
ــــــــــــــــ
و بعد عودتها إلي المنزل ولجت إلي غرفتها باكية جلست فوق السرير و أخرجت صندوق من درج الـ,ـكمود مليئ بالصور، أمسكت بصورة والدها الحنون قائلة و كأنها تحدثه:
-ليه سبتني يا بابا، شوفت حصلي أي من بعدك، حبشي قلبه حجر و قاسي و عمره ما كان حنين، أنت عمرك ما مديت إيدك عليا ابداً و لو زعقت فيا بتيجي تطبطب عليا و تاخدني في حـ,ـضنك، عمرك ما كسرت بخاطري، لكن أبنك ديماً كاسر بخاطري و عايش عشان يقهرني، لو الحياة هاتبقي ديماً كده ياريت خدني عندك عشان ارتاح بقي من العذاب و القرف اللي أنا عايشه فيه من وقت ما سبتني أنت و ماما.
وجدت يد حنونه تربت عليها و اليد الأخري تعطيها كوب عصير ليمون، صاحبة اليدين زوجة شقيقها قالت لها:
-استغفري ربنا يا ليلة، ربنا بإذن الله هايفرحك و هايعوضك بفرحة كبيرة بس أنتي قولي يارب و بلاش التشاؤوم و تفاولي علي نفسك بالمـ,ـوت، انتي لسه شابه صغيرة و الطريق قدامك طويل، بكرة تلاقي ابن الحلال اللي ياخدك في حـ,ـضنه و يطبطب عليكي و يعيشك في فرح و سعادة.
هزت الأخري رأسها و تجفف عبراتها في آن واحد:
-أنا كل اللي عايزاه أكمل تعليمي و اخد شهادتي و أشتغل و أبقي حرة نفسي و أطلع بره الحارة دي خالص، للأسف مفيش راجل عدل تقدري تأمنيه علي نفسك، كلهم صنف واحد ملهمش أمان.
– و مين سمعك يا ليلة كلنا كان نفسنا في كدة، بس الواقع حاجة تانية، الظروف ساعات بتحكم عليكي و تفرض عليكي عيشة و حياة غير اللي نفسك فيها خالص، كل اللي في أيدك دلوقت هو الصبر، و إن شاء الله حياتك هاتكون احسن.
نظرت إلي الفراغ داعية ربها:
-يارب.
ــــــــــــــــــــــــ
يتجمع أفراد عائلة معتصم حول المائدة لتناول طعام السحور، حيث تتراص أطباق مليئة بالطعام من الفول و الفلافل و البطاطا المقلية و الخضروات الورقية و البيض المسلوق و البذنجان و علب الزبادي، كل ما تشتهي الأنفس و تهواه المعدة.
خرجت عايدة من المطبخ تحمل دورق المياه الزجاجي و كوب فارغ، وضعتهم أمام زوجها الذي يلوك الطعام بفمه و شارد في الفراغ:
-أتفضل يا حبيبي.
بينما كان معتصم يأكل في صمت لكن عينيه لا تبرح تلك العاهرة التي أتت إليه بالأمس لتراوضه عن نفسه، لكن محاولتها بائت بالفشل الذريع عندما لوي ذراعها خلف ظهرها و هددها بفضحها أمام والدته و شقيقه إذا لم تبتعد عنه، لكن كيف يمكنها الإبتعاد و هي تعشقه بكل ما بها قلبها و عقلها و تريده بشدة، و لا تكترث إنها ترتكب إثماً عظيماً و ربما إذا أفتضح أمرها ستكون فتنة كبيرة ما بين الأخوة ربما تودي بحياة إحداهما!
حدقها بإزدراء و إشمئزاز بينما هي تبادله بنظرة كبرياء و كأنها لم تقترف أي شىء يا لها من فاجرة وضيعة.
كسر الصمت صوت نفيسة و تسأل إبنها:
-مقولتليش يا معتصم يا بني، لسه ما لقتش عروستك و لا أنقهالك أنا؟
أخذ الكوب و قام بسكب الماء من الدورق ثم شرب الكثير من الماء و أجاب:
– أيوة يا أمي لاقيتها.
خفق قلب عايدة و شعرت بالإختناق الذي قد يودي بحياتها عندما سمعت ما ذكره للتو هل قال إنه وجد عروسه، هل سيتزوج بأخري!
ردت والدته بإهتمام و فرحة:
-و دي مين دي يابني و أنا أروح أخطبهالك من دلوقتي.
نهض و نفض يديه من آثار الخبز و أجاب:
-تبقي ليلة بنت حبشي صاحبي.
تخلي جلال عن صمته أخيراً و تحدث و الطعام بفمه:
-أي ده أخت الواد حبشي المكانيكي؟
أومأ له شقيقه ثم نظر إلي عايدة التي شحب وجهها و الجحيم يندلع من عينيها خاصة عندما قال زوجها:
-يا إبن المـ,ـحظوظة يا معتصم، دي بت زي البدر، ، بس لسه صغيرة عندها 18 سنة.
عقبت والدتهما بإمتعاض:
-و أنت ما لقتش غير حـ,ـبشي البخيل المعفن و رايح تناسبه، دول محلتهمش حاجة و هو بخيل و جلدة طول عمره، تفتكر هيجهز أخته!
أخرج معتصم سيجارة من العلبة و أشعلها بالقداحة و نفث دخانها ثم أجاب:
-ملكيش دعوة ياماه ، أنا هاخدها بشنطة هدومها و لا مش هيجيب لها هدوم أنا ممكن أخليكي تاخديها و تشتري لها بنفسك.
قال له شقيقه مبتسماً بمكر و يغمز له بعينه:
-طبعاً ليك حق، أنا لو مكانك ده أنا أبيع نفسي و أشتري واحدة زي ليلة.
علقت عايدة بغيرة و حقد لم تستطع إخفائهما:
-دي حتة عيلة لسه خارجة من ثانوي، و علي ما أظن هي ثانوية عامة و سمعت البت أسماء بنت أم شهاب كانت بتتكلم إمبارح إنها جابت مجموع حلو و داخلة كلية جميلة، و معلش يا معتصم أنت يا دوب واخد دبلوم، تفتكر هتوافق؟
رمقها بحدة قد تكون قاربه للغضب ، يدرك سخريتها الواضحة و يشوبها الحقد و الضغينة،
شهقت نفيسة و قالت:
– فشر ياختي، ماله معتصم أبني، ده جدع طول بعرض و زي القمر و كسيب، عنده اللي مش عند خريج الطب، يعني لو شاور بصباعه الصغير البنات هتيجي تترمي تحت رجله.
ضحك جلال و عقب:
-طبعاً يا ماه و مين يشهد للعريس.
لوت زوجته شفتيها جانباً بتهكم و إمتعاض، نهضت من المائدة و قالت:
-لما أروح أعلق علي الشاي .
قال لها جلال :
-أبقي و النبي يا دودو ولعي لي حجر فحم و هاتي لي الشـ,ـيشة معاكي.
ربتت نفيسة علي إبـ,ـنها الأخر فقالت:
-ماشي يا معتصم هـ,ـاخد مرات أخوك و نروح نقعد قعدة ستات مع هدي مرات أخوها و نرمي لها الكلام و نشوف رأي البت أي و ربنا يقدم اللي فيه الخير.
نفث دخان سـ,ـجائره مرة أخري و قال بصوت مرتفع حتي يصل إلي التي تقف في المطبخ و تسترق السمع و نيران الغيرة تنهش قلبها :
-بس ياريت تفهميهم إنه هيبقي جواز علي طول يعني في خلال أسبوع، ما أنتي عارفة يا دوب واخد أجازة شهرين بالعافية و ممكن يبعتولي في أي وقت ربنا يستر.
– إزاي يابني هاتتجوز في رمضان!، ما تخليها علي العيد طيب.
رد قائلاً:
– أنا لسه بقولك هم شهرين بس اللي واخدهم أجازة و بعدين اليوم مش كله رمضان و الليل طويل.
بينما بالداخل كانت مثل المياه التي تغلي و تفور في براد الشاي، أطفأت الموقد و نسيت أن تمسك بعازل حرارة فأمسكت بمقبض البراد و سرعان ما أحـ,ـرقتها الحرارة شديدة السخونة، صرخت و وقع البراد بداخل الحوض، نهض جلال يركض لـ,ـيطمئن عليها:
– مالك يا دودو ؟
تصنعت البكاء لكن بالفعل تتألم بشدة لكن ألماً أقل من ما يشعر به قلبها العاشق لشقيق زوجها.
– إيدي يا جلجل لزقت في البراد.
أمـ,ـسك بيدها و وضعها أسـ,ـفل الصنبور و قام بفتحه، أنهمرت المياه علي أثر الحريق فأنتفضت و أخذت تصرخ بدلال، و عينيها صوب الذي يرمقها من بعيد شزراً.
ـــــــــــــــــــــ
و قبل الفجر بساعة، بداخل تلك الغرفة يتمتم لها و كأنه كالغريق :
-بحبك أوي يا دودو، بحبك أوي يابت.
أبتعد عنها و أرتمي علي ظهره بـ,ـجوارها كذكر الماعز دون أن يكترث إليها ، فهو كما كانت ترمي إليه دائماً حيث لا تجد منه سوي عدم الإكتراث لإحتياجاتها.
نهضت لترتدي ذلك القميص الحريري الذي قام بخلعه عنها هباءً، أرتدته و الإستياء يعتمل صـ,ـدرها، تريد الصراخ في وجهه لكن ما الفائدة أن تستنزف كامل طاقتها في الصراخ أمام هذا الأحمق، و هذا ما جعلها تُحلل لنفسها مشاعرها إلي شقيقه!