
الفصل السادس
كان أحمد يحمل إبنته الباكية وهناء تحضر لها رضعتها بيد
مرتعشة وقلبٍ ملكوم وهي تفكر في إبنتها وإبنة أختها وما قد
يكون حل بهم ………….طرقات قوية على الباب…………دق
معها قلبها ……………..فتح أحمد الباب على الفور ليجد ضابط
من القسم ومعه خبر …………قد يكون مفرحاً قد يكون صادماً
………………هناك فتاة في المستشفى إحداهن
…………وجدها المارة فاقدة للوعي ………………قلق
…………بل فزع إنتاب الأم ومشاعر أحمد مثلها تمام اً
………… نزل مع الضابط على الفور وخلفه هناء وبيدها زجاجة
اللبن للصغيرة الجائعة المشتاقة لرائحة أمها ………….ترى من
هناك …………هل هي سلمى …………أم مريم وماذا حدث
………..شك من كلاهما تحول إلى يقين ……………….فهاهي
مريم تقبع بالمشفى …………..ضحية …………..ضحية
إغتصاب .
الطبيب : هي دلوقتي في حالة صدمة ………..وفاقدة للنطق
الضابط : يعني مش حنعرف نستجوبها دلوقتي
الطبيب : صعب
كان أحمد يستمع للطبيب في ذهول …………..وهناء جالسة
بجانب إبنتها ممسكة بيدها وقد وضعتها في صدرها ودموعها
منهمرة دون إنقطاع
أحمد بعد سكوت طويل للطبيب : طيب والحالة دي حتستمر لإمتى
الطبيب : مش واضح ………..الصدمة اللي إتعرضت ليها كانت
شديدة عليها
أحمد : علينا كلنا
شعر أحمد بإنقباض قلبه ونظر إلى صغيرته وإحتضنها بشدة وقال
لنفسه : يا ترى إنتي فين يا سلمى ……………عايشة ولا
…………..
إنهمرت دموعه وهو يحتضن جودى وينظر نحو مريم الراقدة
على الفراش بملامح بائسة …………..
إقترب منه الضابط الصغير بعد أن شعر بالشفقة لما أصابهم :
متقلقش يا أستاذ إن شاء الله حنوصل للمدام ونقبض على الكلاب
اللي عملوا كده
نظر له دون أن ينطق ثم إحتضن إبنته وظل يتابع م ن في الغرفة
بصمت .
طاوعها ………….لا يعلم لماذا هل ليريح قلبها أم ليريح قلبه هو
…………….توجه معها للطبيب لاحظ التوتر الشديد الذي ظهر
عليها وهما في قاعة الإنتظار ……………..أمسك بيديها
المرتعشة ونظر لها نظرةً حانية وقال : متخافيش
وأخيراً أعلنت الممرضة عن موعد الدخول ولكن الطبيب يريد
رؤية المريضة وحدها !!!!!!
شعر بالقلق والخوف ………………..وندم للحظات على قراره
ليته ما طاوعها ………….مرت الدقائق ساعات ……….فقد
فيها أعصابه وظل يحرق السجائر واحدة تلو الأخرى
………….حتى خرجت ………….أخبرته الممرضة أنها تحتاج
لبعض التحاليل والأشعة وتستطيع إجراء ذلك الآن في مركز
الأشعة التابع لهم بنفس المبنى …….وافق على مضض بعد أن
أخبرته أن الطبيب يود رؤيته أيضا
دخل الغرفة وقد حاول أن يرسم على ملامحه ملامح الثقة
……..إبتسم بهدوء للطبيب …………..كان رجلاً يبدو أنه في
العقد الخامس من العمر يتميز بشارب كثيف ونظرةٍ فاحصة قال
له وهو ينظر في بعض الاوراق أمامه : إتفضل يا أستاذ يحيى
يحيى : متشكر
الطبيب : ممكن تحكيلي اللي حصل للمدام بالتفصيل
يحيى : الحقيقة المدام ………..إتخبطت في دماغها خبطة جامدة
شوية ومن ساعتها زي ما حضرتك شفت مش فاكرة حاجه
خالص
الطبيب : أيوة ده حصل إزاي
يحيى : كنا في الكابينة بتاعتنا على البحر وفي ناس هاجمونا
……..كانوا عايزين يتهجموا عليها
الطبيب : الناس دول إنتم تعرفوهم
يحيى : هي لأ …………ولا أنا بشكل شخصي ……….الحكاية
كلها تخليص طار حد مسلطهم عليا
الطبيب : وبعدين
يحيى : كنت بتخانق معاهم وبدافع عنها وفي وسط الزحمة واحد
منهم زقها بعنف ودماغها إتخبطت وبعدها أغم عليها
…………هربوا بعدها وأنا فضلت أفوق فيها ولما فاقت لقيتها لا
عارفاني ولا عارفة نفسها
الطبيب : إممممممممممم ……………أستاذ يحيى مراتك كانت
خايفة قوي لما الناس هاجمتكم يعني حسيت إنها مفزوعة من
اللي حصل
يحيى : هو كل ده حصل بسرعة قوي بس أكيد ………كانت
مرعوبة طبعا بس مش فاهم ليه السؤال
الطبيب : منطقيا الخبطة على حسب وصفك صعب قوي تعمل
التأثير ده ………..يعني ممكن يكون فقدان مؤقت وده مش
حيدوم أكثر من أربعة وعشرين ساعة
يحيى وقد اصابة القلق فحاول أن يكون أكثر تماسكاً : مش فاهم
الطبيب : اللي حصلها ده مش بسبب الخبطة
يحيى : نعم !!! أمال إيه السبب
الطبيب : واضح إنها إتعرضت لصدمة نفسية شديدة
……….وواضح
إنها بطبيعتها شخصية هشة …………مستحملتش …………دي
حالة معروفة عندنا في الطب النفسي
يحيى : طيب هي كده ذاكرتها حترجعلها إمتى
الطبيب : مش معروف ممكن بكرة ممكن بعد شهر ممكن بعد سنة
هي محتاجة علاج اللي عندها إسمه فقدان ذاكرة عام وحصلها
نتيجة صدمة نفسية شديدة وإعتقادي الشخصي إن دي مش اول
صدمة تمر بيها في حياتها علشان كده محتاج أجمع منك
معلومات مهمه عن حياتها وحياتكم مع بعض
يحيى في ذهول : أكيد
الطبيب محاولاً طمأنته : متستغربش يا أستاذ يحيى الصدمة
النفسية أوقات بتكون أعنف وأشد من الصدمة الجسدية خصوصاً
لو الشخصية عانت في حياتها من مشاكل نفسية قبل كده وعلشان
كده محتاج أعرف منك تاريخ الحالة ………….أوقات الصدمات
العنيفة بتأثر على خلايا المخ في حالات بينسوا الأحداث الخاصة
بالصدمة وفي حالات تانية زي مدام سلمى بينسوا كل حاجه
……….حالات نادرة بس بتحصل
يحيى : هي ممكن تفضل كده متتفكرش حاجه خالص
الطبيب : خليك متفائل ……..مع زوال أسباب الصدمة والعلاج
ومحاولة تذكيرها بالماضي حترجع تفتكر البركة فيك بقه
يحيى : اه طبعاً أكيد بس ياريت تسمحلي نبدأ من بكرة علشان
الموضوع ده إجهاد عصبي شديد عليا وعليها
الطبيب : مفيش مشكلة ………..حدد معاد بره وأنا في إنتظاركم
وهكذا بعد أن أنهت سلمى الأشعة والتحاليل أخذها يحيى وهو
ينوي عدم العودة مرة أخرى ………………..
إستقرت بجانبه في السيارة وهي تشعر ببعض الإطمئنان
……………فقد طمأنها الطبيب ووعدها بأنه مع العلاج المناسب
قد تعود ذاكرتها نظر لها مبتسماً ثم قال : بقيتي ………..أحسن
سلمى : الحمد لله
يحيى : طيب يلا بقه حجيبلك الآيس كريم اللي بتحبيه وبعدين
نروح نجيب شوية هدوم علشان الغبي ده جاب لبس ذوقة زى
وشه
سلمى : ليه مجبناش هدومي
يحيى : احنا كنا في الكابينة بالصدفة ما كناش ناوين على بيات
ومش حارجع على الشقة علشان سلامتك وسلامتي
سلمى : مين الناس دول اللي عايزين يإذونا
يحيى : متشغليش بالك بالحاجات دي دلوقتي الدكتور قايل مش
عايز اي إجهاد عصبي ………….حبيبتي طول مانتي معايا
محدش حيقدر يإذيكي
قال جملته وإقترب منها وعيناه تمتلئ بالشوق رغبةً في تقبيلها
وإبتعدت عنه على الفور فإبتسم لها وقال : عارف إنك شايفاني
غريب مع إن مفيش حد في الدنيا دي أقرب ليكي مني
…………معلش
كان يحيى يشعر بالحزن لبعدها عنه ………….فهي بجانبه ولكن
لا يستطيع أن يلمسها ……………صبراً قليلاً هكذا قال لنفسه
…………أخذها معه وإشترى لها أفضل الملابس …………..من
أفخم المتاجر ………..جعلها تبدو كالأميرات …………ثم أخذها
لاحد الأستوديهات وإلتقط لها صورة من اجل جواز السفر
المنشود …………..نعم سيأخذها ويرحل بها بعيداً
…………..هي الآن طفلته المدللة …………….التى لا تعرف
أحداً في الكون سواه
إحنا حنسافر ……………قال جملته لها بعد ان وصولوا للمنزل
سلمى : إيه
يحيى : حنسيب البلد كده أحسن كمان علشان تتعالجي برة
………….برة أحسن من هنا بكتير
سلمى : حنروح فين
يحيى : إيطاليا …………..ليا شريكي هناك حيظبتلي الدنيا
…………في خلال كام يوم حنكون في البحر ومسافرين
سلمى : ياه
إقترب منها وإحتضنها من الخلف كانت تشعر بالإضطراب من
إقترابه فهي تشعر أنه غريب …………..لا تتذكره …………لم
يبال بإرتعاش جسدها بين ذراعيه …………..إحتضنها بقوة
وتابع : مش عايزك تجهدي عقلك …………..كله حيبقى تمام
سلمى : نفسي أفهم إحنا كنا إيه ومسافرين ليه
يحيى : بالتدريج …………..متستعجليش دى نصيحة الدكتور
على فكرة
أذعنت لرغبته وأظهرت الموافقة ………….كان يود بشدة لو
بقيت بإحضانه حتى الصباح ولكنه فضل الصبر على اللقاء مع
معشوقته …………قبل يدها واوصلها لغرفة نومها وقال :
تصبحي على خير يا حبيبتي ………..انا نايم في الأوضة اللي
جنبك ………….متخافيش أنا عارف إنك لسه شايفاني غريب
………..فاهم ده كويس
إبتسمت بخجل ولكنها شعرت بالراحة عندما أغلقت باب غرفتها
وإستغرقت في النوم سريعاً من الإجهاد ………………….