روايات

رواية بقلم رحمه السيد

الفصل الثالث

بعد مرور أسبوع …

دلـف حمزة إلى غرفته بالفندق الذي يقيـم فيه، خلـع الچاكيـت ليرميه على الأريكة، وما إن رفـع ناظريه عن الأرض حتى وجـد ” شذى ” تضـع قدم فوق الاخرى وتجلس على الفـراش مبتسمـة بتلك الطريقـة التي يود محوها للأبد !!!
فتح أزرار قميصه العلوي وهو يسألها بحدة :
-إنتِ بتعملي إية هنا يا شذى ؟ كان المفروض تبقي فـ اوضتك دلوقتي !
نهـضت مقتربـة منه ببطئ شديد، حتى وقفت على أطـراف أصابعها لتعبث في ازرار قميصـه المفتوحـة وهي تهمـس بنبـرة تحمـل عرضًا واضحًا :
-مالك يا حمزة ؟ شكلك متضايق .. ممكن نسترخي مع بعض !
هـز رأسه نافيًا بصلابة وهو يبعدها عنه .. هو يدرك أين راحتـه .. أين سكونـه ورواقـه .. واسفًا هو يدرك ايضًا أنه لن يناله !!!
راحتـه معها .. في أحضانهـا .. في بث تراتيـل عشقهـا الغائبـة عن عالمه …
ولكنـها كانت كـ اشيـاء نبتعد عنها في النور، ونبكيهـا ليلاً بين الظـلام !!
اولاهـا ظهره وهو يخبرها بصوت أجـش حاد :
-يستحسن تمشي لإني مش طايقك هه
رغـم تلك الإهانـة التي لُصقت بها وسط كلامه، إلا أن الشعـور بالنشـوة في تلك اللحظـات كان كاللحفـة الأقـوى في السيطـرة فلم تدري سوى أنها تبتسم بخبث قبل أن تقول بقلة حيلة مصطنعة :
-صدقني يا حمزة أنا بحبك، مش قادرة انساك !!
-لأ إنتِ مضطرة تنسي لإن في مصر مش حتكوني السكرتيرة بتاعتي، واحنا نازلين مصر قريب اصلاً
شعـرت أنها تلقـت صفعـة قاسيـة أحكمـت كل خيطًا خبيثًا كاد يُلف حول جوارح تثور بالإبتعاد عن تلك المعشوقة !!
فانتفضت وهي تهتف في حنق :
-هو احنا لحقنا ؟ ده أنت من الفندق للشغل ومن الشغل للفندق !!
أشـار لها بأصبـعه ينبههـا لتلك الخطوط التي مرت عليهـا كضبابيـات شفافـة بينما هي حدودًا لمملكة توجـت ملكتها وانتهى الامر !!!
” أنا مش جاي ألعب يا شذى، أنا اساسا جاي عشان اشتغل ”
نهضـت خلفه تحاول تخطي المحظورات وهي تضع يدها على ظهره بنعومة :
-أنا كان قصدي إنك لازم تاخد ريست شوية مش اكتر !
إنتفض مسرعًا يبتعد عنهـا، مشيرًا للخارج وهو يأمرهـا :
-اطلعي برة يا شذى، ملكيش فيه حتى لو ولعت فـ نفسي !
مطـت شفتيهـا بقلة حيلة مغتاظة :
-اللي يريحك
ثم استدارت بالفعل تغادر بهدوء تام .. هدوء يليق بثعبان لا تشعر به إلا بعدما تُلدغ منه وبقوة !!!!
بينما أخـرج حمزة صورة ” حنين ” من جيب بنطالـه .. يتحسسها بشوق دفين وهو يهمس :
-راحتي معاكِ إنتِ .. راحتي فـ ولادي منك، راحتي فـ حبك إنتِ، راحتي أنا عمري ما هطولها !! أنا تعبت ..
في نفس اللحظات رن هاتفـه معلنًا إتصال من كاميليـا .. للمرة التي لا يعلم عددها .. وللحق تلك المرات الاولى التي لا يحادثهم ولو مرة خلال ذلك الاسبوع !!
نظر للهاتف مدة دقيقتان ثم أغلق الإتصال مرسلاً برسالة نصية يخبرها أنه مشغول ..

هو يريد هدنـة نفسية .. هدنـة يهـدئ فيهـا حصـار لدقـات غرامية ذات شحنة ضعيفة .. ضعيفة جدًا !!

**********

وقفـت لارا امام الطبيب تحدق فيـه مصدومـة ..
لمَ إنحسرت زاوية الألم لتلك الدرجة ؟!
لم تُطبق الظروف على فتات روحها المتبقية للعيش بسـلام !!
جاذبية قدرها تُعاكـس قدرتهـا على الصمود.. واسفًا هي ضعيفة .. ضعيفة كقطعة خشب ستطفو على الفور دون صمود إرتكاز ولو قليل !!!!
رنـت جملة الطبيب بأذنيهـا
” والدتك دخلت فـ غيبوبـة .. كل ما بنتأخر حالتها هتسوء اكتر، انا اسف إني بقولك كدة بس واجب اعرفك خطورة الوضـع ” !
أي واجـب هذا يقضي على بقايـا كيان إنسان .. إنسان هامد من ضربات ذاك الزمـن !؟
أين أهلها .. لا يرغوبنها منذ وفاة والدها !
وهي لا تعلم من هو يملك المال سواه !!!
هو ” اسـر ”
وربما ستضطر للأسر معه في دائـرة لن تنتهي من المتاهات …
وجدت قدماها تسحبانها نحو تلك الشركة، ومن دون أن تخبر ” السكرتارية ” كانت تدلف للداخل …
وجدته منهمك في عمله .. وهي تمامًا مثله منهمكـه في محاولة كتمان تلك الإرتعاشة الميتة !!!
رفـع ناظريه لها يسألها بجدية :
-إنتِ دخلتي كدة على طول ازاي ؟ وعايزة اية اصـلاً انا ماطلبتش حاجة !
ربما حالها الميؤس هو من نطق :
-عايزة فلوس … منك !!
كان يحدق فيها ببلاهه لثوانٍ !!
أي ثقة هذه تحاول رسمها وهي تكمل :
-وأنت هتديهالي
كادت تنفلت منه ضحكـة ساخـرة على ثقـة تتبختر بين حروفها الواهية ..
سألها بخشونة :
-إية الثقة دي !؟ وبعدين عايزاها لية !
وجـد جسدها يرتعش اكثر !!
بل دوامـة من التشنجات كادت تُصيبها وهي تحاول الصمود ..
نهض مسرعًا يقترب منها وهو يشير لها مهدئًا :
-هششش اهدي اهدي في إية !
قالت دون أن تنظر له بحروف متقطعة بعض الشيئ :
-ماما .. ماما في المستشفى تعبانة وعايزة فلوس !!
امسكهـا برفق من كتفيهـا، ليزيح تلك الخلصة التي ظهرت من اسفل حجابهـا معلنة التمرد كصاحبتها تمامًا .. ليهمس بفتور :
-اهدي طيب
نظر لها لدقيقتـان قبل ان يسألها بصوت لمع به صدى خبثًا لم يجد عليها :
-وأنا هاخد إية لما اديكِ الفلوس ؟
وكأنها بدأت تستفيق رويدًا من تلك الأغماءة القصيرة على جملته التي كانت كصفعـة أيقظتها من غفوة البراءة !!
إنتفضت مبتعدة عنه وهي تزمجر فيه :
-لو فاكر إنك هتاخد مني حاجة عشان قولتلي إني عجباك وأنا عايزة فلوس تبقى غلطان !
ابتسـم بسخريـة طفيفة في قاع الخبث، ليردف بهدوء :
-اهدي كدة بس .. كله بالحلال إن شاء الله متقلقيش !
عقـدت ما بين حاجبيها ببلاهه :
-قصدك إية !؟
اقترب اكثر منها حتى أصبح على بُعد خطوة واحدة منها، وكان صوتـه طربًا لأمل جديد … ولكن معذرةً .. ألم أسود .. حالك تحت مسمى الامل !!
” قصدي هتجوزك .. هتجوزك رسمي ! ”
رآن الصمت بينهما قاتـل ..
هو يحادث نفسـه .. فترة قليلة فقط وسيتركهـا .. هو لن ولم يكون الخاسـر .. لن يعلم أي شخص .. ستكـون فترة قصيرة ولذة كبيرة !
خلف أسـوار الأسـرار المزروعة …
ولم يصدق وهو يسمعها تهمس بضعف :
-موافقة .. هتديني الفلوس ولا هتكتب الكتاب الاول !؟
هـز رأسـه نافيًا يمسـك بيدها المرتعشة بوهن ويقول :
-هنروح نشوف مامتك الاول وندفـع الفلوس وبعد كدة نكتب الكتاب
سحبهـا معه برفق .. هو يثق تمام الثقة أنها لن تصدع وعد قطعتـه .. وإن كانت مجرد راقصـة !!
نظرتـه في البشر لا تخيب ابدًا…
لم يكادوا يتخطوا الباب حتى وجدها تسقط مغشية عليها بين ذراعيـه .. صُدم وهو يلتقطها مسرعًا قبل أن تصل للأرضية فتصبح بين أحضانه ..
ليربت على وجنتاها بشرود هامسًا بصوت خفيض جدًا :
-يا ترى مخبية إية !؟

انت في الصفحة 7 من 42 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
18

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل