
تضمها وداد إلى صدرها وتُربت على خصلاتها البنية المنسدلة على ظهرها في إنسيابية ونعومة..
تتعجب كثيرًا من حـال تلك الصغيـرة..
لم تبكِ ولم تصرخ ولم تنادي على والدتها..
وحيـن سألتها أجـابت بـ
«ماما بتكافح، وانا لازم أشجعها مش اعيط عليها!»
تفكيـر هذه الصغيرة يسبب عُقم في تفكيرها هي..
كيـف يمكن لصغيرة لم تتخطى السبع سنوات أن تُفكر بـطريقة مَن يبلغ الأربعين!
انفرج الباب بـعنف وطلّ منه ياسين الذي صـاح في الصغيرة منذ دخل
– اسمعي يا بت انتي، انتي لا بنتي ولا اعرفك اصلًا، هيلمولك هدومك ويرموكي في دار الأيتام.
هـدرت وداد بـشراسة وهي تضم الصغيرة المُرتجفة لـصدرها
– ايه الكلام اللي بتقوله دا يا ياسين..انت مُدرك انت بتقول ايه؟ دي بنتك!
صـاح بإنفعال جلي
– لا بنتي ولا اعرفها، دي واحدة بنت حـرام اتولدت بسبب علاقات أمها القـذرة.
دخل نـاصر عند تلك الجملة، وتحدث بـهدوءٍ محاولًا إيقاف أخاه عن إنفعاله
– اهدى يا ياسين واعقِل كلامك، البنت صغيرة ومش فاهمة.
نـظر له ياسين بـغضب وصـاح بـصرامة
– صغيـرة كبيرة مش هتفضل في البيت دا ثانية واحدة.
انتفضت فـجاةً من بين احضان وداد، وقفت على الفراش وصـاحت بصوتها الذي سمعه لأول مرة
– جرا ايه يا عم الحاج، ما تصلي ع النبي كدا وخد وأدي معايا متحسسنيش انك توم كروز وكل البنات تحت رجلك!
توسعت عينيه مصدومًا، حقيقةً لم يكن وحده المصدوم، بل كان نـاصر يطالعها بـفاه فاغر و وداد ترمقها بـعدم تصديق
– آآ..انتي متأكدة انك طفلة ست سنين؟
نـظرت لـناصر وتخصرت قائلة بـسخر..ية
– مشبهش ولا مشبهش؟
ابتلع لعابه متوجسًا، بينما صـدح صوت ياسين صـارخًا وهو يشير عليها
– شوفتوا..عشان اقولكم..دي مش بنتي، شايف بتتكلم ازاي، طب شايف حاطة ايدها في وسطها زي الرقصات ازاي؟
قـالت وداد ساخرة
– متستهبلش يا ياسين..البت شبهك خالص!
تنحنح بـحرج، ومن ثم عاد لغضبه يـقول بـسخط
– مش موضوعنا، خرجوا البت دي من البيت فورًا.
– چويرية مش هتخرج من هنا يا ياسين.
كان هذا كلام والده الذي دخل الغرفة يستند على عُكازِه…
فـ ازداد غضب ياسين الذي تحدث بنبرتهُ المخيفة
– يعني ايه؟
هتف ثروت بـحزم
– يعني محدش هيقدر يهوبلها، والبنت دي من الوقتي مسؤليتك انت يا ياسين، ومحدش فينا هيتدخل في تربيتها..واي حركة وحشة هتعملها معاها..اعتبر نفسك برا العيلة تمامًا..والمرادي هتكون انت اللي ولا ابني..ولا اعرفك!
كور ياسين قبضته، وصك على أسنانه بـعنف حتى شعر نـاصر الذي يجاوره انها تكاد أن تتهشم من قوة ضغطه عليها…
والآن من الموجب أن يقبَّل ياسين بـالوضع الحالي..إجباريًّـا!
رنّ المنبه في محاولة منه لإيقاظ ياسين النـائم بعمق، انتفض بـفزع ونظر للمنبه وعلم ما هو هذا الصوت الذي تغلغل لأحلامه..فـ اغلقه بـغيظ وفرك وجهه ليزيل أثر النوم..
نهض من الفراش يزيح الغطاء عنه بـعنف، وارتدى نعله وتوجه بخطوات سريعة أشبه بالراكضة نحو الغرفة المجاورة له…
اقتحمها بدون طرق على الباب وهز “چويرية” النائمة كـالملائكة على الفراش، فـ تململت بـإنزعاج وهي تتمتم
– سيبيني يا ماما شوية.
هزها مرة أخرى بطريقة أشد عنفًا
– اصحي يا روح أمك الحضانة هتضيع عليكي.
نفخت بـحنق ودفنت وجهها في الوسادة، فـ شمر ياسين عن ساعديه والتقطها من ثيابها يمسكها بـقوة من الخلف يجرها معه ناحية المرحاض الخاص بغرفتها، أنزلها وأوقفها قسرًا وبدأ ينثر المـاء الغزير على وجهها حتى ان ملابسها البيتية تبللت….
جرها معه للخارج وألقاها على الفراش وتوجه صوب خزانتها ليُخرج ملابس الحضانة…
وبالفعل أخرجها وجذب الصغيرة التي عاودت النوم من جديد، جذب ملابسها العلوية قسرًا ليخلعها عنها وبدأ في إلباسها والصغيرة تتمرد بـإنزعاج…
حُشر وجهها في الجزء العلوي الخاص بملابس الحضانة فـ بدأت تزمجـر وقد شعرت بـالإختناق..
وكـان ياسين محتاسًا لا يدري ما يفعله، أنجده الله عندما استطاع ان يُخرج رأسها أخيـرًا..
انتهى وتوجه لحقيبتها يضع بها كل ما هو على المكتب الصغير الخاص بها…
وتوجه إليها جاذبًا اياها من يدها واليد الأخرى جذب بها حذائها حتى بدون أن يأتي بالجورب…
هبط بها للأسفل وقال
– اقعدي البسي الجزمة هروح اشوف يسرية جهزت الساندوتشات ولا لأ، ما هو يوم باين من أوله.
انطلق صوب المطبخ ليجد يسرية تقف خلف الرخامة تعد الشطائر، ليقول
– بسرعة يا يسرية الله يكرمك.
وضعتهم في صندوق طعام الصغيرة -اللانش بوكس-
بسرعة وأعطتهم لياسين الذي التقطهم وهَرول للصغيرة، وضع الشطائر في حقيبتها وألبسها لها ودفعها ناحية باب المنزل يلقيها أمامه هاتفًا بـحزم
– خليكي قاعدة هنا لحد ما الباص يجي.
وقبل أن تفتح فمها وتتحدث أغلق الباب في وجهها، فـ زفرت الصغيرة بـإحباط وجلست على درجات السلم الصغير واضعة يدها أسفل خدها تنتظر مجيء الأتوبيس وهي تملس على شعرها الذي لم يُكلف نفسه عناء تمشيطه لها! ترتجف من برودة الجو كـدجاجة مبللة، تصتك على أسنانها والبرودة تملكت منها!
وهنا تمنت چويرية أن تكون والدتها معها وبجانبها !!
❀❀❀
ألقى ياسين جسده على الفراش وأغلق جفونه وما هي إلا دقائق حتى ذهب في سُباتٍ عميـق…
❀❀❀
ضحكت وهي تحتض.ن إحدى الصغيرات وتدفعها نحو الداخل برفق، وجاء الآخر واشار على الورقة المعلقة بالحائط والمرسوم عليها يدين يتصافحان، فـ صافحته بنفس الطريقة وهي تبتسم في وجهه بـلُطف…طريقة مناسبة للتعامل مع أطفال يدخلون مكانًا جديدًا للتو!
وكـانت الأخيـرة هي چويرية التي فركت عينيها بنعاس وكـادت تدخل دون أن تختار شيئًا فـ اوقفتها المُعلمة بـتعجب قائلة
– انتي عاملة كدا ليه؟ شعرك مش متسرح ليه وهدومك مكرمشة!
تنهـدت الصغيرة بـيأس ونظرت لها بـبراءة، قبل أن تنكس رأسها خزيًا وصمتت بحزن!
❀❀❀
اندفعت وداد من الباب تصر.خ بياسين النائم
– ياسين..ياسين قوم..يا ياسين.
تململ منزعجًا وتأفف حانقًا
– فيه ايه ع الصبح.
لغزته في كتفه قائلة
– اتصلوا من حضانة چويرية وعايزين حد من أهلها ضروري.
اندس تحت الغطاء وتحدث
– ابقي روحي انتي.
دفعته في كتفه صائحة بحنق
– هي بنتي ولا بنتك، قوم لا أحسن يكون جرالها حاجة!
تأفف حانقًا وصـاح بغضب جلي
– يووووه بقا، ما تولع ولا تتنيل انا عايز انام.
جذبت الغطاء من عليه هادرة بـحزم
– قوم يا ياسين شوف البت، يلااااا.
❀❀❀
ترجلت براعم من سيارتها واغلقتها بالمفتاح إلكترونيًا، عدّلت من وضع نظارتها الشمسية وتوجهت للداخل، وفي طريقها اصطدمت بـأحدهم، فـ رفعت رأسها بغيظ وكادت تصرخ به ولكن إعتذاره فاجئها
– انا آسف جدًا
عقدت حاجبيها بـإستغراب متسائلة عن هوية هذا الشاب فارع الطول، الذي ولأول مرة تراه في الجامعة!
ابتسمت في وجهه بتهذيب واردفت
– مفيش مشكلة
هز رأسه بـإيماء وعدّل من نظارته الطبية وتحرك صوب الداخل، في حين بقت براعم متعجبة! سرعان ما هزت رأسها تنفض أفكار معتوهة وتعمقت في الدخول للجامعة…
ترجل ياسين من سيارته وهو يزفر حانقًا، توجه نحو باب الدخول للحضانة ومنه سأل احدهم عن مكتب المديرة، وبالفعل توجه نحو مكتبها ودخل من الباب المفتوح متحدثًا بجمود
– مساء الخير
التفتت إليه الفتاة الجالسة أمام مكتب المديرة، والتي لم تكن سوى مُعلمة چويرية، نهضت وقـالت في جدية مُفرطة
– حضرتك والد چويرية؟
تحدث بحدة
– لأ
عقدت حاجبيها بتعجب، فـ زفر محبطًا واومـأ مُجبرًا، وهنا اومأت المُعلمة وتحدثت معه بـعنف وإندفاع
– حضرتك تقدر تقولي ايه الحالة المزرية اللي چوري جات بيها انهاردا دي!
رفع حاجبه متحديًـا وقاحتها واردف
– حالة ايه مش فاهم؟
– البنت شعرها منكوش وهدومها مكسرة، انت متأكد انك أب؟ فين مامتها؟
تحدث ببرود
– في المستشفى
انزوى غضبها جانبًا واردفت بـقلقٍ
– ليه مالها؟
هـدر فيها ياسين بع..نف
– ميخصكيش علفكرة!
– انت إنسان همجي واسلوبك عدواني! استحالة البنت تعرف تتأقلم معاك!
أشاح بيده
– يا شيخة اتنيلي.
شهقت بـعنف وصـاحت بإهتياج
– انت قليل الأدب
رمقها بـغضبٍ جامح وصـاح فيها بصوتٍ جهوري
– مين دا اللي قليل الأدب يا انثى البرص انتي!
اشـارت على نفسها بـصد..مة
– انا انثى البرص؟
ربع يديه أمامه وتحدث بـجمود
– اها..
تـابعت صراخها تلك المرة بـإنفعال
– لااااا انت زودتها اوي يا حضرت!
صدرت منه ضحكة سـاخرة واردف في إستهزاء
– وانتي نقصتيها يا أبلة.
خبطت المديرة بكفيها على المكتب وهي تهـدر
– بس خلاص، اتفضل يا أستاذ ياسين اقعد، وانتي يا روان، بطلي الدبش اللي بترميه دا.
نفخت “روان” خديها بـحنق، واضطرت مجبرة الجلوس في هدوءٍ مزيف، بينما جلس ياسين أمامها يرمقها بحاجب مرفوع وعينين تُطلقان أسهم حادة…
شبكت المديرة يديها أمامها على المكتب وقـالت
– امسحها فيا يا أستاذ ياسين، روان دبش شوية بس.
قـال بتهكم
– شوية!!!
صـاحت روان فيه
– قصدك ايه؟
اوقفتها المديرة بـحدة
– روان!
استكانت روان ظاهريًا، بينما داخلها كانت تود الإنقاض على هذا المتعجرف وخرمشة وجهه الوسيم بأظافرها!
– ايوه مش فاهم، وهي مالها البت جاية منكوشة ولا عريانة حتى!
كـادت المديرة أن تجيبه ولكن روان انفجرت فيه صارخة
– يرضيك بنتك تقعد مع زمايلها اللي لابسين هدوم نضيفة وشعرهم مهندم بلبسها وشعرها دا؟
اومـأ بهدوءٍ