
انتهى من كلماته ليتحرك سريعًا خلف شقيقه ليُشير عبدالله لنجله الأصغر بأن يتبع شقيقاه وبالفعل خرج فتنهدت عفاف وتحركت لتجاور زوجها الجلوس ثم وضعت كفها فوق خاصته وتحدثت وهي تربت عليه:
-هدي نفسك علشان السُكر ما يعلاش عليك يا عبدالله
واستطردت بطمأنة:
-إخواته مش هيسبوه إلا لما يقتنع ويسيبه من بنت محمد الأنصاري خالص
هز رأسهُ باستسلام لتنهض هي من جواره متحدثه:
-هروح أعمل لك كباية ليمون تروق لك دمك
نطقتها وانصرفت للخارج تاركة إياه داخل دوامة رعبه على نجله المتهور والذي أثبت له عدم مسؤليته وتفكيره الغير مسؤل
*******
خرج صلاح من غرفة والداه وجد زوجته وزوجة شقيقه جالستان في البهو فسأل زوجته سريعًا:
-فين محمود يا منى؟
أشارت بكف يدها للأعلى:
-كنت شيفاه طالع فوق السطوح وأنا نازلة من شقتي
ثم وقفت لتلحق بزوجها الذي اتجه نحو الدرج سريعًا وتحدثت وهي تجذبهُ من ذراعه:
-هو فيه إيه يا صلاح، خالي كان بيزعق ليه؟
التف لينظر لإبنة عمته وعشق طفولته ليتحدث على عُجالة:
-بعدين،بعدين هحكي لك يا منى
صعد للأعلى وتبعهُ ماجد إلى أن وصلا إلى السطوح ليجدا شقيقهما يجوب المكان ذهابًا وإيابًا بعصبية مُفرطة،اقترب عليه ماجد ليحاوط كتفه باحتواء ثم تحدث:
-إهدى يا محمود وحاول تفكر بعقلك في الموضوع
ليكمل حديثهُ صلاح قائلاً بتوجيه:
-اسمع كلام أبوك وشيل البنت دي من دماغك واقصر الشَر يا حضرة الظابط
بنبرة شديدة الحِدة هتف مأنبًا كلاهما:
-انتوا ليه محدش فيكم قادر يفهمني،أنا بحبها يا ناس،بحبها وبنيت عليها كل أحلامي ومش هقدر أكمل حياتي من غيرها
تنهد صلاح قبل أن ينطق بنبرة هادئة:
-محدش بيمـ,ـوت من الحب يا محمود، بكرة تنساها وتكمل حياتك من غيرها
رمق شقيقهُ بنظرة متعجبة ليهف مستنكرًا:
-إيه يا اخي الأنانية اللي إنتَ فيها دي، ولما انتَ جامد وعاقل أوي كدة، ليه مانسيتش منى وحاربت ماما وقتها لما كانت رافضة جوازك منها وعوزاك تتجوز عزة بنت خالك؟!
استاء صلاح من حِدة شقيقه الأصغر معه لكنه تمالك حاله وتحدث بابانة:
-الوضع كان يختلف وقتها يا حضرة الظابط، فيه فرق كبير بين قصتي أنا ومنى وبين حكايتك مع بنت محمد الأنصاري
واستطرد شارحًا:
-أنا حاربت علشان اتجوز بنت عمتي اللى كانت العقبة الوحيدة لجوازنا هي إن أمي وعمتي مبيحبوش بعض
ليكمل موضحًا الفرق:
-لكن سيادتك رايح تختار واحدة بينا وبينهم تار،يعني لو اخواتها الرجالة عرفوا بالموضوع هتبقى مصيبة ومش بعيد واحد منهم يتجنن ويقـ,ـتلك
كان يستمع لحديث شقيقه وكل ذرة بجسده تنتفضُ غضبًا ليتحدث ماجد بنبرة هادئة مؤكدًا على كلام شقيقه:
-أخوك عنده حق يا محمود، إحنا خايفين عليك
نفض يد شقيقه عنه ليهتف بنبرة حادة وهو يرفع كفاه بصرامة:
-ممكن تسيبوني لوحدي وتتفضلوا تنزلوا، أظن كدة عملتوا اللي عليكم واللي أمركم بيه الحج عبدالله.
نظرا الشقيقان كلاهما للأخر وتنهدا بيأسٍ وتحركا لينسحبا للأسفل تاركين ذاك الذي كاد أن يصرخ بأعلى صوتٍ له لكي يخرج ما بصدرهِ من غيظ وألم وحزنٍ أصابوه،استمع لرنين هاتفهُ الخلوي فمد يده بجيب بنطاله واخرجه لينظر بشاشته التي وما أن رأي نقش اسم حبيبته به حتي شعر بالاختناق وقلة حيلته،بما سيُجيبها الأن، هل سيعترف لها بالحقيقة ويصيب قلبها بالألم، أم سيحتفظ بما حدث بقلبه لكي لا يؤلم قلبها ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
هذا ما سنتعرف إليه في الفصل القادم
يتبع.
بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنتَ سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
الفصل الثالث
ظل ينظر بشاشة هاتفه بحيرة حتى انتهى الإتصال،فزفر بضيق لينظر سريعًا إلى الهاتف حيث صدح صوت رنينه من جديد ليقرر الرد على تلك المرتابة التي وما أن ضغط زِر الإجابة حتى تساءلت متلهفة:
-مبتردش عليا ليه يا محمود؟
رد عليها قائلاً بمراوغة:
-معلش يا حبيبي كنت باخد شاور والفون كان بعيد عني
قطبت جبينها وسألته متعجبة:
-شاور! هو أنتَ مش المفروض كنت قاعد مع بباك وبتفاتحه في موضوعنا؟!
أغمض عينيه وسحب شعر رأسه للخلف بعنفٍ وضيق ثم أخذ نفسًا عميقًا لاستعادة هدوئه وتحدث بابانة كاذبة:
-أنا فعلاً قولت لك كدة بس لما نزلت علشان افاتحه في موضوع خطوبتنا لقيت عندنا ضيوف ولسة موجودين لحد الوقت
كانت تستمع إليه وهي تشعر بالريبة من خلال كلماته، هي أدرى الناس بحبيبها وصوته التي استشعرت من نبراته عدم الصدق لتتحدث بنبرة مُرتعبة:
-قول لي الحقيقة ومتخبيش عليا يا محمود،بباك رفض،صح؟
وكأن بنبراتها المتألمة قد غرست بخِنجرًا بوسط قلبه ليتنهد بألمٍ عميق وتحدث بعدما قرر مصارحتها:
-أنا مش عاوزك تقلقي،أنا كنت متوقع كدة من أبويا، مهو مش معقول هيوافق من أول مرة
شهقة عالية خرجت من صدرها أخبرتهُ شدة بكائها الحار فور استماعها لخبر الرفض ليتحدث هو سريعًا:
-إهدي يا جنة وبطلي عياط، أنا وإنتِ عارفين إن الموضوع مش سهل، وكنا متوقعين الرفض
أجابتهُ بأنفاسٍ متقطعة بفضل بكائها الحار:
-أنا كنت متوقعة إن الرفض هيبقى من أبويا أنا يا محمود،مش من عندكم
واسترسلت بنبرة متألمة:
-تخيل لما بباك إنتَ يرفض، أومال بابا هيعمل إيه لما يعرف
صاح بنبرة حادة يرجع سببها لشدة توتره:
-ممكن تهدي وتبطلي عياط وتديني فرصة أشرح لك اللي حصل
صمتت فاسترسل هو موضًحا بنبرة أهديء:
-أبويا مارفضش الموضوع زي ما جه في بالك، أبويا خايف عليا وحاسس إني بفتح باب اتقفل من سنين وفتحه مش هيجب لحد خير
طب والحل يا محمود؟…سؤالاً خافتًا خرج منها باستسلام ليجيبها بطمأنه:
-متقلقيش يا قلبي،أنا هحل الموضوع وهحاول مع أبويا تاني وتالت وعاشر،ولو اضطريت اخدك ونهرب سوا ونعيش برة مصر خالص هعمل كدة،هستغنى عن شغلي وأهلي والدنيا كلها علشانك يا جنة
كان يتحدث بكثيرًا من الصدق والحماس فأجابتهُ باعتراضٍ حاد برغم عشقها الهائل له:
-إنتَ عارف كويس أوي إني عمري ما هعمل كده، مش أنا البنت اللي تخلي أبوها يطاطي راسه قدام النّاس يا محمود
تبقي مبتحبنيش يا جنة…جُملة نطقها بخيبة أمل لتهتف مصححة فهمه لحديثها:
-إنتَ عارف كويس أنا بحبك قد إيه ومتأكد إني ممكن أمـ,ـوت من غيرك، بس أبويا مايستاهلش مني كدة، مايستاهلش مني أصغره في البلد واخلي سيرته على كل لسان
انتهت من كلماتها لتدخل في نوبة بكاء حادة جعلت قلبه يرق لاجلها زفر بقوة ليتحدث بنبرة حنون:
-خلاص يا حبيبتي متزعليش،حقك عليا
واسترسل كي يزرع الطمأنينة داخل قلبها:
-اطمني يا قلبي،أنا هفضل ورا بابا لحد ما اقنعه، وان شاء الله هنيجي نطلب إيدك في أقرب وقت
واستطرد بنبرة عاشقة:
-مش هتبقى لحد غيري يا جنة،ومحمود مش هيبقى لحد غيرك
ابتسمت من بين دموعها ثم بدأت بتجفيفهم بكفها ليتحدث حبيبها بنبرة حنون:
-يلا يا حبيبتي إنزلي علشان ماتخديش برد، خلي بالك على نفسك يا جنة
حاضر يا محمود…جملة نطقت بها ليتحدث هو بهدوء:
-تصبحي على خير ياقلبي
وإنتَ من أهله…تحرك للأسفل ومنه للخارج تحت صياح عفاف التي باتت تهتف باسمه مع تجاهلهُ التام، تحرك شقيقه ماجد ليلحق به تحت غضب ورفض محمود التام لمرافقة شقيقه له واصرار ماجد على التواجد معه،تحرك بجانبه حتى وصل إلى قطعة أرض ملكًا لوالدهما وجلسا فوق دكة خشبية وبدأ شقيقه بمواساته تحت حزن محمود، أما جنة فتوجهت للطابق الأرضي وجدت والدها الحاج محمد يجلس فوق أريكتهُ تجاورهُ والدتها والتي كانت تسكُب مشروب الشاي داخل الأكواب لتقوم بتوزيعه على الجميع، ويلتف من حولهما أشقاء جنة الثلاث رجال وشقيقتها المتزوجة،وجهت لها والدتها سؤالاً متعجبًا:
-كنتي فوق بتعملي إيه لحد الوقت يا بنتي؟
ده أنا كل ده فكراكِ قاعدة جوة في أوضتك.
ارتبكت حين توجهت جميع الأبصار نحوها فتحدثت بنبرة خرجت متلبكة بعض الشيء:
-حسيت نفسي مخنوقة والجو كاتمة فطلعت اشم شوية هوا على السطوح
هتف شقيقها الأكبر علي مستنكرًا:
-الجو كاتمة؟ جو إيه ده اللي كاتم في شهر يناير يا متدلعة هانم
وقفت سريعًا شقيقتها ليلي وتحدثت وهي تقترب منها:
-ما انت عارف جنة كويس يا علي، طول عمرها بتزهق وبتحس إن الجو حر حتى في عز الشتا
ونظرت إلى شقيقتها وتحدثت:
-تعالي ندخل أوضتك علشان تديني شال من بتوعك أصلي بردت مرة واحدة وأنا قاعدة
اومات لها وتحركت بجانبها إلى أن ولجتا إلى الغرفة لتغلق ليلي الباب وتسألها باهتمام:
-مالك، إيه اللي قالب وشك كدة؟
نكست رأسها لتتحدث بنبرة صوت مختنقة:
-محمود فاتح بباه في موضوع جوازنا
سألتها ليلي متلهفة:
-وبعدين؟
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته لتنظر لشقيقتها وتجيبها بيأسٍ:
-بباه رفض يا ليلي
لم تتفاجأ ليلي باستماعها للحديث مما جعل جنة تقطب جبينها وتسألها متعجبة:
-مش شيفاكي متفاجأة بالكلام؟
أجابتها بكثيرًا من الهدوء:
-علشان ده التصرف المتوقع من أي حد عاقل يا جنة
لتسترسل حديثها تحت ترقب الأخرى لبقية الحديث:
-موضوعك إنتَ ومحمود محكوم عليه بالفشل، وأي حد فدماغة ذرة عقل عارف انه مينفعش يحصل نسب بين العيلتين، إلا إنتَ ومحمود علشان مراية الحب عمية عيونكم