
لما وقفت قدامه حبسني في أوضة وكان هيجوزها غصب، لولا أمي اللي لحقت الدنيا واتصلت بالشرطة وجم أخدوه واتحبس هو واللي معاه، وطلق أمي وهو هناك وبعد عننا تمامًا وانقطعت أخباره…وخلصنا منه للأبد بس للأسف..مقدرناش نخلص من عقدة سببهالنا، وماما بعدها فتحت الحضانة بفلوس كانت محوشاها وانا روحت اشتغلت بشهادتي معاها
دموعها الغزيرة التي تغرق وجهها جعلته يرغب في ضمها والتخفيف عنها، إلا انه تحدث في النهاية
– غار في داهية..ولا تزعلي نفسك يا ست البنات!
ضحكت بخفة فـ ابتسم ياسين وتأمل وجهها الملائكي لبرهة، لتتسع بسمته شيئًا فـشيء عندما شعر بنبضات قلبه تعلو بعنف شديد!
رنّ هاتفه مقاطعًا تلك اللحظة، اختفت بسمته الودودة واستأذن منها، فـ مسحت دموعها ببطء وأومأت له، اجاب ياسين على الهاتف ليصدح صوتًا أنثويًا بالجوار
– أستاذ ياسين مدام رحاب عيزاك ضروري، وعايزة كمان بنتها، أرجوك متتأخرش دا آخر طلب للمدام دي شكلها بتوّدع والدكاترة مش عارفين يعملوا حاجة!
لم يدعها ياسين تُكمل وانطلق خارجًا من الشرفة وتلقائيًا خرجت خلفه روان بإستغراب وعلامات الإستفهام تملئ وجهها
❀❀❀
سـار في الممر المؤدي بغرفتها بخطواتٍ أشبه بالركض، وچويرية خلفه تمسك بيد روان التي أصرت القدوم معهم، اقتحم الغرفة ليجدها تستند بظهرها على ظهر الفراش وما إن رأتهم حتى تبسمت بحنان، ومن هنا ركضت چويرية تندس في أحضان والدتها قائلة
– وحشتيني اوي يا مامي
ابتسمت رحاب بألم وهتفت رغم شحوب وجهها وألمها الجسدي
– وانتي كمان يا روح مامي
ضمت الصغيرة إليها أكثر وظلت تُقبّل كل ما تطوله شفتيها، ودموعها تنسال على وجنتيها بغزارة، استعادت رباطة جأشها وابعدت الصغيرة عنها هامسة
– انا بحبك اوي يا چويرية، بحبك اوي يا حبيبتي!
التمعت الدموع في عين الصغيـرة حين علمت المخزى من كل تلك القبلات والأحضان
– وانا كمان بحبك يا مامي..بحبك اوي اوي
ضمتها إليها أكثر رغم الألم، وأغرقت الدموع ملابس الصغيرة، تنفست بقوة وهمست للصغيرة
– افتكري اني دايمًا معاكي وبصي للسما وشوفي أكتر نجمة بتلمع..هتلاقيني بعملك باي باي من وراها..تمام؟
اومـأت الصغيرة بدون التفوه بكلمة، وهبطت من الفراش ببطء ودموعها تهبط على وجنتيها كشلال لا يتوقف، ومن ثم ركضت لروان تندس بين أحضانها…
ابتسمت رحاب في وجه ياسين وأردفت بإرهاقٍ جلي
– سامحني يا ياسين، مش عايزة أموت وانا شايلة ذنب، كانت لحظة شيطان سامحني يا أبو قلب طيب!
أومـأ لها مبتسمًا بهدوء رغم النيران الضارية المشتعلة داخله
– مسامحك يا رحاب..مسامحك
تنهـدت بـراحة وأغمضت عينيها متطمئنة، وهمست له بخفوت وقد غلب صوتها نبرة التعب
– بنتي أمانة في رقبتك يا ياسين، متآخدهاش بذنبي الله يخليك..بلاش يا ياسين..بالله عليك بلاش
وبكل حب العالم الذي اكتسبه خلال فترة معاشرته لتلك الصغيرة اللطيفة قـال
– اتطمني يا رحاب، دي بنتي..استحالة أأذيها…دي حتة من قلبي..عمرك شوفتي حد بيأذي قلبه؟
ابتسمت بشحوب، ونقلت نظرها للصغيرة التي تتوسط أحضان روان وتبكي بحُرقة وتنوح بوجع، فـ ابتسمت بسمة أخيرة..حنونة..تبث داخل طفلتها الأمان..وتعدها باللقاء في الحياة الأخرى…
أغلقت جفونها..وصعدت روحها إلى بارئها..وإبتسامتها المطمئنة تزين ثغرها..فـ انطلقت صرخات الصغيرة ببكاء، وأغمض ياسين عينيه بـحزن، ونهض ببطء يسحب طفلته من بين يدي روان ويحتضنها هو..لتتشبث فيه بقوتها خشيةً من أن يتركها هو أيضًا..مثلما فعلت والدتها!
همس خافت خرج من بين شفتيها المرتجفتين قائلة بصوتٍ مبحوح متألم
– ماما ماتت، مش كدا….يا بابا!
وآه من أثر وقع تلك الكلمة على مسامعه، وكم كان يشتاق لسماع كلمة “بابا” من بين شفتي قطعة منه، وهنا شعر ياسين حقًا انه قد مَلَك الدنيا وما فيها!
فـ بلمسة طفلته وهمسها الرقيق بـ “بابا” هانت كل شدائد ياسين..وزالت غمامة سوداء غطت على قلبه منذ سنواتٍ عديدة!
«بعد مرور خمسة أشهر»
ضحكت روان بمرح وهي تضم چويرية إليها، فـ ابتسم ياسين الجالس أمامهم على مقعدٍ ما بخارج القاعة المُقام بها حفل زفاف “عشق وناصر”، تنهـد ياسين بـسعادة وقلبه يرفرف بفرحة فـ رؤية طفلته امامه سعيدة تضحك هو ما يجعله سعيدًا في حياته حقًا، يالها من صغيرة قادرة على تحويل ألمه بضحكتها، وإقلاب غضبه لحنانٍ!
– بعد كدا تقوليلي ونفكر في مقالب سوا نعملها فيه
ضحكت چويرية وأشارت على عينيها اليمنى وبعدها اليسرى قائلة
– من العين دي قبل دي
ضحكت روان بصخب واحتضنت الصغيرة بحنان وهي تقبّل رأسها وتستنشق رائحة خصلاتها الخلابة بحق!
– ياسين احم..عايزة اقولك حاجة بس مكسوفة
قالتها وهي تبعد الصغيرة عنها، فـ تأهبت حواسه منتظرًا ما ستقول لعله يكون اعتراف، نكست رأسها بخجل وهتفت
– بص يعني…هو..
حثها على النطق بنفاذ صبر
– اخلصي مش هنقعد العمر كله كدا
رفعت عينيها وقالت بإبتسامة بلهاء
– ايه نوع الشامبو اللي بتستخدمه چويرية وبيخلي شعرها سايح وريحته حلوة كدا؟
تجمدت البسمة على شفتيه قائلًا
– والله؟
اومـأت ببراءة فـكاد ينهض ويهشم أسنانها البيضاء التي عندما تبتسم تُظهرهم بسخاء!
جذبتها چويرية لكي تغير مجرى الحوار حتى لا ينهض ياسين ويقتل روان أمامها الآن!
– بس انتي مش هتتجوزي بقا يا أبلة؟
تنحنحت روان بحرج
– ايه الإحراج دا، لسه يا حبيبتي مجاش ابن الحلال
تمتم ياسين بإقتضـ،ـاب
– والله موجود بس الحلوفة مش ملاحظة
عقدت روان حاجبيها بتعجب
– بتقول حاجة يا ياسين؟
هـز رأسه بنفي مبتسمًا بسماجة،
فـ أردفت الصغيرة ببراءة مزيفة متسترة تحت ستار المكر
– هو انتي ممكن تتجوزي بابا؟
توترت روان وتلعثمت
– يعني آ…
لم تعطها فرصة للرد وتابعت بحماس
– يعني استناكي تبقي مامتي التانية
قالتها بحسم ولم تعطها فرصة للرد مما أربك حواس روان التي ابتلعت ريقها وناظرت ياسين بتوجس، فـ بادلها بنظرة غامضة لا تعلم ما تكنها..ولكن في النهاية..تنهدت وصمتت!
«بعد مرور عشرين عـامًا»
خطوات كعبها يصدح بالمكان ويصعد الدرجات الصغيرة وصولًا للمسرح..بسمة واسعة تزين ثغرها المطلي باللون الوردي..وتصفيق حار من الجميع…
التقطت جائزتها بعدما صافحت الأشخاص ومنهم من سلمها الجائزة والشهادة المتراصين خلف طاولة كبيرة..
وببطء تقدمت من المكبر ووضعت جائزتها والشهادة بجانبها، وتنحنحت قبل أن تقول بصوتٍ رقيق فطري
– مساء الخير..انا چويرية، عندي 26 سنة حقيقةً كان نفسي أبقا رائدة فضاء لسبب انا وياسو أبويا بس اللي نعرفه، بس ميضرش دكتورة دكتورة
ضحكت بخفة فـ ضحك ياسين معها وطالعها بعينين تفيضان فخرًا…
فـ تابعت وهي تطالع ياسين ببسمة حنونة ممتنة
– أول دكتوراه أحصل عليها السنادي..
وبقدم جزيل شكري لوالدي…ياسين المرشدي..
والدي اللي وقف جنبي وساندني لحد ما وصلت..والدي اللي فضل في ضهري بيدفعني للطريق وكل ما أتعب يفكرني بقيمة تعبي في النهاية..
والدي اللي كان دايمًا بيقولي “انتي حتة من قلبي..لازم أحافظ عليكي لا تتخدشي”، بابا…انت أعظم أب شوفته في حياتي!
ربنا يديمك ليا انت وعيلتنا الصغيرة، وأولهم..ماما روان
تعالت التصفيقات العالية، وكان ياسين يرمقها بفخر..بسمة فخورة تزين ثغره ودموع غزيرة تجمعت بمقلتيه والتمعت من أسفل نظارته الطبية..
ربتت “روان” بيديها المجعدة أثر الزمن على كتفه بحنان والدموع تكافح لكي تهبط من مقلتيها فخرًا..
عشق وناصر..وأيضًا وداد وزوجها وبراعم وفراس..وياسر يحتضن زوجته وطفلته تجلس على ساقه وتصفق لإبنة خالها بسعادة طفلة..وكذلك باقي أبناء الأشقاء الذين هم أصغر من چويرية بالكثير، نهض ياسين وعبر من الجموع واقترب من إبنته..
تزامنًا مع هبوطها وهرولتها ناحيته..لتتلاقى الإبنة وأبيها في منتصف الساحة في مشهد مُغري للبكاء، احتضنها برفق وكأنها جوهرة يخشى خدشها..
وهي حقًا جوهرته الثمينة..هي قطعة من قلبه..ولا يستطيع أحد التفريط من قطعة من قلبه!
قبّل جبينها ورفع عينيه الممتلئة بدموع الفخر وهمس لها
– “انتي حتة من قلبي يا بنت قلبي”
وضحكة وسط الدموع..وإبتسامة وسط السعادة..وفرحة ترفرف بالقلوب..والأب وقطعته الغالية..جوهرته الثمينة..وقطعة من قلبه!
قانون صغيـرة، برود حوّلته لبهجة، وألم بلمستها جعلته صحة!
فـكيف لمن اشتاق الحنان أن يُبعد النعمة بيده..
وهو من أراد الإحتواء بنفسه…؟!
#النهايـة❤
//تـمـت بحمد الله//