
الفصل الثالث
————
نهضت بعد انتهاء الفحص الطبي، والممرضة تزيل تلك المادة اللزجة عن بطن جنة.. ليصل لسمعها صوت الدكتورة وهي تلقي تعليماتها أمام زوجها:
_ هي في أول الشهر التاني.. الأعراض اللي عندها طبيعية. جدا لأنها في أول شهور الحمل.. بس طبعا هي محتاجة مقويات لأنها ضعيفة. جدا وياريت لو تبعد عن اي ضغط نفسي لأن واضح ان في حاجة مأثرة عليها..وماينفعش تمارس نفس شغل البيت.. لازم راحة تامة.. وتنام دايما على ضهرها..! وأخر حاجة ممنوع تصوم.. حالتها ماتسمحش.. وضروري تنتظم في علاجها..!
استمع لها ناصر باهتمام يواري حزن دفين داخله.. كيف الراحة ولا أحد يعرف بحملها ووالدتها تُثقل عليها كثيرا بأعمال البيت دون أن تدري أنها تؤذيها..
لذا ازداد عزمه على اتمام زواجهما بأقرب وقت ممكن!
_____________________
_ مافيش حاجة نفسك فيها ياجنة!
هتفت باقتضاب وهي تسير جواره تطالع الطريق حولها: لأ..!
داعب أصابعها بين كفه:كفاية زعل بقى هانت وتتحل.. أنا خلاص هاخد المبلغ اللي طلبته من ناس معرفة عشان اظبط بيه بسرعة أوضة نوم واشطب السباكة والكهربة وبعدها هكلم ابوكي فورا..!
تمتمت: طب انت قولت لأهلك اننا هنتجوز أخر الشهر؟
_ لأ.. قلت استنى شوية!
لم. تجيبه.. فصمتا مخيمًا عليهما الضيق والكٱبة، هل ستسير الأمور بتلك السلاسة ويتزوجوا.. لم مازال في جعبة أيامهما القادمة عقبات.. تنهدت وهي تتذكر كيف أصبحت تتجنب رؤية أبويها والخزي يملأها تجاههم.. تشعر بكره لذاتها بعد ما فعلت.. وهاهي تقاسي تبعات جرمها معه.. هي المخطئة الأكبر.. لم تمنعه كما يجب أن يكون شاركته الرغبه.. فحملت الذنب الأكبر.. ولا تعرف أي قربان ستدفع!
_ سرحانة في إيه؟
رمقته بصمت ثم أومأت هاتفة: ولا حاجة، فلم تجد ما تقوله.. بعد قليل وصلا أمام منزلها، فودعها:
هسيبك واول ماتصحي الصبح كلميني.. ماشي؟
تمتمت باقتضاب: ماشي..!
_ أنا عايز اتجوز !
تركت أم ناصر قطعة القماش القديمة التي كانت تنظف بها النافذة والتفت له متعجبة: تتجوز ازاي، ما انت كاتب كتابك يا واد واما تخلص تجهيز شقتك هتتجوز.. عايز إيه تاني؟!
_ الشقة لسه موالها طويل ومش هخلصها حتى في سنتين!
_ ومالوا.. حتى لو سنتين.. هي بنت فاتن هتطير؟ منين ما تخلص ابقى اتجوز..!
فرك مؤخرة رأسه بتوتر : بصي يامه.. بصريح العبارة كده.. أنا عايز مراتي في بيتي، وبعدها هكمل تشطيب الشقة. براحتي!
دبت على صدرها باعتراض غاضب: ننننعممم هو إيه النغمة الجديدة دي يا واد انت.. تتجوز على البلاط؟ ليه يعني.. ماتصبر اما نقبض الجمعيات اللي هنساعدك بيها وانت تشد حيلك في شغلك وتظبط الشقة سباكة ونجارة ونقاشة وعفش ..ده انت عايز جبل فلوس.. امتى هتعمل كل ده؟ انت عايز تفضحنا وسط الحتة؟ هيقولو إيه لو اتجوزت كروتة كده، إيه يجبرنا على كده؟
_ وانا مالي بالناس يامه.. أنا عايز ادخل ع البت واتكن في بيتي واحنا أحرار ندخل في قصر ندخل في عشة مايخصش حد لا مؤاخذة!
رمقته بريبة: واد انت.. هتوغوشني ليه، إيه اللي عفرتك كده ع الجواز؟ ده انت لسه عمنول كنت بتقولي مش عارف هتوضب شقتك منين وانك بتفكر تمد المهلة سنتين مع عمك.. إيه اللي جرى وشقلب حالك؟
_ مافيش!
وأجاب باقتضاب وتركها هاربا من نظراتها الكاشفة.. فغمغمت وهي تبرم بعض خصلات شعرها:
وحياة مقاصيصي البيضا دي.. الموضوع في إنة.. ومش هيغمضلي جفن إلا أما اجيب أرار الحكاية!.
_________________
أم ناصر: بقولك إيه يا ابو ناصر..كلم الواد ابنك ده عقله! ولاشوف في دماغه إيه بالظبط!
_ ليه هو مجنون؟
_ أيوة اتجن! أما يقولي عايز اتجوز دلوقت واحنا في الظروف دي يبقي اتجن يا اخويا.. ده لسه شقته خرابة وعايزة فلوس ياما عشان تنفع تتسكن..!
_ بس انا متفق مع اخويا إن الدخلة مش قبل سنة، يكون هو جهز البت واحنا نكون ساعدنا ابننا باللي نقدر عليه، أنا عامله جمعيتين لسه هقبض أولهم بعد 3 شهور!
مصمصت شفتيها بسخرية: ماهو ده اللي قولته ، بس المحروس مش عاجبه ولا قادر على بعد بنت أخوك!
تغاضى عن سخريتها اللازعة والذي اعتادها تجاه ابنة أخيه وتمتم: أنا هكلمه واشوف قصته إيه.. روحي حضري لقمة أحسن بطني فاضية من الصبح!
_ ماشي يا اخويا.. ( وصدحت تنادي) بت يا شهد، حطي الطبلية وهاتي حبة مخلل لمون، وتعالي خدي مني اطباق الأكل لابوكي!
شهد مُبرتمة: أنا بذاكر يامه مش فاضية!
صاحت الأخيرة بصوتها الساخر:
حوش حوش المِذاكرة اللي مقطعة بعضها، محسساني هتطلعي داكتورة ولا مهندزة.. ده البت أية اللي سنك بتاكل الكتب وبتعمل مع امها كل حاجة وانتي وهيبقى أخرك دبلون يا مايلة..فزي يابت طلعتي حسي بدال ما اجيلك بالشبشب.
شهد بحنق شديد: حااااااضر.
وراحت تغمغم بضجر:
كل بنات الجيران احسن مني وانا اللي مغضوب عليه،
أمهات أخر زمن
_____________________
_ يعني إيه يا ناصر.. أمك مش موافقة؟ وابويا وامي أكيد هيرفضوا.. دول لسه ماجابوش قشاية في جهازي.. هنعمل أيه؟
وضع رأسه بين راحتيه ببؤس:
مش عارف انا خلاص مخي وقف.. أمي وابويا رافضين، ومحدش هيقدر يساعدني، وامي شكلها شاكة في حاجة!
جنة بفزع وهي تدب على صدرها:
يانصيبتي؟! أمك لو عرفت هتفضحني ياناصر.. هي مابتحبنيش وهتتلكك عشان تخليك تسيبني!
رمقها بحنق: وانا جردل يابت انتي ولا عيل بشورت عشان انفذ كلام امي.. أنا راجل وهمشي بدماغي ومحدش له حاجة عندي!
انهارت والهواجس تشتعل برأسها:
انا مش عايزة فضايح ولا مشاكل لامي وابويا.. ابوس ايدك اقنع امك واوعي تعرف حاجة دي ماهتصدق عشان تقهر امي وتضايقها بالكلام وانت عارف انها ولا بتحبني ولا بتقبلها!ك، لازم تتصرف ياناصر، انا خلاص ولا بقيت عارفة انام ولا اكل ولا اشرب.. بخاف اقعد مع حد يلاحظ عليا حاجة، والحمل اعراضه بتبان!
ثم راحت تندب بصوت تخنقه العبرات:
ياريتني ماضعفت.. ياريتني ماسمحتلك تقرب وتستغل ضعفي.. انا اللي محقوقة.. أنا الغلطانة!
صاح بصوت هادر:
كفاااااية بقى..أبو النكد بتاعك ياشيخة.. كل شوية ندب ندب.. وبعدين ماهو كان بمزاجك وبكيفك.. أنا مغصبتكيش، وكنتي تقدري تمنعيني ماتعمليش فيها قطة مغمضة وانا اللي شيطان رجيم وضحكت عليكي..وواصل بنفس العاصفة: وديني لاغور من وشك وماهتشوفيني وابقي اقعدي اندبي للحيط واخبطي راسك فيه واتصرفي لوحدك.. أنا إيه جابرني على الهم ده!
وأختفى تحت أنظارها الذاهلة لما قال.. هل عايرها ضعفها؟ هل طعن بأخلاقها حين استسلمت لرغبتها معه؟ هل فقدت باقي كرامتها للتو..والأقسى من ذلك.. هل بكلمته الأخيرة سيتخلى عنها وتصبح سارة أخرى وتعيش توابع فضيحتها وتخسر أهلها وسمعتها وحقوقها وكل شيء..؟! سقطت على ركبتيها ودموعها تُزرف بغزارة والمشاهد السوداء تتوالي بسخاء لخيالها منتظرة مستقبل مظلم.. مظلم جدًا..!
أسبوع مضى وهي على نفس الوتيرة الكئيبة.. تتجنب الجميع قدر المستطاع محاولة التحكم بنوبات غثيانها أمام اسرتها ورفاق عملها..تنتظر ظهوره مرة أخرى بعد نوبة غضبه الأخيرة، لكنه اختفي ومن حينها لم تراه.. قررت أن تتغاضى عن كبريائها الذي لم يعد له أساس بعد ما حدث، وذهبت لمكان عمله تسأل عنه، فوجدته لم يواظب بحضوره.. نغزها قلبها أكثر.. هل حقًا سيتخلى عنها بتلك البساطة؟ ماذا تفعل إن طال بعده وانتفخت بطنها، كيف ستحجب هذا الأمر؟.. ليس لديها حتى مسكن يخصها تلجأ إليه.. فاقدة لأي حقوق.. حتى ذهبها الزهيد لن يكفي شيء إن فكرت في بيعه.. أسندت رأسها بجوار عشة الطيور فوق سطح منزلها، تبكي وهي مختبئة من العيون!
الندم ينغر قلبها.. لما لم تنتظر.. لما لم تمنعه.. هي أثمة مثله بحق نفسها.. نعم هي زوجته شرعًا ولكن هل يكفي هذا لإثبات حقوقها.. ماذا لو طلقها ونكر مابينهما وتركها تواجه توابع أزمتها بمفردها گرفيقتها..؟ هي وسط مجتمع له أعرافه وثوابته.. قاسي لن يرحم مثلها، ولن يضع باعتباره انهما عاقدين القران.. سيلفظوها ويتهموها بالفسوق و سوء السلوك وتصبح منبوذة بينهم وتتلطخ سمعة والديها وحتى أشقائها..!
ظلت غارقة بدوامة أفكارها السوداء حتى غفت وسط نسمات باردة صفعت جسدها ونخرت عظامها وأوهنتها أكثر..لتزداد مرضًا على ما هي عليه، ويتسبب في امتناعها هي الأخرى عن الذهاب عملها لأيام..!
____________________
رحيم: البت بنتك دي مش عاجباني يا فاتن، بقالها فترة مش مظبوطة ماتشوفي فيها إيه؟
_ شكلها متخانقة مع ناصر لأن مختفي من كام يوم مابيجيش زي عوايده.. واما سألتها مارضتش تحكي
رحيم: يعني تفتكري ده السبب؟
_ أمال هيكون إيه يا ابو جنة.. بكرة أما يظهر المحروس خطيبها هترجع تاني وشها منور والضحكة من الودن للودن يا اخويا.. ماتشلش هم انت وروح صلي العصر وريح جتتك على ما نجهز الغدا..!
_ ماشي.. مادام ده رأيك!
_____________________
_ أنا مش فاهمة الواد ابنك ده غطسان فين.. أسبوع بحاله غايب عن البيت.. آل أيه؟ قاعد يومين عند صاحبه.. من إمتى الكلام ده؟
هتف زوجها بضجر: وبعدين معاكي، هو بت هتخافي عليها؟.. سيبيه يفك عن نفسه يومين ما انتي عارفة ضيقته بسبب الشقة والهم اللي وراه..!
هدرت به: ماهو اللي جايبه لنفسه.. مستعجل ليه ع الجواز.. مايوضب براحته وكله برزقه.. ليه محكم دماغه يتجوز الأيام دي.. ثم همست بخفوت: إلا اذا كان الموضوع فيه إنه!
قال بريبة: تقصدي إيه؟
هزت رأسها نافية: لا ماتحطش في بالك.. ده خاطر كده بيروح ويجي في دماغي.. المهم يوله يرجع البيت انا مش عاحبني بياته بره.. بدال ما اروح احرجة قصاد صاحبه
أردف بتحذير: إياكي! ده راجل مش عيل هتجيبه من ايده، سيبيه يرجع براحته.. وفضيها سيرة بقي خليني اغفل ساعتين!
تركته وشخصت عيناها بشرود وهواجس ما تدور بعقلها وينقصها فقط اليقين.. وتعرف ماذا ستفعل!
_ صباح الخير يافاتن.. جنة عاملة إيه سمعت إنها مرضانة!
هتفت الأخيرة: أه والله يا ام ناصر.. معرفش البت مالها تعبانة خالص ودبلانة! خشي عندها وانا هحط أكل للطير واحصلك!
…………
ما أن وقع بصرها على وجهها الذابل وجسدها الهزيل حتى اشتعلت الظنون أكثر.. حدجتها بعين خبيرة وهي تتفحص معالم معينة بجسدها الذي طرأ عليه بعض التغير، لتتيقن وقتها أن شكوكها كانت صحيحة لقد حدث بينها هي ناصر شيء.. لذا أراد إتمام زواجهما بأسرع وقت..!
تنحنحت فانتبهت حنة لوجود الحماة، واعتدلت هاتفة: ازيك ياخالتي.. متأخذنيش مش قادرة اقوم!
_ لا ياختي خليكي.. ثم دنت من وجهها وهتفت بغموض أوجس الأولى: اللي زيك. محتاجة راحة.. ولا إيه ياخطيبة ابني؟
تجرعت ريقها بتوتر: قصدك أيه ياخالتي، راحة عشان إيه ..ده ..ده شوية برد!
_برد؟! اظن انتي فاهمة قصدي إنتي فاهماه كويس.. عيب عليكي اللي عملتيه، وياعالم حصل كده بينكم من إمتى يابنت فاتن! شكلك كنتي مقضياها من قبل كتب الكتاب مسخرة مع الواد عشان تطويه تحت جناحك! عشان كده صمم يعقد عليكي رغم انه لسه مش جاهز، وبعدها زودتي العيار حبتين وبقي دلوقت عايز يخدك بيته اللي لسه خرابة.. أخص على دي تربية أخص!
قذفت أم جنة ما بيدها بعد أن سمعت حديث والدة ناصر، وهاجمتها مدافعة عن ابنتها:
_ أخرسي يا وليه يا ناقصة! انتي جاية ترمي بلاكي على بنتي؟ .. إيه التخاريف اللي بتقوليها للبت دي؟ إيه فاكرة محدش هيعرف يرد على لسانك اللي عايز قطعه!
_ أنا اللي لساني عايز قطعه، ولا بنتك مقصوفة الرقبة اللي سابت نفسها للواد وقرطستنا كلنا.. وياعالم سلمت روحها امتى؟!
فقدت أم جنة ما تبقى من عقلها واتجهت إليها بعاصفة تنبيء بالخطر: بقولك أخرسي انا بنتي أشرف من عيلتك كلها، ويستحيل توطي راسنا لحد.. بنتي عارفة الأصول وعمرها تغلط من ورانا..!
ضحكت أم ناصر ضحكة ساخرة وهتفت:
طب بصي في وش بنتك وفي شكل جسمها اللي اتغير وابقي تعالي اتكلمي عن الشرف والأصول.. واقطع دراعي إن ما كانت بنتك حبلة.. ولو سيبتيني انا اكشف عليها هعرف!
ازدادت هياجًا وفردت ذراعها مشيرة لباب الغرفة:
أخرجي من بيتي بدال ما الم عليكي أمة لا إله إلا الله.
تمتمت بتهكم: أنا اصلا مش هقدر افضل هنا دقيقة واحدة ويحرم عليا بيتكم!
وذهبت لتتركها لمعركتها الأكبر وهي تواجهه نظرات والدتها الذاهلة، التي بدأتها بسيل من الصفعات التي لطمت وجهها والمسبات الجارحة و أسئلة لا حصر لها، والصمت المخزي ورأسها المنتكسة كان جوابها ودفاعها الوحيد.. لتنهزم قواها بغتة، وتنكفيء على جانبها فاقدة للوعي!
صاح يعنفها بقوة بعد أن كشفت عن نيتها البغيضة:
انتي اتجننتي يا وليه.. جوازة ايه اللي تفركشيها؟
_جوازة ابنك، ماهو بقولك ايه يا ابو ناصر، علي جثتي الجوازة دي تكمل.. انا ماكانش عاجبني البت دي من الاول.. وظنوني طلعت في محلها.. بنت اخوك بت فلتانة وبلفت الواد وضحكت عليه وخليته ي.!
صفعة نزلت على وجهها وهو بقترب بنظرة تطلق شرار غاضب: أخرسي.. بنت اخويا أشرف من اي واحدة واياك.. إياك تجيبي سيرتها على لسانك مرة تاني.. وإلا قسمًا عظمًا هتشوفي مني وش عمرك ماشوفتيه قبل كده!
جحظت عيناها بذهول وهي تنظر له وتغمغم وكفها يحتضن وجنتها الملتهبة: بتضربني بعد العمر ده كله؟! وعشان بنت فاتن؟
_ دي بنت اخويا مش بنت فاتن.. وكلامي مش هيتعاد تاني.. اقصري الشر احسن.. وجواز ابني ماتدخليش فيه من هنا ورايح!
حملقت بقامته المغادرة بذهول تحول لحقد على تلك اللعوب التي تسببت فيما حدث.. وأضمرت لها الكثير من الكره الذي لن ينمحي بأيامها القادمة!