روايات

رواية بقلم ايه محمد

الفصل الأول.
(دكتور عما تفرج!)
انطلقت اذاعة القرآن الكريم بالراديو الخاص بالمكتبة الضخمة التي تنحاز على طرفي شوارع الحارة الشعبية، ومن جوارها كان زيت (الفلافل) يبقبق بصوتٍ يبدو للبطون الجائعة شهي للغاية، ومن بين المارة تجد من يحمل الخبز واللبن، وغيرهم ممن يجلسون على القهوة التي يقتصر مشروبها على الشاي الساخن رغم اسمها (المودرن)، وهناك بالطابق الأراضي سيدة مسنة تستند على سور شرفتها القصير، لتفرد الملابس بعد أن أزالت اتساخها، تظنها ضعيفة لا تقوى على خدمة ذاتها وخير ما تمتلكه خدمة نفسها دون الحاجة لمساعدة أحدًا، الشارع يملأه ضجيج لعب الأطفال وضحكاتهم الطفولية، البيوت متراصة باتحاد بنايتها، وكل منزل يحمل قصة لا تخص سواه، ومن بينهم منزل الحاج فتح الله المنحدر على طرف الطريق الرئيسي، وكان منزله مشهور بامتلاك بوابة ضخمة مثيرة للاهتمام، عاد صاحبه إليه فدفع بابه رجل مسن في أواخر الستين من عمره، ووضع عكازه جانبًا، ثم وضع (الفلافل) والخبز الساخن على الطاولة واتجه للغرفة الجانبية، فاغتاظ من الظلام الحالك الذي يضربها، تغاضى عن سماعه لصوت ذاك الذي يغفو فيصدر صوتًا مزعجًا، واتجه للنافذة، حررها على أخرها ليغمر الغرفة ضوءٍ كان مكروه لمن ابتعد عن سكنته، وكأنه ينحدر لكائنات أكلة لحوم البشر التي تخشى الضوء القاتل لها، فردد بتكاسلٍ وهو يحرك جسده الرفيع المتناسق مع طوله:
_أيه يا جدو.. مش هتفكك من الخصلة دي، اعتبرني ساكن جديد يا عم وسبني نايم.
لوى العجوز فمه بازدراء، وردد ساخطًا:
_مهو أنا لو مربي معزة كانت نفعتني عنك يا عديم المنفعة والرباية.. أنا غلطان اني مودتكش أي ملجأ ولا دار أيتام كانوا ربوك أحسن من كده.
جذب “مؤمن” الوسادة وضمها اليه بحرمان، وأخذ يلوح له بضجرٍ:
_حفظنا الاسطوانة الحامضة دي.. فكك مني بقا يا جدي .
وببسمة واسعة قال:
_حاج فتح الله.. هو أنا مش عملتلك جرس تحت هنا عشان كل ما تلاقي نفسك زهقان ترن على عمي وولاده.
هز الجد رأسه ردًا على سؤاله الغريب، فقال بفرحةٍ بعدما أصاب هدفه:
_حلو.. روح صحي عم أحمد عنده شغل كتير.. وبالمرة شوف يونس كل يوم يروح البنك متأخر المدير هيطرده لكن أنا شخص عاطل موريش شيء غير النوم يرضيك نبقى احنا الاتنين مطرودين!
استشاط الجد غضبًا، وخاصة حينما دفعه هذا الأحمق لتذكر ما فعله، فقال:
_أنت مالك فخور أوي كده إنك اتطردت.. خيبتي عليك وعلى فلوس معاشي اللي ادتهلك تفتح بيه مشروعك اللي خرب بيتنا ده.
برق بعينيه البنية وهو يردد بدهشةٍ:
_مشروع الفراخ فاشل! ده من أنجح المشاريع انتوا بس اللي مسمعتوش كلامي وقللتوا جرعة الدوا اللي حطتوها للكتاكيت في المية.
ردد الجد بصدمةٍ:
_ياريتنا كنا حطنالك الجرعة دي في الأكل وخلصنا منك يا شيخ، على الأقل لما تتنفخ زيهم كنت ترحمهم وتعرف تشخص الحالة صح، لو كنت ادتهم الجرعة كاملة زي ما قولت كان زمانهم انفجروا مش اتنفخوا!
استنكر نظريته، وعاتبه بشهادته العليا:
_لا الدوا ده مفيد للدواجن أنا دكتور بيطري وفاهم أكتر منك! ، ولو حضرتك بتلقح عليا اكمني يعني صاحب المزرعة طردني فده لاني حذرته وقولتله الجاموسة دي مينفعش تبيعها لتاجر يبعها لحم، مسمعش كلامي فقولت للتأجر على الدور اللي عندها ادله علقة سخنة لما معرفش يرجعله الفلوس اللي اخدها أنا ذنبي أيه يرضيك يا فتحالله الناس تأكل لحمة فاسدة! هروح فين من ربنا، ولا لما القيها لابسالي جلابية بيضة وبتجري ورايا في الحلم هو أنا ناقص! كفايا أنت عليا.
جلس الجد على المقعد وأشار له بنفاذ صبر:
_مقولناش حاجة يا سيدي، بس نحل الموضوع بالعقل.. مش نخلي الراجل يستعوض الله في ماله وعمره اللي هيقضيه بالسجن!!
هرع “مؤمن” خلفه، وجذب المقعد ليقربه منه، وقال ببسمة مصطنعة:
_بص يا جدو أنت عندك حق، أنا فعلا اخترت المشروع الفاشل، بس اوعدك ان المرة الجاية هختار صح.
كاد بأن يصيب بذبحة صدرية، فأشار له بصدمةٍ:
_هو لسه في مرة تانية!
هز رأسه بتأكيدٍ وهو يخبره بما يخطط لفعله:
_أنا عايز الفلوس اللي سبهالي بابا وماما الله يرحمهم، هشغلها والمرادي أنا متفائل المشروع هينجح.
وضع الجد يده على موضع قلبه، وبصعوبة بالغة قال:
_عايز تكسر الوديعة وتضيع شقا أبوك.. ولما أروحله هقوله أيه ابنك محفظش على مالي جازفت واديته شقا عمرك!
رفع احد حاجبيه بضيقٍ اتبع نبرته المشككة لحديثه:
_هو مش سايبلي الفلوس دي وأنت قولت هتدهاني!
هز رأسه بتأكيدٍ:
_حصل بس لما تلاقي بنت الحلال هديلك ورثك كله تجهز بيه شقتك وتعمل اللي أنت عايزه.
رفع اصبعه على ذقنه وهو يفكر في حل منطقي لحل تلك المعضلة، فهمس لنفسه قائلًا:
_هحلها ازاي دي.. أنا ضامن القى واحدة مناسبة ليا في الزمن ده…افرض بطختي طلعت قرعة!
*****
بالطابق العلوي.
كان يغفو بغرفته بعمقٍ بعد قضاء ليله بالدراسة لشقيقته قبل موعد اختبارها، فقلق منامته صوت طرق باب الغرفة الصاخب، فتح عينيه الزيتونية بتكاسلٍ، وهو يردد بصوته الرجولي الهادئ:
_أيوه!
اتاه صوتها يخبره:
_أنا مسك يا يونس.. عايزة أسالك عن حاجه قبل ما انزل الجامعة.. أدخل؟
أبعد عنه الغطاء، ثم انحنى يجذب التيشرت الخاص به، ارتداه وهو يخبرها بصوتٍ ناعس:
_ادخلي يا حبيبتي.
فتحت باب الغرفة، واتجهت اليه بابتسامتها الرقيقة، فقالت بصوتها الرقيق الناعم:
_صباح الخير يا يونس.
رفع يده يداعب خدها وهو يجيبها بحنان:
_صباح الورد يا مسك.. لسه منزلتيش الجامعة!
هزت رأسها وهي تجيبه:
_لبست وبستنى البنات يعدوا عليا، بس قولت ادخل لاخويا الكبير العسل يديني مصروف زيادة بما إنه اتوظف في بنك كبير محترم، هيقدر ان المصروف اللي بابا بيدهوني مبقاش ينفع بالزمن ده ولا أيه؟
تعالت ضحكاته الرجولية، وهو يستمع اليها بمكرٍ، فاستقام بوقفته ودنى من خزانته الخاصة، سحب “يونس” مبلغ من المال ثم قدمه لها وهو يخبرها بمشاكسةٍ:
_هيكفي لو بطلتي تخلصي مصروفك على الميكب أب والحاجات الغريبة اللي بتشتريها.. قولتلك الف مرة شكلك أحلى من غير المكياج والقرف ده بس هنقول أيه تفاهة بنات.
تجهمت تعابير وجهها، فاغدفت عن نقاء بشرتها الحنطية، فازداد ضحك، التقطت “مسك” المال منه ثم قالت بحتقٍ:
_خف شوية لسه هنزل تحت لمحاضرات جدي، ورزالة ابن عمك الغتت
لذكرها المشاكسات التي مازالت تجمعها بمؤمن الشبيهة بمغامرات القط والفأر جعلته يبتسم، فأشار لها وهو يلتقط المنشفة ومعجون أسنانه الخاص:
_انزلي بدون مشاكل مع مؤمن يا مسك، مش ناقص حوار من بابا على الصبح بسبب خناقكم ده.
عدلت من طرف حجابها الطويل أمام المرآة وهي تجيبه بضجرٍ:
_أنا في حالي دايمًا هو اللي لسانه طويل وبيتخانق مع دبان وشه.
ارتفعت صيحات الفتيات من أسفل نافذة المنزل، فاسرعت للخروج وهي تلوح له:
_همشي انا عشان متأخرش.
حملت “مسك” حقيبتها، وجذبت كتبها الموضوعة على الطاولة وحملت حذائها على يدها ثم ركضت للاسفل، وهي تحاول ارتدائه، وصلت للطابق السفلي، فاستندت على باب شقة جدها لترفع الحذاء لقدميها في نفس لحظة فتح “مؤمن” الباب، لتندفع الأخيرة من حوله حتى كادت بالسقوط أرضًا، انكمشت تعابير وجهها غضبًا، فاستقامت بوقفتها لتشير له بعصبيةٍ:
_أنت مبتفهمش!
ضيق عينيه بسخريةٍ، فقال وهو يشملها بنظرةٍ خاطفة:
_كنت بنجم عشان أعرف ان سيادتك ساندة على باب بيتي!<!–nextpage–>
وانخفض ببصره تجاه حذائها الغير مرتب، ثم قال:
_ثم إنك مبتلبسيش جزمتك من فوق ليه، الكام دقيقة اللي هتربطي فيهم رباط الجزمة هيعطلوا وزارة التربية والتعليم في حاجة!
جزت على أسنانها بغيظٍ، واستعدت لمعركتها اليومية مع هذا القط السليط، فصاحت بانفعالٍ:
_اما انت انسان متدني ومعندكش ذوق، ده بدل ما تعتذر بتديني محاضرة وأنا متاخرة على الامتحان وعايزة اعدي السنة الاخيرة دي على خير!
ضحك بصوت استفزها، وخاصة حينما ردد بتسلية وهو يلتهم الفلافل الساخنة:
_دي أمنيتك أنا عارف، تخلصي الدراسة وتتجوزي فتى الاحلام اللي يسافرك أمريكا زي ما بتحلمي!
عند ذكره لحلمها الثمين، خرجت عن طور هدوئها، فصاحت به وهي تحذره باشارة اصبعها:
_إياك يا مؤمن، لحد هنا ولو اتكلمت مش هيحصلك كويس.. وبعدين انت مالك أنا حرة إن شالله احلم أروح شيكاغو انت هتتحكم في دي كمان!
هز رأسه مؤكدًا:
_طبعًا، لما تروحي أمريكا مع سعيد الحظ هقعد أنا وأخوكي هنا نهبب أيه، يدينا التأشيرة واحنا نروح نشتغل هناك ان شالله حتى نقف على عربية كبدة مدام الطب معتش بيأكل عيش.
وضعت يدها بمنتصف خصرها وهي تجيبه باندفاع:
_وما تسافرش انت ليه، ما أنت على قلبك فلوس ورث أد كده.. تخليك تسافر اسبانيا لو حابب.
تجعد وجهه وهو يدعي الحزن الذي لحق نبرته الساخطة:
_هما فين دول… أطولهم بس وأنا هعمل العجب.
قاطع حديثهما يونس الذي هبط من خلفها يعقد جرفاته، فقال بتريثٍ:
_ابتدينا.. احنا لسه على الصبح!!
أسرعت بتقديم شكواها قبل أن يسبقها:
_هو اللي بدأ.. أنا اتاخرت بسببه.
اتجهت نظراته الصارمة تجاه مؤمن الذي قابلها بالحنق، وراح يخبره:
_اختك دي عندها قدرة عالية إنها تقفل يوم أي حد.
واتجه للأريكة، فجلس وهو يردد بملل:
_أهو… مش خارج يارب تكوني انبسطتي!
خرج الجد من مطبخ المنزل يجفف يده المبتلة بالمنشفة، ليصيح به:
_انت لسه هنا!!
انتصب بوقفته سريعًا، وهرع للأسفل وهو يشير ليونس بعدم فضح أمره، فتعالت ضحكاته وقال هو يشير لمسك:
_تعالي انا هوصلكم بعربيتي.
لحقت به وهي تردد بتوتر:
_بسرعة قبل ما اللجنة تبدأ.
*******
سئم البحث عن عمل كعادة كل يومٍ يقضيه بالبحث، كونه طبيب يأهل له سرعة الحصول على عمل هكذا المنطق الذي لا ينطبق بالأونة الأخيرة، عاد مؤمن للمنزل، ليجد زوجة عمه بالأسفل تملأ المائدة بأطيب أنواع الطعام، وما أن لمحته حتى أشارت له ببسمة هادئة:
_اقعد يلا يا حبيبي.
واتجهت للدرج الجانبي، ثم ضغطت على الجرس فهبط يونس وأبيه للأسفل، بينما خرجت مسك من المطبخ حاملة عصير البرتقال الطازج، سكبته بالأكواب وجلست بمقعدها، اجتمع الجميع على المائدة بعد انضمام الجد إليهم، والصمت يغمرهم كالستار المبجل، إلى أن حطمه الجد حينما سأل ابنه:
_والعريس اللي جاي يشوف مسك بنتك هيجي أمته يا أحمد؟
فور سماعها لتلك الجملة اللازعة كالليمون بالنسبة لها سعلت بقوةٍ كادت باسقاط الشوربة عن فمها، فناولها يونس منديل ورقي وهو يكتم ضحكة كادت بالانفلات منه، وخاصة حينما أجاب أبيه:
_العريس جاي لوحده بكره بليل يا حاج.. وبعد كده هيجي هو وأهله لو حصل نصيب.
وأضاف وهو يتطلع تجاه زوجته وابنته:
_شاب محترم وابن حلال، وملوش في عك الشباب بتوع اليومين دول.
التهم مؤمن قطعة الدجاج، فلاحظ ان لونها داكن بعض الشيء، فرفع جزء منها للأعلى وهو يتساءل بشكٍ:
_اوعى يكون اللي في دماغي صح!
اتكمشت ملامح عمه بيأس من مقاطعته المعتاده لأي موضوع هام مطروح بين أفراد عائلته، فرد عليه يونس باستهزاءٍ:
_دبحنالك جوز فراخ من اللي أنت كنت أويهم على السطوح، متخافش دي فراخ تصدير محلي وكله مثبت بالأوراق!
مسح لسانه بالمنديل الورقي ليزيح المتبقى من الطعام، وقال بغضب:
_غير صالحة للاستعمال الادمي يا بني آدم، عايز تموتني عشان تورث اللي مش عارف أورثه!
حرك الجد اصابعه على السبحة وهو يردد بصوتٍ مسموع:
_لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم… توب علينا يا رب!
القى مؤمن المنشفة ونهض وهو يصيح باندفاع:
_بتحفل عليا يا فتحالله، بقي دي اخرتها سايب ابن ابنك الكبير يتريق عليا، ومرات ابنك قفشالي فرختين طالعين من السونا!
فشلت فاطمه بالسيطرة على ضحكاتها، ورددت قائلة:
_والله أبدًا دي حتى فراخ بلدي تربيتي مش بيضة زي اللي أنت كنت جايبها!
جلس محله مجددًا واستكمل طعامه بنهمٍ، فقال بحرجٍ حينما لاحظ نظراتهم المندهشة إليه:
_مدام حمرة نأكل بنفس.
منحته مسك نظرة محتقنة كالشرارة، وتساءلت بسخطٍ:
_أنت ازاي دكتور بيطري ومش قادر تفرق بين الفراخ البيضة والبلدي!
رسم ابتسامة كادت بالوصول لأذنيه وهو يجيبها:
_أنا من الدفعة بتاعت التابلت مطبقناش اللي واخدينه عملي.. وبعدين جدك اللي مصمم يخليني دكتور بالعافية، مفيش قسم رضى بيا الا الحيوانات!
همس الجد بحنقٍ:
_الحيوان غلبان مبيعرفش يستنجد من الطور اللي بيعالجه!
وأشار الجد ليونس قائلًا:
_قوم يا ابني عشان نلحق الصلاة، وأبقى هات ابن عمك في ايدك ليدخل ينام للفجر زي كل يوم!
وتركهم وغادر، فلحق يونس ومؤمن به لقضاء الصلاة الجماعية بالمسجد، وحين عودتهما اتجه كلا منهما لغرفته، والتفكير مازال يقتص من عقل مؤمن حول تنفيذ مشروعه الخاص لعدم حصوله على العمل المناسب، لا يعلم بأنه يأجج فتيل الخيط الذي سيعد بمثابة طاقة خفية ربما تكون قدرًا من ذهبٍ أو باب من أبواب جهنم!<!–nextpage–>
………… يتبع………الفصل الثاني..
(فن إختيار العروس!..)
كعادة الأم المصرية باستقبال عريس قادم لرؤية ابنتها، قامت فاطمة وابنتها مسك بتنظيف المنزل جيدًا استعدادًا للضيف الهام، فقضوا يومهما الطويل بتنظيف غرفة الضيافة والمنزل بعناية، وبالمساء عاد يونس من الخارج بعلبٍ الحلوى الباهظة، وزجاجات المياه الغازية، وغيرها من التسالي، فولج للمطبخ ثم وضع ما بيده على الطاولة المستديرة المتوسطة للمطبخ الصغير، وقال بلطفٍ وهو يمنح والدته بسمة صغيرة:
_الطلبات أهي يا ست الكل شوفيها لو ناقصة حاجة مؤمن بره هبعته يجيبها.
انتهت من صنع أطباق حلوى (المهلبية)، ثم جففت يدها بالمنشفة الصغيرة، ودنت منه لتتفحص ما أحضره ابنها، وبحنان زائد ربتت على كتفيه العريض وهي تخبره بابتسامةٍ مشرقة:
_مش ناقص حاجة يا حبيبي.
هز رأسه وهو يردد:
_طب الحمد لله.. هخرج أقعد مع مؤمن لحد ما الناس توصل.
أوقفته وهي تشير للشعلة الصغيرة:
_خد قهوته وأنت خارج.. كنت محضرهاله.
اتجه يونس اليها، فسكبها بفنجان صغير، ثم خرج بها لمؤمن، فوجده يلهو بڤازة الورد الصغيرة، حتى مزق ورقاتها وألقاها بعشوائيةٍ، برق بعينيه وهو يلتفت خلفه ليتأكد من انشغال والدته بالداخل، فهرع اليه، وضع الكوب عن يده وهو يصيح بصدمةٍ:
_يخربيتك بتعمل أيه؟
أجابه بضجرٍ وهو يلاقي أخر ورقة بالورد البلاستيكي:
_بشوف حظي زي اللي بيشوفوا وكالعادة طلع منيل بنيلة!
انحنى يونس بجسده الممشق الممتد صدره وذراعيه بالعضلات الغير مبالغ بها لهوسه بالذهاب للجيم التابع لاحد أصدقائه، على عكس مؤمن كان يملك جسد طبيعي للغاية ولكنه لم يكن بالسمين، حمل يونس الاوراق من الأرض سريعًا واتجه بها لسلة المهملات، كاد بألقاها ثم عاد بها وهو يردد بصوتٍ كان مسموع لمن يتابعه بحيرةٍ من استكشاف امره:
_أوديهم فين دلوقتي.. منك لله مسك لو شافتهم هتعلقك مكان النجفة دي بتاعت جهازها بتطلعها للغالين وبعد كده بترجعها في الشنط تاني.
ذم شفتيه ساخطًا:
_خليها تلم العدة وتفردها كل ما عريس يجيلها… أهو تجدد وتشتري الحديث لان مفيش عريس هيسلك معاها بشرطها الخايب ده.
واسترسل بمنطق ظنه مفهوم لمن يحدق به:
_هي الناس لاقية تأكل عشان يسافروها أمريكا! حلمها غريب أوي بصراحة، البنات بتحلم ببوكيه ورد، علبة شوكولاتة غالية ودي طالعه السما.
جذبه يونس من تلباب قميصه الأبيض، فجحظت عين مؤمن الذي تخشب جسده بين يد ابن عمه، وردد برجاءٍ:
_القميص مكوي عند عمي اسماعيل ب١٥ج، ايدك بعيد عن القميص لانادي على فتحالله يطلعلك من تحت بالشومة!
وضع يونس الورقات بجيب قميصه العلوي، ونسقها لتبدو ظاهرة لمن تقف قبالته، ابتسامته الماكرة منحت مؤمن نبذة مختصرة عما يود فعله، فلف جسده تجاه من تفتح بابها وتستعد للخروج، جحظت عينيها البنية في صدمةٍ، وهي توزع نظراتها بينه تارة وبين الڤازة المنتزع فروعها، فاقتربت منه وهي تردد من بين اصطكاك أسنانها:
_أنت اللي عملت كده في الڤازة؟
هز رأسه يسارًا ويمينًا، فاتسعت حدقتيها بشكٍ جعله يعود لهزها للأسفل، فضربت مقدمة المقعد الفاصل بينهما وهي تصيح بجنون:
_ليلتك سودة يا مؤمن ده أنا شاريها من العباسي ب١٣٠ج، قسمًا بالله ما أنت نازل من هنا الا لما تدفعهم.
تحرر لسانه الثقيل عن طلتها التي اكتسبت اعجابه، فستانها الزهري الطويل، وحجابها الأبيض الذي تدلى من خلفها بنعومةٍ، وجهها الذي يحتفظ بالقليل من ادوات التجميل، رموشها الطويلة التي زادتهم هي طولًا فبرزت جمال لون عينيها الشبية للون الهرة، ريثما هي القطة البيضاء التي تمتلك عينين أجمل من كل ما رأهما في رحلة تصنيفهما بلقب القط والفأر كالمعتاد، من تكون تلك الحورية ليصنفنها بالفأر، بل هو الفأر والابشع من ذلك إن تطلب الأمر، كان عليه أن يسترد هيبته التي اطاحها تعصبها الشديد، لذا قال بمشاغبةٍ:
_ما تهدي يا عروسة للبهيه تسيح قبل ما العريس يجي، مكنتش وردتين لعبت بيهم دور البائس وأنا قاعد كده، اهدي كده وخدي نفس عميق عشان الواد اللي جاي يعين ده!
ادلت شفتها السفلية وتشدقت قائلة:
_خد أنت نفس عميق وأنت بتتكلم عني وعن جمالي، الظاهر إنك من كتر ما بتتعامل مع البهايم والحيوانات بقت متفرقش عنهم!
استدار برأسه ليونس الذي يحتضن رأسه بألمٍ شديد، واستحضره ليشهد على وقاحتها:
_شوفت أختك بتقول أيه؟
كز على أسنانه بغيظٍ جعل صوته محتقن:
_شايف وسامعك أنت كمان.. أنا امنيتي في الحياة كل واحد منكم يتجوز ويغور من هنا عشان أنا اللي ارتاح.
تعالت ضحكات مؤمن وقال بتسليةٍ:
_هتستريح فين وأنا شقتي فوقك بالظبط، وبعد كده لما تتجوز هتطلع انت في الدور اللي فوقي، زي دلوقتي انت فوق وانا تحت مع فتحالله، يعني بالعربي يبقى الوضع على ما هو عليه للممات يا ابن عمي.
التقط نفسًا مطولًا ثم انسحب لأبعد أريكة، فأخرج هاتفه ووضع سماعته الخارجية بأذنيه ليتغاضى عن تلك المعركة التي تحتد لأبعد حد، وانتهت بصياح مؤمن وهو يشير اليها بعنفوانٍ:
_يعني الوردة دي اللي مزعلاكي!
_آه هي.. بعد كده متمدش ايدك على شيء يخص جهازي.
أشار لها بابتسامةٍ واسعة وقال وهو يتجه للطاولة مجددًا:<!–nextpage–>
_بس كده عيوني.
وانحنى يجذب الڤازة ثم قذفها تجاهها وهو يصرخ:
_أدي الڤازة العرة ام ١٣٠ج ولا تسواهم.
سقط الڤازة أرضًا أمام قدم العريس المنتظر في نفس لحظة اشارة الجد له بترحابٍ، بعدما اصطحبه للاعلى مرددًا:
_اتفضل يا حبيبي بيتك ومطرحك.
سقط الورد أسفل قدم الشاب، هرولت مسك لغرفتها بينما حان من الجد نظرة نارية لمؤمن، وقال ببسمة مصطنعة يخفي خلفها حرجه:
_فرشنلك الأرض ورد من محبتنا فيك.. اتفضل يا حبيبي اتفضل.
وأشار ليونس باتباعه لغرفة الضيافة، فتفاجئ به مغلق العينين والسماعات مازالت موضوعة بآذنيه، أشار مؤمن لجده بأنه سيتوالى أمره، فجذب الوسادة الصغيرة ودفعها لتصيب وجه يونس، الذي فتح عينيه الملتهبة بجحيم غضبه الحارق، فاقترب منه وقد تخطى الغضب محتجزه، ابتلع مؤمن ريقه بارتباكٍ فتراجع للخلف وهو يشير له على الغرفة:
_جدك عايزك العريس وصل.
لف يده حول رقبته وردد بحنقٍ:
_لو شوفتك جوه هرميك من شباك المسقط.
تهديده قذف اليه مشاهد بائسة من طفولته، حينما كان يحمله يونس كشوال البطاطا ويقذفه من النافذة التي تنحدر على طرف المنزل فكان يسقط بالطابق السفلي كثمرة البطيخ التي تتناثر أجزائها بكل اتجاه، لعق شفتيه عله يمنحهما رطوبة تمحي جفائهما وتسلل من بين يديه ليجلس على المقعد، ثم جذب قهوته يرتشفها على مهلٍ وهو يخبره ببسمةٍ مصطنعة:
_خلص وأنا هنا مستنيك.
لاح على وجه يونس بسمة انتصار، فمنحه نظرة عنجهية أخيرة قبل أن يتابع خطاه الثابت للداخل، تابعه مؤمن حتى اختفى من أمامه فإشرأب بعنقه وهو يسبه:
_أياكش تقع وتنكسر رقبتك يابو طويلة يا أهبل!
وعاد لمقعده بابتسامة رضا لما فعله، وكأنه استرد حقه أمام ما فعله يونس، وما هي الا ثوانٍ وانتبه مؤمن لمسك تتسلل على أطراف أصابعها حتى وصلت اليه فقالت ببسمة حماسية:
_ها.. حلو؟
ضيق عينيه باستغرابٍ:
_هو مين؟
اجابته بانفعالٍ:
_العريس!
بسخريةٍ ردد:
_مستعجلة على أيه الوقتي تدخليله.. الشيء الوحيد اللي حلو في الليلة إنه هيملي كرشه وهينبسط من واجب الضيافة أصل العريس يا عين أمه محتاج تغذية، تحسيه عمود نور واخد وش بهية نبيتي!
واسترسل قائلًا بتريثٍ:
_المفروض نكتب على البيت من تحت اننا فاتحينها معونة للعرسان البهتنين، كل عريس يجي يتأوت هنا أكل وشرب وبعدها يترفض بذمة.. ما من الأول من غير ما تكلفينا تورته وجاتو وحاجة ساقعة ولب وحلويات انتوا ماشين بمبدأ خش خد ضيافتك وعين واخرج وانت ساكت!
لم يثير حديثه غضبها تلك المرة، استمعت اليه وما أن انتهى قالت ببسمة واسعة:
_وهرفض ١٠٠ لحد ما ألقي الشخص المناسب اللي يحققلي حلمي ويوديني شهر العسل في أمريكا.
ضرب كف بالأخر وهو يردد:
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، أفهمها ازاي دي يا ربي!<!–nextpage–>
وعاد ليشير لها بانفعال:
_يا حبيبتي دي مواصفات خارج قاموس البشرية نفسها مش العريس المصري الشقيان!
واسترسل بعد تفكير:
_خلاص وقعي ثاري عربي في غرامك أهو وقتها الحلم هيكون على قد اللحاف!
قاطعت فاطمة حديثهما، حينما أشارت اليهما بالاقتراب لحمل الصواني التي أعدتها بعنايةٍ، فحمل مؤمن صينية الحلويات، بينما حملت مسك المشروبات، وانصتت الى والداتها التي تهمس لها بالتعليمات المعتادة:
_خلي ابن عمك هو اللي يدخل الأول، وانتي وراه… ومتصحكيش كتير أنا عارفاكي هربانه منك.
هزت رأسها فعادت لتسترسل بتحذيرٍ هام:
_وأوعي أوعي تجيبي سيرة أمريكا والسفر والجنان بتاعك ده…سامعة يا مسك.
عادت لهز رأسها، فضحك مؤمن ثم قال بمرحٍ:
_أول ما هيقعدوا لوحدهم عيدي لحد تلاته هتلاقي العريس قايم يجري بعد ما يسمع حكاية السفر دي.
واتجه للداخل فلحقت به، وما هي الا دقائق معدودة حتى خرج الجميع وتبقت مسك بصحبة العريس بمفردهما، ومؤمن يجلس على الأريكة يعد من واحد للرقم العاشر وعينيه لا تفارق الباب، بانتظار لحظة هروب عريس الغفلة كما وصفه!
*******
بالداخل.
بسمة الابتهاج تلك تعرفها جيدًا، اعتادت على رؤيتها على وجه أي عريس تقدم لخطبتها، هي ليست بالدميمة، فتاة بملامح قد تكون عادية ولكنها رقيقة وتمتلك جمالها الخاص كأي فتاة ترتب من ثيابها وحجابها، بدأ الحوار بينهما، حتى أنهته مسك بسؤالها المفاجئ، فقطعت ما يحضر للنطق به من البداية لحظة جلوسها أمامه، فقالت لتحسم قرارها بشأن تلك الزيجة، قبل أن يطول الأمر بجلوسها الغير محبب:
_هو أنت أيه طموحاتك عن ما بعد الزواج؟
أسبل بعينيه بدهشةٍ من سؤالها المبهم، فقال:
_مش فاهم!
أوضحت أكثر عما تود قوله:
_يعني مثلًا هتقدر تسافرنا شهر عسل بأمريكا.
اتسعت حدقتيه وهو يستمع لما تقول، فردد ساخرًا:
_شهر عسل بأمريكا.. لو كنت أقدر أسافرلها كان زماني متجوز من أربع سنين فاتوا!!
نهضت مسك عن مقعدها لتشير إليه بضيقٍ:
_يبقى ميلزمكش الجوازة دي يا ريس، شيل بوكيه الورد واتكل على الله.
بدى مشدوهًا لما يحدث هنا، فحمل الزهور وهرول للخارج مسرعًا قبل أن تتحول تلك الفتاة الغامضة..
******
مع اشارة يدها بالعد الثامن حتى وجد العريس يهرول لباب الخروج بوجهٍ مصفر، يركض وكأنه خرج من منزل الاشباح للتو، تابعه الجميع بنظراتٍ بائسة، تحركت على من خرجت خلفه تخلع عنها فستانها لتجلس ببيجامتها التي ارتدتها أسفل الفستان احتراز احتياطي لما سيحدث هنا، اشاحت بحجابها لتظل ب ( البندانة) االتي تحجب شعرها القصير عن الأعين، القت حجابها أرضًا وهي تشير لهم بتحذيرٍ سابق قبل الخوض بمعركة الحديث بعد كل عريس:
_مش عايزة أسمع كلمة ملهاش لزمة من حد، مش كتير عليا اني اسافر أمريكا، أنا لا عايزة فرح ولا شبكة ولا شقة ولا عايزة حاجة أكتر من إني أسافر أمريكا، وبقولكم أهو انا مش هتجوز الا من شخص يقبل بالشرط ده.
وفتحت باب الشقة وهي تشير اليهم جميعًا بحزمٍ ظنته مخيفًا إليهم:
_انا طالعه على السطوح أقعد مع نفسي أشكيلها حظي التعيس مش عايزة حد يجي ورايا من فضلكم.
وأغلقت الباب من خلفها، فخلفت فراغ وصمت تام يسيطر على الجميع، إتكأ الجد بجلسته على عصاه، فاحنى ذقنه عليها، وردد بحسرةٍ:
_هنعمل أيه.. محدش هيقبل بالدلع ده!
رد عليه يونس ببسمةٍ ساخرة:
_نعملها اعلان على النت يمكن تلاقي سعيد الحظ.. أو ندورلها على عريس عايش في أمريكا وعايز عروسة مصرية دليفري!
احتضن أحمد رأسه وردد بإرهاقٍ نفسي مازال يحاوطه لتلك اللحظة:
_البنت دي هتجنني.. شكلها كده هتعنس جنبي!
استحضرت فاطمة دموعها، ورددت بنواحٍ:
_متقولش كده يابو يونس، ربنا هيبعتلها ابن الحلال وبكره تشوف.<!–nextpage–>
شمل الهكحوار الجد والعائلة بأكملها، الا ذاك الشارد بخطته التي ستجني ثمارها إن تنفذت أركانها مثلما شاء، فانتصب بوقفته وأشار لهم بغرورٍ:
_ولا يهمكم أنا هتكلم معاها وأكيد هتغير رأيها تمامًا.
مشطه يونس بنظرة مستهزئة، انهاها حينما قال بشكٍ:
_بلاش أنت عشان ما تحدفكش من على السطح!
أعدل قميصه وهو يكمل طريقه باتزانٍ وثبات ظنه مهيبًا:
_أنا اللي هحل الموضوع ده… استنوا وهتشوفوا.
كاد يونس باللحاق به، فجذبه الجد بعصاه ليجلس محله مجددًا، فمازحه قائلًا:
_سبها تخلص عليه هو ابن حلال ويستاهل.
*******
بالأعلى..
كانت تجلس أعلى الغرفة التي تتوسط سطح المنزل، اختارت الجلوس جوار خزان المياه الضخم، مكانها المحبب الذي يمنحها شعور مماثل بالجلوس أعلى برج إيفل، لامس الهواء البارد وجهها، فأغلقت مسك عينيها وهي تستمع بذاك القدر الكافي من الهواء المنعش بعيدًا عن ضغط عائلتها، فتسلل إليها صرير الباب الصغير الموصود، فتحت عينيها فتبدلت معالمها المسالمة للغضب، فور رؤية مؤمن يقتحم عزلتها الآمنة، استكمل طريقه للداخل حتى اقترب من السلم الخشبي فأوقفته عن تسلقه حينما قالت بتشددٍ:
_أنا مش فايقة أتخانق معاك يا مؤمن انزل تحت بكرامتك أحسن.
تجاهل نصحيتها المطعنة بتهديد صريح، تسلق مؤمن الدرج حتى أصبح جوارها فوق سقف الغرفة، فأخرج بعضًا من التسالي من جيب بنطاله، ثم قدمها اليها وهو يردد بسخريةٍ:
_سرقتهم من صينية المرحوم قبل ما ادخلهاله.
منحته نظرة مغتاظة، فأشار لها بتناوله، سحبت من يده الممدودة بعضًا منهم، ثم تناولتهم على مضضٍ، والقت القشور بعشوائيةٍ وكأنها تبث انتقامها من البشرية بأكملها بها، راقبها مؤمن بحذرٍ، وهو يحاول البوح عما صعد لأجله، فمزقت هي رداء الصمت العالق بينهما حينما تساءل بريبةٍ:
_هو اللي أنا طالباه كتير، يعني هو لو هيعملي فرح كبير وشبكة مش هيدخل في نفس المبلغ!
ارتسمت بسمته الخبيثة على شفتيه وقد دنى من هدفه دون مجهود منه، فقال:
_ناس أغبية مبيعرفوش يفكروا صح.
ضيقت عينيها بنظرة تحاول كشف ما يحاول مشاكسها فعله هنا، ظنت بأنها سيتخذ جولة صراعهما بصدرٍ رحب، ولكنها وجدته يستمع لها بهدوءٍ على غير عادته، فقالت بذهولٍ:
_هو في أيه؟ جاي ورايا وجايبلي لب وقاعد تسمعني من غير تريقة أنت بتحطط لأيه يا مؤمن!
القى ما بفمه، ثم وضع كيس التسالي البلاستيكي عن يده وقال وهو يتطلع نحوها مباشرة:
_بصراحه لما قعدت مع نفسي وفكرت لقيت الجواز ده فكرة بشعة أوي، اني اروح اخطب بنت غريبة عني وأجتهد في سنة الخطوبة اني أعرفها، وأنا واثق انها فلتر وحقيقتها هعرفها بمعاشرتي ليها بعد الجواز، بالظبط زي البطيخة يا هتطلع حمرا يا قرعة وده اللي متفائل بيه!
انفرج فمها بدهشةٍ لما تستمع اليه، فاستطرد بمنطقيته الباحتة:
_الموضوع صعب ومعتقدش اني جاهز ليه، عشان كده لما فكرت مع نفسي لقيتك الانسب ليا، على الاقل احنا عرفين بعض كويس وعارفين عيوبنا اللي هنحاول نعلاجها بإذن واحد أحد.. وان كان على المشاكل اللي بتحصل بين أي زوجين فنعتبر نفسنا اتدربنا كفايا طول السنين اللي فاتت دي، ثم انك مش هتلاقي حد يستحملك غيري!
جحظت عينيها صدمة، فاتكأت بمعصمها حتى استقامت بوقفتها، وصاحت بعثبية غير عابئة بوقوفها بمكانٍ خطير هكذا:
_أنت بتهزر.. أنا اتجوزك أنت!
جذب معصمها ليجبرها على الجلوس لجواره مجددًا وهو يردد ببسمة ثقة:
_عندي اللي يخليكي توفقي، يبقى ترسي كده وتسمعيني للاخر.
رفضت الانصياع اليه، واردفت وهي تشيح بوجهها عنه:
_اسمع أيه أنت شكلك اتجننت!
كادت بالاتجه للدرج الخشبي فمنعها مؤمن وهو يسرع بقول ما قد يجعلها لجواره مجددًا:
_هسفرك أمريكا وشهر مش أسبوع.
استكانت حركتها بصدمة تفوق التي تخوضها منذ بداية حديثه، فابتلعت ريقها القاحل بصعوبة وهي تجبر لسانها على تريد:
_أنت بتتكلم جد!
هز رأسه وهو يقذ،،ف حبات التسالي لفمه الذي التقطها ببراعةٍ، فتساءلت بعدم استيعاب:
_ازاي؟<!–nextpage–>
اجابها بشرحٍ مبسط لسؤالها:
_لما أقول لجدي اني خلاص هستقر هيكسر الوديعة وهيديني فلوس بابا، ساعتها هاخدك ونسافر بعد الفرح.
صمتت لبرهةٍ تفكر في عرضه المغري، فعمها بعد موت زوجته واصابته بالمرض اللعين خشى على ابنه الصغير، فقام ببيع الأرض الزرعية التي يمتلكها واودعها بالبنك إليه، هي تعلم بأنه يمتلك حسابًا ضخمًا قد يوفر لها احتياجها لرحلتها المجنونة، بللت شفتيها الجافة بلعابها قبل أن تخبره:
_ بس تعملي الجواز وتحجز الرحلة قبل كتب الكتاب.. أنت مش مضمون.
زوى حاجبيه تعجبًا لصراحتها الدقيقة، فابتلع ما قالته دون أن يسحبها لجدالهما المعتاد حينما قال بإيجازٍ:
_موافق!
******
بالأسفل.
كان الجد يرتشف كوب الشاي الساخن جوار ابنه وحفيده، حتى زوجة ابنه كانت تجلس ليمينه، إلى أن تفاجئ الجميع بمن تدفع باب الشقة ومن خلفها مؤمن الذي ردد بثقةٍ وهو يعدل من قميصه:
_هيبقى في فرح وفرحة وكل حاجة بس أنا العريس.
جحظت الأعين بصدمة، أخر المتوقع اليهم ارتباط القط بخنقه، لم يعهد اليهم مرة واحدة تخيلهما معًا، الجميع يعلم يكرههما الشديد لبعضهما، وإن اجتمعوا معًا بجلسة عائلية تشب بينهما الخلافات التي ينجح يونس دومًا بفضها، تحرر الجد عن تمثال جموده، حينما ردد:
_عايز تتجوز قبل اخوك الكبير!
اتجهت عين مؤمن اليه وقال بضحكة تكاد تصل للأذن:
_عندك اعتراض يا يونس؟
نهض يونس عن مقعده وهو يردد بصدمة:
_اعترضي على العروسة نفسها، أنا كنت بحارب افصلكم عن بعض عشان ارتاح كده انا اللي هعاني لاخر حياتي!
……….. يتبع…………الفصل الثالث…
(عش الزوجية!..)
زفاف لم يكن مميزًا كالأساطير التي تقصها اغلب الروايات، كان بسيطًا غير متقن بالمميزات التي يسبق ذكرها على ألسنة الناس لأعوامٍ، تطرف على نصية الشارع الشعبي، تألقت به مسك بفستانها الأبيض الرقيق، ولم ترغب بارتداء فستانًا ضخمًا يعيقها عن الحركة، موعد الزفاف كان مفاجأة للمدعوين على الحفل، لم يصدق أحدٌ بأن تلك الزيجة ستتم يومًا، فاستغرق الاستعداد للزفاف ثلاثة أشهر، حرصت بهم مسك بتحضير أوراق جواز سفرها التي تنشئه لأول مرة، فلم يعنيها ما تحضره والدته من مستلزمات عش الزوجية، أكثر من ارضاء شغفها بالسفر لدولة أحلام طفولتها، وخلال رحلة بحثها على السوشيل ميديا توصلت لرحلة تقوم بها احدى الشركات لامريكا بمجموعة محددة تذهب في رحلة للتخييم، مدتها اثنا عشرة يومًا، فحجز مؤمن لهما على متنها، وها هي الآن تزف لشقتها القابعة بالطابق منزل الحاج “فتح الله”، خلعت مسك حذائها والقته أرضًا بقوةٍ جعلت من يقف خلفها ينتفض بوقفته، فصاح بضيقٍ:<!–nextpage–>
_خضتيني.. انتي بتحاربي!
حملت فستانها ثم ولجت للداخل تاركته مازال يقف بالخارج ويتأمل تأففها بدهشةٍ دفعته للدخول خلفها، فسألها بذهولٍ:
_مالك شايلة طاجن جدك فتح الله ليه؟
جلست على الأريكة بانهاكٍ تام، وقالت:
_أيه كل الفقرات دي، مكنش ناقص غير يعملوا فقرة الساحر!
عدل من جرفاته وهو يجيبها بغرورٍ:
_وبجيبوا ساحر ليه وأنا موجود.
وجلس لجوارها ونظراته تشملها بنظرة خطيرة، جعلتها تتراجع للخلف وهي تردد بخوفٍ:
_في أيه يا مؤمن مالك؟
تساءل باستغراب وهو يكاد يسقط فوقها:
_مالي أيه النهاردة فرحنا!
حللت مقصده بمنطقية لم تعترف بها مسبقًا:
_هو انا كنت فاقدة الذاكرة وانت بتساعدني تراجعلي، ما أنا عارفة ان النهاردة كانت خرجتي من الدنيا.
جذب يدها ليضعها على صدره وغمز لها برغبة صريحة كادت بالتفجج من حدقتيه:
_هناك مشاعر وعواطف تضرب هذا القلب البائس، وما عليكِ سوى الصعود على متن الطائرة لنصعد معًا للفضاء.
سحبت يدها عنه، ودفعته للخلف وهي تصيح بعصبيةٍ:
_مؤمن اتهد في ليلتك دي واعقل، عشان اللي بتفكر فيه ده عمره ما هيحصل يا حبيبي… وإن.. إن يعني حصل مش هيكون غير في أمريكا.
برقت عينيه صدمةٍ لما يستمع اليه، فردد باستنكارٍ:
_نعم.. يعني أحنا هنفضل اخوات كده لحد ما نسافر! يعني هفضل كده عشر أيام!
بدون مبالاة قالت:
_وماله ما إحنا طول عمرنا اخوات مفهاش حاجة لما تستحمل عشر ايام.
رمش بعينيه وهو يردد بعدم استيعاب:
_هو انتي متخيلة اني هضحك عليكي ومش هوديكي عشان كده بتأمني نفسك!
حملت فستانها ونهضت عن الاريكة وهي تجيبه ببسمة واسعة تخالف ظنونه بنفيها هذا الظن المبطن:
_بالظبط.. اختارلك بقا اوضة وانصرف عشان بنام بدري!
اشتعلت جمرات الغضب داخله، فالقى المزهرية المجاورة له وهو يصيح بصوتٍ تسلل صداه للمنزل بأكمله:
_ده انتي ليلتك شبه رغيف العيش المدعم! بقى أنا يتشك فيا وفي وعودي يا بايرة، ده انا اللي نجدتك من فتح الله يا بت وزينتلك حلمك التعيس!
وزعت نظراتها بينه وبين المزهرية الشبيهة لتلك التي قام بكسرها من قبل، حاولت التحكم بغضبها كونها أول ليلة تجمعهما معًا، ولكن محاولتها باتت بالفشل بعد التقاطتها لأكثر من نفسٍ متقطع بصوت مختنق جعل الاخير يردد في خوفٍ:
_هتتحولي ولا أيه؟
انسحبت من أمامه بهدوءٍ كان للاخير مرعبًا، وعادت بعد قليل تحمل زجاجات العطر الخاصة به، فرفع يده يحظرها بنبرة رجاء:
_مسك إوعي، انتي متعرفيش الواحدة من دي بكام وآ…
ابتلع باقي جملته حينما كسرت أول زجاجة برفيوم، ولم تكتفي بها بل اكملت ببسمة حملت راحة واستمتاع لرؤية وجهه الشاحب القريب من فقدان الوعي!
*******
بالأسفل..
جلس على فراشه أمام حاسوبه الخاص، بعدما انعش جسده بحمامٍ دافئ بعد انتهاء ضجة الفرح التي أرهقته أكثر من الحضور، كونه الأخ الوحيد للعروس، والصديق الوحيد لابن عمه، ارتشف يونس من قهوته السادة وهو يتابع حساباته الخاصة بالبنك لانشغاله طيلة الفترة الماضية، شعر بسعادة تغمر قلبه أنه وأخيرًا سيغفو براحة بعيدًا عن مشاكسات مسك ومؤمن، علهما الآن يفضون وقتًا رومانسي لا يحتاجان به لمن يفض النزاع بينهما، بهتت معالم يونس تدريجيًا حينما تسلل اليه صوت اصطدام قوي يأتي من الأعلى، ومن بعدها عدد مرات لا تحصى من اصوات زجاج يكاد يسقط سقف غرفته فوق رأسه، ومع زعزع بدنه أصوات الصراخ المرتفع، وفجأة وجد باب غرفته يفتح ووالدته تهرول اليه بقلقٍ:
_يونس الحق يا ابني اطلع شوف أيه اللي بيحصل فوق!!
وضربت كف بالاخر وهي تستطرد برعب:
_يا ترى عمل أيه معاها الغشيم ده! أنا عارفة ابن عمك
نهض عن فراشه وارتدى ملابسه وهو يجيبها على مضضٍ:
_ومسك اللي ملاك بجناحين.. مش بعيد اطلع القيها هي اللي مخلصة عليه.
أغلق سحاب جاكيته وهو يهمس بسخطٍ:
_هطلع اخبط عليهم ازاي في وقت زي ده بس!!
فتح باب الشقة وكان بطريقه للاعلى، فاستمع صوت جده المنادي من اسفل الدرج، هبط اليه يونس وهو يتساءل بريبة:
_نعم يا جدو.
أشار له وهو يستند على عكازه:
_اطلع شوف المهزلة اللي فوق دي حالا قبل ما الناس تتفرج علينا.. وانزلي عايزك.
هز رأسه وهو يكمل طريقه للاعلى بضجرٍ، دق يونس جرس الباب أكثر من مرة حتى فتح مؤمن الباب، صعق يونس حينما رأى ثيابه مطوية بإهمالٍ، شعره منهدم بعشوائية وكأنه كان بملحمة تاريخية، أما وجهه كان يحمل مخطوطة من الاظافر، تعلق به مؤمن وهو يردد ببسمة واسعة لا تتناسب مع حالته الجسمانية الغير مبشرة بسلامته بالمرة:
_أبو نسب.. اهلا بيك يا حبيبي.
ودفعه للخارج وهو يرجوه بذعر:
_انزل هات المأذون وتعالى بسرعة… اختك جوه استلمها بكرتونتها وعهد الله مجيت جنبها.. خد اختك وسيبولي اللي اتبقى من الشقة حق المصاريف اللي صرفتها على الجوازة المنيلة بنيلة دي.
دفعه يونس للداخل، ثم أغلق الباب من خلفه، وصاح بغضبٍ:
_اهدى كده وفوق الجيران حولينا لما يسمعوا الصريخ ده كله هيقولوا علينا ايه! والمصيبة انك انت اللي بتصرخ يا رجولة!
أشار له ليستدير وهو يخبره:
_طب بص كده وشوف بنفسك.
وبالفعل التفت يونس للخلف، فصدم حينما وجد شقيقته تحمل نوع فاخر من السكاكين (سطور)، وباليد الأخرى يد المكنسة وما أن ولج يونس للداخل حتى اخفتهما خلفها ورسمت ابتسامة ترحيب، أشار لها بدهشةٍ:
_ايه اللي انتي عملاه في الراجل ده!
القت الاسلحة النووية من يدها وهي تشكو له:
_الانسان ده مهزء كسرلي ڤازة تانية من اللي انا جيبها ويستاهل قطع رقبته.. ولو زاد فيها هنعيد احداث المرأة والسطور من تاني عشان يلم نفسه من أولها كده.
تمرد بصراخه العاصف:
_مسك احترمي اخلاقك بدل ما وربي أنا اللي هربيكي، انتوا مش هنا لوحدكم الجيران حوالينا وجدك لو طلع هنا هيبهدلكم انتوا الاتنين.
ردت عليه قائلة:
_يبقى يخليه في حاله ويعدي ليلته على خير بدل ما يطلع منها على القبر.
اتجهت نظرات يونس لمؤمن الذي تعلق بذراعه مرددًا بتوسلٍ:
_خدني معاك متسبنيش مع أختك في شقة واحدة يا يونس دي متوحشة وممكن تقتلني!
دفعه بعيدًا عنه وهو يصيح بانفعال شرس:
_هو انا سايب ابن اختي عند امنا الغولة، فتنشف كده يا عم فلقتني… امال عملي فيها باتمان ومتسربع على الجواز ليه اما انت ملكش فيه.. اتكن في جنب لاخلص عليك أنا.. سبني انزل لجدك اشوف في ايه تاني مانا حلال مصايب العيلة.
هز رأسه باقتناعٍ، فمنحهما يونس نظرة اخيرة قبل أن يرحل وهو لا يستوعب ماذا يحدث بينهما!
*******
هبط يونس للأسفل، فوجد الجد فتح الله بانتظاره، جلس جواره وهو يسأله باحترامٍ:
_خير يا جدو!
استند الجد على عصاه وهو يبادله بسؤالٍ أخر:
_حليت الموضوع؟
هز رأسه بتأكيدٍ، وهو يضيف بتريثٍ:
_كلها حلول مؤقته… كنت فاكر انهم هيعقلوا بعض الجواز!
رد عليه الجد بعد صمت زرع القلق في نفس يونس:
_مش هيحصل.. والخوف الأكبر تصميمهم على السفر لامريكا.<!–nextpage–>
أجابه يونس بمزحٍ يلطف الاجواء:
_هيقتلوا بعض هناك.
انجرف الجد عن مساره المطروح، وقال بجدية تامة:
_أنا قررت انك تروح معاهم.
اتسعت حدقتيه بدهشةٍ:
_أنا! ازاي ده انا ورايا شغلي مستحيل المدير هيقبل بكده، وبعدين انا ازاي هطلع معاهم شهر العسل!
طرق الجد بعصاه وهو يؤكد على عدم ترجعه بقراره:
_اللي عندي قولته يا يونس، قدام عنينا وبيحصل كل ده الله اعلم بغيابنا وببلد غريبة زي دي هيعملوا ايه، رجلك على رجل اختك.
يعلم جيدًا عناد الجد، فإن ظل العمر بأكمله يحاول اقناعه بشيءٍ لن يفعل الا ما يجده صائبًا، فرضخ اليه:
_حاضر.
وجه اليه اخر تحذير:
_عايزك تروح فاضي وترجع زي ما روحت، أصل رفضك للارتباط ولاكتر من عروسة ده مقلقني منك، عينك لو زاغت على بنات بره هتزعل يا يونس.. بنات بلدك مقصروش في حاجة.
ضحك يونس بصوت مسموع جعل الجد يشاركه الضحك، وهو يردد بصعوبة بالحديث:
_والله ما خايف الا منك!
…………. يتبع………..الفصل الثالث…
(عش الزوجية!..)
زفاف لم يكن مميزًا كالأساطير التي تقصها اغلب الروايات، كان بسيطًا غير متقن بالمميزات التي يسبق ذكرها على ألسنة الناس لأعوامٍ، تطرف على نصية الشارع الشعبي، تألقت به مسك بفستانها الأبيض الرقيق، ولم ترغب بارتداء فستانًا ضخمًا يعيقها عن الحركة، موعد الزفاف كان مفاجأة للمدعوين على الحفل، لم يصدق أحدٌ بأن تلك الزيجة ستتم يومًا، فاستغرق الاستعداد للزفاف ثلاثة أشهر، حرصت بهم مسك بتحضير أوراق جواز سفرها التي تنشئه لأول مرة، فلم يعنيها ما تحضره والدته من مستلزمات عش الزوجية، أكثر من ارضاء شغفها بالسفر لدولة أحلام طفولتها، وخلال رحلة بحثها على السوشيل ميديا توصلت لرحلة تقوم بها احدى الشركات لامريكا بمجموعة محددة تذهب في رحلة للتخييم، مدتها اثنا عشرة يومًا، فحجز مؤمن لهما على متنها، وها هي الآن تزف لشقتها القابعة بالطابق منزل الحاج “فتح الله”، خلعت مسك حذائها والقته أرضًا بقوةٍ جعلت من يقف خلفها ينتفض بوقفته، فصاح بضيقٍ:
_خضتيني.. انتي بتحاربي!
حملت فستانها ثم ولجت للداخل تاركته مازال يقف بالخارج ويتأمل تأففها بدهشةٍ دفعته للدخول خلفها، فسألها بذهولٍ:
_مالك شايلة طاجن جدك فتح الله ليه؟
جلست على الأريكة بانهاكٍ تام، وقالت:
_أيه كل الفقرات دي، مكنش ناقص غير يعملوا فقرة الساحر!
عدل من جرفاته وهو يجيبها بغرورٍ:
_وبجيبوا ساحر ليه وأنا موجود.
وجلس لجوارها ونظراته تشملها بنظرة خطيرة، جعلتها تتراجع للخلف وهي تردد بخوفٍ:
_في أيه يا مؤمن مالك؟
تساءل باستغراب وهو يكاد يسقط فوقها:
_مالي أيه النهاردة فرحنا!
حللت مقصده بمنطقية لم تعترف بها مسبقًا:
_هو انا كنت فاقدة الذاكرة وانت بتساعدني تراجعلي، ما أنا عارفة ان النهاردة كانت خرجتي من الدنيا.
جذب يدها ليضعها على صدره وغمز لها برغبة صريحة كادت بالتفجج من حدقتيه:
_هناك مشاعر وعواطف تضرب هذا القلب البائس، وما عليكِ سوى الصعود على متن الطائرة لنصعد معًا للفضاء.
سحبت يدها عنه، ودفعته للخلف وهي تصيح بعصبيةٍ:
_مؤمن اتهد في ليلتك دي واعقل، عشان اللي بتفكر فيه ده عمره ما هيحصل يا حبيبي… وإن.. إن يعني حصل مش هيكون غير في أمريكا.
برقت عينيه صدمةٍ لما يستمع اليه، فردد باستنكارٍ:
_نعم.. يعني أحنا هنفضل اخوات كده لحد ما نسافر! يعني هفضل كده عشر أيام!
بدون مبالاة قالت:
_وماله ما إحنا طول عمرنا اخوات مفهاش حاجة لما تستحمل عشر ايام.
رمش بعينيه وهو يردد بعدم استيعاب:
_هو انتي متخيلة اني هضحك عليكي ومش هوديكي عشان كده بتأمني نفسك!
حملت فستانها ونهضت عن الاريكة وهي تجيبه ببسمة واسعة تخالف ظنونه بنفيها هذا الظن المبطن:
_بالظبط.. اختارلك بقا اوضة وانصرف عشان بنام بدري!
اشتعلت جمرات الغضب داخله، فالقى المزهرية المجاورة له وهو يصيح بصوتٍ تسلل صداه للمنزل بأكمله:
_ده انتي ليلتك شبه رغيف العيش المدعم! بقى أنا يتشك فيا وفي وعودي يا بايرة، ده انا اللي نجدتك من فتح الله يا بت وزينتلك حلمك التعيس!
وزعت نظراتها بينه وبين المزهرية الشبيهة لتلك التي قام بكسرها من قبل، حاولت التحكم بغضبها كونها أول ليلة تجمعهما معًا، ولكن محاولتها باتت بالفشل بعد التقاطتها لأكثر من نفسٍ متقطع بصوت مختنق جعل الاخير يردد في خوفٍ:
_هتتحولي ولا أيه؟
انسحبت من أمامه بهدوءٍ كان للاخير مرعبًا، وعادت بعد قليل تحمل زجاجات العطر الخاصة به، فرفع يده يحظرها بنبرة رجاء:
_مسك إوعي، انتي متعرفيش الواحدة من دي بكام وآ…
ابتلع باقي جملته حينما كسرت أول زجاجة برفيوم، ولم تكتفي بها بل اكملت ببسمة حملت راحة واستمتاع لرؤية وجهه الشاحب القريب من فقدان الوعي!
*******
بالأسفل..
جلس على فراشه أمام حاسوبه الخاص، بعدما انعش جسده بحمامٍ دافئ بعد انتهاء ضجة الفرح التي أرهقته أكثر من الحضور، كونه الأخ الوحيد للعروس، والصديق الوحيد لابن عمه، ارتشف يونس من قهوته السادة وهو يتابع حساباته الخاصة بالبنك لانشغاله طيلة الفترة الماضية، شعر بسعادة تغمر قلبه أنه وأخيرًا سيغفو براحة بعيدًا عن مشاكسات مسك ومؤمن، علهما الآن يفضون وقتًا رومانسي لا يحتاجان به لمن يفض النزاع بينهما، بهتت معالم يونس تدريجيًا حينما تسلل اليه صوت اصطدام قوي يأتي من الأعلى، ومن بعدها عدد مرات لا تحصى من اصوات زجاج يكاد يسقط سقف غرفته فوق رأسه، ومع زعزع بدنه أصوات الصراخ المرتفع، وفجأة وجد باب غرفته يفتح ووالدته تهرول اليه بقلقٍ:
_يونس الحق يا ابني اطلع شوف أيه اللي بيحصل فوق!!
وضربت كف بالاخر وهي تستطرد برعب:
_يا ترى عمل أيه معاها الغشيم ده! أنا عارفة ابن عمك
نهض عن فراشه وارتدى ملابسه وهو يجيبها على مضضٍ:
_ومسك اللي ملاك بجناحين.. مش بعيد اطلع القيها هي اللي مخلصة عليه.
أغلق سحاب جاكيته وهو يهمس بسخطٍ:
_هطلع اخبط عليهم ازاي في وقت زي ده بس!!
فتح باب الشقة وكان بطريقه للاعلى، فاستمع صوت جده المنادي من اسفل الدرج، هبط اليه يونس وهو يتساءل بريبة:
_نعم يا جدو.<!–nextpage–>
أشار له وهو يستند على عكازه:
_اطلع شوف المهزلة اللي فوق دي حالا قبل ما الناس تتفرج علينا.. وانزلي عايزك.
هز رأسه وهو يكمل طريقه للاعلى بضجرٍ، دق يونس جرس الباب أكثر من مرة حتى فتح مؤمن الباب، صعق يونس حينما رأى ثيابه مطوية بإهمالٍ، شعره منهدم بعشوائية وكأنه كان بملحمة تاريخية، أما وجهه كان يحمل مخطوطة من الاظافر، تعلق به مؤمن وهو يردد ببسمة واسعة لا تتناسب مع حالته الجسمانية الغير مبشرة بسلامته بالمرة:
_أبو نسب.. اهلا بيك يا حبيبي.
ودفعه للخارج وهو يرجوه بذعر:
_انزل هات المأذون وتعالى بسرعة… اختك جوه استلمها بكرتونتها وعهد الله مجيت جنبها.. خد اختك وسيبولي اللي اتبقى من الشقة حق المصاريف اللي صرفتها على الجوازة المنيلة بنيلة دي.
دفعه يونس للداخل، ثم أغلق الباب من خلفه، وصاح بغضبٍ:
_اهدى كده وفوق الجيران حولينا لما يسمعوا الصريخ ده كله هيقولوا علينا ايه! والمصيبة انك انت اللي بتصرخ يا رجولة!
أشار له ليستدير وهو يخبره:
_طب بص كده وشوف بنفسك.
وبالفعل التفت يونس للخلف، فصدم حينما وجد شقيقته تحمل نوع فاخر من السكاكين (سطور)، وباليد الأخرى يد المكنسة وما أن ولج يونس للداخل حتى اخفتهما خلفها ورسمت ابتسامة ترحيب، أشار لها بدهشةٍ:
_ايه اللي انتي عملاه في الراجل ده!
القت الاسلحة النووية من يدها وهي تشكو له:
_الانسان ده مهزء كسرلي ڤازة تانية من اللي انا جيبها ويستاهل قطع رقبته.. ولو زاد فيها هنعيد احداث المرأة والسطور من تاني عشان يلم نفسه من أولها كده.
تمرد بصراخه العاصف:
_مسك احترمي اخلاقك بدل ما وربي أنا اللي هربيكي، انتوا مش هنا لوحدكم الجيران حوالينا وجدك لو طلع هنا هيبهدلكم انتوا الاتنين.
ردت عليه قائلة:
_يبقى يخليه في حاله ويعدي ليلته على خير بدل ما يطلع منها على القبر.
اتجهت نظرات يونس لمؤمن الذي تعلق بذراعه مرددًا بتوسلٍ:
_خدني معاك متسبنيش مع أختك في شقة واحدة يا يونس دي متوحشة وممكن تقتلني!
دفعه بعيدًا عنه وهو يصيح بانفعال شرس:
_هو انا سايب ابن اختي عند امنا الغولة، فتنشف كده يا عم فلقتني… امال عملي فيها باتمان ومتسربع على الجواز ليه اما انت ملكش فيه.. اتكن في جنب لاخلص عليك أنا.. سبني انزل لجدك اشوف في ايه تاني مانا حلال مصايب العيلة.
هز رأسه باقتناعٍ، فمنحهما يونس نظرة اخيرة قبل أن يرحل وهو لا يستوعب ماذا يحدث بينهما!
*******
هبط يونس للأسفل، فوجد الجد فتح الله بانتظاره، جلس جواره وهو يسأله باحترامٍ:
_خير يا جدو!
استند الجد على عصاه وهو يبادله بسؤالٍ أخر:
_حليت الموضوع؟
هز رأسه بتأكيدٍ، وهو يضيف بتريثٍ:
_كلها حلول مؤقته… كنت فاكر انهم هيعقلوا بعض الجواز!
رد عليه الجد بعد صمت زرع القلق في نفس يونس:
_مش هيحصل.. والخوف الأكبر تصميمهم على السفر لامريكا.
أجابه يونس بمزحٍ يلطف الاجواء:
_هيقتلوا بعض هناك.
انجرف الجد عن مساره المطروح، وقال بجدية تامة:
_أنا قررت انك تروح معاهم.
اتسعت حدقتيه بدهشةٍ:
_أنا! ازاي ده انا ورايا شغلي مستحيل المدير هيقبل بكده، وبعدين انا ازاي هطلع معاهم شهر العسل!
طرق الجد بعصاه وهو يؤكد على عدم ترجعه بقراره:
_اللي عندي قولته يا يونس، قدام عنينا وبيحصل كل ده الله اعلم بغيابنا وببلد غريبة زي دي هيعملوا ايه، رجلك على رجل اختك.
يعلم جيدًا عناد الجد، فإن ظل العمر بأكمله يحاول اقناعه بشيءٍ لن يفعل الا ما يجده صائبًا، فرضخ اليه:
_حاضر.
وجه اليه اخر تحذير:
_عايزك تروح فاضي وترجع زي ما روحت، أصل رفضك للارتباط ولاكتر من عروسة ده مقلقني منك، عينك لو زاغت على بنات بره هتزعل يا يونس.. بنات بلدك مقصروش في حاجة.
ضحك يونس بصوت مسموع جعل الجد يشاركه الضحك، وهو يردد بصعوبة بالحديث:
_والله ما خايف الا منك!<!–nextpage–>
…………. يتبع………..الفصل الرابع..
(حلم أميركا!…)
دبت قدميها بمدينة الأحلام،التي قضت أعوام طفولتها ترعى حلمها الثمين بزيارة أكثر الدول إثارة إليها، وضعت ألف حُلم وترقبت تحقيقه كل عامٍ، وحينما كانت تفشل تنتظر العام الذي يليه على أمل حدوث معجزة لا تشبه حياتها المختصرة بشيءٍ، لذا وضعته شرطًا لمن يريد الزواج بها، عساها تحطم استحالة تحققه، والآن يتحقق أمام عينيها، بعدما توقفت الطائرة بالمطار الدولي اتجهت مسك بصحبة مؤمن ويونس للحافلة الضخمة التي تحمل شعار الشركة المسؤولة عن الرحلة السياحية، تحركت الحافلة لساعاتٍ طويلة حتى وصلت لوجهتها “غابة اليونكوي الوطنية” ، والتي تبلغ مساحتها حوالى 117 كيلومترا مربعًا، وهي واحدة من أصغر الغابات المطيرة في الأراضي الأميركية، لكنها تفوق حجمها في التنوع البيولوجي، تعد غابة اليونكوي موطنًا لـ225 نوعًا من الأشجار المحلية – 23 منها لا توجد في أي مكان آخر في العالم – و164 نوعا من الفقاريات الموثقة، مثل الببغاء البورتوريكي المهدد بالانقراض، كانت تلك هي أول محطة لرحلتهم السياحية، قام مسؤول الرحلة من مقعده الامامي، واستدار تجاه الركاب ليخبرهم بعمليةٍ:
_سنخيم هنا الليلة وغدًا ستبدأ رحلتنا باستكشاف الغابة.
انصاع اليه السياح، وبدأوا بالهبوط تباعًا للأسفل، تركت مسك زوجها وأخيها يحملون الامتعة ثم ركضت للاسفل تطلع الغابة من حولها بانبهارٍ وحماس لخوض تلك الرحلة، هبط مؤمن أولًا، فالقى الحقائب أرضًا وهو يردد باستياءٍ:
_نقلة الدولاب كله بالشنطة!
لحقه يونس وهو يحمل حقيبة ظهره السوداء، فوقف يتأمل المكان من حوله بانبهارٍ، لم تكن فكرة جده سيئة بالمرةٍ، عساه بحاجة لجوٍ مماثل يبدد ملل حياته الروتينية، اتجه خلف الفوج الكامل، فقاموا بنصب الخيم جوار بعضهم البعض، كاد مؤمن بنصب خيمته، فأوقفه يونس وهو يشير اليه بتقزز:
_بتعمل أيه مينفعش نقعد هنا.
رفع رأسه اليه وهو يتساءل بدهشة:
_ليه؟
اشار يونس على الفاحشة التي تحيط بهم من جميع الاتجاهات، فأغلب من يشاركهم الرحلة شباب متحررين من أنحاء العالم، الفتيات ترتدي ملابس تكاد لا تستر العورة، متحررات بدرجة جعلته يشعر بأنه على وشك أن يتقيأ محله، والأبشع من ذلك العلاقات المنفرة التي يمارسونها علنًا دون خشية منهم أو حرجًا، الزنا والفحشاء تجمع جلستهم، حتى نسائهم كانوا يتشاركونهم فيما بينهم، حمل يونس أدوات التخيم والحقائب وأشار لمسك ومؤمن بغضبٍ:
_مستحيل نفضل هنا.. هنبعد شوية ونعمل الخيم هناك.
لم يناقشه مؤمن بقراره لشعوره بنفورٍ يفوقه، وخوفًا على زوجته مما يحدث هنا، فحمل ما تبقى من الأغراض ولحق بهما، ابتعدوا مسافة كبيرة عن الفوج، وبدأ يونس ومؤمن بتأسيس الخيام، فصنع مؤمن خيمة له ولزوجته وابتعد يونس عنهم بمسافة قليلة وصنع لنفسه خيمة مماثلة، تأويهم من الثليج المتنشر بالغابة في ساعات الليل المتأخر.
******
هربت الشمس مسرعة من عتمة الليل الكحيل التي أصابت السماء فجعلتها تغدف عن صفائها، فاجتمع الفوج بأكمله خارج الخِيَم يتشاركون حفل ملعون بالمحرمات والنبذ، لذا كان من المنطقي اشمئزاز يونس ومؤمن من أفعالهم، لذا فضلوا البقاء بعيدًا عن مجلسهم، لا يجتمعون بهم الا وقت التحرك من مكان لأخر، وما أن تأخر الوقت حتى ولج كلا منهما خيمته، تأكد مؤمن من انغلاق الخيمة جيدًا عليهما، ففرك يديه ببعضهما وهو يسرع تجاه الفراش الصغير حيث توجد زوجته التي تراقبه بنصف عين، جلس جوارها وهو يناديها بمكرٍ:
_أظن مفيش أحلى كده أجواء تحني فيها على الغلبان المسكين اللي استحملك طول الشهر اللي فات لحد ما جينا أميركا زي ما أنتي عايزة!
ابتلعت ريقها بارتباكٍ من طريقته الغير مبشرة بالمرة، فرفعت الغطاء تخفي به جسدها وهي تردد بغضبٍ:
_عايز أيه يا مؤمن، اطلع نام في خيمة يونس بادبك والا هصوت وألم عليك الاجانب.
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ:
_الاجانب مقضينها برة وأنتي هتلميهم علينا وأنتي مراتي والله ما يحصل أنا قتيل!
تدحرجت لليسار وهي تشير اليه بعدم الاقتراب، فقال بضيقٍ:
_أعملك أيه تاااااني يا بت ما جبتك أمريكا أهو… نطلع أفغانستان عشان تحني يا عديمة المشاعر!
واسترسل بغضب وهو يشير لحجابها:
_ده أنتي حتى لحد الآن بتنامي بالطرحة قدامي شبه اللي عليكي تار وخايفة حد يعرفك
جذبت طرف حجابها جانبًا وهي توبخه بعناد:
_اتلم في ليلتك دي يا مؤمن وخليها تعدي بدل ما ادفنك هنا تحت الرمل!
ابتسامة واسعة تشكلت على وجهه وهو يغمز لها بنظرةٍ ظنها عاطفية:
_يا بت حني وسبيلي قلبك هاخده لعالم تاني.
كادت بدفعه ولكنه حاصرها بنظراته، شعرت مسك بمشاعرٍ غريبة تتحرك تجاهه، وخاصة حينما أحاط خديها بيده بحنانٍ، تمكن من ترويض شراستها التي كادت بالولوج لمعركةٍ مصرية بينهما، سمحت له بالاقتراب قليلًا، فشعرت بدفءٍ غريب يحاط بها، وكأنها تحلق في سماء فريدة من نوعها، وفجأة أصاب مؤمن دوار حاد، فارتد برأسه للخلف وهو يحاول التحكم بانفعالات وجهه، فازداد به ما يشعره بأنه على وشك القيء، فردد ساخرًا:
_أنا كنت عارف ان الجوازة دي سودة، انتي عملالي عمل صح، انا حاسس ان الدنيا بتلف بيا وهموت بذبحة صدرية وقتي!
جحظت عين مسك برهبةٍ، فتعلقت به وهي تشير اليه بفزعٍ:
_لا يا مؤمن انت مش بتودع اطمن… أنا كمان حاسة باللي انت حاسس بيه!!
احتدت الارض من أسفل قدميهما، فاهتزت من أسفلهما بقوة جعلته يتشبث بها وهو يصيح بصراخ:
_قدمك فقر حتى لما حاولت أقربلك بامريكا زلزل ضربها هي وسكانها!!
دفعته بعيدًا عنها وهي تردد بشراسة:
_وانت يعني اللي قدمك كاجو وسوداني، خلي الطابق مستور يابن منصور فتح الله.
تماسك جيدًا حتى لا يرتد للخلف، واجابها بتريث:
_ده وقته خناق، يلا نجري بسرعة قبل ما نموت هنا لا نلحق داخلة ولا خارجة.
وما أن اخفض قدميه عن فراشه حتى تصلب جسده حينما احاطته هالة عظيمة من الرمال المضيئة، رفع ذراعيه يتفحصهما بدهشة استحوذت عليه وهو يوزع نظراته على جسده بأكمله، فرسم بسمة باهتة لمن تتأمله بصدمة :
_ده عمل بأيه بس عشان ما أتفاجئش بعد كده.. ابقي مستعد؟
هزت رأسها يمينًا ويسارًا ببطءٍ، وبذلت مجهود مضاعف ليتحرك لسانها الناطق بهمس خافت:
_ماليش بالاعمال… مش أنا اللي عملالك!!
هز رأسه ببسمة يخفي خلفها رعب وعويل لا يتناسب مع رجولته:
_فعلًا.
أكدت له بإشارة صريحة من رأسها، ففغر فاهه حينما صدح صوتًا قوي من أسفل قدميه، وفجأة انزلقت قدميه بشيءٍ غامضًا سحبه للاسفل قليلًا، ارتعبت مسك مما يحدث أمام عينيها، تمسكت به في محاولة فاشلة لانقاذه، فأختل توازنها وسقطت من خلفه لتنتقل الهالة اليها أيضًا، فصرخت بجنون:
_يـونـــــــس!
******
يغفو بخيمته القريبة للغاية من خيمة أخته وزوجها الأبله، لا يعلم ماذا يضع على رأسه أكثر من حقيبته الثقيلة، ليمنع وصول صوتهما المزعج إليه، مازال البائس يبذل أقصى ما يمتلك ليجعلها تقبل به كزوج، حتى تناسى مشاركته له بنفس بقعة التخيم، تأفف يونس مما يحدث، وما يضيق به ارغمه بالسفر معهما وكأنهما أطفال لا تحرص التعامل مع الأخرون، ربما ظنها عزلة لائقة به ليبعد عن ازدحام الناس من حوله وليكن وحيدًا مثلما يرغب البقاء بمفرده على الدوام، ولكن أي راحة ستجد سبيلها اليه في وجود المزعج والمجنونة، حاول جاهدًا اغلاق عينيه للاستسلام لنومٍ قد يكون نجدته مما يستمع اليه منذ بداية الرحلة المشتركة بينهما، فازداد الصراخ القادم من خيمة شقيقته ومازال يتغاضى عن سماعه لأي شيء، حتى وصل اليه صراخها باسمه، انتفض يونس من مرقده، فجذب قميصه يرتديه على عجلة، ثم ركض اليهما، فوقف خارج الخيمة بترددٍ، فتملكه الحرج من فكرة اقتحام مخضعهما الخاص، كاد بالعودة ولكنه توقف حينما ناداه مؤمن هو الاخر، فاقترب من مدخل الخيمة وهو يجيبهما:
_في أيـه؟
اتاه صوت مؤمن الذي بدى بعيدًا للغاية رغم قرب يونس من الخيمة:
_الحقنـا!
عند نطقه لتلك الكلمة، اقتحم يونس الخيمة فصعق مما رأه، الرمال من أسفل قدميه منيرة بلون بنفسجي وكأنها تحمل اسطورة لا تصدق الا بالأعين، شمل الغرفة بنظرو متفحصة باحثًا عن شقيقته وزوجها، لمح يونس يد مؤمن تغوص بالرمال وهو يحاول الصعود للاعلى، فهرع اليه في محاولة بائسة بالتمسك به، فاحاطته على الفور نفس الهالة المضيئة ثم اندفع جسده بالرمال لينزلق الى مكان يشبه المزلقة، ظل بها مطولًا وعقله لا يستوعب الى أين تتجه تلك المزلقة المدفونة بالأرض، شيء جنوني لا يستعبه العقل وخاصة حينما قذفته بعيدًا عن رحمها ليصفو جوار مؤمن ومسك بأخر مكان قد يستوعبه العقل البشري!
………. يتبع……

&nbsp;

&nbsp;
<p dir=”rtl”>الفصل الخامس.
(عرض مغري!!..)
مكان أشبه بالبلون بنفسج اللون، يملأه فقعات من الضوء أصفر خافت، ومن أعلاه صورة مصغرة للسماء بشكل أكثر جاذيبية، وما يتردد لعقلك كيف توجد سماء أسفل الأرض!
اتكأ يونس بمعصمه على البلور اللين حتى استقام بوقفته يتأمل المكان من حوله بذهولٍ، تاركًا لمؤمن مهمة مساعدة زوجته بالنهوض، فرددت مسك وهي تتأمل ما حولها بدهشةٍ:
_احنا فين؟!
التفت مؤمن حوله بهلعٍ، فابتلع ريقه وهو يجيبها:
_المفروض اننا تحت الأرض… بس اللي مش مفهوم أيه ده!
راقبوا المكان جيدًا، فاقترب يونس من الحائط الغير متساوي، فما أن طرق بيده عليه حتى فرقع البلون الذي يحوى اجسادهم، فانفجر محدثًا هالة من البلور تلاشت حجمها حتى بدت كعقلة الاصبع، ليبدو من أمامهم ما دب الرعب بالأوصال، وجدوا ذاتهم على طبقة ضخمة من شيء مجهول المصدر،شبيه بالطبق الذهبي، ومن حولهم عدد من الكائنات الغامضة، يرتدون ثيابًا من اللون البنفسج الممزوج بالأصفر والبرتقالي،شبيه بلبس البلياتشو، وفوق رؤؤسهم غلاف زجاجي يحجب الهواء عنهم، فصعب عليهم تحديد معالمهم عن بعدٍ، تمسكت مسك بمؤمن برعبٍ،فابتلع الاخير ريقه وهو يهمس ببسمة يظنها خدعتهم:
_انتوا الكاميرا الخفية صح!! ولا ده مقلب والمفروض اننا نخاف وكده!
اقتربت منهم احدى الكائنات، وعلى ما يبدو بأنه كبيرهم، ففور مروره احنوا رؤسهم، والغريب بأن قدميه لم تكن تمس الأرض، ثمة سحابة من اللون البنفسج كانت ترفعه عن الأرض ليصبح قبالتهم، تعلقت مسك بمؤمن وهي تهمس له برهبةٍ:
_احنا فين يا مؤمن.
منحها نظرة ساخطة اتبعها نبرتها الساخرة:
_في الجحيم… ادي أخرة اللي يمشي ورا الحريم.. مش كنتي عايزة تروحي أمريكا!  يارب ميكنش في احلامك شيء تاني!
ارتخى اللوح الزجاجي عن وجهه، فجحظت الاعين وهم يراقبون ملامحه المختلفة كليًا عن البشر، انفه كان ينتهى بشكل دائري يبتلع نصف وجهه السفلي، وعينيه كانت قاتمة لا يملأها سوى اللون الأبيض، وما أن بدأ بالحديث حتى تركز اللون البنفسج في حدقتيه بشكلٍ ملحوظ، فقال بصوتٍ يتردد من خلفه برعبٍ:
_أهلًا بكم بقاعدة زحل الرئيسية، حيث نقدم لكم عرضًا لن يتكرر لكم مدى الحياة.
طرق مؤمن على كتف يونس الصامت ثم قال بشكٍ:
_ده شكله قائد الفوج المنيل ومتنكر فكره ان المصريين ناس جبانه ميعرفش اننا عندنا مناعة ضد أي شيء… دور على الكاميرا وابتسم وقول انهي اللعبة يا مان.
منحه يونس نظرة محتقنة، فعاد الرجل ليسترسل بصوته الجمهوري:
_الفرصة لن تتكرر مرة أخرى ، نحن نمن عليكم أيها البشر بزيارة كوكبنا، ولكن احظروا فإن لم تحققوا الشرط الاساسي سينالكم غضب يمزق أجسادكم إربًا.
خرجت الامور عن سياقها، وبدى الامر جديًا حينما تشكل الجميع حول كبيرهما المزعوم، وفتح باب جانبي وبرز من خلفه مكان يحاط به الاحجار من جميع الاتجاهات، يشبه لحلبة الملاكمة بشكلٍ كبيرٍ، اختار يونس الاستماع الى هذا الكائن الغريب فقال بثباتٍ قاتل:
_وما هو عرضك؟
ابتسم مقيت الوجه وهو يخبره بجمودٍ وصلابة:
_من يقتل حامينا سنسمح له برحلة آمنة إلى زحل هو وأفراد عائلته وإن غُلب سيلاقى حتفه بالحال ويخسر عرضنا السخي.
قاطعهما مؤمن قائلًا بسخرية:
_يا عم احنا لا عايزين نطلع زحل ولا المريخ خرجنا من هنا الله يكرمك وبطل هزارك السخيف ده!
تجاهله يونس وسأله بدهشةٍ:
_وما الذي يجعلني أصدق ما تخبرني به، نحن لا نعلم من انتم وما الذي تفعلونه هنا بالتحديد؟
دفعه مؤمن وهو يصيح به:
_انت لسه هتتناقش معاهم، لفيلك اي شومة دافع بيها عن نفسك بيقولك هيودينا زحل!!
تجاهل الرجل صخب مؤمن المزعج، وأجابه بصوته الخشن الذي يتردد من خلفه كمن يسكنه شبحًا:
_اهزم محاربنا وحينها سترى بعينك.
رد عليه بنظرةٍ كانت قاتمة ومخيفة:
_وماذا لو اعترضنا عن عرضك؟
ابتسامة مخيفة رسمت على وجهه، فكور يده لتتجمع من حوله هالة من نار التهمت من حولها، فقال وهو يحرك يديه بتسليةٍ:
_من يعرض عن عرضنا سيواجه موتة سريعة رحيمة عما سيخوضه داخل حلبة زحل.
ربت يونس على مسك التي تختبئ به بخوفٍ، وقال بثباتٍ:
_كيف سترسلنا لزحل وأنت هنا عالق أسفل الأرض!
ضحك وشاركه من حوله، واجابه بسخرية:
_نحن من صنع طريقًا سريًا للعيش معاكم أيها البشر، هل تظن إنكم تعيشون على كوكب الأرض بمفردكم!
وأشار له على جانب مظلم من هذا الكهف العجيب، واستطرد:
_تلك المركبة فريدة من نوعها، لم يتوصل إليها أحد سوى شعب زحل، نحن صنعنا شيئًا لا مثيل له، قادر على نقلنا وقتما شئنا
انتقلت نظراته تجاه الركن المظلم، فابتسم ساخرًا حينما وجدها تشبه المزلقة، هل يستخدمون (الزوحليقة) للهبوط لعالمنا!
كان الأمر برمته اشبه بالمزحة، ومع ذلك كان عليه التعامل جديًا لأجل سلامة شقيقته، فقال برزانةٍ وحكمة:
_أنا أقدر عرضك حقًا، ولكن لا نريد الصعود لأي مكان.. فإن كان باستطاعتك السماح لنا بالمغادرة.
تعالت ضحكاته المخيفة مجددًا، وارتفع جسده بالهواء قائلًا وذراعيه مفرودة بالهواء:
_أنت آسيرًا ببقعتنا ونستنأذن بالانصراف، القوانين ستفرض عليكم وإن أردت النجاة والصعود لنزهةٍ لن تراها بحياتك عليك بالفوز أمام محاربنا.
سد كل الطرق أمامه، فلم يكن عليه سوى الاختيار،  فقال:
_حسنًا ولكن أنا من سيواجه هذا المحارب.
ضحك وهو يمنح مؤمن نظرة ساخرة ختمها حينما قال:
_لا أعتقد اننا بحاجة لنسخ العظام هذا!
رمش بعينيه بصدمةٍ، فقال:
_لا مسمحلكش أنا دكتور بيطري أد الدنيا.
جذبته اليها مسك وهي تهمس اليه رغم خوفها:
_بتزعق ليه الراجل مغلطش!  إنت فعلا شبه خلة الأسنان!
كز على أسنانه ليردد من بين اصطكاكهما:
_لو غلطتي فيا تاني هحدفك لحلبة المصارعه اللي عايزين يعملوها توجهي الطور اللي هيطلعوه ده.
واستدار تجاه الرجل وهو يتساءل بفضولٍ:
_هو مش طور برضه يا أخينا!
ضيق الغدافي عينيه فبدى أكثر رعبًا، فتساءل مؤمن بنبرتهم:
_كنت اتساءل عن طبيعة هذا المحارب؟
تحول غضبه لبسمة شيطانية مخيفة، وهو يخبره بكل فخرًا:
_ما اود اخبارك به بأنه لم يسبق لبشري الصعود لزحل، عساك بعقلك الأبله هذا تعلم بأنه لم يفوز عليه بشري من قبل!
ابتلع مؤمن ريقه بصعوبة بالغة، واسترسل بالسؤال الاخير:
_اسمه أيه طيب.
تنقلت نظراته عليهم جميعًا وهو يصيح بكل عزة يمتلكها:
_حنتـوش!
ردد مؤمن بسخط:
_مين يا حبيبي… ده وقت تهريج يا جدع انت!
أشار بيده تجاه تلك الفقعة التي تلاشت ليظهر من خلفها هذا الوحش العملاق، بجسده الشبيه بالمستودون ( هو حيوان ضخم الجثة بائد يشبه الفيل ولكن له جلد بفروة. عاش المستودون في أميركا الشمالية وأميركا الوسطى. ظهر المستودون في أواخر العصر الميوسيني وانقرضت في البليستوسين _العصر الحديث _الأقرب أي منذ 10 آلاف إلى 11 ألف سنة)،  مع اختلاف وجهه المدبدب، المختفي خلف حاجز الزجاج الشبية بالطبق الشفاف الضخم، فغر مؤمن فاهه، فتراجع للخلف بذعرٍ وهو يشير بيده لمؤمن هامسًا بشحوب:
_كلم حنتوش.. بيناديلك!
وأشار لذاته وهو يمنحه ابتسامة اخيرة:
_أنا هفقد الوعي شوية عما تخلص وتيجي.
وتمدد مؤمن أرضًا جاحظ العين والفم، يتصنع أنه فارق الحياة لينجو من هذا المأزق الغير مرحب به ببدايته الزوجية، اتجهت مسك اليه وركلته بعنفٍ وهي تصرخ به:
_عملت نفسك ميت وسبتني لحنتوش يا جبان!
قرص ساقها وهو يشير لها بالانبطاح مثله:
_اعملي نفسك ميتة بكرمتك بدل ما نسافر جهنم على دهر حنتوش.. اخوكي ادها خليه يورينا ال٣٦٠ج اللي بيدفعهم في الجيم كل أول شهر هيفدوه بأيه!
تمددت مسك جواره وهي تردد برعب:
_طب ويونس.
همس لها  مرددًا:
_صدقيني دي فرصته.. خليه ينمي مهاراته بدل شغل المحاسبة اللي عايش فيها بالبنوك… المهم خلينا ساكتين خالص عشان يركز في اللي هيعمله مع حنتوش!
………. يتبع……..الفصل السادس.
(المحارب حنتوش!..)
هروب مؤمن من ساحة المعركة لم يكن بالجديد عليه أبدًا، لطالما كان يختلج المشاكل مع أصدقائه ويطمث بها يونس الذي كان يجيد التحكم بالامور عن جدارة، استدار اليه ثم حانت منه نظرة ساخرة اتبعها قوله المستهزأ:
_الاموات مش بيكونوا بالبشاعة دي.
اغلق مؤمن فمه وهو يشير له بدهشة:
_أمال بيكون شكلهم ازاي… هجتهد لما أوصل للخلطة اللي هتنجيني من البومة ده.
واستطرد بعصبيةٍ:
_متشغلش بالك بيا… ركز  في مصيرك البائس واللي  هتعمله مع الشيء مجهول المصدر ده!.
رفع حاجبيه بذهولٍ، اتبع جملته المستنكرة:
_على أساس انه هيكتفي بجثتي مثلًا، ما أكيد دورك جاي بعدي!
ببسمة واسعة وصدر رحب اجاب:
_على الاقل هتفيدني بالوقت اللي هحط فيه خططي العبقرية للنجاة من السفرية النحس دي.
كاد يونس باجابته ولكنه تفاجئ بسحابة من اللون البنفسج تسحب جسده بقوةٍ لمكانٍ يتوسط الكهف الغريب، وارتفع من حولهم ساتر مهيب من السحب ذات اللون الأسود القاتم، كانت سحب مرئية اللون رغم لونها المظلم، مرر يونس يده من بينه ظنًا من أنها ستعبر للجهة الأخرى ولكنه وجدها صلبة عاتية كالحجر القاسي، فانتصب بوقفته ليتطلع لمن أمامه بهدوءٍ، استعرض المدعي (حنتوش) عضلاته بعنجهيةٍ، فبدى مختال فخورًا بقوته، امتلاكه جسدًا قويًا هكذا يجعله في أسمى درجة من الغرور، راقبه يونس بعينٍ متلصصة وهو يفرد ذراعيه الضخم، وزحف تجاهه ليقتص منه مثلما يفعل دائمًا مع البشر، وزن يونس فكرته الصاعدة عن كناية هذا القناع، فتفادي ضرباته يحرافيةٍ، واندفع باستخدام ساقه على السحب فدفع جسده الصغير مقارنة بهذا الوحش، ليمر من أسفله، فتسلق جسده حتى وصل لوجهه، فسدد لكمة قوية لزجاج الشفاف الذي يختبئ من خلفه، فاستجاب لقوة قبضته وتهمشم انصياعًا له، القى يونس جسده أرضًا، وما أن لامست قدميه الأرض حتى سقط جسد المحارب العظيم كشوال بطاطا تدرج وتلاشى كأن لم يكن له وجود من الاساس،  تفتت الستار من حوله والجميع يراقبون ما يحدث بصدمةٍ وعدم تصديق، وخاصة رجال زحل، جحظت عين مؤمن الذي صاح بصدمةٍ:
_من لكمة واحدة!  حنتوش يا غالي ريحت واستريحت.
راقبه كبيرهن بذعرٍ وارتباك فشل باخفائه، فأشار لاتباعه بثبات مخادع:
_سنمنح البشري وعائلته رحلة سعيدة إلى زحل.
وقف يونس قبالته، وردد بخشونة ما ان لمس خوفه الصريح منه:
_لا أريد الذهاب لاي مكان… أريد العودة.
اعترض على حديثه مبديًا بقوانينه:
_لا أحدٌ يستطيع اخراجك من هنا سوى ملكة زحل… تلك هي القوانين.
زوى حاجبيه بدهشةٍ:
_وأين أجدها؟
وزع نظراته بينه وبين المنطقة التي تشمل ملابس من تبخر بالهواء كأن لم يكن، وخاصة مع تعامله بشخصٍ خطير لا يمتلك القوة الجسمانية للمحاربة، بل يمتلك ما سيفتك بهم جميعًا، عقله الذي ساقه لنقطة ضعفهم، فقال:
_وأين سيكون مكان الملكة الا بزحل.. هي بنفسها ستكون باستقبالكم للترحيب بكم بالأعلى.. بعد أن أرسل اليها ما حدث هنا بالتحديد.
وأضاف بمكرٍ:
_كما أن ليس هناك طريق للرجوع للأرض الا من الأعلى!
جذبت مسك مؤمن من تلباب قميصه تشير له بحماسٍ:
_بجد هيطلعونا كوكب زحل!
لف قبعة البيجامة التي ترتديها حول يده لتصيح هي لقيطة يده، ليخبرهما بهدوء مخادع:
_أنا مش عايز أسمع نفسك… الرحلة المنيلة دي كانت فكرتك.. الله أعلم هيودونا على فين تاني!
فُتح من أمامهم بوابة ضخمة دائرية لتظهر المزلقة المزخرفة بشعار زحل على حافة المركبة التي تحتل المزلقة، وبلا حيلة صعدوا للمركبة الغريبة مع احد الكائنات الأغرب من رحلتهم الغامضة تلك، فانطلقت بهم في نطاق منزلق كالزوحليقة، لتصل بهم بعد أقل من ساعة لبوابة مدون عليها ببنطٍ عريض غامض
“بــــوابـة زحــــــــــل!”
مخزون هائل من الأحجار ذات اللون الأخضر الفاتح، تموج بحرفيةٍ لتزين البوابة المشعة بهالة من اللون البنفسج، ومن أمامها عمالقين بأجساد تشبه البشر لحدًا ما مع اختلاف ملامح الوجه، ولون البشرة الغريب، انزلقت المركبة على السياج الغامض الشبيه بالغبار الأبيض، لتندفع بهم داخل المملكة، وجميع من حولهم يتأملهم بدهشةٍ وكأنهم من يمتلكون ملامح عجيبة وليس هم الأغرب لأعينهم على الاطلاق، مروا من بين الصفوف حتى توقفت بهم المركبة أمام قصرًا فخمًا الصعود اليه كان يحتاج لنفسٍ عميق، فبين كل درجة والاخرى الف ميل، وارتفعًا شاق للغاية، فلم يكن على التابع الا حملهم ووضعهم أمام بوابة  القصر الداخلية، فما ان ضغط التابع على أحد الحجارة الموضوعة جانبًا حتى تفتت من أمامه بلمسة ضوئية مبهرة، ومن ثم أشار لهم:
_تفضل بالدخول أيها المحارب مولاتي الملكة بانتظارك.<!–nextpage–>
جذبه مؤمن اليه ليهمس له بقلقٍ:
_هما هيسلخونا مكان حنتوش ولا أيه العبارة!
دفعه بعيدًا عنه وهو يشير له بتحذير:
_مؤمن أنا مش طايق نفسي، سبيني في حالي بدل ما انجز انا مهمتهم واقتلك وقتي!
صرخت بهما مسك وهي تراقب الكائنات التي تحيط بهما برعبٍ:
_ده وقته خناق، بدل ما تفكروا هنعمل ايه في اللي احنا فيه ده ولا هنرجع تاني ازاي!
ابتعد عنه وهو يعدل من ثيابه بتقززٍ، ثم اتبعوا ذاك المخلوف الى الداخل..
قاعة فخمة يزخرفها العديد من الصخور ذات اللون الأخضر، ومن حولها صولجان النيران تحيط بها، ويتوسطها عرش مهيب من اللون الأسود، على حوافه تمثال يشبه الأفعى في استطالة جسمها، ويمتلك أجنحة من جلد، كأجنحة الخفاش، ولها أنياب ومخالب حادة، إلا أنّ الصورة العامة تتفق حول حيوان خرافي واحد التنين، أو “Dragon” باللغات اللاتينية، وهو اللفظ المشتق من الاسم “Drakon”، الذي يعني الأفعى العظيمة، مظهره كفيل ببث الرعب بقلوبهم، وخاصة حينما انسدل ستارًا تفاجئوا بوجوده لتطل من خلفه من تدعى بالملكة”إرثا”، تغندجت بجسدها السمين الأزرق حتى اعتلت العرش الذي أصدر صرير مستغيث لحمولة تفوق حاجته، مالت مسك تلك المرة على مؤمن تخبره بضحكة مكبوتة:
_الستات طول عمرهم مشرفينا بالاحجام حتى بعيد عن الارض..
ضحك وهو يشاركها المزح:
_الكرسي مش هيشلها المدة دي.. هينفجر بيها بس يا ترى جواها دم وكرات حمرا زينا ولا جواها ايه؟
قالت بضحكة مرحة:
_هنعرف دلوقتي لما يتفدغ بيها.
مررت انظارها الدائرية المخيفة عليهم ببطءٍ، وكأنها تحاول التعرف على هذا الشجاع الذي هزم محاربها القوي، فسكنت على يونس، ارتسمت بسمة على وجهها المقزز ذو الاهداب النامية جوار شفتيها الغليظة وهي تردد:
_مضى عهدًا طويلًا منذ أن حظيت بزوجًا غير حنتوش.. والآن سأحظو بزوجٍ رائع من البشر.
برق يونس بعينيه وهو ينحنح بمشقةٍ:
_ماذا تعنين؟
أشار باصابعها التي تشبه المخالب، فتشكل من أمامها رجلًا رفيع الجيد، يحمل رأسه كالقبعة، فصاح وهو يشير بيده:
_ساحر زحل في الخدمة مولاتي إرثا.
قالت وهى تغلق عينيها باسترخاء:
_فلتخبره بقوانين النزال الذي خاضه منذ قليل.
أشار بعصاه المضحكة وهو يفرد مجموعة من جلود غريبة، وردد بعشوائيةٍ:
_اعذريني مولاتي مضى وقتًا لم أعود به لقوانين مملكتنا.
حصل على مبتغاه فقال:
_حسنًا لقد وجدتها.
واستدار اليهم وهو يقول ببسمة لم تكن مناسبة بخبره التعيس:
_وفقًا للقوانين من يتمكن من الفوز بالنزال عليه بالزواج من الملكة، وقد تمكن المحارب العظيم حنتوش من قتل كزيما زوج الملكة السابق لذا تزوجها حنتوش والآن سيكون الحظ الأوفر لك بالزواج من الملكة الى أن يهزمك أحد من المحاربين حينها سيحظى بشرف الزواج بها.
اغلقت مسك فمها الذي يكاد يصل للارض وهي تردد بصدمة:
_عيني عليك ياخويا… تبقا أخر صبرك امنا الغولة دي وأيه بيقولك ليك الشرف!
أضاف مؤمن وهو يربت على كتف يونس:
_طول عمري بقول عليك محظوظ.
واسترسل استشهاد لكلامه:
_يعني انت بعد ما تتجوزها مش هتعيش في سلام هتحارب لحد ما حد يجيب اجلك عشان يدخل على عشماوي بدالك واسمك هيدخل أبواب التاريخ من وسع يا ابن المحظوظة!
ود لو انهى حياته، ولكن ما يشغله الآن البحث عن طريقة للفرار من هذا المأزق الحتمي، فاضاف الساحر قائلًا باستياءٍ:
_هنيًا لكِ مولاتي، وإن كنت أتمنى أن يكون من عطارد أو من رجال المريخ الاشداء، ولكن الحظ اوقعنا تلك المرة مع البشر.
ومنح يونس نظرة مهينة وهو يستكمل:
_ لا بأس به الى أن تحدث المعجزة ويصل لنا محارب أخر من العوالم الاخرى.
ردد مؤمن بضيقٍ:
_انتوا بتقفشوا فراخ.. سيبونا نرجع الأرض ودورلها على فأر براسين من المشتري بضاعتهم لوز اللوز.
كلماته لم تكن مفهومة اليهم، فاستدارت الملكة برأسها للساحر وهي تخبره بحزن:
_مغلوبة على أمري يا برعوم، انت تعلم بأن تلك المشعوذة قامت باغلاق أماكن النزاعات بكل الكواكب، لم يتبقى لنا الا كوكب الارض فانتظرنا لاعوام حتى تمكن احدٌ منهم من هزم حنتوش!
وأشارت اليه بتحذير:
_عليكم بتأمين مكان النزال عسى أن يقع به بشريًا قوي البنية فأنا لا أراه بمثل القوة التي أبلغنا عنها ضارم!
منحه الساحر نظرة اخيرة قبل ان يخبرها بمكر وبسمة خبيثة:
_حسنًا يا مولاتي فلنجري له اختبارًا أخير!
وقبل أن ينتهي من كلماته التف من حول اجسادهم طاقة هائلة من النيران، والصادم  بالأمر بأنها لم تسبب لهم بالآذى، كان ملمسها كالهواء البارد على عكس كنايتها، التفت حول أجسادهم لتبتلعهم وسط دهشة وذهول الجميع، لتلقي بهم بمكانٍ أشبه بمغارة علي بابا من كثرة الكنوز التي تحيط به، وما أصابهم بالصدمة ما تمكنت أعينهم من رؤيته!
……… يتبع……….#الفصل_السابع..
(زاد!….)
تخلت عنهم الشعلة الغامضة، لتذيب تلك الغيمة التي تبتلعهم، فأصبحت الرؤيا ضبابية بعض الشيء، ومن ثم أكثر وضوحًا، كانوا بمكانٍ أشبه للمغارة، ينحدر لعدة كهوف متصاعدة فوق بغضها البعض، والعجيب بالأمر تكورها على شكل دائري، وكل كهفٍ كان يحمل لونًا مخالف لغيره، وجميعها من درجاتٍ البنفسج، ومن خارج كل كهفٍ تمثال رقيق على شكل جناحات فراشات، تلاشت اجنحتها ليظهر من داخل كل كهف فتيات تشبه الحوريات بجمالهن الخارق، شعرهم يتدلى من خلفهم لأسفل الساق، لدرجة سحرت عين مسك التي تتنقل بينهن بانبهارٍ، على عكس يونس الذي اهتم بتفاصيل المكان الغامض وبالقادم الغير مبشر بالمرة، وقد لاقى حسن ظنه المخيف حينما ارتفع جسدًا غريبًا بدى له بأنه يخص فتاة من عشيرة هؤلاء، حتى استقامت قبلته، فاخرجت سيف يشع بشرارٍ آلي مخيف، كانت تحاول استهداف يونس بشتى الطرق، فواجهها بحرافيةٍ حتى نجح باسقاط سيفها، ومن ثم ازاح ما يحجب وجهها عنه، تدلى شعرها الممزوج بخصلاتٍ برتقالية اللون مع مزيج من الذهبي من خلفها، ويا ويل قلبه حينما فتحت عينيها لتسحر خاصته ببريقها الرمادي، دقق بعينيها فوجد هالة من البنفسج تحيط بها، فشل بتلك اللحظة بتحديد لون عينيها الغامض، كل ما يعلم به بأنه بخطر ولوج لمعصية تأمل جمالها، لذا منع ذاته بالخوض بكشف تفاصيل تخصها ، فقال مؤمن بخوفٍ مما تحمله بين يدها:
_عايزين أيه مننا انتوا كمان!!
تحركت بسيفها تجاه من يقف قبالتها بثباتٍ وصلابة طاغية، وخرجت عن اطار صمتها القابض حينما قالت:
_فعلت ما بوسعي حتى أمنع تلك السياسية التي ستدمر كوكبنا، وبالنهاية تمكنت أنت من اختراق القوانين، ولكني لن أسمح لك بذلك، سأقتلك ولكن عليك أولًا إخباري بمكان النزال على كوكب البشر.
ضيق عينيه وهو يحاول استيعاب ما تقول، فقال بهدوءٍ:
_ولماذا يتوجب عليكِ قتلي إن كنتِ بحاجة لمساعدتي!
جذبه مؤمن بسخطٍ:
_أنت لسه هتسألها بينا نخلع قبل ما السلاح المريب ده يطول علينا.
أشار له بالتمهل لسماع ما ستقول، فوضعت السلاح جانبًا ثم اقتربت منه لتخبره بغضبٍ:
_الملكة التي رأيتها منذ قليل ما هي الا جثمان يختبئ خلف لعنة قمنا أنا وساحرات زحل بألقائها عليها.
تساءلت مسك باستغرابٍ:
_أي لعنة؟
منحتها نظرة متفحصة، فلأول مرة ترى جنس البشر، كانت تشبهها إلى حدًا كبيرًا مع اختلاف لون العين والشعر، فتغاضت عما تفعله وقالت:
_جميعًا تأملنا الأفضل بعد موت الملك، كان العرش لابنه المقاتل الشجاع، ومع ذلك تمكنت “إرثا” من قتله والاستيلاء على العرش والسلطة، وحينما ثار شعب زحل عليها أمرت بقتل الذكر منا، حتى تظل النساء عاجزات عن الدفاع عن انفسهن أمامها.
واستطردت باندفاعٍ يجعل من حولها يتفاعل مع حديثها وكأنهم يرون ما تخبرهم به:
_ولم تكتفى بذلك، بل فرضت سلطتها واستبداد طغى علينا جميعًا، لم تكن منصفة بحكمها لزحل، لذا اجتمعت مجموعة من سحرة زحل ومنهن أمي وأختي التي تكبرني بعشرة أعوام، واستطاعوا القاء تعويذة تجردها من قوتها وسلطتها، ومع ذلك تمكن الساحر المعتوه بصنع سحرًا لها يجعلها تسترد به قوتها بالزواج من المحاربين الأقوياء، فازدادت قوتها حتى باتت لا تقهر، فكان لا يمر عامًا الا وكانت تتزوج أكثر من ثلاثون محارب.
شهقت مسك بصوتٍ ملحوظ للجميع، فانحنى تجاهها مؤمن يخبرها:
_شايفة الولية مش بتضيع وقت ازاي
. مش انا اللي لحد الآن مش عارف ألمح لون شعرك حتى!
لكزته بغضبٍ وهي تردد جملتها المعتادة:
_احنا في أيه ولا أيه؟
هبطت جوارها فتاة من الكهف، تشير لها باستكمال حديثها قائلة:<!–nextpage–>
_زاد.. فلتخبريه ما سيناله إن لم يخبرنا بمكان النزال.
ابتسامة شقت وجهه، وردد بهيامٍ:
_زاد!  أهذا هو اسمك؟
رمشت بعينيها بارتباكٍ، ومع ذلك قالت:
_نعم.
تحمس ليخبرها:
_حسنًا وأنا ادعى يونس.
قوست حاجبها وهي تردد بصعوبةٍ:
_يوناس!
هز رأسه وهو يصحح لها باشارة يده:
_يونس.
عادت لتكرر نفس الكلمة، وعاد ليكررها، فسئم مؤمن من حوارهما، ليدفعه بعصبية بالغة:
_ما تنجز يا عم روميو انت لسه هتتعرف عليها بالسلاح اللي شايلاه ده.. شكلها هتخبطك خبطة تجيب أجلك وبعدها تبقى تحفظ اسمك على رواق!  ..
واستكمل بدهشةٍ وهو يضرب كفًا بالاخر:
_الناس محاوطنا باسلحة وده سايب اللي احنا فيه ونازل تحفيظ في اسمه.. حصلهم الشرف يا حبيبي بس انجز ومتحاولش تعصبها تنطقه زي مهي حابة ركز في اللي في ايدها ده أهم!
فشلت بفهم الحديث المتبادل بينهم، فاستطردت قصها للتفاصيل الهامة:
_تكاتفنا أنا وبعض فتيات زحل، وتمكنا من السيطرة على أماكن نزال الكواكب، ولم يتسنى لنا الوصول للنزال القابع بأرض البشر، ولكن ما جعلنا بمأمن بأنه لم يسبق لبشري التغلب على محاربها الأخير، لذا ظلت لعهدٍ لم تتجدد قوتها، لم يتمكن بشري من التغلب على المحارب وجئت أنت لتفعلها بعد كل تلك الأعوام!!
وشددت من سلاحها لتسترسل وهى ترنو إليه:
_ولن أسمح لها بالزواج منك فتزداد قوتها وطغيانها من جديدٍ.
وقبل أن يصل إليه نصل سيفها المشع نجح يونس بالتحكم بسلاحها، فقيد يدها للأعلى وابعده عنه، فكاد باختراقٍ جسدها، لوى يدها حتى القت به أرضًا وببسمة جعلت عينيها تتسعان بدهشةٍ قال:
_ما رأيك بعقد إتفاق بيننا.. لأساعدك بالعثور على النزال مقابل أن أعود أنا وعائلتي لعالمنا بأمان؟
ابتعدت عنه بتوترٍ، ووزعت نظراتها بينه تارة وبين فريقها المكون من سبع فتيات، فوجدتهم يتشاورن بينهن، ومن ثم قالت واحدة منهن:
_ما حاجتنا لقتله إن كان لا يريد الزواج من الملكة.. وربما حينما نتخلص من النزال السري بأرض البشر ستتقلص قوتها حتى يسهل علينا التغلب عليها وحينها سيصبح العرش للأجدر بيننا.
هزوا رؤؤسهم باقتناعٍ، فاعترضت واحدة منهن حينما قالت:
_وماذا ان كان مخادع!
مع ذكر تلك الجملة التفتت الأعين اليه، فرفع يده وهو يخبرهم:
_لا أعتقد بأنني سأجازف بالعيش هنا.. أنا مرغم على وجودي هنا.
استقمن بوقفتهن، بعد اتخاذ قرارهن الاخير، فقالت احداهن:
_من منا ستضحى بنفسها للبقاء بأرض البشر؟
قالت الأكبر بينهن بحزنٍ:
_ذلك القرار هو أبشع شيئًا أمقته، تفرق فريقنا ولم تستطيع التواصل مع كل فتاة وكلت بسد النزال بالكواكب، ولكن بنهاية الأمر يتوجب علينا ذلك من أجل حماية شعب مملكتنا.
قاطعتها زاد حينما قالت:
_سأذهب تلك المرة ولن يتمكن أحدٌ من ايقافي.
كادت بالاعتراض مبدية مبررها:
_ولكن الساحرة لن تقبل بابتعاد ابنتها الصغيرة عن زحل.
قالت ببسمة هادئة:
_إن ضحى أبي بحياته لأجل زحل فلماذا لا أفعلها!
زفرت بتعبٍ من اقناعها، فقالت بيأس:
_حسنًا.. اصطحبيهم لمعزلك الخاص ولتستعدي غدًا للانتقال الى الأرض!
هزت رأسها بطاعة، واتجهت للسحابة المتدلية اطرافها الوردية لتشير لهم:
_اتبعوني.
لحق بها يونس ومن خلفه مؤمن ومسك، حتى انتهوا من طريق صف على هيئة جناحات الفراشات الفريدة، حتى وصلت بهم لكهفٍ واسع يخصها، فجلسوا بانهاكٍ على الصخور المجوفة، ومصير كلا منهم مازال مجهولًا بين يد تلك الساحرة الفاتنة!
………. يتبع……..#الفصل_الثامن..
(حبًا  فوق السحاب..)
ما يحدث معهم لا يصدقه عقل بشري عاقل، كانوا بحاجة للاسترخاء، فجلسوا جوار بعضهم البعض بصمتٍ تام، يراقبون من تقترب منهم بالطعام، تناولوا طعامهم بآلية تامة حتى انتهوا، فتمدد كلًا منهم محله بإرهاقٍ، أغلق يونس عينيه استسلامًا لنومٍ سحبه من دوامة يومًا شاق، مرت عليه ساعة كاملة استيقظ بها على هزة يد عنيفة، فتح يونس عينيه بتكاسلٍ فوجد مؤمن يلكزه بغيظٍ:
_كل ده عشان تصحى!
اعتدل يونس بمنامته متسائلًا بدهشةٍ:
_في أيه؟!
رسم بسمة خبيثة وهو يجلس جواره، فاستند على حافة الصخرة وهو يهمس له بمكرٍ:
_ما تطلع من الكهف المريب العجيب ده تشم هوا.
ضيق عينيه بذهولٍ:
_هوا أيه اللي هشمه في الوقت ده.. أنا تعبان ومش قادر أفتح عيوني!
دفع جسده بغضب:
_ما تخلي عندك دم يا اخي ده ابن عمك الوحيد حس بيا… عريس جديد وشايف  أختك قدامي ليل نهار… حس بيا وبمشاعري!!
منحه نظرة خاطفة قبل أن تهاجمه نوبة من الضحك، فقال:
_يا ابني أنت مش بتستلم أبدًا… مصمم انها تهزقك قدام الكائنات الغريبة دي.
_ولو هفضل أحاول لحد ما أحقق هدفي!
قالها بتعصبٍ جعل الاخير يحمل جاكيته وهو يشير له بسخريةٍ:
_أنا بره.. ومتقلقش لو سمعتك بتستغيث مش هنجدك!
بحث جواره عن حجرٍ صغير يلقنه به درسًا لاستهزائه به، فما ان تأكد من خروجه حتى فرك يده وهو يردد بمكرٍ:
_الساحة فضت عليا أنا وانتي يا مسوكة.
******<!–nextpage–>
تكورت بجسدها في محاولة بائسة بأن يشملها جاكت زوجها الكبير نسبيًا عن جسدها، علها تحفظ نفسها من نظراته التي لم تعد آمنة اليها بالمرة، شعرت ببرودة تتسلل إليها، فرددت قبل أن تفتح عينيها:
_سيب الجاكت يا مؤمن واتلم يونس نايم جنبك.
ابعده عنها وهو يخبرها بابتسامة تفترش وجهه:
_طرقته ومفضلش غيرنا يا جميل.
صعقت مما استمعت، فانتفضت بجلستها تبحث عن أخيها، تراجعت مسك للخلف وهي تشير له بتحذيرٍ:
_بلاش جنان يا مؤمن احنا مش في بيتنا ولا عالمنا أساسًا.. ايش ضمنك ميكنوش زرعين لينا كاميرات يسوحونا بيها قدام الكواكب الاخرى.. اعقل واهدى.
زحف خلفها حتى حاصرها بين الصخور، فقال وهو يمنحها غمزة ظنها تغريها:
_ولا يهمني.. وراك قتيل والعمر رهين!
وكاد بالاندفاع تجاهها، فتسللت من اسفل يده ليحتضن جسده الصخرة بشكلٍ مضحك ومؤلم لوجهه الذي تلبسها كلوحة فنية مرسومة بحرفيةٍ، شعرت وكأن اسنانه تهشمت لقبلة الصخور، فاستند عليها وهو يتأوه ويتوعد لها بغيظٍ:
_والله لأوريكي يا مسك… معرفش اطلع بيكي فين تاني عشان ترضي عليا!
كبتت ضحكاتها عليه بصعوبةٍ، وأجابته بصدمةٍ ادعتها بنجاح:
_تاخدني فين!!  ليه شايفني حيوانة ماليش مشاعر ولا احاسيس، قولتلك اصبر لحد ما يتزرع في قلبي حب ليك!
اعتدل بجلسته بألمٍ، وهو يردد بسخط:
_يعني هستنى الزرع الشتوي ولا الصيفي.. ثم انك أرض يابس لا نافع معاكِ زرع ولا شيء.
وادعى تألمه الشديد وهو يشير لها:
_طب ساعديني أقوم.. مفيش في قلبك انتماء لأخوكي المسلم!
نهضت عن محلها، واتجهت اليه لتعاونه، فجذبها لتسقط فوق صدره، وفي لمح البصر أصبح هو من يحتل وجهتها، وصوته يهمس اليها بخفوتٍ:
_اللحظات اللي بينا هنا هتكون مميزة ومتتعوضش!
*******
بالخارج.
رداءها البنفسج يترنح طرفه انصياعًا لنسماتٍ الهواء الرقيقة التي تلامسه برفقٍ، ومن خلفها خصلات شعرها الطويل يحجب رؤياها وكأنه يحميها عن جدارة، اقترب منها بحذرٍ وهو يحارب انجذابه الغريب اليها، ربما جمالها يخدر حواس من يراها، ولكنه اعتاد غض بصره عن أي فتاة رأها يومًا، وسيفعل لأخر يوم يفارق به الحياة وقد صان عينيه من ارتكاب معصية قد تحول بينه وبين روضة الله عز وجل، تفاجئ بها يونس تردد دون أن تلتفت اليه:
_إلى متى ستظل تراقبني؟
ابتسم وهو يقترب حتى يجلس على مسافةٍ قريبة منها، فوجد سلاحها لجوارها وعلى ما بدى اليه مرقبتها للطريق لتأمين الحماية اليهم، فقال ساخرًا:
_كنتِ تودين قتلي منذ قليل والآن تقدمين الحماية والأمان لي!
استدارت تجاهه، فابتسمت وهي تخبره:
_الحياة تنجح دائمًا بتغير صف المعركة يوناس.. حتمًا ستجد نفسك تمر بين كل صف وأنت لا تعلم إلى أي جهة سيكون مصير بقائك.
غاصت كلماتها لتسحره رغمًا عنه، فأبعد عينيه عنها وهو يهمس بصوتٍ كان مسموعًا لها:
_اجتنبت الوقوع بالفتنة فتجمعت فتنة الدنيا بكِ!
رمشت بعدم فهم، فقال بصوته العذب:
_قد تظنين الامر جنوني ولكن بعالمي لم تستطيع أي فتاة سلب قلبي المعتوه، وفعلتي أنتِ من النظرة الأولى!
ضحكت ساخرة من حديثه، وقالت بتريثٍ:
_أجد الأمر غريبًا بعض الشيء، لسنا معتدون على سماع كلمات الغزل والسماح بالحب بين فريقنا، بسبب ما فعلته تلك اللعينة لم يصرح لنا بالزواج بعد قضائها على السلالة.
ارد الابتعاد عن سياق هذا الحديث الخطر، فقال:
_أخبريني.. لماذا وصفت صديقتك ذهابك لعالمنا بالتضحية؟
اجابته ببساطةٍ أوحت له تقبلها للأمر:
_لأن الطريقة الوحيدة لغلق الفجوة من داخل عالم البشر، وحينما تنغلق يصعب العودة لزحل مرة أخرى.
بفضولٍ غريب تساءل:
_وماذا ستفعلين بعد الانتهاء من تلك المهمة؟
هزت كتفيها وهي تخبره:
_لا أعلم.
واستدارت برأسها اليه، فتعمقت بالتطلع لحدقتيه، دفن داخل سحر عينيها، وكأنه كان يجابه موج عتي يرفض تركه دون أن يغرق داخله، ابتلع ريقه بتأثرٍ، فسحب عينيه عنها، ابتسمت زاد وهي تردد بعاطفةٍ:
_أنت مختلف عن هؤلاء المحاربين.. ربما اصابتني الدهشة حينما رأيتك فجسدك ضعيف للغاية لهزم محارب مثل حنتوش.
همس ساخرًا:
_ده مش محارب ده بغل بقرون!
ضيقت عينيها بعدم فهم، فقال:
_ما يميزنا بكوكبنا امتلاك العقل، وجدته يحتمي خلف هالة من الزجاج فعلمت بأنه دونها لن يتمكن من التواجد بيننا، لذا خلصته منها وقد تحقق الأمر.
صمتت قليلًا تفكر بحديثه ثم قالت بحماسٍ:
_ربما لأنه من المشترى فصعب عليه التعايش بأرض البشر.
سألها باهتمامٍ:
_وهل ينطبق الأمر عليكم!
اجابته بحيرةٍ:
_لا أعلم.. ولكن إن أصابني مكروه ستتمكن احدى صديقاتي من اتخاذ الاجراءات اللازمة لسد الفجوة.
_ستضحين بحياتك بتلك السهولة؟
=سأفعل أي شيء يهزم قوة ارثا، لحين أن يتمكن جيشنا الصغير من هزمها والاستيلاء على العرش، حينها سيتبدد ظلمها الى الأبد إن قمت بغلق أخر أمل تعتمد عليه.
_أعتقد بأنها لن تكون مسالمة وأنت تقصين لي عن أخر أمل تمتلك!
هزت رأسها وهي تؤكد له ظنونه:
_لذا أنا أحرص الا يهاجمنا جنودها.. فإن تزوجت بك ستحصل على قوتها كاملة في الحال.. وحينها لن يتمكن احدٌ من ايقافها.
كاد بأن يجيبها فقاطعهما صوت صراخ قوي يأتي من الداخل، نهضت زاد عن مكانها، فجذبت سلاحها واستعدت للاقتحام، اوقفها يونس وهو يخبرها:
_دعكِ من الأمر.. إنه زوج أختي الأحمق يحاول استغلال الاجواء الرائعة مع زوجته التي لا ترغب بشيءٍ سوى الذهاب لأمريكا المتسببة لما نحن عليه الآن!
انفجرت ضاحكة فحملت سلاحها على كتفيها، وأخبرته ببسمة رقيقة وهي تتجه للمخبئ الجانبي للكهف:
_سأترك لك المراقبة.. لأحصل على قسطٍ من الراحه.
هز رأسه وعاد ليحتل مكانها، توقفت زاد عن المضي قدمًا، فعادت اليه وهي تقدم له ما بيدها بتردد واضح:
_تركك بمفردك دون سلاحًا ليس أمنًا، فلتحمل سلاحي وكن حذرٍ.
ابتسم وهو يلتقطه منها، ثم جلس يتأمل الجبال التي تحيطه بانبهارٍ وشرود تام فيما يراه..
******
_أنا أسف صدقيني أنا غلطت وندمان!
قالها مؤمن وهو يحاول حماية عينيه اليمنى بعدما فقد اليسرى، كانت تستعد للكم عينيه الاخرى ولكن رجاءه واعترافه بالخطأ جعلها تتراجع، فعادت لتتمدد على الصخرة ثم طرحت الجاكت فوق جسدها هامسة بعنجهيةٍ:
_ناس تخاف متختشيش!!
احتضن مؤمن عينيه المتورمة، واردف بألمٍ شديد:
_سبق ليا التعامل مع كل الحيوانات بس فصيلتك دي متعاملتش معاها قبل كده.
فتحت نصف عين وقالت:
_عشان مستنضفتش ودخلت طب بيطري… خلي معلومات بعالم الحيوانات تنفعك!
اتكأ على الصخرة المقابلة لها وهو يشير لها بابهامه:
_انتي صح.. لو رجعنا الارض هحاول أخد كورس كامل عن الطب البشري.
اغلقت عينيها بنومٍ:
_طب نام بقا متقرفناش.. كفايا الفرهدة اللي فرهدتهالي في الضرب بقالي كتير مجربتش اتعارك مع حد فالموضوع مرهق وأنا بحاول استعيد خبراتي بالكارتيه!
ذم شفتيه بحزنٍ:
_جوازة سودة.. وأنا اللي كنت خايف اتغفل من البنات الغريبة، اتسحلت من مسوكة ام اربعة وأربعين!
_بتقول حاجة يا مؤمن!
ابتلع ريقه برعبٍ وهو يشير لها بتوتر:
_بقول ربنا يسهلنا ونرجع بقا.. لأن الوضع هنا خارج السيطرة!
*******
توسطت الشمس كبد السماء، لتنير بضيائها الكهف المغلق، فتسللت خيوطها من الفجوات الصغيرة المحفورة داخل كهوف المغارة المجوفة، فصنعت ستارًا ضخم من الضوء المدموج بلون الطيف السبع، فصنعت جوًا من بهجة الألوان المثيرة، فاستعدوا للمغادرة الآن، كانت زاد تجهز مركبتها الخاصة بمساعدة فريقها، بينما ينتظرها يونس ومؤمن بالخارج، أشار مؤمن ليونس بالاقتراب، فدنى منه وهو يردد بتأففٍ:
_عايز أيه تاني؟!
ببلاهةٍ تشكلت ببسمته قالت:
_عايزك في موضوع كده على جنب.
بتحذيرٍ استطرد:
_لو موضوعك السخيف ده هزعلك.
هز رأسه نافيًا وهو يشير له بالتمهل لسماعه، مرت الدقائق ومازال يونس ينتظره يخبره بأمره الهام، فزفر بضيقٍ:
__يا ابني بقالك ساعة واخدني على جنب، ما تنجز وتقولي في أيه؟!
اجابه مؤمن وهو يتفحص الكهف من حوله:
_أنا حاسس اني اتسرعت في قراري!
رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ:
_ قرار أيه؟
رد عليه ببسمة بلهاء:
_بالجواز من أختك.. أنت مش شايف الطلقات الزحلية اللي وقعنا وسطهم، دول يحلوا من على حبل المشنقة!
ابتسامة ماكرة تشكلت على وجهه، فابتلع رده القابع على طرف لسانه، وانسحب من أمامه والاخير يراقبه بدهشةٍ، الى أن تسلل الي مسمعه صوت زوجته:
_طلقة تشيلك من على وش الدنيا كلها يا بعيد.. بقى احنا مخطوفين هنا ومش عارفين هنرجع الأرض ازاي وانت شاغل عقلك بحريم زحل!
تراجع للخلف بذعرٍ حينما رأها تحمل أحد أسلحتهم المخيفة، فعلى ما يبدو الساعات التي قضتها بصحبتهم بالمركبة نجحت بانشاء علاقة متوقعة بينهم كونها تنحدر لنوع نسلهم المغرور، فاجبر لسانه الثقيل على النطق :<!–nextpage–>
_بهزر معاه يا مسوكة… هبص على مين بس وأنا معايا طلقة الكرة الارضية كلها.
وأشار لما تحمله بفزعٍ:
_ بس ايدك السلاح لو طول هنطلع المشترى المرادي وانا والله معاد فيا حيل لأي انتقالات غير ممهدة!
هبطت زاد من المركبة لتجد ما يحدث أمامها، وما أثار دهشتها مراقبة يونس لهما ببرودٍ دفعها للصراخ به:
_أراك تستمع بمراقبة ابن عمك وهي على وشك التهام لحمه بسلاحنا!
وضع حبات المانجو الغريبة، التي تتشكل على هيئة عنقود العنب، فتناولها بتلذذٍ وهو يخبرها:
_أود لو امتلكت أختي الجرءة لفعل ذلك.. فهو يستحق بالفعل.
والقى جسده عن الصخرة المرتفعه، ثم نفض الغبار عن بنطاله واتجه للمركبة الفضائية الغامضة وهو يخبرها بتريثٍ:
_لا تقلقي.. سينضمون الينا بعد دقائق.
لحقت به زاد للداخل، وصعدت لمقعدها الرئيسي لقيادة المركبة، بينما جلس يونس للمقعد المجاور لها، يحاول استكشاف ما تفعله على الأدوات المهولة من أمامه، التفتت للخلف بدهشةٍ حينما وجدتهما يجلسان بالخلف بهدوءٍ تام وكأنهما لم يفتعلان شجارًا أوشك بهما القتل منذ قليل، عادت ببصرها تجاه يونس الذي ردد ببسمة ساخرة:
_هكذا نحن البشر لا نعني ما نفعله أو مقصد حديثنا المطعن!
فعلت زر تشغيل المركبة لتنطلق بهم وهي تخبره بسخريةٍ:
_كائنات مثيرة للشفقة!
…….. يتبع………#الفصل_التاسع.
(حرب دامية..)
اهتزت المركبة بقوةٍ كادت بجعل اجسادهم تترنح عن المقاعد، تماسك الجميع، وراقب يونس ما يحدث متسائلًا بدهشةٍ:
_ماذا يحدث؟
اجابته زاد وهي تحاول التحكم بحركة السفينة:
_جنود ارثا يهاجمونا.. بالطبع لن تسمح لك بالفرار بتلك السهولة.<!–nextpage–>
حاول استكشاف ما تحاول فعله وهى تسحب أشياءًا بدت مخيفة اليه:
_لا أعتقد اننا بحاجة للمواجهة!
حركت مقود غريبًا ليصبح قبالة مقعده، ثم أشارت له بشراسةٍ:
_سأختار المواجهة بالتأكيد.. شكرًا لنصيحتك أيها المحارب الشجاع!
وتركته يتطلع لفراغها بصدمةٍ ثم خرجت من باب المركبة السفلي لتسدد بسلاحها الأبيض ضربة فتكت باحدى السفن المحاطة بها، ولم تكتف بذلك، استهدفت عدد من المركبات فجعلت يونس يراقبها بصدمةٍ، لم تكن بفتاة عادية قط بل محاربة خطيرة وعليه الحذر بالتعامل معها، مثلما يجاهد في محاولةٍ للتعامل مع قيادة تلك المركبة التي اعتاد رؤيتها بالافلام الغربية..
بالخلف
سقط مؤمن أسفل مقعده، فحاول مرارًا البقاء أعلاه، ولكن مع انحناء المركبة كان يسقط من أسفلها، فصاح بيونس:
_هتولع فينا في زحل كمان… يا أخي منك لله انت واليوم اللي اتجوزت فيه أختك..كويس انك بتحاول تقتلنا عشان انا لو وصلت الأرض حي ههد بيت فتح الله فوق دماغك ودماغ جدك اللي وافق على الجوازة من غير ما يعترض!
وتمسك بحافة مقعد مسك حتى صعد لاعلى مقعده، فقال بغضبٍ:
_هما تقريبًا محتارين يختارولنا نوع الموتة… زي واجب الضيافة كده.
وتحامل على المقاعد الأربعة حتى وصل للمقعد المجاور ليونس، فتمكن من رؤية زاد وهي تتقاتل مع تلك المخلوقات المخيفة بمفردها، ابتلع مؤمن ريقه بخوفٍ جارف، فأشار ليونس الذي يتابع انفعالاته بضيقٍ:
_انسى اللي بتفكر فيه… الزحلين لو اتجوزتها هيسحقوا بيت فتح الله… مش بعيد يسخطوه بطريق عشان ينتقموا منك.. فجو مينفعش نسيبها والكلام اللي بيدور جواك ده فاكس، هي تنزلنا الارض وكل واحد لحال سبيله يمضي!
انحنى برأسه بعصيية وهو يحاول تفادي ضربات المعاكسة للمركبة، فصاح بعنفوانٍ:
_ده وقته ارجع ورا جنب مراتك واحميها وخليك راجل لمرة واحدة في حياتك!
وزع نظراته بينه وبين من تراقبه بسخطٍ، فحركت صدغيها بشفقة مذرية عقب سماع كلمة يونس، فانحنى تجاهه وهو يتساءل بقلق:
_قصدك أيه بكلامك الجارح ده.
مال يونس بلوح المركبة ليجرفها لليسار حتى يتفاد مهاجمة العدو، فاجابه:
_انت متعود تهرب من المعارك اللي انت السبب فيها، وبما انها بقت مراتك يبقى تتحمل مصايبها وترجع ورا تحميها.
شكك بكلامه حينما قال:
_عمرك شوفتني هربت من خناقة حصلت بيني وبينها مع انها بتتحول لامنا الغولة وبيحصلي خساير جسدية لا تعد ولا تحصى ومع ذلك بقف قدامها زي الأسد.
حانت منه نظرة جانبية لتورم عينيه الأزرق، فهمس ساخرًا:<!–nextpage–>
_بدون اثباتات واضح جدًا.
فتح عينيه بصعوبةٍ، وهو يستكمل همسه اليه:
_هو انتوا بتأكلوها ايه يا يونس.. يعني في نظام غذائي معين ماشية عليه؟
رمش بعينيه بذهول، فقال وهو يحاول البحث عن اي سلاح يخص المركبة:
_هي مين دي؟
أشار بعينيه المتورمة:
_اختك؟  اصلها ما شاء الله عندها قوة خارقة.. زي ما تقول عندها كبت بتطلعه عليا.
وانحنى على يده وهو يردد بصوته المحتقن:
_ارحمني وطلقني منها معتش فيا حتة سليمة تستحمل ضربها.. دي بتقولي انها كانت بتتمرن كارتيه!
انحنى بعيدًا عنه حتى وجد لوحة الكترونية تحمل صور اسلحة غريبة يراها لأول مرة، فقال وهو يحاول تشغيلها:
_فعلا كانت بتروح وهي صغيرة.. وبعدين انت زعلان ليه هي اتعلم الكونغ فو واغلبها.
صاح بغيظ:
_يا عم انا لا عايز اتشقلب ولا أهزمها انا عايزة أدخل دنيا.. فاهمني!
صاح به يونس بذعرٍ وهو يلمح احد الضربات تحيط بالمركبة:
_انزل بسرعة.
انحنى اسفل مقعده، فتفادى يونس الضربة القاتلة التي كادت بتدمير المركبة، فعكس وجهتها، انقطع حزام الأمان الخاص بمقعد مسك مع انجراف حركة المركبة فكادت بالسقوط، أمسك بها مؤمن فتعلقت برقبته حتى تتمكن من الصعود اليه بعيدًا عن الباب المحطم، فيبتلع الهواء كل ما يقابله، ازرق وجهه وسعل بقوةٍ وهو يجاهد للحديث:
_كده أنا اللي هموت.. متحرمنيش اقدم مساعدتي لحد تاني طول ما أنا على الكوكب الفقري ده.
شددت من تعلقها برقبته وصاحت به:
_واجبك كزوج يحتمك تساعدني وتضحي بحياتك عشاني.
زاد اختناقه، فحاول ابعادها عنه ودفعها تجاه الباب ليخلص ذاته، مرددًا بصعوبة بالحديث:
_بطلي تقري روايات وتتفرجي على افلاك فكسانه… أنا اضحي بأمي نفسها عشان أعيش!
التحمت المركبة بنظامها التلقائي في لمح البصر، فسقطوا أرضًا حينما انتهت الجاذبيية داخلها، سقطت مسك فوقه فصرخ ألمًا وهو يحاول تخليص ساقه اليسري، فحاولت التدحرج بجسدها مما زاد من ألمه، فدفعها بقدمه الاخرى وهو يصيح بصراخٍ:
_آآه.   رجلــــــــــي… انتي بتأكلي ايه!!!!!
اعتدلت مسك بجلستها، فزجرته بنظرة جعلته يضم قدمه المصابة بالمٍ، وهو يختار من الكلمات ما تنقذ موقفه:
_أنا مش عايزك تفهميني غلط الموضوع وما فيه اني مينفعش ارجع الارض من غير رجلي… الجثة لازم ترجع على بعضها زي ما اتنقلت!
نهضت لتحتل المقعد، فربطت حزام امانها وهي تشير له بعصبية:
_أول ما نرجع بلدنا تطلقني.. انا لا يمكن أكمل معاك ثانية واحدة.
استند على المقعد المجاور لها، حتى تمدد عليه بوجعٍ، اتبع نبرته الواهنة:
_والله لو الجماعة هنا عندهم مأذون عربي وابن ناس نتكل على الله ونفض العمل.. وفلوس السفر مسامح فيها من غير حلفنات.
وردد بصوتٍ منخفض:
_كنت فاكر العريس اللي خلع غبي طلع أعقل مني.. أهو كان زمانه بيتغربل على زحل مكاني هنا!
********<!–nextpage–>
بالأمام..
الكل يواجه معركته الخاصة، زاد بالخارج تواجه معركة مصيرية، ويونس يحاول بشتى الطرق حماية عائلته من طلقات الاسلحة المشعة، وبالرغم من قيادته البارعة التي فاجئت زاد الا انه كان يحاول مساعدتها باستخدام أسلحة المركبة، ونجح باستهداف أخر مركبة خاصة بالملكة، فأخفضت زاد اسلحتها وعادت للصعود للمركبة لتنضم اليه مرة أخرى، فما أن جلست على المقعد المجاور له قالت باعحاب:
_قيادة ممتازة يوناس.
ابتسم لسماعه نطق اسمه الغريب، ومع ذلك كان يرغب بسماعه منها، فسلم لها درع القيادة، وهو يتساءل باهتمامٍ:
_والآن ماذا سنفعل؟
أشارت له على اللوحة الصغيرة المجاورة له:
_استخدمها لتحدد المكان المختبئ أسفله النزال.
جذب يونس اللوحة، وما أن لامسها حتى خرج منها ضوء أبيض اللون، تشكل من أمامه كوكب الأرض بشكله الدائري، ومن ثم انقسمت الكرة لعدة اماكن، ليركض به الضوء لخريطة خيالية لا يستعبها عقله، ومع ذلك حاول التأقلم على ايجاد الدولة التي سافر اليها، فحدد البلد ومن ثم المنطقة بذاتها التي ولجوا بها للمخبئ السري، فحددت زاد بمركبتها المكان الواجب للمركبة الهبوط اليه بأمانٍ تام، لثقتها بأن الملكة لا تملك ادنى قوة للحاق بها، فما أن اخترقت المركبة الأرض، اتجهت للمكان المحدد لها، لتصل الى وجهتها أخيرًا..
………. يتبع……….#الفصل_العاشر..
(#وداع_مؤقت!..)
لحظة الوداع بينهما كانت غريبة، والاغرب إنهما لم يجمعهما سوى يومًا واحد، الرحلة بأكملها كانت أغرب من الخيال، وإن قصوا ثلاثتهم ما حدث لهم بعد سفرهم لأمريكا لن يصدقهم أحدٌ، ربما ينعتهم الجميع بالجنون، فالامر لن يزداهم الا سوءًا، هبط مؤمن ومسك المركبة، وافترشوا أرض الغابة، يلامسون الأعشان بعدم تصديق بأن رحلتهم المريبة انتهت، والآن عادوا للموطن، بينما مازال يونس بالداخل يجلس محله، وكأنه يرى أن بهبوطه سيخسر الراحة والسكينة التي يشعر بها لجوارها، فقال بارتباكٍ اغتاب صوته الرجولي العميق:
_هل انتهت الرحلة؟
أشارت له ببسمة رقيقة:
_نعم، لقد انتهينا.. اخبرتني بمكان النزال مقابل مساعدتي لك بالعودة.
واسترسلت بنبرة دافئة:
_فلتغادر برفقة عائلتك الآن.
رسم بسمة باهتة يخفي بها حزنها الغريب، وقال:
_وماذا عنكِ؟
جذبت صندوقًا طويل مغلق، فأخرجت منه سهمًا أزرق اللون، يحمل بمنتصفه بلور أسود اللون منيرًا باشعة ذهبية اللون، وقالت وعينيها لا تفارق المكان الخاص بخيمة مؤمن بعد أن حددت هدفها عبر جهازها الخاص:
_سأتخلص من قوة إرثا للأبد.. وحينها سيشمل أهل مملكتي السكينة والرخاء.
واستقامت بوقفتها وهي تخبره بتحذير:
_ما عليك سوى المغادرة بصحبة مؤمن ومسك.. ابتعدوا بمسافة آمنة حتى لا يصيب أحدٌ الأذى.
هز رأسه بتفهمٍ، واتجه للباب الدائري ليغادر، توقف فجأة واستدار اليها وهو يخبرها ببسمة جعلت بريق عينيها يتأجج بغرابة:<!–nextpage–>
_شكري لكِ مهين على ما قدمتيه لأجل عائلتي.. علي الاعتراف انكِ محاربة شجاعة ولكنك عنيدة.
ضحكت بصوتها الرقيق، واحنت رأسها وهي تشير له:
_حسنًا سيد يوناس.. وأنت لا بأس بك في استخدام أسلحة المركبة رغم ما تسببته من خسائر أصابتها بالعجز ولكن الأمر ليس بهذا السوء.
وهبطت من المركبة، فلحق بها وهو يتساءل باستغرابٍ:
_ماذا ستفعلين بها؟  هل ستتركينها هنا!
فهمت مقصد حديثه، فاستدارت تجاه مركبتها وحررت قلادة عنقها ففتحتها وقالت وهي تضغط على زرها الجانبي:
_سأحملها معي.
ذُهل من جملتها المضحكة، ولكنها اصابته بالدهشة حينما تقلص حجم المركبة لتصبح لا ترى بالعين المجردة، فحملتها زاد ووضعتها بالقلادة، ثم ارتدته كطوق حول رقبتها، وحملت سلاحها على كتفيها وهي تشير له:
_ دعنا لا نضيع وقتًا أكثر من ذلك، عليك بالابتعاد عن هنا في الحال.
وتركته يراقبها واستكملت طريقها، راقبت زاد كيف تستهدف برمحها اصابة مؤكدة تضمن وصول سلاحها الفتاك اليهم، لا تمتلك سوى سهمًا واحد يحتاج لمجازفةٍ خطيرة، فراقبت المسافة القريبة لفعلتها، فاختارت الصعود لتلك الشجرة القريبة من الخيمة، ثم ثبتت الرمح، وراقبت المسافة بحذرٍ واصابعها تشدد من جذب السهم المضيء.
******
ركض ثلاثتهم بعد أن جذبوا حقائبهم الصغيرة التي تحتوي على أوراقهم الخاصة، ركضوا على مسافة بعدتهم عن مكان خيمتهم كثيرًا، حتى خرجوا للطريق الرئيسي، فأوقف يونس الحافلة التي تنهب الطريق بسرعةٍ فائقة، صعدت مسك ومن خلفها مؤمن، ولم يتبقى سوى يونس، كادت الحافلة بالتحرك ومازال يونس يقف محله، فأشار له مؤمن:
_انت لسه بتفكر في أيه، اركب!!
أغلق يونس باب الحافلة واشار لمؤمن بحزمٍ:
_طلع مسك من هنا واوعى ترجع مهما حصل.
صرخ به وهو يحاول فتح باب الحافلة:
_أنت مجنـون!!  … يونس اركب فورًا.
هرع يونس للغابة مرة أخرى، فتحركت الحافلة بهم وكلاهما يراقبونه بصدمة وعدم استيعاب ما فعله للتو!
******
حددت بعينيها هدفها، وبقت تلك اللحظة الخاطفة تفصلها عن تدمير الوكر الأخير، سحبت “زاد” السهم بكل قوتها، وأطلقته لقلب النزال السري، فما ان اصابت هدفها حتى اهتزت الأرض من أسفل قدميها، فجوفتها هالة ابتلعت الوكر بمن داخله، وسحبت الاشجار من حولها، حتى الشجرة التي كانت تتعلق بها، حاولت زاد السقوط عنها لمكانٍ بعيد، ولكنها لم تتمكن من ذلك، تلك الهالة تستحوذ على قوة شرسة يصعب التغلب عليها، حاولت تسلق غصون الشجرة التي تتدحرج أرضًا فتفاجئت بيونس يقف على احد أغضان شجرة بعيدة عنها والى حدٍ كبير بامانٍ عن المنطقة التي استهدفتها، وجدته يقذف اليها حبل غريب، امسكته بيدها بعدم فهم لما يود فعله بما يحمله، صرخ بها بصوت صاخب:
_تمسكي جيدًا به.
ربطته حول جسدها، فوجدته يجذبها إليه بكل قوته، انحنى اليها ليعاونها على تسلق الشجرة التي يعتليها، كان مجبر على أن يمسك بيدها حتى لا تسقط لموتها المحتوم من أسفل قدميها، جذبها للاعلى  فتعلق كلا منهما بجذع الشجرة، التقطت زاد نفسًا مطولًا قبل أن تتساءل بدهشةٍ:
_لماذا عدت مجددًا؟
منحها نظرة ساخرة من سؤالها الغريب بعد ما قدمه لها من مساعدة، فقال بتريث وكأنها قدمت شكرها لما فعله لاجلها؟
_على الرحب والسعة.
شعرت بالحرج لما تفوهت به، فولا تدخله لما كانت على قيد الحياة حتى تلك اللحظة، أسرعت خلفه وهي تشير اليه:
_حسنًا.. أشعر وكأنني لم أكن منصفة بحقك، علي الاعتراف بأنني قد نجوت بفضل مساعدتك لي.. لذا أشكرك.
والقت بجسدها بعيدًا عن الاغصان حتى استقامت بوقفتها أرضًا، فلحق بها يونس وهو يسألها بفضولٍ:
_والآن ماذا سيحدث؟
قالت بحزن غلف نبرتها القاتمة:
_لا أعلم.. ولكن ما انجزته هنا يستحق الاحتفال.. وأخيرًا وضعنا حدًا لتلك الوضيعة.
ضحك على كلماتها، وصحح لها بمزحٍ:
_بل الدميمة ذات الألف جرام!
وأشار لها تابعًا مزحته:
_لم أرى يومًا امرأة تمتلك كل تلك الدهون في حياتي.
انفجرت من الضحك حتى توردت وجنتها، فأكد لها بجدية:
_انها سمينة للغاية حقًا.. والأبشع من الحُلم اختياري للزواج منها!
وهمس بصوتٍ ظنه غير مسموع:
_ابتعدت عن فتيات الكرة الارضية لتصبح ذات الشحم زوجتي!!
فشلت بالسيطرة على ضحكاتها، وبصعوبة قالت:
_كنت سأسالك نفس الشيء، لماذا اتيت هنا بمفردك.. أعني بأن مؤمن تزوج وسافر برفقة زوجته لماذا لم تفعل مثل الشيء؟
تعمق بالتطلع لحدقتيها، وخطف عينيه بعيدًا وهو يخبرها:
_لا أعلم.. ربما لم أجد الفتاة التي تثير فضولي يومًا!
واتجهت عينيه التائهة اليها وهو يخبرها بمكرٍ:
_هل أخبرتك بأنكِ قد أثارتي كل ذرة فضول داخلي أم اندمجت مع تلك الاحداث الخيالية.
ابتسمت وهي تشير له بخبث:
_لا لم تخبرني بذلك.<!–nextpage–>
انفض الغبار عن كف يديه وهو يخبرها بوجومٍ من ردها القاطع:
_حسنًا لأخبرك الآن بأنكِ تعنين لي الأكثر من ارضاء فضولي لمعرفتك عن قرب.
وتابع بمكر:
_أشك أن الأمر تخطى حاجز الاعجاب بيننا.. وبعد تفكير وجدتني صائب في قراري.
تساءلت بعدم فهم:
_أي قرار هذا؟
قال وهو يعدل من ثيابه ببرود تام لا يتناسب مع ما يخبرها به:
_ان أتزوج بكِ.. على كل حال انتِ فقدتي طريقك الآمن للعودة لكوكبك، وبالطبع لن تجازفين على تلك المخاطرة للصعود بمركبتك للأعلى.. فكما أخبرتيني سابقًا يسهل الهبوط من زحل لأي كوكب أخر، ولكن العودة أمرًا شبه محال، لذا أنا هو خيارك الوحيد والأمثل هنا، الخيار الأخر لا أنصحك به فالبقاء وحيدة بعالم لا تعلمين به شيئًا أمرًا خطرًا للغاية عزيزتي!
سد عليها ألف طريق ستلجئ له، وأي اختيار سيكون مناسب لها سوى البقاء بصحبته، لن تكن بعقلها لتختار البقاء وحيدة حتى أخر حياتها، أتمت مهمتها وواجبها تجاه كوكبها على أكمل وجه، وهي الان تواجه عزلة قد تبتلعها هنا، وعليها أن تكون صادقة مع ذاتها، هناك شيئًا ما يتحرك داخلها ناحية يونس منذ أول لقاء جمعهما، رسمت بسمة صغيرة على شفتيها واخبرته:
_وكأنني اقتنعت!
اقترب يونس منها ثم اسبل بعينيه وهو يهمس لها:
_حسنًا.. لأخبرك الصدق اذًا.. لا اعلم ما الذي أصاب قلبي البائس منذ رؤياكِ، وكأنكِ تستهدفيني بكل قوتك وما أنا الا بعاجز وقع بغرامك منذ أول لقاء وإن كان بمثابةٍ خطرًا عظيم لحياتي، وما إن نجوت تبدل الخوف بداخلي لاعجاب بفتاة شرسة كانت تود قتلي منذ قليل!
وغمز لها بحبورٍ:
_والآن هل ستنضمين لي.
هزت رأسها باستحياءٍ، فقال وهو يطوفها بنظرة متفحصة:
_علينا أولًا أن نخفي معالمك قليلًا قبل أن نتوجه لمنزل فتح الله!
………… يتبع…………..الخاتمة…
الصدمة لم تكن بعودة يونس لمساعدتها، بل لاصراره على ان يصطحبها للمنزل، بعد أن ساعدتها مسك على ارتداء الحجاب ليخفي لون شعرها الغريب، تفاجئ به مؤمن يصطحبها لباب المنزل، ظن ببداية الامر بأنه سيصطحبها لمصرٍ، ومن المحتمل ان يقدم لها سكنًا خاص، ولكنه الآن يجذبها للمنزل بكل ترحاب وسرور، وتساعده زوجته الحمقاء، فجعلتها ترتدي فستانًا فضفاض وحجاب، جحظت عينيه بصدمة وهو يتأمل ابن عمه يصطحبها للمنزل بترحابٍ، فأوقفه وهو يشير له بدهشةٍ:<!–nextpage–>
_رايح بيها فين؟؟!
واسترسل ساخرًا:
_هتقول لامك وجدك أيه كسبتها في كيس شبسي وأنا نازل من زحل!
ابتسم بسخرية وهو يجيبه:
_لا هقولهم اختارت البنت اللي تناسبني وملقتهاش في صنف الحريم كله.
وغمز له بمشاكسة:
_هتجوزها يا دكتارة!
ظل محله يتأمله بدهشةٍ، انتهت بلؤم حديثه:
_طول عمرك بتقع واقف.. مش انا اتعتورت في حفرة ملهاش مخرج..
نادته من تستمع اليه بصوتٍ انوثي رقيق تعمدت به زرع الانبهار على قسماته، فاستدار تجاهها وهو يشير على نفسه:
_بتناديني أنا.
اومأت مسك برأسها وهي تجيبه بدلال:
_أيوه.. عايزة اقولك يعني اني كنت آآ..
تصنعت الارتباك بجدارة، واستكملت به وهي تسترد:
_بصراحة لما فكرت في نفسي لقتني جيت عليك بزيادة عشان كده انا آآ..
رفع يده للاعلى وهو يصيح وسط الحارة بجنون:
_يا فرج الله… كملي كملي.
رفعت حقيبة يدها الثقيلة، وهوت بها فوق رأسه بقوة وهي تستكمل بغضب:
_انك هستنى لاخر يوم في عمرك.. وهناك ابقى اتغزل بالحور العين ده ان ضمنت الجنه يا حبيبي!!
هرول من أمامها راكضًا، فلحقت به بحقيبتها من خلفه، والجميع يرقبون ما يحدث بصدمة وعدم تصديق ما يحدث بين العرسين العائدان من شهر العسل المطروح بالرومانسية والحب في الاساطير التقليدية!
*******
طرقات خافتة على باب المنزل، جعلته يستند على عكازه ويدنو ليفتح بابه المغلق، فتفاجئ بما رأه، سحب نظراته ببطءٍ وثبات لحفيده، وردد ساخطًا:
_قولتلك ارجع بايدك فاضية راجعلك بصاروخ اميركاني يا يونس!
_صاروخ أيه يا حاج؟
سؤال مستنكر تساءلت به زوجة ابنه القادمة من المطبخ للتو، فأشار لها بحنقٍ:
_تعالي شوفي ابنك ومجايبه اللي زي القشطة بالكريز بصراحة.
تنمقت بتطلعها لزاد، ومن ثم تطلعت لابنها وهي تسأله بريبة:
_مين دي يا يونس وفين اختك وابن عمك؟
وزع نظرة سريعة بينها وبين جده قبل ان يجيبهما بسرور:
_دي زاد هنتجوز… واختي وابن عمي المختل بيقاتلوا بعض بره في الحارة، وبالمناسبة زاد مش اميركانية زاد من مجموعة مقاتلات من كوكب زحل!
تبادلت النظرات بين الجد وزوجة الابن، فسقطت أرضًا مغشي عليها بينما لحق بها الجد وهو يردد بصدمة:
_واحد دكتور بيطري فاشل والعاقل رجع من غير عقله!.
******المشهد الختامي..
أغلق الكتاب من أمامه وهو ينهي أخر صفحاته، فتوسعت عين الصغار المستمعون لتلك القصة الشيقة من الجد فتح الله، فتساءلت بريق ابنة مؤمن باهتمام:
_معقول يا جدو ممكن حد يطلع زحل؟
كاد الجد باجابتها فتناوب عنه يحيى ابن يونس:
_طبعًا في… متنسيش يا ذكية ان العلماء بنفسهم قدروا يطلعوا على أكتر من كوكب أمال احنا ازاي عرفنا بكل ده.. وأكيد اللي مألف القصة دي عنده خلفية بالموضوع.
وانتقلت نظراته لجده يسأله باهتمام:
_صحيح يا جدو مين مؤلف الكتاب ده؟
ارتبك الجد وبدى العرق يتصبب على جبينه، فقال بصرامةٍ ظنها قد تجدي نفعًا:
_أنا مفيش قصة احكيهلكم الا وتتخانقوا عليها، عاملين زي القط والفار.. انا غلطان اني بحكيلكم شيء يسيلكم.. قوموا يلا اطلعوا فوق عشان أريح شوية..
وتحمل الجد على عكازه ثم اعاد الكتاب الغريب للصندوق القريب من مكتبه، واتجه لغرفته المتهالكة المجاورة للمكتب، بينما استكملوا معًا طريقهم للاعلى، فتوقفت بريق عن استكمال الصعود، ثم قالت لمن يتقدمها:
_يحيى لحظت ان الكتاب اللي جدو قرأ لينا منه مكنش مكتوب عليه اسم مؤلف ولا عليه غلاف.
توقف يحيى عن صعوده للاعلى، وهبط اليها وهو يؤمى برأسه:
_أيوه فعلًا لاحظت ده!
دنت منه الصغيرة وهي تشير له بمشاغبة:
_ايه رأيك ننزل نجيبه ونكمل قراية فيه، كده كده جدو دخل ينام ومش هيصحى غير الصبح.
كز على شفتيه باسنانه بحيرة:
_مش عارف.. ممكن بابا يبهدلني لو عملنا حاجه زي كده..
ضحكت وهي تخبره:
_عمو يونس عندنا بيحل الخناقة الاخيرة اللي بين بابا وماما.. يعني محدش هيعرف حاجه.
واسترسلت بحماس:
_ايه رايك ننزل ونكمل قراية بسرعة او حتى نصوره على الموبيل ونقرأ براحتنا.
وافق على اقتراحها، فتسللوا معًا للاسفل، ومن ثم لغرفة الجد، فجذبوا الكتاب من الصندوق ولاحظوا بالفعل بأنه مدون بخط اليد وبمجلد أسود قاتم، فور فتح يحيى للمجلد بعشوائيةٍ، سقطت منه قلادة كانت غريبة بعض الشيء، فتحتها بريق وهي تتساءل بفضول:
_دي أيه؟!
وما أن تحررت القلادة حتى تشكلت من أمامهما مركبة مشيدة بحرفية لم تكتب عنها الاساطير ولا الكتب يومًا، وما يثير الدهشة والريبة تلك الهالة التي استحوذت على جسد يحيى والتي تنبعث به تلقائيًا للمركبة، فجذبته بقوةٍ داخلها وكأنها تلتهم وجبة منعت من تناولها لعقد من الزمان، حاولت بريق مساعدة ابن عمها فجذبت يده، وما كان منهما الا ان اصبحوا أسرى لرحلة تختطفهما لمجدٍ سابق يحمله دماء هذا الهجين الذي يحمل دماء نسل زحل وقوة محارب نجح بهزم أحد أساطير زحل العظيمة!
…… تمت بحمد الله…</p>

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
26

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل