
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة بعنوان ( و إني لـ صريم الورد عاشقًا )
الورود أنواع قد تتشابه ولكن لكُلً مِنهمَ رائحته الخاصة و جماله الفريد ، و هُناك زهورًا رغم جمالها إلا أن أشواكها حادة تتأهب لـ خدش كُل من يقترب منها و يُحاول امتلاكها حتى ولو كان عزيزٌ مُستقراً بين حنايا الروح الذي كان هو من تسبب في عذابها ذات يوم، لـ يأتي الآن و يُحاوِل بكُل شراسة استعادتها ولكنه لم يحسّب حِساب لـ توابع الماضي التي ستقف حائلًا بينه وبين وردته البرية التي لم تكُن تعلم أنه حتى لـ صريمها صار عاشقًا .
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
دلفت الهام إلى داخل غرفة ابنتها ورد التي قررت إعتزال الواقع و الارتماء بين أحضان الخيال الذي كان يضمها مع زوجها الراحل علها تهرُب من كل تلك الضغوطات التي تُحيط بها من كل حدبًا و صوب ولكن ذلك لم يُعجِب والدتها التي قررت أنه حان وقت المواجهة لذا تقدمت إلى النافذة لتفتحها حتى يدخل ضوء الشمس إلى الغرفة و ربنا يتسلل إلى قلب طفلتها التي تُحيط به العتمة من جميع الجهات
_ يا ماما اقفلي الشباك دا. النور بيوجعلي عنيا .
هكذا تحدثت ورد بحنق فـ اقتربت منها إلهام مغتاظة من تذمُرها و إصرارها على الهرب
_ لا مش هقفله، وانتِ هتصحي دلوقتي و تقعدي تتكلمي معايا زي البني آدمين .
ورد بعناد
_
_ مش عايزة اتكلم يا ماما سبيني عايزة انام .
عاندتها إلهام بإصرار و لهجة آمره
_ قولت هتصحي و هتقومي تتكلمي معايا .
أنهت جملتها وهي تجذب الغطاء من فوق رأس ورد التي هتفت بحنق
_ نعم يا ست ماما . في ايه خير ؟
الهام بتقريع
_ هتفضلي قافله على نفسك كدا لحد امتى ؟ فكرك كده مشاكلك هتتحل ! مش صعبانه عليكِ بنتك اللي مبتبطلش عياط دي !
هتفت ورد بنبرة مُشجبة
_ و أنا مبصعبش عليكوا ؟
الهام بانزعاج
_
_ لو مش صعبانه علينا كنا سبناكي تتفلقي . انما احنا خايفين عليكِ وعايزين مصلحتك .
تهكمت بانزعاج
_ و إيه مصلحتي في اللي بتعملوه دا ؟
اقتربت الهام تحاوط كتفها بحنو تجلى في نبرتها حين قالت
_ يا بنتي يا حبيبتي انتِ لسه في عز شبابك، و جوزك ميت بقاله سنة و نص و مسيرك هتتجوزي .
قاطعتها ورد بانزعاج نال من كل خلية بجسدها
_ و مين قالك اني عاوزة أتجوز !
إلهام بتعقُل
_ لازم هتتجوزي . مفيش حد بيعيش عمره كله لوحده وأنا و أبوكي لو عشنالك النهاردة مش هنعيشلك بكرة .
شعرت بغصة قويه في صدرها من حديث والدتها فهتفت بلهفة
_
_ بعد الشر عنكوا . يا ماما أفهميني أرجوكِ انا مش هقدر اكون لراجل تاني غير وليد . دا غير اني عايزة أعيش أربي بنتي وبس.
حادثتها الهام بحزن
_ يا بنتي حرام عليكِ نفسك . أنتِ لسه في عز شبابك، و بعدين بنتك دي محتاجة اب أنتِ لوحدك مش كفايه، و مفيش حد هيكون احن عليها من عمها، و انتِ عارفة فاروق بيحبها قد ايه . خصوصّا إن ربنا مرزقهوش بالخلفه من زينة . يمكن ربنا يكرمه معاكِ و تجيبي اخ ولا أخت لـ قمر .
تزايدت دقات قلبها و بدأ شوك الماضي ينغز بصدرها الذي يرفُض كل ما يشعُر به لذا احتدت لهجتها حين قالت
_ يا ماما انا ادرى بمصلحتي، و أنا عارفه أن عمري ما هرتاح مع فاروق أبدًا .
الهام باستنكار
_ متقوليش عشان فرق السن . اتناشر سنة مش كتير يا ورد ، و بعدين لو على مصلحتك فـ أنا ادرى الناس بيها .
جاهدت أن تظل على ثباتها فهتفت بانزعاج
_ و مصلحتي انكوا تجوزوني غصب عني يا ماما!
لم يكُن هّناك مفر من إظهار بعض الحقائق على السطح لذا قالت بجمود
_
_ أولًا مش غصب عنك يا ورد عشان لو مفكرة اني هبله و مش فاهمه كل حاجه تبقي عبيطة. أنا عارفه مشاعرك تجاه فاروق من قبل ما زين اخوه ما يتقدملك، و دا السبب اللي مخلاكيش قبلتي تعيشي في بيت البلد و خليتي زين جه خدلك شقة هنا .
تعالت صيحات الألم داخلها حين عرضت والدتها الحقيقة أمام عينيها فتسارعت أنفاسها و جف حلقها حين قالت بتوتر
_ ايه يا ماما اللي بتقوليه دا ؟ لا طبعًا مفيش الكلام دا خالص .
رفعت إلهام يدها لتربت بحنو على خصلات شعرها وهي تقول بهدوء
_ قلب الأم مبيكذبش أبدًا يا ورد، و ربنا يابنتي بيعوض، و مش معني كلامي دا انك كنتِ خاينه لجوزك أبدًا انا عارفه انك من وقت ما بقيتي علي اسمه مفكرتيش في حد تاني غيره . بس افتكري كلامي ربنا له حكمه من كل حاجه بتحصلنا.
أخفضت رأسها حزنًا تساقط من بين مآقيها حين تذكرت الماضي و ما يحمله من أوجاع و خاصةً ذلك اليوم الذي أتى به ليطلب يدها لشقيقه و ما كابدته من العناء حتى تكُن زوجة وفية لزوجها الراحل
_ خايفه يا ماما ابقي كدا بخون زين انا والله عمري ما فكرت في راجل تاني وانا على ذمته . ربنا عالم .
أناملها الحانية امتدت تمحو حزن صغيرتها قبل أن تقول بحنو
_عارفه يا نور عين ماما، و محدش فينا كان يتمني اللي حصل دا يحصل بس دي إرادة ربنا، و أنتِ لسه شابة جميلة و صغيرة، و ربنا أراد يديكِ فرصة تعيشي حياتك اللي ملحقتيش تعيشيها مع زين .
همست بنبرة جريحة
_
_ بس فاروق بيحب زينه يا ماما !
شعرت بما تحمله لهجتها من ألم فأجابتها بهدوء
_ بس نفسه يشوفله حتت عيل وهو الصراحة مقصرش معاها دول بقالهم اكتر من عشر سبع متجوزين . هيصبر ايه اكتر من كدا !
لم تحتمل فكرة أنه يعتبرها مُجرد وعاء إنجاب فقط بينما قلبه و جميع مشاعره مع أخرى فقالت بألم
_ بس يا ماما ..
قاطعتها إلهام بنبرة حازمة
_ مابسش يا ورد. الحياة مبتديش الفرصة مرتين، و دي دنيا مش جنة يا بنتي زي ما هنشوف اللي يوجعنا هنشوف بردو اللي يفرحنا، و الإنسان الذكي هو اللي يضحك عالدنيا و يسرق منها كل حاجه تفرحه و تبسطه بدل مبيغضبش ربنا.
استكانت قليلًا بحديث والدتها ولكن القلب لايزال جريحًا فأخفصت رأسها بحزن فتابعت إلهام باستفهام
_ في إيه تاني ؟ وشك لسه مكرمش ليه ؟
خرجت نبرتها مُشجبة تحمل وزر الذنب
_
_ طب انا و زينة يا ماما ! هنتعامل ازاي بعد كده؟ أنا طول عمري بحبها و مش قادرة اكون سبب وجع ليها .
لم تفلح إلهام في ردع الحزن في نبرتها حين قالت
_ والله يا بنتي و مين سمعك كلنا بنحبها بس احنا ملناش نعترض على قضاء ربنا و هي ربنا مأردش ليها أن حملها يكمل و كل مرة تحمل فيها تسقط من غير سبب، و من حبها لـ فاروق هي بنفسها اللي بقت تدور له على عروسه . فاروق كبير العيلة بعد عمك و نفسه يشوفله حتة عيل .
تعاظم الألم بصدرها جراء كلمات والدتها لتتقاذفها الحيرة من جديد فهتفت بنبرة مُتعبة
_ مش عارفه يا ماما محتارة، و خايفه، و متلخبطة .
لم تعُد تملِك من الكلمات ما يُمكِن أن يردع حيرتها و شتاتها لذا قالت بحنو
_ أقولك قومي اتوضي و صلي و ركعتين لله و قولي يارب و أن شاء الله ربنا يقدم اللي فيه الخير.
كان ولايزال الطريق الى الله هو أكثر الطرق أمنًا للمرء حين يُلقي بذلك الثُقل الذي يحمله فوق صدره و جميع آلامه ومخاوفه ليدفنه بين ركوعٍ وسجود وهذا ما فعلته مُردده دعائها المُفضل
_ اللهم اني وكلتك أمري فـ كُن لي خير وكيل و دبر لي
فـ إني لا أُحسٌن التدبير .
_
مرت الأيام أكثر هدوءً وهي على هذا النهج إلى أن أتى ذلك اليوم الذي تغير به كل شيء . كانت تُعِد طعام الغداء مع والدتها ليدُق جرس الباب فطلبت منها إلهام أن ترى من الطارق لتتوجه ورد تفتح باب المنزل فإذا بها تتسمر بمكانها و يتخشب جسدها حين رأته أمامها ذلك الرجُل الرمادي العينين الذي كان يتمتع بوسامة خشنة تليق مع جسده الصلب فهو عريض المنكبين طويل إلى درجة متوسطة و أكثر ما يُميزه و يُعزز من هيبته ذلك الشارب الذي كان يُضفي على ملامحه وسامة من نوعًا آخر
مر وقتًا غير معلوم طالت به النظرات فقد حُرِم من تلك العينين لأكثر من عامين و نصف مُنذ ذلك اليوم الذي أخبره شقيقه برغبته في الزواج من ابنة عمهم الجميلة ، والصغيرة أيضًا. تلك الكلمة التي كانت كـ الفيروس القاتل الذي قضى على براعم عِشقه لها بداخل قلبه فقد كان يراها اصغر من أن تكُن زوجته بيوم من الأيام فهو لن يفعل ذلك بها أبدًا، ولهذا أجبر نفسه دافنًا مشاعره العميقة تجاهها و تزوج من ابنة عمهم الأخرى زينة ليبدأ حياة هادئة معها ولكنها تفتقد إلى الكثير من المشاعر و الشغف فقط رتابة و هدوء ولكنه يكِن لها محبة و إحترام كبيران فهي لم تُخطيء معه يومًا، ولكن القدر دائمًا يُفاجئنا بتقلباته فقد رحل شقيقه تاركًا خلفه أرملة فاتنة وطفلة رائعة و ما هرب منه سابقًا و أجبر نفسه على التملُص منه ها هو أصبح واجبًا عليه و لكم كان رائعًا ذلك الشعور حين وجد نفسه وجهًا لوجه مع قطعتين من الشوكولاته الذائبة بين جفونها تلك المرأة صاحبة الشعر الغجري الذي كان يعشق بعثرة خصلاتها وهي طفلة صغيرة حتى تثور و تُبعثر كيانه بعفويتها و جمالها الذي تضاعف مع الوقت
_ الجميل هيفضل متنح كدا كتير !