
-أنا فين؟
=انتي كويسة؟ حاسة بوجع أو حاجة؟
هزّيت راسي بلأ وحاولت أتعدل بس مقدرتش، بصّيت لبسنت اللي كانت ماسكة إيدي وبتعيّط بانهيار غريب، ورجعت بصّيت ليونس اللي كانت ملامحُه جامدة بشكل مُريب، وبخوف:
-ماما حصلّها حاجة يا يونس؟
=لا هي كويسة، بُصّي، ارتاحي دلوقتي و..
-قاطعتُه: بسنت في إيه؟ حد حصلًُه حاجة؟
عياطها زاد، ومرة واحدة لقيتها شدّتني لحُضنها، طب في إيه؟
بعدت عنها بصعوبة لفّيت ليونس، شدّيت إيدُه بتلقائية وضغطت عليها، بصّيت لعيونُه بخوف، وبنبرة سيطر عليها التوتر:
-عشان خاطري قولي في ايه؟ هي مالها؟
بص لبسنت بتوتر حسيتُه، فضغطت على إيدُه أكتر وأنا بكرّر سؤالي بخوف مُبهم سيطر عليّا، خد نفس طويل، وبص لبسنت شاورلها بعينيه عشان تطلع، وبعد ما طلعت بصّلي، حسيتُه مش قادر يتكلّم، بس بعد ثواني فتح بوقه، وببطء:
=والدِك.
أنفاسي زادت، وحسّيت إني هبدأ أدوخ، فاتكلّمت بتُقل:
-بابا مالُه؟
=بلع ريقُه: هو.. هو..
-زعّقت: بابا مالُه يا يونس؟
بصّ حواليه بعجر غريب، ومرة واحدة شدّني لحضنُه، وبصوت هامس:
=راح للي أحسن منّي ومنّك يا مها، هو كان بيحبّك والله، كان بيحبّك، ادعيلُه يا مها، ادعيلُه.
مقدرتش أستوعب معنى كلامُه، حاولت أبعد عنُّه عشان أفهم هو يقصد إيه، بس بمُجرد ما عقلي بدأ يترجم الكلام، حسّيت بخنقة، يعني إيه يعني؟! هو راح؟ بعد كل دا راح؟ راح من غير ما يفهّمني عمل فينا كدا ليه؟ راح بعد ما قولتلُه إني مش عايزاه؟! راح من قبل ما أعتذر؟ من قبل ما أقولُه إنّي وبالرغم من كُل دا فأنا لسّة بحبُه؟ من قبل ما أقولُه لآخر مرة إنه بجد أحسن بابا في الدُنيا؟!.. راح!
=مها، شدّي حيلِك و..
مسمعتِش بقية كلامه واكتفيت بإني أركّز على نُقطة بعيدة وأنا دماغي بتعيد جواها كل تفاصيلُه، ضحكتُه، ابتسامتُه، تكشيرتُه، حنيتُه وكلامُه، نبرة الثقة والفخر اللي كان بيتكلّم بيهم عنّي قدام أي حد، خوفُه وقلقُه عليّا في كُل مرة كُنت بتأخّر فيها برّا ولو لكام دقيقة، احتوائُه ليّا في كُل حالاتي وتفهّمُه لكل شيء كنت بعملُه.. ازاي بعد كُل دا يروح من إيدي من غير ما أضمُّه لآخر مرة؟! ليه!.. ليه يا رب! ليه؟! يــارب.
•عشان خاطري كُلي أي حاجة.
^يا بنتي مينفعش اللي بتعمليه في نفسِك دا.
بصّيت بعيد من غير ما أرُد وأنا بحاول أسكّت كل الأصوات اللي جوّا دماغي، غمّضت عيني بيأس بعد فترة، وبتعب اتنهدت لما حسّيت بإيدين بقيت عارفاهم كويّس بيضمّوا إيديّا بلين، الأوضة هدِت، وسمعت صوت الباب بيتقفل فعرفت إنهم طلعوا برّا، فتحت عيني وبصّتلُه، وبإرهاق:
-حلمت بيه تاني يا يونس.
قرّب أكتر وشدّني لحضنُه، وبهدوء:
=قالِك إيه؟
-ابتسمت بوجع: قالي إنه مسامحني تاني يا يونس، بس أنا مش هسامح نفسي.. أنا.. أنا اللي وجعتُه، أنا السبب.
دموعي نزلت وهو ضمّني أكتر، طبطب عليا بهدوء وبحُب:
=متحمّليش نفسِك فوق طاقتها يا مها، الموت دا بتاع ربنا، والدكتور قال إن قلبُه كان تعبان بقالُه فترة ولما شافِك وقعتي ومع الضغط اللي كان عايش فيه بقالُه كام يوم قلبُه مستحملش، فدا مكنش بسببك يا مها، دا عمرُه يا حبيبتي.
-أنا.. أنا اللي قُلتلُه إني مش عايزاه.
=ضمّني أكتر: وهو كُل ليلة يجيلك في أحلامِك وبيقولِك إنه مسامحِك يا حبيبتي.
-مسحت دموعي: ماما عاملة إيه يا يونس؟
=ابتسم: اتحسّنِت شوية والدكتور مُتفائِل وبيقول إن شاء الله تفوق قريّب.
هزّيت راسي من غير ما أتكلّم، وأنا بغمّض عيني من تاني بتعب وبستسلم للنوم من تاني، بس المرادي بين إيديه.
-بانفعال: احنا بنعمل إيه هنا؟
=شدّني: انتي كان نِفسك تشوفي أختِك، تعالي.
بصّيت لإيدُه اللي بيشدّني بيها بتوتر، ومع إني مش حابّة اللي بيعملُه، الا إني مقاومتهوش.
وصلنا لشقتهُم، خبّط على الباب، وبعد فترة طلعتلي نفس الست اللي كنت شوفتها مع بابا قبل كدا، نفس الملامح ونفس الهيئة، لكنها دبلانة شويّة المرّادي، بصّتلي بصدمة، بذهول، بس مرة واحدة لقيتها شدّتني لحُضنها وهي بتعيّط بانهيار، بعدت بعد شوية وشدّتني لجوّا من غير كلام، شدّتني لأوضة في وش الباب وبمُجرد ما دخلت، شُفت طفلة صغننة تقريبًا عندها سنتين قاعدة على الأرض وسط دباديب كتير وبتلعب بلُطف، بصّيتلها بتوتر، بخوف، بلخبطة، ورجعت بصّيت ليونس بسُرعة، ابتسم وهو بيشاورلي بعينُه عشان أقرّب منها وأشوفها، وأنا بمُجرد ما بقيت قصادها، دموعي نزلت من تاني، ملامحها الصغيرة، لُطفها، برائتها، كانت.. كانت جميلة، صِدقًا جميلة.
=تصدّقي وحشتني ضحكتِك.
-ابتسمْت: شُفت ملامحها يا يونس؟ كانت جميلة أوي، شبهُه.
=ابتسم: انتي أجمل.
بصّيت بعيد بكسوف، وهو كعادتُه غير الموضوع لما لاحظ كسوفي، وبسُرعة:
=مخلّتيهاش تقول ‘هو اتجوّزها ليه’ ليه يا مها؟
سكتّ للحظات وبصّيت بعيد، شبكت إيديّا الاتنين في بعض وضغطت عليهُم، وبصوت ثابت:
-بابتسامة راضية: عشان هو معتش هنا يا يونس، هو مقالّيش وطالما مقالّيش فأنا مش عايزة أسمع أسباب من أي حد، أنا سامحتُه، سامحتُه مع إنه وجعني عشان هو بابا، وطول عُمره كان جنبي، واللي عملهولي طول حياتُه بالنسبالي يغفرلُه غلطة زي دي، يغفرلُه كل حاجة أصلًا، وبعدين كفاية عليّا إنه بقى يزورني في أحلامي كتير، أنا راضية بكدا ومش عايزة حاجة تانية.
=ابتسم: تعرفي إني واقع في حُب ابتسامتك.
-ضحكت: ابتسامتي بس؟
=تؤ تؤ، أنا واقع في حُب كل تفاصيلِك.
ابتسمت وأنا بسند على كتفُه بحب، ومن جُوايّا بحمد ربّنا على وجودُه جنبي، على مساندتُه ليّا، وعلى حُبه.
“وَبَاتَ الجَمِيعُ يَعْلَمُون أَنَّنِي فَقَدّتُ جُزْءًا مِنْ رُوحِي بِغِيَابِكْ.”
#تم.