روايات

حتة من قلبي

لفت عشق خُصلة من شعرها على إصبعها وقالت

– وقتها بقا

زفـرت بضيق وخرجت من الغرفة صافعة الباب خلفها، فـ ارتمت عشق على الفراش تتنهد بحالمية

❀❀❀

أغلقت روان باب غرفتها وجلست على فراشها، لوهلة تذكرت ماضيهم..تذكرت والدها..من كان سببًا في عقدة شقيقتها وبُعدها عن كل ما هو ذكر حرصًا، ليأتي هذا المجهول ويغير نظرتها..وقريبًا سـتُخطب له، ولكن يا ترى..هل ستستطيع هي أو شقيقتها نسيان فعلة والدهم الشنيعة بحقهم وبحق والدتها بالأخص؟!

#الفصل_السابع_الأخير

دخلت أماني غرفة ياسين ببطء، الظلام يعم الغرفة، همست وهي تتقدم من الفراش

– ياسين..ياسين اصحى يا حبيبي

تقدمت أكثر فـ لاحظت تكوم جسدًا ما بين أحضانه، لحظات واستوعبت أن هذا الجسد..هو جسد الصغيرة چويرية!

بسمة حنونة ارتسمت على شفتيها وهي ترى إبنها يحاوط صغيرته بحماية، تنهدت وهي تمسح دمعة سقطت قسرًا على وجنتها..واستدارت تخرج من الغرفة، تاركة هذه اللوحة الفنية دون أن تحركها..حتى لا تمتزج الألون ويختفي المنظر البديع

❀❀❀

كان ناصر في قمة سعادته، فـ اليوم سيتقدم رسميًا لطلب عشق للزواج، لا يُصدق بتاتًا انه سيتزوج تلك الحمقاء التي كان يتوجس لأمرها!

ربتت وداد على كتفه وهتفت مشاكسة

– دا انت بتطير يا ولا، ايه الفرحة دي كلها

أمسكها من ذراعيها وظل يدور بها ببطء قائلًا في سعادة

– انا مش مصدق يا وداد..هتجوز أخيرًا..هتجوز وأتلم بقا

صدحت ضحكات براعم في الجوار وهي تضع طبق الطعام على الطاولة وتقول

– ما خلاص يا عم الشبح هو محدش غيرك بيتجوز يعني

رمقها بغيظ وهتف

– اخرسي انتي بـ سي فراس بتاعك دا، مش عارف عاجبه فيكي ايه

لكزته براعم بحنق وهي تتجه للمطبخ

– لِم نفسك يا بتاع عشق

قهقه ساخرًا، فـ ابتسمت براعم تهز رأسها بقلة حيلة، وفي طريقها صدح صوت وصول رسالة لها نصها:
(انا عازم نفسي انا والأسرة الكريمة عندكم بكرا، عشان نطلب ايدك، ودي معلومة..مش طلب)

ضحكت بخفوت، وكتبت رسالة نصها

(ومين قالك اني موافقة؟)

رفع حاجبه في الجهة الأخرى وكتب بإنفعال

(مش مستني رأيك)

ضحكت بعلو ضحكة تردد صداها في أرجاء القصر، وكتبت والسعادة تملئ قلبها قبل ملامح وجهها

(توكل على الله…هحتاج ايه غير زوج صالح وخلاص)

(ايه وخلاص دي ما تحسني ملافظك!)

(روح يا فراس الله لا يسيئك ورايا شغل)

رأت العلامتين الصح تتحول للون الأزرق فـ ادركت انه شاهد الرسالة، تعجبت كونه لم يجب..هل ذهب بالفعل؟

لم تكد تتخيل شيئًا إذ وجدت الهاتف يرنّ والشاشة تُضيء برقمه التي حفظته عن ظهر قلب من محادثته لها البارحة، فـ تبسمت برقة وفتحت الخط قائلة في إصطناع التساؤل

– السلام عليكم، مين معايا؟

– انا علامات الرفض اللي هتجري وراكي يوم القيامة

كبتت ضحكتها واستمعت لتزمره بإستمتاع

– بقا انا تقوليلي لسه موافقتش؟

عقدت حاجبيها بعبث هاتفة

– كنت بهزر..ايه مبتهزرش يا رمضان؟

ارتسمت بسمة هادئة على ثغره وقال

– لأ بهزر..بس هزاري أفضّل تشوفيه عملي لما نتجوز وتبقي حلالي

ابتسمت في خجل وتوردت وجنتيها، ليتابع هو بمشاكسة

– يعني كدا خلاص؟ أجيب أمي وابويا والبت سحر ونيجي نبل الشربات؟

صمتت وابتسمت في خجل ونكست رأسها تقبض على هاتفها بتوتر، فـ سمعت ضحكاته المرحة لتغلق الهاتف في وجهه بخجل، وضربات قلبها تزداد إضطرابًا…

تثائب ياسين بنعاس وهو يعتدل على الفراش، نظر حوله باحثًا عن الصغيرة فـ لم يجدها، يبدو أنها نهضت أولًا…

فرك عينيه واستعد للنهوض وبالفعل نهض وتوقف لبرهه يتمطع بكسل، وما كاد يتحرك حتى شعر بشيء لزج أسفل قدمه، وعندما حاول بقوة التحرك سقط على وجهه فـ تلطخ بسائلٍ أحمر كان موضوع بـجردل مائل على الأرض…

وعلى الفور زمجـر ياسين غاضبًا وعلم أن الأمر مقصودًا من تلك المشاكسة الصغيرة!

– چـويـــــــــريــــــــــــــة

لطمت على خديها وهرولت راكضة تجاه المرحاض وهي تراه يقترب منها بأعين تطلق شررًا ووجهه غارق بالسائل الأحمر…
هبط الدرج فـ تعرقل بخيط شفاف لم يره وكاد يسقط لكنه تماسك وفي ثانية كان هناك جردل آخر يسقط منه “ريش” أبيض اللون يتطاير في الجو ويلتصق بوجهه اللزج من الأساس فـ أصبح يشبه الدجاجة!

صك على أسنانه والغضب يتآكله..زمجـر كالأسد وهبط الدرج ركضًا وهو يصرخ بإسمها..

هرول الجميع على أثر صراخه متسائلين عن السبب، حسنًا..يبدو السبب واضحًا أمامهم تمام الوضوح خاصةً بمظهر ياسين المُضحك!

هرول ياسين تجاه المرحاض مخمنًا انها من الممكن أن تكون قد اختبأت هناك، وقبل أن يدلفه رآها تركض نحو الردهة التي يتجمع بها العائلة..فـ هرول خلفها…

اختبأت الصغيرة خلف أماني لذلك حاول ياسين الوصول لها وهو يصرخ بغيظ

– بتعملي فيا مقلب يا بت؟ بتستعبطيني!!

أخرجت رأسها من خلف أماني وقالت ببلاهة

– مش انا قولتلك مقدرش أعيش من غير مقالب؟ دا يكفي اني معملتهاش من أول ما جيت، لازم تتعود يا ياسو الموضوع كبير

زمجـر غاضبًا واستدار خلف والدته ليمسكها، فـ فرت هاربة منه وخرجت من باب المنزل وضحكاتها تصدح في المكان، وظلت تطوف وتركض بالحديقة الخاصة بالمنزل وهو يركض خلفها، وبلحظةٍ ودون أن يعلم ما حدث له تحول غضبه لمرح وبدأ يركض خلفها في نشاط، حتى أن الجميع تعجب، سرعان ما تبسموا وصدحت ضحكاتهم عندما رأوا ياسين يطرح الصغيرة أرضًا وينقض عليها يدغدغها بفمه في بطنها وهي تضحك بصخب مرح وتحاول إبعاده…
فـ انضم آسر لهم يحاول إنقاذ چويرية بمرح، فـ جذبه ياسين وبدأ يدغدغه هو الآخر وسط ضحكاتهم المرحة…
التمعت عين أماني بالدموع، ودعت الله في سرها أن يديم فرحة إبنها بإبنته بعد أن شعر أخيرًا بقيمتها الثمينة!

❀❀❀

(في المساء)

هبط ناصر من السيارة والعائلة كلها متجمعين حوله، نفخ صدره بحماس توجه لبوابة العمارة وصعد وخلفه عائلته…
دقتين على الباب وانفرج الباب وطلّت من خلفه رجاء تبتسم بترحاب وتتنحى جانبًا ليدخلوا…
وفي طريق ياسين للدخول لم يلحظ حتى من فتحت الباب فـ كان مهتمًا بـچويرية التي كانت تتشبث في كفه كأنه سيهرب منها!
جلسوا جميعًا وتحدثت رجاء

– ثواني هنادي عشق

أومـأ ناصر بسعادة، بينما عقد ياسين حاجبيه بتعجب، هذه السيدة مألوفة له!

كانت روان تحاول رؤية العريس المنتظر من خلف الستارة، فـ ضربتها والدتها على رأسها هاتفة بحنق

– بطلي بقا، روحي هاتي الشربات ودخليه على ما عشق تيجي بالجاتوه، يلا يا بت انجزي

دبدبت على الأرض بحنق وتوجهت للمطبخ، أما عشق فـ كانت في الغرفة تتآكل قلقًا، ترجو من الله ألا تكون قد تسرعت وأن يكون ناصر هو المناسب، وأنه لن يكون مثل والدها القاسي!

ربتت رجاء على كتفها بحنان عندما تيقنت ما تفكر به إبنتها، طمأنتها بـ

– متقلقيش يا عشق، مش كلهم زيه

ابتسمت عشق بإرتجاف، وارتعشت يديها بإرتباك، وتحركت مع والدتها للخارج والقلق يتآكلها

دخلت روان عليهم وهي تبتسم ببشاشة مُقدِمة الشربات، رفعت رأسها وهي تقدم الكوب الأخير لأحدهم والذي لم يكن سوى ياسين، لحظة صمت عمت المكان، فغرت روان فاهها وتذكرت فجأةً حديث شقيقتها

” ألف مد..دا حرف من إسمه!”

شهقت بخضة وارتعشت يديها فـ انسكب المشروب على ملابس ياسين الذي انتفض واقفًا يحاول نفضه من عليه، فـ توترت روان وجذبت بعض المحارم الورقية وحاولت إزالتهم …ولكن ما فعلته أنها زادت الطين بلة…
اختفت بسمة عشق ووالدتها اللتان كانتا في طريقهما للدخول عند رؤيتهم ما حدث، فـ تحدثت رجاء تُسعفهم

– خديه ع الحمام بسرعة يا روان

أومـأت روان سريعًا وأشارت له بالتقدم، فـ تحرك ورائها بهدوء….

– انت بتعمل ايه هنا؟
قالتها بحدة وهي تسير أمامه، فـ ابتسم بتهكم وصمت…
ليتآكلها الغيظ صمته القاتل لها، لوهله لم تستوعب أنه العريس المزعوم! حقًا ستقتله ومن ثم تقتل نفسها إن كان حدسها صحيح!

جزت على أسنانها وقالت بغيظ

– انت العريس صح؟

رفع حاجبه بتسلية وربع يديه أمامه قائلًا بإستفزاز

– ولو كنت أنا..هتعملي ايه يا أبلة؟

هـدرت بإنفعال

– رد عليا، انت العريس مش كدا؟

غمغم بتفكير لبرهة، ومن ثم قال وهو يمر داخلًا المرحاض قسرًا

– هسيبك لفضولك يآكلك كدا

دبدبت على الأرض بكعبها العالي، وعينيها تضيق بحنق!

ظلت تقضم أظافرها بقلق منتظرة خروجه لكي تفهم منه، سرعان ما سمعت أصوات زغاريد عالية فـ انعقد ما بين حاجبيها بتعجب وخرجت لتستكشف الأمر، لتتسع عينيها بصدمة عندما وجدت شقيقتها تُلبِس أحدهم خاتمًا، وتبتسم في خجل ممزوج بسعادتها…
لنكن صادقين..بالمعنى الحرفي كان فاهها يكاد يُلامس الأرض من قوو فتحها له!!!!

❀❀❀

بعد دقائـق…

خرجت الشرفة وهي ما زالت تكبت ضحكتها، سرعان ما انفجرت ضاحكة على هذا التفكير العقيم التي كانت تفكر به، لقد ظنت لوهلة أن ياسين هو العريس…
“حقًـا يالا حماقتكِ يا روان!”
هذا ما أخبرها به عقلها، فـ اتسعت بسمتها بشدة وشردت، وقبل أن تتعمق في شرودها دخل عليها ياسين وتنحنح ليخبرها بوجوده، فـ استدارت بإبتسامتها وهتفت بإحراج

– احم، سوري يا ياسو بقا..افتكرتك انت العريس

غمغم ياسين بكلماتٍ مبهمة، ومن ثم اقترب منها خطوتين وهو يضع يديه في جيبي بنطاله، هاتين الخطوتين اللتان تقدمهما كانا تقريبًا الحد الفاصل بينهما، ضيّق عينيه وهمس لها

– ولو كنت العريس..كنتي هتعملي ايه؟

سرحت في عينيه الجذابتان

– ها؟

ارتفع جانب شفتيه ببسمة صغيـرة

– شكلك واقعة يا أبلة

انتبهت على نفسها وهتفت بحدة

– ايه واقعة دي ما تحسن ملافظك يا بغل يا مـ….

كمم فمها وأردف بـجدية رافعًـا حاجبه بحذر

– قلة أدب وسفالة هديكي على وشك!

أنزل يده وابتعد عنها يقف بجوارها مستندًا بيده على السور بكل هدوء كما لو أنه لم يكمم فمها وكاد يخنقها الآن!

زفـرت بضيق واستدارت تقف بجانبه ناظرة للأمام بشرود، فـ قاطعها صوته

– والدتك حكتلنا جوا انكم بتكرهوا والدكم، هما جوا بيعرفوا السبب، اتمنى أنا اعرف السبب منك

تصنمت مكانها، وتجمدت يديها وجسدها ووجهها وتقريبًا كل ملامحها!

ابتلعت غصتها المريرة ونظرت له لبرهه تستشف الصدق من ملامحه حتى! سرعان ما وجدت ضالتها فـ تنهدت بـقوة وقصت معاناتها

– انا وعشق كنا صغيرين، كنا دايمًا بنشوف الراجل دا بيضرب أمي على أتفه الأسباب، سواء بقا عشان الأكل طلع مالح او البيت مش نضيف او غيره، ولما كبرنا شوية بقينا بنتشارك مع ماما في الضرب، علقة الصبح..علقة بليل..لحد ما اتعودنا لما يرجع يضربنا،
عقدة عشق بسببه، كانت طفلة مش فاهمة حاجة وبتتضرب وبتسكت، لكن توصل بيه القذارة انه يجيب راجل قده عشان يجوزه عشق! عايز يقبض تمنها فلوس يقدر بيها يشرب الحـشيش اللي كان بيطفحه! بالمناسبة …الحشيش كان سبب من اسباب ضربه لينا في يوم من الأيام…

انت في الصفحة 9 من 10 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
34

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل