
على الطـرف الاخـر في احـدى المدن ” الواحـات ”
كان يقف هو .. ” مُهاب عز الدين حماد ”
يتحسس خصلاتـه السوداء القصيرة، وصـوت أنفاسه الخشنة تعلو بوضوح كموسيقى لرفضًا مأسـور بين دائـرة الإصرار !!!
نظـر لوالده الذي يقف امامه عاقدًا ذراعيه ومنتظرًا رده :
-أنا مُش هفضـل مستني زي خيبتها كدة كتير يا مُهاب !! الناس مستنين بره يلا ؟
إلتفت له اخيرًا بمنكبيـه العريضين، لتحتـد نبرته وتُحيا خواطـره المعُاكسة وهو يخبره بنزق حاد :
-بابا أنت متخيل الموقف ؟! أنت جبتني في محافظة تانية ومن غير ما تقولي عشان تفاجئني عايزني اكتب كتابي دلوقتي !!! لا ومتفق مع الناس ماشاء الله
تنهـد والده بقـوة .. قبل أن يتجلى صوته وهو يحاول إقناعه :
-اسمـع يا مهاب .. أنت عارف إن دي صفقة عمل لو ده اللي هيخليك توافق، لو مافيش بيننا وبين الناس دي علاقة تربطنا عمرها ما هيتنازلوا لنا عن الارض اللي عاوزين نبني عليها المشروع !
وعندمـا لم يجد ردًا منه أكمل في حماس :
-ثم إن البنت مش وحشـة.. دي بنت ناس ومحترمة وألف من يتمناها
هنا لم يتمالك نفسه عند تلك النقطـة التي يحور حوله رفضه المطلق :
-دي مش أي واحدة، دي طفلة !! أنت عايزني أتجوز طفلة عندها 16 سنة لسة ؟!
رفـع الاخر كتفيـه هامسًا بقلة حيلة :
-دي اكبر بنت، مفيش اكبر منها، وبعدين مالها 16 سنة .. ده أنت حتى هتربيها وتكبرها على طريقتك ؟
أغمـض عينـاه بقهـر .. لأول مرة يُجبـر على شيئ .. !!
ولكن إن كانت مجرد صفقة .. فهو من سيُحركها كيفما شاء .. بل ويُبدل خيوطها إن اراد …
نظر لوالده يهتف في هدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة :
-موافق .. بس افتكر إنك قولت إنها مجرد صفقة، محدش هيعرف إني اتجوزتها ابدا ؟؟
اومـأ والده يتنهد باستسلام :
-ماشي، المهم ننزل دلوقتي عشان المأذون مستني، وماتنسـاش يا مهاب أنا فهمتهم إنك كنت مسافر وإنك عايز تكتب الكتاب عشان تبقى براحتك ولو محصلش نصيب خلاص
تقـوس فمه بابتسامة ساخرة تنـم عن صـراع مُربك يدور بين ثنايـاه، قبل أن يسأله :
-والطفلة بقا اية اللي هيجبرها على واحد زيي ؟
ظهرت ابتسامة مُتنامية على ثغره المجعد وهو يخبره بثقة :
-اهلها كمان عاوزين يتمموا المشروع، أنا عرفت أصلاً إن ابوها اتوفى، وعمها هو اللي مسؤل عنها، وانتم هتقعدوا في القاهرة اساسا، فالموضوع امان ماتقلقش
اومأ موافقًا بضيق ..
-اما نشوف اخرتها، بس يا انا يا هي !!
هبطـوا جميعهم بهدوء يحاولوا رسم تلك البسمة على وجوههم ..
وما هي ألا دقائق حتى هبطت زوجته المستقبلية … عفوًا طفلته المستقبلية !
فرحـة بحـياة العزوبيـة تُسن تحـت ضغط والـده !!
لو والدته معهم الان فلن يتم هذا الزواج، ولكن اسفًا سلبها الموت منه !!!
وعلى أي حال .. هو لم ولن يخسر، سيتزوج مرة واثنان وثلاثة وعشـر … !
اخيرًا تم عقـد .. ليصـدح صوت عمها مهللاً بابتسامة هادئة :
-الف مبروك يا ولاد
اشـار للفتـاة التي تنكس رأسها ارضًا، وكأنها تخفى عنهم رفضها المبطن لتلك الزيجـة الخانقـة !
وتخفي حُفر كان من المفترض أن يشقها قمـر السعادة .. ولكن صدمتها شمس الحياة القاسية فصـارت تنزف السعادة كـدماء الخسارة !!!!
لتسمع عمها يقول :
-تعالي يا سيلين سلمي على جوزك يلا يا حبيبتي
ابتلعت ريقها بازدراء هامسة :
-حاضر
اشـار لها مهاب قبل أن تصل له، لتخترق جملته الرجولية التي زينتها نبرته الجادة الرجولية :
-بعد اذنكم انا عايز اقعد انا وهي لوحدنا، اعتقد احنا كتبنا الكتاب عشان نبقى على راحتنـا بقا
اومأ عمها في حبور :
-طبعًا .. وأنت محل ثقة أنت ووالدك، احنا هنخرج بره وانتوا خدوا راحتكم
وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى خرج الجميع لتبدأ هي في فرك اصابعها وهي تراه يجلس لجوارهـا تمامًا .. بل يكاد بكون ملتصقًا بها !!
فجأة شعـرت بيده تمسك بيدها يحطيها بكفه العريض.. وتلقائيًا حاولت الابتعاد عنه مغمغمة :
-لو سمحت يا استاذ مهاب
وكانت تلك اول مرة ترفـع له وجهها فيرى عينيها التي كانت كسطحًا شهيًا من القهوة !!!
بعد صمت تعمق فيه النظر لعينيها همس بسخرية وهو يشدد من قبضته على يدها :
-مالك يا عروسة ؟ ده انا زي جوزك يعني ؟؟
عضت على شفتها السفلية تهمس بصوت يكاد يسمع :
-احنا محتاجة شوية وقت اخد عليك فيه الاول لو سمحت
لم يمنع نفسه من التفوه ضاحكًا :
-تاخدي عليا ؟ أنا لو اتجوزت كان زماني مخلف قدك يا سيلين !!
نكست وجهها ارضًا .. حاولت تخطي الموضوع .. حاولت التأقلم مع من اصبح زوجها اجباريًا، لتقول :
-ممكن نتعرف شوية .. أنت أكيد عرفت عني كل حاجة لكن انا معرفش عنك الا اسمك وانك شريك عمي بس !
رفـع وجهها بعنف فجأة .. ليُقبلها مكتسحًا شفتاها بقـوة جعلتها تشهق من المفاجأة وهي تستشعر فقدان عذرية شفتاها … بينما يداه تضمانها له بعنف .. حاولت دفعه بضعف وهي تنطق :
-لو سمحت .. مينفعش كدة، ابعد عني
ابتعد اخيرًا يلهث متابعًا بصوت اجش :
-ودي اول حاجة لازم تعرفيها عني، إنتِ مراتي .. يعني انا حر اعمل اللي انا عايزه، حتى لو خدتك وخليت الدخلة النهارده
ثم اكمل بحدة بدأت تظهر في علو صوته :
-سامعة ولا لا ؟
اومأت موافقة .. ليخرج صوتها مبحوحًا على وشك البكاء :
-سامعة
رفع وجهها بقوة يزمجر بغضب :
-ماتعيطيش .. انا مش ناقص شغل اطفال من اولها !! هي ناقصة قرف !
بدأت تشهـق في البكـاء الحاد .. اصبح متيقنة أن حياتعا ستصبح بابًا جديدًا من ابواب الجميع !!
امسكها من كتفيها يرفعها وهو يهزها بقوة :
-قولتلك بس .. مابحبش الضعف ده هه، مش كفاية جواز .. كمان نكد !!
ثم تركها فجأة لتترنج حتى سقطت على الأريكة مرة اخرى متأوهة .. ليغادر هو دون ان يعيرها اهتمام … !!