منوعات

عرضت عليك تتجوز سما

قاطعه سالم بعنف
” تعرف منين أنها مبتكذبش . معاها دليل ؟ شفت بعينك إلي يخليك تصدقها !”

زفر سليم بحدة و لم يجيب ليواصل سالم حديثه الصارم
” إحنا مش ظلمه يا سليم . لازم نتأكد قبل ما نخطي أي خطوة . أرواح البني آدمين مش لعبه في إيدنا”

إزداد غضبه من حديث أخاه فصورتها المدمرة لازالت عالقه بذهنه منذ البارحه و الظنون تتقاذفه بكل الجهات فتارة يشعر بشفقه خائنه تتسلل إلي قلبه تجاهها و تارة يشعر بأنه يود لو يذهب يحطم رأس تلك الحقيرة التي تسببت في فجيعتهم لذا قال بهياج
” و هنتأكد امتا و إزاي ؟ و علي ما نتأكد هنعمل معاها إيه ؟”

سالم بغموض
” كل شئ بأوانه. و خليك متأكد إني مش هسيب تار حازم و لو بعد مليون سنه . ”

أوشك سليم علي الحديث فأوقفه سالم بنظرة محذرة و هو يضيف بصرامه
” هتبعد عن طريق البنت دي و مش هتتعرضلها أبدًا . و دا قرار غير قابل للنقاش .”

أبتلع سليم غصه صدئه بداخل حلقه و أجبر نفسه علي الإيماءة بالموافقه فلن يدخل في صراع مع شقيقه لأجلها و سينتظر ليتأكد من تورطها و حتي يقمع ذلك الرجاء الأحمق بداخله الذي يطالبه بعدم أذيتها ..

***************

في المشفي تحديدًا أمام الباب الرئيسي شاهدت فرح العديد من الصحافيين يقفون أمامه و كأنهم ينتظرون وصول أحدهم فارتعبت من أن يكون الأمر يخص شقيقتها و قد إسترجعت حديث ذلك المتعجرف عن إهتمام الصحافه بشؤونهم فأخذت تدعي الله بداخلها بأن يكون حدثها خاطئًا و ألا يكون أولئك الأوغاد يريدون مقابلة شقيقتها حقًا .

وصلت إلي غرفة شقيقتها بالأعلي فوجدت فتاة محجبه ترتدي ملابس فضفاضة تتنافي مع وجهها المزين بشكل متقن و كانت تترجي الحرس حتي يسمحوا لها بالدخول و هم يرفضون بشدة فاقتربت منهم قائله بإستفهام
” في أي ؟”

فتحدث أحد الحراس قائلًا بإحترام
” الأنسه مُصرة تقابل جنة هانم ”

إرتفع إحدي حاجباها حين سمعت لقب هانم الذي أضافه بعد إسم شقيقتها و قد لمست إهتمام أثار إندهاشها من ذلك المغرور و لكنها تجاهلت شعورها و نظرت إلي الفتاة قائله بشك
” أنتي مين؟ و عايزة تقابلي جنة ليه ؟”

إرتبكت الفتاة لثوان قبل أن تقول بتأثر
” انا روان صاحبة جنة و عرفت بالحادثه إلي حصلتلها و جيت جري عشان أطمن عليها و هما مش راضيين يدخلوني ”

ناظرتها فرح بتقييم قبل أن تقول بجفاء
” بس جنة محكتليش عنك قبل كدا ”
الفتاة بثبات
” يمكن عشان لسه متعرفين علي بعض من قريب ”

هزت فرح رأسها قبل أن تقول بإستفهام
” وأنتي عرفتي إلي حصل لجنه إزاي ؟”
أجابتها بهدوء
” أتصلت علي موبايلها فردت عليا الممرضه و قالتلي إلي حصل”

بدا عذر معقول و لكنها لا تعلم لما لم ترتح لتلك الفتاة فقالت لها بتهذيب
” شكرًا علي سؤالك وأنك كلفني نفسك و جيتي لحد هنا بس جنة للأسف نايمه و مش هتقدر تقابلك دلوقتي ”

الفتاة بحزن
” يا خسارة .. كان نفسي أشوفها و أطمن عليها أوي . طب ممكن أبص عليها حتي و هي نايمه و أخرج علي طول ”

إحتارت فرح في أمرها كثيرًا و لكنها وافقت علي مضض لتتخلص منها فقالت بملل
” تمام . أتفضلي ”

فتحت باب الغرفه و دلفت للداخل تتبعها الفتاة التي ما أن رأت جنه حتي إرتسم حزنًا زائفًا علي ملامحها و هي تقول بتأثر مصطنع
” يا حبيبتي يا جنه. دي شكلها متبهدل أوي ”

شاهدت دموع الفتاة التي تساقطت علي خديها و لم تجيبها بل ظلت تناظرها و كأنها تخترقها من خلف ستار نظاراتها . طال تأملها و طال صمت الفتاة و التي تنحنت قبل أن تقول بخفوت
” ممكن لو سمحتي أدخل الحمام أغسل وشي ؟”

إبتسمت فرح ابتسامه بسيطه و قالت بود
” طبعا . طبعا أتفضلي .”

توجهت الفتاة الي الحمام و الذي كان يقابل سرير جنة فما أن دخلت حتي أخرجت آله تصوير صغيرة نوعًا مخبئه بين ملابسها الفضفاضه و قامت بمواربه باب المرحاض بمساحه كافيه لعدسه آلتها حتي تلتقط صورة جنة النائمه بعمق مبعثرة الهيئه .

ما أن التقطت صورتان حتي فُتِح الباب فجأة علي مصرعيه و ظهرت فرح التي علمت بأن هذه الفتاة تخبئ شيئًا ما و قد ظنت بأنها يمكن أن تكون صحافيه متخفيه و قد صدق ظنها فقامت بجذب آلة التصوير بعنف من بين يدها و هي تقول بغضب مكتوم
” كنت شاكه إنك وراكي حاجه ..”

جفلت الفتاة من ما حدث و أخذت توزع نظراتها بين فرح و يدها الممسكه بآلة التصوير الخاصة بها و لكن قطع نظراتها يد فرح التي إمتدت تجذبها من يدها بعنف تجرها إلي الخارج و الفتاة تتوسل إليها حتي تتركها و تعطيها الكاميرا الخاصه بها و ما أن وصلوا الي الخارج حتي دفعتها فرح بقوة و هي تصرخ بغضب
” أنتي بني آدمه معندكيش إحساس و لا دم وصلت بيكي القذارة أنك تلعبي علي مشاعر الناس عشان تكشفي سترهم . ”

حاولت الفتاة التقرب من فرح و هي تقول من بين بكاءها
” أنا والله مقصدتش أرجوكي إديني الكاميرا بتاعتي ”

هنا تدخل أحد رجال الحراسه قائلًا لفرح بإحترام
” عن إذنك يا فرح هانم اتفضلي أنتي و إحنا هنتعامل معاها .”

تفرقت نظرات فرح بين عينان الفتاة المتوسله و الدمع يتقاذف منها و بين الرجل الذي حتمًا سيخبر سيده و قد يؤذي هذه الحمقاء و هذا ما لا تريده لذا قالت فرح بصرامه
” انا هحل الموضوع . ”

وجهت أنظارها إلي الفتاة متابعه بتقريع
” أنا هعدي إلي حصل دا عشان عواقبه هتكون وخيمه عليكي و في المقابل هاخد الكارت بتاع الكاميرا.. و أياكي أشوف وشك هنا تاني ”

أوشكت الفتاة على الحديث فأوقفتها فرح قائله بحدة
” و لا كلمه و إلا هديهم الكاميرا و مش هتشوفيها تاني ..”

أطرقت الفتاة برأسها في حين أن فرح قامت بإخراج الكارت من آله التصوير و أعطتها إياها مرفقه بها نظرات محتقرة تقبلتها الفتاة بحنق مكتوم و توجهت إلي الاسفل

” فرح هانم !”

التفتت فرح علي نداء أحد الحراس و قد ضايقها هذا اللقب الذي كان يرفقه مع اسمها فقالت بصرامه
” أسمي آنسه فرح بلاش هانم دي لو سمحت .”

اومأ الرجل برأسه و أعطاها الهاتف و هو يقول بإحترام
” الباشا عايزك ”

لا تعرف لما شعرت بالتوتر حين أخبرها بأنه يريدها و إزدادت دقات قلبها ربما لأنها كانت متأكدة من أنها ستخوض شجارًا معه كعادتهم أو لسبب آخر ربنا لا تعرفه . لذا حاولت سحب أكبر قدر من الأكسجين بداخلها حتي تستعيد بعضًا من هدوئها الذي تجلي في نبرتها حين أجابت
” ألوو”

من البدايه و هو متحير في أمر تلك المرأة لديها كبرياء قوي لم يره مسبقًا في إمرأة تحمل همومًا أقوي بكثير من طاقتها. يكاد يُجزِم بأنها تشتهي الإنهيار و حينما تكون علي حافته تتراجع و تعيد هيكلة بنائها لتقف شامخه من جديد . و تلك القناعه التي لم يصدقها في البدايه و لكنه الآن في طريقه للإيمان بعصاميتها التي تدعيها.
أتاه صوتها الهادئ من الهاتف لينفض تلك الأفكار من رأسه و هو يقول بفظاظه
” متتصرفيش تاني من دماغك . أنا مش سايب الرجاله إلي عندك دول صورة !”

جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت إستفزازه إذ قالت بتعالي
” مبتصرفش غير بدماغي . و بالنسبه لرجالتك قولتلك مش محتاجينهم و أظن دلوقتي أنت أتأكدت ”

تضمنت لهجته سخريه مبطنه و لكنها شعرت بها من مغزي كلماته حين قال
” أتأكدت فعلًا ! لولا الرجاله إلي مش عاجبينك دول مكنتش البنت إلي صعبت عليكي دي هتمشي غير و هي واخده الفيلم حتي لو علي جثتك ! ”

تعلم بأنه قد يكون محقًا فهي علي الرغم من عفوها عن تلك الفتاة و لكنها لمست الحنق و البغض في نظراتها و لكنها أبت التراجع إذ قالت بعنفوان
” قولتلك قبل كدا و هقولها تاني أنا أقدر أدافع عن نفسي و عن أختي كويس ”

سالم بتهكم تجلي في نبرته حين قال
” و ماله هشوفك هتعملي إيه مع جيش الصحافيين إلي واقف تحت !”

اقشعر بدنها للحظه و هي تتخيل نفسها تقف في مواجهه كل هؤلاء الملاعين أمثال تلك الفتاة معدومه الضمير فحتمًا سيسحقوها تحت أقدامهم في سبيل الوصول إلي مبتغاهم

تحدث سالم بتقريع خفي و تهكم جلي
” بالظبط زي ما أتخيلتي . عشان كدا أسمعي الكلام من سكات لحد ما نشوف هنتصرف ازاي !”

إغتاظت من حديثه و غروره و تعجرفه و لكن لفت إنتباهها كلمته الأخيرة في ماذا سيتصرفون ما المشترك بينهم حتي يقول تلك الكلمه و هي تدرك بأن كلماته البسيطه و التي يمكن أن تعد علي أصابع اليد لا يمكن أن تخرج جُزافًا لذا همت بسؤاله عن ما يعنيه و لكنها تفاجأت بذلك المتحذلق يغلق الهاتف في وجهها فأغمضت عيناها و قد تمكن الغضب منها للحد الذي جعلها تود لو تطحن عظام الهاتف بين يديها و لكن صوت ضوضاء قادمه من الاسفل أخرجها من بؤرة الغضب تلك لتتفاجئ بعد ثوان بجيش الصحافيين الذين كانوا ينتظرون بالأسفل و الآن يهرولون تجاهها فلم تشعر بنفسها سوي و هي تدخل إلي غرفة شقيقتها بلمح البصر و تقف مستندة بظهرها علي الباب الذي توقعت أن يتحطم فوق رأسها بأي وقت فاغمضت عيناها بشدة إلي أن هدأت تلك الضوضاء في الخارج و قد أيقنت بأن الحراس قد صرفوهم و هنا دونًا عنها حمدت ربها كثيرًا لوجودهم في الخارج .

شعرت بالحرج للحظات و هي تتخيل وجه ذلك المغرور يناظرها بتشفي قائلًا
« أين شجاعتك الواهيه ؟ »

زفرت بحدة و أخذت تلعنه بداخلها هو و عائلته أجمع و لكنها توقفت ما أن رأت سرير شقيقتها فارغًا فتوجهت علي الفور إلي المرحاض لتستمع إلي صوت المياة الآتي من الداخل فإرتاحت قليلًا و لكنها ظلت تقف أمام الباب لا تعلم السبب و لكن كان قلبها يُنذِرها بأن شيئًا سيئًا علي وشك الحدوث .
مرت دقائق قليله و مازال صوت المياة بالداخل فحاولت النداء علي شقيقتها و لكنها لم تتلقي إجابه لذا لم تستطع منع نفسها من فتح باب المرحاض لتجحظ عيناها بصدمه و هي تراها مُلقاه فوق أرضية المرحاض غارقه بدمائها ..

***************

بعد مرور ساعه كانت فرح تقف أمام غرفة العمليات تحتضن كتفيها بذراعيها مستنده علي الحائط وحدها و عبراتها تتقاذف من مقلتيها بصمت عاجزة عن الحراك فمنذ أن رأت مظهر شقيقتها غارقه بدمائها حتي ظلت تصرخ بقوة الي أن آتي الحراس و الأطباء الذي قاموا بنقل « جنه »علي الفور إلي غرفه العمليات لمحاولة إنقاذها .
بينما هي ظلت تقف أمام الغرفه تنتظر خروجها سالمه و عقلها يرفض أي روايه آخري قد تخلو منها .

كانت ترتجف لا تعلم بردًا أم خوفًا و لكن هذه اللحظه هي الأكثر ضعفًا في حياتها . لطالما كانت قويه لا تهاب شئ فمنذ وفاة والدها أصبحت هي عمود عائلتهم الصغيرة و المتصرفه بكل أمورهم و لكنها الآن تشعر بنفسها عاجزة ضعيفه هشه . ترتجف بصمت و قلبها يتضرع إلي الله أن ينقذ شقيقتها فبدونها لن تستطيع العيش لحظه واحده …

كان يأكل الأرض بخطواته و هو يتوجه إلي غرفه العمليات للإطمئنان علي تلك الغبيه التي لا تزيد الأمور إلا سوءًا فما أن أخبره رجاله بما حدث حتي هرول إلي المشفي للإطمئنان عليها و للحق كان هناك شعورًا بالقلق يتسلل بداخل قلبه علي تلك التي تدعي قوة لا تملكها و لكنه كان يتجاهل هذا الشعور نافيًا عن نفسه أي شبهه إهتمام بها . ليتفاجئ ما أن رأي ذلك الجسد الصغير الذي بدا لطفله في العاشرة من عمرها تقف وحيدة خائفه تحتضن جسدها بيدين مرتعشتين و أقدام للحظه شعرت بأنهم غير قادرة علي حملها فأسندت رأسها علي الحائط خلفها و إنزلقت ببطئ حتي إفترشت الأرض من تحتها و رأسها ملقي للخلف فكان مظهرها المنهار هذا جديدًا كليًا عليه فقد عهدها دائمًا قويه صلبه و برغم معرفته بأن صلابتها ما هي سوي جدار تخفي به وهنها إلا أن مظهرها ذلك و لسبب غير معلوم قد آلمه .و بعث في نفسه شعور بعدم الراحه فتوقف بمنتصف الرواق و قد إنتابه التردد الذي قلما يزوره و لكنه حقًا لم يكن يعلم هل يتقدم لمواساتها و هو دور لا يتقنه أبدًا أم يتراحع و يتركها و لكنه شعر بالرفض لتلك الفكرة بقوة لذا تقدم بخطوات سُلحفيه إلي حيث تجلس و كلما كان يقترب أكثر كلما يتوضح مظهرها المزري و الذي لم يعهده أبدًا .

توقف أمامها و قام بإخراج أحدي المحارم الورقيه يمدها إليها و هو يقول بنبرة هادئه رزينه
” أنسه فرح !”

جفلت عندما شاهدت المنديل الورقي الممدود إليها و علي الفور عرفت لهجته التي و لأول مرة كانت خاليه من أي تهكم و سخريه بل لمحت بها شئ من التعاطف و الذي لقي صداه بعينيها التي حين إرتفعت إليه إرتسم بها الضعف للحظه قبل أن تلقي به جانبًا و تهب من مكانها متجاهله يده الممدودة أمامها و قامت برفع رأسها تناظره بشموخ قائله بلهجه متحشرجه
” إيه إلي جابك ؟”

عادت القطه لتهاجم مرة ثانيه و قد راق له ذلك فقد أغضبه و ربما آلمه مظهرها المنهار لذا رؤيتها تحاول التوازن هكذا أراحه قليلًا فعادت لهجته لجفاءها السابق حين قال بإختصار
” مش شغلك . ”

أرتفع إحدي حاجبيها الجميلين و أتسعت غابتها الخضراء من وقاحه ذلك الرجل فخرج الكلام منها غاضبًا تغلفه السخريه
” يمكن عشان إلي جوا في أوضه العمليات دي أختي !”

تجاهل سخريتها و غضبها المتقد في نظراتها و قال بفظاظه
” إيه الي حصل عشان تعمل في نفسها كدا ؟”

للحظه ظهر الألم الممزوج بالحيرة علي ملامحها و لكنها أتقنت إخفاءه حين أجابت ببساطه
” معرفش ! أنا كنت بره و دخلت ملقتهاش و سمعت صوتها في الحمام و لما أتأخرت دخلت أشوفها لقيتها ..”

توقفت الكلمات علي أعتاب شفتيها و أبتلعت ألمها الذي يشق قلبها لنصفين بمهارة ليفهم ما ترمي إليه فقال بإستفهام
” حصل بينك و بينها حاجه ؟”

خرج الطبيب في تلك الأثناء و طمأنها علي حالة جنه التي تم إنقاذها بأعجوبه و أخبرها بأنه سيتم نقلها إلي غرفتها بعد نصف ساعه فخرجت منها زفرة إرتياح قويه و حمدت ربها كثيرًا لتأتيها نبرته الصارمه حين قال
” مجاوبتنيش . حصل حاجه بينك و بينها تخليها تفكر تتتحر ؟”

رفعت رأسها تناظره بغموض قبل أن تقول مستفهمه
” حاجه زي إيه ؟”
سالم بترقب و عيناه لا تحيد عنها
” شديتوا في الكلام مثلا !”

فرح بإختصار
” لا !”
سالم محاولًا الضغط عليها أكثر
” أومال هي هتحاول تموت نفسها كدا من الباب للطاق ؟ ”

أغضبتها لهجته و طريقته معها و كأنه يستجوبها لذا قالت بعنف مكتوم
” بصراحه معرفش . ”

أستمر بإستفزازها قائلًا بهدوء
” مش مفروض انتي اختها الكبيرة و تعرفي كل حاجه عنها !”

أرادت إيلامه كما آلمها لذا قالت بتهكم
” زي مانتا أخو حازم الكبير بردو و المفروض أنك كنت عارف عنه كل حاجه !”

إسودت عيناه و أزداد عبوس ملامحه الخشنه تزامنًا مع أنفاسه الحادة التي كانت تتخلل الصمت الدائم الذي قطعه حديثها المتألم حين قالت
” أنا كنت عارفه كل حاجه عن أختي فعلًا. كانت بالنسبالي زي الكتاب المفتوح لحد ما أخوك دخل حياتنا و قلبها و خلاها لأول مرة تكذب و تخبي. ( تابعت حديثها بلهحه مريرة و نبرة أشبه بالإنهيار ) كل المصايب إلي حصلتلنا كانت بسببكوا . لو كنت أتنازلت عن غرورك و سمعت مني مكناش زمانا وصلنا للي وصلناله دلوقتي ! ”

لو كانت النظرات تقتل لكانت خرت صريعه في الحال و لكن و بالرغم من مظهره المظلم كانت لهجته خافته و لكن مخيفه حين قال
” و إيه إلي وصلتيله؟ أختك برغم كل حاجه إلا انها معاكي و في حضنك مدفنتيهاش بإيدك تحت التراب مثلًا ”

أغمضت عيناها بألم جلي لم تقدر علي إخفاؤه و ودت لو تخبره بأن يكون الإنسان علي قيد الحياة فهذا لا يعني أنه بخير و لكنها أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بجفاء
” ربنا يرحمه و أيًا كان مين غلط فخلاص إلي حصل حصل و الموضوع أنتهي . و أتمني أن معرفتنا ببعض تنتهي هنا زي ما كل حاجه أنتهت .”

أرتفع إحدي حاجبيه من كلماتها التي كانت ستارًا لشئ تخفيه فأخذت نظراته ترتكز علي ملامحها يحاول ثبر أغوارها و لم يفت عليه إهتزاز حدقتيها و التي لم تفلح نظارتها الطبيه في إخفاء تعابيرها بالكامل . و لكنه بنهايه المطاف أومأ برأسه دون حديث لتتراجع دون وداع ملتفته للجهه الآخري مطلقه ساقيها للريح لتحملها بعيدًا عنه و لكنها توقفت بمنتصف طريقها علي صوته الحاد و لهجته الخشنه حين قال
” دايمًا للقدر آراء بتخالف أمنياتنا و توقعاتنا! ”

توقفت للحظه تستوعب جملته فشعرت بخطواته القادمه تجاهها و ما أن أصبح بقربها حتي سمعت صوت أنفاسه الحادة فإلتفتت لتجد أنه أصبح علي مقربه كبيرة منها حتي شعرت بحراره كبيرة منبعثه من جسده إلي جسدها الذي تجمد فجأة عندما سمع لهجته الفظه حين قال
” خليكي فاكرة كلامي دا كويس ”

قوست حاجبيها في حركه مستفهمه بادلها هو بإبتسامه ساخرة تجلت في نبرته حين قال
” كملي هروب . خلينا نشوف هتوصلي لحد فين !”

**************

كان يسارع الريح للخروج من هذا المكان فكانت خطواته غاضبه لا تري أمامها تتمني فقط لو بإمكانها أنتشاله من تلك البقعة التي تضم أنفاسها . تلك اللعينه التي البارحه فقط أقسم علي أن يذيقها الويلات و يجعل من حياتها جحيمًا و لكنه الآن كان سببًا في نجاتها و كأن ذنبه السابق لا يكفيه لتأتي مهمه إنقاذها و هي من تلوثت يداها بدم أخيه . أي قدر هذا الذي جعله حاملًا لنفس فصيله دمها الملوثه !
لم يستطع تجاوز صدمته حين هاتفه آخاه الأكبر ليأمره بلهجه لا تقبل الجدال بأن يتوجه إلي المشفي للتبرع بالدماء ! و حين سأله أجابه بمنتهي الهدوء بأنها قامت بمحاولة إنتحار و جاري الآن إنقاذها . اي إنقاذ هذا الذي يتحدث عنه فلتحترق في الجحيم تلك التي تسببت بفجيعتهم الكبري .
أغضبه كونه لم يستطيع معارضة أخاه الذي كان موقفه محيرًا بالنسبة له و لكنه كالعادة غامضًا و لم يقل سوي جمله واحده زادت من حيرته أكثر

” هتعرف كل حاجه في وقتها !”
” اللعنه علي هذا الوقت الذي سيظل يتعذب حتي يحين قدومه .”
هكذا أخذ يلعن و هو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعه جنونيه كجنون صاحبها ..

***************

بعد مرور ثلاث اشهر ..

ترجلت الفتاتان من السيارة لتقف فرح تتطلع إلي المبنى الشاهق أمامها و هي تقول بعدم فهم
” إحنا رايحين فين يا جنة ؟’

ناظرتها جنة بعينان جامدة لا حياة بها و ملامح مرهقه لا روح فيها ثم التفت تنظر أمامها و هي تقول بخفوت
” هتعرفي جوا ”

لم تجادل « فرح » كثيرًا بل توجهت خلف شقيقتها التي فاجأتها حين دخلت إلي إحدي عيادات طب النساء و التي لصدمتها كانت خاليه تمامًا إلا من ممرضه بدا و كأنها تنتظرهم فما أن وصلوا حتي أدخلتهم إلي الطبيبه التي كانت تناظرهم بإرتباك خفي تجلي في رجفه يدها حين رفعتها لتسلم علي فرح التي جلست بهدوء تنقل نظرها ما بين الطبيبه و شقيقتها التي أخيرًا تحدثت قائله بثبات ظاهري
” أنا حامل يا فرح !”

برقت عيناها و قد أوشكت علي الخروج من محجريها حين سمعت جملة «جنة» و التي تابعت الحديث من بين دموع صامته تجري علي وجنتيها
” و جايه النهاردة عشان أنزله !”

مر بعض الوقت قبل أن تستطيع « فرح » الحديث و الذي بدأ ثقيلًا علي شفتيها فقد كانت تطالع شقيقتها بعدم تصديق فهل تلك الفتاة الجالسه أمامها هي الطفله البريئه التي ربتها طوال عمرها ؟ هل ما يحدث معهم حقيقه بالفعل أم كابوس مرعب ستستيقظ منه في أي لحظه ؟

نظرت إلي الطبيبه التي فهمت ما تريد فتعللت بإجراءها مكالمه مهمه و خرجت ليأتي صوت « جنة » التي قالت برجاء خفي في صوتها المبحوح
” متسكتيش أرجوكي يا فرح . ”

خرج الكلام منها باردًا مصاب بخيبه أمل كبيرة إرتسمت علي ملامحها الحزينه
” عيزاني أقول إيه ؟ أنا مش مصدقه أنك قاعدة قدامي بتقولي الكلام دا ؟ ”

« جنة » بإنفعال
” و لا أنا يا فرح قادرة اصدق . بس دا أمر واقع و لازم نتصرف قبل فوات الأوان !”

إتقدت مقلتيها غضبًا فهبت من مكانها تقول بقسوة
” نتصرف ! تعرفي إنك حامل و تخبي عني و تجبيني لحد هنا علي ملا وشي و تحطيني قدام أمر واقع و تقوليلي نتصرف ! ”

إرتجفت من مظهر شقيقتها الغاضب فقالت بضياع
” أنا عملت كدا عشان عارفه أنك عمرك ما هتوافقي . قولت أحطك قدام الأمر الواقع و أشيل أنا الذنب ”

فرح بصراخ
” أي ذنب بالظبط يا جنه ؟ أنتي بقيتي غرقانه في الذنوب من ساسك لراسك . ”
جنه من بين انهيارها
” طب إيه الحل . أنا تعبت أوي يا ريتني مت و إرتاحت ”
فرح متجاهله تلك النغزة بصدرها قائله بلهجه حادة
” أي حل في الدنيا هيبقي أحسن من أنك تقتلي روح ربنا كتبلها الحياة جواكي.”

جنة بألم
” يموت دلوقتي أحسن ما يموت ألف مرة لما ييجي الدنيا دي و يلاقي نفسه من غير أب . عارفه الناس هتبصله إزاي ؟”
كان حديثها مؤلمًا علي تلك التي كانت ترتجف داخليًا و لكنها أبت أن تظهر ذلك فقالت بصوت قاتم
” أنا هسأل محامي و هعرف إيه الإجراءات إلي مفروض تتاخد و أكيد الورقه إلي معاكي دي هتثبت أن الولد إبن حازم ”

أرتجف جسدها حين تذكرت توعد ذلك الرجل «سليم الوزان »بأن تلاقي الجحيم علي يديه و حينها هبت من مقعدها تقول بلهفه
” أنتي نسيتي أخواته يا فرح دول ممكن يفكرونا طمعانين فيهم و يبهدلونا دا غير الفضايح.. أنا مش قادرة أنسي شكل سليم دا و هو بيهددني .
أنا مبنمش من وقتها . مش عايزة أي حاجه تربطني بالناس دي . أرجوكي يا فرح سييني أتخلص من الحمل . دا الحل الوحيد ”

عند إنهاءها جملتها وجدت الطبيبة تدخل من باب الغرفه و سألتها أن كانت مستعدة فلم تستطع «فرح» الإجابه وكأن حواسها كلها توقفت عن العمل لتجيب جنة بنبرة مهزومة
” آه مستعدة ”
أمرتها الطبيبه بلطف أن تذهب للغرفه الآخري حتي تتجهز فاقتربت من شقيقتها تمسك بيدها قائله بتوسل
” أرجوكي سامحيني يا فرح . مقداميش حل غير دا ..”
لم تجيب فرح بل تقاذف الدمع من مقلتيها مصطدمًا بنظارتها الطبيه يحجب عنها الرؤيه فشددت «جنه» من قبضتها فوق كفوفها و قالت برجاء
” هستناكي جوا . عيزاكي تكوني جمبي ”

خرجت جنه تاركه فرح في موجه من الإنهيار و التي قطعها فجأة هاتف قال بإصرار في أذنها أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعًا . و أن ما يحدث جريمه نكراء. عند هذا الحد توقفت فجأة تمسح عيناها و هي تقول بتصميم
” لازم أمنع الجريمه دي فورًا ”
و تقدمت نحو الباب بلهفه تفتحه لتتجمد الدماء بعروقها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يسد عنها الطريق و تلك العينان التي كانت سوداء قاتمه توحي بأن صاحبها علي وشك إرتكاب جريمه قتل فخرجت الحروف من فمها مهتزة
” سالم !”

كانت نظراته محتقرة و لهجته ساخرة تعج بالقسوة و العنف
” مش قولتلك أن القدر دايمًا له رأي تاني عكس ما بنتمني ”

يتبع …….

#القبضة_الرابعة
#نورهان_آل_عشري
الصدمه التي لا تقتلك ستجعلك أقوي بكل تأكيد ! مقوله أشبعتني ضحكًا حد البكاء ! فبساطه كلماتها تتنافي تمامًا مع ذلك الدمار الهائل الذي يتلو صدمتك فيقودك إلى حافه الموت لتتجرع سكراته كامله و حين توشك علي إغماض عينيك طالبًا الراحه يعود بك إلي واقع مرير فتجد نفسك مُجبرًا علي مُجابهته بقوة نابعه من جرح عميق حفرته تلك الصدمه التي بالنهايه لم تقتلك !

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

كانت تناظره بعينان متسعه و قلب ينتفض بين ضلوعها لتسري رجفه قويه في سائر جسدها بينما تاهت الكلمات من علي شفتيها أمام نظراته المسلطه فوقها و التي كانت مختلفه عن نظراته السابقه لها فقد بدت و كأنها قاسيه غاضبه محتقرة !

لم تستطع التفوه بحرف واحد و خاصةً حين وجدته يتقدم إلي الغرفه بينما تراجعت هي للوراء و قد دب الذعر بقلبها حين سمعت لهجته الساخرة التي تُخفي بجوفها غضبًا مريرًا كان جليًا في عيناه

“مش عادتك تسكتي ! القطه كلت لسانك و لا إيه ؟”

حاولت تجاوز صدمتها و أخذت نفسًا قويًا كان معبًأ برائحته الرجوليه التي تغلغلت إلي أنفها و جعلت جميع حواسها تتنبه و لأول مرة تظهر إنفعالاتها بمثل هذا الوضوح أمامه و لكن غضبه كان يطمس كل شعور لديه في تلك اللحظه و قد كان صمتها يزيد من غضبه و لكنها أخيرًا إستطاعت السيطرة علي نفسها و قطع ذلك التواصل البصري بينهم و الذي كان يعج بعتاب مشحون غاضب و خرجت كلماتها بلهجه جافه كجفاف حلقها

” أنت جيت هنا إزاي ؟”

خرجت من بين شفتيه ضحكه خافته قاسيه خاليه من المرح أتبعها بحديثه الذي تتساقط الإتهامات من بين سطوره

” هو دا إلي فارقلك ! جيت هنا إزاي ! ”

كانت نظراته تقتنص ارتباكها الذي ظهر لأول مرة جليًا علي ملامحها فقد كانت في موقف لا تُحسد عليه عالقه في شباك نظراته التي تجعلها تتفوه بالحماقات و تقف سدًا منيعًا بينها و بين التفكير بتعقل بينما هو تابع قائلًا بعنف بكتوم

” مع إن مفروض أنا إلي أسألك بتعملي إيه هنا ؟ ”

أبتلعت غصة مؤلمه و حاولت أن تشحذ بعضًا من قوتها التي تبعثرت بحضوره و قالت بجمود

” مدام عرفت مكاني يبقي عرفت أنا هنا بعمل إيه ؟”

تشكلت غصه في حلقه حين سمع كلماتها التي لم يكن بها أي ذرة تأنيب ضمير أو هكذا ظن لتخرج الكلمات من فمه مُحمله بأكبر قدر من الإحتقار

” جايه تشاركي في قتل روح بريئه ملهاش ذنب في أي حاجه !”

انت في الصفحة 6 من 10 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل