
شهران مضوا على لقائها به.. اندمجت فيهم علي حياه سيدات الأعمال والمرأة العامله… من ندوة لأخرى ومن اجتماع لآخر هكذا أرادت ان تبدء حياتها الجديده التي كانت مؤهله لها فيما مضى ولكنها لم تكن ترى الا حياه اللهو والعبث
بدأت تتغير من أجله… لم تشعر بحبها له إلا عندما فقدته وانتهت رحلت حياتهم
وقفت امام مرآتها تعدل من هندام ملابسها العمليه تنظر بتعمق لملامحها
– هتغير عشانك ياشهاب… هكون شيرين جديده
*******
اندفع صائحاً لا يرى أمامه فمنذ ان علم خبر زواج شقيقته الذي تم منذ ثلاثه أشهر وهو كالمغفل في أعين الجميع لا يُصدق انهم خدعوه هكذا واستغلوا سفرته
– انا تعملوا معايا كده ياشهاب… تستغفلوني
تعلقت نظرات الجالسين في غرفة الاجتماعات التي يترأسها شهاب ويجلس على يمينه أدهم… اشاره من شهاب جعلت الجميع يجمع أوراقه وينصرف
– اقعد زي الرجاله نتكلم
صاح به شهاب بعدما نفذ صبره من صياحه ودفعاته لكل ماهو أمامه
– انا تطلعوني عيل… وانت يابيه ازاي تسمح بكده.. مش ديه برضوه خطيبتك ولا عيشتك في أمريكا نستك النخوه والرجوله
لم يشعر أدهم بنفسه الا وهو يمسك تلابيب قميصه
– النخوه والرجولة ديه اتعلمهم انت مش انا
– بس كفايه اخرسوا انتوا الاتنين… اظاهر ان اخواتي معرفوش يربوكم
– عرفت منين ان لبنى اتجوزت
التوت شفتي عاصم ساخرا وهو يتذكر كيف تلقى الخبر
– من السواق بتاعك … شوف الزمن اعرف ان اختي اتجوزت من واحد شغال عندنا
– لبنى اتجوزت الإنسان اللي بيحبها
هتف بها أدهم يرمق عاصم بنظرات ساخطه.. فتعلقت عيني عاصم به شزراً
– مش قولت قعدتك ف امريكا علمتك قله الرجوله
– عاصم… الكلام معايا انا
احتدت ملامح عاصم وهو يشعر بأستصغارهم له ولم يدرك معنى حديثه الا عندما وقع على رؤسهم
– ايه ياشهاب بيه ولا قولك ياعمي ياكبير العيله يلي الكل بيشهد بعقلك..هنعيد تاني تجربتك.. ما انت اتحديت الكل واتجوزت بنت الوزير وايه اللي حصل بعد كده
الصمت كبل افواههم.. فأرتسم الآلم فوق ملامح شهاب
صرخ به ادهم يدفعه بقوة نحو الجدار
– تصدق انك وقح وعايز تتربى
انتبه عاصم لفداحه ما نطق يقبض فوق كفوفه
– أدهم خلاص… مش هنقعد نجرح في بعض
واقترب من عاصم الذي لم تخمد ثورته رغم صمته
– اختك اتجوزت خلاص.. جوازها بقى امر واقع
تلاقت نظرات عاصم بنظرات شهاب الجامده وكأنه يُنهي حديثهم.. تحرك مندفعاً لخارج الغرفه يتوعد لذلك الطبيب
*******
مسحت دموعها بعدما شعرت بأستصغار مديرها لامكانيتها في التعامل مع الحاسوب بعد أن طلب منها تقريراً عن العملاء وطباعته… لم يكن هذا مجال تخصصها حتى عقلها تشعر وكأنه لم يعد يستعب شيئاً..اقتربت منها هناء زميلتها بالعمل
– متزعليش ياقدر…استاذ فهمي عايز كل واحد فينا يبقي اتنين في واحد ويشتغل اي حاجه
– انا عارفه اني مش مؤهله ياهناء… بس والله بتعلم بسرعه
– طب تعالي اوريكي تعملي ايه ونخلص التقرير سوا
انتهت هناء من كتابة بيانات العملاء وطباعه التقرير تهتف بحماس
– كده خلصنا… عشان نسكت بوز الأخص اللي جوه
******
زمجر بوحشيه وهو يدفع ما أمامه
– انا مشغل بهايم… ازاي متعرفوش سافر فين
اطرق رجله رأسه يستمع لتوبيخه
– عملتها ياشهاب .. انا عارف محدش هيعمل كده غيرك
– هو الدكتور ده مالهوش اهل
رفع الرجل رأسه متمتماً بخوف
– ليه اخت كانت متجوزه وأطلقت من جوزها ودلوقتي عايشه لوحدها وخاله راجل بتاع مزاج…
تجمدت نظرات عاصم وابتسامه شر شقت ملامحه.. اشاره واحده منه جعلت رجله يفهم ان وجوده انتهى
زفر أنفاسه وهو يشعل سيجارته
– اختك قصاد اختي يادكتور
********
صعدت الدرجات بأرهاق ظاهر فوق ملامحها ورغم ذلك كانت السعاده متوهجه في عينيها اليوم بدأت اول حصه لها في دورة الحاسوب وحينا تنتهي من تلك الدوره ستتقدم لدورة اللغه الانجليزيه.. خطط كثيره اردات فعلها ومع حماسها كان الأمل يغمرها
وقفت أمام باب شقة خالها تطرق الباب تنظر إلى الأكياس التي تحملها ورائحة الطعام تفوح منها..
دقائق مرت ولم تسمع صوت خالها لتقطب حاجبيها متعجبه.. فخالها دائماً موجود بالشقه بتلك الساعه
كادت ان تتحرك تصعد نحو شقتها الا ان الباب انفتح فتوقفت تنظر للمرأة الواقفه أمامها تلوك العلكه
– مين انتي ياحببتي
ارتفع حاجبي قدر تنظر لنظراتها التي تفحصها
– أنتي اللي مين
– نعم ياحلوه يعني احنا صحاب البيت وتسأليني انا مين… عجب
ارتدت قدر للخلف بملامح مصدومه بعدما أغلق الباب بوجهها تنظر حولها لتعيد طرق الباب ثانيه فتفتح المرأة الباب صارخه
– في ايه ماقولنا الشقه غلط
– فين خالي منير
– هو انتي قدر..
جذبتها لاحضانها تُقبلها
– ياختي قولي كده من بدري
ابتعدت عنها قدر تلتقط أنفاسها الهادره لتتعلق أعين ” سميرة” بالاكياس التي تحملها
– كلك ذوق والله ياحببتي وبتفهمي
والتقطت منها الأكياس فوقفت قدر مذهوله تبحث داخل الشقه عن خالها
– هو خالي فين
– بيريح ياحببتي شويه.. أصله تعبان
هتفت بها سميره تغمز لها بعينها لتتراجع بخطواتها للخلف
– اه.. طب انا طالعه شقتي
طالعتها سميره وهي تركض فوق درجات الدرج تمصمص شفتيها
– مالها وشها اتخطف كده… هو انا قولت حاجه مش ولا بد
*******
اتكأت بظهرها على باب شقتها بعدما اغلقته تضحك على زوجة خالها الجديدة… لا تعلم كم هو رقمها في زيجات خالها الكثيره
ازاحت حجابها من فوق خصلاتها لتُلقي متعلقاتها فوق الاريكة وهي تبتسم
– مش هتتغير ابداً ياخالي.. ياترى ديه العروسه رقم كام
قطبت ما بين حاجبيها وهي تعد زيجاته السابقه لتزفر أنفاسها من عدم تذكرهم
نفضت رأسها بأرهاق بعدما يأست من عدهم واتجهت نحو المطبخ
– وانا اللي كنت معشمه نفسي على الفراخ المشويه… الجبنه والبيض طلعوا من نصيبي
*******
وقفت كالتائهه تنظر حولها وشعوراً واحداً كان يملئ قلبها… وحيده في بيت والدها ويالها من كلمه ومعنى… والد عاشت سنين عمرها يُحملها غلطة ارتكبها هو وليست هي
– أنتي بقى بنت الرقاصه
ابتلعت غصتها تنظر في أعين المرأة التي أمامها
– انا مش بنت رقاصه انا بنت إبراهيم العزيزي
صفعة قويه هبطت فوق خدها لترفع عيناها نحو الواقفه
– وليكي عين تردي عليا
اتسعت عيني لطيفة ذهولاً وهي ترى عهد ترفع يدها لترد صفعتها
– وكمان بترفعي ايدك عليا
قبضت فوق معصمها ترفع صوتها عالياً
– أنتي هنا زيك.. زي الكرسي ديه أوامر اخوكي محدش طايقك ولا طايق نجستك… صبحه بت ياصبحه تعالي خديها من وشي
صوت واحد كان يتردد صداه في أذنيها يُخبرها بالحقيقه التي ستعيشها
” اهل ابوكي هيجوا ياخدوكي… خالتك وماتت خلاص معدش ليكي مكان هنا ”
********
تناول كأس الماء بأيد مرتعشه… المرض أرهق جسده واصبح يلزم فراشه… ابراهيم العزيزي بقوته انهكه المرض… يالها من حياه لا يُدرك المرء نعمه صحته وقوته الا بعد فوات الآوان
هكذا كان الحج ابراهيم شارداً وهو يبتلع حبة الدواء لتهتف المرأة المسنه التي قضت سنوات عمرها في خدمه هذا البيت
– بالشفا ياحج
– حامد جاب عهد
اماءت السيدة ” رسمية” برأسها فأتسعت ابتسامه الحج ابراهيم
– مدخلتيهاش على اوضتي ليه يارسمية زي ما قولتلك
– الست لطيفه ياحج هي…
ابتلعت باقي حديثها وهي ترى لطيفة تدلف للغرفه تتباطئ في خطواتها تضم بطنها بكفيها وكيف لا تضمها وهاهي ستنجب الولد الذي سيثبت اقدامها بالبيت وأمام عائله زوجها
– عامل ايه النهارده ياعمي
– الحمدلله
واردف بلهفة يتسأل
– فين عهد يالطيفه
وقفت قبالة رسمية تنظر إليها بتوعد
– اول ما جات دخلت اوضتها وقفلت على نفسها… اظاهر ياعمي كرها عيشتنا
سعل ابراهيم بشده وقد تبدلت ملامحه للحزن.. فماذا كان سينتظر حبها له بعد أن رماها لخالتها… ملئت الحسرة فؤاده يغمض عيناه شارداً في الماضي
انسحبت رسمية من الغرفه بعدما حملت صنية الطعام وداخلها يتآلم على تلك الفتاه التي لن ترى خيراً على يدي زوجة أخيها الحاقده
*********
كتمت ضحكتها بصعوبه وهي ترى خالها يُخلص ذراعه من زوجته يضـ,ـرب كفـ,ـوفه ببعضهم حانقاً
– ياساتر عليكي ست… متبته فيا ولا كأني ههرب منك
– صباح الخير
تعلقت نظرات منير بها مبتسماً
– عامله ايه ياقدر…معلش الوليه مكلبشه فيا بقالها يومين معرفتش اطلع اسأل عليكي
اماءت برأسها له متفهمه
– ايه رأيك في سميره
مال منير برأسه عليها يسألها عن ذوقه في اختيار زوجته لتبتسم مُتذكره لقائهم
– شكلها طيبه وبتحبك
تنحنح منير خجلاً يحك فروة رأسه التي غزاها الشيب
– هي فعلا بنت حلال وطيبه… اهي تاخد بحسي في الأيام اللي بقيالي
نفس العباره التي كان يقولها لهم دوماً وبعد شهراً يتم الطلاق ويتزوج من أخرى
– انت رايح فين على الصبح كده
– رايح اقابل فتحي صاحبي.. عقبال عندك شبكته النهارده
صباحاً كان جميلاً بنكهة خالها..مع حياة خالها التي لا تعرف منطق كانت تجد سعادتها التي تنتهي فور دلوفها من باب الشركه التي تعمل بها
*******
عيناه افاضت بحنان تمنت ان تراه منه منذ زمن… تمنت ان تكبر بين احضانه ترفع رأسها بأسمه ولكن كانت دوماً تعلم انه تخلي عنها لأنها جاءت غلطه من راقصه تزوجها على زوجته وأم أولاده
– قربي مني يابنتي… ولا بتكرهيني اوي كده
تساقطت دموعها وهي ترى ذراعيه الممدوده لها
– عندك حق تكرهيني… سامحيني
” تكرهه” كلمه كلما كانت تخرج من قلبها تموت قبلها… احبته بفطرتها احبته رغم تركه لها ونبذها عن حياته.. عاشت كاليتيمه في منزل خالتها ولم تلقي منه إلا المال وزيارات عابره كي يرضى بها ضميره
– كان غصب عني ابعدك عني…
ابتلعت غصتها وهي تغمض عيناها… هي أم اشقائها المجروحين على وفاه والدتهم وفي النهايه كانت هي بره الحسبه فالندم وظلمه لام أولاده جعله ينبذها فأبنة الراقصه كانت لا تستحق الا النبذ عقابً عن والدتها
نهض من فوق فراشه حتى يُقربها منه… تحرك بصعوبه نحوها يمد ذراعيه إليها.. أرادت ان تشعر بحضنه… ولكن قلبها ابي.. ركضت من أمامه تختلي بغرفتها لتجد زوجة شقيقها تفتح باب غرفتها
– تعالي اخوكي عايزك
نهضت من فوق فراشها تمسح دموعها… فالاخ الأكبر اليوم تذكرها ولكن بقية الاخوه لم تسمع عنهم الا حديث لطيفه بمدى بغضهم لها
صفعة قويه كانت أول ما تلقته من يد حامد الغليظه وهو يرمقها بوعيد
– اوعي تكوني فكره ان رجوعك هنا هيخليكي تاكلي بعقل ابوكي .. ولا قرش هتاخديه طول ما انا عايش
********
غادرت المركز الذي تدرس فيه دورة الحاسوب بعد مواعيد عملها لأيام محدده بالأسبوع.. كان الشارع المؤدي للطريق العمومي هادئ فلم تنتبه من اقتراب احدي السيارات منها وفي ثواني كانت حركتها مقيده بأيد أحدهم لم تستطع المقاومه فأعصابها بدأت ترتخي من أثر المخدر لتغلق عيناها ودموعها تتساقط من الخوف
فتحت عينيها بصعوبة بعد وقت لا تعلمه تنظر حولها بهلع ويديها تدور حول جسدها ، ثيابها كانت كما هي فوق جسدها مما جعلها تلتقط أنفاسها براحه ولم تكد تفوق من ثقل المخدر حتى هبت مفزوعة تنظر نحو الباب الذي فتح ثم دلوف أحدهم يفحصها بنظرات قاسية
– انت مين وجبتني هنا ليه
صرخت بهلع متسائلة ، فتعالت ضحكاته مستمتعاً بفزعها
– صوتي على كيف كيفك محدش هنا هينجدك
– عايزه تعرفي أنا مين… وماله اعرفك يا اخت الدكتور
– عمر أخويا حصله حاجه , أرجوك أتكلم
– شوفي انتي خايفه عليه إزاي وهو للأسف مفكرش فيكي
واحتدت نظراته وهو يقترب منها ونظراته توحي بالشر
– مع اني حذرته لو لمس اختي
– لبنى اختك..
نطقتها مصدومه مما سمعته ومع أقتراب خطواته منها جحظت عيناها من الفزع ، تراجعت للخلف تلصق جسدها بالجدار
– انا عاصم العزيزي ياريت تحفظي الاسم كويس عشان تبلغي اخوكي, إن عاصم العزيزي مبيتخدش منه حاجه غصب عنه
– لبنى مراته…
ابتلعت ريقها بخوف من نظراته بعدما نطقت بزواج شقيقها من شقيقته ، ومع أستمراره في الأقتراب منها تمالكت قوتها لتدفعه بقوه راكضه نحو الباب المغلق
تمزق ذراع ثوبها من جذبه ، فعلقت عيناه بذراعها العاري
– رجوعك لأخوكي قصاد طلاق اختي.. وزي الحلوه هتسجلي كل كلمه هقولها ليكي لا إلا
وتأملها كيف تُداري ذراعها المكشوف عن عينيه المتربصة
– هخلي واحد من رجلتي يبسطك اووي…
– ابعد عني ، يا ناس حد سامعني
تركها تدور حول نفسها يتمتع بهيئتها وصراخها ..، هكذا كان يشفي غليله من النساء.. فأكثر ما يكرهه بحياته بكائهن المزيف نحو الشرف والعفة
– قولتلك محدش هنا هيسمعك ولا يعرف ينجدك مني… ها اختاري
صمت اذنيها بأيديها تستجمع قوتها تندفع نحو الباب تطرقه لعلا أحداً يسمعها… الخوف كان يملئ قلبها تعلم أن لا أحد سيشعر بغيابها
– هنفضل كده كتير
واندفع نحوها بعد أن ضجر من صراخها
– هتسجلي لاخوكي وتقولي كل كلمه هقولهالك ولا نصورك كام صوره حلوه ف حضن واحد وأنتي عارفه الباقي
لم تتحمل جنونه ف “عاصم ” لم يكن أمامها الا رجلا افسده المال والسلطه.. بصقت بوجهه تدفعه عنها بكل قوتها
– انت مريض
لم تكن تعلم أن تلك الكلمه ستثير جنونه ، أنتفخت أوداجه من شدة الغضب فالحقيقه قالتها كما قالتها له أخرى من قبل
ارتفع كفه لأعلى ينوي صفعها ومشهد اخر كان يتجسد امامه ولا يعلم لما اليوم يتذكر تفاصيل تلك الليله
اجفله فتح الباب وصوت عمه ” شهاب ” يصدح بالمكان يلتقط أنفاسه بلهاث
– عاصم
الفصل الخامس (5)
لم تكن خطيئتي.
وسرعان ما كانت تتوقف عيناه نحو تلك المرتجفة أمامه
– أنت بتعمل إيه ؟ أنت مش هتبطل أفعالك ديه
– كنت لازم افهم من الاول ان رجالتي الخونه اتباعك ياشهاب باشا… ياكبير عيلة العزيزي
– نقول تاني.. رجوع اخته قصاد اختي
– انت اتجننت… اختك خلاص بقت ست متجوزه
اشتعلت عيناه غضباً
– اتجوزته من ورايا… وانا محدش يعصي أمري
– احب افكرك ان اخويا عايش ووافق يجوزهاله… عاصم بلاش الماضي يخليك تهدم حياه ناس تانيه
كانت واقفه بينهم ترتعش تتمنى ان تغمض عيناها لتجد كل ما مرت به اليوم مجرد كابوساً لا أكثر… اتجهت نحو الحائط تسند جسدها عليه تبكي بقهر على حالها… لقد تركها عمر لهؤلاء الناس وهانت عليه
أظلمت عيني عاصم وهو يتذكر الماضي الذي لا يعرفه الا اثنان ومنهم ذلك الطبيب … خطيئه لم تُغفر ولم ينساها يوماً بل حفرت داخله
انسحب عاصم دون كلمه فالمشهد عاد أمامه وهو يرى زوجته بأحضان ذلك الطبيب الذي لم يكن الا رفيق “عمر”
التقط أنفاسه وكأنه كان في صراعاً.. مازالت آهاتها تصم اذنيه رغم السنين وموتهم
نيران التهمت احشائه ليُسرع نحو سيارته مغادراً المكان تحت انظار رجاله
****
اشاح عيناه بعيداً عن حرمة جسدها يخلع سترته عنه ليُعطيها إليها
التقطت سترته بضعف ترتديها حتى تخفي ذلك التمزق.. ضمت الستره نحو جسدها تستمد منها الدفئ بعد مامرت به
رمقها خلسه يشير إليها ان تتقدم أمامه.. سارت ببطئ تبكي وصوت آنينها يخترق أذنيه
تنهد شهاب بسأم بعدما خرجوا من فيلا المزرعه الخاصه بالعائلة
– تعالي اركبي متخافيش
تعلقت عيناه بها وهي تنظر اليه… لم يرى الا نظرات الخوف والهلع
– متخافيش صدقيني هوصلك لبيتك
اطمئنت له ولم تعرف لما.. صعدت السياره بضعف.. لتجده يصعد جانب سائقه يأمره بالانطلاق… مرت ساعه وأكثر إلى أن وصلوا أمام البنايه التي تعيش بها
– بعتذر منك على اللي عمله عاصم… اتمنى تقبلي اعتذاري
لم تتحدث بكلمه فكل ما كانت تشعر به هو الضياع… تتمنى ان تركض لغرفتها تحتمي بها…
ترجلت من السياره دون التفاف مره اخرى نحو السياره ونظرات شهاب عالقه بها يزفر أنفاسه بقله حيله من تهور عاصم الذي كان سيضع نقطه لن تغتفر بحياته
– اتحرك ياسعيد… شكل اليوم ده مش راضي يخلص
انطلق سائقه دون كلمه أخرى يتمني هو أيضاً ان ينتهي هذا اليوم على خير.
***
ارتمت فوق فراشها تبكي بحرقه تهمس بأسم اخر شخص ارادت ان تتذكره
” كريم”..
اتي الصباح وشهاب جالساً في مكتبه ينتظر عودة عاصم خائفاً عليه… يشعر وكأنه يدور بساقية لا يعرف لها نهايه
تحمل عبئ لم يكن يتمناه كل ماكان يتمناه ان يُصبح فخر لعائلته ورجلاً ناجحاً يُشير الناس نحوه.. حقق امنيته بجداره ولكنه دفع المقابل من سنوات عمره التي ضاعت وهو يعلو بأسمه دون راحه
انتبه علي صوت سياره عاصم… ليخرج من مكتبه متجهاً اليه بلهفه
رمقه عاصم مُتجاهلا له صاعداً لأعلى
– انا راجع على سوهاج… بس مش هسيب اختي ف ايد الدكتور وهجيبها ومش معنى انك خفيت سافر فين اني هسكت.. مبقاش عاصم العزيزي لو معرفتش ياحضرت النائب
اكمل صعوده بعدما القى على مسمعه ما ينتويه… تنهد بيأس فعاصم وكأنه بحربً يُريد ان يخرج منها منتصراً
اتبعه يصعد الدرج بخطوات سريعه هاتفاً
– عمر ميعرفش حاجه عن علاقه خديجه ب هاني… بلاش الأوهام اللي في راسك… بلاش نفتح الدفاتر القديمه ونكشف المستور
– انا متفرقش معايا الفضيحه… لكن خاف على نفسك منها مش بنت اخوك برضوه
– انت ايه يااخي اللامُبالاه اللي فيها … انت من ساعه اللي حصل وشايفنا كلنا اعداءك وصوتك من راسك… عاصم ارجع زي زمان بلاش القسوه اللي بقت مغلفه قلبك
زمجر بوحشيه وقد سيطر عليه الماضي مجدداً
– البركه ف بنت اخوك اللي ربتها ياسيادة النائب
اطرق شهاب رأسه ارضاً… كلما حاول تجاوز الماضي عاد عاصم يفتح اقفاله من جديد
– خديجه كانت صغيره واضحك عليها
– اضحك عليها ولا انت اللي فشلت ف تربيتك
واردف بقسوة وكأنه يُعاقبه
– اخ جري على أمريكا عشان يشوف مستقبله وعم كل اللي همه نجاحه ويوصل لاهدافه.. ده انت حتى فشلت ف جوازك
ارتفع كف شهاب نحوه يصك فوق أسنانه
– لو كنت حبتها بجد وعوضتها مكنش ده حصل
– بنت اخوك كانت خاينه… خاينه… خانتني مع الدكتور… كانت في حضنه اقـ,ــ,ـتلتهم ولو رجع الزمن بيا تاني هموتهم ميت مره
ارتجف جسد شهاب بعدما غادر ليسقط فوق الفراش واضعاً وجهه بين كفيه لا يعرف على ماذا يندم على تربيه ابنه شقيقه الراحل ولم يُقصر بأعطاءها حبه ودلاله ام علي زواجه ام علي ضغطه على جرح عاصم وزواج لبنى من عمر وهو يعلم ان عاصم يكره عمر بشده لظنه انه كان يعلم بالحقيقه
******
تعلقت عيناها بالستره التي تُذكرها بصحابها… رائحة عطره مازالت عالقه بأنفها وتفاصيل تلك الليله لم تُغادر أحلامها
اغلقت خزانة ملابسها لتُغادر بعدها لعملها الذي أصبح ملاذ وحدتها رغم ما تجده به… انتهى دوام العمل لتنظر للمستندات المطلوب منها تدوينها على احد برامج الحاسوب… غادر جميع الموظفون حتى هناء زميلتها قد غادرت.. لتزفر أنفاسها براحه وهي تطبع المستندات
– عم عبده اوعي تمشي وتسبني استناني
كانت المره العاشره التي تهتف بها قدر لساعي الشركه مطمئنه لوجوده معها
– حاضر يااستاذه.. هنزل بس اجيب حاجه من عربيه البشمهندس وراجع تاني
اماءت له برأسها تنظر حولها.. ف الشركه فارغه تماماً.. عادت تنجز الجزء المتبقي منها ، فمجرد طباعه ورق لا اكثر وستنصرف على الفور
– قدر
انتفضت مفزوعه من سماع صوت السيد فهمي وهو يقف قبالتها
– بقالي ساعه بنادي عليكي
– اسفه يابشمهندس مأخدتش بالي
– هاتي اللي طبعتيه وتعالى ورايا على المكتب
أسرعت في جمع الأوراق مُتجها لمكتبه.. تتمنى ان ينتهي هذا اليوم الثقيل على قلبها
دلفت غرفه مكتبه تبحث عنه بعينيها.. تقدمت خطوتان للداخل مُتعجبه من عدم وجوده تهتف بأسمه
– بشمهندس فهمي
******
كمم فمها بكفه ويده الأخرى اخذت تعبث بأطراف ثوبها ينفخ أنفاسه الحاره فوق وجهها
– مش عارف جوزك كان معمي لما طلقك
حاولت تخليص نفسها من آسره بكل قوتها والخوف يدب بقلبها
– وتفتكري لو سيبتك وصرختي مين الخسران فينا
تسارعت أنفاسها تتلوي تحت ذراعيه… تُحاول مراراً إخراج صوتها
– اه يابنت العضاضه
التهمت كفه بعدما دفعته بعيداً عنها
– ابعد عني ياعم عبده الحقني
صرخت بعلو صوتها فدفعها بقوه نحو الجدار يُكمم فمها مُجدداً يُطالعها بوعيد
– عمك عبده مش هيطلع غير لما يلاقي اللي طلبته منه..
واردف وهو يضحك بشر
– ده لو لقيه
ابتلعت لعابها بخوف تتمايل بجسدها لعلها تتخلص من ذراعيه… رفسته بساقها ولكنه تفادي فعلتها بمهاره يرمقها ساخراً
– لا طلعتي شرسه
– امممم
صوت آنينها خرج بصعوبه تكاد أنفاسها تُزهق تحت كفه
– عارفه لولا أن متوصي عليكي اخوفك بس… لكنت
عض شفتيه بخبث يلتهمها بعينيه… دفعته عنها بكل قوتها مجدداً ولكن كالعاده باتت محاولتها بالفشل… قوة جسده كانت فائقة عنها… هبطت دموعها تفقد قوة جسدها من كثرة ما اصبحت تعيشه حتي رفع فهمي هاتفه يضغط عليه منتظراً اجابه من يُهاتفه
الجمتها الصدمه وهي تستمع للطرف الآخر.. فقد نفذ وعيده وهي التي ظنت ان الامر قد انتهى ليلتها
– ها يااخت الدكتور.. هتكلمي اخوكي تحكيله على اللي بيحصل معاكي عشان ينزل ينجدك وتوصليله الرساله ولا نعمل فيديو حصري ليكي والبشمهندس هيقوم بالواجب
سقطت دموعها بعجز وفهمي يرمقها بنظرات تعرفها
– كفايه عليها كده يابشمهندس… الرساله اكيد وصلت ومدام قدر بتفهم كويس
– اللي تأمر بي ياعاصم بيه
ابتعد عنها فهمي يُحررها.. ركضت بكل سرعتها خارج الغرفه تلتقط حقيبتها
– يااستاذه قدر… مالك بتجري كده ليه
والحقيقه كانت واضحه امام عبده وهو يرى السيد فهمي يعدل من هندام قميصه
– الخبر ده بكره يتذاع في الشركه.. لا الا تعتبر نفسك بره الشركه فاهم
******
جثت فوق ركبتيها أمام فراشه تتذكر حديث تلك السيده الطيبه التي تُدعي رسمية
” الحج ابراهيم في آخر أيامه يابنتي… ده بيحبك اوي بس كان مغلوب على أمره… اهل الست هدى الله يرحمها هددوه انهم يخدوا اخواتك ويحرموه منهم… الست هدى كانت طيبه اوي مكنتش تستحق منه انه يتجوز عليها… سامحيني يابنتي انتي كنتي ضحيه لكن خلاص معدش في وقت للحساب ”
– متسبنيش تاني
سقطت دموعها وهي تلتقط كفه ليفتح عيناه يُطالعها بحب
– عهد
– انا بحبك اوي يابابا
تحررت دموعه من مقلتيه بحسره يجذبها لاحضانه
– انا كنت اناني يابنتي وظلمتك بس كان غصب عني وانتي اللي دفعتي التمن
– انا مسمحاك يابابا بس خليك جانبي
هتفت بها وقلبها يؤلمها عاجزاً عن التفكير من فكرة فقده… ستفقد اخر فرد تبقى لها..
اغمض ابراهيم عيناه بندم يتمنى لو يعود الزمن للوراء ماكان فعل فعلته الشنعاء وتزوج على زوجته وابنه عمه الراحله ولم يظلم ابنته التي كانت الضحيه من هذه الزيجه
******
طالعت هناء انهيارها بملامح حزينه نادمه انها أتت إليها واخبرتها بما يتحدثون عنها بالشركه
– اهدي ياقدر
ضمتها اليها بقوه بعدما زاد نحيبها
– ليه بيحصل فيا كده ياهناء.. انا طول عمري ف حالي.. انا عمري ما اذيت حد
ارتجف جسدها كلما تذكرت اقتراب فهمي منها وتهديد شقيق لبنى… أخيها تركها تواجه بطش ذلك القاسي
– هو السبب منه لله
– قدر الموضوع في حاجه غلط… احكيلي ياقدر يمكن نلاقي حل
تعلقت نظراتها بعيني هناء التي اخذت تومئ لها برأسها حتى تتكلم
– انا هحكيلك ياهناء يمكن فعلا نلاقي حل
وانهمرت دموعها فوق خديها كلما تذكرت بشاعة الحديث الذي اشاعه فهمي بحقها
لطمت هناء صدرها بعدما استمعت بتركيز لكل كلمه غير مصدقه ان هناك شقيق يقف بوجه سعاده شقيقته ويفعل ذلك من أجل تطليق شقيقته
– ده انتي وقعتي قدام واحد مجنون… في حد يعمل كده هي البلد مافيهاش قانون
– انا مش عارفه اعمل ايه ياهناء.. انا خلاص قررت هفضل قاعده في البيت ومش هخرج تاني
انتفضت هناء من فوق مقعدها غاضبه
– اتصلي بأخوكي احكيله… مش ده اخو مراته يتصرف بقى… مش هتفضلي مخبيه عليه كل حاجه… بقالك تلت شهور مطلقه وهو ميعرفش اللي حصلك ومبسوط بره بحياته
اغمضت عيناها بقوه تُغالب دموعها التي عرفت طريقها فوق خديها
– لبنى حامل يا هناء.. حرام اضيع فرحته
– أنتي يابنتي مبتفكريش ابداً في نفسك… هتفضلي لحد امتى عبيطه وخيبه… مش كفايه اللي اتعمل فيكي من جوزك وأمه
انتبهت هناء لما تقوله دون وعي… فشحوب وجه قدر كان خير دليل على أن حديثها انغرز بقسوه بصميم قلبها
– انا اسفه ياقدر مكنتش اقصد ازودها عليكي
– أنتي عندك حق ياهناء… بس ده اخويا مش عايزه اهدم بيته.. اقوله ايه انا قصاد مراتك وابنك اللي مستنيه
تمتمت بكلماتها وهي تنهار فوق الاريكه بعدما ثقل جسدها مثلما أثقلت الهموم روحها
لمعت عيني هناء وهي تتذكر بعض التفاصيل التي قصتها عليها
– أنتي مش قولتي ان عمه راجل محترم وهو اللي خلصك منه لما خطفك
طالعتها قدر بتوتر لتتعلق نظرات هناء بها بدعم
– متخافيش هيساعدك اسمعي كلامي… ده راجل عضو مجلس شعب ورئيس حزب ليه تقله في البلد غير البزنس يعني سمعته اهم حاجه عنده… الناس ديه مبتحبش الفضايح ممكن يعملوا اي حاجه عشان اسمهم ميتهزش
– وفي الأول والآخر انتوا نسايب ياقدر
*****
وقفت أمام مقر الشركه التابعه له تتأمل هيئتها الخارجيه..تعلقت عيناها بواجهة الشركه تعزم أمرها ان ما تفعله هو الصحيح
دلفت من بوابة الشركه بخطوات متردده تُطالع ما حولها بتوتر ..فركت يديها بخجل وهي تقترب من إحدى موظفات الاستقبال تسألها
– مكتب استاذ شهاب العزيزي انهي دور لو سامحتي
– عايزه مكتب شهاب بيه مره واحده
هتفت بها الواقفة مستنكره ترمقها بنظرات فاحصة.. طالعت قدر نظراتها لهيئتها لتفهم نظراتها
– لو سامحتي هتفضلي بصالي كده كتير
– عندك ميعاد مع حضرته
– لاا بس
– يبقى خلاص يافندم.. اتفضلي عشان اشوف شغلي
قاطعتها بغلاظة مشيرة إليها بالانصراف… تنهدت قدر بضيق تلوم نفسها انها استمعت لنصيحة هناء وأتت
وقفت للحظات تنظر للموظفه لعلها تُخبرها كيف تستطيع مُقابلته
التفت بجسدها حتى تغادر فوقعت عيناها نحو الذي يُغادر المصعد للتو وبجانبه احد الموظفين يُحادثه… أسرعت بخطواتها اليه
– شهاب بيه
قطب شهاب حاجبيه مندهشاً من رؤيتها.. نظراتها المستنجده به جعلته يعلم أن الأمر لابد أن يخص عاصم
******
تعلقت عيناه بتفاصيلها وهو منصت إليها.. نفض رأسه من تفحصه لها وكأنه اليوم احب اكتشاف ملامحها
قبض فوق كفه بقوه وهو يرى ارتجاف جسدها مما فعله معها عاصم وذلك المدير.. ليغمض عيناه بغضب لاعناً ابن شقيقه داخله
– ارجوك ياشهاب بيه خليه يبعد عن طريقي…كفايه خسرني شغلي وبسببه طلعوا عليا سمعه وحشه في الشركه
وسقطت دموعها وهي تتذكر ما قيل عنها وقد اخبرتها به هناء
ليشعر شهاب بالشفقه عليها