منوعات

قصة قصيرة بعنوان ( و إني لـ صريم الورد عاشقًا )

ما أن نطق جملته المرحة حتى تصاعدت الدماء إلى وجنتيها فقد فطنت إلى ما ترتديه. ذلك الرداء البيتي المُريح الذي يصل إلى ما بعد ركبتيها بنصف أكمام أظهرت ذراعيها بسخاء ، وفجأة تولدت بداخلها رغبة قوية في الهرب من أمام عينيه العابثة و قد كان هذا ما فعلته تراجعت دون التفوه بأي حرف لتلجأ إلى غرفتها تحت أنظاره التي غزتها الدهشة .
_ الحقي يا ماما فاروق بره .
كانت تلك الجملة التي القتها على مسامع والدتها قبل أن تولي هاربة لتقول الهام باندهاش
_ ايه دا هو لحق يوصل !
توجهت الهام للترحيب به فتفاجئت بأنه مازال واقفًا عند بابا الشقة فهتفت بصدمة
_ يا خبر يا فاروق انت لسه واقف على الباب ؟ اتفضل جوا يا أبني . هي ورد مش قالتلك اتفضل ؟
_ تقريبّا نسيت . او اتفاجئت.
_
هكذا تحدث فاروق بهدوء قبل أن يدلف إلى الداخل و هو يبتسم لما حدث لتشعُر الهام بالحرج من تصرُف ورد وتحاول تصحيح الموقف قائلة
_ معلش يا فاروق يا ابني هتلاقيها اتكسفت أو…
قاطعها فاروق بهدوء يزيل من عليها الحرج
_ مش محتاجة تبرري لورد حاجه يا مرات عمي . ورد هتفضل هي ورد طول عمرها مش هتتغير أبدًا .
تفاجئت من كلماته ولكنها لم تُعلِق عليها بل قادته إلى غرفة الاستقبال لتجده يضع الأكياس و الهدايا فوق الطاولة
ـ كل دي حاجات جايبها يا ابني ؟ تعبت نفسك ليه بس ؟
فاروق بخشونة
_ ولا تعب ولا حاجه . دي حاجة بسيطة.
ابتسمت الهام قبل أن تقول بود
_ والله ليك وحشة يا فاروق . و الحاجة خديجة عاملة ايه هي و الحاج راضي ؟
_
_ بخير الحمد لله و باعتين لك سلامات كتير اوي .
هكذا تحدث فاروق لتُجيبه بلباقة
_ الله يسلم عمرهم يارب. نورتنا والله .
_ دا نورك .
قاطع حديثهم دخول تلك الفتاة الصغيرة التي تبلُغ من العُمر ثلاث سنوات ذو شعر غجري رائع كوالدتها . اندفعت تعانقه بقوة وهي تقول بلهفة
_ عمو فاروق .
شدد فاروق من احتضان الصغيرة التي كانت تتعلق بعنقه بقوة ليقول بحنو
_ أمورة عمو . وحشتيني اوي.
قمر بلهفة
_ انت كمان وحشتني اوي.
_
أخذ فاروق يُداعِب الصغيرة التي جذبت ضحكاتها ورد لتقف من بعيد تُراقِب طريقة معاملته لصغيرتها و تناغمها معه لتبدأ في اتخاذ قرارها بشأن زواجها منه و إن كانت علاقته بقمر سبب يُضاف إلى آخر وهو أن قلبها لازال يدُق لهذا الرجُل و بقوة
تقابلت أعينهم في نظرة مُطولة غامضة من جهته مدهوشة من جهتها . سابقًا لم تكُن تحظى ولو بلمحة عابرة منه والآن تبدو عينيه و كأنها تأسرها بقيد نظراته التي لا تحيد عنها منذ أن دلف إلى المنزل مما أشعرها بالتوتر الذي تضاعف حين خاطبتها والدتها قائلة بنبرة مازحه ولكنها تحمل الكثير بين طياتها
_ تعالي يا ورد . بنتك من ساعة ما شافت عمها وهي متعلقه في رقبته ازاي !
ظاهريًا تجاهلت كلمات والدتها ولكن لم يستطِع قلبها تخطيها لتتفاجيء من كلمات قمر العفوية
_ قمر حب عمو فاروق اوي .
عانقها فاروق بحُب تجلى في نبرته حين قال
_ و عمو فاروق بيمـ,ـوت في أمورة .
رمقت الهام ورد بنظرة ذات مغزى قبل أن تقول بابتسامة هادئة
_ ربنا يخليكوا لبعض يارب .
ثم وجهت حديثها إلى قمر قائلة
_
_ يالا بقي يا أمورة تيجي مع تيتا نعمل الاكل عشان عمو فاروق يتغدى معانا .
شعرت قمر بالحماس و هرولت إلى إلهام لتُساعدها تاركة ورد وحدها معه فشعرت بالوخزات الموترة تتفشى في سائر جسدها مما أدى إلى تسارُع أنفاسها فأخذ صدرها يعلو و يهبط ليحاول التخفيف من توترها قائلًا
_ عامله ايه يا ورد ؟
كانت عينيها تجوب جميع الاتجاهات هربًا من عينيه وهي تُجيبه بخفوت
_ الحمد لله بخير . انت عامل ايه ؟
فاروق باستمتاع من مظهرها و توترها
_ تقصديني انا و الكرسي اللي انتي باصه عليه ؟ لو كنتِ تقصديني انا بصيلي و انتِ بتكلميني .
كلامه عزز من خجلها و توترها أكثر ولكنها لم تجد بُد من مواجهته لترفع عينيها إلى خاصته فإذا بها تلمح شبح ابتسامة فوق شفتيه قبل أن يقول بخشونة
_ أيوا كدا نعرف نتكلم، و بالمرة عشان تاخدي عليا بدل ما كل ما تشوفيني تطلعي تجري .
اغتاظت من جملته الأخيرة خاصةً حين رأت المرح في عينيه فظنت بأنه يسخر منها لذا اندفعت تقول بلهفة
_
_ أنا اتفاجئت بس و مكنتش اعرف ان انت بره .
فاروق باستمتاع
_ و ياتري حدث غير متوقع حلوة و لا وحشة ؟
لم تعرف بماذا تُجيبه خاصةً وهي تغرق هكذا في بحور الخجل لذا تجاهلت كل شيء حتى استفهامه لتقابله باستفهام آخر
_ ينفع اسألك سؤال ؟
فاروق باختصار
_ ينفع .
خرجت الكلمات منها دفعة واحدة خشية أن تنصاع لرغبتها في التراجع و الاختفاء من أمام ناظريه
_ أنت عايز تتجوزني ليه ؟
لـ دهشتها لم يتفاجأ من استفهامها بل ارتسمت ابتسامة هادئة فوق شفتيه قبل أن يقول
_
_ انتِ شايفه ايه ؟
أرادت الوصول لنقطة معينة لذا قالت بمراوغة
_ عشان بنت عمك، و ام قمر،و كنت مرات…
انمحت البسمة من فوق شفتيه قبل أن يُقاطعها بنبرة أكثر جدية
_ عشانك يا ورد . مش هلاقي احسن منك تنور بيتي و تشيل اسمي.
تفاجئت من حديثه و رغمًا عنها خرجت الكلمات من بين شفتيها
_ طب و زينة؟
فاروق بهدوء و نبرة صادقة
_ زينة عشرة عمري مشوفتش منها غير كل خير و مش هقدر ارد لها الخير بالشر أبدًا، و عشان كدا لازم تبقي عارفه انها هتفضل على ذمتي و عمري ما هفرط فيها إلا إذا هي طلبت دا .
منتهى الغباء حين يُلقي الإنسان نفسه في حقل من الألغام ظنًا منه أنها لن تنفجر به، وأنه لن يتأذى .
_
جاهدت حتى لا يتجلى ألمها في عينيها و قالت بجفاء و نبرة مُترفعة
_ و أنا عمري ما هطلب منك دا . أنا لو هوافق على جوازنا يبقى عشان قمر يكون لها أب، وأنا عارفه انت بتحبها قد ايه و هي كمان بتحبك و دا المهم بالنسبالي، و حياتك دي تخصك اتصرف فيها زي ما انت عايز .
تصاعدت ابخرة الغضب إلى رأسه من كلماتها ولكنه لم يُظهِر شيء إنما قال بجمود
_ كدا يبقى احنا متفقين. هحدد مع عمي ميعاد كتب الكتاب عالخميس الجاي. جهزي نفسك .
داهمتها كلماته فهتفت باعتراض
_ الخميس الجاي دا قُريب اوي مش هلحق اجهز نفسي .
فاروق بخشونة
_ مش محتاجه وقت عشان تجهزي. أنا عندي استعداد اخدك دلوقتي زي ما انتِ كدا.
أضرمت كلماته نيرانًا هوجاء في صدرها ولم تعُد تعلم بماذا تُجيبه ليُنقذها مجيء والدها في تلك اللحظة فما أن شاهد فاروق حتى عانقه مُرحبّا به لـ تستغل هي الفرصة و تلوذ بالفرار إلى غرفتها و ما هي إلا دقائق حتى تجمدت الدماء بعروقها وهي تستمع إلى صوت الزغاريد التي أطلقتها إلهام فعرفت بأنها مضت في طريق لا رجعة منه .
مر اليوم و ما تلاه دون أحداث تُذكر ليأتي اليوم الموعود وهو يوم السفر استعد الجميع لمجيء فاروق الذي وصل في موعده ليستقبله والدها بحبور و كذلك والدتها و بعد تبادل السلامات جاء دورها فشعرت بالخجل يتزايد و معه توترها لتشتد يدها المُمسكة بيد طفلتها التي اقترب منها فاروق قائلًا بصوتٍ أجش
_
_ وحشتيني أوي .
لا تعلم ماذا دهاها ؟ فقد شعرت بأن تلك الكلمات موجهه إليها لترفع رأسها تناظره بصدمة تحولت لخجل كبير حين رأته يناظرها و على ثغره شبح ابتسامة فقامت بإدارة وجهها للجهة الأخرى بلهفة جعلت ابتسامته تتسع وهو يناظرها ليأتيه صوت الصغيرة وهي تقول

انت في الصفحة 2 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
2

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل