
حصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الإثـ،ـم الأول ❤️🩹 بعنوان ” ليلة بكى فيها القمر ”
الحياة ماهي إلا مجموعة من الخيارات التي من شأنها أن تُغرقنا في سَفح الهاوية ،أو تُنجينا من أهوال يشيب لها الوجدان، ولكن ماذا لو كانت جميع الخيارات تصُب في غوط جهنم؟ فيجد الإنسان نفسه حائرًا بين ألم لا يبرح و غضب لا يهدأ. هذا الصراع المُضنِي يقود العقل إلى مُنعطف خطر تحمل جدرانه طلاسم المُعاناة و نقوش الوجع الذي يتفاقم بكل خطوة نخطوها في ذلك الطريق الذي و بكل أسف كان بمحض إرادتنا.
نورهان العشري ✍️
_ ادخلي يا عروسة برجلك اليمين.
هكذا تحدثت «عنايات» ،وهي تنظر إلى تلك العروس التي كانت ترتعب كورقة في مهب الريح تناظرها بأعيُن يفترش الحزن مآقيها ،ولكن يأبى خوفها ذرفه، فحدجتها المرأة بنظرات دسيسة قبل أن تلتفت إلى النساء من خلفها ؛لتقول بنبرة حادة :
_ ما تزغرطي ياختي أنتِ وهي مش فرحانين لابن سلفكوا الكبير ولا ايه ؟
أجابتها أحد النسوة بلهفة:
_ عنينا ياختي هنزغرط هو انا احنا عندنا اغلى منه؟!
انطلقت الزغاريد من بين أفواه النساء المُكرهة لتلتفت «عنايات» إلى هذا الجمع الذي يقف أمام عتبة منزلها الكبير و هتفت بسماجة:
_ لحد هنا و خلاص يا غوالي. وصلتوا الأمانة كتر خيركوا. دوركوا انتهى لحد كدا. يالا بقى عشان تلحقوا العشاء وهو سخن.
همهمات معترضة و أخرى مُستنكرة خرجت من أفواه النساء لتهتف «صابرين» بنبرة مُعاتبة:
_ خبر ايه يا حاجة أم رأفت؟ ايه الكلام اللي بتقوليه دا مش اطلع اطمن على بنتي؟
شهقت «عنايات» بطريقة سوقيه قبل أن تحاوط كتف «غنى» التي كانت مُرتعبة من أن يتركها أهلها وحيدة بين هؤلاء الناس المُريبين لتهز برأسها يمينًا و يسارًا بينما عينيها تتوسلان لوالدتها بألا تتركها معهم؛ لتهتف «عنايات» باستنكار:
_ بنتك! بنتك ايه يا دلعدي. دي بقت بنتنا خلاص. كدا ولا ايه يا نسوان؟
كانت تُشير إلى النساء اللائي يُحيطن بها لتُجيبها خادمتها قائلة بتأكيد:
_ طبعا يا ست عنايات . اومال ايه.
لتقول «عنايات» بسماحة و صوت مُرتفع:
_ طب يالا قولوا ورايا. خدناها . خدناها.
أخذت النساء تُردد خلفها كلماتها التي كانت كالصُراخ على مسامع «غنى» فقد تعاظم الألم داخلها يوازيه الخوف بصدرها وهي ترى والدتها تتخاذل أمام كلمات «عنايات» التي كانت تصفق و هي تشدو و تُطلق الزغاريد التي وصلت إلى أُذنها كالعويل لتقوم بإدارتها و التوجه بها إلى ذلك المكان الذي من المُفترض أنه بيت الزوجية و شقتها مع ذلك الرجل الذي اختارته زوجًا لها ، ولكن مهلًا.. لم تكُن هذه شقة أحلامها ولا هذا المكان هو الذي تُريد البقاء به الباقي من عمرها و حين وقعت نظراتها على تلك الصورة المُعلقة لذلك الشاب الذي من المُفترض أنه أصبح زوجها شعرت بغصة قوية داخل صدرها، فعلى الرغم من وسامته فلم يكُن هو رجُل أحلامها. بدأت غيمه الغضب في التلاشي من أمام عقلها لتشعُر بغُربة قوية داخل هذا المكان، فانتابتها رغبة قويه في الهرب لتشرع في تنفيذها و الإلتفات إلى الخلف، ولكنها لم تحسب حساب أن الغزال حين يسقط بين براثن الذئاب يكون النجاة أمرًا مُستحيلاً.
_ راحة فين يا ست البنات ؟ مش تيجي افرجك على شقتك؟ دي البنات كلها في الكفر بتحسدك عليها، و على عريسك زينه الشباب. تحطيه في عيونك.
كانت كلماتها تبعث النفور فيها . تُشبه نظراتها التي تُخفي شيئًا آخر خلف قناع اللطافة التي تحاول إقناعها به، ولكن كعادتها لا تعطي لأحد فرصته في التفكير أو الحديث فقد جذبتها بقوة من كتفها و قامت بإدارتها لتُدخلها أحد الغرف التي كانت كما يُسموها في مجتمعهم غرفة الأطفال، فلم يكُن أساسها سيء ولكنه يفتقد إلى الذوق و يتميز بكثرة النقوش و الزخرفة التي جعلت عينيها تنفر من المكان، و داخلها يستنكر أن ينشأ أطفالها في هذا المكان ثم تابعت جوله استكشاف الشقة برفقتها وبداخلها يتعاظم الاحساس بالنفور وربما الندم الذي قمعه العقل الأرعن الذي تحكم به شيطان الانتقام ليؤكد لها بأنها على الطريق الصحيح، و أن ما فعلته كان الخيار الصائب
_ و دي بقى اوضة النوم. يعني الدلع كله. بصي ستايرها حمرا، و سجاجيدها حمرا، و يارب يجعل كل لياليكوا حمرا كدا.
أنهت «عنايات» حديثها وهي تُطلِق ضحكة رقيعة جعلت جسد «غنى» ينتفض هلعًا، فلم يُعجبها مظهرها لتسقط جميع الأقنعه في تلك اللحظة و تقترب منها بعينين حادتين و ملامحه جامدة و بنبرة جافة متوعدة حادثتها:
_ لا بقى. ماهو مينفعش كل ما أكلمك كلمة تتخضي كدا. لازم تردي عليا و تقولي حاضر يا ماما. هو انا مش ماما ولا ايه ؟
نبش الذُعر حوافره في صدرها و أحدثت دقاته صخب قوي داخلها جعل الكلمات تخرج مندفعة مُرتبكة تصاحبها حشرجة البكاء المكتوم داخل حلقها:
_ أيوا. ما. ماما.
فهمت «عنايات» أنها في طريقها الصحيح لذا خففت من لهجتها حين قالت:
_ طب اقعدي يا غنى اقعدي يا حبيبتي مالك خايفة كدا ليه ؟ انتِ بقيتي وسط اهلك وناسك.
لن يقوى الحديث على رفض أمرها لذا قالت «غنى» بخفوت:
_ حاضر.
«عنايات» بسماجة:
_ هطلع انا أشوف اسم النبي حارسه رأفت و أنتِ لفي لفة في الأوضة كدا و غيري على ما اجبلكوا الأكل.
خرجت «عنايات» تاركه خلفها قلب يحترق خوفاً كقط بلا أنياب سقط في عرين الأسود. أخيرًا استجابت قدماها و طاوعتها لتجلس فوق أقرب مقعد تاركه العنان لبضع قطرات من الألم لتتدحرج فوق وجنتيها التي لطختها تلك الزينة التي كرهتها كما كرهت كل شيء يدور حولها، فأطلقت العنان لآهات مكتومة أن تعبر من بين شفتيها ليتردد صداها بقلبها الذي كان جريحًا غاضبًا يُناطحه عقلًا أهوج لا يرتضي بغير الإنتقام بديلًا ؛لذا محت عبراتها بأناملها المُرتعشة وهي تُذكِر نفسها بأنها على صواب، فهذا هو الخيار الوحيد الآن بعد ما أصبحت في بيت رجل آخر لا يُشبه صاحب العيون العسلية الذي يحيا القلب على أنغام دقاته.