روايات

نجمة الباشا

-عيب عليكي يا أنا يا هو انهارده.

انفتح الباب فاندفعت نجمة تتمسك بقبضته مطلة برأسها صارخة وسط ضحكاتها:

-ممنوع ممنوع لازم تستنى الفريست لوك.

-يا نجمة بطلي سخافة عايز أشوف مراتي.

تلك الفتاة الضحوكة المسماة “نجمة” اسم يجسد أحلامه حرفيًا اجبرت ابتسامه كبيرة بلهاء على وجه سليم الواقف بجوار صديقه المتذمر والذي يحاول دفع الباب ليدخل لكن نجمة العنيدة اندفعت للخارج لتمنعه.
توهجت عيون سليم وقد سرقت انفاسه بفستانها الذهبي الملفوف باحترافية حول جسدها الممتلئ نوعًا ما، زم شفتيه وارتفع حاجبه متفاجئ باكتناز خصرها الصغير مقارنةً بما تملكه من مفاتن أسفله.
أغلقت نجمة الباب في قوة فانتشلته من جموده ثم سندت بجسدها الصغير فوق الباب الخشبي لاويه معصمها للخلف كي تمسك المقبض بأصابعها الرقيقة غير مبالية بأظافرها المنمقة بلون …آآمم … حسنًا هو لا يعلم مسمى هذا اللون الباهت المريب وحقيقةً لا يريد.
حرك سليم رأسه متعجبًا من التفاهة التي تتقاذف داخل أفكاره، ولكنه يميل لذلك حين يتشتت انتباهه وتلك الفتاة نجحت بجدارة في لفت انتباهه بخيوط الشقاوة المنبعثة من عيناها وقد جذبته لها دون أن يدري.

-دي بتهزر يا سليم قولها تدخلني، مش كده!

قطع رامي المزمجر أفكاره وهو يطلب مساعدته، فوجد نفسه يتحدث دون تفكير بصوت شارد:

-ايه يا رامي سيبها براحتها!

شعر بقلبه ينقبض بشعور غريب يجتاحه لأول مرة عندما ارسلت نجمة ابتسامة واسعة تخصه بها وحده، وزاد تيهه وارتباكه أكثر حين علت الزغاريد وبعض الكلمات التي لم يستوعبها قبل أن تبتعد “نجمة” عن الباب سامحة لصديقه بالدخول بحركة مسرحية.
تابع حركة أصابعها وهي تميل للأمام فتحركت عيناه تلقائيًا فوق عودها الملفوف ثم تنحنح مبعدًا أنظاره عن جسدها صعودًا لعينيها ولدهشته كانت الفتاة تطالعه بابتسامة مشاكسة تخبره بأنه تم القبض عليه متلبسًا ونظراته المشتعلة تأكل جسدها الشبيه بجسد الحوريات.
ارتفع حاجبه في ذهول ولكنه ابتسم لها بتروي وقد أثارت جنونه بتلك النظرة المشاغبة التي رمقته بها فأججت نيران رجولته في أعماقه قبل أن تخفض في خجل عيونها المكحلة بطريقة تبرز لون العسل في عينيها.
خرج سليم من صومعة أحلامه الحارة عندما استدارت متجاهلة إياه منضمة للهرج والمرج في الداخل وكأن تلك اللحظة الخاطفة لم تسرق كيان كلاهما.
تنفس بعمق لا يصدق انه يقف في قاعة عُرس صديقه يتصرف كالمراهق تاركًا تلك النجمة التي لم يرى مثيلها مهمة التلاعب بمشاعره … أين الثبات يا باشا ؟!
فكر متهكمًا ثم حرك كفه على وجهه يحاول تمالك رباط جأشه والاحتفاظ بابتسامته الواسعة على محياه وهو يقابل العروسان اللذان خرجا بملامح تفصح عن السعادة التي تتملكهما ليبدأ بذلك الاحتفال الكبير.
مر الوقت سريعًا في الاحتفال وكل ما كان يفكر به سليم هو انه يفقد صوابه تدريجيًا فها هو يراقص أصدقائه وعيونه لا تحد عن جسدها حوري الهيئة متابعًا عن كثب تحركات “نجمة” التي تتجاهله وترفض عيناها الاعتراف بوجوده وكأنها تتعمد عدم النظر نحوه.
الأمر الذي أثار حنقه وغضبه بشكل غير مبرر، فبالرغم انه مر بعدد ليس قليل من العلاقات النسائية خاصة مع كونه “الضابط” الذي يجذب بهيئته ومركزه الكثير من الجميلات إلا انه لم يشعر بمثل هذا الشعور الغريب من قبل فهو لا يعرف الفتاة نجمة من الأساس ومع ذلك يشعر بالامتلاك بل أسوأ هو يشعر بخليط من مشاعر التحدي والرفض بينما يراها لاهيه برقصاتها السخيفة مع صديقاتها بأصواتهم العالية المزعجة.
أقترب سليم من الركن البعيد من حلبة الرقص واندس بين أصدقائه القدامى سامحًا لهم بجره لمشاركتهم المرح بل سامحًا لنفسه بإبعاد تفكيره عنها ولكنه ظل يتلصص بنظراته نحوها كل بضع ثواني حتى التقت أعينهم أخيرًا فوجد نفسه يرسل لها ابتسامه صغيرة عاودتها هي بكل ترحاب ومرة أخرى تسرق أنفاسه وفضوله بتلك النظرات الحارقة قبل ان تستدير بعيدًا عنه.
عضت نجمة فوق شفتيها لا تصدق أنها نجحت في لفت انتباه الوسيم ذو العيون الرائعة، ثم اتجهت تعانق العروس أثناء ميلها نحوها هامسة في نبرة ممازحة:

-داليدا الف مبروك وكل حاجة بس صاحب جوزك قمر وانتي لازم تخليه يتجوزني هالحين.

ضحكت داليدا وهي تضع شفتيها قرب أذنها قائلة:

-انهي واحد عشان في ماسورة رجالة قمر ضربت قدامي.

-الأسمر الطويل اللي واقف بين رامي والولد الأبيض ده.

-قصدك سليم؟
أيه ده، ده بيبص عليكي!

انفرجت أسارير نجمة واتسعت عيونها في رضا هامسة:

-يا بركة دعاكي يا أمي بيبص عليا و “سليم” وانا بعشق الاسم ده،
لا لا جوزونا بسرعة بدل ما أروح أقوله بحبك وافضحكم!

-والله مجنونة، بت ده بجد مش بيشيل عينه من عليكي، انتي عملتيله ايه؟

ضحكت نجمة بمكر هامسة :

-ده سر الصنعة يا ماما خليكي في جوزك وسيبيني أنا هعرف اجيبه على بوزة.

قطع حديثهم وصله جديدة من الأغاني التي استدعت استعراض العروسين فوقفت نجمة تصفق بابتسامه سعيدة سامحه للعريس بسحب زوجته ولم تنتبه لذلك الذي جاء بجوارها يطالعها وكأنها أحجية.
شعرت نجمة بنظرات حارة تخترق جانب وجهها فمالت برأسها تطالع الواقف جانبها لتتقابل عيناها بعينيه البنية وكعادته قابلها بابتسامه رائعة خطفت أنفاسها فارتبكت نظراتها وابعدت عيناها بوجه أحمر عن مرماه.
الان تخجل فكرت ساخرة بينما ارتفع جانب وجه سليم متعجبًا للون القرمزي الذي تملك وجهها في تصريح واضح يعبر عن خجلها فأصبح أكثر تشتتًا بالإشارات المختلفة التي ترسلها إليه.
مر أحدهم بجواره فدفعه مجبرًا إياه على ملامسه كتفه بكتفها فزادت ابتسامته عندما نظرت له باعين متسعة قبل ان تلتفت بارتباك بعيدًا عنه، علت ابتسامه واسعه على وجهه قبل ان يميل قليلًا نحوها ليخبرها:

-متأسف والله في واحد خبط فيا، مكنتش أقصد.

ارسلت له ابتسامه صغيرة خرجت خجلة رغم رغبتها في رسم المبالاة واجابته:

-حصل خير.

-انا اسمي سليم على فكرة، صاحب العريس.

-وانا نجمة صاحبة العروسة.

-نجمة … اسمك جميل أوي شبهك يا نجمة.

ضحكت ممتنه قبل ان تخبره بشجاعة تحاول امتهانها:

-اعتبر دي معاكسة؟

ارتفع جانب وجهه في ابتسامه جذابة متعجب للمشاغبة التي تتنقل من عينيها لتستقر داخله فتبهت عليه وهو يؤكد بنبرة أكثر مشاغبة:

-حسب هترضي ترغي معايا بعدها ولا هتنفضيلي؟

وضعت نجمة يدها فوق فمها تخفي ضحكة عالية قبل ان ترمش بعيونها الواسعة مؤكدة:

-أسفة مش برغي مع شباب معرفهاش.

رمقته بنظرتها المراوغة التي أثارت فضوله نحوها اكثر وأكثر وذهبت بعيدًا وسط صديقاتها ولكنه لم يستلم وتتالت لقاءات الأعين بينهما، فهي تبعث له بابتسامات خجلة تارة ونظرات ماكرة تارة أخرى وكأنها تعلم تمامًا انها أشعلت فتيل فضوله والتحدي داخله.

الفصل الثاني :

كانت نجمة في حالة من الصدمة الضاحكة تفشل في التحكم في ابتساماتها الواسعة لا تصدق انها تفعل ما توبخ صديقاتها وتستنكره حين يفعلنه ولكن سليم فرض خيوطه على قلبها ليشعله بشرارة جديدة عليها ودون أن يتفوه بكلمة واحدة.
هو من بدء بالهجوم وما هي فيه ليس سوى حالة غريزية عن صوابها المفقود، فكرت في صلافة ثم التفتت تبحث عنه بعينيها فوجدته يبتعد نحو الخارج يحاول الإجابة على الهاتف، ضاقت عيونها في تساؤل:
ترى مع من يتحدث، هل ستتفاجأ الآن بارتباطه وتسقط فوق جدران أحلامها المحطمة ؟!
عضت شفتيها مفكرة في اتباعه وارضاء الفضول، فماذا ستخسر، لقد تخطت الواقع واستسلمت لجنون إعجاب منذ البداية وسلكت طريق لم تمر به يومًا.
جذبت نجمة حقيبتها مخرجة هاتفها واتبعت خطاه تبحث عنه بعينيها وهي تعبث بهاتفها للاتصال بوالدتها وشعرت بغيظ حقيقي لأنه اختفى عن مرمى بصرها لكنها انشغلت حين قاطعتها والداها التي أجابتها:

-الو يا نجمة، خلصتي الفرح؟

انت في الصفحة 3 من 29 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل