
بعد مرور بعض الايام …
كان ” أسـر ” صديق مهاب يجلس في مكتبـه داخل الشركة الكبيرة المشتركة بينه وبين مهاب ووالده ..
على كرسيه يستريـح بجسده للخلف .. حتى سمـع صوت السكرتارية تخبره بخفوت :
-استاذ اسر .. دلوقتي جه دور البنت اللي ممعهاش خبرة وعايزة تشتغل اي حاجة
اومأ موافقًا بهدوء :
-تمام .. روحي إنتِ ودخليها اما نشوف حكايتها !
وبالفعل خلال دقائق كانت الفتاة تدلف .. وكانت الصدمة له ..
اذ هي نفس الفتاة الراقصة التي رآها ترقص حينها !!!
فلاش باك
كان يجلس في البهـو .. يُشاهد الراقصات وهن يرقصن بتناسق مع الاغاني الذي اجرهن عم سيلين احتفالاً بعقد قرآن صديقه ” مهاب ” المفاجئ ..
كان يدخن بشراهة وهو ينظر لهن .. يبتسم بسخرية كلما تذكر صديقه الذي تزوج ..
ليلفت نظره فتاة ما ترقص ضمن هؤلاء الراقصـات…
ولكنها لم تكن مثلهن .. سحبت انظاره بتوترها الذي لا يعرف له سبب !!
بالطبـع ليست مشاعـر نغماتها مذبذبة من الأساس في قانون حياته .. ولكن ربما الرغبة ؟!
الرغبة في انثى استطاعت جذب انظاره !!!!
ولكن فجأة انسحبت مسرعة .. وكاد ينهض هو خلفها، ولكن سمع صوت ” مهاب ” يناديـه .. فعكس اتجاهه وذهب له …
باك ###
استفاق من شروده على صوتها الواهن وهي تشير له بهدوء :
-استاذ اسر ؟؟
اومأ موافقًا بابتسامة عريضة متسلية :
-البت الرقاصه ؟!!
حدقت فيه ببلاهه متوترة :
-نعمم !!؟
اعتـدل في جلستـه .. لتُرهبها لوهلة هيئته الجادة !!
اشار لها ان تتحدث باستحقار مردفًا :
-انجزي يلا قولي عايزة اية؟
ابتلعت ريقها بازدراء لتهمس له وهي تنظر ارضًا :
-انا سمعت ان حضرتك عايز موظفين، انا لسة جديدة في القاهرة .. وحد قالي على الشركة، فكنت عايزة حضرتك تساعدني واشتغل هنا ؟
” وهي الرقاصة هتسيب الرقص في الواحات وتيجي القاهرة لية ؟! ”
همس بها بين خواطـره بسخرية .. ولكن يبدو أنها تحاول إظهار الاحترام من تلك الملابس المحتشمة وشعرها الذي غطته الان !!؟
ولكن يومهـا لم تكـن تغطي تلك الخصلات التي يتذكرها جيدًا …
ومن دون مقدمات وجد نفسه يخبرها :
-موافق .. بس هتشتغلي في الكافترية ؟ وتنظمي لي شوية ورق لو احتاجت
نظـرت له بعينيها السوداء التي تخفي خيوط رقيقة من الكسـرة .. لتهمس وهي تومئ مضطرة :
-ماشي موافقة مع اني كنت نفسي اي شغلانة تانية ؟
ظهرت السخرية واضحة في مقدمة حروفه :
-معنديش شغل غير كدة، وابقي قابليني إن لقيتي شغل تاني !!
لا يدري ما الذي جعله يقول ذلك .. ولكن ربما لأنه تيقن أنها لم تراه في تلك الليلة .. بينما هو رآها وبوضوح وهي تتراقص امام جميع الرجال !!
لم تجد مفـر .. فهمست بضعف :
-ماشي .. موافقة يا فندم !!
وتقريبًا تلك كانت بداية جديدة لظلم آخر ستتعرض له .. وما باليد حيلة !!!!
اشار نحو الخارج يخبرها بجدية شابتها الحدة :
-اخرجي والسكرتارية هتوريكِ مكان شغلك عشان تيجي بكره تستسلمي
اومأت موافقة لتغادر بهدوء .. بينما همس هو بشرود :
-لياليكِ سودة معايا يا رقاصة يا شريفة !!
********
كانت ” حنين ” تـقف في تلك الشـرفة التي تطل من خلالها على الشـارع الشبه خالي من السكـان …
ولمَ لا .. المنطقة التي يعيشـون فيها قليلة السكان .. لذلك كان حمزة دائمًا يرافقها في مواعيدها المتأخرة دومًا…
وصدفةً وجدته يهبط من سيارته اسفل المنزل، هو يسكن بالقرب منهم .. فلماذا السيارة اذًا ؟!
وجاءتها الاجابة على هيئة تلك الفتاة ” السكرتارية ” الخاصة به تهبط من السيارة ويدها متشابكة في يده بطريقة حميمية !!!!!
لم تعـرف ما الذي كـور موجات داخلها بالحنق الان .. ولكنها لا تحب تلك الفتاة ابدًا …
بينما في الاسفل .. وقفت تلك الفتاة فجأة تمسك بيد حمزة، فالتفت لها يسألها في هدوء :
-في إية يا شذى ؟ وقفتي لية ؟
كادت تنطق بشيئ ما .. ولكن اقتربت منه كثيرًا حتى لامست لحيته الخفيفة بشفتاها الناعمة .. وصوتها المؤثر كان كتعويذة تحاول القاؤوها على اذنيه :
-لا يا حبيبي بتأكد من مظهرك بس، اصل مشهد الوداع لازم يبقى حلو
كاد يدفعها عنه صارخًا .. انا لا احبك !
ولكن شيئ ما غيم على تلك الضجة ليسود الصمت القهري بعدها داخله
” حنين لن تكون ملكك يومًا .. حتمًا ستصبح لأخر .. وانت .. انت مجرد خالها !!!
حاول الابتسام يجاري تلك ” شذى ” التي تحاول رسم حياة اخرى معه لتكون فيها زوجته .. وهو يعلم ذلك …
ويحاول ترك المساحة الكافية لنفسه لينفرد بقرارته دون تدخل مشاعر هوجاء تقوده نحو رفض اي انثى !!
وصلوا امام البـاب .. فطرق حمزة الباب ولم تمر ثانية حتى وجد حنين تفتح الباب مندفعـة وهي تهتف ببلاهه :
-كل ده .. انا قولت انتوا جرالكم حاجة في المدخل !!؟
كان ينظـر لهيئتها الغير متزنـة، فشعر بيدا تلك تُقيـده وكأنه تصك ملكية لم تُطبع بأسمها يوما !!
لينظر لحنين متساءلاً :
-امال فين والدتك يا حنين ؟
اجابته ولم ترفع عينيها عن ” شذى ” :
-في المطبخ .. تعالى يا حمزة !
تعمـدت نطقها دون حواجـز .. نطقها بحرية بل والتمتـع بالاقتراب ولو لمجرد اسم …
دلفت شذى تمسك بيد حمزة بثقة، وفجأة لوت حنين كعب قدمها عن قصد فمالت على حمـزة فكان هو الاسرع يمسك بها قبل أن تسقط …
وتلقائيًا اصبحت بين احضانه، فتفرقت يداه عن شذى على الفور.. اغمض عيناه مستمتعًا بذلك القرب الذي رفع الحصار عن مشاعر ساخنة تلهب كلاهمـا !!!
وكأن القدر قرر الغطف عليه بتنفيذ أمنيته الوحيدة !!!
انتبه لـ شذى التي هتفت بضيق :
-مش تاخدي بالك يا حنين
امسكت حنين بقدمها وحمزة يمسكها برفق متساءلاً بشيئ من القلق :
-رجلك مالها ؟ وجعاكي !
همست بخفوت :
-شوية
بينما داخلها تبتسم بخبث .. واخيرًا انتبه حمزة لنفسـه التي تتسرب رويدًا رويدًا خاضعة لتلك الدقات اللعينة
ليترك حنين على الفور في نفس اللحظة التي اتت فيها والدتها مرحبة :
-اهلا يا حمزة، تعالى ادخل مستني اية ؟
هـز رأسه نافيًا بجدية :
-معلش يا كاميليا، انا جاي اسلم عليكم عشان مسافر امريكا فـ شغل النهاردة، وشذى معايا طبعا، ويمكن اطول هناك !
كانت حنين تحدق به مصدومة .. سيبتعد عنها !!؟
هي اعتادت وجوده الاساسي في حياتها، استفاقت من شرودها على صوت والدتها تقول بحزن :
-لية كدة يا حمزة .. أنت زي اخويا اللي عوضنا عن وفاة ابو حنين ووحدتنا بين اربع حيطان !؟
تنهد بقوة ليسارع بالقول قبل ان يستسلم :
-معلش شغل مضطر بقا .. اشوفكم على خير
سلم على والدتها وهي تراقبهم بصمت تام .. ليمد لها يده ونظراته متشبثة بالتوهة بين عينيها .. لترفع يدها ببطئ تختضن كفه بوهن !
وبالفعل خلال دقائق معدودة كان يغادر مع تلك الخبيثة التي تهللت داخيا ..
وقلبه يصرخ فيه ” احمق أنت لتبتعد عنها بأرادتك ” !!!!؟
وغادروا والغضب هو فقط من يحتل صدارة مشاعره وحياته ..