روايات

رواية بقلم رحمه السيد

وقفت حنين مع صديقتها الوحيـدة ” شيرين ” اسفل منزلهـا تودع صديقتها التي قالت لها متهكمة :
-إنتِ حددتي كل حاجة للمستقبل لكن إنتِ ماتعرفيش خالك حمزة ده هيوافق ولا لا
نظـرة متعمقـة لخلد مزدحم بتلك الأفكـار، لترميها بنظرة مترددة وهي تردف بجدية :
-هو اساسًا مابيردش علينا، شكله زهق من مسؤلية الام وبنتها اللي شايلها طول عمره، ماهو كل واحد له طاقة بردو
عقدت الاخرى حاجبيها تحدق بها لتجدها تكمل :
-الاول كان حمزة هو اللي بيحدد كل حاجة في الحياة كمان يمكن هو الحياة، لكن طالما هو بعد عننا يبقى انا كبيرة كفاية اخد القرارات الخاصة بحياتي .. وانا موافقة على شريف جدا كمان، حبي لحمزة كـ خالو اللي مش هقدر اعيش من غيره مش هيخليني انسى إنه مجرد متكفل بينا بس !!
تنهـدت ” شيرين ” قبل ان تومئ وهي تخبرها :
-اوكيه، بس فكري تاني يا حنين، ده جواز مش لعب عيال
اومأت حنين موافقة وهي تراها تغادر بهدوء
……..
لتصعد هي لمنزلها ..
طرقت الباب عدة طرقات صغيرة وقصيرة، لتجد الباب يُفتح .. وحمزة امامها !!!!!!
امامها بعد تلك الغيبة التي وضعت لها هي علامة اللانهائية .. !
يرمقها بنظرات حادة هـزت ثباتها المرسوم الذي كانت تتحدث عنه بالأسفل !!
وجدت نفسها تهمس متعجبة بصوت يكاد يسمع :
-حمزة !! أنت جيت امتى ؟
سحبها من يدهـا دون كلمـة نحو الداخل، اتجه بها لغرفة ” الصالون ” ليستطع رؤية كاميليا وهي تنهض تكاد تتحدث ..
فسبقها هو يخبرها بحزم :
-بعد اذنك يا كاميليا عايز اتكلم معاها على انفراد شوية بس
اومأت متنهدة باستسلام ليدلفوا ويغلق حمزة البـاب ..
نظـر لـ حنين التي كانت تبتلع ريقها بقلق قبل أن تسأله بتوتر :
-في اية يا حمزة ؟ اية اللي حصل وانت جيت ازاي اصلا !
تقـوس فاهه بما يشبه الابتسامـة، مجرد حركة ميتـة غزت ثغره وهو يقول بسخرية :
-اه .. ماهو واضح إني مابقاش ليا لازمة فـ حياتك خلاص !
رفعـت كتفيها تردد بهمس :
-لية بتقول كدة أنت عارف إني آآ ..
قاطعها وهو يصرخ بوجهها صارخًا بمقدار كل خلية من خلايـاه تُهدد بالأنفجار من الاشتعال الذي يُنهك مقدرته على التحمل !!!!
” إنك وافقتي على شريف ومستعدة تكتبي الكتاب فـ اقرب وقت عادي، إنك ماهنش عليكِ تفكري فيا ولو للحظة !! كأني مجرد شخص كان محسوب فـ حياتك ”
إنكمشـت في نفسها، ولكن حاولت تنعيم ذاك الحوار الخادش للهدوء النفسي الذي كلنت تسعى له :
-حمزة لا افهمني بس أنا …
قاطعها مكملاً صراخه وهو يقترب منها :
-إنتِ إية !!؟ إنتِ مجرد واحدة كذابة، تقولي اشعار فـ الشخص وعن اهميته فـ حياتك، ومع اول عريس ترميه ومع السلامة مش مهم !
وكأن لأول مرة ضـوء غضبه يزداد تسلطًا على حياتها البائسة هكذا !!!
لم ترى يومًا ذاك اللهيب المتكور بين جحور عينـاه السوداء وظلماتها …
ولم تشعـر يومًا بالإنحـدار لقـاعٍ لم ترغبه يومًا !
كادت تندفع تخبره :
-لا انا …
امسكها من ذراعيها فجأة مقتربًا منها ليدفعها للخلف قليلا حتى إلتصقت بالحائط خلفها فابتلعت ريقها بتوتر يزداد اكتساحًا لجوارحها ..
وخاصة عندما ظل يضرب الحائط بقبضته بكامل قواه وهو يسألها بصوت حاد وقوي :
-وافقتي على العريس ولا لا !؟
كادت تنطق :
-يا حمزة أنت ….
قاطعها وهو يضرب الحائط اقوى ويحطيها بذراعاه .. وهي لم تعد تحتمل، فانفجرت في البكاء وهي تومئ من وسط بكاؤوها :
-ايوة وافقت .. وافقت
سقط شعرها يداري وجهها وهي تحاوط وجهها بيدها مكملة بصوت مبحوح باكي :
-أنت لية بتعمل معايا كدة .. أنت مكنتش كدة، بقيت كل حاجة زعيق وشخط واحيانا اهانة كمان، هو انا عملت لك اية لـ ده كله !!
لاح مقدارًا لسخريـة تُناسب الانوار التي طُفئت لأمل وُجد يومًا !!!
ماذا فعلت ؟!
لم تفعـل .. هي فقط اوقفت نمو حياته العاطفية ليصبح شابًا في سن المراهقة يخضـع تحت نظرة عيناها …. !
اقترب منها ببطئ حتى اصبح خطوة واحدة تفصله عن الالتصاق بها، ليرفع خصلاتها عن وجهها برقة وهو يلامس وجنتاهـا بحنان .. حنان اختلط بحروفه المُشققة ألمًا وهو يسألها :
-إنتِ عايزاه يا حنين ؟ هتكوني مبسوطة معاه !!
شعرت بسخونة تفجرت بين خلاياها من تحسسه وجنتاها ومن هذا الاقتـراب الذي صُك في حياتها لاول مرة …
لتهمس مؤيدة :
-ايوة .. عايزاه !
صدر الحكم اذًا .. الموت لذاك القلب الهيمان .. لرغبة غبية لمعشوقـة لن تصبح ملكه يوما !!!!
اومأ وهو يبتعد عنها .. يشعر انه على وشك الانفجار بالبكاء، فقال بجمود ضعيف رغما عنه :
-خلاص .. يبقى بلغوه الموافقة يا حنين .. مبروك !!
ثم استـدار ماحيًا اعطاءها فرصة للحديث مرة اخرى .. فتقريبا قد وضعت نقطة النهاية .. فلا تحاول تكملة حروف دون فائدة !!!!!

********

يتبع
الفصل الرابــع

أيـام مـرت .. منفـرد .. منعـزل وراهـب هو داخل محـراب عشقـه !!
خاسـر هو يُعانـي سراب الخسارة الموحش، تلك الخسـارة التي لا تكتمل فتقضي عليه بالكامل ..
ولا تنتهي كالسراب تركك مُشتعـل كـ شمعة منـاره وسط أغلالاً واضحة من الظلمـات الموحشة !!!!
ولكن انتهى العذاب .. ليبدأ عذاب جديد !
اليـوم يوم الإعـدام .. يوم القتل .. او ربما يوم تنفيـذ الغرامـة !!
غرامة سكوتـه على حبًا تتدفقه منابـع جوارح غزيرة بلا هواده … !
قد تختلف المسميـات .. وتُمثل الحروف، ولكن يبقى الواقع واحد غير قابل للتغير … اليوم كتب كتاب حنين ..
زواج المعشوقة الوحيدة !!
بداية لحياتها الجديدة مع اخر .. بداية لموته البطيئ … !!
كلما تذكـر ذاك الـ ” شريف ” وهو يخبر كاميليا
” معلش يا مدام كاميليا، أنا كنت اتمنى نكتب الكتاب قبل ما اسافر، احنا بقالنا شهر بنتعرف واعتقد حنين معندهاش مشكلة ” !
شعر بالدمـاء تحترق بين اوردتـه ..
وللحق هو لا يلوم ” كاميليا ” على تلك الموافقـة ..
هي لم تجد مجالًا للرفض اسـاسًا .. العريس جاهـز للزواج ولم يكن معيوب يوما بنظرهم ..
والعروس موافقة ولم تبدي ذرة من الأعتراض حتى !!
وولي الامـر صامت يبدي موافقته بسكون مؤلم …
تنهـد بقـوة وهو ينظـر لتلك الحوريـة التي تجـلس امامـه لجوار ذاك اللعين ” شريف ” في إنتظار المأذون …
وجـد شخص يربت على كتفه بهدوء ليلتفت فوجـده مهاب الذي قال بمرح محاولاً اختلاق اي مدخل للسلام النفسي :
-اية يا عم مطنشني كدة .. ايش حال انا جاي اجاملك انت !؟
ابتسامة ساخرة قُتلت على ثغره، فتنهد مهاب قبل أن يخبره :
-أنا حاسس بيك يا حمزة، حاسس بكمية الوجع اللي جواك حتى لو مش عايز تحكي لحد عن حبك ليها !
نظـر له حمزة مسرعًا .. اخيرًا وجـد طرفًا ظهر امام العلانيـة !!!
للحظـات أعتقد أن ذاك الحـب مختزنًا داخـل دورات ملكومة داخله …
تنهد بقوة ثم همس بحرقـة واضحة :
-أنا هموت يا مُهاب .. كل ما اشوفه ماسكة إيده ومستنين المأذون كدة بحس بنار بتاكل فيا .. انا غيران .. هموووت من كتر الضغط يا مُهاب، مش متخيل إنها هتكون ملك واحد غيري .. هتخلف من واحد غيري !!
امسـك مهاب بذراعـه .. يحاول مده بطاقـة تجعله يكمل صموده لاخر لحظة …
وتم كل شيئ .. مر كغفـوة قصيرة استيقظ منها على لدغة ثعبان لا تُمرضه فقط وإنما تُميته على الفور …
اصبحت زوجة لاخر !!!!
ستستيقظ وتنام بين احضـان اخر .. !
تقـدم منهم ببطئ ومهاب يسير لجواره يمسك بيده .. حتى اصبحوا امامهم فقال مهاب بابتسامة مصطنعة :
-الف مبروك يا انسة حنين .. مبروك يا شريف
اومأت حنين هامسة بابتسامة :
-الله يبارك فيك يا استاذ مُهاب
بينما كان ” شريف ” يختلس النظـرات لـ حمزة الذي لم ترتفـع عيناه عن حنين ..
وكأنه يحتفظ بأخر صورة ممكنة لها بين جفونـه .. فلا يقدر ألم او غيره محوها !!!
وهو .. يشعر بالذنب … نعم قد كان يستشف ذاك الحب من تصرفات ” حمزة ” ولكنه جاهلاً في فك رموز حياته فلا يدري ما اليد التي دفعته لايلام ابن عمه وصديقه لتلك الدرجة !!!؟
اخيرًا خرج صوت حمزة واهن وهو يخبرها بفتور ويمد يده لها :
-مبروك يا حنين
حاولت الابتسام وهي تشعر بأصابعه تتحسس كفها الذي يكمن بين كفه العريض، لتهمس :
-الله يبارك فيك يا حمزة .. عقبالك !
جهـر القلب باعتراض ” حمقاء أنتِ يا حواء .. تتمنين الاكتمـال لمن جذرتيه حيًا !!؟ ”
…..
مر الوقت ثقيل .. ثقيل جدًا يجثم على دقات بطيئة تنذر باقتراب التوقف النهائي !!!
رحل الجميع ولم يتبقى سواهم .. فجلس شريف وحنين بمفردهم في الصالون ..
وهو هنا يتأكـل إنفعالاً !
هـز رأسه نافيًا وهو ينهض متجاهلاً مهاب الذي كان يحاول لهيه بالحديث :
-شد حيلك بقا ده انا فرحي بعد يومين عايزك تفيدني بخبرتك
وجد حمزة باب الصالون مفتوح قليلاً لتظهر جزء من الصـورة …
ذاك الملعون يُقبل حنين برفق وهو يمسك وجهها بين يديه .. وهي مستسلمة تغمض عينيهـا !!!
سحق عذرية شفتاهـا غيره !؟
اقترب منها غيره بتلك الطريقة …
ومن دون شعور كان يستدير ليلقي بالمزهرية ارضًا وهو يصرخ بجنون :
-ااااااه
وضـع يده على قلبـه يأن بألم حقيقي .. ليأتي الجميع متساءلاً :
-في اية يا حمزة مالك ؟
لم يرد حمزة وانما انطلق يغادر شبه راكضًا، ليقول مهاب مسرعا قبل ان يغادر خلفه :
-معلش حمزة تعبان شوية
اومأت كاميليا موافقـة بخفوت :
-ابقى طمنا عليه يا مهاب لو سمحت
اومأ موافقًا قبل أن يطلق قدماه للرياح تحمله مسرعًا لإنقاذ ما يمكن انقاذه من عملية دمار بدأت في الاشتعال !!!!!

انت في الصفحة 9 من 42 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
18

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل