
#الفصل_الأول
تحـركت الحَجة «أماني» بصعوبة تُكافح للوصول للدرج، وذلك بسبب وزنها الزائد فـ إنجاب خمسة ابناء شاقًا إلى درجة إظهار النتائج مُنعكسة على جسدها..
وصلت أمـام غرفةٍ ما وطرقت بابهـا بـخفة قائلة وهي تستعد لـفتح الباب
– ولا يا نـاصر..
فتحت البـاب ودلفت إلى تلك الغُرفة المُظلمة وهي تتابع
– يا ناصر..اصحى يا ناصر يخربيت دي اوضة مكمكمة على دماغك.
اقتربت من هذا الجسد المكوم على الفـراش وهزتهُ بـرفق هاتفة
– اصحى يا ناصر يا حبيبي ربنا يهديك قوم.
تململ على الفراش ولم يصدر منه سوى همهمة بسيطة تدل على خموله، فـ زفرت أماني بضيق وتوجهت صوب النافذة لتفتحها على مصرعيها فـ ينبعث ضوء الشمس للغرفة وينعكس على وجه «ناصر» النائم بـعمق مما جعله يزمجـر غاضبًا ويتمتم بصوتٍ أجش
– اقفلي الشباك يا ماما وسيبيني أنام.
هزت رأسها بـقلة حيلة وقالت بينما تتجه صوب الباب لتخرج
– لو صحيتلك أخوك وقولتله يجي يصحيك هتقوم جري.
انتفض «ناصر» من على الفراش وصـاح بـفزع
– صحيت والله العظيم صحيت.
أطلقت أماني ضحكة عالية وهي تسير في الرواق، طرقت باب غُرفة أخرى وفتحتها، لتشع منها انوار مُبهجة نظرًا للونها البينك الذي يدل على أنها غُرفة فتاة.
وجدتها تقف أمام المرآة تصفف خصلاتها فـ ابتسمت بحنان وقالت
– صباح الفُل على عيونك يا زينة البنات.
ضحكت بـملئ فاهها وهي تحتضن أماني قائلة
– صباحك ورد وياسمين يا ست الكُل.
ربتت أماني على كتفها بـ ود، فـ ابتعدت الفتاة ونظرت لوجهها ببسمة هاتفة
– ناصر صحي؟
تلاعبت أماني بحاجبيها قائلة بـعبث
– طبعًا، أول ما سمع اسم اخوكي قام وفَز من مكانه.
ضحكت الفتاة بـعلو وقالت
– ياسين له هيبة برده.
تنهدت أماني ورفعت يدها للسقف داعية لهم بكل حنان
– ربنا يديمكم لبعض وميحرمنيش من طلتكم عليا..
أجابت
– آمين يا رب.
ربتت أماني على خصلاتها وهتفت
– هروح اصحي اختك الكبيرة وانتي روحي لآسر برده..وسيبيلي ياسين هتلاقيه صحي لوحده.
أومأت لها بـطاعة وخرجا معًا خارج الغرفة كلًا إلى وجهته.
تجمعوا على طاولة الطعام ويترأسهم كبيـر العائلة
«ثروت المُرشدي»…
تنحنح بـخشونة قائلًا بـصوته الحاد
– ياسين فين يا أماني.
وضعت بـطبقه قطعة جبن وهي تقول
– نازل الوقتي يا حَج.
ضرب على الطاولة بـعنف هادرًا
– يبقى محدش يحط لُقمة في بُقه قبل ما الكل يتجمع!
تحدثت «براعم» وهي الأخت الأصغر
– ايوه يا بابا بس انا عندي امتحان لازم آكل بسرعة.
لانت نبرته ورمقها بـحنان قائلًا
– لا إذا كان كده ابدأي انتي يا حبيبتي.
نظر له ناصر بـفاه فاغـر وهو يميل بـرأسه غير مُصدقًا، لاحظه ثروت فـ قال بـخشونة
– ايه متبصليش كده، البت جعانة!
هتف ناصر
– دا على اساس اننا فطرنا من ساعة مثلًا؟ ما كلنا جعانين يا حج.
انبعث صوت رجولي أجش ذو بحة خاصة مُميزة من على الدرج
– السلام عليكم.
ردد الجميع بهمسٍ
– وعليكم السلام.
علىٰ صوت ثروت وهو يجيب
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تعالى يا ياسين افطر.
وقف «ياسين» أمامهم بـ حِلتهُ السوداء المُثيرة وقـال بـإقتضاب
– لأ افطروا انتوا.
صـاح ناصر بـإنفعال
– نعم يا أخويا، احنا متحنطين هنا على ما تنزل عشان نفطر!
نهرته أماني بـعنف
– نـاصر.
ابتسـم ياسين بجمود وأجـاب
– لو كنت عايز تبدأ من غيري كنت بدأت.
تدّخل ثروت في الوسط وأردف
– كلام ايه دا يا ياسين، انت عارف اننا لازم نتجمع كل يوم على الأقل مرة!
زفـر ياسين بـحنق وهتف
– تمام تمام..اللي انتوا شايفينه، سلام.
ألقى كلماته المُلخصة وارتدى نظارته الشمسية خارجًا من المنزل، بينما ربتت أماني على ذراع ثروت تواسيه بـ :
-معلش يا حَج، لسه جرحه مخفش برده.
تنهد ثروت بـتعب وتحدث
– عارف يا أماني، عارف.
هبط الصغير ركضًا على الدرج وهو يصيح بـحماس
– ماما يا ماما.
استدارت له أماني وقـالت بتعجب
– في ايه يا آسر؟
تحدث آسر بـحماسه الطفولي
– وداد قالتلي إن فيه عيد ميلاد انهاردا.
أومـأت أماني وابتسمت بـحنان قائلة
– ايوه يا حبيبي…عيد ميلاد أخـوك ياسين.
انتقل نظر آسر بين الوجوه باحثًا عن شقيقه، تنهـد بإحباط عندما اخبـرتهُ وداد التي جاءت من خلفه تحتضنه
– اكيـد مشي يا آسر
ربتت على كتفه وتابعت
– بس متقلقش، جهزله هديته وهيجي بليل تديهاله.
عادت البسمة تحتل شفتيه من جديد مُبتسمًا بتفاؤل..
جالسًا على مقعد مكتبهُ في محـل المجوهرات الخـاص به يُتابع الأوراق التي تضم الحسابات بـتركيز، لا يُمكن أن يُقَال انه يتركز بـتفكيره على الأوراق، بل هو شـارد في شيءٍ ما، اليـوم ذكرى ميلاده، في مثل هذا اليوم من سِتة سنوات فاجأتهُ بـأنها تحمل طفلهم في أحشائها، فرحته كانت لا توصف حينها، بل وبدأ في توزيع اللحوم على المساكين وتقبل دعواتهم بـصدرٍ رحب، ظل يرعاها هو وعائلته، منتظرين المولود الذي سـيأتي ليحمل اسم عائلة المُرشـدي؛ ثم يتفاجئ الجميع بـدخول عاصف من ياسين في يومٍ ما يجذبها من خُصلاتها وينهال عليها بالضر..ب المُبرح..ظنوا انه بلا سبب ولا يعلمون حجم الكار..ثة التي قامت بها تلك الزانية في حق ربها ودينها وزوجها، طردها من المنزل وألقى يمين الطلاق عليها باصقًا في وجهها بإشمئزاز مُتجاهلًا توسلاتها ورجاؤها، مُعلنًا بـذلك قدوم غيمة سوداء فوق رأسه كلما ذهب لمكانٍ ما، فـ من يومها وأصـبح لا يرحم، يزأر في وجه الجمـيع ويتعامل ببرود طاغي ناهيك عن جموده ولا مبالاته الزائدة عن الحد في كل ما يخص عائلته.
– ياسين بيه..ياسين بيه.
أجفـل من شروده على نداء أحد العاملين لهُ، فـ تركز ببصره عليه متسائلًا
– خير يا فتحي.
أجاب العامل ببسمة واسعة
– كل سنة وانت بخير يا باشا.
ابتسـم ياسين بـسمة ربما كانت باردة بعض الشيء
– وانت بخيـر يا فتحي.
وضع البيت الصغير المصنوع من الورق، كان مُنهارًا على نفسه وقـال
– ابني أحمـد عملك البيت دا وقالي اقولك كل سنة وانت طيب بداله.
اتسعت بسمته عندما تذكر ذلك الصغير في عُمر الستةِ سنوات، كـان قادم إلى والده في يومٍ فـ تقابل مع ياسين وتحدثا سويًا، يتذكر عن ظهر قلب لطافة الطفل وكم تمنى وقتها الحصول على طفلٍ مثله مُشاكس ومُـرح.
– ربنا يخليهولك يا فتحي، وصله سلامي.
أومأ فتحي بـ وِد
– يوصل يا باشا.
انصـرف فتحي وعاد ياسين لعمله يتابعه بـتركيز عن السابق..
جلست أماني بجانب الخادمة التي تساعدهم «يسرية» وساعدتها في تقشيـر البطاطس بوجه شارد وعينين غائمتين في ماضٍ مرير كان أثـره على ابنها البكـري سلبي…
تنهـدت بـإرهاق ونظرت لما تفعله، فـ تحدثت يسرية بـهدوءٍ تحاول التخفيف عن حدة مشاعر أماني المُضطربة
– معلش يا حَجة، كلنا لينا ماضي.
قـالت أماني بـحزن
– بس مش لدرجة انه يفضل فاكر ألم ماضي عدّى عليه ست سنين يا يسرية!
ضغطت يسرية على شفتيها بـحزن، وأجابت بعدها
– هينسى وهتبقى عال، ما انتي عارفة ان ياسين طول عمره قوي وبيعافر.
تابعت أماني بشرود
– ياسين بيعافر آه، بس اكتـر ما يكرهه ياسين الخيانة!
ابتسمت ساخرة وأكملت
– وتخيلي بقا خيانة من مراته اللي بيعشقها واللي كانت حامل منه.
– ربنا يقدم اللي فيه الخيـر يا حَجة، ربنا يسترها على اللي جاي، ومتظهرش تاني فجأة تقلب علينا المواجع.
تنهـدت أمـاني بـتعب مرددة
– آمين..آمين.
❀❀❀
وقف ناصر أسفل المبنى يُتابع عمل العمال و جدّهم بـحماس…
– باشمهندس ناصر.
استدار ناصـر سريعًا، لتقع عينيه على مصدر الصوت..
فتاة قصيرة القامة تمتلك خصلات بنية ليست بالناعمة تعكصها على هيئة كعكة، ترتدي نظارات كبيرة تأكل نصف وجهها تخبئ خلفها عينين خضراوتين، تمتلك شامة أسفل شفتيها من الجهة اليُسرى، دفعت نظاراتها لتلتصق بأنفها وقالت في خجل
– آآ…أنا عملت الرسومات اللي حضرك قولت عليها.
تحدث ناصـر بعملية
– تمام يا باشمهندسة دمشق..حطيهم هناك واستني جاي وراكي اهو.
تنحنحت بـحرج وهمست بما لم يسمعه، فـ قال بتعجب
– بتقولي حاجة؟
تحدثت بصوتٍ خاجل مبحوح