
دلفـت ” لارا ” بخطى بطيئة نحـو مكتب ” أسر ” .. ذاك المكان الذي أصبحت تخشـاه وتخشى ذاك ” اسر ” الذي يعاملها بحدة زائدة عن باقي الموظفين …
لم ولن تنسى أنه تقريبًا بحث عن كل حياتها، فأصبحت امامه ” شبه مُعراه ” من اي خبايا ..
ولكنه لم يصل لكل شيئ سوى المعلومات الطبيعية فقط !!
وهذا ما سنح لقلبها أن يرفرف بسلام ..
فتحت الباب ببطئ وهي تمسك بالقهوة بين يديهـا .. ليرفـع نظره تلقائيًا يحدج بها بنظرات مُخشبـة ومفاجأة كادت تجعلها تشهق ..
فتقدمت ببطئ شديد حتى سمعته يزمجر بخشونة جامدة :
-ماتخلصي إنتِ هتزحفي ولا إية !! مش كفاية كل ده تأخير .. القهوة دي مفروض أشربها قبل ما اوصل يا استاذة ؟!
وضعت القهوة .. ونظرت ارضًا تعض على شفتاها بحرج قبل أن تهمس :
-دي اول مرة اتأخر .. محصلش مصيبة يعني !!؟
فجأة نهـض ليُلقي بالقهوة على الارض فتحطمت مصدرة صوت الشظايا التي ماثـلت شعورها المرتعد في إنفجاره ..
لتهشق عاليًا :
-اية ده ! حرام عليك انا ظبطها بصعوبة
سمعته يصرخ فيها بغضب جم :
-جيبهالي متأخر .. ومتأخرة عن شغلك وكمان بتبجحي !!!
ظل يقترب منها ببطئ وهي تعود للخلف بقلق .. نعم هي شجاعة … ولكن أمام نظراته الحادة تلك التي تسقط عليها كصوت رعد يعلن نهاية الحياة !!!
هي جبانة .. !
إلتصقت بالباب خلفها تغلق عينيها بتوتر، لتشعر بأنفاسه تلفح صفحة وجهها التي شحبت حرفيًا وهي تسمعه يقول :
-الظاهر إنك محتاجة تربية من اول وجديد عشان تعرفي الأصول
إبتلعت ريقها بازداء وصدى تلك الإهانة يتردد داخلها ..
لتهتف بغيظ شابه الحنق :
-لا انا متربية كويس .. ماسمحلكش تقولي كدة !
حاولت فتح الباب بيدها ولكنه كان الأسرع فـ التصق بها يكبل يدها الاثنان بيديه العريضة السمراء ..
نظر في عيناها مباشرةً .. وكانت تلك تقريبًا اول مرة تتعمق خيوط عيناه البنيـة عن قرب ..
فهمست بصوت مبحوح :
-لو سمحت سيبني اخرج
اقترب منها اكثر .. ونظراته مصوبة على شفتاهـا .. !
خلايـاها تُفـجر احسـاس حار من ذاك القرب الذي لم يسبق لها أن تعرضت له …
تحسس وجهها رويدًا رويدًا وبرفق ليهمس :
-مش هاكذب .. انا صريح جدًا، إنتِ عجباني !
للحظـة تردد بخلدها صوت الطبيب وهو يخبرها عن حالة والدتها المريضة
” ماخبيش عليكِ يا أنسة لارا، والدتك حالة قلبها صعبة اوي، ولازم لها عملية للقلب بس يمكن مكلفة شوية .. 100 ألف جنية، وللأسف لازم يتدفعوا قبل العملية !! ”
تذكـرت ايضًا توسلها له
” ارجوك .. هجيب والله الفلوس، بس العملية تتعمل .. انا مليش غير ماما والله ”
ولكن تحطمت امالها في ثوانٍ
” انا اسف .. لو كنت انا المسؤل لوحدي مكنتش اتأخر عن مساعدتك، لكن دي قوانين المستشفى ومقدرش اخالفها، وده مش مبلغ صغير .. دول 100 ألف جنية !! ”
إنتبهت ليـداه التي كادت تستبيح لمسات لجسدها .. فدفعته بقوة صارخة فيه :
-ابعد عني انت مجنون !!!!
رفـع حاجبه الايسر باستحقار يتهكم :
-يا سلام ! دلوقتي فوقتي .. إية كانوا مشربينك حاجة أصفرة لما كنتي في الواحات ولا إية !!
إتسعت حدقتا عينـاها بصدمـة .. فجوة الألم تزداد انتصارًا في الأتساع بين ثنايا روحها .. وهي تضعف اكثر !!!
من أين علم ؟! وكيف اصلًا !!
لم تدري .. ولم تشعر سوى أنها بقيت تحدق به مصدومة .. ليكمل هو :
-حظك أنك وقعتي معايا، فمتحاوليش تمثلي الاحترام ؟!
هـزت رأسها نافية بهيسترية، لتضربه على صدره وهي تردد باكية :
-لا .. ابعد عني ملكش دعوة ملعوون ابو الفقر !
ارادت الخروج ولكنه امسك بها يكبلها .. وإلتصق بها اكثر وهي تحاول الفرار من حرارة جسـده ..
ومن دون تردد كانت تصفعه بكل ما تملك من شظايا قوة لتسرع بالفرار من بين قبضته !!!!!!!!
فهمس هو يجز على أسنانـه حتى اصدرت صوتًا قويًا:
-على اساس محترمة اوي !!! بس وحياة امي لاعرفك إن الله حق .. !