روايات

هويت رجل الصعيد الجزء الاول

#هويتُ_رجل_الصعيد

الفصـل الأول (1)

__ بعنــوان “عــزاء” __

“كُنتُ خاليًا حتى أتيتك بهذا القلب؛

قد عاث فيه الغرام ودب الهوي به حتي أهلكه، وطاف به الذنب حتي أغرقه، فإذا أجابتنى سكون عاشقًا وإذا رفضتنى سأتوب عن ذنبي وليشهدك الله أنى عاشقًا رغم كل ذلاتك وصابنى الهوي”

فى وضوح النهار بمحافظة نجع حمادى تحديدًا بمنزل عائلة الصياد فى غرفة مغلقة من الخارج المفتاح بالطابق العلوي، كانت “عليا” امرأة فى نهاية العشرينات تتحرك فى الغرفة ذهابًا وإيابًا بتردد وقلق حادقة بهذا الفستان الأبيض الموضوع أمامها على الجسد الصناعي وتمتم بنبرة خانقة:-

-لا مستحيل.. مستحيل أتجوز الراجل دا

وقفت “عهد” أختها الصغرى ذات الواحد والعشرين عامًا من فوق الفراق لتسير نحو أختها وهى تمسك يدها بلطف وتقول:-

-أهدي يا عليا القلق دا مش هيحل حاجة ولا عصيبتك

مسحت “عليا” وجهها براحة يدها بأختناق شديد ثم قالت:-

-أنا لازم أهرب

-أنتِ أتجننتي يا عليا، أنتِ عارفة اللى بتفكري فيه دا هنا فى الصعيد معناه أيه

صاحت “عليا” بإستياء شديد وهى تتحرك فى الغرفة بحيرة وضيق قائلة:-

-لا أفضل قاعدة لغاية ما المأذون يوصل وأدبس فى جوازة بالإكراه

تأففت “عهد” بضيق عاجزة عن أيجاد حل فى تخليص أختها من هذا الزفاف الأجباري الذي فُرض عليها بالإكراه ثم قالت بحيرة:-

-لا بس برضو مفيش حل عندي، حتى الهرب مش هينفع بالغفر والسلاح اللى برا دا

صمتت “عليا” بضيق مشتاطة غيظًا من هذه المرأة التى تجبرها على الزواج من ابنها بالقوة والإكراه، جلست على حافة الفراش جاهشة فى البكاء بقهرة وحسرة على حالتها مُنذ شهور فقدت زوجها وحبيبها والآن تُجبر على الزواج من أخاه الأكبر بعد أنتهي عدتها بيوم واحد، أقتربت “عهد” من أختها الكبري بشفقة وحزن على حالها لتضمها لها بين ذراعيها طالقة العنان لدموع عينيها فتمتمت “عهد” هامسة فى أذنيها:-

-هتتحل يا عليا.. هحلها

_____________________

قبل 5شهور

على الطريق السريع كان “نادر” يقود سيارته وبجواره تجلس “عليا” تتحدث بتذمر شديد قائلة:-

-أنا مش فاهمة لازمتها أيه تأخدني معاك ما كان كفاية تروح أسبوع العزاء وترجع لوحدك

نظر “نادر” على طفله “يونس” ذات الثلاثة أعوام وهو نائم فى الخلف ثم تحدث بجدية قائلًا:-

-مكنتيش عاوزة تيجى عزاء جدي يا عليا

أجابته وهى عاقدة ذراعيها أمام صدرها وبوجه عابس قائلة:-

-مش المقصد بس أنت عارف كويس أوى أن أهلك مش قابلين وجودى ولا بيحبونى يبقى ليه أروح عندهم

نظر “نادر” لها نظرة لؤم ثم قال وهو يعود بنظره إلى الطريق:-

-هيحبوكي أزاى يا عليا وأنا أتجوزتك من وراهم وبدون علمهم، دا غير أن عمرهم لا شوفوكي، وحتى أبويا وأمى عمرهم ما شافوا حفيدهم هيحبوكي أزاى

تأففت “عليا” بأختناق شديد ثم نظرت للنافذة تنفث زفيرها بضجر ثم قالت مُتمتمة:-

-ربنا يستر من اللقاء دا

وصلت السيارة على الصعيد وتحديدًا أمام بوابة حديدية كبيرة أمامها رجلين من الغفر ثم فتح الباب ودلفت السيارة، ركض أحد الرجال إلى الداخل يخبر أهل المنزل بوصول “نادر” من القاهرة، ترجل “نادر” من السيارة شاب فى نهاية العشرينات بجسد نحيف وطويل يرتدي بنطلون جينز وقميص أبيض اللون يليق ببشرته الحنطية وعينيه الواسعة بدون لحية ويرفع شعره الأسود القصير للأعلى، ثم فتح الباب لزوجته “عليا” المرأة النحيفة جدًا ربما بسبب أتباعها نظام غذائى محددًا أو بسبب ممارستها لرقص الباليه وطويلة إلى حد ما مُرتدية فستان أسود يصل لأسفل ركبتها وبكم ومغلق من الصدر حتى العنق بأزرار وشعرها البنية القصير يصل إلى حافة أكتافها مسدول على الجانبين، تملك زوج من العيون البنية مثل شعرها وبشرة متوسطة البياض

نظرت للمنزل من الخارج وكان ضخم وكبير جدًا لديه مسافة كبيرة إلى حد ما خضراء ما بين البوابة الخارجية والمنزل، فتحت الباب الخلفي ليترجل طفلها الصغير ويمسك بيد أمه فى هذه اللحظة خرجت سيدة فى الخمسينات من عمرها ترتدي عباءة سوداء وتلف حجابها الأسود حول رأسها تقول:-

-ولدى

عانقت “نادر” بحماس وحرارة بين ذراعيها لتدرك “عليا” بأنها “سلمى” والدة زوجها وحماتها التى لم تراها من قبل، أبتعدت عنه وهى تقول:-

-حمد الله على السلامة يا ولدى

قبل “نادر” يدها بحب وأحترام شديد وأثناء إنحناءه رمقت “سلمى” هذه الزوجة بعيني حادة ثم قالت:-

-ولدك؟

نظر “نادر” إلى طفله الواقف بجوار زوجته وأومأ لها بنعم وهو يقول:-

-تعالى يا عليا سلمي على أمى

أقتربت “عليا” ببسمة خافتة لتمد يدها إلى “سلمى” وتقول:-

-أزيك يا طنط؟ كنت أحب بنتقابل فى ظروف أحسن من كدة

لم تُعقب “سلمي” على حديثها ولم تصافحها بل أنحنت لكى ترى حفيدها وتبتسم فى وجهه لتشتاط “عليا” غضبًا من رد فعل “سلمى” وتجاهلها لتحمل طفلها على ذراعيها وكأنها تمنع “سلمى” من الحديث أو معانقة حفيدها تماما كما فعلت معها ….

انتبه “نادر” لما فعلته زوجته فقال بضيق:-

-أمال أبويا فين ونوح؟

نظرت له “سلمى” بهدوء وقالت بعد تنهيدة خافتة:-

-نوح من طلعة النهار وهو برا بيجهز للعزاء وأبوك من ساعة الدفنة مشوفتوش

أومأ لها بنعم ثم استدار إلى زوجته وقال بجدية:-

-أطلعي يا عليا أنتِ وأنا هروح لنوح

كاد أن يرحل لتمنعه “عليا” وهى تمسك ذراعه بقوة وتنظر له بضيق قائلة:-

-أنت بتهزر هتسبنى لوحدي هنا

قبل ان يتحدث فعلت والدته عندما قالت:-

-تعالى يا مرت ولدي متخافيش مهنعضكيش

أربت “نادر” على يدها ثم غادر لتأخذها “سلمي” للداخل وتبدأ النساء فى التجمع حولها وأولهن كانت “فاتن” زوجة عم “نادر” تتطلع بها بذهول وتقول بسخرية:-

-هى دى مرت ولدك يا سلفتي

تحدثت “سلمي” بنبرة قوية غليظة تقول:-

-خليكي فى حالك يا سلفتي لا الوجت ولا المكان مناسب لوسوستك وبخ سمك

أخذتها “سلمي” إلى غرفة “نادر” ثم قالت بإختناق:-

-يُفضل متهمليش أوضتك واصل، إحنا مناجصينش سخرية من الناس علينا

قالتها ثم اغلقت الباب وهى تُتمتم قائلة:-

-مبجاش غير الرجاصة اللى تدخل داري يا نادر

سمعت “عليا” حديثها لتتأفف بضيق شديد وهى تترك طفلها على الأرض ليركض بالأرجاء وهى تشتاط غضبًا وتشعر بإشمئزاز من هذا المنزل وأهله، أقتربت من النافذة لتنظر فى الأسفل وكان هناك حديقة خضراء وبها مكان مخصص للجلوس عبارة عن مظلة خشبية كبيرة وأسفلها طاولة وأريكة كبيرة على حرف L وفى الجهة الأخرى هناك طاولة وكرسي وحيد أسفل الشجرة ووسط تأملها سمعت صوت فتاة من الخلف تقول:-

-دى الجاعدة الخاصة بنوح

استدارت “عليا” بذعر من تواجد شخص فى غرفتها بدون طلب اذن لترى فتاة فى الثلاثين من عمرها ترتدي عباءة سوداء وشعرها الأسود مُصفف على هيئة ضفيرة وتضع حول عنقها حجاب بعيني سوداء وبشرة متوسطة البيضاء، سألتها “عليا” بحدة:-

-أنتِ مين؟ لا لحظة مش مهم، أنتِ أزاى تدخلي كدة من غير ما تخبطي

تبسمت “حورية” بخبث وهى تتطلع بهذه المرأة القاهرية وتقول:-

-أنا حورية بنت عم نادر جوزك

مسكتها “عليا” من يدها بقوة وبدأت تسحبها تجاه الباب تفرغ غضبها بهذه المرأة وهى تقول:-

-كونك بنت عم جوزى ميدكيش الحق تدخلى كدة بالطريقة الهمجية دى

أخرجتها من الغرفة ثم أغلقت الباب فى وجهها، وقفت “عليا” خلف الباب تتكأ عليه وتنظر إلى طفلها الواقف هناك فى أرضية الشرفة، رن هاتفها لتخرجه من الحقيبة وترى اسم أختها “عهد” وصورتها فتنهدت بهدوء تزفر القليل من الغضب والضغط فى التنهيدة ثم استقبلت الأتصال ببسمة تقول:-

-صحي النوم يا جميل

تبسمت “عهد” على اختها وهى تحفظها جيدًا فهى حقًا ما زالت بالفراش رغم أقترب الساعة على الخامسة عصرًا، غادرت الفراش ببيجامة نومها الصيفية عبارة عن شورت قصير قطنى وردي اللون وتي شيرت أبيض عليه فراشات وتتحدث بنبرة صوت مبحوح قائلة:-

-وصلتي الصعيد؟

تبدلت نبرة “عليا” للجدية والحزم تقول:-

-وصلت وحرفيًا مقدرش أكمل يوم هنا، حاسة أنى مش قادرة أتنفس وأمه.. امه سيئة جدًا والخصوصية، تخيلي واحدة دخلت عليا من غير أذن

قهقهت “عهد” ضاحكة على تذمر أختها وهى تدخل المطبخ لتقول ويدها تضع المياه فى غلاية المياه لتجهز مشروب الشيكولاتة الساخنة كعادتها اليومية:-

-عشان بس مش متعودة عليهم ولا على طريقة العيش هناك… المهم هتقعدي قد ايه هناك؟ أعملي حسابك ترجعي قبل حفلة التوقيع بتاعتى لازمي تحضري أنتِ ونادر

تذمرت “عليا” عليها بضيق وهى تقول:-

-شهر ايه، بقولك مش هستحمل يوم أنا هحاول استحمل أسبوع ودا عشان خاطر نادر وبس

تبسمت “عهد” عليها ثم قالت:-

-جدعة يا بنت أمي

دق باب الغرفة بدقات متتالية هادئة فانهت “عليا” الأتصال وقالت:-

-أتفضل

دخلت فتاة أخري تصغر “حورية” وتشبهها جدًا لكنها بعمر “عهد” تقريبًا فنظرت “عليا” لها وتطلعت بها كانت بجسد ممشوق وعيني بندقية واسعة وشعرها المموج مسدول على ظهرها وبشرتها متوسطة البياض وترتدي عباءة سوداء وكعب عالى، تحدث بلطف قائلة:-

-أنا جيت أرحب بيكِ، أنا أسماء بنت عم نادر وخطيبة أخوه نوح يعنى سلفتك المستجبلية

عقدت “عليا” ذراعيها أمام صدرها بغرور وقالت بنبرة غليظة:-

-هو نوح خطب، أصل على حد علمي أنك عاشقاه بس معقول خطب من غير ما يقول لأخوه

عقدت “أسماء” حاجبيها وكزت على أسنانها بحدة وقد تبدل لُطفها وبسمتها إلى غيظ وأشمئزاز لتبتسم “عليا” فى هذه اللحظة وقالت:-

-أبقي أعزمينى على الخطوبة أوعدك أنى هجي.. دا لو حصلت لقدر الله

غادرت “أسماء” المكان غاضبة وقد بنت “عليا” من اللحظة الأولي لها عداوة مع الجميع…..

______________________

وصل “نادر” إلي مكان أخاه مع “خلف” الغفير وكان فى الساحة بعد أن فرش المكان بالكراسي والسماعات ليناديه قائلًا:-

-نوح

أستدار “نوح” له وكان رجل ثلاثيني يكبره ببضع أعوام يرتدي عباءة سوداء اللون وعلى أكتافه عباءة مفتوحة سوداء ويلف عمته البيضاء حول رأسه وجسده القوي عريض المنكبين وعضلات صدره القوية وطويل القامة، لديه لحية خفيفة تحيط وجنتيه وشفتيه سوداء اللون وزوج من العيون السوداء الضيقة وبشرة حنطية، ترك العمال فور رؤيته لأخاه وذهب نحو ليتعانقا وهو يقول:-

-حمد الله على السلامة يا باشمهندس

تبسم “نادر” له وقال:-

-عامل ايه؟ ابوك فين صحيح بدور عليه من ساعة ما وصلت؟

أخذه “نوح” إلي المكتب وهو يقول:-

-ابوك وعمك من ساعة الدفنة وهم فى المكتب مهملهوش واصل…

تبسم “نادر” وهو يقول:-

السابقانت في الصفحة 1 من 17 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
140

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل