روايات

رواية بقلم منى الكاشوري كاملة

_مالك يا جنة.. سرحانة ليه وشايلة الهم؟
_ مافيش يا فؤدة.. صحيح هي البت سارة عاملة إيه؟

مصمصت شفتيها بشفقة: اللي جرالها كتير يا عيني، بطنها قدامها، وبعد ما اخوها ضربها والناس عرفت حملها و عمالة تتهمز وتتغمز عليها ونفسيتها بقيت في الأرض وانتي عارفة الواطي خطيبها اللي سابها نكر بس هي هددته انها هتعمل تحليل وترفع عليه قضية.. فنخ وخاف ورجعلها..!

واقتربت تحدثها بصوت خافت:
بس كلام في سرك.. البت استنقصته ونزل من عينها.. قالت بس تولد ويكتب الواد بأسمه وتأمن نفسها وهتطلق منه وتربي ابنها لوحدها..!

تجرعت ريقها وداخلها يُصلى بنار الهواجس السوداء: طب ليه، مادام رجعلها ما تكمل حياتها معاه!
فؤادة: قالت كرهته ونزل من نظرها..! يلا بقى ربنا يعينها.. وواصلت: تعرفي ياجنة أنا من اللي شوفته ده مستحيل اكتب كتابي إلا قبل دُخلتي بيوم.. محدش عارف النصيب بيودي على فين ياختي، ولا بقى في راجل مضمون! والراجل الي يوفي بكلمته ده كنز والواحدة تمسك فيه بإيدها وسنانها..!

صمتت شاخصة البصر وغاب صوت رفيقتها، وعقلها و يستعيد ما حدث مع ناصر ووعده ألا يتخلى عنها.. هل سيظل كذلك.. أم ستكون ” سارة” أخرى.. ومآساة مماثلة!
_____________________

– بت ياحنة رمضان خلاص قرب، فاضله يومين ويهل هلاله..عايزاكي تمسكي الشقة تنضفيها وتخليها قشطة وبتلمع.. اغسلي الحيطان وفرش الأرض، والستاير والهدوم.. واوعي تنسي عشة الطيور اللي فوق نضفيها وافرشي حبة نشارة جديدة .. والسلم عايز دعك بفرشة البلاط.. انا خلاص يابنتي مابقيتش قادرة ولا عندي جهد عشان اعمل معاكي. يدوب بخلص لفة كل يوم على الزباين وابيع اللي فيه النصيب من الطيور وبرجع هلكانة، بس انتي الله يحميكي لسه صغيرة وشباب..!

وواصلت بحنان: خلاص يابت ده أخر رمضان هتكوني فيه وسطينا.. هتبقي ست وليكي بيت لوحدك.. بس ندر عليا أول جوازك وأول حمل.. هدلعك واخدمك برموش عنية.. وانا هبقى في ديك الساعة اما بنتي وأول فرحتي تكون أم وليها بيت وعيشة وراجل..! ربنا يسعدك يا قلب امك مع الواد ناصر.. المحروس حبيب القلب الفقري! بس خليه يشد حيله.. أخره سنة ويكون جاهز زي ما اتفق مع ابوكي!

ارتخى جسدها بإعياء لتسقط فوق الأريكة العتيقة. خلفها بعد مغادرة والدتها..وكلماتها زادت من حزنها وندمها ..!

لما انزلقت معه لبئر الرغبة، وتركته يسرق فرحتها وفرحة والديها حين تغدو في بيته عروس.. بكر رشيد.. تتنعم باهتمام والدتها كما قالت.. وبشغفه وهو يقترب للمرة الأولى.. تمارس دلال العروس المتعبة بأول زواجها.. تستقبل نصائح والدتها بخجل.. لكن كل هذا وأكثر ضاع منها.. أصبحت بكارثة.. وزواجهما أضحى أمرًا مطلوب إنجازه بأسرع وقت ممكن! من يشعر بها الآن وهي تعاني أعراض الحمل والغثيان وآلام البطن وكثرة النوم والهزلان.. وبدلًا من ان تنول راحة ودلال ورعاية.. هاهي مطالبة بإنجاز الكثير من شغل المنزل عاجزة حتى عن الشكوى او التذمر..!

أراد أن يسعدها بشيىء بسيط.. لأنهم على مشارف قدوم شهر كريم ..فابتاع لها فانوس رمضان الملون بحجم كبير ويعلم انه سيروقها وتدخره ليُعلق في منزلهما كما تفعل بكل شيء ذو قيمة..وتحتفظ بيه من ضمن أشيائها البسيطة بجهاز عُرسها..!

كاد أن يطرق الباب.. لكنه رآه منفرجًا..يبدو ان احد الصغار خرج دون أن يوصده.. فولج للداخل وقبل أن يتفوه بكلمة شاهدها وهي جاثية على ركبتيها تدعك الأرض بفرشاه صغيرة وتنظفها بمعالم إعياء وشحوب واضحة.. فانفطر قلبه وتقطع نياطه وهاجت روحه غضبًا لأجلها ومن نفسه.. زوجته التي تحمل طفله الآن.. بدلًا من أن يرعاها ويدللها ويفرح معها هو والجميع.. هاهي تعاني توابع غلطته التي يصبغ عليها دائمًا نكهة شرعية..!

اقترب ليرفعها من على الأرض ليوقفها أمامه، فبصر شحوبها وهزلانها اكثر عن قرب.. فغمغم بحزن:

أنا أسف.. سامحيني ياجنة!

فجأة وضعت كفها على فمها وشعور الغثيان يهاجمها بضراوة.. فركضت أمامه لتفرغ ما في معدتها بآنات زادت فزعه جنونه عليها.. فذهب ليسندها متمتم:

تعالي ارتاحي وانا هساعدك ( وأجلسها فوق مقعد قريب وجثى أمامها يطالعها وكفيه مستقرة فوق ركبتيها) حبيبتي شكلك تعبانة اوي.. لازم تكشفي ياجنة اكيد في علاج وأدوية ومقويات محتاجة تاخديها في الأول!

لم. تجيبه وهي تلتقط انفاسها اللاهثة بعد عناء القيء، فمسح على وجهها بحنان ثم نهض وخلع قميصه، فنظرت له بريبة غير مصدقة ما تظنه؟! هل ينوى الآن ما جال بذهنها وسيخلف وعده لها؟؟؟؟

لكنها اتسعت عيناها وهي تشاهده يثني أطراف بنطاله لعدة طبقات ويمسك الفرشاه ويواصل ما كانت تفعله بقوة وسرعة لينجز عملها بدلا منها قبل أن تأتي والدتها وتشاهده.. وبالفعل ظل ينظف تحت أنظارها المذهولة، ثم احتل قلبها شعور السعادة وهي تراه يفعل ما يفعله لأجلها.. دغدغها هذا الإحساس.. وكم تحبه وتريد ان تهنأ معه وتحتمي به من كل شيء.. تنهدت ثم غمغمت: كفاية يا ناصر انا هكمل.. وبعدين لو امي جت شافتك هتهزأني!

هتف بحزم: حتى لو جت مايهمنيش، انا مش غريب وبساعد مراتي..! ( وواصل بسرعة انجاز كل شيء ثم جلس جوارها).. أسمعي ياجنة.. انا لازم اوديكي لدكتورة تشوفك وتكتبلك علاج عشان الغثيان والضعف اللي انتي فيه.. وانا خلاص كلمت ناس اعرفها هتسلفني مبلغ حلو اظبط بيه الدنيا بسرعة واجيب أوضة نوم على قدنا وهطلب من ابوكي نتجوز فورا

صاحت بفرحة: بتتكلم. جد ياناصر.. يعني خلاص هتحل المشكلة وتاخدني بيتك.. ثم خفت حماسها وهتفت بخوف: بس ابويا مش هيوافق لأن لسه جهازي مش كامل ده يدوب كان بيبتدي يجيب حاجات هو وامي.. أكيد هيرفضوا..!

هتف بقوة: مش هستسلم لرفضهم.. وهصمم نتجوز في خلال شهر بالكتير.. وان كان على جهازك يكملوا واحنا في بيتنا انا راضي..ثم منحها نظرة اكثر أمان: المهم انتي متخافيش قريب جدا هتتحل مشكلتنا..!

هزت رأسها وهمت بالحديث، فهاجمتها نوبة. غثيان أخرى لتهرول أمامه ويسمع ثانيًا صوت آنينها وقامتها الهزيلة منحنية تفرغ ما بها.. فساعدها بغسل وجهها وتجفيفه ثم أرقدها على فراشها محذرًا :

اسمعي اللي هقوله.. انتي هتنامي دلوقت.. خلاص شغل البيت خلص وامك مش هتقدر تتكلم اما تلاقيكي نايمة..! ثم غادر الغرفة وعاد حاملًا هديته وأردف: جبتلك الفانوس اللي كان نفسك فيه.. كل سنة وانتي طيبة ياحبيبتي..بإذن الله مش هايجي العيد غير واحنا محددين جوزنا..!

ابتسمت بسعادة وهي تتخيل فانوسها الجميل يضوى وسط منزلهما.. نعم ستنتهي اهميته بانتهاء الشهر الكريم .. لكنها ستصنع هي طقوسها ومناسكها الخاصة بعد أن تظلل الراحة سقف حياتهما للأبد..وبتلك الابتسامة الحالمة تحت أنظاره المتأملة بصمت، سقطت بغفوتها التي تقاتل لتنالها، فأسدلت جفنيها وارتخى كل جسدها المستغيث لنيل الراحة!

فظل يتأملها بحزن..ثم مال بشفتيه يُقبل جبينها قُبلة أودع بها وعد غير منطوق ان معاناتها لن تدوم طويلًا

انت في الصفحة 5 من 18 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
8

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل