روايات

غ,رام فى المت,رو من التاسع حتى الاخير كامله

*الفصل التاسع*
غرام في المترو
بقلم ولاء رفعت علي

ما بين الأمل والي,أس درب ملئ بالكثير من الأحداث، ونهاية الصبر علي الابتلاء نجاح جاء من الإيمان والرضا.

و هذا النجاح جاء إليها علي هيئة يوسف الذي وضعه القدر في دربها بعد معاناة، فبعد أن وافقت علي عرض العمل وتقديم إليها كل ما يسهل ذلك بشرط أن كل ذلك دين سترده إليه.

و كما أخبرها أن العمل يحتاج إلي المظهر الجيد دون مبالغة أو شيء خارج الأدب و الاحترام، اعطاها مبلغ من المال لشراء الثياب و كل ما تحتاجه، كما أعطي إليها أوراق تفيد بأنها قد حصلت علي شهادة جامعية تخصص إدارة أعمال و شهادات أخرى بأنها تتقن اللغة الإنجليزية و كل ما يؤهلها إلي العمل في شركة الشريف.

※ ※ ※

توقفت سيارة أجرة أمام مبني شاهق في حي الدقي الشهير، أعطت سماح إلي السائق الأجرة المتفق عليها و نزلت من السيارة، تنظر في شاشة هاتفها تقرأ رسائل هذا الرجل الذي قامت بالتعرف عليه من خلال البث المباشر التي كانت تقدمه في مقابل الحصول علي المال.

أخبرها إنه صاحب شركة إنتاج أغاني ويريد فتيات من أجل القيام بعرض فني خلف المغنى، و ما جعلها تنجذب لذلك العرض دون تفكير، هو وعده إليها أن يجعلها فنانة شهيرة غضون وقت قصير في مجال الغناء والاستعراض و ربما التمثيل أيضاً، كم تمنت أن تخرج من الحارة والحياة العفنة منها، لا تعلم أن العفن داخل الحي الشعبي الذي تقطن فيه أفضل من جهنم التي ستلقي نفسها بداخلها.

دخلت إلي الفناء فأوقفها الحارس وأخبرته

“أنا طالعة لمكتب عوني بيه”

سألها الحارس ليتأكد

“قصدك عوني القرني؟”

عبست وأجابت

“أنا كل اللي أعرفه اسمه عوني، لكن قرني دي ما أعرفهاش، ده اسم و لا لقب وغوغوشتني؟”

كانت نظراته تخترق العباءة التي ترتديها وتجسد منحنيات جس,دها، و ملامح وجهها المطمس خلف مساحيق التجميل الرديئة

“لاء، ده اسمه ولقب عيلته، عيلة القرني”

وابتسم بسخرية يشوبها نظرة وكأنه يريد إلتهامها

“عن إذنك أنا طالعة يا… ”

“محسوبك ع,زب”

أطلقت ضحكة تجاوزت حدود الأدب ودون الأدب ثم استقلت المصعد حتي وصلت إلي الطابق المنشود.

و في الأعلى ولجت إلي المكتب كما اخبرها عوني، وجدت في استقبلها فتاة لا تقل عنها في المظهر المبتذل

“ممكن أقابل عوني بيه، أصله مديني ميعاد”

سألتها الفتاة

“أنتي سماح بتاعت التيك توك؟”

ابتسامة صفراء أصدرتها شفتيها

“أيوة أنا”

نهضت الفتاة وأخبرتها

“تعالي ورايا، المعلم عوني مستنيكي”

و في طريقها إلي مكتب القرني وجدت فتاتين يتجولان بثياب كلمة محايدةة في الرواق، انقبض قلبها وصوت يخبرها أن تتراجع، لكن كيف تتراجع والمال والشهرة في انتظارها و للحصول عليهم يجب تقديم التنازلات كما قدمت الكثير أمام شاشة الهاتف.

فتحت الفتاة باب المكتب

“معلم عوني، سماح جت”

نهض الأخر بثقل بسبب جسده السمين

“خليها تدخل يا دندش”

أشارت إلي سماح التي ولجت ومازال قلبها ينبض بقوة، رأت رجل بدين يقف خلف المكتب، ذو ملامح خليط ما بين الرجل والسيدة، يخط أسفل أنفه شارب رفيع، وحاجبيه يبدو إنه يعتني بهما بالنمص، مظهره المقزز جعلها تتراجع خطوة

“معلش يا عوني بيه أصل أنا… ”

قاطع حديثها بعد قراءة ترددها في عينيها

“معلش إيه بس، اتفضلي يا قمر، ده أنتي طلعتي حلوة أوي وأجمد من الفيديوهات كمان”

ابتسمت إليه

“شكراً”

أشار إليها نحو الكرسي أمام مكتبه

“أتفضلي، أتفضلي، ده المكتب نور بيكي و هيبقي وش السعد علينا و عليكي”

“إن شاء الله”

“تشربي إيه يا موحة، أيوة بدلعك، أصل مفيش حد بيشتغل معانا غير لما ندلعه و نشخلعه و يبقي مبسوط 24 قيراط، و أنتي هتجربي وهاتعرفي بنفسك”

أجري اتصالا

“واد يا سمسم هاتلي قهوة و للمزمازيل سماح شوب مانجا وصاية”

أنهي المكالمة وأسلوبه في الحديث أثار اشمئزازها، شعرت وكأنها تجلس مع رجل مخنث

“ها يا موحة، أحضر العقود و نمضي و لا إيه؟”

“مش لما أعرف هاشتغل إيه بالظبط و لا هاخد كام يبقي بعد كدة نمضي؟”

ضحك وقال

“ده أنا هخليكي بطلة الكليبات، تطلعي مع الفنان والمخرجين و المنتجين لما يشوفوكي هيشاوروا ويقوله إحنا عايزين دي، و من عندي هتدخلي لأبواب المجد و الشهرة، إحتراف هنا و بره، هاتسافري لأمريكا وأوروبا بس أبقي افتكرينا”

تراقص داخلها وتأهب سمعها لجوابه علي سؤالها

“طب هيبقي مرتبي بالشهر و لا بالغنوة الواحدة؟”

“بالشهر طبعاً و هيبقي 150 ألف جنيه و لو جالك أوردرات بره هتقبضي بالدولار”

لا تعي بواطن الكلمات وانجرفت في سيل الطمع الذي أعمى عينيها

“طب و هنبدء شغل أمتي؟”

“كنت لسه هقولك بكرة الساعة 12 بالليل تكوني هنا، هنصور أول كليب مع فنان مشهور أوي”

“الساعة 12 بالليل؟!، إزاي هقول لأهلي إيه لما انزل متأخر”

نهض من خلف مكتبه بخطوات ثقيلة ليجلس علي المقعد المقابل لها

“جري إيه يا موحة صحصحي معايا، هو أنا اللي أقولك برضو تنزلي إزاي، اللي خلاكي تعرفي تصوري الفيديوهات إياها بتاعت الروتين اليومي واللي مش الروتين من غير أهلك ما يعرفوا، هيخليكي تعرفي تنزلي في أي وقت حتي لو الفجر، و لسه كمان هيبقي عندك سفر”

أثرت الصمت تفكر بتردد

“أنتي بتفكري لسه؟!، أنا بقولك 150ألف جنيه، يعني في خلال سنة تقدري تشتريلك شقة هنا في الدقي و لا المهندسين أو عربية أحدث موديل و لا الشهرة”

من قال إن وسوسة الش,يطان ذات تأثير علي الإنسان الضعيف!، فهناك من هم أشر و أقوي من الشيطان في السيطرة علي البشر، و من سواهم أعوان إبل,يس من البشر، شي,اطين الإنس علي مر العصور تركوا بصماتهم التي تفوقت علي معلمهم الذي يصفق لهم بجدارة وهو ينفذ وعده إلي خالقه في اغواء كل من انساق إلي خطواته بملء إرادته غير آبه لوعيد ربه وهو يخبره أنه سوف يملأ جهنم منه و من كل مَنّ أتبعه أجمعين.

“خلاص أنا هاتصرف”

تهللت السعادة علي محياه

“أهو ده الكلام المظبوط، كدة بقي فاضل نمضي العقود”

أخرج لها عدة أوراق وتابع

“كل حاجة جاهزة و واقفة علي إمضتك”

ستار من الظلام يكسو عينيها، تخط توقيعها أسفل كل ورقة، و مع كل توقيع تزداد ابتسامة هذا اللعين السمين.

※ ※ ※

عاد نور من الخارج يغني بصوت خافت كدليل علي سعادته التي تعلم زوجته سببها جيداً، توقف في بهو المنزل عندما وجدها تقف أعلي الدرج تعقد ساعديها و تحدق نحوه بنظرة باردة تثير مخاوفه من الذي تدبره له.

“حمدالله علي السلامة يا حبيبي، ما لسه بدري”

نظر في شاشة هاتفه فوجدها الثانية بعد منتصف الليل، عاد ببصره إليها ويصعد الدرج

“كان ورايا مصالح لازم أخلصها”

حدقت بسخرية إليه

“و هي المصالح دي ما ينفعش تخلص بالنهار؟”

زفر بضيق

“بس بقي يا كوكي، كفاية رغي صدعتيني و لازم تنكدي عليا”

نظرت إليه بازدراء وقالت

“أنا هاروح أنام جمب بنتي”

تركته وذهبت فقال في نفسه

“و لو روحتي لأهلك يبقي أحسن”

سار في الرواق فوجد باب غرفة شقيقه مفتوحاً، و يوسف يجلس أمام حاسوبه، ولج إلي الداخل

“إيه ده أنت رجعت؟”

نهض الأخر وفتح ذراعيه

“إيه جيت وراجع الشغل من جديد، وحشتني يا برو”

عانق شقيقه بقوة وأخذ كل منهما يربت علي ظهر الأخر، قال نور

“ربنا يهديك علي كدة دايماً”

“لو عرفت السبب هتتعجب، و عندي خبر حلو أوي”

سرد له عن غرام و الصدفة الغريبة والتي من خلالها تمكن من إنقاذ الشركة من الخسارة، كما قرر العودة إلي حياة أكثر جدية ومسئولية، كما أوصاه علي غرام بأن يجعل مسئول التوظيف يوافق علي تعينها في الشركة.

“تصدق عندي فضول أشوف اللي اسمها غرام”

لكزه يوسف في كتفه

“خد بالك دي مش زي البنات التانية، دي بنت في منتهي الأدب والإحترام، زي العملة النادرة، جدعة و بنت بلد”

“الله، الله، إيه يا چو، أنت لحقت توقع بالسرعة دي؟”

“أقع مين يا بني، أنا بساعدها مقابل وقفتها معايا مش اكتر”

ابتسم نور وسأله

“عليا أنا الحركات دي، يابني ده أنا حافظك، عموماً ما تقلقش اعتبرها اتعينت خلاص، و كمان هتبقي في القسم اللي أنت مسئول عنه، أي خدمة”

غمز بعينه ثم هم بالذهاب

“اسيبك أنا بقي وهاروح أنام، تصبح علي خير”

“و أنت من أهله”

و قبل أن يغادر نور الغرفة أخذ يغني

“يا سلام، يا سلام قد إيه حلو الغرام”

أمسك يوسف بقلم من فوق مكتبه وألقاه علي شقيقه الذي فر علي الفور قبل أن يصيبه القلم.

※ ※ ※

كانت تقف أمام المرآة ترتدي الثياب التي اشترتها وتنظر إلي مظهرها، تبدو كسيدة أعمال

“إيه ده، اش اش، إيه الحلاوة دي يا غرومه”

كان صوت ابتسام فألتفت إليها غرام

“إيه رأيك؟، اشتريتهم عشان الشغل الجديد”

“و من أين لك هذا؟”

تخشى أن تظن والدتها و شقيقتيها بأمر آخر فقالت

“دي فلوس استلفتها من واحدة صاحبتي، هارجعهم ليها أول ما هقبض”

دلفت والدتها تحمل صينية يعلوها أكواب

“العصير يا بنات”

انتبهت إلي ابنتها

“إيه ده يا غرام؟”

“دي هدوم لسه شارياها عشان الشغل الجديد، لازم يكون مظهري شيك و كدة يعني”

“و جبتي فلوسهم منين؟”

توترت فوجدت أن الكذب لا يفيد ويجب أن تسرد كل ما حدث لوالدتها، و بالفعل قامت بذلك حتي عقبت والدتها والقلق يبدو علي ملامح وجهها

“أنتي واثقة في الجدع ده يا بنتي و لا يطلع واحد نصاب و يضحك عليكي في الأخر”

“يا ماما ده ابن ناس و من عيلة معروفة، طلبت منه الشغل و بصراحة لاقيته كريم جداً و ما تقلقيش هو شخصية محترمة وبعدين بنتك بميت راجل، محدش يقدر يتكلم معايا أو يجي جمبه، ما أنتي مربياني و عارفاني كويس”

“ربنا يسعدك ويرزقك من وسع يا غرام يا بنتي، و يبعد عنك ولاد الحرام”

احتضنت والدتها

“آمين يارب”

وتذكرت هذا الوسيم الثلاثيني الذي ظهر لها في وقت عسير فابتسمت وخفق قلبها بسعادة، ربما هذه بداية السعادة القادمة مهما واجهت في طريقها من عثرات.

يتبع…

ــــــــــــــــــــــــــــ

*الفصل العاشر*
غرام في المترو
بقلم ولاء رفعت علي

تجلس في هيئتها و هندامها الجديد، ترتدي ثوب أبيض مزدان بالورود الحمراء، وشاحها الأحمر القاني زاد من جمالها الذي كان مدفوناً في التجول والبيع في القطارات.

كان المسئول يلقي عليها الأسئلة الروتينية في مقابلات طلب الوظيفة، لاحظت غرام جميع الأسئلة تتميز بسهولة ربما هذا عن قصد من مسئول التوظيف لا سيما بعد وصاية خاصة من الأخوين نور ويوسف.

وفي نهاية المقابلة ابتسم المسئول ويخبرها

“ألف مبروك يا آنسة غرام، أهلاً وسهلاً بيكي في الشريف جروب”

“بالسرعة دي؟!، ده أنا اسمع أن في أي شركة بيردوا بعد الانترفيو سواء بالموافقة أو الرفض بعد فترة مش وقت المقابلة علي طول”

نظر عبر الحائط الزجاجي نحو الرواق إلي يوسف الذي كان ينتظرها في الخارج، أخبرها

“البركة في مستر يوسف”

ألتفت خلفها فوجدت يوسف يبتسم إليها، و كم هي ابتسامته ساحرة، حاولت تشتت ذهنها من الوقوع في أحلام بعيدة المنال، فيكفي ما فعله من معروف و دين لن تنساه بتاً.

خرجت إليه فقال لها

“ألف مبروك”

“الله يبارك في حضرتك، بس أنا برضو لحد. دلوقت مش فاهمة هاشتغل إيه”

“مبدأياً كدة ياريت نشيل أي ألقاب و كلمات زي حضرتك و يافندم طول ما إحنا مع بعض، إما بالنسبة لشغلك هتبقي السكرتيرة أو المساعة الخاصة بيا و هتبقي برضو المسئول التاني من بعدي في قسم الـ Marketing”

تدلي فكها في كلمة أخرى، يخبرها بوظائف لم ترَ مثلها سوي في التلفاز فقط

“بس أنا مافهمش حاجة في السكرتريا أو التسويق”

اعتدل من ياقة قميصه بزهو يقول لها

“أنا هعلمك كل حاجة، و أنتي شاطرة وهتتعلمي كل حاجة بسرعة”

تراقص قلبها من السعادة، أخيراً فتحت الدنيا لها ذراعيها، تدعو ربها أن لا يقابلها عثرات تقذف بها إلي الهاوية.

و هناك مَنْ كان يراقب صديقه والفتاة التي يخمن أين رآها من قبل، عبر من أمامه مسئول التوظيف أوقفه يسأله

“هي مين اللي واقفة هناك مع يوسف؟”

أجاب الآخر

“خد بالك يا رامي، غرام دي تبع مستر يوسف ومستر نور، متوصي عليها جامد منهم، الله أعلم شكلها قريبتهم أو من معارفهم”

“اسمها غرام، حلو، حلو أوي كمان”

همس بها وينظر نحو غرام بنظرة يشوبها الغموض والرغبة في خطف الصيد الجديد قبل أن يقع في يد صاحبه.

※ ※ ※

انتهت ابتسام للتو من الشراء في السوق وفي طريق عودتها، كانت شاردة في أمر حسن الذي أخبرها إنه سيتحدث مع شقيقتها في أمر هام وعندما سألته خشية من أن يخبر شقيقتها بأمر عثمان فطمئنها حسن وقال لها لا تقلق وستعلم لاحقاً كل شيء.

توقفت فجأة عن السير عندما وجدت المقبل عليها أعلي الدراجة النا,رية، يبتسم إليه و هبط علي الأرض

“عثمان لو سمحت عايزة أروح بسرعة عشان أمي مستنياني، و لو حد شافنا من أهل الحارة سيرتنا هتبقي علي كل لسان”

أخبرته بذلك وكانت ملامحها جادة، ظل مبتسماً و عقب علي أسلوبها الذي ضايقه لكن أسر ذلك في نفسه

“أنا عارف إنك زعلانة مني و مش طيقاني عشان اللي حصل في البيت المهجور، و قصدت ما اقربش منك و لا أكلمك طول الفترة اللي فاتت لحد ما تهدي، و جيتلك النهاردة عشان أقولك إن أنا خلاص هسافر، عنتر بعتلي أشتغل معاه في الكويت، و أنا بصراحة فرحت جداً عشان شغلي برة هيخليني أعرف أجهز شقتي من كل حاجة و مش هخلي خالتي عزيزة تشتريلك حتي إبرة و شنطة هدومك كمان عليا”

“بس أنا… ”

رفع يده لتصمت وتابع هو حديثه

“إحنا مش هنتجوز لا السنة دي و لا الجاية و لا اللي بعدها، أنا مع أول أجازة ليا هخطبك و نكتب الكتاب و بعد ما تخلصي الكلية نتجوز، أظن مفيش أريح من كدة، و لا إيه؟”

هزت رأسها وعقبت باقتضاب

“إن شاء الله”

“أنا كل اللي عايزه منك تاخدي بالك من نفسك أوي، ملكيش دعوة بحد و لو حد ضايقك أخويا عاطف مكاني هيجبلك حقك وقتها”

“ماشي”

“و حاجة أخيرة، هابقي أطمن عليكي كل يوم علي الواتس أو الفيس، ياريت تردي عليها ساعتها و تطمنيني عليكي”

نظر إلي هاتفها ذو الطراز القديم وأخبرها مردفاً

“أول قبض ليا إن شاء الله هابعتلك موبايل و هايكون من إختيارك”

“سافر أنت بس بالسلامة، و أنا هاتصرف و أكلمك”

“هتوحشيني”

“و أنت كمان”

لاحظ تغيرها الطارئ و ظن أمر أخر

“أنتي زعلانة أوي كدة عشان هسافر؟”

أخفت توترها خلف ابتسامة زائفة

“لاء مش زعلانة، أنا أتفاجئت بس بموضوع سفرك، و فرحانة جداً، أديك هترتاح من شغلانة صبي الميكانيكي في الورشة”

“يعني أنا هاروح أشتغل مدير شركة هناك، أنا هاشتغل حاجة من الأتنين يا نقاش يا هاغسل صحون في مطعم”

“مش مشكلة، طالما بالحلال خلاص”

صدح رنين هاتفها باسم شقيقتها، انتفضت وهمت بالذهاب

“غرام بترن عليا شكلها رجعت، معلش أنا مضطرة أسيبك، سلام”

وركضت سريعاً وكأن الاتصال جاء لها نجدة من الوقوف أمام عثمان والاستمرار معه في وعود ستنتهي قريباً.

※ ※ ※

و ها قد جاء أول يوم في العمل لها، كانت تشعر بالفرح ويخفق قلبها من فرط السعادة أخيراً ستعمل في وظيفة مرموقة بدلاً من التجول في القطار والتعرض للمضايقات من المارة ورجال الأمن في المحطات.

“صباح الخير”

ألتفت إلي صاحب الصوت وابتسمت

“صباح النور يا مستر يوسف، يارب أكون جيت في ميعادي مظبوط”

نظر إلي ساعة يده

“جاية بدري عشر دقايق عن ميعادك ده أنتي كدة هتبقي قدوة لزمايلك”

ضحكت وقالت

“هو بس عشان أول يوم”

“لاء، خدي بالك أنا في الشغل أسألي عني، جد جداً و بحب المواعيد المظبوطة”

“ما تقلقش حضرتك، إن شاء الله هاجي علي طول في ميعادي”

نهض من خلف مكتبه

“تعالي معايا لما أعرفك بالبيج بوص، رأفت بيه الشريف”

ذهبت خلفه فوجدت أنها أمام غرفة مكتب صاحب هذا الصرح، انبهرت بكل ما تري من حولها من رقي وشموخ من أثاث و ديكور.

طرق الباب و ولج بعد إذن والده له بالدخول، وجد سوزي تقف جوار والده بقرب مبالغ وتميل نحوه بجرأة سافرة غير مبالية لنظرات يوسف الحادة إليها

“تعالي يا يوسف، كنت لسه هاكلمك عشان عايزك”

نظر إلي سوزي وأشار لها

“أتفضلي أنتي علي مكتبك”

“أمرك يا رأفت بيه”

غادرت الغرفة فألتفت يوسف إلي والده

“بابا أنا أول حاجة بعتذرلك عن كلامي معاك المرة اللي فاتت و… ”

“خلاص يا يوسف، مفيش داعي نقلب في اللي فات، كونك أنك تنقذ الشركة من خسارة كبيرة ده كفيل يمحيلك أي أخطاء و يخليني أسامحك، نور أخوك حكالي علي كل حاجة، و عرفت أنكم عينتم البنت اللي اسمها غرام هنا في الشركة”

ابتسم لأن والده اختصر عليه شوط كبير من الحديث

“هي واقفة برة و كنت جايبها عشان حضرتك تشوفها و تتكلم معاها بما أنها بقت موظفة في الشركة”

حدق إليه والده بنظرة غامضة

“و ياريت تحط في دماغك إنها مجرد موظفة في الشركة”

أدرك رسالة والده الخفية من حديثه هذا، نهض ليخبر غرام بأن تدخل، ولجت تتلفت من حولها، تشعر بالرهبة و الخوف، لاسيما عندما وقعت عينيها علي رأفت الشريف، شملها بنظرة سريعة، فهذا الرجل ذو هيبة و وضع يجعل الجميع ينحنوا إليه احتراما له.

نظرت إلي أسفل بخجل

“السلام عليكم يا رأفت بيه”

“و عليكم السلام، أتفضلي يا غرام”

جلست ونظرت إلي يوسف الذي كان يبتسم إليها ثم انتبهت إلي والده

“أنا يوسف حكالي علي كل حاجة، و قالي قد إيه أنك مجتهدة في شغلك و شاطرة، و بما أنك بقيتي مننا هنا، عايز أشوف شطارتك في الشغل، في الشغل و بس”

وصلت إليها الرسالة أيضاً، علمت إنه يحذرها من الاقتراب من نجله، هزت رأسها بنعم

“بإذن الله يا رأفت بيه”

“دلوقتي تقدروا تفضلوا علي مكتابكم”

نهض كليهما، وتشعر برجفة في يديها، ذهبت سريعاً إلي غرفة المكتب الخاص بها دون أن تلتفت إلي يوسف، و ما أن خطت قدمها داخل الغرفة، أغلقت الباب و تلتقط أنفاسها، تشعر بغصة وكأنها ارتكبت ذنباً، لما يحذرها هذا الرجل من أمر تعرف حدها نحوه جيداً، لتدرك أن الحياة ليست وردية هنا، و عليها أن لا تفكر بشيء سوي العمل فقط حتي لا تخسر مصدر رزق وفير لأسرتها.

※ ※ ※

الساعة الحادية عشر ليلاً، تريد الذهاب حتي لا تتأخر عن موعد عملها الجديد، ترتدي ثوب كلمة محايدة أسفل العباءة السوداء ظناً منها هذا ما سترتديه في الاستعراض الذي ستقدمه خلف المغني كما أخبرها عوني القرني.

ألقت نظرة علي والدها الذي يغط في النوم و اطمئنت لأنه لا يستيقظ سوي في اليوم التالي ظهراً ستكون قد عادت.

غادرت منزلها وبخطوات أشبه بالركض اتجهت إلي خارج الحارة لا تري الذي يلحق بها منذ أن رآها وهي تتسلل من باب البناء.

استقلت سيارة أجرة ففعل مثلها وقال للسائق

“أطلع ورا التاكسي ده ياسطا”

و بعد قطع مسافة كبيرة توقفت السيارة التي هي بداخلها وبعد أن اعطت للسائق الأجرة،

وجدت الحارس في استقبالها بحفاوة

“يا مرحب يا مرحب بالنجمة الجديدة”

رمقته من أعلي إلي أسفل

“يا سم”

ولجت داخل المصعد و بعد ثواني وصلت أمام باب المكتب، فتحت فتاة أخرى غير التي كانت موجودة بالأمس

“أنتي سماح؟”

أومأت لها الأخرى

“اه، أومال فين عوني بيه؟”

“تعالي أتفضلي أستريحي و استنيه عنده ضيوف وهيمشوا بعد عشر دقايق، تحبي تشربي حاجة؟”

هزت رأسها فهي تشعر بالعطش الشديد

“اه ياريت، عايزة أشرب ميه”

“دقيقة و راجعالك”

ذهبت الفتاة ذات المظهر الغريب، لكن سماح لم تهتم كالعادة فالمال و الشهرة لديها هما الأهم،

عادت الفتاة تحمل صينية يعلوها كوب من العصير و آخر ماء

“اتفضلي”

“شكراً”

تناولت كوب الماء ارتشفت القليل ثم أخذت العصير تشربه علي دفعة واحدة وكأنها تشعر بالحيوية بعد التوتر والقلق.

في الأسفل يصيح عاطف في الحارس

“بقولك أنا عايز أعرف اللي طلعت دلوقتي دي في أنهي دور؟”

“و أنا بقولك معرفش، و ماشوفتش حد طلع هنا، يلا أتكل علي الله بدل ما أندهالك الرجالة يطلعوك بمعرفتهم”

“طيب إيه رأيك أنا مش ماشي من هنا غير لما أعرف هي فين و طلعت لمين”

حدق نحوه الحارس بوعيد

“بقي كدة، ماشي أنت اللي جيبته لنفسك”

وفي الأعلى، بدأت تشعر بالخدر في أطرافها و عدم اتزان، أصبحت الرؤية مشوشة لديها و كانت عيون الفتاة ذات المظهر المريب تراقبها، اقتربت منها وحاولت مساعدتها في النهوض

“قومي معايا الضيوف مشيوا”

وقفت بصعوبة واستندت علي ساعد الفتاة وسارت بخطى متعثرة

“أنا.. مالي.. بيحصل.. فيا.. إيه؟”

تفوهت بصعوبة و كأن الخدر اصاب لسانها أيضاً

أجابت الفتاة

“معلش هو تأثير المخدر كدة، بيخليكي ما بين النوم والصحيان و تحسي أطرافك كلها كأنها مشلولة”

ولجت داخل غرفة ذات مساحة كبيرة مليئة بكاميرات التصوير في كل زاوية و إضاءة أزعجت عينيها، رجل يجلس خلف جهاز عرض صغير يذكرها بمشاهد المخرج الجالس خلف الشاشة يراقب المشهد، كما هناك وراء كل كاميرا رجل كل منهم ذو جسد طويل وعريض وكأنهم يعملون في الحراسة.

شعرت سماح بجسدها يلقي علي فراش ذو ملمس حريري، تقوم الفتاة بتجريدها من العباءة ذات المظهر الكلمة محايدة لتصبح بالثوب القصير العاري وحذائها ذو الكعب المرتفع.

تركتها و ذهبت إلي غرفة قريبة لتخبر هذا الشيطان البدين، وجدته يتحدث في الهاتف

“أوعي تخليه يطلع، أنا هابعتلك الرجالة يخلوه يحرم يمشي من قدام البرج تاني”

أنهي المكالمة ورأي الفتاة تخبره

“النجمة جاهزة يا بوص”

ابتسامة شيطانية علي محياه يتبعها أمراً

“بلغي سام وقوليله النجمة جاهزة وخليهم يبدأوا تصوير”

“أمرك يا بوص”

وبعد أن نفذت أوامر رب عملهم الكلمة محايدة، خرج من الغرفة المجاورة لغرفة التصوير شاب مفتول العضلات، تبدو ملامحه الغير عربية إنه من جنسية أوروبية، يرتدي قميصاً مفتوحة أزراره إلي خصره وبنطلون من الجينز الأسود.

ولج بخطوات استعراضية كعارض الأزياء، صاح هذا الجالس خلف الشاشة

“1 2 3 go”

تسمع أصواتهم و تري هذا الضوء المزعج و المسلط عليها، تريد أن تتحرك لكن غير قادرة علي فعل ذلك، ظهر أمام عينيها رجل يخلع قميصه، تحاول أن تصرخ لا جدوي من ذلك و كأنها داخل كابوس لا تستطيع الاستيقاظ منه، تشعر بكل لمسات و قبضة هذا الرجل الغريب علي جسدها، ينفذ أوامر المخرج وهي بين يديه كالدمية يحركها كيفما شاء تحت أنظار كل من في الغرفة.

و في الأسفل يصرخ عاطف من ألم اللكمات و الركلات الموجهة إليه من رجال عوني، مع كل صرخة يناديها

“سماح”

صراخه مسموعاً بينما صراخها الناتج عن اعتداء الرجل عليها أمام الكاميرات لا يسمعه سواها فقط.

يتبع….
ــــــــــــــــــــــــــ

*الفصل الحادي عشر*
غرام في المترو
بقلم ولاء رفعت علي

تولت اليوم الوظيفة الجديدة، أصبحت المساعدة الخاصة بيوسف وهذا بعد أن أشاد بها إلي والده بأنها من ساعدته علي معرفة المصنع المحتال الذي يقلد منتجاتهم ويغرق السوق بها بثمن بخس فذلك أدى إلي خسارة فادحة إليهم.

“ده فيديو فيه شرح بالصوت والصورة عن كل المهام اللي هاتطلب منك، و لو فيه أي حاجة أبقي أسأليني، أنا رايح علي مكتبي دلوقت و في البريك نتقابل”
كان قول يوسف وقابلته غرام بإيماءة يصاحبها ابتسامة امتنان
“شكراً أوي يا مستر يوسف، بجد بجد مش عارفة من غيرك كان ممكن أعمل إيه”

“العفو يا غرام، و بجد بجد لو قولتي مستر يوسف دي تاني مش هارد عليكي”

ضحكت وليتها ما فعلت ذلك، ملامحها تتسم بالبساطة وليست صارخة الجمال كالفتيات التي تركض خلفه أو مثل ماهي التي تلتصق به كالبق أينما رأته لكنه يرى في غرام ما هو ليس في بقية الفتيات، جمالاً ينبع من داخلها يطغى علي ملامحها فيجعلها ساحرة لمن يتحدث معها، تولج إلي القلب سريعاً دون استئذان.

“عارفة إن ضحكتك حلوة أوي”
إطراء بل كلمات عصفت بداخلها، ابتلعت لعابها بخجل، رسمت الجدية علي ملامح وجهها
“أوك يا مستر يوسف، هاشوف الفيديو و هاطبق الشرح و هابقي أبلغ حضرتك”

رفع يده وأخذ يعد بأصابعه
“مستر يوسف أدي مرة، و حضرتك أدى مرتين، طب والله ما أنا رادد”
اثار حديثه بأسلوب فكاهي ضحكتها مرة أخرى، نهض قائلاً
“مش هارد و لا هاعاكس برضو”
ذهب إلي مكتبه و كان من هناك ينتظر خروجه ليذهب هو إليها، طرق الباب حتي جاء صوتها إليه
“أتفضل”

فتح الباب و ولج إلي الداخل، نهضت وتحاول استرجاع ذاكرتها عن هويته
“خير، مين حضرتك؟”

ابتسم إليها و مد يده للمصافحة
“أنا مستر رامي، و تقدري تقوليلي يا رامي من غير ألقاب، مسئول عن قسم الـ IT في الشركة وصاحب يوسف ونور ويوسف أكتر”

رددت في عقلها
“و ده كمان جاي يقولي مفيش ألقاب، هو إيه الحكاية، أنا جاية أشتغل و لا أتشقط؟!”

“أهلاً وسهلاً بحضرتك يا مستر رامي”

ظلت يده في الهواء دون مصافحة، أعادها جانبه بحرج
“علي فكرة أنا مش جاي أضايقك، أنا برحب بيكي كموظفة جديدة عندنا، أصلنا كلنا هنا أسرة واحدة”

“تمام يا مستر رامي، أنا اسمي غرام وبشتغل سكرتيرة مستر يوسف، و شغلي بيقتصر علي طلبات قسم التسويق وبس”
تفهم رفضها الجلي للتعارف وتبادل الأحاديث بينهما، فزاد إصراره علي التقرب منها لكن في وقت لاحق ليس الآن حتي لا تنفر منه.

“تمام يا آنسة غرام، عن إذنك”
ذهب ولم ينتبه إلي يوسف الذي خرج للتو من غرفة مكتبه ليراه يغادر من غرفة غرام، داهمه الشعور بالانزعاج كثيراً، اقتحم مكتب الأخر دون استئذان
“رامي، أسلوب الشقط الرخيص اللي بتعمله مع أي بنت بتعجبك ده تنساه خالص هنا، إلا و أقسم بالله ما هخليك تعتب باب الشركة ده نهائي”

أوقفه رامي مدافعاً عن نفسه
“تعالي هنا فهمني، شقط و زفت إيه اللي بتكلمني عليه؟!، هي لحقت السكرتيرة تبلغك؟، واضح بدأت تشوف شغلها كويس”

“أنا لسه شايفك بعينيا وأنت خارج من المكتب عندها، طبعاً داخل بترحب بيها علي طريقتك”

وقف أمامه بتحدي
“اه كنت برحب بيها، بس بأدب وبإحترام، فيها حاجة يعني؟!، و لا رأفت بيه مانع الموظفين يتعرفوا علي بعض؟! ”

زفر يوسف بنفاذ صبر، رفع سبابته كإشارة تحذيرية
“لأخر مرة بحذرك يا رامي، ملكش دعوة سواء بيها أو بغيرها هنا في الشركة، و لسه علي تهديدي”
غادر في الحال تاركاً دماء الأخر تفور كماء المرجل، يتمتم بوعيد وحقد دفين
“واضح من كلامك إنها مش مجرد سكرتيرة وبس، لما نشوف يا يوسف مين فينا اللي هيفوز بيها الأول”

※ ※ ※

تتقلب علي فراشها وكأنها ترقد علي جمر من النار، تبكي بحسرة علي ما حدث لها في ليلة أمس، تذكرت كيف كانت مسلوبة الإرادة من تأثير المخدر الذي جعلها ما بين الوعي ونقيضه، شعرت بكل ما حدث معها، انتهاك جسدها بأبشع الطرق أمام كاميرات التصوير و أعين الرجال، وقعت ضحية لعصابة الإتجار بالبشر.

لما الندم الآن وهي من سلكت درب من دروب إبليس من أجل المال، باعت جسدها إلي عيون الرجال وتظن بإخفاء وجهها خلف الوشاح هذا سيمحو الإثم الذي اقترفته، و ها هي أصبحت سلعة للمشاهدة وللمس أيضاً، كانت تريد الشهرة والمال و لا يهم الوسيلة، لذلك لا تلوم في روايتها سوي حالها.

صوت صرير باب غرفتها وصل إلي سمعها، علمت من الزائر
“بت يا سماح، أنتي يا بت كل ده نوم، قومي ياللي تنام عليكي حيطة”

نهضت و لا تريد هم فوق همها، يكفي الجحيم الذي وقعت به
“نعم يابا، الأكل عندك في التلاجة”

“هو أنا هصحيكي عشام الأكل، أنا عايز فلوس”

زفرت وعلي وشك أن تنفجر
“مش لسه مدياك إمبارح 500 جنيه؟!، راحوا فين؟”

صاح بكلمة أخرى زائف مثل كل مشاجرة ليبث داخلها الخوف من ثورته
“أختك عديت عليها إمبارح لاقيتها محتاجة فلوس أديتلها منهم و الباقي جبت بيه طلبات للبيت، و بعدين أنا حر أصرفهم زي ما أنا عايز ملكيش دعوة”

تمسك رأسها من ألم الرأس الملازم لها منذ أن استيقظت
“حاضر يابا، أنا معيش حالياً غير 200 جنيه”
وضعت يدها أسفل الوسادة لتأخذ محفظة نقودها فاختطفها منها وقام بفتحها ونهب كل ما بها من مال
“أخص عليكي، بت جاحدة، كل دي فلوس مخبياها علي أبوكي”

“يابا، دول شايلاهم لوقت زنقة، أنت أي قرش معاك بتخلصه علي الهباب اللي بتشربه ومعاشك برضو بتصرفه علي نفسك”

دفعها بكلمة أخرى في كتفها
“ملكيش فيه، كيفي مش هبطله، وأعملي حسابك أنا أول حمار هيجي يتقدملك هوافق عليه، حتي لو كان شحات، أهو يخلصني منك، جاتك البلا وأنتي شبه أمك الله يجحمها”
غادر المنزل وتركها تنعي حظها، أب جاحد بلا قلب و حياة قاسية اتخذت كليهما حجة واهية لتفعل ما تريد دون رادع، كان أمامها طريقين الخير والشر، اختارت الأخير وعليها أن تدفع الثمن.

صدح هاتفها بتنبيه رسالة واردة، انتفضت لأنها تعلم من المرسل، قامت بفتح الرسالة فوجدت محتواها كالتالي
«صباحية مباركة يا فنانة، شوفتي وعدتك هتبقي نجمة، خليتك بطلة و الفيديو بتاع إمبارح هيشوفوا الباشوات اللي بيدفعوا بالدولارات، شدي حيلك بقي وبكرة زي ميعاد إمبارح هتكوني عندي و لو مجتيش مش هقولك أنا هعمل إيه، كفاية الحاج مليجي وأخوكي و كل أهل الحتة عندك يشوفو فيلمك و فيديوهاتك الخاصة علي التطبيق إياه، ده كله كوم و وصولات الأمانة اللي مضيتي عليها دي كوم تاني، قدامك تلات إختيارات يا تكملي معانا، يا لفضيحة أو السجن يا حلوة
سيدك ومعلمك عوني القرني»

※ ※ ※
صوت الموسيقي والغناء يتردد في منزل عائلة هند، فالليلة هي ليلة الحناء، بعد مرور سنوات من الحب والعذاب حتي جاء اليوم الذي ستصبح مع من تعشقه قلباً وقالباً

و بداخل غرفة هند كانت غرام تقوم بوضع لها الحمرة علي شفتيها
“و كدة خلصت يا عروسة”

نظرت هند إلي المرآة بفرح
“تسلم إيديكي يا غرام، عقبال لما أحضر يوم حنتك يارب”

“يا عالم بقي ده ممكن يحصل و لا لاء”

“قلبي بيقولي هيحصل وقريب أوي كمان، ربنا هيكرمك بإذن الله بعريس اسمه يوسف”

لكزتها غرام في كتفها بمزاح
“ده أنتي هتخليني أحرم احكيلك حاجة تاني، و بعدين دي مجرد أحلام، أنا فين و هو فين”

“مفيش حاجة بعيدة عن ربنا، أدعي وبإذن الله هايكون من نصيبك”

ابتسمت ودعت ربها بأن يرزقها بالخير وأن لا يعلق قلبها بحلم يستحيل تحقيقه، يكفي ما رأته في معاناة شقيقتها أحلام بسبب ما يسمي بالحب.

ولجت والدة هند
“ها يا بنات العروسة جهزت و لا لسه؟”

استدارت هند إليها، فتحت والدتها فمها بسعادة
“بسم الله ماشاء الله اللهم بارك، ربنا يحميكي يا بنتي من شر العين”

احتضنت الأخرى والدتها
“حبيبتي يا ماما ربنا ما يحرمني منك”

نظرت والدتها إلي غرام وشقيقتها ابتسام
“عقبالكم يا بنات”

“تسلمي يا طنط”

“يلا يا هند أطلعي سلمي علي حماتك وأخوات جوزك مستنينك برة”
انقبض قلبها وأثرت ذلك في نفسها، لكن لاحظت والدتها تغير ملامحها فجأة
“أنا عارفة إنك داخلة علي هم لا يعلم بيه إلا ربنا، خليكي ذكية وناصحة و حاولي تكسبي حماتك وبناتها عشان محدش فيهم يضايقك”

“ما تقلقيش يا ماما، حماتي في عينيا، أنا مقدرة سبب معاملتها عشان جمال ابنها الراجل الوحيد وخايفة لأبعده عنها أو أخليه يتغير من ناحيتها”

“حبيبتي عين العقل، يا زين ما ربيت”
ابتسمت هند وعقبت غرام تخبر والدة صديقتها
“ماتخافيش يا طنط علي هند، محدش يقدر يضايقها وجمال معاها”

“ما هو ده اللي مطمن قلبي يا غرام، أن جمال بيحبها و ما بيستحملش عليها حاجة”

“ربنا يهنيهم ويسعدهم يارب”
دعت غرام بذلك ردن جميعاً
“اللهم آمين”

و في الخارج كانت عطيات وبناتها الثلاث دلال و ثناء و رضوى، جميعهن في انتظار العروس القادمة نحوهما، همست رضوي إلي ثناء
“بت يا ثناء البت هند طلعت حلوة أوي”

حدقت إليها الأخرى بسخرية
“هي عشان حاطة شوية مكياچ تبقي حلوة؟”

“اه حلوة ماشاء الله عليها، ربنا يسعدها هي وأخويا”

“يارب أمي تسمعك”

نظرت رضوي إلي شقيقتها بابتسامة صفراء، بينما عطيات كانت تخبر ابنتها الكبري دلال
“افرضي بوزك، الناس واخدة بالها منك”

أخبرتها ابنتها بألم وحزن يشوبه الحقد
“عايزاني أفرح إزاي و جوزي سايب البيت بقاله أسبوع ومعرفش عنه حاجة”

“هتلاقيه مسافر في شغل زي كل مرة”

“لاء ياماه، قلبي بيقولي إن بقاله شهر متغير و سفرياته غير اللي قبل كدة، حاولت أدور وراه و أشوف مخبي عليا إيه، مش عارفة”

“عدي عليا بدري بكرة الصبح نروح عند الشيخة أم حسنات خليها تفتحلك المندل وتعرفلك المستخبي”

“بالله عليكي ياماه بلا أم حسنات و لا أم سيئات، أنا جتتي بتتلبش من الولية دي و من اللهم أحفظنا اللي عليها”

“ملكيش دعوة أنا اللي هروحلها، بس و انتي جاية هاتيلي حاجة من قطر جوزك”

انتهت هند من تلقي تهنئة أقاربها ومعارفها وذهبت إلي حماتها وبناتها اللاتي لم تنهض أي واحدة منهم لها سوي رضوي التي هللت بسعادة
“الله أكبر، زي القمر يا مرات أخويا”

ابتسمت هند وتبادلت معها العناق وقبلات الإستقبال
“ده أنتي اللي قمرين يا رضوي”

“أزيك يا خالتي”
مدت يدها لتصافح حماتها، فقامت عطيات بمد يدها بوضع انها تنتظر من هند تُقبل ظهر يدها
“ازيك يا حبيبتي”

نظرت هند إلي يد حماتها ثم إلي والدتها التي تقف بجوارها، أومأت إليها والدتها لكسب ود هذه المرأة التي ستقيم معها ابنتها الأيام القادمة
قامت هند بتقبيل يد حماتها علي مضض ورفعت وجهها فوجدت نظرة هذه السيدة تخبرها ما هي مكلمة أخرى عليه.

※ ※ ※
قامت غرام باستئذان صديقتها للعودة إلي منزلها لأن سيأتي إليهم ضيوف وستخبرها في الغد من هم و ما هي سبب الزيارة، كانت حريصة أن لا تبوح بشىء أمام شقيقتها ابتسام كما طلب منها حسن في مكالمته لها!

“أنا داخلة أنام عايزين حاجة؟”
كان سؤال ابتسام فأجابت غرام
“هتنامي و الساعة لسه ماجتش تسعة!، خليكي قاعدة معانا عشان جايلنا ضيوف”

“مين اللي جاي؟”

ابتسمت غرام فصدح رنين جرس المنزل
“هاتعرفي دلوقتي، أدخلي أنتي بس الأوضة و لما أندهلك تعالي”

تعجبت ابتسام من أمر شقيقتها واللغز الذي ستعلم به الآن، فتحت غرام الباب فظهر حسن يحمل علبة تحتوي علي حلوي وباقة ورود
“السلام عليكم”

“و عليكم السلام، أتفضل يا مستر حسن”

نظر إلي خلفه
“أتفضلي يا أمي”

ولجت سيدة عجوز برفقته، تزين الابتسامة شفتيها، ألقت التحية فاستقبلها كل من غرام ووالدتها التي كانت لديها علم بمجيئهم
“يا أهلاً وسهلاً، البيت نور”

عقبت والدة حسن
“منور بيكم يا أم ابتسام”

ذهبوا جميعاً وجلسوا علي المقاعد في الردهة، سألتهم غرام
“تحبوا تشربوا إيه؟”

أجاب حسن
“ما تتعبيش نفسك إحنا مش ضيوف”

عقبت عزيزة
“يا خبر و دي تيجي، أنتم فعلاً مش ضيوف، أنتم أصحاب بيت، بس لازم واجب الضيافة، روحي يا غرام صبي الساقع”

“حاضر يا ماما”

أوقفها حسن قائلاً
“استني يا غرام تعالي وبعد ما نتكلم هنشرب الساقع”

“خير يا بني؟”

“خير إن شاء الله يا أمي، أنا مهدت الموضوع لغرام قبل ما أجي، قولتلها أنا طالب إيد ابتسام علي سنة الله ورسوله”
اخترقت كلماته سمع ابتسام التي تختبئ خلف باب الغرفة، في حالة كلمة أخرى ودهشة، المعلم حسن جاء لطلب يدها للزواج!

“أنا غرام أول ما قالتلي بصراحة من فرحتي مصدقتش، من كتر ما بتشكر لي فيك غرام وقالتلي إنك مكنتش بتاخد فلوس الدرس منها وخلتها تفهم أختها إنها بتدفعلك عشان منظرها قدام أصحابها، بقيت أدعيلك في كل صلاة ربنا يكرمك ويرزقك باللي نفسك فيه”

ابتسم الآخر وقال
“و أنا نفسي أكمل نص ديني مع ابتسام، و زي ما حضرتك عارفة أنا بشتغل مدرس إنجليزي بقالي سنة متعين بعقد، عندي 25 سنة، حالتي المادية ميسورة والحمدلله، عندي شقتي في حدايق المعادي”

تابعت والدته
“الشقة جاهزة علي العفش واللي هتختاره عروستنا، حسن ابني وحيد ربنا رزقني بيه أنا وأبوه الله يرحمه بعد عشر سنين جواز، كنت خلاص فاقدة الأمل لحد ما ربنا رزقني بيه وعرفت بحملي في ليلة القدر”

عقبت عزيزة
“ماشاء الله، ربنا يباركلك فيه وتفرحي بأحفادك”

“ما هو لما حكالي عن ابتسام من أخلاق وأدب و جمال وإنها متفوقة كمان، فرحت طبعاً لأن طول عمري أدعيله ببنت الحلال، و من مجرد سيرتها و من غير ما أشوفها ارتحتلها نفسياً، أومال هي فين؟”

نظر غرام نحو باب الغرفة المفتوح قليلاً
“تعالي يا ابتسام”

انتفضت الأخرى وترددت قبل أن تخرج، ألقت نظرة علي هيئتها في المرآة ثم خرجت إليهم وتنظر بخجل
“اللهم بارك زي القمر عروستك يا حسن”

ابتسم حسن وينظر إلي ابتسام، يستمتع لرؤية حمرة خديها من الخجل

“تعالي يا ابتسام سلمي علي الحاجة أم حسن”

مدت الأخرى يدها فصافحتها والدة حسن واحتضنتها
“أزيك حضرتك يا طنط”

“الحمدلله يا حبيبتي، تعالي اقعدي جمبي”

سألت عزيزة ابنتها
“ها يا ابتسام بالتأكيد سمعتي طلب حسن، إيه رأيك؟”

رفعت وجهها ونظرت إليهم فوجدت حسن يبتسم إليها ونظرة الحب التي كان يخفيها دائماً الآن أصبحت واضحة للعيان.

“موافقة، بس بشرط”

قال حسن لها
“قولي و بإذن الله هعملك اللي أنتي عايزاه”

“نتجوز بعد ما أخلص الجامعة”

تفهم حسن طلبها لهذا الأمر، تخشي أن لا يجعلها تكمل دراستها
“و ممكن تكملي و إحنا متجوزين، و وعد مني قدام مامتك وأختك هفضل جمبك لحد ما تتخرجي بتقدير إمتياز، نجاحك هيبقي نجاحي ”
تراقص قلبها فرحاً، بينما هناك من تمكث في الظلام داخل الغرفة، تبكي و تنعي حظها بأنها قد تزوجت من سمير وانتهي الزواج و انتهت كل سعادتها مع كل لحظة ألم قد عاشتها معه.

بالعودة إلي حسن وابتسام، قالت والدة حسن
“طالما الحمدلله متفقين و كل حاجة متيسرة بأمر الله يبقي نقرأ الفاتحة”

نهضت غرام و نظرت إلي شقيقتها قائلة
“دقيقة نحط الساقع والجاتوه ونقرأ الفاتحة”

وبالفعل تم قراءة سورة الفاتحة صاحبها زغاريد أطلقتها غرام، كم هي سعيدة من أجل شقيقتها الصغري.

※ ※ ※

تتظاهر بغيابها عن الأجواء لكنها كانت كالصقر، تراقب الجميع عن كثب، تعلم ما يفعله زوجها من ورائها، لكن يبدو ليس لديها علم من هي غريمتها و ما الكارثة التي وقع بها زوجها وولدها الكبير!

تشرب آخر رشفة في فنجان القهوة وتنظر إلي هاتفها تنتظر إتصالاً هاماً، هاتفها يرن فأجابت
“ألو؟”

“صباح الخير يا منيرة هانم”

“قول اللي عندك علي طول”

“يوسف ابنك رجع للشغل في الشركة بقاله كام يوم”

“عارفة، فين الجديد؟”

“ما هو حضرتك ماتعرفيش السبب اللي ورا رجوعه، بنت جديدة اشتغلت سكرتيرة ليه، اسمها غرام، عرفت إنها جت تبعه و تبع نور، و عرفت إنها اللي عرفتهم عن اللي كان بيوقعنا في السوق و بيبيع تقليد البراند”

“قدامك لحد بالليل تجيبلي كل حاجة عنها عيلتها، ساكنة فين”

“من قبل ما حضرتك تطلبي، جيبتلك قرارها، اسمها غرام المصري، يتيمة الأب، عايشة مع أمها وأخواتها في حارة شعبية في دار السلام”

تجهم وجهها فسألته ما يتردد داخل عقلها
“علاقة يوسف بيها وصلت لحد فين؟”

“اللي أنا متأكد منه هو معجب أو حبها فعلاً”

“أنت لازم تتصرف قبل ما العلاقة تطور أكتر من كدة”

“حضرتك عايزة إيه و أنا تحت أمرك”

“هاقولك علي اللي هاتعمله و قصاده مليون جنيه هيكونوا في رصيدك لما تنجح في مهمتك”

“أمرك يا منيرة هانم”

“هاستني الجديد منك، سلام”
أنهت المكالمة وتركت هاتفها علي المنضدة، تضيق عينيها بوعيد قيد التنفيذ
“بقي كدة يا يوسف، ترفض جوازك من ماهي بنت الحسب والنسب عشان حتة بت من حارة، الظاهر دلعتك كتير أوي و جه الوقت اللي لازم أوقفك عند حدك”

يتبع…

*الفصل الثاني عشر*
غرام في المترو
بقلم ولاء رفعت علي

تجلس خلف الحاسوب تطبق كل ما تتعلمه جيداً، لم تخيب ظن يوسف و كم أسعده أنه اثبت لوالده إنه لم يعد الشاب الثلاثيني المدلل كما كان ينعته والده دائماً.

طرق علي الباب جعلها توقفت

“أتفضل”

تخشي أن يكون الطارق هذا الرامي، فهي لا تتحمل وجوده أو التحدث معه نقيض يوسف صاحب الظل الظريف، نظراته لها مليئة بالاحترام بينما الأخر نظراته تفيض بنواياه الخبيثة.

“ممكن أدخل؟”

ابتسمت وأشارت إليه

“اتفضل طبعاً”

جلس أمام مكتبها فنهضت احتراما وذهبت لتجلس علي المقعد المقابل له، سألها باهتمام

“إيه الأخبار، مرتاحة و لا متضايقة من حاجة؟”

“الحمدلله مرتاحة جداً، و لو ضايقتني حاجة أنا بعرف أتصرف كويس”

ابتسم من ذكائها، أدرك إنها قد علمت سبب سؤاله عن المضايقة والتي تتمثل في رامي

“الحمدلله كدة أنا مطمن، أنا جيت أشكرك مرة تانية علي إنك كنتي السبب نعرف صاحب المصنع اللي بيقلدنا، قبضوا عليه ورفعنا عليه قضية، و من بعد ما الخبر أتنشر زادت مبيعاتنا”

“ماشاء الله، ربنا يزيد و يبارك، أنا يعتبر ماعملتش حاجة، ربنا اللي بيسبب الأسباب”

أخرج من جيب سترته الداخلي ظرف أبيض وضعه أمامها

“أتفضلي مكافأتك”

“هو أنا لحقت أشتغل؟!”

“لاء دي مكافأة مالهاش علاقة بشغلك، دي من أرباحنا اللي زادت”

“معلش مش هقدر أقبلها، أنا هاخد مقابل شغلي و بس”

نهض وأخبرها

“أعتبريها مبروك علي الشغل، ونسيت اقولك أنا قدمت أوراقك للجامعة نظام انتساب عشان تقدري تيجي الشغل براحتك، و الجامعة قبلت أوراقك”

قفز قلبها من الفرح، ها هي ستحقق أول حلم كان علي وشك أن يذهب سدي في الأيام السابقة

“يوسف، شكراً جداً علي اهتمامك ودعمك ليا”

ابتسم وعينيه تخبرها الكثير

“عايزة تشكريني، يبقي تذاكري و تنجحي بتقدير ما يقلش عن إمتياز، اتفقنا؟”

أومأت إليه والسعادة تنضح من عينيها

“اتفقنا ”

※ ※ ※

“ألو؟، مستر حسن؟”

” فيه واحدة تقول لخطيبها مستر؟!”

ضحكت ابتسام وعقبت بخجل

“معلش، لسه مش مستوعبة اللي حصل”

“أنا كنت ناوي أجي أطلب إيدك بعد ما تخلصي إمتحانات، لكن مقدرتش أصبر أكتر من كدة”

أنتظر رداً منها أو تعقيباً لكن تلقي الصمت، نظر إلي شاشة الهاتف ليتأكد إنه مازال قيد المكالمة

“ابتسام؟”

“نعم”

“ساكتة ليه؟”

“بسمع حضرتك”

“حضرتي!، أنا فاهم إنك لسه مش مستوعبة اللي حصل، بس عايز أقولك مع الأيام هاتعرفي إن أنا بحبك قد إيه وبخاف عليكي”

خفق قلبها من اعترافه الصريح ونبرة صوته الأجش لها وقع علي سمعها، تشعر برجفة تسري علي طول العمود الفقاري لديها، توقع كيف تلقت اعترافه ذلك والدليل صمتها مرة أخرى

“مش مصدقاني، أيوة بحبك، خطفتي قلبي من أول يوم شوفتك فيه”

شعرت الأخرى بأحد ولج داخل الغرفة فوجدت شقيقتها أحلام تتمدد علي السرير الموازي لها

“معلش هكلمك بعدين، أصل ماما بتنادي عليا”

“سلميلي عليها”

“الله يسلمك”

“خدي بالك من نفسك و ذاكري كويس عشان عندك إمتحان الأسبوع الجاي”

ابتسمت وقالت

“حاضر”

“لا إله إلا الله”

“محمد رسول الله، سلام”

انتهت المكالمة وأطلقت زفرة بأريحية، تتمدد بجسدها علي الفراش مبتسمة وتنظر إلي السقف حتي اختفت ابتسامتها عندما تحدثت أحلام

“أوعي تديله الأمان، لا هو و لا غيره، كلهم صنف واحد، غدارين وخاينين”

ألتفت الأخرى لها لتعقب

“مش كل الرجالة سمير يا أحلام، أنتي اللي أخترتي غلط برغم حذرناكي منه، لكن برضو صممتي عليه و كأنه أخر راجل في العالم”

تساقطت دمعة من عينها و بنبرة أوشكت علي البكاء

“نصيبي و قسمتي، عينيا مكنتش شايفة غيره، كنت بحبه لدرجة عمري ما أتخيلت أعيش بعيد عنه”

“و أديكي قدرتي، و بقيتي أحسن، علي الأقل أرتحتي نفسياً وقاعدة في وسط أهلك معززة مكرمة، عكس الجحيم اللي كنتي عايشة فيه معاه”

تردد صوت سمير في أذنها بمعايرته التي لم يكف عن تذكيرها بها، يمر أمام عينيها كل ما كان يفعله بها من كلمة أخرى و كلمة محايدة حتي تحول حبها له إلي كراهية.

اجهشت في البكاء فنهضت ابتسام لتربت عليها

“معلش حقك عليا، والله ما قصدت أضايقك بكلامي”

“أنا مش مضايقة منك، أنا مضايقة من نفسي و اللي كنت بعمله في حالي، اتحملت حاجات كتير فوق طاقتي بسبب قلبي”

احتضنتها الأخرى وظلت تربت عليها، تركتها تطلق عبراتها دون توقف لعل ألمها يزول مع كل قطرة من دمعها.

※ ※ ※

اقترب وقت العمل علي الانتهاء، فذهبت إلي المرحاض تغسل يديها ووجهها، عادت إلي غرفة مكتبها فوجدت باقة ورود حمراء يتوسطها زهرة بيضاء، مرفق بها بطاقة ورقية مطوية، قامت بفتحها وقرأت المدون بها

“من يوم ما نورتي الشركة وأنا شايفك زي الوردة البيضا اللي جوة الورد الأحمر، مميزة وجميلة أوي

رامي”

عقدت ما بين حاجبيها بضيق

“ابتدينا بقي، أنت اللي جيبته لنفسك يا رامي”

حملت الباقة و ذهبت إلي غرفة المكتب الخاصة به، دفعت الباب بكلمة أخرى، ألقت الباقة أعلي المكتب، ترفع سبابتها بتحذير

“المرة دي رمتلك الورد علي المكتب، المرة الجاية هرميه في وشك، شغل العيال المراهقة ده أنا فهماه كويس، أنا بنت بلد و عارفة إيه اللي ورا الحركات دي، ياريت ما تحطش أمل لأن ده مكان شغل وليه احترامه”

لم تعط له فرصة للحديث فتابعت

“لحد دلوقتي مارضتش أقول لمستر يوسف أو نور بيه، أو رأفت بيه بذات نفسه، ياريت بقي تخليك في حالك و تسيبني في حالي”

أخذ يضحك ليثير حنقها وأخبرها بحديث مبهم تدرك معناه جيداً

“لو حاطة أمل علي غيري، غيري عمره ما هيبقي ليكي، و لو أهتم بيكي شوية أول ما تبقي ليه هايسيبك زيك زي أي واحدة عرفها قبلك، لو سكتك دوغري وراسمة علي جواز، ده هيبقي عاشر المستحيلات لأنك زي ما أنتي شايفة بعينيكي، هو من عيلة مين، اللي زيي و زيك أخرهم يبقوا لبعض لو بصوا لفوق هيقعوا واقعة مش هيقوموا منها، يارب تكون رسالتي وصلت”

رفعت زاوية فمها جانباً بسخرية

“وصلت يا أستاذ رامي، بس اللي حضرتك ماتعرفهوش إن أنا علاقتي بغيرك في حدود الشغل مش أكتر من كدة، و عمري ما بصيت لحاجة أنا مش قدها، بالنسبة لكلامك الأخير بتاع شبهي و شبهك، أنا عمري ما هابقي شبهك حتي لو إحنا في مستوي مادي واحد، عارف الفرق ما بينا إيه؟، أنا سكتي يمين، لكن اللي زيك سكتهم علي طول شمال حتي لو أتجوزوا، عن إذنك”

حديثها كان بمثابة الصفعة علي خده، جعلته يزيد من إصراره للظفر بها مهما فشلت جميع محاولاته.

※ ※ ※

و في طريقها إلي غرفة المكتب الخاص بها، ذهبت إلي يوسف، عندما رآها أشار إليها بالدخول

“تعالي يا غرام، عايز أخد رأيك في حاجة”

ذهبت ووقفت جواره لتنظر نحو ما يشير إليها

“دي التصميمات الجديدة لسه مبعوته من فريق التصميم، وإحنا مسئولين عن تسويقها، إيه رأيك فيها؟”

كان قربه كفيل بتشتت انتباهها وعدم التركيز، يكفي عطره الفواح الذي جعلها تغمض عينيها لتستمتع باستنشاقه

“غرام؟، غرام؟”

يناديها بعد أن لاحظ صمتها وألتفت دون أن تدري ليجدها أسيرة قربه منها، هيهات وانتبهت إلي ندائه

“مع حضرتك، معلش سرحت شوية”

ابتسم وسألها بمكر

“عاجبك البرفيوم؟”

“اه، لاء، برفيوم إيه اللي حضرتك بتسأل عنه”

علم إنها تتهرب من الإجابة الذي يريدها

“مقولتيش إيه رأيك في التصميمات؟”

أشارت نحو شاشة الحاسوب

“التاني و الرابع والسادس و التامن، أجمل من الباقي”

“تعرفي إن ده كان نفس إختياري؟”

“بجد؟”

سؤالها كان ذو نبرة يبدو عليها التوتر، ذهبت للجلوس علي المقعد أمام مكتبه، فأجاب

“اه بجد، واضح إن فيه حاجات مشتركة ما بينا”

حمحمت فانتابها سعال فجأة، تناول زجاجة المياه من أمامه والكوب

“خدي أشربي”

أخذت الكوب وقامت بشرب القليل من الماء، بينما هو قام بغلق الحاسوب وتناول سترته من فوق ظهر المقعد ليرتديها

“روحي هاتي شنطتك من المكتب وتعالي عشان أوصلك في طريقي”

توردت وجنتيها من الخجل والحرج لأنها أخبرته

“معلش يا مستر يوسف، مش هاينفع أركب مع حضرتك”

تفهم رفضها فقال

“خلاص هطلبلك أوبر يوصلك”

ابتسمت لتخفي الحرج الذي تشعر به

“متشكرة، أنا بعرف أروح من هنا”

“بتركبي إيه؟”

ابتسمت وأجابت

“المترو”

“أنا حبيت المترو أوي، ممكن أروح معاكي وهنزل في آخر محطة و من هناك هاخد أوبر لحد الفيلا، أظن المترو وسيلة عامة مليانة ناس مفيهاش حاجة لو جيت معاكي”

لم ترده خائباً

“خلاص أنا هاروح أجيب شنطتي وهاستني حضرتك قدام المكتب”

“و أنا هاعمل مكالمة و هعدي عليكي”

ذهبت مسرعة إلي غرفة عملها، بينما في أخر الرواق حيث المصعد، خرجت كل من كاميليا برفقة ماهي

“كوكي، تفتكري يوسف هيفرح لما يشوفني؟”

أجابت الأخرى بطيف ابتسامة

“يمكن اه و يمكن لاء”

“و لاء ليه بقي؟”

ابتسمت بمكر تعلم سر عودته للعمل في الشركة عندما سمعت زوجها وأبيه يتحدثان عن يوسف المواظب علي العمل بجد ونشاط

“مش يمكن فيه حاجة تانية مشغول بيها”

أخذت تفكر فيما تلقيه كاميليا من معاني غامضة و في النهاية لم تعط أدني اهتمام لحديثها، ذهبت تبحث عن غرفة مكتب يوسف.

و لدي كاميليا داهمت مكتب زوجها فوجدت سوزي تقف بالقرب منه تعطيه عقود يقوم بالتوقيع عليها ورقة، ورقة فانتبه لولوج كاميليا المفاجئ، ابتعدت سوزي من جواره عندما تلاقت عينيها بالأخرى، كاميليا كانت تحدق إليها بابتسامة دبت الرعب في قلب الأخرى، يبدو إنها أصعب وداهية أكثر من السيدة منيرة.

جلست علي المقعد تضع ساق فوق الأخرى

“إيه رأيك في الكلمة أخرى دي يا بيبي، أصلك وحشتني أوي قولت لما أعملك كلمة أخرى وأشوفك”

نهضت ومالت بجذعها نحوه لتقبله أمام أعين سوزي التي حمحمت بحرج

“عن إذنك يافندم”

“أستني عندك”

كان أمر من كاميليا فألتفت إليها سوزي

“نعم يا كاميليا هانم”

أشارت إليها بتعجرف

“روحي هاتيلنا إتنين آيس تشوكيلت من الأوفيس”

نظرت سوزي بكلمة أخرى ثم نظرت إلي نور لإنقاذ الموقف، أومأ لها بعينيه ثم عاد ببصره إلي زوجته يخبرها

“كوكي حبيبتي، آنسة سوزي تخصصها سكرتيرة مش أوفيس بوي”

نظرت نحوها بازدراء ثم عقبت علي جملة زوجها

“و ليه، مش هي بتقدم القهوة لأونكل رأفت؟”

هنا تخلت سوزي عن الصمت

“لاء يا مدام كاميليا، مش بقدم أي مشروبات، و ساعات إحنا بنخدم نفسنا بنفسنا، يعني اللي عايز حاجة يعملها بنفسه، عن إذنك ورايا شغل مهم”

و بادلتها نظرة الازدراء كما تفعل معها الأخري.

بالعودة إلي ماهي وجدت مكتب يوسف ودخلت بخطوات لم يشعر بها الأخر، وضعت كفيها علي عينيه

“أنا مين؟”

أبعد يديها عن عينيه

“أهلاً ماهي”

“وسهلاً يا چو، أنا حبيت أعملك كلمة أخرى وأخدك نتغدي بره أنا وأنت، و كوكي برضو هنا هتاخد نور و هيتغدوا بره هما كمان”

“معلش يا ماهي خليها في وقت تاني”

صاحت بدلال و رجاء

“بليز چو، عشان خاطري هي ساعة و هانروح علي طول”

أخذ يتردد قبل أن يوافق وقد نسي أمر غرام التي تنتظره وفي طريقها إليه

“تمام، ساعة واحدة مش أكتر من كدة”

و إذا بها صاحت بتهليل وفرح، قامت بمعانقته، فكان الباب مفتوحاً للمنتصف، كادت غرام أن تدخل فرأت هذا المشهد، تراجعت علي الفور، كانت ستصطدم بالذي يقف خلفها، استدارت علي الفور فوجدته رامي، يضع يديه في جيوبه يخبرها بانتصار

“دي ماهي عمار المنوفي، بنت النائب العام السابق و والدتها تبقي صديقة مدام منيرة مرات رأفت بيه، و كنا سامعين الفترة اللي فاتت إنهم هيتخطبوا”

لم تجب علي حديثه المقصود وأكتفت بالنظر إليه بازدراء ثم ذهبت قبل أن تنفجر باكية، ويتردد في سمعها تحذيراته.

يتبع….

غرام في المترو
بقلم (ولاء رفعت علي)
الفصل الثالث عشر

دروس الحياة ليست مثل النصائح الإرشادية المدونة خلف الكتب الدراسية، بل هي تجارب نعيش داخلها ونمر بها إجبارياً.

في حي قريب داخل قاعة لإقامة حفلات الأعراس، يصدح صوت الأغاني يتراقص عليها الشباب والفتيات، كما يتراقص قلب هند التي يمسك بيدها جمال غير مصدق أنه ظفر أخيراً بحب حياته لكن هناك ما يقلق دواخله، يخبره حدسه أن سكون والدته وترحابها للعيش معهما هو وزوجته لن يمر هكذا كمرور الكرام، يخشي ما تضمره والدته تجاه هند، سيقع حينها داخل بوتقة من المعاناة، لذا يدعو ربه أن يخيب ظنه.

توقفت هند عن الرقص قليلاً واقتربت منه تسأله
“مالك يا حبيبي، سرحان في إيه؟”

ابتسم وأخذ يحدق في عينيها ذات النظرة التي سلبت لبه بسحرها فأخبرها
“مش مصدق نفسي، أخيراً أنا وأنتي هنعيش مع بعض بعد ليالي سهر وشوق و نعد الأيام وكنت أقولك امتي بقي نتجوز”

توقفت الأغاني الصاخبة وبدأت موسيقي هادئة، ابتعد كل من علي ساحة الرقص ليتثني للعروسين الرقص بمفردهما، صوت صفير وتهليل، وضعت يديها أعلي كتفيه بينما هو أحاط خصرها بين يديه، مالت برأسها نحو كتفه وواصلت حديثهما
“أنا اللي حاسة أني في حلم”

عقب بالقرب من أذنها
“يخلص الفرح و أخدك ونروح ولما يتقفل علينا باب واحد، هخلي لك الحلم يبقي حقيقة”

و بعد إدراكها مرمي حديثه أصابها الخجل ولكزته في كتفه ودفنت رأسها بين كتفه وعنقه

وعلي بُعد أمتار قليلة يجلس شقيقاته الثلاث حول المائدة، يتابعن بل يراقبن العروسين، علقت احداهن بحقد ينضح من عينيها
“شوف البت وبجاحتها، عماله تكلمة أخرى في أخويا قدام المعازيم من غير خشىّ ولا حياء”

ردت شقيقتها
“ما تكلمة أخرىه و لا تبوسه يا دلال، ما هو بقي جوزها حلالها”

“ليهم أوضة هتلمهم لما يروحوا، و لا لازم شوية المُحن دول يتعملوا قدام الناس!”

“ما تبطلي بقي نفسنة وحقد يا دلال، و لا عشان جوزك منكد عليكي عيشتك فهطلعي عقدك علي غيرك؟!”
هنا تفوهت والدتهما وتنظر لهما بكلمة أخرى
“ما تتلمي منك ليها، عايزين تفضحونا في وسط المعازيم؟!”

“يعني عاجبك كلام دلال ياماه؟”

“خلاص، خلص الكلام”

ثم عادت بنظرها نحو ابنها وعروسه مازال يرقصان فاخفضت صوتها وتخبر ابنتها دلال
“و انتي بطلي برطمة، لحماة أخوكي و لا حد من قرايبهم يسمعوكي”

“يعني حرام أتكلم ياماه؟”

“لاء يا قلب أمك، قولي اللي نفسك فيه بس لما بابنا يكون مقفول علينا، هنا أهلها و قرايبها متراشقين في كل حتة، وأنا مش ناقصة مشاكل خلي ليلة أخوكي تعدي علي خير”

اقتربت من ابنتها أكثر لتخبرها ظناً منها أنه لا يوجد أحد يسمعها غيرها، أكملت
“مش هي اختارت أنها تعيش معايا، تستحمل بقي اللي هاعمله فيها بنت رمضان وخيرية”

ألتقي حاجبي ابنتها وعلامة استفهام يشوبها فضول تتخلله ابتسامة شر مدقع
“ناوية علي إيه ياماه؟”

ابتسامة شيطانية تجلت علي ثغرها
“هاتعرفي كل حاجة في أوانها”

انسحبت غرام من خلف حزب الشيطان هذا دون أن تلفت الأنظار، يكلمة أخرى الخوف فؤادها علي صديقة دربها، تريد أن تحذرها لكن تخشي تعكير صفو تلك الليلة ما بين صديقتها وزوجها و بين أهله.

اقترب الحفل علي الانتهاء، و بدأ الجميع في المغادرة واحد تلو الأخر، ولدي هند وجمال

“مش هوصيك علي هند يا جمال، شيلها في عينيك أوعي تزعلها و لا تسمح لحد يجي جمبها”

“ما تقلقيش يا غرام، هنوده جوه عينيا و علي راسي ومحدش يقدر يجي جمبها طول ما أنا موجود”
و امسك يد عروسه وقام بتقبيلها أمامهم، جزت والدته علي اسنانها وحاولت إخفاء ما تكنه من كراهية لزوجة ابنها، بينما غرام رأت تلك النيران المندلعة داخل عينين هذه الشمطاء وابنتها الحاقدة

اقتربت غرام من صديقتها وعانقتها، تلقي بالنصائح الأقرب إلي التحذير
“ربنا يتتملكم علي خير يا حبيبتي، و لو حصل أي حاجة أوعي تيجي علي نفسك و لا تتهاوني في حقك”

قد فهمت هند مغذي تحذير صديقتها لها
“ما تقلقيش علىّ، صاحبتك قدها وقدود”

※ ※ ※

شعور بالاختناق يكاد يقرب إلي الشعور بالسحق بين المطرقة والسندان، هي التي سلكت أول خطوة من خطوات إبليس دون رادع، لن تعلم قانون الكارما ينص علي لكل فعل ردة فعل يضاهيه في القوة، زرعت فحصدت ثمار الفسق وعليها أن تجنيها….

اهتزاز هاتفها يعلن عن استقبال رسالة واردة، امسكت بالهاتف وقرأت فحواها ما بين تهديد ووعيد هذا المدعو عوني القرني
«أتأخرتي ليه عن الميعاد يا موحة؟… التأخير مش في مصلحتك خالص… و لا تحبي امسي عليكي بمشهد من فيلمك اللي منور شاشة اللاب قدامي دلوقتي»

ما أن انتهت من قراءة الرسالة وجدت مقطع مرئي صغير، قامت بتشغيله و يا ليتها ما قامت بمشاهدته، أغلقت شاشة الهاتف علي الفور وركضت إلي الخارج متجهة نحو الحمام، أغلقت الباب بعد أن ولجت وأطلقت لعبراتها العنان، وقعت عينيها علي علبة صغيرة موضوعة فوق الرف الزجاجي المرتفع أعلي الحوض، يحتوي علي شفرات حادة الخاصة بالحلاقة، تنظر إليها تارة و إلي صورتها في المرآة تارة أخري، تحاول العودة عن ما يوسوس به لها الشيطان، تمد يدها بتردد لتمسك بالعلبة و مرت الثوان كالساعة، شهقت وكأنها استيقظت للتو من تأثير التنويم، ألقت ما بيدها في الحوض وتراجعت للوراء، تضع كفها علي فمها، تمنت أن تستطيع العودة عن ما هي مُجبرة عليه كما تراجعت عن فكرة الإنتحار بملء إرادتها!

بعد قليل…
انتهت من وضع المساحيق، ارتدت قناع الخلاعة خوفاً من الفضيحة لتستمر في خطأ أكبر، عُذر أقبح من كبيرة من أضل الكبائر.

تسللت كالعادة من المنزل بعد منتصف الليل، ترتدي عباءة سوداء تخفي ما ترتديه أسفلها من ثياب كلمة محايدةة، تلك تعليمات الشيطان الذي ينتظرها في وكره، خرجت من الفناء تتلفت يميناً ويساراً، اطمأنت أن سكان الحارة نيام ولم يراها أحد، لا تعلم هناك زوج من العيون تتربص لها في الظلام، تحرك صاحبها حينما رآها تسرع من خطواتها نحو الطريق، لم يأبه لرفضها له أو جرح كرامته عندما قامت بمعايرته بفقره المماثل لها و بعمل والداته بائعة الخضروات الورقية.

لن يهتم إلي كل هذا، فهدفه الآن هو معرفة ماذا تفعل أو ماذا تعمل في ذلك البناء الذي ذهبت إليه في السابق، ورغم تعرضه للأذي والكلمة أخرى من حراس الأمن حينها، مازال علي إصرار معرفة ما تقترفه سماح ومواجهتها إذا ثُبت له شكوكه الصحيحة.

توقفت علي قارعة الطريق تقرأ رسالة أخرى، يخبرها هذا الخنزير القرني، بوجود سيارة قادمة إليها، أغلقت شاشة الهاتف وكادت تضعه داخل حقيبتها، وجدت يد تقبض علي ذراعها ليجعلها في مواجهته يسألها بكلمة أخرى مستطير
“رايحة علي فين يا سماح؟”

حاولت نزع ذراعها من قبضته
“ملكش دعوة بيا يا عاطف، وخليك في حالك أحسن لك”

“مش هخليني في حالي غير لما أعرف رايحة فين، و كنتِ بتعملي إيه المرة اللي فاتت فوق في البرج”

شعرت بألم أثر غرز أنامله في ذراعها
“سيب إيدي بدل ما أصوت و ألم عليك الناس”

“صوتي عشان يشوفوكي في ساعة زي دي و بمنظرك اللي شبه البنات اللي لا مؤاخذة بيشتغلوا في الشقق إياها”

كلماته في المقام الصحيح و بدلاً من إنكارها أو الدفاع عن نفسها ولو كذباً، قامت بالغير متوقع بالنسبة إليه
“و هما مالهم بيا، أيوه بشتغل في شقة زفت، و اللي ليه حاجة عندي يجي ياخدها، و أنت لو اتعرضت ليا تاني مش هيحصلك كويس”

كانت عينيه علي وشك مغادرة محجريهما من شدة ما يشعر به من كلمة أخرى ما قد أُلقىّ علي مسامعه الآن، ترك ذراعها وحاول تكرار كلماتها داخل رأسه حتي وصلت سيارة سوداء توقفت وهبط منها حارس شخصي يرتدي بدلة سوداء ذو بنية جسدية ضخمة، قبل أن تستقل السيارة تابعت
“و إياك حسك عينك تمشي ورايا تاني، المرة دي هاسيبك ترجع الحارة علي رجليك، المرة الجاية ممكن ما ترجعش تاني”
وأشارت له نحو الحارس ذو المظهر المخيف، تركته في حالة يرثي لها وصعدت إلي داخل السيارة ذات الدفع الرباعي وصعد خلفها الحارس.

※ ※ ※

انتهت للتو من تبديل ثوب الزفاف خاصتها بثوب من الحرير الأبيض، خصلات شعرها الغجري تنسدل بحرية علي ظهرها، تمسك زجاجة العطر وتضغط علي المكبس، تتناثر ذرات العطر الأخاذ في أرجاء الغرفة، طرق علي الباب يتبعها صوت زوجها الأجش
“هنودي حبيبتي، ممكن أدخل؟”

“اتفضل”

فتح الباب فنهضت و ألتفت إليه، وقف متسمراً في مكانه، يتأمل ملاكه الذي أسر فؤاده منذ سنوات.
ابتسمت علي مظهره وملامحه الثابتة وكأنه تمثالاً
“مالك يا چيمي واقف عندك كدة ليه يا حبيبي؟”

تحرك نحوها ومع كل خطوة ترتفع دقات قلبه، توقف أمامها مباشرة، أمسك يديها
“اللهم صلِّ علي النبي، اللهم بارك، معقولة القمر ده بقي ملكي و بين إيديا!”

ابتسمت ونظرت إلي أسفل بخجل
“بس بقي أنا بتكسف”

جعل يديها بين كفيه
“لاء كسوف إيه في ليلة زي دي، أنتي خلاص بقيتي حلالي وأنا حلالك و ملكك، أنتي كمان من النهاردة بقيتي كل حاجة بالنسبة ليا، مراتي وحبيبتي وبنتي وكل أهلي وناسي”

زفر ثم ألتقط انفاسه وتابع
“ما تتصوريش يا هند بعد موافقتك أننا نتجوز في شقة أهلي، الموضوع ده فرق بالنسبة لي قد إيه، كنت خلاص فاقد الأمل و أنتي رجعتهولي من جديد”

رفعت إحدى يديها ووضعتها علي وجنته
“طول ما إحنا مع بعض وأنت بتحبني و بتخاف علىّ، مستعدة أتحمل أي حاجة عشانك”

“و أنا يا حبيبتي بوعدك للمرة التانية، طول ما أنا فىّ نفس هاسعدك و مش هخلي نفسك في أي حاجة”

تصاعدت انفاسها النابعة من جوف قلبها الذي يعشقه، ظلت تحدق إليه بتيم ووله فافترقت شفتيها لتخرج كلمات بأعذب ألحان الهيام
“أنا بحبك أوي يا چيمي”

تراقص فؤاده علي لحن عزفها فجذبها بين يديه
“و أنا عاشق وبموت فيكي يا قلب و عقل وروح چيمي”

هنا توقف الحديث كما توقفت الأنفاس و ساد الهدوء، فغير مسموح بالتحدث سوي لصوت الحب، و بدأ أول ليلة تجمع ما بين قلبين اضناهما الشوق بعد ليالٍ عديدة.

※ ※ ※

في الصباح الباكر حيث رائحة نسمات الهواء النقية التي تنعش الصدور، و هنا لدي غرام كانت تنعم بالعطلة الأسبوعية، لا تعلم لماذا كلما تتذكر التي تدعو ماهي وهي برفقة يوسف، تشعر بالضيق والاختناق، أطلقت زفرة عميقة وصوت عقلها يتحدث لا يسمعه سواها
“جري إيه يا غرام، معقول لحقتي تتعلقي بيه؟!، لاء فوقي لنفسك هو ابن الأكابر و أنتي بنت الحارة، و لو علي وقوفه جمبك دي جدعنة وشهامة منه مش أكتر، ما تخليش خيالك يسرح لبعيد”

فاقت من حديث النفس هذا علي اهتزاز هاتفها للمرة الثلاثون دون أن تجيب، و كان المتصل يوسف وهناك رقم مجهول لاتعلم من صاحبه لكنها تجاهلته أيضاً.
※ ※ ※

العودة إلي عصفورين الحب، مازال يغط كليهما في النوم بعد ليلة من آلاف ليالي العشاق، تتقلب يميناً ويساراً بضجر، كيف لها أن تنعم بنوم هادئ وصوت شخير زوجها المزعج يدوي صداه في أرجاء الغرفة، ابتعدت قليلاً عنه و أخذت وسادة صغيرة لتضعها فوق رأسها وتستطيع النوم في سلام، و من أين يأتي السلام وهناك زوار قد أتوا للتو و صوت بكاء وعويل، انتفضت ظناً منها الضوضاء تلك آتية من الشارع، بينما الحقيقة مصدر الصوت من قلب ردهة المنزل.

نهضت سريعاً تبحث عن مأزر الحريري الطويل، ترتديه سريعاً فوق غلالتها العارية، تحكم ربطة المأزر جيداً وتلملم خصلات شعرها المبعثرة

“جمال، أصحي يا جمال فيه حد برة في الصالة عمال يعيط”
تلكزه في كتفه لكي يستيقظ، همهم بعدم الرغبة في الاستيقاظ وصوت يغلب عليه النعاس
“بس حرام عليكي، سيبيني أنام”

“بقولك فيه حد بره في الصالة، يمكن مامتك ومعاها حد”

نهض بجذعه يتثائب
“و إيه اللي هايجيب أمي وأختي علي الصبح، أمي قالتلي أنها هاتقعد عند دلال كام يوم”

انتهي من حديثه فسمع صوت والدته
“كفاية يا بنتي عياط، أهو غار في داهية بكره هيجيلك سيد سيده”

نهض جمال وبحث عن قميصه القطني ليرتديه حيث كان عاري الجذع
“خليكي هنا هاخرج أشوف إيه اللي بيحصل”

و في الخارج، دلال تبكي و تنوح وتردد
“أنا؟!، أنا يعمل فىّ كده بعد ما وقفت جمبه؟!”

خرج جمال يحاول إدراك ما يحدث
“خير يا أمي فيه إيه؟”

و ما أن رأته والدته لتبدأ في ملحمة العويل
“تعالي يا جمال شوف اللي حصل لأختك، تعالي يا بني ياللي ملناش غيرك”

اقترب من شقيقته وجلس جوارها
“حصل إيه يا دلال؟”

أجابت من بين دموعها
“جوزي الندل الجبان، بعد ما استحملت ظروفه وفقره سنين، طلع طفشان عشان متجوز علىّ وبلغ صاحب العمارة إنه مش هيدفع إيجار تاني لأنه مسافر وأتجوز ومش راجع دلوقتي”

كان يستمع إليها وغير مصدق
“إزاي؟!، هو اتجنن و لا إيه؟، فاكرها سايبة؟”

نهض وجموح الكلمة أخرى تملكت من زمام صبره
“وربنا لأروح لأهله وههد الدنيا فوق دماغهم”

أمسكت والدته يده ترجوه
“بلاش يا ضنايا، إحنا خلاص مش عايزين منهم حاجة، و لو هو مش عايز أختك قيراط إحنا كمان مش عايزينه فدان”

وألتفت إلي ابنتها تخبرها
“وأنتي بطلي عياط وفوقي لنفسك هو اللي خسران”

“خلاص ياماه مابقاش ليا حد”

صاحت والدتها تنهرها وعينيها نحو باب الغرفة الذي فُتح الآن وخرجت منه هند
“ما بقاش ليكي إزاي يا قلب أمك، بيت أبوكي مفتوح و لو مشالتكيش الأرض أنا وأخوكي نشيلك جوه عنينا، و لا إيه يا جمال يا بني؟”

أومأ بالموافقة مُعقباً
“أيوه يا أمي بيتها ومطرحها، و مش هاسيب الحيوان ده غير لما يجيلها راكع قدامها”

“ربنا يخليك لينا يا بني، ومعلش إننا جينا وقلقنا منامكم، أديك شايف مابقاش لأختك مكان غير هنا”

“يا أمي ده بيتك ومطرحك و إحنا اللي ضيوف فيه”

ألتفت فوجد هند تقف تري وتسمع ما يحدث في صمت ومحاولة إدراك أن ما ينتظرها من معاناة وصراع قد بدء للتو!

※ ※ ※

وبالعودة إلي غرام، يتجمعون هي ووالدتها واشقائها الثلاث حول مائدة الإفطار
“ما بتاكليش ليه يا احلام؟”

ألتفت أحلام إلي والدتها بوهن
“مليش نفس يا ماما”

سألتها غرام بقلق
“حاسة بتعب و لا إيه؟”

“لاء مصدعة شوية ومليش نفس”

قامت الأخرى بصنع شطيرة فلافل وخضروات واعطته لها
“لازم تاكلي عشان تخلصي جرعة العلاج، لو مكنش عشانك، يبقي عشان ابنك”

نهضت أحلام
“معلش يا غرام مش قادرة أؤكل، أنا هاقوم أخد علاجي وهنام ولما هاصحي هاكل مع ابني”

كادت الأخرى توقفها فمنعتها والدتها
“سبيها يا بنتي براحتها، أنتي عارفاها طالما نفسها مسدودة لو عملتي إيه مش بتاكل، اللهي يسد نفسه اللي كان السبب”

كانت أحلام قد ولجت إلي داخل أحد الغرف، عقبت غرام بصوت خافت
“خلاص يا ماما قفلي علي سيرة الزفت ده، ما تشيلنيش ذنوب بسببه علي الصبح”

“الحمدلله، هاقوم أغسل إيدي وألحق طابور المدرسة قبل ما يخلص، المديرة بقت تذنب اللي يجي متأخر و تخليه واقف لمدة حصتين و يتاخد غياب كمان”

عقب سعيد شقيقهم الصغير
“ما تخافيش خطيبك مش هيخليهم يعملولك حاجة”

كلمة أخرىته بخفة علي خلف رأسه
“خليك في حالك يا سوسة”

و قبل أن تغادر أوقفتها غرام
“خدي بالك من نفسك، كل اللي ما بينك و ما بين مستر حسن مجرد خطوبة، أظن أنتي فهماني”

“ما تقلقيش علىّ، أنا بعرف أحط حدود كويس ما بيني و ما بين أي حد حتي لو كان خطيبي”

ربتت غرام علي ذراع شقيقتها
“جدعة، يلا روحي و ما تتأخريش و خدي معاكي سعيد في سكتك و ماتمشيش غير لما تشوفيه دخل جوه حوش المدرسة”

غادرت ابتسام المنزل برفقة شقيقها ونهضت عزيزة لتنخرط في مهمام المنزل اليومية، بينما غرام تنظر في هاتفها الذي مازال يهتز والمتصل مجهول، كادت تجيب فأوقفها صوت رنين جرس المنزل
“شوفي يا غرام مين علي الباب، شكله أخوكي هتلاقيه نسي السندوتشات بتاعته”

ذهبت غرام لتفعل ما أمرتها به والدتها ظناً منها أن الطارق شقيقها، لذا كانت لا ترتدي وشاحاً علي رأسها
“استني يا…

توقفت الحروف علي لسانها عندما رأت أن الزائر هو رامي الذي وقف يحدق إليها
“ممكن أدخل؟”

شهقت حين أدركت أنها تقف دون حجاب أمامه، صفقت الباب في وجهه!
🌷يتبع 🌷

غرام في المترو
بقلم (ولاء رفعت علي)
الفصل الرابع عشر
عالمي وعالمك مختلفان، مشاعرنا متشابهة، واقع منوط بآمال زائفة ربما تصبح حقيقة بعد معاناة…

كان جالساً علي الأريكة ذات الفرش القديم، يتأمل أثاث وجدران هذا المنزل البسيط، لكن تلك الخصلات الغجرية السوداء لم تذهب عن باله، فبعد أن أغلقت الباب في وجهه ركضت إلي داخل غرفتها باحثة عن وشاح ترتديه علي رأسها، بينما قامت والدتها باستقباله بعدما أخبرها بهويته.

“أهلاً وسهلاً يا بني”

كان شارداً في صورة غرام المعلقة في زاوية برفقة والدها، كما هي رائعة ابتسامتها لما تلك البسمة غادرت شفاها حالياً!

انتبه إلي ترحيب السيدة عزيزة، فألتفت إليها مبتسماً

“تسلمي يا أمي، أومال غرام فيـ…

بتر سؤاله ظهورها عندما خرجت من باب الغرفة ترتدي وشاحاً أسود وثوب فضفاض، و بشبه ابتسامه رحبت به

“أهلاً مستر رامي، يا تري إيه سبب الزيارة؟”

شعر بالحرج لكنه أخبرها رغم ذلك

“كنت بتصل عليكي من إمبارح و ما بترديش، كان فيه ورق مش لاقيه وعايزه ضروري، فقولت أجي بنفسي أسألك، أخدت عنوانك من الـ HR”

زفرت بضيق لاحظته والدتها

“كان ممكن حضرتك تستني بكرة”

انتشلته والدتها من الحرج فأخبرته بفرح

“أصل غرام من امبارح عقبالك كان فرح صاحبتها هند، فكانت مشغولة معاها”

نظر إلي غرام ويعلم جيداً عدم ترحيبها بوجوده

“ألف مبروك، عقبالك يا غرام”

“يسمع من بوقك ربنا يا بني أصل…

“ماما، شوفي مستر رامي يشرب إيه وأنا داخلة أجيب له الورق اللي عايزه”

قاطعت والدتها علي الفور قبل أن تتفوه بأمور لا تحب ذكرها أمام هذا الرامي الذي لا تحبه

نهضت عزيزة

“تشرب إيه يا بني؟”

“أي حاجة من إيديكي يا أمي”

ذهبت عزيزة، فتقدمت منه غرام وتحاول لجام زمام كلمة أخرىها

“أنت إيه اللي جابك هنا؟”

نهض واقترب منها فتراجعت بخوف وتوتر

“جيت عشان اشوفك، ليكي عندي كلام كتير نفسي أقوله لك و أنتي مش بتردي علي مكالماتي، مالقتش حل أحسن أن اخد بعضي و أجيلك”

أطلقت زفرة تستعين بالصبر والاستغفار في نفسها

“بص يا أستاذ رامي مع حفظ الألقاب والحدود اللي ما بينا، كل اللي بيني و بينك شغل وبس و جوه الشركة، جو الصحاب و تليفونات ده ماليش فيه خالص”

طرقت فكرة في رأسه للتو، ربما يكسب قليل من الود وتنقشع غيمة النفور منه لديها

“ممكن تقعدي و نتكلم بكل هدوء واحترام، أنا جاي وعارف أنك مش عايشه لوحدك، أنا ابن بلد وأفهم في الأصول، و عارف ظروفك اللي تشبه ظروفي”

تنهدت ثم جلست بالحفاظ علي مسافة بينهما

“اتفضل قول اللي عندك، سمعاك”

شعور بالنصر وبسمة ظافر كسب المعركة قبل الخوض في حرب

“بعتذر علي أي كلام قولته ليكي في الشركة، ماكنتش أقصد أجرحك و لا أقل منك، بالعكس كنت عايز انبهك قبل ما تقعي في فخ يوسف الشريف زي أي بنت قبلك”

“الظاهر يا أستاذ رامي، ماكنتش سمعتني كويس لما قولتلك إن أنا كل اللي بيني و بين مستر يوسف شغل وبس، مش محتاجة حضرتك توضحلي أي حاجة أو تعتذر”

“ما أنا مش جاي أعتذر وبس”

ابتلع ريقه قبل أن يتردد فأخبرها

“أنا جاي أطلب إيدك من والدتك علي سنة الله ورسوله”

❈-❈-❈

علي كلمات وألحان أحد الأغاني التي يعترف بها العاشق لمحبوبته عن حبه و كيف هي أسرت جوارحه في محراب قلبها، فكان ذلك علي غرار ما يشعر به حسن، الذي استسلم للحب من أول نظرة إلي ابتسام، لن يكن في علمه يوماً أنه سوف يجلس جوارها علي كورنيش النيل كما اختارت، يتبادلان الأحاديث المرحة وأخرى جادة، لكن هي المستمع غالباً بينما هو المتحدث أكثر.

“علي فكرة يا بوسي من وقت ما جينا وقعدنا وأنتي قليل لما بتتكلمي، وأنا اللي عمال أتكلم عن نفسي وأحكيلك عن حياتي كلها، حسك مضايقة، متوتره، أنا قولتلك مستأذن من ماما عزيزة و من غرام، يعني ما بنعملش حاجة من وراهم”

لا يعلم ما يدور في ذهنها والذنب الذي يؤرقها منذ ليالي، تتذكر رسالة واردة من عثمان و كان محتواها سؤاله عن حالها و يذكرها بحبه وشوقه إليها، وسوف يبذل قصارى جهده في العمل والحصول علي مبلغ يؤهله لتأسيس عش كلمة أخرى، كيف ذلك وهي قد أصبحت لغيره بإرادتها، تشعر بالخيانة بالرغم أنها لم تحبه يوماً كما أحبها!

“ابتسام، ابتسام؟”

يناديها ويلوح بيده أمام عينيها حتي انتبهت إليه

“آسفه، سرحت شوية”

“يا تري كنتي سرحانة في إيه؟”

دفنت ما تشعر به خلف ابتسامة زائفة وتخبره كذباً

“كنت بتخيل اليوم اللي هخلص فيه الامتحانات و النتيجة طلعت و جيبت مجموع يدخلني كلية من كليات القمة، وأخلي ماما وغرام يفرحوا ويتفاخروا بيا”

“بإذن الله هيجي اليوم ده، بس عايزك تحطي في دماغك حاجة، و هي أنك لما بتبني مستقبلك ده بيكون عشانك أنتي، مش عشان حد، و مش كل النجاح متمثل في كليات القمة، ممكن تكوني خريجة أي كلية سواء العملية أو النظرية بس تشتغلي شغلانة مالهاش علاقة بدراستك، و تكوني ناجحة جداً فيها بسبب خبرة اكتسبتيها من خلال التعاملات أو التدريبات والكورسات، ما تحطيش سقف لطموحك”

“فعلاً كلامك صح، وعندي أحلام كتير نفسي أحققها”

“ما تقلقيش يا حبيبتي، هافضل في ضهرك وهاكون أكبر داعم ليكي لحد ما تحققيها، و أتمني أكون من ضمن أحلامك”

مد يده ليمسك بيدها فانتفضت ونهضت تتهرب من الموقف الحرج

“شوفت خدنا الكلام وكنت هانسي ميعادي مع منة صاحبتي، هاعدي عليها هاخد منها ملزمة مراجعة العربي”

ابتسم وأمرها

“خليكي مكانك دقيقة واحدة”

نهض وسار نحو سيارته، وكانت تجلس بمفردها فإذا بثلاثة شباب يبدو علي وجوههم معالم الفسق وفساد الأخلاق، تقدم احدهم عن صاحبيه يقول بخلاعة

“الحلو قاعد لوحده ليه، مصلحة ولا مروحه يا مزه؟”

اتسعت عينيها بكلمة أخرى ولم تستطع الإجابة، تنظر من حولها بذعر

“إيه يا حلوة، القطة كلت لسانك ولا….

“أنا اللي هاقطعلك لسانك ده يا…. منك ليه”

صاح حسن كالوحش الثائر، مصاحباً صياحه لكمات أخذ يوجهها لكل واحد من الفتية علي حده، صرخت ابتسام لاسيما بعد أن استطاع احدهم بتكبيل ذراعي حسن خلف ظهره

“حسن”

صرخت بها وتري الشاب الثاني يقف أمامه ويكيل له لكمة قوية، استطاع حسن أن يتفادها، هبط بجذعه لأسفل وفك ذراعيه

“ألحق يا حسن”

تنبهه من الكلمة أخرىة التي كادت تصيبه خلف رأسه، وخلال ثوان بعد شجار حاد صدح صوت تنبيه سيارة الشرطة، انتبه الشباب إليها فتوقفوا عن مهاجمة حسن وأطلقوا ساقهم للريح.

هبط الضابط من سيارة الشرطة

“روح أنت وهو هاتولي العيال ولاد….. وخدوهم علي القسم”

وألتفت إلي حسن و كاد يوبخه ظناً منه أنه شاب يتسكع مع فتاه علي الطريق، صاح بمرح

“إيه ده أبو علي؟”

اعتلت الدهشة ملامح حسن الذي ردد

“سامي البنا؟!”

تصافح كليهما ويبدو أنهما علي سابق معرفة، تبادلان الحديث

“سامي يا ابتسام يبقي كان جاري وصاحبي لحد ما كنا ثانوية عامة، بعد كدة اختفي لما اتنقل هو وأهله للتجمع”

“أهلاً وسهلاً بحضرتك”

“أهلاً يا عروسة، ربنا يتمملكم علي خير، وأوعدك العيال ولاد الـ…. هربيهم وهخليهم لو شافوا أي بنت يلفوا من أي شارع تاني”

اكتفت بإيماءة شكر وطيف ابتسامة، ربت حسن علي كتف الأخر

“قدها وقدود يا حضرة الظابط”

“مضطر أسيبكم بقي يا دوب أرجع علي القسم أنفخ العيال دول، ماتنساش تتصل بيا يا أبو علي، و أبقي اعزمني علي فرحكم هستناك”

“بإذن الله”

وبعد ذهاب صاحبه الضابط عاد ينظر إليها أطلق زفرة وسألها والقلق جلي داخل عينيه

“أنتي كويسة؟”

أومأت له بنعم ثم قالت

“ممكن نمشي؟”

“اتفضلي”

أشار لها لتذهب وتدخل إلي سيارته ليعود بها إلي منزلها وكان الصمت رفيقهما الثالث طول الطريق أو ربما هي مَنْ أثرته.

❈-❈-❈

بعد مرور يومين…

كانت تتجنب الظهور أو التعامل المباشر مع رامي وخاصة بعد مطلبه المرفوض بالنسبة إليها، فهي تسعي هنا داخل الشركة من أجل العمل، وبالنسبة إلي يوسف كان كلما أراد التحدث إليها في نطاق خارج العمل كلما فرت بإطلاق حُجة زائفة، لكن داخل قلبها قد وُلد شعور نحوه تريد وأده قبل أن يترعرع ويكون بداية النهاية لقصة حب تتحدي المحال.

ولننتقل إلي مكتب رأفت الشريف، لم يأت بعد وكانت سوزي تجلس خلف مكتبه، ترتب الأوراق، انتبهت إلي إطار الصورة التي تجمع رأفت بزوجته وولديه، أخذت تنظر إلي ملامح منيرة الصارمة، أخرجت لسانها وكأن الأخرى تراها

“مش عارفة جوزك طايقك إزاي؟!”

فُتح الباب فجأة، تركت الإطار بتوتر ظناً أن الذي ولج للتو رأفت فوجدته نور، أغلق الباب خلفه سريعاً

“وأنا قالب عليكي الشركة، أتاريكي قاعدة هنا؟”

نهضت واقتربت منه بدلال سخي

“حبيبي يا نور عيوني، معلش كنت مشغولة وبحضر أوراق وعقود هيمضيها رأفت بيه أول ما يجي”

ابتلع ريقه وتحركت حنجرته «تفاحة آدم» صعوداً وهبوطاً

“تولع الأوراق والعقود، أنا بقالي كذا يوم مش عارف أشوفك أو نتكلم بسبب الشغل، أنا خلاص ما بقتش قادر أبعد عنك أكتر من كده”

انهي حديثه وجذبها بين ذراعيه وانهال علي شفتيها بقبلات همجية، تحاول التملص منه ومن قبلاته

“أوعي يا نور، كفاية جنان، رأفت بيه زمانه جاي”

“ما يجي، أنا قافل الباب من جوه”

استطاعت الانفلات من يديه وذهبت نحو الباب تحاول فتحه

“بطل تهور، هنا في الشركة ما…

تلاشت الحروف من بين شفتيها عندما فتحت الباب ووجدت رأفت أمامها، وجد ابنه يقف خلف مساعدته، نظراته تكفي بأن تجعلها ترتجف من داخلها، هيهات وكالأفعى تمكنت من إخفاء جميع الشكوك لدي زوجها

“أهلاً وسهلاً يا رأفت بيه، حضرت لحضرتك الأوراق والعقود وكان نور بيه بيراجعهم معايا قبل ما اسلمهم ليك”

نظر إلي نور وأشار بعينيه إلي الخارج

“ارجع علي مكتبك وحضر ملف خط الإنتاج”

“أمرك يا بابا”

وغادر المكتب علي الفور، تتابعه سوزان حتي وجدت من يجذبها إلي الداخل، وصفق الباب بقوة ثم أغلق القفل

“فيه حاجة يا رأفت ولا إيه؟”

أطلقت صرخة ويجذبها من رسغها، دفعها نحو الباب حيث يلتصق نصف وجهها وخصلات شعرها في قبضة رأفت، وذراعها الأخر يثنيه خلف ظهرها، هسهس بالقرب من أذنها محذراً إياها

“لو شوفت الباب مقفول عليكي أنتي وأي واحد حتي لو ابني مش هاقولك أنا ممكن أعمل فيكي إيه”

هز خصلاتها ورأسها بكلمة أخرى

“أنتي فاهمة؟”

“حاضر، حاضر”

ترك شعرها فألتفت إليه وبمكر حرباء تتمكن من السيطرة والتلون بنجاح

“حقك عليا يا بيبي، مش هاكررها تاني، أهم حاجة مش عايزاك تزعل مني”

اقتربت منه وقامت بتقبيل وجنته، تطلق كل ما تمتلكه من شباكها كأنثى العنكبوت، تمكنت من تهدئته واللعب علي رغبته التي لا تكل و لا تمل نحوها، تهمس جوار أذنه بفحيح أفعى ساحرة

“وحشتني أوي يا رأوفتي”

ابتعد عنها وحاول التظاهر أمامها بعدم التأثر بسحرها الأسر، جلس خلف مكتبه وهيهات وخارت قواه

“تخلصي شغلك النهاردة وتسبقيني علي شقتنا”

أطلقت ضحكة تجلجل صداها بين الأرجاء

“عينيا يا باشا، و هعملك أحلي أكل تاكل صوابعك وراه”

حدق إليها بشوق ورغبة سافرة

“لما نشوف”

“هاروح أجيبلك باقي الأوراق ومعاها القهوة اللي بعملهالك بإيديا”

تركته وغادرت الغرفة، وفي الخارج توقفت تتنفس الصعداء حتي لاحظت بطاقة ورقية مقلوبة أعلي مكتبها، أمسكت بها وقرأت المدون عليها بقلم نور

«هستناكي بعد ما نخلص شغل في شقتك الجديدة يا حبيبتي»

❈-❈-❈

ولدي مكتب يوسف، غارقاً بين مهام مراجعة بعض الأعمال علي الحاسوب، توقف عن النقر علي لوحة المفاتيح ونظر إلي ساعة هاتفه وردد في نفسه

“معقول ماجتش لحد دلوقت”

رفع سماعة الهاتف الداخلي، أتاه صوتها

“أمرك يا مستر يوسف؟”

“جيتي أمتي؟”

“وصلت من شوية وبحضر لحضرتك الملفات”

“سيبي اللي في إيديكي وتعالي عايزك”

“حاضر”

وضعت السماعة وتسأل نفسها بتعجب

“يا تري عايزني فيه إيه؟، معقول رامي حكي له عن اللي حصل؟”

نهضت وفتحت باب الغرفة فوجدت باقة من الزهور الحمراء أمامها مباشرة، يمسكها رامي وينزلها قليلاً ليظهر وجهه مبتسماً من خلف الورود

“صباح الخير”

نظرت بضيق

“صباح النور، عن إذنك مشغولة”

أمسك رسغها وأوقفها

“غرام، أنا مازالت مصمم علي طلبي لحد ما توافقي، أنا بحبك وعايز أتجوزك”

أطلقت زفرة بضيق، تجذب رسغها من يده

“لو سمحت ياريت تلتزم حدودك”

“آسف، مكنتش أقصدك أمسك إيدك، بس عايز منك رد بدل هروبك مني زي كل مرة”

وبالعودة إلي يوسف، كان يحتسي قهوته وينظر من خلف النافذة الزجاجية، لاحظ تأخير غرام، انتهي من قهوته، ترك القدح أعلي المكتب وقرر أن يذهب إليها، وما أن فتح الباب ليجد ماهي قد خرجت للتو من المصعد وهرولت نحوه بسعادة

“good morning Jo, imiss you”

لم تعط إليه فرصة الرد فقامت بعناقه بل وتقبيله من وجنته، كان ذلك المشهد للمرة الثانية تراه غرام، تشعر بغصة علقت في حلقها، لاحظ رامي سبب وقوفها وإلي أين تنظر، وقف خلفها واقترب بشفتيه بالقرب من أذنها يوسوس إليها

“تعرفي إن ماهي دي دوخته سنة بحالها لحد ما رضيت تكلمه، أصل يوسف طول عمره كده، يجري ورا أي واحدة تقوله لاء”

عقبت بصوت لا يسمعه سواهما

“وأنا عمري ما كنت هقول اه، كل واحد فينا من عالم غير التاني”

وقف أمامها مباشرة يقطع مشهد قرب ماهي من يوسف أمام عينيها، يخبرها برجاء زائف ربما حقيقي داخله لكنه ينكر ذلك

“اديني فرصة، مش يمكن موافقتك دي بداية أن أتغير علي إيديكي، ما تخافيش هاتكون فترة خطوبة”

لم تنتبه إليه إطلاقاً بل كانت تراقب يوسف وماهي التي تمسك بيده وتضحك

“ها يا غرام، قولتي إيه؟”

تخطه وابتعدت عنه وذهبت نحو يوسف لتقطع علي ماهي ضحكتها

“مستر يوسف، حضرتك كنت عايزني في حاجة؟”

ألتفت لها جاذباً يده من يد ماهي

“اه، كنت عايزك في…

قاطعه مشهد رامي القادم نحوهم والابتسامة من الأذن إلي الأذن الأخرى، كان عليه استغلال ذلك الموقف كما تلقي التعليمات جيداً أو كما هو أراد هذا حقاً

“مش تباركلنا يا چو؟”

“أباركلكم؟، أنت ومين علي إيه؟”

نظر إلي غرام التي لا تقل عن حال يوسف، تحاول إدراك ما يخبرهم به رامي في ذهول وكلمة أخرى وذلك بعد جوابه

“أنا وغرام اتخطبنا، عقبالك أنت وماهي”

ألجمت الكلمة أخرى لسانها، تري ألسنة اللهب في عينين يوسف، فحديث العيون أبلغ من آلاف الكلمات

عقبت ماهي التي وجدت أنها الفرصة وعليها أن تغتنمها، أمسكت يد يوسف واخبرتهم

“مبروك يا رامي أنت وغرام، أنا و چو برضو خطوبتنا قريب”

ونظرت جوارها وسألت يوسف الذي ظل يرمق غرام بنظرات نارية وهي تهز رأسها تنفي ما تسمعه

“صح يا چو؟”

كادت غرام تنكر حديث رامي، بينما كلمة أخرى أخرى يوقعها يوسف عليها انتقاماً

“ألف مبروك يا غرام، أنا عازمكم الجمعة الجاية علي خطوبتي أنا وماهي”

❈-❈-❈

قد استسلم إلي النوم في ساعة متأخرة حيث كان ينتظر زوجته التي قضت أغلب اليوم في مهام المنزل بأكملها، تعمد كل من والدة زوجها و ابنتها ترك الأشغال المنزلية علي العروس، وبعد أن انتهت زوجته من عمل كل ما سبق ذكره ارتمت علي الفراش من فرط التعب، ومضت الليلة مثل حال الليالي السابقة.

وفي الخامسة فجراً استيقظ علي صوت ضوضاء مزعجة آتيه من الردهة، نهض ليري السبب، ارتدي قميصه القطني علي جذعه العاري، خرج فوجد شقيقته تشاهد التلفاز وصوته مرتفع أكثر من المعدل الطبيعي.

“جري إيه يا دلال، أنتي عايشة لوحدك هنا و لا إيه؟، ما توطي المخروب ده بدل ما أجي أكسره”

أمسكت بجهاز التحكم وقامت بالضغط علي كاتم الصوت ونهضت ثائرة بكلمة أخرى جم

“أنت اللي مالك بيا، أنا حره، أتفرج وأعلي وأوطي التليفزيون براحتي، قاعدة في بيت أبويا واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل”

طرقت فوق حديد ساخن فازداد اشتعالا، صاح بصوت جعل زوجته ووالدته استيقظا بذعر

“اتلمي يا دلال أحسنلك، أنتي من وقت ما جيتي وعمالة تعملي حركاتك اللي من تحت لتحت، و لا مراتي اللي سايبين كل حاجة عليها كأنها خدامة”

وضعت يديها علي جانبي خصرها وتشدقت

“الله، الله، قول بقي كدة، الهانم اشتكت لك ولحقت تقومك علينا، كل ده عشان جيت أقعد في بيت أهلي اللي ماليش غيره، و علي رأي المثل البيت بيت أبونا والغرب جايين يطردونا”

اقترب منها كالوحش الضاري، يكور يده جانبه

“اتلمي يا دلال وحطي لسانك جوه بوقك، بدل وعزة جلال الله هاتشوف وش مني عمرك ما شوفتيه”

خرجت هند تمسك بتلابيب المأرز، تحاول استيعاب ما يحدث

“إيه اللي بيحصل يا جمال؟”

“فيه إن جوزك بيعلي صوته علي أخته الكبيرة و كله بسببك يا حربوقه”

اتسعت عينان هند بكلمة أخرى من اتهامها ظلماً وإهانتها

رفع يده في الهواء

“لفظ تاني هاتقوليه لمراتي لهاكون….

“إيه، هاتمد إيدك علي أختك وأنا لسه عايشة يا جمال”

قاطعته والدته

“عجبك يا ماه اللي بنتك بتعمله و كمان بتقل أدبها علي مراتي؟”

نظرت إلي ابنتها بتحذير لتصمت

“ادخلي علي أوضتك وملكيش دعوة بحد”

ثم نظرت إلي زوجة ابنها

“وأنتي خدي جوزك ويلا علي أوضتكم”

اقتربت هند من زوجها تمسك ذراعه ليعود معها إلي غرفتهما، توقف قبل أن يولج إلي الداخل وأخبر والدته بالأحرى حديثه موجهاً إلي شقيقته

“أنا كرامة مراتي من كرامتي، و اللي هايفكر يجرحها بكلمة هيلاقيني فمحدش فيكم يجي يزعل مني علي اللي هاعمله”

ترك والدته وشقيقته يشتعل كليهما من الغيظ والحنق، نظرت عطيات إلي ابنتها بلوم

“عاجبك كده؟!، هو ده كان اتفقنا برضو؟، أديها نجحت تخليه في صفها ووقف قصادك وقصادي بيهددنا، كل ده عشان خاطر بنت خيرية”

وبالداخل كان يجلس علي طرف الفراش، ربتت هند علي ذراعه علّه يهدأ قليلاً

“خلاص يا حبيبي حصل خير، اعذرها ظروف طلاقها واللي حصل معاها مخليها في الحالة اللي هي فيها”

“علي نفسها مش علينا، تقعد باحترامها زي ما احنا قاعدين باحترامنا، و تحترمك قبل مني”

“قوم اتوضا، الوضوء هيطفي نار الكلمة أخرى اللي جواك، و أنا هاروح أعملك كوباية عصير ليمون باللبن تروق أعصابك”

تبدلت ملامحه من الكلمة أخرى إلي اللين، يمسك يدها وظل يتأمل ملامحها الوديعة الصافية، سألها مبتسماً

“أنت حلوة كده إزاي؟”

احمرت وجنتيها خجلاً من إطرائه فتابع

“شكلك وروحك و قلبك كل حاجة فيكي حلوة، أنا ربنا بيحبني أوي عشان رزقني بيكي، مستحملة ظروفي و ظروف أهلي برغم معاملتهم الوحشة معاكي”

“أنا اللي ربنا بيحبني عشان رزقني بيك، بتحبني و بتخاف عليا ومش بتسمح لأي حد يمسني بكلمة”

أمسك يدها ووضعها بين كفيه

“أوعدك قريب أوي هلاقي شقة إيجار ننقل فيها، مفيهاش حد يضايقك و هتبقي شقتك مملكتك تعملي فيها اللي أنتي عايزاه”

“أنا أي مكان وأنتي معايا بيبقي مملكتي، وجود جمبي عندي بالدنيا بحالها”

صاح مهللاً بسعادة

“وعدي يا وعدي، أنا كدة ملك زماني و محدش قدي”

“وطي صوتك ليسمعوك بره، خليك هاروح اعملك العصير وراجعالك بسرعة”

أوقفها يمسك يديها

“مش عايز أشرب عصير”

سألته دون إدراكها لما يقصده

“أومال نفسك تشرب إيه يا حبيبي؟”

جذبها فوقعت جواره، همس بالقرب من أذنها

“مش عايز أي حاجة غيرك أنتي”

وتبع القول فعلاً وكان للعشق سطوة لن يستطع المحبين مواجهتها، سرعان تنجرف القلوب داخل عاصفة من المشاعر الحارة.

❈-❈-❈

تجتمع عائلة الشريف حول المائدة، لاحظت منيرة غياب زوجها الذي لم يأت منذ الأمس، و كذلك ابنها يوسف.

“ماتعرفش حاجة عن باباك وأخوك؟”

ابتلع نور ما بفمه فاخبرها

“بابا قالي أنه هيبات في الشركة سهران علي مراجعة شوية أوراق، و يوسف مشي بدري إمبارح وجه علي هنا، هتلاقيه في أوضته نايم لسه”

“صباح الخير”

أطلق يوسف الذي ظهر للتو تحية الصباح، نظرت إليه والدته

“صباح النور، لما أنت كنت هنا إمبارح من بدري ما نزلتش اتعشيت معانا ليه”

جلس علي كرسي المائدة وأخبرها باقتضاب

“تعبان شوية”

حدقت إليه بدهاء وسألته بمكر

“و هو فيه واحد المفروض خطوبته بعد أسبوع، يبقي قاعد مكشر وزعلان كده؟”

تركت كاميليا الشوك والسكين

“oh my god ”

ابتسمت وتابعت

“مين دي يا چو اللي قدرت توقعك وتقنعك بالخطوبة والجواز”

عقب زوجها ساخراً

“يمكن اتغاظ من رامي صاحبه اللي خطب البنت السكرتيرة اللي اسمها غرام”

طيف ابتسامة علي شفتيها، يتضح النصر في عينيها، سرعان اخفت البسمة والنظرة

“رامي وغرام مين دول جمب أخوك يوسف وماهي بنت الحسب والنسب، وجميلة وشيك”

“عن إذنكم”

نهض يوسف فجأة دون تعليق وترك كل ما يقال خلف ظهره، يكفي ما يشعر به من نيران الغيرة والكلمة أخرى لاسيما ذكر شقيقه لإعلان خطوبة صاحبه علي الفتاة الوحيدة التي أحبها بصدق، أجل اختطفت قلبه من أول نظرة دون الاكتراث إلي الفروق التي بينهما، فهي مختلفة عن الفتيات اللاتي تعارف عليهن من قبل، هي التي في حضورها يصبح عقله غائب وفؤاده في حرم عشقها أسير.

❈-❈-❈

و لدي غرام كانت في نوبة من البكاء، أقل وصفٍ لما تشعر به منذ البارحة هو الاح,تراق، تحترق من الداخل، كانت تنكر كل مشاعرها حقاً حتي ظهرت عندما تلاقت عينيها بخاصته و كليهما يسمع خبر الخطبة، رغماً أن الخبر الخاص بها زائف، فكان السؤال الذي دار بينهما بلغة العيون الأمس هو -لماذا؟- لماذا تفرقنا قبل أن نجتمع، لماذا وأد الحب قبل أن يعترف كل منهما إلي الأخر؟!

اقتربت أحلام وجلست جوارها، قامت غرام سريعاً بتجفيف دمعها.

“لسه برضو مش عايزه تقولي مالك؟، عياطك ده بيقول أن ورا دمو,عك راجل، مين ده بقي اللي قدر يخلي غرام بنت عبدالرحمن المصري اللي عمرها ما اعترفت بحاجة اسمها حب، قدر هو وخلاها تحبه؟”

“معلش يا أحلام مش قادرة أتكلم، أنا قايمة ألبس وهامشي لأتأخر علي الشغل”

أوقفتها شقيقتها بسؤال اهتز له قلبها

“أنتي حبيتي الجدع اللي اسمه يوسف؟”

هنا لن تتحمل وانهارت كل حصونها فاطلقت العنان لعبراتها من جديد، تخبرها بحقيقة لم تكن تتوقع الاعتراف بها يوماً

“أنا بحب يوسف يا أحلام”
🌷يتبع 🌷

غرام في المترو
بقلم (ولاء رفعت علي)
الفصل الخامس عشر
والفصل السادس عشر
******************
يوم تلو الأخر ويبقي الحال كما كان، لدي غرام كانت تت,ه,رب من مواجهة يوسف الذي تعمد إظهار معاملته الجا,فة والقاسية لها بينما رامي أفعاله كانت النقيض لصاحبه، يغدق عليها بالحديث المعسول والهدايا والاهتمام بها و عن حال أسرتها كما اقترب من والدتها التي احبته وأخذت تعدد من صفاته الحسنة الزائفة، و لدي يوسف منذ أن علمت ماهي من السيدة منيرة أنه تم تحديد موعد الحفل وسيقام في حديقة الفيلا لديهم تهلهلت اساريرها وباتت تحلم بتلك اللحظة بل كانت تتمني انه يكون حفل زفاف و ليس خطبة.

وقد جاء هذا اليوم وسبقه وصول بطاقات الدعوة للجميع وخاصة لموظفين الشركة علي رأسهم غرام، ظلت ليلة البارحة تبكي من فرط اختناق قلبها الذي تعلق بحب يوسف، وبعد تفكير قررت أن تذهب برفقة رامي الذي اتفق معها سينتظرها أمام منزلها وتذهب معه إلي الحفل.

تقف للتو أمام المرآة تطلى شفتيها بقلم الحمرة بلون الأحمر القاني، انتهت ووضعت القلم علي الطاولة ذات اللوح الزجاجي المنقسم إلي نصفين، تبتعد خطوة إلي الوراء لترى ثوبها الأسود الفاخر الذي اشترته صباحاً من أجل ذلك الحفل خصيصاً، ثوباً منسوج من الدانتيل والمزدان بفصوص من الكريستال، ضبطت وشاحها الأبيض الحريري وأصبحت في أجمل طلة سوف تجذب جميع الأنظار تلك الليلة وأولهم عيون الذي جعلها النوم يجافيها الليالي الماضية.

صدح رنين هاتفها وكان المتصل رامي، ينتظرها داخل سيارته أمام المنزل، تناولت حقيبتها وذهبت بعد أن تحلت بالق,وة والكبرياء.

كان ينظر نحو باب فناء منزلها من حين إلي الآخر حتي ظهرت كالحورية التي خرجت من داخل كتاب أساطير، لم يصدق عينيه، هبط سريعاً من سيارته، أطلق صفيراً بأعجاب باهر

“كنت متأكد أنك مخبية الجمال ده كله وأهو جه اليوم اللي شوفت فيه أجمل حورية شافتها عينيا”

حدقت بامت,عاض دون أن تكلف نفسها عناء النظر إليه، مما جعله توقف عن الابتسام، فتحت باب السيارة

“يلا عشان ما نتأخرش”

دف,ن كلمة أخرىه من معاملتها البا,ردة حتي لا يفسد الأجواء بينهما في تلك الليلة، لديه هد,فان من حضوره هذا الحفل، الأول يثبت إلي صاحبه انه ظ,فر بالصيد خاصته والهدف الأخر ينتظره هناك، لكن هناك مشاعر خف,ية تجول داخل صد,ره وقلبه كان يخشاها دوماً.

جلس علي كرسي القيادة وينظر لها في صمت ثم نظر إلي أمامه وبدأ القيادة.

و هنا في حديقة فيلا الشريف، تصدح الموسيقي في كل الأرجاء، زينة وإضاءة تبهر المدعوين الجالسين حول كل مائدة، ترحب منيرة بكل ضيف والسعادة تت,راق,ص داخل عينيها، تش,رف علي المأكولات والحلوى

“كله تمام يا شيف”

أومأ لها الطاهي

“كله تمام زي ما حضرتك أمرتي”

ألتفت فوجدت صديقتها راندا والدة ماهي

“إيه الجمال والعظمة ديه يا منيرة، بجد تسلم إيديكي”

اعتلى الفخر محياها

“أومال كنتي فاكرة إيه يا رورو، هو أنا عندي أغلي من چو وماهي، وكلها شهر وهايكون الفرح”

نظرت الأخرى نحو العروسين وعقبت

“شايفة حلويين أوي، ربنا يسعدهم حبايب قلبي”

كان يوسف يجلس كمن يؤدي واجب العزاء، جواره ماهي تتلقي التهنئة من المعارف والأصدقاء، اقتربت نحوه بعد أن لاحظت صمته

“مالك يا چو إيه اللي مزعلك يا حبيبي، ده النهاردة أحلي يوم في حياتنا المفروض تكون فرحان ونقوم نر,قص كمان”

أطلق زف,رة دالة عن نفاذ صبره علي هذا الوضع الذي يتحمله بشق الأنفس، انتبه إلي نداء ماهي المتكرر له فكاد يلتفت إليها وإذا حدث ما است,حوذ علي كامل انتباهه و س,حر بصره، ولجت غرام بجمالها الباهي رغم عدم امتلاكها للجمال الفاتن لكن لديها جمالها الخاص بها اظهرته ببعض مستحضرات التجميل البسيطة وثوب فاخر أكمل طلتها الجذابة.

لحظات وظهر من خلفها رامي، أمسك يدها ووضعها علي ساعده، نظرت غرام له بحنق واخبرته من بين أسنانها وتجذب يدها

“لو لمست إيدي تاني هخليك تن,د,م”

اقترب منها وعينيه صوب صاحبه، تظاهر أنه يهمس لها بكلمات من الحب والغزل لكنه كان يجيب علي تهديدها

“ماتنسيش إن أنا خطيبك، و لا خايفة علي مشاعر البيه؟”

“أولاً خليك في حالك، ثانياً بقي لسه مابقتش خطيبي رسمي، يعني ممكن أقولك كل شئ قسمة ونصيب”

رفع جانب شف,تيه بابتسامة تخ,في خلفها أق,بح وجه غا,ضب وحا,قد لو رأته علي حقيقته لولت بالفرار من أمامه

“يلا نروح نهني چو وخطيبته”

تعمد إشعال مراجلها وتركها يتقدمها بخطوة، ذهب لمصافحة صاحبه، نظر يوسف إليه بصمت يعلم الأخر ما يوجد خلف هذا الهدوء المريب، صافح ماهي أيضاً وجاء دور غرام دون أن تمد يدها للمصافحة

“مبروك يا مستر يوسف”

ابتسامة ساخرة ظهرت علي شفتيه

“الله يبارك فيكي يا غرام”

تبادل النظرات يخفي الكثير من العبرات حبيسة عينيها، انتبه كليهما علي صوت ماهي

“يلا يا چو تعالي نر,قص، الموسيقي اللي أنا وأنت بنحبها أهي”

أمسكت بيده وجذبته إلي ساحة الر,قص وعينيه لا تحيد عن عين التي ابتعدت قليلاً، تحاول الصمود و ألا تظهر ضعفها، تراه وهو يرا,قص غيرها علي نغمات وألحان موسيقي رومانسية اشعلت نير,ان الحب داخل قلبها فازداد الألم وتفاقم، اصابتها غصة حطمت صمودها الزائف، لم تشعر بد,موعها التي انسدلت علي خديها، اكتفت إلي هذا الحد فولت مدبرة نحو مكان مظلم بلا وجهه محددة.

تبكي كطفلة تائهة في دروب مجهولة، حتي انتشلتها قبضة علي ساعدها فوجدت ظهرها يرتطم بسور الفيلا الخرساني، أصبحت محاصرة بين السور وبين صاحب القبضة، يقف أمامها بأنفاس لاهثه، فكان يركض خلفها حتي وجدها بعد أن انشغلت عروسه مع صديقاتها في الرقص.

“و لما أنتي مش قادرة تستحملي تشوفيني مع غيرك جيتي ليه؟”

ظلت تنظر إليه دون حراك، أمرها بكلمة أخرى

“ردي عليا، ساكتة ليه؟”

زادت قبضته وسببت لها الألم فتأوهت، ترك ذراعها وحاول أن يهدأ قليلاً

“أنتي اللي وصلتينا للي إحنا فيه، روحتي استعجلتي واتخطبتي لواحد ماسبش أي واحدة عرفها غير لما عمل معاها كل حاجة”

هنا استطاعت التحدث

“طب ما أنت زيه، و لا تفرق عنه أي حاجة”

“أنا كنت فعلاً زيه، لحد ما شوفتك، كنت ضايع في حياة كل شئ فيها مباح و جيتي أنتي أنقذتيني منها، لاقيت فيكي اللي عمري ما لاقيته في أي واحدة، كنت بكدب مشاعري لحد ما زادت يوم عن التاني وأتأكدت إن بحبك”

اتسعت عينيها وخفق قلبه بقوة من اعترافه وتركته يتابع حديثه

“ايوه بحبك يا غرام، بحبك وعايزك تكوني شريكة حياتي زي ما أنتي شريكة نجاحي في الشركة”

“للأسف مش هاينفع”

“هو إيه اللي مش هاينفع؟، عشان الفرق الاجتماعي؟، و لا عشان رامي اللي صدقتيه؟”

أجابت وتنظر إلي أسفل بحرج

“أنت ابن الأكابر وأنا البت السكرتيرة بنت الحارة اللي أشفق عليها ابن صاحب الشركة وشغلها وقدملها فرصة الشغل وتكمل تعليمها ووقف جمبها”

“عمري ما حسيت من ناحيتك بشفقة، و أي حاجة قدمتهالك عشان بحبك، و اللي بيحب حد بيبقي عايز يشوفه فرحان وسعيد”

و داخل الفيلا كان رامي يسير وينظر خلفه ليطمئن أن لا أحد يراه، طرق باب غرفة جانبية حتي أتاه إذن الدخول، ولج و وجدها في انتظاره تجلس خلف مكتب زوجها

“أظن بقي كده عملت اللي عليا يا منيرة هانم، نفذت كل اللي طلبتيه و كمان يوسف خطب ماهي”

ابتسامة حية لعينة علي شفتيها يعقبها خبر باتمام مخطط شيطاني

“الموضوع لسه مخلصش، فيه خطوة تانية لازم تحصل”

نعود إلي يوسف و غرام مرة أخرى

“و بعد الحب إيه؟، هل رأفت بيه و منيرة هانم هيرضوا أن ابنهم يتجوز واحدة زيي”

اقترب منها حتي شعرت بأنفاسه علي وجهها

“محدش ليه دعوة بحياتي، أنا اللي بختار، و بقولهالك دلوقتي يا غرام، أنا بحبك وعايز أتجوزك، عايزك تنسي أي فرق ما بينا، ما تخا,فيش طول ما أنا معاكي”

مد يده أسفل ذقنها يرفع وجهها لتصبح عينيها صوب خاصته، هناك أشعة من الأضواء الملونة تسقط علي وجهها جعلته يرى ملامحها بوضوح، شفتيها ترتجف من كبت دموعها أمامه، مد أنامله إلي د,م,عة سقطت دون إرادتها، قام بإزالتها وبصوته الرجولي الأجش يخبرها

“النظرة اللي أنا شايفها دلوقتي في عينيكي ودمو,عك اللي خا,نتك ونزلت ده أكبر دليل أنك بتبادليني نفس المشاعر”

تخشي أن تبوح بكلمة ستدفع ثمنها لاحقاً، لا تريد التحليق كالعصفور بين سرب من النسور

“قوليها يا غرامي، نفسي اسمعها منك”

هبط بشفتيه نحو خاصتها، فكانت كالجمر الخامد وأتت الرياح أيقظت نيرانه، ابتعدت فجأة عنه تزامناً مع تلقينه صفعة قوية علي وجنته، ركضت سريعاً متجهة نحو داخل الفيلا، استندت إلي أقرب حائط، تضع يدها لدي موضع قلبها، تشعر بدقاته كقرع الطبول، تلتقط أنفاسها علي مهل، وضعت كفها علي فمها لتمنع شهقة يتبعها بكاء، يصل إلي مسامعها صوت رامي من غرفة قريبة، توقفت عن الب,كاء رغماً عنها، تسللت نحو مصدر الصوت.

“طيب حضرتك طلبتي أن اشغلها وابعدها عن يوسف و عملت كدة، بالنسبة لطلبك التاني مش هيحصل، يوسف إستحالة يمشيها من الشركة، وعرفت أن رأفت بيه وكمان نور موصيين عليها خصوصاً بعد ساعدتهم يوصلوا للمصنع اللي كان بيقلدنا”

“انا قولت أنك ذكي يا رامي و هتفهم من غير ما أشرحلك، أنت ممكن تخلي يوسف زي ما جابها الشركة هو بنفسه يمشيها”

نهضت من خلف المكتب وجلست علي المقعد المقابل لرامي وتابعت حديثها

“زي أنك تلبسها مصيبة تخليها تمشي بفض,يحة من الشركة و ما تخليهاش تعتبها تاني”

تجهم وجهه لا ين,كر ما قد سمعه جعله يشعر بالضيق، حاول أن لا يظهر ذلك للأخرى فسألها

“ممكن أعرف حضرتك ليه بتكرهيها أوي كدة، رغم اللي أعرفه أنها السبب أن يوسف بقي ملتزم في حياته وشغله، غيرته للأحسن”

ابتسامة ظاهرها هدوء تخ,في عاصفة من الحقد والكراهية

“و ده في نظرك مش سبب كافي يخليني أكر,هها!، جت فجأة وغيرت حياته ولولا أنك أوهمتها أنك بتحبها وعرضت عليها الجواز كانت زمانها قاعدة جمبه بدل ماهي، و يبقي علي أخر الزمن منيرة هانم تبقي مرات ابنها حتة بنت كحيانة جاية من الحارة”

“هي فقيرة و من حي شعبي بس بنت محترمة جداً وأهلها ناس طيبين”

ضحكت ساخرة

“أنت كمان لحقت تحبها؟!، فعلاً كان عندي حق، ابعد الخطر دي عن ابني، أنما أنت تحبها أو ما تحبهاش، أنت حر، المهم تنفذي لي اللي بطلبه منك و أدي أول دفعة عشان تنفذ في أسرع وقت”

أخذت دفتر الشيكات من أعلي المكتب وقلم، قامت بتدوين المبلغ و قامت بتوقيع اسمها، فصلت الشيك من الدفتر ومدت يدها له به

“باقي المبلغ هايكون في نفس يوم رفدها من الشركة، اتفقنا؟”

أخذ الشيك وظل يتأمل المبلغ المدون، يشعر بغ,صة لكن زُين له الشيطان أرقام المبلغ المالي و ما ينتظره من مبلغ مماثل له.

و في الخارج مازالت تقف وقد سمعت كل ما دار بينهما من حديث، كلمة أخرى جعلتها تحمل حالها وتركض نحو الخارج مغادرة هذا المكان.

❈-❈-❈

غسيل الملابس و طهي الطعام لثلاث وجبات وتنظيف المنزل، جميعها مهام لن تنتهي وعليها القيام بها دون أن تتذمر، تتجنب الاحتكاك مع والدة زوجها وابنتها الحرباء، ولا تريد إخبار زوجها بهذا الحمل الثقيل كالعادة يكفي مناوشات عمله طوال اليوم مع زبائن «التوكتوك» ويعود بألم الرأس المزعج وعليها أن توفر له الراحة والهدوء.

وبعد أن انتهت من تلك المهام قامت بكوي ملابس زوجها، صدح رنين هاتفها وجدت المتصل والدتها، راقبت الأجواء وجدت دلال ووالدتها تجلس كلتيهما تشاهد التلفاز، تسللت إلي داخل الغرفة الخاصة لها وزوجها لتجيب علي الاتصال.

“ألو أزيك يا ماما؟”

“أزيك أنتي يا هند، عاملة إيه يا حبيبتي؟”

“بخير يا ماما، أنتي وبابا عاملين إيه؟”

“إحنا كويسين يا حبيبتي، و أبوكي بيسلم عليكي، قوليلي حد جمبك؟”

“لاء، أنا في أوضتي”

“حماتك عاملة معاكي إيه؟”

“كويسة معايا”

“هي بنتها لسه قاعدة معاكم؟”

“يا ماما ده بيتها زي ما هو بيت أخوها، أنا مالي تقعد و لا تمشي”

“والله أنا ما مرتاحة، قلبي بيقولي حماتك وبنتها العقربة دلال شكلهم مطلعين عينيكي”

“مفيش حاجة من دي يا ماما، أنا مرتاحة الحمدلله وحاسة أن أنا عايشة في بيتي”

تكذب بالطبع لأنها صاحبة قرار العيش مع زوجها في منزل أهله ولكي لا تتعرض للوم من والدتها أو التوبيخ تضطر إلي إنكار معاناتها في كل اتصال.

وخارج الغرفة تقف دلال تسرق السمع، سارت نحو طاولة المكواه حيث تركت هند قميص زوجها

“والله لأخلي أخويا اللي قلبتيه عليا ليقلب عليكي ويطلع عينك”

ضغطت علي زر المقبس حيث سلك المكواه التي أمسكت بها ووضعتها فوق القميص وتركتها ثم عادت إلي الكرسي أمام التلفاز، و مازالت هند تتحدث مع والدتها.

عاد جمال للتو من الخارج، قام بفتح الباب قابلته رائحة احتراق جعلته يركض باحثاً عن مصدر الرائحة، وجد الدخان ينبعث من أسفل المكواه وقماش قميصه قد احترق، خرجت

هند من الغرفة تسأل بقلق

“إيه ريحة الشياط دي؟”

ألتفت إليها زوجها ويمسك بقميصه المحترق

“مين اللي ساب المكواه علي القميص لحد ما أتحرق بالمنظر ده؟”

كادت هند تخبره بينما قاطعتها دلال

“هايكون مين غير الهانم مراتك، سابت المكواه علي قميصك و دخلت ترغي في تليفونها تدي التقرير لأمها”

نظرت هند إليها بحنق وأخبرت زوجها

“أنا فعلاً كانت معايا مكالمة بس قبل ما أرد فصلت فيشة المكواة، إزاي اشتغلت إلا إذا حد عملها قصد”

“قصدك إيه يا ست هند؟!، يعني أنا اللي عملت كدة؟”

عقبت والدتها بس,خرية لإثارة كلمة أخرى ابنها

“يا هند يا بنتي كلنا في أول جوازنا كنا كدة، بس بناخد بالنا وبنتعلم من أهلنا، لو مش بتعرفي تكوي هخلي دلال تعلمك”

“هو حضرتك بتقولي إيه يا طنط؟!، أنا متأكدة والله أن كنت فاصلة فيشة المكواه”

“أنتي هتاخدي بالك إزاي، أصل الرغي في التليفون بيخليكي تنسي كل حاجة”

“لو سمحت يا دلال، خليكي في حالك أنا موجتهش ليكي كلام”

“يعني غلطانة و بتبجحي كمان”

هنا صاح جمال بنفاذ صبر

“خلاص منك ليها، في داهية القميص، أهم حاجة أن مراتي بخير”

اقترب من زوجته وأحاط ظهرها بذراعه أمام نظرات شقيقته ووالدته وار,دف

“و كتر ألف خيرها شايله البيت وبتعمل حاجات المفروض مش ملزمة بيها”

ترى هند الشر في أعينهم لذا قاطعت زوجها

“ادخل أنت خدلك و دش وغير هدومك يكون الغدا جاهز”

“لاء أنا مش جعان أنا داخل أريح شوية، تعالي عشان عايزك في حاجة مهمة”

اتجه إلي الغرفة وتتبعه تحت نظرات الح,قد و الغل الذي ينضح من عينين دلال

“روحي ياختي وراه، اللهي تطلع روحك”

وكزتها والدتها بمرفقها

“هدى اللعب شوية، بدل ما تلاقيه مسك فيكي بسبب الحلوة مراته”

و داخل الغرفة، كان يربت عليها وهي تبكي

“بتعيطي ليه، أنا عارف مش أنتي اللي عملتي كده، دي ألاعيب دلال، أختي وأنا عارفها كويس”

“بعيط لأن تعبت يا جمال، بدعي ربنا أنه يكرمك من وسع ونلاقي مكان يكون بتاعنا ومحدش يحرق في دمي”

“اطمني يا حبيبتي، خلاص أتحلت الحمدلله”

توقفت عن الب,كاء وتحول إلي فرح ولهفة لمعرفة ما سيخبرها إياه

“بجد؟، أتحلت إزاي؟”

“أنا كنت شايل فلوس النقطة بتاعت الفرح و معاها قرشين شايلهم للزمن، استلفت قرشين من عاطف صاحبي، وكلمت سمسار يشوفلي شقة إيجار حنين في منطقة جمبنا وبكره هاروح أبص علي الشقق اللي هيوديني أشوفها، لو عاجبتني واحدة فيهم هاخدك ونروح نمضي العقد ودفع المقدم وإيجار كام شهر كمان”

“أنا فرحانة أوي، أخيراً هيجمعنا بيت أنا وأنت لوحدنا”

ابتسم وأخذ يداعب خصلات شعرها

“وهاتخلصي من شر دلال، هي أختي اه لكن أجارك الله لما بتحط حد في دماغها بيبقي علي الله حكايته”

❈-❈-❈

يقف أمام منزل عائلته وعلي يساره تجلس والدته وأمامها أوراق الجرجير والبقدونس

“اه يا ضهري، الواحد شكله خد برد، بالله عليك يا عاطف يابني خد بالك من الخضرة عقبال لما أروح أتوضا وأصلي العصر قبل ما يفوتني”

“روحي يا أمي ما تخافيش علي الحاجة”

“روح يابني الله يهديلك نفسك و يصلحلك حالك، و يشيل الغمامة من علي عينيك”

ولجت إلي داخل فناء منزلهم، وظل عاطف يقف ويد,خن لفافة التبغ، وعقله شارد في ابنة الجيران رغم من ظنونه التي لا شك فيها، لكن الحب كان يعصب عينيه.

همسات وغمز ولمز بين مجموعة من الشباب ألتقط منها الآتي

“ألحق ياض منك ليه، مش دي البت سماح بنت عم مليجي؟”

رد شاب آخر

“لاء يا عم هي أخرها تيك توك وفيديوهات الروتين لكن أفلام من النوع ده لاء”

“طب وربنا هي، بس يخربيت أ…

اختطف عاطف الهاتف منه و أخبر الشاب

“خمس دقايق وهارجعه لك يا نجم”

وفي طريقه إلي منزل سماح، شاهد المقطع الاباحي و عينيه لا تخ,ونه، يحفظ ملامحها كما يحفظ اسمه وكنيته جيداً.

في الأعلى كانت تقف أمام المرآة وتنظر إلي ذاتها بازدراء ثم اجهشت في البكاء، تتذكر ما يحدث لها علي مر الأيام السابقة من إجبارها علي تمثيل تلك الأفلام الخليعة وليس هذا فقط، بل يرسلها عوني إلي زبائنه الأثرياء، تهافت عليها الكثير منهم بعد مشاهدة أفلامها، أصبحت سلعة وضيعة تُباع و تُشترى دون حق المعارضة منها وألا سيفتضح أمرها أمام عائلتها أو تزهق روحها علي يد أحد رجال هذا البدين الديوث.

طرقات عنيفة علي باب منزلها، انتفضت بذعر، حاولت تجفيف دمع,ها سريعاً وذهبت لترى من الطارق، فتحت الباب فوجدته يقف أمامها ونيران الكلمة أخرى تندلع من عينيه

“عاطف؟!”

“أبوكي أو أخوكي هنا؟”

ابتلعت ريقها من الخ,وف فاخبرته بتوتر وقلق

“محدش هنا، فيه حاجة؟”

دفعها إلي الداخل بكلمة أخرى وأغلق الباب خلفه، وضع شاشة الهاتف أمام عينيها

“أقدر أعرف إيه ده؟”

شهقت وتظاهرت بالخ,جل واضعة كفها علي عينيها

“إيه اللي أنت مشغله ده، أنت أتجننت؟”

أغلق المقطع ثم أغلق شاشة الهاتف، اقترب منها كالوحش الضاري

“أنا كان قلبي حاسس، خصوصاً من بعد أول مشوار، و لا البودي جارد اللي بيجي ياخدك من علي الناصية مخصوص، أتاريكي احترفتي من فيديوهات الروتين لقمة الانحراف والو…..، لحد ما وصلتي لأفلام بورنو؟!”

“مش أنا، ده كدب والفيديوهات دي متفبركة”

جذبها من عضدها بكلمة أخرى

“و لو أثبتلك أنها صح، وقتها مش هجيلك، لكن كلامي هيبقي مع أخوكي وأبوكي”

خفق قلبها من الخ,وف بق,وة من تنفيذ تهديده، وجدت عليها اقناعه بك,ذب جديد

“أنت فاهم غلط، أنا الراجل اللي بروح بشتغل عند مراته خدامة بيبعت ليا حارس مخصوص عشان هو في منصب كبير في البلد و أي حد تبعه حتي الشغالين اللي زيي بيحطلهم حراسة”

ضيق عينيه ويبدو عدم اقتناعه بحديثها الخادع، نفض ذراعها ويحدق لها من أسفل إلي أعلي بازدراء

“و أنا بقي المفروض أصدق كذبك ده؟!”

“تصدق و لا ماتصدقش أنت مين أدالك الحق تحقق معايا، لو عايزني أعيدلك كلامي اللي قولته لك قبل كدة يا عاطف من عينيا هاقولـ…

“مش عايز اسمع حاجة، واللي إدالي الحق أنك جارتي وبنت حتتي، وعشان خاطر أخوكي اللي مالهوش ذنب ينكسر بسببك”

طرق في خاطرها حيلة تظن أنها ستؤثر بها عليه، اقتربت منه، وضعت يدها علي صدره بإغواء

“لاء أنت بتعمل كل ده، عشان بتحبني ونفسك تتجوزني، بس أنت استسلمت مع أول رف,ض مني ليك، المفروض تحاول مرة واتنين وتلاتة لحد ما تخليني أقولك أنا موافقة، و لا إيه؟”

وضعت رأسها علي صدره، تخفي ابتسامة أفعى ماكرة، هيهات ووجدت جسدها يدُفع إلي الوراء

“خلاص معدتش تدخل عليا حركاتك، وأوعدك قريب أوي هعرف كل حاجة و هاعرف إن كان الفيديوهات دي حقيقية ولا لاء”

بصق جانباً ثم غا,در المنزل صافقاً الباب خلفه، تاركاً إياها غارقة في براثن وعيده.

❈-❈-❈

تجلس خلف المكتب تتابع عملها علي الحاسوب تتجنب رؤية رامي الذي فتح الباب وولج دون أن تأ,ذن له ثم أغلقه خلفه

“هو أنا لازم أفضل أتصل عليكي وماترديش؟!، المفروض أنا اللي أكون متضايق عشان سيبتني في الحفلة ومشيتي من غير حتي تقوليلي”

تركت ما في يدها من عمل ونهضت تشير إليه نحو الباب

“اتفضل برة، مش عايزه أشوف وشك تاني”

“إيه يا غروم بتكلميني كده ليه؟”

حدقت إليه بازدراء فأخبرته

“عشان أنا ما بكرهش في حياتي قد الكدب والغ,در والخ,داع والتلاتة متجمعين فيك”

تظاهر بالتعجب

“أنا؟!، ليه بتقولي كده”

كانت لا تريد مواجهته، لكن قررت أن تفعلها دون خوف أو تردد

“مثلت عليا الحب والهيام عشان أبعد عن صاحبك وكمان مستعد تأذيني و تأذي صاحبك الوحيد عشان شوية فلوس، و طبعاً برعاية مدام منيرة”

كلمة أخرى هبطت فوق رأسه وأول سؤال جاء له في ذهنه

“أنتي جيبتي الكلام ده منين؟”

“سمعته بودني وأنت بتستلم الشيك نظير عملك اللي نجح أول خطوة و ناقص الخطوة التانية”

أدرك أخيراً سبب معرفتها ، اخبرها بفطنة

“كان لازم أعمل كدة، أنتي ما تعرفيش مدام منيرة دي ممكن تعمل إيه فيكي، و سبق وحذرتك وبالتأكيد سمعتي كلامها عنك وقد إيه بتك,رهك ونفسي تخلص منك بفضيحة”

ابتسمت غرام بسخرية

“و علي إيه، أنا كده كده هقدم استقالتي وأبعد عن ابنها و عن الشركة وقبل كل ده عنك أهم حاجة”

“غرام اسمعينـ…

“اسمعني أنت وياريت توصل الكلام ده لمنيرة هانم، أنا واحدة كان أقصي أمنية ليها أؤكل لقمة بالحلال وأخلي أمي وأخواتي يعيشوا مش محتاجين حاجة، لكن نسيت أن هقابل ناس أمثالكم، الشر بيجري في دمكم”

اقترب نحوها معقباً

“غرام أنا بعترف كنت في البداية بمثل عليكي الحب وطلبت إيدك للجواز، لكن اكتشفت مع الوقت أن فعلاً بحبك و عمري ماكنت هنفذ طلب منيرة هانم اللي أنتي سمعتيه”

“كفاية كذب بقي، بلاش تحاول تجمل صورتك قدامي، أنا أصلاً مكنتش موافقة عليك لأن واثقة وعارفة أن وراك هدف وسبحان الله ربنا كشفك قدامي”

“أنا هثبتلك أن بقولك الحقيقة و ما بكذبش عليكي”

أمسكت حقيبة اليد خاصتها وهمت بالرحيل

“ولا هتفرق معايا، وياريت تبعد عني خالص أحسن ما أقول لصاحبك علي كل حاجة”

تركته وغا,درت الغرفة متجهة نحو مكتب يوسف المنهمك في قراءة ملف ورقي، وضعت أمامه علي المكتب ورقة تقول له بحسم

“أنا بقدم لحضرتك استقالتي”

❈-❈-❈

تفتش في كل ركن و زاوية داخل الغرفة، تتحدث في الهاتف

“مش لاقيه حاجة يا جمال، أنت متأكد أنك حاطتهم في الكمودينو؟”

“ما أنا كنت شايلهم قصادك إمبارح، هيكونوا راحوا فين”

“ما هو ده اللي هايجنني كأن الأرض انشقت وبلعتهم”

“خلاص اقعدي استريحي و أنا طالع هادور عليهم بنفسي”

وفعل ذلك وأخذ يبحث أيضاً دون جدوي، لم يجد المال، خرج إلي والدته وحين رأي شقيقته جوارها لاحظ علي ملامحها التوتر

“أمي، أنتي أخدتي الفلوس اللي كانت في الكمودينو جوه في أوضتي؟”

انتبهت والدته إلي رد فعل ابنتها

“فلوس إيه يابني، اه صح أنا كنت محتاجة مبلغ عشان أختك سناء عملت عملية الزايدة وكان جوزها واخد من العهدة بتاعت شغله”

“عملية زايدة إيه يا ماه، أختي شايلة الزايدة و هي لسه عندها 10 سنين، أنتي مش عايزة تقولي الحقيقة ليه؟”

نهضت والدته وأطلقت زف,رة بنفاذ صبر

“أيوه أنا أخدتهم، كنت محتاجهم”

“طيب يا ماه، خليكي ما تقوليش الحقيقة وخبي براحتك و داري علي اللي خدهم، بس عايزكم تعرفوا أنا جبت أخري و النهاردة أخر يوم ليا و لمراتي هنا”

الفصل السادس عشر

ظلت علي تلك الحال لعدة أيام، تضع له ورقة طلب الاستقالة فيقوم بتمزيقها أو تكويرها بين قبضته ثم يلقيها داخل سلة المهملات.

لم تستسلم وعزمت أن اليوم أخر يومٍ لها، ولجت داخل غرفة مكتبه، وضعت الورقة أمامه

“أنا مضيت و خلصت كل الإجراءات و مستنيه إمضاء حضرتك”

نظر إليها وأخذ يمعن التحديق مما أثار كلمة أخرىها

“هاتفضل تبصي لي كتير؟، كل اللي طلباه منك توقيعك، و اه خد حاجتك بالمرة”

أخرجت من حقيبتها ظرف ملئ بالنقود وضعته أعلي سطح المكتب واستطردت

“و دي كل الفلوس اللي اخدتها منك علي سبيل السلف، بالنسبة بقي لمصاريف الجامعة أنا اللي هدفعها وتشكر جداً لحد كدة علي وقفتك معايا”

همت بالذهاب وقبل الخطوة الثانية جذب يدها بقوة ارتطمت في صد,ره، نظر إلي عينيها وهي بين يديه

“و أنا بحبك و مش هسمح لك تبعدي عني لو مهما حصل”

“الله، الله يا غرام هانم، راسمة عليا دور الشرف والأخلاق وألاقيكي في كلمة أخرى يوسف بيه، ما أنتي طلعتي بتقدمي تنازلات أهو عشان توصلي لهدفك”

ألتفت كلتيهما إلي صاحب الصوت، كان رامي الذي رآها وهي بين ذراعين يوسف، انسحبت عنه سريعاً ونظرت إليه بكلمة أخرى من كلماته اللاذعة، صاح يوسف بتحذير

“أتلم يا رامي وأتكلم عليها أحسن من كدة”

“سيبوا يا يوسف، أصل البيه فاكرني زيه، نادلة و غدارة حتي بالأمارة كان متفق مع منيرة هانم أنه يبعدني عنك تقوم تروح تتجوز ماهي لاء و كمان اتفقت معاه يشيلني مصيبة عشان امشي من الشركة بفضيحة وما ارجعش تاني”

كان وقع كلماتها كلمة أخرى علي مسامعه، اتفاق والدته مع صديقه الوحيد بالتحكم في حياته وتفرقة الفتاة التي احبها عنه وتدبير المكائد لها أيضاً!

اقترب من رامي بخطوات بطيئة، سأله بتهكم

“الكلام ده صح يا صاحبي؟”

وبدلاً من الاعتراف بخطئه فاض ما يحمله داخله من حقد دفين تجاه صاحبه

“اه كلامها صح، و عملت كده لأن مش كل مرة أنت اللي تاخد أحسن حاجة و ترميلي اللي فاض منك، و لا أنت عشان ابن الأكابر و أنا كان أهلي ناس علي قد حالهم؟!”

هز يوسف رأسه في صمت وإذا به يلكم الأخر في وجهه

“دي عشان اتفاقك مع منيرة هانم”

صرخت غرام و تري لكمة أخرى موجهة نحو وجه رامي

“و دي عشان ندالتك اللي كنت متوقعها ومش جديد عليك”

وضع رامي يده علي فمه المصاب مبتسماً

“و ياتري تقدر تعمل في الست الوالدة زي ما عملت فيا دلوقتي؟!”

نظر إلي غرام وتابع

“أنا مكنتش هنفذ اللي طالبته مني منيرة هانم لأنك عارفة السبب، بس هاتجيب غيري و أي هي هاتتصرف بنفسها، يبقي يورينا سي روميو هايواجه إزاي والدته”

عاد بالنظر إلي يوسف

“وعلي فكرة مش أنت لوحدك اللي حبيت غرام، بس أنا علي الأقل أخدت خطوة ودخلت من باب بيتهم ولولا وجودك كان يمكن نكمل، لكن إزاي أي حاجة حلوة تكمل من غير سيادتك؟!، وقبل ما تقولها هقدم إستقالتي، من شركة السيد الوالد و من حياتك كلها، سلام يا چو”

ثم ألقي نظرة أخيرة إلي غرام مغزاها الكثير فسرعان اشاحت وجهها للجهة الأخرى

❈-❈-❈

“ما ينفعش يا نور، رأفت بيه ممكن يتصل بيا أي وقت ولو عرف إن سيبت المكتب ومشيت ممكن يرفدني”

تعود إلي الوراء بينما هو يحاط خصرها بين يديه، يخبر جوار أذنها بلهفة مشتاق

“سيبي كل حاجة ويلا، الشغل ممكن يتأجل لبعدين، أنا محضرلك كلمة أخرى ما ينفعش نأجلها خالص”

“أديني عشر دقايق روح أنت أسبقني، هخلص كل حاجة وهاكلم رأفت بيه أقوله أي حجة عشان.أمشي، وهاجي وراك علي طول”

أطلق زفرة فنظر إلي عينيها ثم إلي شفتيها

“ماشي، بس ياريت بسرعة إلا وهتلاقيني رجعتلك علي هنا و مش ضامن نفسي ممكن أعمل إيه”

دنا بموطن كلمات ليقبلها، دفعته خوفاً أن يدخل أحد فجأة و يراهما في ذلك الوضع، ستكون في مأزق أمام زوجها لا محالة.

بعد قليل… خرجت سوزي من الشركة تتلفت يميناً ويساراً قبل أن تتجه نحو سيارة نور، لم تلاحظ سيارة رأفت القادمة علي بعد أمتار، رآها سائقه

“رأفت بيه، سوزي هانم هناك رايحة ناحية عربية نور بيه”

تعجب الأمر قليلاً وأكثر ما أثار الشك والريبة لديه عندما رآها تتلفت من حولها بقلق، أمر سائقه

“أطلع وراهم”

داخل سيارة نور، انطلق بالسيارة و يمسك يدها، يقبل كفها

“ما تتصوريش مستني اللحظة دي قد إيه”

“أنت كدة خوفتني، أوعي يا نور يكون اللي في بالي”

أدرك أنها تظن يريدها في المنزل لإقامة علاقة غرامية كما يتوق شوقاً لذلك، فجعلها تطمئن حينما ظهر علي محياه ابتسامة هادئة

“و أنا وعدتك كل اللي نفسك فيه هيحصل”

وصل أمام البناء وهبط كليهما

“أقف علي جمب وخليك هنا”

كان أمر أخر من رأفت إلي سائقه بعد رؤية ابنه يقترب من زوجته اللعوب، و يمسك يدها بحميمية ثم احاط ظهرها بذراعه و ولج كليهما إلي داخل المبني.

استقل الاثنان المصعد و كل حين والأخر يقتنص من وجنتها كلمة أخرى فتبتعد بدلال يجعله يزداد لهفة وج,نون إلي أن وصل إلي الطابق المنشود.

أعطي رأفت المال للحارس ليخبره أين تقع الشقة الخاصة بابنه، و دقات قلبه تسبق خطواته، لم يكن يتوقع خسة تلك السكرتيرة اللعوب، كيف تقيم علاقة بينه و بين ولده في آن واحد، لابد أن هناك أمر يجهله و سيعلمه الآن بنفسه، و إذا صحت ظنونه سوف يجعلها تقبل قدميه ليرحمها من العذاب.

داخل الشقة تسمرت عندما رأت المأذون و برفقته اثنين للشهادة علي عقد الزواج، سألها نور بهمس

“إيه رأيك بقي في الكلمة أخرى دي، خلاص هتبقي ملكي”

أخرج من جيب سترته علبة مغلفة بالمخمل الأسود

“و دي شبكتك يا عروسة”

قام بفتحها، بداخلها خاتم مرصع بالألماس وحوله سوار يتبعه وكذلك مرصع بالألماس أيضاً، تابع حديثه

“دي حاجة بسيطة ولسه هاشتريلك كل اللي نفسك فيه”

نظرت إليه بتردد

“بس يا نور ما ينفعـ…..

صدح رنين الجرس

“استني هاروح افتح، شكله السكيورتي، كنت قايله يشتري لنا شوية حاجات لزوم المناسبة الجميلة”

غمز بعينه و ذهب يدير المقبض بتؤدة، كانت السعادة ترقص علي ملامح وجهه وبمجرد أن فتح الباب تلاشت الفرحة وحل التجهم بدلاً منها

“بابا؟!”

“رأفت!”

وكان الحال أسوأ لدي سوزي التي شهقت بخ,وف وكأن جاءها ملاك الموت، ولج رأفت بهيبته وعلم هوية الثلاثة الجالسين فأمر نجله

“قول للناس بتوعك يقوموا يمشوا”

نظر الثلاثة إلي نور لأنه يدرك جيداً من معالم والده ماذا سيحدث فأومأ إلي المأذون والشهود بأن يذهبوا، تحركت سوزي لتلحق بهم فوجدت يد رأفت تمنعها من التقدم خطوة أخرى

“رايحة علي فين يا هانم؟”

“رأفت استني بس هافهمك كل حاجة”

رد بلطمة جعلتها تطلق صرخة فتقدم نور بدفاع عنها

“إيه اللي حضرتك بتعمله ده”

“ابعد يا ولد، الهانم اللي سيادتك واخدها في شقة عمرها ما تحلم بيها و جايبلها مأذون وشهود تبقي مرات أبوك”

صعق نور من تصريح والده

“إيه؟”

“أيوه متجوزين عرفي من فترة و لسه علي ذم,تي، طبعاً رسمت عليك الشويتين بتوعها عشان مش عارفة تطول مني حاجة، فتقوم عاملة إيه،. بكل وساخة ما يعملهاش غير واحدة شمال زيها، تجمع ما بين الأب وابنه، عقد عرفي و عقد رسمي”

“مستحيل، إزاي؟!”

جذبت يدها من قبضة زوجها ووقفت أمامهم بجرأة سافرة

“أيوه للأسف أنا مرات أبوك، مراته اللي في السر للمتعة وبس، و المقابل مفيش أي حاجة غير شوية هدايا مالهمش لازمة، كان لازم آآمن نفسي و معلش مكنش قدامي واحد ساذج وأه,بل غيرك يا نور، أصلك طالع زي أبوك رجالة خاينة و مايملاش عينكم غير التراب، أول ما يشوفوا واحدة زيي يجروا وراها علي طول”

تحول نور من رجل هادئ الطباع إلي وح,ش كاسر، اندفع نحوها وقبض علي خصلاتها في قب,ضة واحدة

“الأهبل الساذج ده اللي كان عاملك قيمة و مكنش يعرف أنك واحدة رخيصة وزبالة للدرجدي”

ألقاها أسفل قدمي والده، اطلقت صر,خة بألم رفعت رأسها وجدت وضعها مزرياً، بل الوضع الصحيح، ملقاه كالخ,رقة البالية أمام حذاء رأفت، يرمقها من قمته بازدراء، أخرج من محفظته الجلدية ورقتين، قام بتمزيقهما ثم ألقاهم عليها فتساقطوا علي وجهها

“ده مقامك يا….، تحت جذمتي وأقسم بالله لو شوفت وشك في الشركة مش هقولك أنا ممكن أعمل فيكي إيه واحمدي ربنا أن هاسيبك ماشية علي رجلك وألا كنتي زمانك مك,سحة مكانك”

ابتسم ساخراً وألقي كلمته الأخيرة

“أنتي طالق”

نظر إلي ابنه الذي لم يتحمل استيعاب ما تلاقاه اليوم، هز رأسه بسأم وغادر علي الفور من أمام والده

❈-❈-❈

تقلب خيرية الطعام داخل الإناء ثم أطفأت الموقد، ولج رمضان يحمل أكياس مليئة بالفاكهة والخضروات

“يلا يا أم هند أنا واقع من الج,وع”

“أديني خصلت الأكل وهاغرف، خ,بط علي بنتك وجوزها وقولهم الغدا جهز، يا عيني يا بنتي مالكيش بخت، رضيتي بالهم و الهم مش راضي بيكي، كان قلبي حاسس من الأول ان العقربة حماتها و بنتها مش هيرتاحوا غير لما ين,كدوا عليها، منهم لله”

“وطي حسك يا وليه ليسمعك جمال وأنتي بتدعي علي أمه وأخته، احمدي ربنا أنه اتصرف صح و جم يقعدوا معانا، علي الأقل كدة مطمن علي بنتي”

“ما أنا زيك يا حاج وفرحت لما شوفتها ورجعت لكلمة أخرىي حتي لو معاها جوزها، بس كان نفسي يكون ليها بيت حتي لو اوضة وصالة خاصة بيها وبجوزها زي أي بنت، هند بنتي مقامها عالي بس يا قلب أمها مالهاش بخت”

“يا ش,يخة استغفري ربك، ربنا بيحبها وبيوقفلها ولاد الحلال، و هابقي اقولك علي خبر حلو بس نتجمع علي الأكل كلنا الأول”

اجتمع الجميع حول المائدة، كان جمال يمضغ الطعام ويأكل بحرج، أخذت خيرية قطعة ل,حم كبيرة ووضعتها أمامه

“كُل يا جمال يا بني، أنت في بيتك ما تتكسفش”

“تسلم إيدك يا خالتي أنتي وعمي، مش عارف أشكركم إزاي، كفاية انتم مستحملينا”

ابتسم رمضان واخبره

“ما تقولش كدة يا بني، انت وهند واحد، و البيت بيتكم”

“الله يخليك يا عمي، أنا لاقيت شقة في منطقة جمبنا في فايدة كامل شقة محندقه و ايجارها حنين، هانروح نعيش فيها أنا وهند”

“أنتم فعلاً هاتعيشوا في شقة لوحدكم بس في شقة أوسع تقريباً زي شقتنا بس فوق”

أشار بسبابته للأعلي

“بجد يا بابا؟”

سألته هند ابنته فأومأ لها

“ايوه، الشقة اللي في الدور اللي فوقينا صاحبها قرر انه يبيعها و الحاج إسماعيل صاحب المصنع اللي أنتي شغالة فيه اشتراها، و كلمني النهاردة قالي عايز يأجرها لجمال بنظام عقد الإيجار القديم و من غير مقدم كمان”

صاحت خيرية بتهليل

“يا ألف نهار أبيض، ربنا يباركله الحاج إسماعيل طول عمره راجل كريم ويحب الخير، و أحلي حاجة هاتبقي بنتي ساكنة فوق”

نظرت هند إلي جمال وتمسك بيده بسعادة

“أخيراً يا حبيبي، هيبقي لينا بيت لوحدنا”

ربت علي يدها بيده الأخرى

“ربنا يقدرني و أخليه لك مملكة و أنتي الملكة يا حبيبتي”

❈-❈-❈

جاء الليل وبدأت حفلات الرق,ص والم,جون داخل أحد الملاهي الليلية، هبط يوسف علي الدرج يبحث عن ماهي حيث قرر أن ينهي هذا الأمر سريعاً، أخذ ينظر من حوله فوجدها تجلس جوار شاب و تلتصق به، يلتقطا الصور وسط ضحكات صاخبة وتلامس كلمة محايدة، و في غضون لحظات وجدته أمامها

“قومي من القرف اللي أنتي فيه ده وتعالي عشان عايزك”

نهضت من جوار الشاب الذي قال لها

“ما تتأخريش يا ماهي”

“أومال لو مكنتيش مخطوبة كنتي عملتي إيه؟! ”

كان سؤالاً ساخراً من يوسف فأجابت الأخرى

“ملكش حق تحاسبني، من وقت خطوبتنا لا كلمتني و لا عبرتني، و داير بس ورا حتة البت السكرتيرة الـ…

أوقفها بإشارة من يده

“كلمة كمان عليها وهاتسمعي مني كلام مش هايعجبك، عموماً أنا مش جاي أحاسبك، أنا جاي عشان أقولك خطوبتنا كانت غلطة والحمدلله هقدر أصلحها في الوقت المناسب، اتفضلي”

أخرج خاتم الخطبة من جيبه ووضعها في كف يدها

“بكل سهولة كدة يا يوسف؟”

“ما أنا لسه قايل كانت غلطة، وبعدين أنا شايف ما بتضيعيش وقت خالص، عشان معبرتكيش فترة روحتي تصيعي جوه نايت مع الشباب، لازقه جمب واحد و بتتصوروا سيلڤي أومال لو اتجوزنا و اتخاصمنا ارجع ألاقيكي مع واحد منهم علي السرير!”

صفعته انتقاماً من توبيخه الحاد، رمقها شزراً وتابع

“أنتي مش فارقة معايا أصلاً و لا أنتي كنتي البنت اللي أتمناها في يوم، عن إذنك”

وأشار باصبعيه سلاماً ساخراً وذهب تاركاً إياها تص,رخ بحنق وتلقي بكوب من الزجاج خلفه

“في ستين ألف داهية”

❈-❈-❈

“يلا العشا جاهز يا ولاد، روح يا سعيد نادي علي أخواتك”

“أنا خارج ألعب مع أصحابي”

“اه منك ياللي مغلبني، روح بس ما تتأخرش”

نهضت أحلام بثقل وجدت غرام ملتحفة بالغطاء

“قومي يا غرام ماما بتنادي علينا عشان نتعشا”

“ماليش نفس، اتعشوا أنتم”

“طب والله ما هاكل حاجة غير لما تيجي و تاكلي معايا، أنا ما اتغدتش وفضلت مستنياكي، ذنبي في رقبتك لو تعبت”

نهضت غرام وكان الحزن مخيم علي وجهها

“ادخلي اغسلي وشك وفوقي، أنا حلمتلك الفجر إمبارح حلم حلو أوي يارب يتحقق”

تدخلت ابتسام بمرح

“إحنا بعد كده مش هانسميكي أحلام، المفروض نسميكي رؤى”

كلمة أخرىتها علي خلف رأسها بخفة

“ماشي يا لمضة، جزاء ليكي أنتي اللي هتاخدي ميدو علي رجلك وتأكليه”

“يارب، نفسي أعرف أؤكل براحتي مرة”

“معلش بقي قدرك تبقي خالة، و الخالة والدة”

وفي الحمام، ظلت تلقي علي وجهها المياه وظلت تنظر إلي صورتها المنعكسة في المرآة، خرجت سريعاً تجفف يديها في المنشفة، صدح جرس المنزل

“شوفي مين يا غرام قبل ما تقعدي”

فتحت الباب وتفاجأت به أمامها، ألقت المنشفة سريعاً فوق رأسها كالوشاح

“يوسف؟”

رأي عائلتها تتجمع حول مائدة الطعام فابتسم وقال لها ببراءة

“أنا جعان أوي، ينفع أؤكل معاكم؟”

ابتسمت وأشارت له

“اتفضل”

ولج فوجد ترحيب حار من والدتها وشقيقتيها وخاصة بعد علمهم أن هذا صاحب الفضل بعد ربه و تغير حياة غرام إلي الأفضل، تناول معهم الطعام في أجواء من المرح والسعادة

وبعد تناوله لمشروب سا,خن، قام بالاستئذان

“أنا مضطر أمشي، ما تنسيش تيجي بكرة بدري عندنا اجتماع مهم”

أومأت لها مبتسمة

“حاضر”

وقبل أن يذهب أخبرها

“علي فكرة أنا فس,خت خطوبتي مع ماهي، عقبالنا”

أغلقت الباب في وجهه والابتسامة لديها من الأذن إلي الأذن الأخرى، وصل إلي مسامعها صوته

“ده أمر مش طلب، مع السلامة”

ذهب وكاد قلبها يذهب إلي رحلة من السعادة، رددت بصوت خا,فت

“مع السلامة يا حبيبي”

❈-❈-❈

داخل منزل تفوح منه روائح الخمر والزنا وكل ما حرمه الرحمن، لكن هناك من اتبعوا اهوائهم وخطوات الشي,طان حتي وقعوا في براثن الشر المتعفن، و علي كل منهم دفع الضريبة دنيا و آخرة إلا من رحم ربي وتاب توبة نصوح.

تفتح الباب فيصيح المخرج

“ابدء تصوير”

ولجت تتمايل بخطوات معاكسة كالهرة، ترتدي معطف من الحرير، تجد شاباً مفتول العضلات يرتدي قميص مفتوح أزراره، وقفت أمامه و تفعل ما يأمرها به المخرج من حركات وأفعال خليعة بدء من خلع المعطف وإلقاءه علي الأرض، فيظهر ما لا ترتديه أسفله من ثياب لا تستر سوى عوراتها فقط وباقي جسدها يظهر بسخاء، اقترب منها الشاب ليبدأ العبث والمجون

في الخارج تغدو الفتيات الكاسيات العاريات ذهاباً وإياباً، صدح رنين جرس الهاتف أعلي مكتب قرني، هذا البدين الفاجر

“ألو أيوه؟”

نهض ملسوعاً كمن لدغه عقرب ضاري

“إزاي ما تقوليش من بدري”

لم يلحق استيعاب الخبر فسمع صراخاً بالخارج و انتشار رجال الشرطة ومباحث الآداب، داهم أحدهم الغرفة التي بها سماح حيث فزعت من أسفل الشاب، تم القبض عليها في وضع مخل و لا يمت للآداب بصلة، تلك نهاية كل من سلك درب إبليس ولن يختار التوبة.
🌷يتبع 🌷

غرام في المترو
بقلم (ولاء رفعت علي)
الفصل السابع عشر… والاخير
في سراي النيابة، تقف بين الفتيات جميعهن يلتفون داخل ملأه، تبكي بغزارة بكاء لا ينفعه الندم، فقد أزفت الآزفة وعليها أن تدفع ثمن ما ارتكبته من آثام.

“و أنتي يا سماح، شغالة مع عوني القرني من إمتي؟”

توقفت عن البكاء ونظرت بأعين يملأها الحسرة

“أنا، أنا يا بيه اللي وقعني مع قرني، التليفون، كان بداية أول خطوة وصلتني للي أنا فيه، حللت لنفسي الحرام و كنت بعمل مقاطع علي التيك توك وأنا مخبية وشي، قال يعني محدش هايعرفني، جريت ورا الفلوس بسبب الفقر والحوجة، أبويا كل ما يلاقي معايا قرش ياخده، عمري مالاقيت حنية و لا عطف من وقت ما أمي ماتت وأنا عيلة صغيرة، بقيت أعمل كل اللي عايزاه من ورا أبويا وأخواتي معرفش أنها خطوة بتجر خطوة والنهاية واقفة قدام سيادتك ملفوفة بملاية”

“أي مبرر هتقوليه و لا ليه لازمة يا سماح، طرق الكسب بالحلال كتيرة بس أنتي و اللي زيك استسهلوا و اختاروا الحرام أسرع طريق و في الأخر أديكم بتدفعوا التمن، و عار هايفضل ملازمك لحد أخر يوم في عمرك”

لم تجد تعقيباً أو رداً، شهقة انتابتها

“ممكن أشوف أبويا يا باشا؟”

“ما تقلقيش هاتشوفيه، لما يجي يزورك في السجن”

أمر وكيل النيابة بترحيل المتهمات علي سجن النساء حتي يتم تحديد جلسة حكم في قضية كل منهن.

خرجت من السرايا و يديها حولها الأصفاد، رأت عاطف واقترب منها أوقفه العسكري

“ممنوع يا كابتن يلا امشي من هنا”

“معلش مش هعطلكم، أنا جاي أقولها حاجة”

نظر إليها بكل ازدراء واحتقار

“فاكرة لما عايرتيني بفقري اللي هو كانت نفس ظروفك وكمان بشغل أمي اللي جذ,متها أنضف منك، علي الأقل اشتغلت و كافحت بالحلال وربت تلات رجالة، لكن أنتي عملتي العكس بيعتي نفسك للي يدفع أكتر ونهايتك بقيتي……”

وبصق علي وجهها، كلماته بمثابة رصاصة قاتلة اردتها قتيلة وهي حية ترزق، فالأيام دول وجاء الجزاء العادل لتدفعه في الدنيا، فماذا عسێ ما ينتظرها في الآخرة؟!

❈-❈-❈

كان يغفو في سبات عميق منذ أمس، استيقظ علي لكز والدته في ذراعه

“أصحى يا للي أخرتي هاتكون بسببك”

استيقظ يوسف بفزع

“فيه إيه يا ماما؟”

“فيه أنك فسخت خطوبتك من غير ما تكبر أهلك و ترجعلهم، و كل ده عشان حتة بت جربوعة من حواري دار السلام؟!”

“أنا أصلاً من البداية مكنتش عايز ماهي، و دي كانت خطتك يا منيرة هانم، و لا نسيتي اتفاقاتك مع رامي صاحبي؟!”

ولت ظهرها إليه

“بتتكلم عن إيه مش فاهمة حاجة”

“لاء أنتي فاهمة، و اللعب كل بقي علي المكشوف، بس أحب أعرفك سواء انتي موافقة و لا لاء، أنا هاتجوز غرام، فأي محاولة هتعمليها عشان تبعديني عنها هاتكوني حضرتك الطرف الخسران فيها”

“أنت بتتحداني يا يوسف؟”

“ده مش تحدي، دي حياتي و أنا حر أعيشها زي ما أنا عايز، و أنا اللي هاكرر أعيش مع مين”

قاطع نقاشهم صر,خات كاميليا التي دوت في الخارج، تركض في الرواق مذعورة

“ألحقوني نور عمل حادثة واتقلبت بيه العربية وخدوه علي المستشفي”

❈-❈-❈

بعد مرور ساعات، تم نقل نور من غرفة العمليات إلي غرفة العناية المشددة، يقف والده بالخارج ينظر إليه عبر النافذة الزجاجية، يبكي علي حال ابنه

“حقك عليا يا نور، والله ما كنت أعرف اللي هايحصل معاك، أنا اللي غلطان و المفروض كنت هادفع الغلط مش أنت يا حبيبي”

جاء صوت زوجته من جواره

“تدفع تمن اللي عملته معاه و لا اللي عملته في حقي، كنت عارفه كل اللي بيدور ورايا، ونزواتك القذرة و كنت ساكتة، بقول بكرة يكبر ويحترم نفسه، ده مهما كان جوزك أبو عيالك، و جد وعنده حفيدة، لكن الوضع بيزيد من سئ لأسوأ”

نظر إليها وتوقف عن البكاء

“أنتي السبب، جفائك و تسلطك المستمر علي كل واحد فينا، تحكمك و سيطرتك عشان تشبعي الأنا عندك هي اللي خلتني أخونك مرة و التانيه و التالتة و مش ندمان، أنا كل أسفي علي ابني اللي كان هايروح بسبب نزوة انتي السبب فيها، حتي ابنك التاني يوم ما لقي البنت اللي حبها وأتغير للأحسن علي إيديها تقومي تتدخلي كعادتك تدمري له حياته بدل ما تصلحيها”

“متوقعة ردك مش جديد عليك، أنا خلاص هاسيبك أنت وعيالك تعملوا اللي أنتم عايزينه، اتجوز و رافق براحتك وخلي ابنك يتجوز من بنت طماعة هي واهلها في ماله ونسبه، أبقي ماتنساش تعزم معارفنا وقرايبنا علي فرحه في الحارة، بكرة ابنك بنفسه هايعرف كان عندي حق ويندم أنه مسمعش كلامي”

“لاء، خليكي انتي مع عيالك انا اللي هاسيبلك كل حاجة، و ابقي شوفي حد تعرفي تتحكمي فيه، ده لو لاقيتي، عن إذنك”

❈-❈-❈

عادت هند برفقة أحلام من التسوق، تحمل كلتيهما أكياس

“هنستناكي يا هند علي العشا”

“حاضر، و سلميلي علي خالتي عزيزة عقبال ما أجيلكم”

“ماشي”

ولجت إلي الفناء فوجدت من يتبعها، تخشي أن يكون سمير فشهقت بفزع، ألتفت لتجده

“عاطف؟”

“آسف لو خضيتك”

“و لا يهمك، كنت بحسبك طليقي”

“أنا سمعت من أصحابي أنه رجع للبيع المخدرات بس علي نشاط أوسع لحد ما اتمسك في شحنة تقيلة، دي أقل حاجة فيها حكم تأبيدة”

“الله يسهلوا، كل واحد بياخد جزاء اللي عمله، الحاجة الوحيدة اللي ندمت عليها فيها حياتي يوم ما أتجوزته”

“و مش ندمانة أننا مابقناش من نصيب بعض؟”

نظرت إلي أسفل بحرج وخجل

“كنت هب,لة و طايشة وقتها، لو كنت بعقلي كان زمانا مع بعض، ما بقاش ينفع كلمة ياريت”

“و ليه يا أحلام ما ينفعش؟، بكلمة منك نبدأ حياتنا من أول وجديد”

رفعت وجهها ونظرت بكلمة أخرى تحاول تفسير ما تنضح به عينيه

“تتجوزيني يا أحلام؟”

❈-❈-❈

ألقت هند الأكياس فوق الطاولة واتجهت نحو الغرفة لتبدل ثيابها، توقفت حينما سمعت طرق علي الباب، ألقت الوشاح علي رأسها وذهبت لتفتح الباب.

“أزيك يا مرات أخويا”

شعرت هند بانقباضه في قلبها، ابتسامة دلال تخفي خلفها شر دفين، و الأخرى حدسها يخبرها أن تتراجع

“خير يا دلال؟”

دفعتها من أمامها و ولجت عنوة

“مش عيب تكلميني علي الباب كدة من غير ما تقوليلي أتفضلي، ألا أخويا فين، أصلي مشفتهوش من وقت ماخدك ومشيتوا، أو بمعني أصح لما قلبتيه علينا و خلتيه يقاطعنا”

“أنا؟!، يعلم ربنا كنت مخبيه عليه عمايلكم معايا أنتي و طنط، عشان ما انكدش عليه و لا يشيل منكم وأبقي انا السبب، هو اختار البعد بسببك و لا فاكرانا مانعرفش أنتي اللي مديتي إيدك علي الفلوس وخدتيها”

“أيوه أنا اللي أخدتها، خير أخويا و أنا أولى بيه، و هانعرف نرجعه لينا، و لو مكنش بمزاجه يبقي بمزاجه برضو”

أظهرت زجاجة صغيرة كانت تخبأها في يدها وتابعت

“و خصوصاً لما ما يطقش يبص في وشك المشوه”

حين أدركت هند ما هي مكلمة أخرى عليه دلال، صر,خت وركضت نحو باب الشقة والذي كان مفتوحاً من حسن حظها

“هاتعملي إيه يا مجنونة”

هبطت علي الدرج قاصدة شقة والدها

“افتحي يا ماما، ألحقوني”

ركضت الأخرى و تمسك بالزجاجة وعينيها تشع بالشر

“أنا لازم أدمرلك حياتك زي ما حياتي مدمرة”

الشر أعمى عينيها و لم تنتبه إلي الدرجة المكسورة، تعثرت و تدحرجت علي السلم مع انسكاب السائل الناري الذي طال وجهها و خاصة عينيها، فاطلقت صرخة مدوية خرج علي إثرها الجيران.

❈-❈-❈

مرت الأيام و قد نال كل ما اقترف شيئاً جزائه، سمير تلقي عقابه بالحكم المؤبد بينما سماح حكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات لكن سجن العار سيلحقها إلي الأبد، دلال فقدت بصرها و شوه وجهها فكانت تريد هذا الشر في زوجة أخيها، لا تعلم الجزاء من جنس العمل، و قد نالت جزاءها و جن جنونها بعد أن أدركت أنها ستظل ضريرة، كان الحال لدي والدتها ظلت تنعي حظها العسر و ندمت علي ما فعلته و ذهبت تطلب الغفران من زوجة ابنها وكذلك من ابنها، و لدي سوزان وقعت في براثن أحد رجال الأعمال الذي أذاقها الويل فكان شخصية سايكوباتية، يسقيها العذاب ألواناً فهذه نهاية كل من ركض وراء سراب يدعي الثراء عبر وسائل غير مشروعة.

و لدي غرام كانت الأخبار السارة تلوح في الأفق، قام عاطف بخطبة أحلام وتعلق صغيرها به ويدعوه -بابا-، انتهت ابتسام من أداء الاختبارات النهائية وحصلت علي مجموع يؤهلها للدخول إلي كلية الألسن كما أتى إلي حسن عقد عمل في أحد دول الخليج لذا قرر أن يتزوج ابتسام و يأخذها معه إلي الخارج وتكمل تعليمها الجامعي عبر الأنترنت وتعود إلي بلدها لأداء الامتحانات وتعود مرة أخرى إلي زوجها في الخارج.

و لدى أيضاً عائلة الشريف، تعافي نور من أثار الحادث واعترف نا,دماً إلي كاميليا زوجته، غفرت له لكن لا تنكر أن داخلها شيء قد تفتت و لا يمكن إصلاحه، و لنأتي إلي يوسف الذي اختار أن يعيش مع والده في منزل داخل أحدى الوحدات السكنية، وقام بالذهاب إلي عائلة غرام وقام رأفت بطلب يدها إلي نجله في وسط سعادة عارمة.

❈-❈-❈

يغسل آلاف من الصحون يومياً دون كلل أو ملل، يغني بسعادة بعد أن علم أصبح لديه اجازة لمدة أسبوع يمكنه العودة إلي بلاده وأول ما يتمناه هي رؤيتها!

و ها قد جاء اليوم المنتظر، داخل قاعة ذات مساحة شاسعة، المدعون من كبار رجال الأعمال والمعارف يخالطهم جيران الحارة الذين جاؤوا جميعاً لحضور حفل زفاف كلا من غرام ويوسف، و زفاف أيضاً حسن وابتسام

كان كلا العروسين يستقبلون التهاني و المباركات

“أنتم السابقون ونحن اللاحقون يا مستر حسن”

قالها عاطف وتمسك أحلام بساعده

“حد مانعكم يلا اعملوها”

“قولها بالله عليك يا أبو علي، هي اللي مش راضية، قال إيه لازم. سنة خطوبة نعرف بعض كويس، قال يعني ماتعرفنيش، ده إحنا متربيين مع بعض”

عقبت أحلام

“البني ادم بيتغير مع الوقت، افرض بتمثل عليا الطيبة أكون أنا اتدبست فيك”

ضحك كل من حسن و ابتسام التي اخبرته

“معلش يا عاطف بقي اتعلمت الدرس وعرفت التمهل والتأني هما الصح”

صاح حسن بسعادة

“الله علي بوسي يا ناس وهي بتقول حكم ما بتعملش بيها أصلاً”

لكزته في ذراعه وضحكت شقيقتها وعاطف، ولدي غرام ويوسف

“خد بالك منها يا يوسف بيه، غرام دي يعني القلب الحساس والحنية كلها”

“ما تقلقيش يا هند، المفروض توصوها هي عليا و لا إيه يا چيمي”

“ما هو بعد اسم چيمي ده مش عارف أقول رأيي، هم اللي بيقولوا و يقرروا أسألني أنا”

لكزته هند بمرفقها

“قصدك إيه يا سي جمال؟”

“و لا حاجة يا حبيبتي، بقول أن الدنيا من غيركم ماتسواش”

“ايوه كده اتظبت”

تقدم نور من شقيقه و همس إليه

“ماما واقفة بره عايزة تباركلك بس مش عايزة تشوف بابا و في نفس الوقت محرجة من غرام”

“محرجة منها و لا مستكبرة تيجي تباركلها”

انتبهت غرام إلي حديثهما الجانبي

“فيه حاجة يا يوسف؟”

أخبرها نور بما قاله لشقيقه، ابتسمت وأمسكت بيد يوسف

“أنا ويوسف اللي هانروح لحد عندها”

وفعلت ما قالت، تعجبت منيرة من رؤية غرام وتبتسم لها

“نورتي الفرح يا طنط، و بجد فرحتنا مكنتش هاتكمل غير بوجودك معانا”

امسكت بيدها وقامت بتقبيلها، نظرت منيرة إلي ابنيها وانتظر يوسف رد فعل والدته، فاجأته نقيض ما كان يتوقعه، قامت بعناقها

“ألف مبروك وربنا يتمملكم علي خير”

اقترب يوسف أيضاً من والدته وعانقها بقوة

“الله يبارك فيكي و يخليكي لينا يا أمي”

“يلا بينا ندخل جوه و ناخد لنا صورة جماعية”

و في الداخل عانقت الشقيقتان أمهما

“وأخيراً جه اليوم اللي كان بيحلم يشوفكم فيه أبوكم الله يرحمه، ربنا يباركلي فيكم يا بناتي”

“حبيبتي يا ماما، الله يرحمه و يخليكي لينا”

رددت كل من غرام و ابتسام

“يلا بقي ناخد صورة سيلڤي فيها كل الحبايب”

وقف الجميع، غرام وجوارها يوسف و والدته و جوارها السيدة عزيزة التي يقف علي يسارها حسن و جواره ابتسام، علي الجانب أحلام و عاطف و الجانب الأخر جمال و هند، أتى السيد رأفت فتركت غرام له مساحة بينها و بين يوسف ليقف بينهما

“يلا عشان هانصور”

التقطت الصورة والجميع ينظر مبتسماً نحو آلة التصوير لكن ابتسام كانت تنظر نحو نقطة أخرى و مازالت تحدق نحو هذا الذى دخل للتو، يحدق إليها بوعيد من نيران حارقه، لم يهدأ علي خيانتها لعهد الحب الذى أوهمته به، وحينما عاد إلي أرض وطنه، علم بأمر زواجها من معلم اللغة الإنجليزية، فالكل كان علي علم وهو آخر من يعلم، قرر حضور حفل الزفاف يكفي رؤية تلك النظرة في عينيها ورجفة شفتيها وهي تردد اسمه بخفوت

“عثمان؟”

تمت بحمد الله.

ولاء رفعت علي 🌷

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
2

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل