منوعات

ذنوب على طاولة الغفران بقلم نورهان العشرى الاول

كانت تغلي من الغضب و الحزن إضافة إلى القلق الذي كان ينشب مخالبه في صدرها على فلذة كبدها و شقيقها الذي منذ أن علم ذلك الخبر المشؤوم وهو غائب عن البيت لا تعرف عنه شيئًا، ولا تعلم أي طريق قد يوصلها إليه؟
توجهت هيام إلى شقيقها «يزيد» الذي كان مُنكبًا على كتبه لتقول بقلق:
_ واد يا يزيد. قلبي واكلني على أخوك. من وقت ما عرف بخبر جواز المدعوئة دي وهو اختفى مظهرش. ليكون جراله حاجة؟

عدل «يزيد» من وضع نظارته فوق أنفه قبل أن يُجيبها قائلًا :
_ خايفة لا يكون جراله حاجه؟ ماهو اكيد جراله حاجه فعلًا .

ذُعِرت «هيام» من رد يزيد فشهقت بصدمه اتبعتها بصياحها الغاضب :
_ الله يخربيتك بتفول على أخوك يا حيوان؟

«يزيد» بهدوء كعادته غير مُبالياً بصراخها:
_ لا مش بفول دي حقيقة مؤكدة. خليكِ معايا واحدة واحدة هو ربنا أدانا العقل ليه؟ مش عشان نستخدمه؟

«هيام» بقلق :
_ ايوا ياخويا عشان نستخدمه.

«يزيد» بسلاسة :
_ طب دا واحد البنت اللي بيحبها طول عمره اتجوزت واحد غيره. عايزاه يقعد يلعب دور دومنة عالقهوة مثلًا ! ما أكيد منهار في أي مكان.

تعاظم الجنون بداخلها من ثباته فصاحت بانفعال :
_ ولما انت متأكد أن اخوك منهار يا عرة الأخوات قاعد هنا تعمل ايه؟ بدل ما تجري تدور عليه قاعد زي خيبتها!

كعادته بقى هادئًا حد الاستفزاز وهو يُجيبها :
_ عشان مش من مصلحته اني أظهر دلوقتي.

«هيام» بعدم فهم:
_ اشمعنى يا فيلسوف عصرك و أوانك ؟

«يزيد» بهدوء :
_ يعني دا اخويا الكبير هل هيقدر يبين ضعفه قدامي ؟ يعني لو هيعيط مثلا اكيد مش هيعيط في حضني، فأنا مفروض اسيبه يهدا كدا مع نفسه و ينهار زي ماهو عايز، وبعدين هتلاقيه داخل من الباب دا يرزع فينا زي ما بيعمل، و هنا بقى بيجي دوري. استحمل ايديه المرزبة وانا طالب في كلية طب قد الدنيا جايب مية في المية في الثانويه العامة، و استحمل اخد بالقفا عشان الأستاذ ياسر يتبسط.

اغتاظت من حديثه رغم أنه يحمل بعض الصواب فهي تعلم كم أن شقيقها ذو كبرياء ولن يقبل أن يرى أحد ضعفه ولكنها هتفت مغتاظه:
_ انت ايه ياض انت كل شويه قارفنا انا في كلية طب في كلية طب ما ياسر كمان مخلص كلية خدمة اجتماعية على سن و رمح !

«يزيد» بسخرية طفيفة:
_ أيوا بس كان جايب درجات حرارة في الثانوية العامة.

حين همت باجابته سمعوا صوت صُراخ أتى من الخارج فهرولت و خلفها يزيد لرؤية ماذا حدث ؟

_ رجعالنا وش الصبح ! فاكرة نفسك في بيت أهلك ولا فاكرة ان عشان جوزك مسافر مش هتلاقي حد يقولك عيب و يوقفك عند حدك!

أخذت «أشجان» تتلفت حول نفسها بخجل من نظرات الجيران الذين بدأوا يخرجون من بيوتهم لمشاهدة ما يحدُث لتهتف بتوسل:
_ خلاص يا ماما دخليني الولاد بيناموا على نفسهم و نتكلم بكرة الصبح.

«مديحة» بتهكُم:
_ ولما أنتِ عارفه أننا في وقت ليل و العيال عمالين يتقطفوا على ايديكِ راجعه متأخر ليه ؟

«أشجان» بانفعال :
_ كنت في فرح بنت خالتي وأنتِ عارفه.

_ عارفه! عارفه ايه يا عنيا ؟ هو في ست محترمة تروح فرح من غير جوزها، و دا منظر ! امشي اجري على بيتكوا ولما حضرة الظابط أمين يرجع من شغله هيوريكِ العين الحمرا. يالا امشي غوري.

تراشقت الإهانات بصدرها و احتقنت دموع الغضب و القهر بعينيها فهي تعلم ماذا سيحدُث ما أن تذهب الى بيت والدها و كيف ستعود مذلولة مكسورة الجناح و القلب لذا أرادت أن توفر على نفسها هذا العناء فقالت بلهجة مكسورة :
_ حقك عليا ماما أنا أسفة، و مش هخرج من بيتي تاني. ممكن تسمحيلي ادخل ؟

ارتضى غرور المرأة المريضة بكلماتها المقهورة و عينيها المكسورة، و لكنها لم تكتفي بل تابعت باحتقار :
_ وماله يا عين ماما، تعالى استني في المدخل. لحد ما جوزك ييجي من شغله، و يبقى هو يشوفله صرفه معاكِ، احنا ولاد أصول بردو.

دُهِست كرامتها للمرة التي لا تعرف عددها وهي تضع طفلها بجانب شقيقته في الفراش و تهبط إلى الأسفل لتنتظر زوجها في الأسفل كما أجبرتها والدته لتهطل دموعها بصمت فقد كانت مُعتاده على هذا القهر و تلك المُعاملة السيئة من جانبها، ولكنها لم تكُن تملك جدار صلب يُمكنها أن تتكأ عليه، فهي تعلم ماذا سيحدُث عندما يأتي زوجها المُبجل.
_ قاعده بتعملي ايه هنا يا أشجان؟

اخترقت كلماته سمعها فقد انخرطت في دوامة مآسيها و لم تلحظ قدومه لترفع رأسها إليه فحين التقمت عينيه مظهرها زفر حانقًا فقد توقع ما حدث ليتخطاها إلى حيث تقف والدته التي ارتدت قناع المثالية وهي تقول بنبرة لينة:
_ حمد لله على السلامة يا حضرة الظابط. نورت بيتك يا قلب أمك.

قام بتقبيل يد والدته قبل أن يعانقها قائلًا :
_ دا نورك يا حاجه.

ثم ألقى نظرة ساخطة على تلك التي تبكي في الزاوية وقال بحنق:
_ عاملين ايه ؟

تلونت الحرباء بلون الضعف قبل أن تقول بحزن أتقنت تزييفه:
_ والله يا ابني ما عايزة اضايقك بس اعمل ايه! أشجان و عنادها ما انت عارفه. يرضيك كدا عشان بقولها اتأخرتي ليه يا بنتي العيلين نايمين على ايديكِ. تقوم تزعقلي و تتخانق معايا و تحلف ماهي طالعه اوضتها غير لما ترجع و تشكيلك مني!

التفت «أمين» بغضب إلى «أشجان» التي أخذت تنفي ذلك الحديث الكاذب بهزات من رأسها ليقول مُعاتبًا:
_ يعني بقالي خمسة و عشرين يوم غايب عن البيت، و أنتِ مش قادرة تمسكي نفسك لحد ما ارتاح. مقبلاني بالنكد و الهم!

ما أن أوشكت أن تُجيبه حتى نهرها قائلًا :
_ ولا كلمة. اطلعي على فوق يالا.

أخيرًا انتهت جلسة تعذيبها لتهرول إلى الأعلى وهي تبكي بقوة كما لو أنها لم تبكي من قبل، ولكنها توقفت أمام باب شقتها حين وصل إلى مسامعها كلمات تلك الحية المسمومة:
_ يا ابني شخط فيها كدا ليه قدامي ؟ مش كنت تسمعها الأول. مش ذنبها دي عيلة و هبلة و ملقتش حد يوجهها أمها دايرة تخدم في البيوت، و مبتقولش لعيلة فيهم عيب وغلط.

هكذا اكتمل كل شيء كما هو العادة تُهان و يُلقى باللوم عليها ثم يأتي الدور على والدتها ليكتمل عذابها و ينهار جزء من قلبها الذي أصبح فُتات.

مر وقتًا لم يكُن طويل بقدر ما كان ثقيل، فمن الأكيد أنه بقى في الأسفل يُراضي والدته قبل أن يصعد و يكُمِل ما بدأته، و ها هو يقترب منها بعد أن أخذت حمامًا ساخنًا عله يمحي تلك الإهانات التي علقت بقلبها جراء ما حدث بالاسفل، ولكنه لم يكترث لملامحها الشاحبة ولا لعينيها التي تفجرت بها البراكين من فرط البُكاء كل ما يشتهيه كان جسدها الذي يُصيبه بالهوس فيقترب منها يحاول التهام حسنه بينما هي تود التقيؤ من فرط التقزُز من لمساته، فلو يكُن رحيمًا بها ولو لمرة واحدة ستُعطيه أكثر مما يطلب ولكنه كان ظالمًا قاسيًا في كل شيء
_ انا جهزتلك العشا.

هكذا قالت وهي تتملص منه تريد إعطاء نفسها بعض الوقت لكي تتأهل لما يُريده داخليًا، ولكن ذلك لم يكُن يُعجبه فقد اعتبره إهانة لنزعته الذكورية و لكنه كان بارع في إخفاء كل ما يجول بخاطره لذا تراجع عنها بشق الأنفس وهو يقول بلا مُبالاه
_ تصدقي أنا جعان اوي، و كمان تعبان. هاتي الأكل، و غيري اللي أنتِ لبساه دا أحسن مبين تخنك أوي أنتِ بقيتي عجله كدا ليه؟

كان قاضيها و جلادها ولكنه لم يكُن يمتلك ذرة شفقة واحدة تجعله يلتفت إلى الوراء ليرى فداحة كلماته على ذلك القلب الذي تناثرت دمائه في كل مكان.

قمعت شهقاتها وهي تتوجه إلى المرحاض بعدما وضعت له العشاء لتحاول الهرب من أمام عينيه و الانهيار وحدها مُتحججه بإفراغها لملابسه و وضعها في آله التنظيف لتتجمد الدماء بعروقها وهي تُمسِك بأحد ملابسه الداخليه حين رأت ..
يتبع ..

انت في الصفحة 4 من 4 صفحاتالتالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل