منوعات

ذنوب على طاولة الغفران بقلم نورهان العشرى الاول

_ في ايه يا بنتي؟ ما تبطلي فرك شويه.

هكذا تحدث «رؤوف» إلى «آسيا» التي كانت تهز بقدمها بعصبيه، و تزفر النير.ا.ن من أنفها فهتفت بضيق:
_ بقولك ايه مش طلباك. انا من غير حاجه هطق أصلًا ولولا أني خايفة ماما تيجي لوحدها دلوقتي مكنتش جيت المكان دا.

_ ايوا ليه هطقي؟ حد يبقى متضايق وهو قمر كدا!؟

كان يُشير إلى ملامحها الجميلة و خاصةً وهي بهذا الفستان الخاطف للأنفاس فكانت عينيه تُغازلها بطريقة أضرمت نير.ا.ن الخجل في صدرها ؛لتحاول نفض ما يعتريها من مشاعر قبل أن تقول بتوتر:
_ انا متضايقة من الناس اللي معندهمش دم دول . يعني مش كفايه مرضيوش يخلوا أمي تحضر فرح بنت اختها عشان تخدم في الحفلة بتاعتهم، و كمان مأخرينها لدلوقتي؟

«رؤوف» بتعاطُف:
_ معلش يا آسيا دا بردو شغلها، و متنسيش أن النهاردة حفله مهمه جدا بالنسبة لهم و يوم مهم عندهم.

«آسيا» بحنق:
_ أنت هتقولي. الست مريهان مبطلتش تقول و تعيد عن أبيه كمال اللي مفيش منه، واللي هيمسك المدير التنفيذي للمجموعة بتاعتهم. بت باردة أن كانت هي ولا الزفته اللي اسمها هايدي دي و لا كمال اللي مدلعهم و مخليهم يدوسوا على الناس.

«رؤوف» بتعقُل:
_ بس كمال دا اسمع أنه مش وحش. بالدليل أنه بعد وفاة أبوة موقفش الأعمال الخيرية اللي كان بيعملها لا دا صمم كمان أنها تكون من نصيبه هو، و أنتِ بالذات شوفتي .دا لولاه مكنش زمانك في الكلية دي دلوقتي يا آسيا.

اغتاظت من تذكيره لها بفضل ذلك الرجل و تلك العائلة عليها لذا هتفت بغضب:
_ تقصد ايه ؟

«رؤوف» بتفهُم لغضبها:
_ اقصد بلاش تحكمي عليه أنه سيء لمجرد أنه بيدلع أخته و بنت أخته. جايز ميعرفش طريقتهم.

هربت من ذلك الحديث فقد كانت مُستمتعه بحنقها عليهم فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تُهدأ من ألمها قليلاً لذا هتفت بملل:
_ بقولك ايه كفايه كلام فارغ انا هدخل اشوف ماما اتأخرت ليه ؟

ترجلت من سيارة «رؤوف» ابن عمها و توجهت إلى بوابة الحديقه الخلفية لذلك القصر المقيت و استأذنت الحرس لتدلف إلى والدتها فقد كانوا يعرفونها منذ أن كانت طفله تأتي أحيانًا مع والدتها التي أخذت تبحث عنها في كل مكان ولكن لم تجدها ليأخذها فضولها كي تقف خلف تلك الأشجار الكثيفة تُشاهد تلك الحفلات التي لطالما سمعت عنها من زملائها في الجامعة التي كانت إحدى منح تلك العائلة لها .مكافأةً لوالدتها على خدمتهم طوال تلك السنوات، فقد كانت تمقتهم بقدر ما تشتهي أن تكون بينهم ترى كل ذلك البذخ و تحيا به لتختبر شعورهم بكل تلك الملذات و الامتيازات التي لم تظفُر سوى بالفُتات منها.

_ تعالي يا دودي شوفي مين هنا ؟

هكذا تحدثت بسخرية تلك الفتاة «ميريهان» إلى الفتاة الأخرى «هايدي» التي قالت باحتقار يمتزج بالمُزاح:
_ ايه دا؟ بنت الخدامة واقفه تتفرج على أسيادها ؟
تجمد جسدها في مكانه من فرط الغضب و الإهانة التي لا تنفك الفتاتين عن إغراقها بها فهي كانت لوحة حية عن الجمال و الذكاء الذي جعلها تتفوق عليهم في الدراسة مما جعل شيطان الحقد يستوطن قلوبهم تجاهها
_ لا يا حلوة منك ليها بنت الخدامة مابتحبش الأفلام الهابطة اللي لايقه عليكوا دي.

كان مظهرها رائعًا رغم بساطته في ذلك الفستان الأسود الذي يلتف فوق جسدها بنعومة و شعرها المتموج خلف ظهرها يُحيط بها كستار من الحرير و وجهها الذي زينته دون ابتذال فبدت جميلة بل فاتنة على النقيض من زينتهم المُبالغ بها و فساتينهم الفاضحة مما جعل شيطاينهم تستيقظ من غفوتها لتهتف «ميريهان» بتوبيخ:
_ لايقه على مين يا جربوعة أنتِ ؟ أنتِ صدقتي نفسك يابت؟

تدخلت «هايدي» بوعيد:
_ شكلها نسيت نفسها فعلًا يا ميري و عايزة حد يفوقها.

تلاقت الفتيات في ذلك التفكير الشيطاني ليتبادلوا الأنظار بمكر لم تلحظه «آسيا» التي هتفت باحتقار:
_ انا مش فاضيه لسخافتكوا دي. انا وقتي غالي معلش اصل الأولى على الكلية بقى مش زي ناس بيطلعوا بملاحق كل سنة.

تعاظم الحنق بداخلهم لتهتف «هايدي» بغل :
_ مش قولتلك يا ميري عايزة اللي يفوقها!

كانت لهجتهم مُريعه انتفض لها جسد «آسيا» و خاصةً حين وجدت الفتاتين يتقدمن إليها بطريقة بثت الذُعر إلى أوصالها لتقوم «هايدي» برفع يدها و صفع «آسيا» بقوة على وجنتها فلم تستطِع المسكينة تدارك الموقف، فباغتتها «ميريهان» بقطع أحد أكمام فستانها و فعلت «هايدي» المثل لتحاول «آسيا» مقاومتهن ولكن شيطان الحقد تسلط على قلوبهن ليقمن بتمزيق فستانها بقسوة وسط صرخاتها التي غطت عليها أصوات الحفله و صخبها و فجأة توقفن عن فعلهن المُشين حين شاهدو «كمال» الذي كان يخرج من الباب الخارجي للمطبخ وهو يبحث عنهن ليتوجهن بوجوه تحمل قناع البراءة المُزيف ليقول بغضب:
_ كنتوا فين؟

أجابته «ميريهان» شقيقته الصغرى برقة مُصطنعه:
_ أبدًا يا أبيه احنا كنا في بنلف في الجنينة.

«كمال» باستفهام غاضب:
_ بتعملوا ايه في الجنينة؟ و ايه الدم اللى على ايديك دا ؟ و ايه اللي خربشك كدا

كانت تلك الخدوش البسيطة كل ما استطاعت فعله تلك المسكينة التي سقطت بعض قطرات من دمائها فوق يد تلك الفتاة المُخادعة لتقف هي صاحبة الحق مُختبئة خلف أحد الأشجار تستمع إلى حديثهم بقلب يتمزق غضبًا و قهرًا، تخجل من الظهور أمام عينيه بتلك الهيئة المُذرية لتستمع إلى تلك الفتاة «هايدي» تقول ببراءة:
_ أصل يا أبيه احنا كنا في الجنينة بنتصور و فجأة لقينا قطة. قطة مجروحه وكنا بنحاول نساعدها، فطلعت قطة شوارع و قامت مخربشة ايد ميري.

«كمال» بلهفة:
_ وريني ايدك كدا؟
أخذ يتفحص يد شقيقته باهتمام قبل أن يُزمجِر بغضب:
_ ايه التهريج دا؟ حد يقرب من حيوانات الشوارع بالطريقة دي؟ افرضي كان فيها حشرات ولا مليانه جراثيم. تموتي دلوقتي ؟

انتفضت الفتاتان من كلماته الغاضبة لتزرف «ميريهان» عبرات الخديعة وهي تقول بخفوت:
_ سوري يا أبيه أنا كنت عايزة اساعدها.

رق قلبه لرؤيتها هكذا فحاوطها بيديه وهو يقول بحنو شاب لهجته الخشنة:
_ خلاص متعيطيش. بعد كدا متقربيش من الكائنات المقرفة دي عشان متأذيش نفسك.

اومأت الفتاة بصمت كأفعى مُطيعة ليضع «كمال» قبلة حانيه فوق جبين شقيقته و يحاوط الفتاتان بيديه وهو يقول بحنو:
_ يالا افردوا وشكوا بقى عشان نكمل الحفلة سوى، و خليكوا فاكرين أن دي آخر مرة هسمح بالفساتين دي يا هوانم انتوا مبقتوش صغيرين. بقيتوا أنسات زي القمر.

قهقهت الفتيات على حديثه و توجهن معه إلى الداخل تاركين خلفهم روحًا مذبوحه تجاهد حتى لا تُطلِق العنان لصُراخها الذي من شأنه أن يُزعزع ثوابت قصرهم الذي تتمنى أن ينهدم فوق رؤوسهم، فكل هذا القهر لا تحتمله فكيف للضحية أن تُترك مقهورة تبكي في الزاوية و أولئك الأفاعي يحظون بكل هذا الدلال و الحنان؟
حين زاد القهر عن حده تحول لحقد لم كان دخيلًا على قلبها الرهيف ولكنه امتلك زمام عقلها الذي جعلها تهتف بغِل:
_ وحياة كل دمعة نزلت من دموعي لهخلي الأيد اللي طبطبت عليكوا دلوقتي هي اللي ترميكوا في الشارع!

اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك. شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر.♥️

انت في الصفحة 3 من 4 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل