
و هنا في إحدي المطاعم المزدحمة حيث يعمل عمار علي توصيل الطلبات المنزلية عبر الدراجة الن*ارية، نزل من أعلاها للتو بعدما أوقف المُحرك، أخرج ما لديه من النقود و ذهب إلي مسئول الحسابات.
-أتفضل يا عم حسن فلوس العشر أوردرات.
حدقه الرجل بنظرة أثارت قـ,ـلقه و جعلته مرتبكاً لا سيما عندما سأله:
-عشر أوردرات مش ١٣ يعني!
أبتلع الأخر ريقه بتوتر بدي علي ملامحه فأجاب بصوت يكاد يكون مسموعاً:
-أه عـ,ـشرة.
رفع الرجل زواية فمه جانباً ببـ,ـسمة سـ,ـاخرة و قام بالـ,ـنقر علي لوحة الـ,ـمفاتيح التي أمامه ثم قام بتوجيه شاشة الحاسوب أمام محمود التي جحظت عينيه عندما رأي نفسه في تسجيل الكاميرات و هو يستلم الطلبات و بالفعل أعدادهم أكثر من عشرة، أجترع لعابه و نظر بتوجس إلي مديره الذي يرمقه بتجهم:
-بص، أنا أديتلك فرصتين قبل كده و قولت لنفسي خلاص يا حسن سامحه يمكن كان معذور في قرشين عـ,ـشان كدة عمل الحركة دي، و سامحتك مرة و التانية يمكن تتوب، لكن لما لاقيته داء فيك و فاكرني مغفل و ماتعرفش إن دبة النملة هنا بتكون بعلمي، يبقي كده خلاص ملكش عندي أكل عيش.
و بدلاً من أن يطالب العفو و السماح من رب عمله قام بخلع القميص المدون عليه شعار و إسم المطعم و صاح بكل تبجح:
-أنت هتذلني يا عم، خدي قميصكم العرة أهو، أومـ,ـال لو كنت بـ,ـتقبضني مرتب عدل زي باقي الناس كنت عملت فيا أي.
ثـ,ـارت أغوار الرجل فقام بمهاجمته:
-يعني حرامي و بـ,ـجح و كمان مش عاجـ,ـبك، ألف و نص في الشهر مش عاجـ,ـبينك غير التيبس اللي بتطلع بيه من الـ,ـزباين.
لم يتحمل توبيخ الرجل له فقام بدفعه و كاد يضـ,ـربه لكن قام العاملون بالمكان بمنعه، أخذ يتملص من قبضاتهم لكنه فشل.
و في الحارة كانت تجلس خلف النافذة تنظر عبر فتحات الخشب إلي الخارج بأعين بها آثار البكاء، تقوم بإجراء إتصال أكثر من مرة و لم تتلق أي إجابة مـ,ـنه، تريد أن تخبره كما تـ,ـطوق أن ينقذها من ظلم شقيقها، لم تعد تتحمل أكثر من ذلك فهي تحبه و لا تريد العيش سوي معه، فمنذ أن جاء هنا و سكن في هذا البناء منذ سنوات،لم تكن تعلم عنه شئ سوي إنه شاب مُغترب من محافظة الدقهلية و جاء هنا للعمل و يعود إلي بلده من حين لأخر حتي أخبرها بأن والدته توفت و أشقائه الثلاثة لكل منهم حياته .
هناك صوت المسحراتي الجهوري و هو ينادي علي أطـ,ـفال الـ,ـحارة بينما هي كانت تنتظر عمار،
فأنتبهت إلي صوت دراجته حيث توقف أمام الـ,ـبناء المقابل، لاحظت عدم إرتدائه لزي عمله كما أن ثيابه غير مهندمة، يبدو إنه تشاجر مع أحدهم.
نهضت بهدوء و ألـ,ـتقطت وشاحاً أرتدته علي عجالة و ذهبت لتطمئن بأن شقيقها و زوجته كلاهما يغطان في النوم و دون أي جهد للسير إلي غرفـ,ـتهما كان صوت شـ,ـخير شقـ,ـيقها يصل إلي أذنها، تـ,ـنفست الصعداء.
تسللت من النافذة و تتلفت من حولها لمراقبة الأجواء و حتي لا يكتشف أمرها، ولجت إلي البناء و صعدت خلفه علي أطراف أناملها، و حينما وصلت إلي السطح وجدت يد تجذبها بعنف و تدفعها إلي الجدار!
#الفصل_الثاني
#ما_بين_الحب_والحرمان
#بقلم_ولاء_رفعت_علي
تسللت من النافذة و تتلفت من حولها لمراقبة الأجواء و حتي لا يكتشف أمرها، ولجت إلي البناء و صعدت خلفه علي أطراف أناملها، و حينما وصلت إلي السطح وجدت يد تجذبها بعنف و تدفعها إلي الجدار!
شهقت بفزع و أخذت تلتقط أنفاسها و تردد بعض الأدعية حتي هدأت عندما أطمئنت إنه عمار و علي وجهه علامات الـ,ـغضب يسألها:
– أي اللي منزلك الشارع في الوقت المتأخر ده؟
ردت بخوف و علامات الذعر علي وجهها:
-كنت جاية أطمن عليك لما لاقيتك ما بتردش.
أبعد يده عن تلابيب عـ,ـبائتها و أطلق زفرة نافرة فهذا ما كان ينقصه في تلك الحالة التي يمر بها.
-مـ,ـكنتش بترد ليه؟
أجاب بتأفف:
-كنت في الـ,ـشغل.
ألقت نظرة علي ثيابه و مظهره الـ,ـمُزري فسألته مرة أخري:
– و أي اللي عمل فيك كده؟
جلس علي أقرب مقعد خشبي بالي و أجاب بسأم:
– أتخانقت و سبت الشغل.
غـ,ـرت فاهها بصدمة ثم قالت:
– أنت لحقت ده أنت لسه مـ,ـكملتش شهرين!
رمقها من طرف عينيه و عقب علي كلماتها:
-نصيبي كده أعمل أي يعني أبوـ,ـس أيديهم و أتذل عشان أفضل أشتغل مـ,ـعاهم!
أقـ,ـتربت منه و جذبت مقعد شبيه للجالس فوقه و جلست عليه بجواره قائلة:
-أنا ماقولتش كده، أنا قصدي يعني أي شغل فيه مشاكل و قرف و أنت مـ,ـحتاج لكل قرش عشان الشبكة و العفش و تشوف أوضة وصالة إيجار جديد .
إبـ,ـتسم بتهكم و قال:
– شبكة و عفش و شقة إيجار، عايـ,ـزاني أشتـ,ـغلك حرامي!
ضيقت ما بين حاجـ,ـبيها و تضايقت من حديثه الساخر:
– و هو كل اللي بـ,ـيتجوز كده بيشتغل حـ,ـرامي!
– لاء، بس اللي ما بيشوفش من الغربال يبقي أعمي.
أمسكت يده و بعينين مليئة بالرجاء و بنبرة توسل أخبرته:
– عمار أنا بحبك و مش عايزة حاجة تفرقنا حتي لو كان أخويا، أنا هستناك مهما حصل، بس زي ما هاستحمل و أصبر و أجي علي نفسي لازم أنت كمان تعمل كده، عشان هو ده الحب، الحب تضحية عشان تسعد اللي بتحبه.
ما زالت ضحكة السخرية علي ثغره و قال:
– كلام أفلام كانو بـ,ـيضحكو علينا بيه، الواقع بيقول عـ,ـكس كده فيه فلوس يبقي فيه حب، مفيش فلوس، يبقي مفيش حب و لا كلام الأغاني اللي كنا بنصبر بيه نفسنا و نفضل عايشين في وهم.
نـ,ـهض و وقف أمامها و نظر نحوها من موضعه و أردف:
-تقدري تقولي لي لو جيت تاني لأخـ,ـوكي و أقول له طالب إيد أختك عشان بحبها و أصبر عليا عـ,ـقبال ما أكون نفسي تفتكري هيرضي!، و لا هايصرف علينا أنا و أنتي!
نهضت لتقف أمامه و بداخلها قد سأمت حالته الإنـ,ـهزامية تلك، فبرغم حبها له لكن تمقت سلبيته المُفرطة و حالة اليأس المسيطرة عليه بالكامل:
-طول ما أنت إنسان سلبي و شايف كل حاجة سـ,ـودة قدامك عمرك ما هاتتقدم خطوة واحدة، ماتنساش وعدك ليا و أنت بتعترف لي بحُبك و أنك هاتعمل المستحيل عشان أكون ليك، بس الظاهر كان كله كلام في كلام.