روايات

حتة من قلبي

– عشق يا باشمهندس..مش دمشق.

اومأ بلا مبالاة مبتسمًا بمجاملة، فـ بادلته البسمة بأخرى متوترة واستدارت ذاهبة نحو مكانٍ أسفل الشمس القارصة يوضع به مقعدين وطاولة صغيرة، جلست على المقعد بـتوتر وبدأت تهز ركبتيها بإرتباك، فـ تلك هي مرتها الأولى في التدريب، ولا بد من وجودها بجانب «ناصر» كي تتعلم جيدًا ما جاءت لأجله، لم يكن أمامها خيارًا سوى التعامل مع رجل، هي من كانت تكره الرجال وتسبهم دومًا، تخجل فقط من نظرة تخترق جسدها أو تسخر من نظاراتها الكبيرة، أو ملابسها الفضفاضة التي لو خلعتها لأظهرت انوثتها التي تداريها من الأعين!
زفـرت حانقة وهي تعقد حاجبيها منزعجة من أشعة الشمس اللاذعة التي تكوي وجهها كيًا..
تحرك ناصـر إليها وهو يسير على الرمال بصعوبة حتى وصل لها فـ جلس على المقعد المقابل لها وابتسم بـسخرية بعض الشيء

– لازم تتعودي ع الشمس يا باشمهندسة، وإلا من أول مهمة ليكي هتقعي مننا.

غاظتها نبرته الساخرة المستترة تحت ستار الجدية، فـ بدت كـقطة شرسة مستعدة للإنقاض عليه بعد أن سخر منها وهذا اكثر ما تكرهه واكثر ما يعقدها من الرجـال..السخرية الدائمة، فـهي تراهم مجرد كائنات لزجة لا مجال لوجودهم على الأرض، وبـالإجبار يجب التعامل معهم والتغاضي عن كل تخيلاتها العدوانية تجاههم…

اردفـت بـحدة مفرطة تعجب لها

– نبدأ في الشغل.

اعتلى ثغره بسمة ساخرة بعدما تأكدت شكوكه تجاه تلك الفتاة غـ،ـريبة الأطوار، واومأ ببطء…

كـانت «وداد» جالسة أمـام الحاسوب الخاص بها تعمل بـكل ما تملكه من جهد لتُعلم تلك الفتاة الجالسة بجانبها تتركز ببصرها على ما تفعله، ليست لأنها مجتهدة فـحسب، بل لأن هذا تخصصها التي اختارته واحبته وقررت العمل به، فـ كانت النتيجة هي الإجتهاد والشهرة الواسعة التي نالتها في المكـان بأنها مذيعة مكافحة ولها مستقبلٍ باهر فيما بعد..

– آنسة وداد، الحلقة هتبتدي دلوقتي.

اومـأت ونظرت لمن بجانبها قائلة لها بإبتسامة

– شوفتي الموضوع سهل ازاي؟ مجرد بس ما تفتحي الفايل دا كل حاجة هتظهرلك.

تحـدثت الفتـاة بـإمتنان

– شكرًا جدًا يا آنسة وداد، بجد مش عارفة من غير حضرتك كنت عملت ايه.

ربتت وداد على كتفها مبتسمة بـود ونهضت دافعة المقعد الجرار واختفت عن الأنظـار بعدما دخلت غرفة التحضيـر، فـ وداد تعمل مذيعة ببرنامج سياسي يناقش القضايا السياسية الغامضة والشهيرة أو التي تجتاز شهرة واسعة بكلام عامة الشعب عنها، رغم تحذيرات ياسين لها بأن هذا المجال يسبب خطرًا لها إلا انها لم تلتفت لكلماته وأصرت على ما تفعله ساعية بـجِدّ مستعينة بالله عز وجل…

❀❀❀

طـارق..ياله من شابٍ وسيم ذو بسمة جذابة يستطيع من خلالها أن يأسر قلبها، تنهـدت «براعم» بـهيام وهي تُسلط نظرها على طـارق..هذا الشاب الوسيم الثري ذو الشعبية والسيط الواسع بـالجامعة، لكزتها صديقتها لعلها تستفيق من حب مراهقة -كما تراه- فـ طارق شاب مستهتر ومثلما يقولون «لعبي» يبدل النساء اكثـر مما يبدل سيارته، وهذا ما لا تراه براعم او تمثل انها لا تراه ولكنه واضح وضوح الشمس!

– يا بنتي بطلي بص عليه، غُضي البصر لا أحسن تتسخطي قرد وانتي قاعدة جنبي!

رمقتها براعم بـسخر..ية قائلة

– خليكي في حالك يا ست الشيخة.

هزت «سحر» رأسها بيأس من تصرفات صديقتها، فـ سهر فتاة مختمرة متقربة إلى الله حاملة للقرآن الكريم منذ كانت في المرحلة الابتدائية، ولم تتكاسل عن إستكمال الحفـظ وختمته اكثـر من ثلاث مرات، وهذا ما تفتخر به في حياتها…

– يا براعم صلي ع النبي كدا وخلي عندك دم، هنخش النـار راكبين تاكس الله يعمر بيتك غُضي البصـر.

معروفة بخفة ظلها وطريقتها تلك هي ما تجعل الجميع يصرف نظر عن فكرة ان المختمرات او المنقبات نساء متشددين يرون كل شيء محرم وغير لائق..

اجابتهـا براعم بـغيظ

– يا ستي انتي مالك هو انتي اللي هتتحاسبي ولا انا..اما انك خنيقة بصحيح.

لامتها سحر

– انا بوعيكي يا براعم بدل ما تقعي في المعصية والشيطان يوزك، انا ماليش في الجامعة غيرك..انتي الوحيدة اللي صاحبتي هنا وبحاول ما أخليش صاحبتي تقع في الغلط.

زفـرت براعم بـضيق وعاتبت نفسها بـعنف، ومن ثم أردفت

– انا مقصدش إهانة يا سحر بس انا بكره التحكمات.

هزت سحر رأسها نفيًا وقالت

– بس دي مش تحكمات يا براعم، دي توعية…
الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: «العينين تزنيان وزناهما النظر»، وغض البصر دا فريضة يا براعم، ومن سُبل دخول الجنة..

ابتسمت بـبشاشة وتابعت

– في جملة جميلة اوي قرأتها في مرة
«البصر باب القلب وطريق المؤمن إلى الجنة»…
تفتكري لما تبحلقي بعينك في الرجالة الرايحة والجاية هيبقى ايه موقفك لما تقابلي ربك ورسوله؟

تنهـدت براعم بـإحباط وبداخلها تتذمر، ماذا فعلت لكل تلك المحاضرة الطويلة والمملة التي قصتها عليها سهـر، ابتسمت بـود مصطنع واجابت

– اتعلمت يا سحر خلاص، شكرًا يا بيبي، يلا ندخل المحاضرة بقا؟

نهضت براعم وبعدها سحـر التي التقطت حقيبتها وهي تتمتم

– ربنا يهديكي يا براعم.

دخلت أماني غرفة آسر فـ وجدته مفترش الأرض يصنع شيئًا ما، فـ لم تكبح فضولها وسألته

– بتعمل ايه يا آسر؟

رفع نظره لها وتحدث بـحماس

– بعمل هدية لياسين..

ابتسمت أماني بـحنان وربتت على رأسـه هاتفة

– هتعمله ايه؟

ضيّق عينيه بـشك مردفًا

– لأ مش هقولك عشان انتي هتروحي تقوليله.

شهقت وأشـارت على نفسها قائلة

– انا يا آسر؟

سخـر – ايوه يا اختي انتي، روحي يا ماما الله لا يسيئك شوفي كنتي بتعملي ايه.

آسر..هذا الشاب البالغ المتنكر في هيئة طفل صغيـر لا يفقه شيئًا، ذكي لدرجة مُبهرة والجمـيع يعلم، وتفوقه في صفه الدراسي هو أكبـر دليل على ذلك، آسر يبلغ من العمر إحدى عشر عامًا بالمناسبة.

– طيب يا آسر الله يسامحك، هروح أحضـر الغدا وكدا كدا هعرف الهدية علفكرة.

أومـأ لها وتابع خروجها بـترقب، ومن ثم عاود عمله من جديد بكل حماسٍ ونشاط منتظرًا إعطاء هديته لشقيقه ليـسعد بها

❀❀❀

«في المسـاء»

حضـر الجميع من أعمالهم باكرًا، فـ اليوم هو يوم تاريخي لا يأتي سوى مرة كل عـام، ولا يحتفل به ياسين سوى مرة كل ثلاثة أعوام وهذا ما اعتادوا عليه!

انتهت التزينات وكعكة عيد الميلاد واجتمعت كل أفـراد العائلة وانتظـروا قدوم ياسين الذي دخل بعد لحظات المنزل متوقعًا ما سيحدث، فـ لم يتفاجئ البتة وكان رد فعله هادئًا ومثيرًا للأعصاب، اجتمعوا عند الكعكة على الطاولة وأسندت وداد والدها لينهض من على الأريكة، وقف بجانب أماني وفي وسطهم انحشرت «براعم» فـ ضحك ثروت وضمها إليه، ووقف آسر بجانب ياسين في محاولة منه لجعله يلتفت له ويهتم به، ولكن خابت آماله عندما رأى ياسين يُطفئ الشموع بـملل وكأنه طفل في الخامسة من عُمره!

اعطاه الجميع هداياه وكلًّا منهم يلقي تهنئته، حتى جاء موعد هدية آسر الذي قدمها لياسين بكل حماس طالبًا منه أن يفتحها الآن، فـ زفـر ياسين بـضيق وهو يفك رباطها وآسر يترقب ردة فعله في قلق، حتى تبدلت ملامح وجه ياسين فجـأةً وتجمدت أطـرافه وهو يُناظر لوحة صغيرة حولها إطارًا خشبيًا وبها رُسمت صورته!

أردف آسر بـحرج

– اتمنى يكون رسمي عجبك يا أبيه.

لاحت على شفتيه بسمة لطيفة، سرعان ما محاها سريعًا وهو يربت على خصلات الصغيـر قائلًا في هدوء

– حلوة يا آسر، شكرًا.

رغم ان تلك لم تكن الإجابة التي ينتظرها الصغيـر، إلا انه سعد لأنها اعجبته، وبـادر هو بـإحتضان ياسين مع أنه من المفترض ام يكون ياسين هو من يحتضنه!
تنهـد ياسين بـتعب وضمّ الصغير بـخفة

❀❀❀

في ظل ما كان الجميع جالسًا يتحادثون ويأكلون من الكعك ويرتشفون العصائـر، رنّ جرس الباب فـ انطلقت يسرية إليه وفتحته، ابتسمت شفتيها المطليتين بلون وردي خفيف وقـالت بصوتها الرقيق

– ازيك يا دادة يسرية.

تسمرت يسرية في مكانها وحملقت في مَن أمامها بـصدمة وخاصةً في يدها التي تتشبث بها فتاة صغيرة..

انحلت عُقدة لسانها واجابت بـإقتض.اب

– هو انتي.

اختفت بسمتها وحل محلها تعبير حزين رُسم على وجهها، ابتلعت غصتها وقـالت

– ياسين موجود؟

اومـأت يسرية بـحنق وأشـارت لها بالدخول، فـ خطت داخل المنزل ببطء منكسة الرأس لا تقوى على رفعها، كانت أول من رأتها هي براعم التي شهقت متفاجئة فـ التفت الجميع على أثـر تلك الشهقة…
اسودت عيني ياسين غضبًا، وانتفض واقفًا كـالملسوع وصاح غاضبًا

– انتي بتعملي ايه هنا؟

ابتسمت بـحزن – ازيك يا ياسين؟

عـاد يصيح
– بتعملي ايه هنا يا رحـاب انطقي؟

تنهـدت بـقهرة ونظـرت للصغيرة التي تتشبث في دميتها من جهة وبيد والدتها من جهة أخرى…

وأخيـرًا انحلت عقدة لسانها وبـادرت بـ

– جاية عشان أعرفك على بنتك!

شهق الجميع وانتفضوا واقفين بـصدمة، بينما هـدر ياسين منفعلًا

– بنت مين وزفت ايه، انتي من كتر قذارتك وعلاقاتك مش فاكرة دي بنت مين وجاية تلبسيهالي؟؟

التمعت الدموع في عينيها وتجـاهلت إهانتها اللاذعة ونظـرت للصغيرة مُبتسمة بـألم هاتفة

– سلميّ على بابا يا چويرية.

اختبئت الصغيرة خلف والدتها وهي تهز رأسهـا بنفي هامسة بـصوتٍ طفولي بريء ممزوج بـحدة العناد والتحدي

– مبسلمش على حد معرفوش!

#الفصل_الثاني

تنهـدت رحـاب وقالت

– من وقت ما انفصلنا وانا بربي چويرية لوحدي، بشتغل وبصرف عليها، يعلم ربنا يا ياسين ان عمري ما استغليت اسمك عشان اجيب فلوس لينا، طول عمري ماشية جنب الحيط، لحد ما اكتشفت من شهرين ان عندي كانسـر، قعدت أفكـر هعمل ايه وچويرية هيبقى ليها مين من بعدي، معنديش حد غيرك يا ياسين، متكسفتيش ارجوك!

صـاح ياسين منفعلًا

– ما تتكسفي ولا تتنيلي، البت دي مش بنتي وانتي عارفة دا كويس يا خاينة يا زانية.

صـاح ثروت بـحدة

– ياسين.

استدار له ياسين يُطالعه بـأعين حمراء من شدة الغضب

– عايز ايه من زفت.

توقف لبرهه، وعاد بنظره لـرحاب وتساءل

– انتي سجلتيها بـإسمي ازاي؟

ابتلعت رحـاب ريقها ونظرت لـثروت بتوتر، فـ ابتسم ياسين بـسخرية وعض على شفتيه في غيظ

وهنا أردف ثروت

– اسمعها يا ياسين..يمكن تكـو….

قاطعه بـحدة

– اسمع ايه؟ دي تخاريف، دي استحالة تكون بنتي.

وأشـار على الصغيرة المتشبثة في ملابس والدتها تُطالع انفعالات ياسين بـهدوء لا يليق بـطفلة في سنها، مما يؤكد صلتها بـياسين!

تحدثت رحـاب من بين دموعها الحزينة

– تقدر تعمل DNA.

صـاح مستنكرًا

– وانا هعمل دا ليه طالما انا متأكد انها مش بنتي.

قاطعه ثـروت بهدوءٍ

انت في الصفحة 2 من 10 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
34

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل