواية فمها جانباً، فقالت لها حماتها بسخرية:
-صباحية مباركة يا عروسة، نقش الحنة لسه علي رجلك!
رفعت إحدي حاجبيها بإمتعاض:
-و ليه المسخرة اللي مالهاش لازمة دي علي الصبح،أنا فضلت سـ,ـهرانة لحد ما إبنك رجع الفجر من الشغل.
ألقت ما بيدها فوق المنضدة و قالت:
-تعالي خدي الحاجة دي و أبدأي جـ,ـهزي في حاجة فطار بكرة ، و خـ,ـدي بالك معتصم كلمني الصبح و زمانه علي وصـ,ـول يعني عايزه كل يوم الأكل اللي بـ,ـيحبه مش اللي علي مزاجكك أنتِ و جوزك.
إبتسامة عارمة دبت علي شفتيها:
-هو خد الأجازة و لا أي؟
جلست علي الأريكة ذات الطراز القديم و خلعت و شاحها، أجابت:
-واخد أجازة شهرين بالعافية،يا دوب ألحق اشوف له عروسة بدل ما العمر يجري بيه نفسي أفرح بعياله قبل ما أمـ,ـوت.
كانت الأخري تجترع الماء فأصابها السعال، و عندما بدأت تهدأ قالت:
-و مستعجلة عليه ليه، قصدي و هي العروسة دي هانلاقيها فين بالسرعة دي!
-الـ,ـبنات علي قـ,ـفا من يشيل ياخـ,ـتي، و معتصم إبـ,ـني جدع زي القمر طول بعرض و كسيب و لو شاور بصباعه بس كل البـ,ـنات هيقولو له أمرك.
و كأنها أنتبهت إلي شئ فأردفت بصياح:
-أنتي لسه هاترغي معايا روحي يلا أعملي اللي قولت لك عليه و أنا هادخل أصلي الضهر و أجي أحصلك.
ـــــــــــــــــــــ
يتجمع كلا من حبشي و ليلة و هدي حول مائدة الطعام المستديرة، كان الأخر يأكل بنهم ثم يجترع القليل من الماء و يمسح علي شاربه الكث، ينظر إلي شقيقته الشاردة في صحنها التي لم تتناول مـ,ـنه ملعقة واحدة، سألها:
-مابتاكليش ليه؟
أنـ,ـتبهت إلي سؤاله، و قبل أن تجيب وجدت زوجة أخيها ترمقها بنظرة و كأنها تخبرها بأن عليها الحذر في حديثها معه حتي لا تسبر أغواره.
أجابت بهدوء بالغ:
-أنا جبت ٩٠٪.
ما زال يأكل و علي غرار توقعها كان مُبتسماً و أفحمها بتعقيبه علي كلماتها:
-و أنا أعملك أي ما تجيبي ٩٠ و لا ١٠٠٪ حتي، أنا كده كده حالف عليكي ما هاتكملي تعليمك و كفاية عليكي الثانوية العامة عشان تبقي تقرطسيني تاني و تطلعي رحلات من ورايا.
تركت الملعقة و نهضت قائلة:
-و الله دي حياتي و أنا حـ,ـرة فيها، أنت مجرد واصي عليا في الميراث آه، لكن حياتي الشخصية لاء.
شـ,ـهقت زوجته و ضـ,ـربت بكفها علي صـ,ـدرها، جحظت عينيها ترمق الأخري بأن تتراجع عن قولها قبل أن يفتك بها، و ما لبث سوي لحظات حتي تردد صدي صرخات ليلة و شقيقها يجذبها من خصلاتها:
-سمعيني تاني كده يا روح أخوكي اللي قولتيه من شوية، أصـ,ـل سـ,ـمعي تقيل أو الـ,ـظاهر العلقة بـ,ـتاعت المرة اللي فاتت مكنتش كـ,ـفاية.
أنهال عليها بلطمة تلو الأخري و صفعات، صرخت زوجته:
– أبوـ,ـس إيدك يا حـ,ـبشي سـ,ـيبها لتموـ,ـت في إيدك هي مكـ,ـنتش تقصد.
زجرها بنظرة نا*رية أرعبتها و قام بتهديدها:
-عليا الطلاق كلمة تاني لتكوني عند أمك، ملـ,ـكيش دعوة أخـ,ـتي و بربـ,ـيها.
ظلت ليلة تصرخ من ضـ,ـربه المُبرح لها و جذبه لخصلاتها التي أقتـ,ـلع البعض منها بين أنامله حتي أنقذها صوت رنين جـ,ـرس الـ,ـمنزل، توقف عن عنفه و دفعها إلي غرفتها يأمرها من بين أسنانه:
-غوري علي جوة و ما أسمعش ليكي نفس لحد ما أرجع لك.
ذهب ليري من الزائر، فتح الباب وجد طفل صغير من إحدي أطفال الحارة يخبره:
-أسطي حـ,ـبشي، فيه جماعة واقفين قدام الورشة بيـ,ـسألو عليك.
قطب حاجـ,ـبيه بإسـ,ـتفهام قائلاً:
-ياتري يطلعو مين دول كمان، ما هو يوم باين من أوله؟
و بعدما غادر، ذهـ,ـبت زوجـ,ـته لمواساة تلك الـ,ـمسكينة الباكية، تربت عليها بحنان:
-معلش يا ليلة حقك عليا أنا، أخوكي و الله بيحبك بس إيديه سابقة دماغه.
رمقتها الأخري بسخط و أعين غارقة بالدموع، صاحت في وجهها:
-حب أي ده اللي يخليه كل شويه يضـ,ـربني و يذل فيا!
أثرت هدي الصمت لاتملك حق الدفاع عن زوجـ,ـها الآثم، طالما توسلت إليه بعدم التعرض لشقيقته بهذا الأسلوب المؤذي فما كان من الأخر سوي التهديد و الوعيد إذا لم تكف عن رشده.
ـــــــــــــــــ