روايات

حتة من قلبي

– آه يرضيني!

توسعت عينيها بـصدمة من وقاحته المُفرطة والتي تسبب لها نيران شديدة الحرارة تموج داخل صدرها!

قاطعت “رجاء” المديرة شجار كان سيُستأنف للتو بـقولها

– يا أستاذ ياسين مينفعش دا يبقى منظر البنت في أول يوم حضانة ليها، خاصةً ان هي أول مرة تيجي الحضانة هنا والمكان مش هيكون مألوف بالنسبالها، والحقيقة انا مشوفتش اي حماس على وشها زي باقي الأطفال! هو انتوا بتعذ.بوها؟

قالت جملتها الأخيرة بـهمس…
فـ أجاب ياسين مرددًا

– يعني مشكلتكم في لبسها؟

تحدثت روان

– آه.

نـظر لها ياسين بـحنق واردف

– انتي مال أمك انتي حد وجهلك كلام؟

تنحنحت “رجاء” بـحرج وقـالت

– انت كدا بتغلط فيا يا أستاذ ياسين!

رفع حاجبه بـد..هشة وقـال بثبات

– انتي أمها؟

اومـأت رجاء فـ تحدث ياسين ببرودٍ أثار غيظها أكثـر

– نصيحة مني ابقي ربيّ بنتك، لا أحسن يزقلوها بالطوب ببجاحتها دي.

اشارت روان على نفسها

– بقا انا اللي بجحة يا جحش؟

هـدر في وجهها كـأسدٍ شرس

– ايوه يا اختي بجحة وستين بجحة كمان، دا ايه المصايب اللي بتتحدف علينا دي.
تمتم بتلك الكلمات وهو يهم بالإنصراف، وقبل أن يخرج التفت وقال لرجاء بتهذيب

– معلش يا مدام، هآخد البنت معايا.

اومأت له رجاء وهي تبتسم في وجهه بلطف، فـ استدار برأسه ناحية روان، وقبل أن يذهب أخرج لسانه لها بحركة صبيانية مشاكسة جعلت الدماء تفور في جسدها، كم توّد الفتّك بهذا الرجل البربري!!

#الفصل_الرابع

ألقاها فـ تلقتها أماني داخل أحضا..نها تخفيها عن ياسين الغا..ضب الذي صـر..خ فيها بـقسو..ة

– انتي عايزة ايه يا بت انتي بالظبط!

تحدثت وداد مدافعة عن الصغيـرة

– هي عملت ايه بس يا ياسين

صـاح منفعلًا

– لا عملت ولا أعمل، البت دي مش هتقعد في البيت دا ثانية واحدة..معدتش طا..يقها

تحدثت أماني بـحدة

– ياسين، البنت دي شايلة اسم عيلة المرشدي، ومش من الاصول نرميها في الشارع!

ابتسم بـتهكم وقـال

– عيلة المرشدي طول عمرها مُفككة، فـ متجوش تعملوا فيها عيلة كبيرة ومترابطة وانتوا هتموتوا وتنهشوا في بعض

لم تعلم ما دخل ما تقوله في ما يقول! لا بد وأن ابنها يمقت العائلة كثيـرًا، فـما فعله والده به ليس هينًا!

ملست على خصلات الصغيـرة ونظرت لوداد قائلة بهدوءٍ

– خدي چوري لأوضتها يا وداد…

اومأت وداد والتقطت كف الصغيرة وتحركت بها نحو الأعلى، بينما زفـر ياسين بـحنق وقـالت أماني بـوِد

– تعالي نتكلم شوية يا حبيبي

ظهرت ملامح الرفض على وجهه جليًا، فـ توسلته بعينيها قبل لسانها، وبـقلة حيلة انساق خلفها صوب غرفتها هي ووالده

جلست بجانبه على الأريكة بالغرفة، وتحدثت بصوتها الحاني

– لحد امتى هتفضل قاسي ع البت كدا؟ حرام عليك يا ياسين، دي بنتك..حتة منك!

غمغم بـرفض

– استحالة اقبلها

مالت برأسها في خزي وقالت

– مش يمكن لما تقبلها، تلاقيها الملجأ اللي مقدرتش تلاقيه فينا؟ يمكن تكون هي الشخص اللي يشاركك كل حاجة انت مرضتش تشاركها معانا؟

كـاد يعترض على حديثها فـ تابعت في حزم

– رفضك وبُعدك عننا معروف سببه، اللي مش معروف بقا ليه بتبعد عن أخواتك اللي ملهمش اي ذنب في اللي أبوك عمله؟ والأهم ليه بتبعد عن البنت اللي نزلتلك من السما نجدة ليك؟

قـال بإقتضاب

– مفيش سبب

وبكل صراحة العالم، وبجرأة أخفتها سنواتٍ

– انت كداب يا ياسين، ايوه كداب، انت أناني مبتفكرش إلا في نفسك، زعلان من أبوك عشان أجبرك تشتغل شغلانة انت مش عايزها؟ أجبرك تسيب جامعتك اللي دخلتها بطلوع الروح عشان تمسكله محلاته؟ طب إخواتك ذنبهم ايه؟ ذنب براعم البريئة اللي بتحاول تقرب من أخوها بأي شكل دي ايه؟ ذنب آسر اللي بيدور على أخوه القديم دا ايه؟ ذنب ناصر اللي بيدور على سند ليه ايه؟ ذنب وداد ايه؟ ذنب البنت البريئة اللي كل اللي تعرفه عن الحياة انها كلمة ايه؟ ذنبي انا..ايه يا ياسين؟

تهدجت أنفاسها بسبب كثرة الحديث المُر، كـالعلقم قابض المذاق عليها، سببًا في قطع أنفاسها عنها كما قُطعِت روحها عنها بعد إبتعاد أبنائها عن بعضهم البعض

– قوم يا ياسين، قوم وإلحق الدنيا قبل ما تخرب، قوم يا ابني، إخواتك محتاجينلك، بنتك محتاجالك!

وتلك كانت اللحظة الفارقة في حياة ياسين، وكـأنه ينتظر دفعها له على مواجهة المزيد، وكـأن كلمة والدته هي الدواء الذي حارب الداء المُتسبب فيه والده، لطالما كانت الحض..ن الدافئ له ولأخواته، دائمة..صامدة..قوية..مُحاربة، تقاوم الصعاب وتواجه بشراسة كل من تسول له نفسه بأن يؤذي أبنائها!

❀❀❀

انتهى دوام براعم وســارت مع سحر للخارج تتحدث معها في مواضيعٍ شتى، ظلت تضحك معها وتتسامر واندمجت حتى انها نسيت إلقاء بصرها على هذا الأحمق “طارق”، يبدو انها قد ملت من تجاهله لها فـ قررت الإنصراف عن الحملقة به!

خرجا من بوابة الجامعة وودعت براعم سحر التي قالت لها

– طب تعالي اوصلك وسيبي عربيتك، دا أخويا هيوصلنا…

وأشارت على سيارة في الجهة الأخرى، ولكن براعم رفضت مبتسمة في ود

– مرة تانية يا سحور، معلش يا حبيبتي لازم امشي حالًا، يلا سلام…

تنهـدت سحر بـإحباط وهزت رأسها موافقة، فـ تركتها براعم وذهبت، بينما مرت هي الجهة الأخرى ووصلت للسيارة وركبتها قائلة

– صبح صبح يا عم فيرو

أغلقت الباب فـ اصطدمت بيده تلتصق برأسها وهو يقول بمشاكسة صبيانية بحتة

– صبّح يا زُئردة

فركت رأسها ممتعضة بـغض.ب مصطنع

– ايه الغشومية دي يا فِراس الله..

ابتسم ساخرًا وهو يعدّل نظارته في حركة معتادة

– عشان تبطلي تقولي فيرو دي تاني، يا بت اتلمي انا اخوكي الكبير!

استطاع تمييز ضحكتها الساخرة من تحت نقابها والتي بعدها قالت

– طب سوق على مهلك سوق…

هز رأسه بـقلة حيلة وهو يضحك..
فـ عاودت سؤاله

– عملت ايه في أول يوم معيد في الجامعة بتاعتنا بقا؟ حبيتها؟

أومـأت وتركيزه منصب على الطريق أمامه

– ايوه، يعني مش زي ما كنت فاكرها بس حلوة..

لوت سحر شفتيها في سخرية لاذعة وقالت

– اش اش اش، من امتى وانت بتتنك كدا يا سي فيرو؟

رمقها بطرف عينه وتحدث

– بت..انا لو لطشتك بكف ايدي على وشك هتلزقي زي البرص في باب العربية..فـ اتلمي بدل ما ألمك..

زفرت حانقة وهي تتمتم بسخط

– يوه هو كل يوم بقا…

«فـي المسـاء»

– مساء الخيـر، طل.قني!

امتعضت ملامحه وقـال

– يا ستير يا رب، طل.اق كدا ع الريق؟

صرخت فيه بـإندفاع

– انا مبهزرش يا عصام، طل.قني بقولك

زفـر حانقًا وتـابع

– يا بنتي اهدي بس، أطل.قك ليه انتي مش مكلماني الصبح وقايلالي انك مستنياني أرجع بخير وعملالي مفاجأة؟

ابتسمت بـسماجة

– ايوه ما هي دي المفاجأة، طلقني

ضرب كفيه ببعضهما

– لا حول ولا قوة إلا بالله، انتي عبيطة يا بنتي؟

شهقت بعنف وهـدرت بإنفعال

– عبيطة؟ آه قول بقا انك معدتش طايقني وانك شوفتلك شوفة تانية في لندن، ما أكيد هناك المُزز على قفا مين يشيل

تنهـد بـهيام وأردف

– الحقيقة..فيه كتير

لكزته في صدره بقوة قائلة بحنق

– اتلم!

انفجر ضاحكًـا والتقط كفها مُقبّلًا إياه بـحب وقال

– انتي عارفة اني مبشوفش غيرك اصلًا

ردت في تهكم

– ليه؟ اتعميت!

نفض كفها وأنتفض واقفًا وقال في ضيق

– انا غاير من وشك، دا انتي بت تسدي النِفس

تخطاها وتوجه ناحية المطبخ لأماني، فـ هدرت من خلفه بعلو

– بكرا تجيلي حافي عشان ارجع معاك البيت يا معفن..

هبطت چويرية من الأعلى ببطء، تُقدم قدم وتبطئ الآخرى، ولكن ما باليد حيلة..إضطراب بطنها والزقازق الصادرة منها جعلتها تهبط مجبرة، لم تعتاد على العيش بلا طعام!

وقفت على عتبة المطبخ تتابع أماني التي ترص طعامًا على الصنية، وما إن التفتت حتى اختلست الصغيرة الصنية وحملتها بصعوبة، وركضت بها خلف الدرج ووضعتها أرضًا وتربعت تُعطي ظهرها للدرج وبدأت تأكل بـنهم…

– صباح الريحة الحلوة يا أحلـ…..ايييه داااا الأكل فين يا ولية؟؟
صـاح بها عصام عندما وجد الطاولة خالية من الطعام..فـ استدارت أماني سريعًا بفزع، نظرت للطاولة بعفوية ولم تجد شيء، فـ قالت مُدافعة

– والله يا ابني كانت هنا!

ابتسم متهكمًا وقال

– لأ بصي، الكلام دا ميدخلش عليا، اطلعي بالأكل يا حَجة متخلنيش أعملها معاكي

عنفته بـحدة

– اتلم يا ولا

ربع يديه بعبوس وزم شفتيه حانقًا

– يبقا اتفضلي هاتيلي أكلي وانا هتلم، بدل ما والله أكلك انتي!

دخلت براعم من باب المنزل المفتوح فقد كانت تجلس بالحديقة الخلفية للمنزل ودخلت عندما شعرت بالعطش، في نفس الوقت الذي كان ياسين يهبط فيه وآسر بجانبه يبحث عن چويرية التي أختفت فجأةً أثناء لعبهم سويًا…
اصطدم الثلاثة في طريقهم للمطبخ بـچويرية الجالسة أسفل الدرج تلتهم الطعام في جوعٍ شديد، شهقت أماني التي خرجت للتو وهي وعصام يبحثون عن صنية الطعام، وجحظت أعين براعم من هذا المشهد المُحزن! أما ياسين فـ تسمر مكانه بصدمة يحملق فيها بعدم تصديق، ربما رقّ قلبه ولو مثقال ذرةٍ لتلك الصغيـرة الشبيهة به!
توقفت عن الأكل واستدارت لهم لتجدهم متجمهرين خلفها ويطالعونها في شفقة، حاولت إبتلاع الطعام الذي حُشِر في فمها ولكنها لم تستطع، إذ توقف في حلقها فـ سعلت بـقوة، وكان أول من اندفع..هو ياسين!

التقط كفها الصغير بين كفيه الغليظين بهدوءٍ، وربت على ظهرها بـقوة بعض الشيء، جاءته وداد بكوب ماء فـ التقطه وأسند الصغيرة لترتشفه رويدًا،
زالت الغصة..وزال الحاجز..واحتضن الأب كف الإبنة..وسـار بها إلى طريق الحنان..!

تنهـدت أماني بسعادة وهي ترى إبنها قد بدأ يتقبل وجود قطعة منه، بينما ارتفع جانب شفاه ثروت ببسمة هادئة رزينة، أمـا وداد وبراعم قد ناظرا بعضهما البعض بإبتسامة سعيدة..
آسر المشاكس الذي همس لـناصر بشقاوة

– عقبال ما نشوفك ماسك ايد بنتك

تغضن حاجبي ناصر بـإنزعاج وهدر به

– اتلم يا مقصوف الرقبة

وكان عصام وكأن على رأسه الطير، هو فقط أراد طعامه! لماذا كل هذه الدراما!!!

– يعني انا الوقتي هآكل ايه؟

قالها بتساؤل وحيرة وسط سعادة الجميع!

❀❀❀

انتهى ياسين من غسل يدين الصغيرة وبدّل لها ثيابها بهدوءٍ، أما هي فـرغم قوتها الظاهرية إلا انها طفلة تخشى عقاب هذا القاسي متحجر القلب…

انتهى وجلس على الفراش، فـ هبطت الصغيرة من وقفتها على الفراش جالسة بجانبه، كان مظهرها يوحي بأنها ابنته بالفعل، فـ الشبه يُذهل المشاهد..
تنهـد بـتعب، فـ تنهدت بإرهاق..لعب في خصلاته لا يدري كيف يبدأ الهُدنة معها، فـ لعبت هي الأخرى بخصلاتها في حيرة كيف تبرر له انها كانت جائعة..
وبين هو وهي تحدثا في الوقت ذاته

– أنا…..

أشـارت له بالحديث قائلة

– الكبير الأول

فـ تنفس بعمق وقـال

– ممكن نتصالح؟

ابتسمت ببلاهة ونظرت له بعدم فهم، فـ عاود القول

– نعمل هُدنة يعني من غير خناقات وكدا

ضيّقت عينيها بـ شك، فـ تابع بحزم

– متبصليش كدا، عاجبك ولا لأ؟

تنهـدت بعمق وردّت

– والله..موعدكش

انت في الصفحة 5 من 10 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
34

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل