روايات

رواية بقلم ايمان محمود

-بابا بُكرة عيد ميلادي، مش هتجيبلي هدية؟!
~ضحك: أنا مش لسّة جايبلك من يومين البُرنيطة اللي كان نِفسك فيها يا بكّاشة!
-كشّرت: بس يا بابا دا عيد ميلادي، لازم تجيبلي هدية، وتورتة عشان نغنّي ونطفي الشمع وأتمنّى أُمنية.
كنت بتكلّم بسرعة وهو عينُه بتوسع بذهول وكإنه مش مستوعب اللي بقولُه، وأول ما خلصت كلام، ضحك، ضحك من قلبه وأنا فضلت واقفة بصّاله، سكت بعد ثواني، فدخلِت ماما اللي بصّتلنا احنا الاتنين، وبتريقة:
*برضُه حوار الهدية؟
-نفخت: يا ماما دا عيد ميلادي.
*بصّت لبابا: اتصرّف انت، أنا زهقت.
مشِت وسابتنا وأنا رجعت بصّيت لبابا، شدّني عليه وضمّني بحُب، وبلين:
~ألا قوليلي كدا انتي هتكمّلي كام سنة بُكرة؟
-تِسعة يا بابا.
~ابتسم: دا أنا بنوتي الصغنونة بقت عروسة بقى.
ضحكْت، فكمّل وهو بيمشّي إيدُه على شعري بحُب.
~مش ماما بتحكيلِك عن سيّدنا مُحمد؟
-بحماس: وبتخلّيني أسمع كرتون بيحكي السّيرة النبوية.
~ابتسامتُه وسعت: طب الكرتون أو ماما قالوا إن سيّدنا مُحمد أو أي حد من الصّحابة أو حتى أولادُه كان بيحتفل بيوم ميلادُه؟!
بصّيت بعيد لإني عارفة الكلام دا لإن الحوار دا بيتكرّر كل سنة، وبضيق:
-بس كُل صحابي بيحتفلوا بيه يا بابا.
~واحنا من امتى بنقلّد كُل النّاس من غير ما نفكّر بمُخّنا أو نشوف الكلام دا صح ولا غلط؟!
سكتّ، فكمّل:
~وعد لو معتش فكرتي تحتفلي بيوم ميلادك لإنه شيء غلط، في العيد هخلّيكي تشتري بدل اللعبة الواحدة اتنين.
عيني لمعِت بحماس، وبعد ما كُنت هعيّط كمُحاولة لاستِعطافُه عشان يعملّي عيد ميلاد زي كُل الناس، رميت نفسي في حُضنُه بحُب، وأنا ابتسامتي بتوسع، وبهمس:
-أنا بحبّك أوي يا بابا، انت أحلى بابا في الدُنيا.

~بتزعّقيلها ليه يا فاتن؟
*بزهق: تعالى شوف بنتك تعالى.
زقّتني عليه بغيظ، وطلعِت وهي بتقول كلام مش مفهوم، وهو باستغراب قعد قصادي، بص لهدومي المتبهدلة، وباستغراب:
~ماما مالها، انتي ضايقتيها؟
هزّيت راسي بلأ وأنا عياطي بيزيد، شدّني لحضنُه وطبطب عليا، وبلين:
~طب قوليلي أنا.
-مسحت دموعي: بتزعّقلي عشان قولتِلها إني بحب مازِن اللي معايا في الفصل.
بصّلي كتير، ومرة واحدة ضحك، وأنا مع ضحكتُه ابتسمْت، سكت وشدّني قعدتْ جنبُه، وبصوت مُشاكس:
~وسي مازِن بتاعِك دا حلو؟
بصّيت حواليّا أحسن تكون ماما سمعانا، وبعدين قرّبت منُّه، وبهمس:
-حلو أوي يا بابا.
ضحك من تاني وأنا المرّادي استنّيتُه يبطّل ضحك عشان أسمع رأيه، وبعد دقايق هدى، شد إيديّا وضمّهم بين إيديه، وبهدوء، وابتسامة:
~تعرفي إني وأنا قدّك كدا كُنت بحب زميلتي في الفصل برضُه؟
-عيني وسعت: بجد؟!
~أيوا بجد.
-كشّرْت: أومال اتجوّزت ماما ومتجوّزتهاش ليه؟
~ابتسم: عشان كُنا صغيّرين قدكم كدا، ولما كبرنا اكتشفت إني مش بحبها، أنا بس كنت مبهور بيها شوية.
-كشّرْت: بس أنا بحب مازِن بجد.
~يا بت انتي في تانية إعدادي يا بت، حُب إيه دا اللي بتتكلّمي عنُّه؟
بصّيت للأرض، فضحك وقرّب مني، ضم إيدي أكتر وبلين:
~عارفة!.. أنا هسيبِك تفضلي تحبّيه..
-قاطعتُه بسرعة: يعني مش هتلسعني ولا هتقعّدني من المدرسة زي ماما؟
كشّر للحظة، بس رجع ابتسم بسُرعة، ساب إيديّا وضم وشّي المرّادي، وبنبرة مليانة حنان:
~ولا هسيبها حتى تلمِسك، بس انتي عارفة هسيبِك ليه؟
هزّيت راسي بلأ، فاتكلم:
~عشان واثق في إن مها بنتي، لا يُمكن أبدًا تعمل حاجة غلط، حبّيه بينِك وبين نفسك لكن إياكي تروحي تكلّميه أو تمشي معاه، ولو ليكوا نصيب في بعض لما تكبروا وتتخرّجوا كدا هتتجوّزوا.
عيني لمعت من مُجرد التخيل، وبتلقائية ضحكت وضمّيتُه بحُب، بوست راسُه، وكالعادة همست:
-أنا بحبّك أوي يا بابا، انت حقيقي أحلى بابا في الدُنيا.

=مش هتقوليلي سايبة البيت ليه؟ أنا مش مُعترض ولا حاجة بس عايز أفهم.
بصّيت لبسنت اللي خدت جنب بعيد عشان تسيبنا نتكلّم براحتنا، ورجعت بصّيتلُه، فتحت بوقي وكُنت هقولُه، بس مرة واحدة سكتّ.
سمعتُه بينفُخ بضيق، فغمضت عنيّا بتوتر، أنا عارفة إنه مش بيكره في حياته أد التجاهُل، بس حقيقي أنا مش عايزة أتكلم.
=مها أنا لازم أفهـ..
قاطعُه صوت تليفونُه اللي كان محطوط على الترابيزة قصادنا، بصّيت للتليفون، وبمُجرد ما لمحت اسم بابا، حسّيت بوجع.
يمكن لإني حاسة إنه مش من حقّه إنه يحب غيرنا، مش من حقه يعمل حاجة زي دي من ورانا، مش من حقه يكسرنا بالطريقة دي، أو ببساطة؛ يمكن لإنه باللي عمله دا.. خذلني.
=لحظة وجاي يا مها.
سابني وطلع البلكونة عشان يرد عليه، وأنا فضلت باصّة لمكان تليفونه ودماغي مش بيتردد جوّاها غير كلمة واحدة.. (ليه؟).

-ليه؟
~قرّب مني وبلهفة: مها، يونس هو اللي جابِك؟
-بانفعال: ليه عملت كدا؟ ليه اتجوّزت على ماما؟ ليه؟
~مها اهدي.
-صوتي على: مش ههدى ومتقوليش اهدي، أنا عندي أخت، يعني متجوّز من زمان، ليه تعمل فينا كدا؟!
°مين على الباب يا محمد؟!
بصّيت للست اللي طلعت بقرف، ومع إن ملامحها مُريحة ومألوفة بشكل كبير إلا إني حسّيت إني كرهاها، دي خطفت منّنا بابا، هي السبب في كل دا.
بصّيت لبابا تاني، وبخنقة:
-بابا ارجع البيت تاني.. بابا.. ماما مش كويسة.. أنا.. أنا مش كويسة، انت ليه عملت كدا؟!
دموعي نزلت وأنا بحاول أجمّع الكلام، بس كله اتبخّر، دموعي نزلت، ومع إنه لسّة مردّش عليّا ولا فهّمني أي شيء، إلا إني سيبتُه ونزلت جري، بصّيت ليونس اللي كان مستنّيني عند مدخل العمارة وجنبُه بسنت، وبسُرعة رميت نفسي في حضن بسنت من غير كلام، وبعد دقايق هديت، وساعتها.. اتحرّكنا لبرا.

=واثقة إنّك مش محتاجة تقعدي معانا كمان يومين؟!
-اتنهدت: مش هينفع أسيب ماما تاني يا يونس، انت شُفت لما كلّمتني كانت مُنهارة ازاي، وبعدين أنا.. أنا هكون كويسة.
•شدّتني لحُضنها: في أي وقت، أي وقت يا مها.. لو حسّيتي إنّك مش كويسة رنّي عليّا وهجيلِك.
هزّيت راسي بماشي وبعد سلامات بسيطة، نزلوا الاتنين.
خدت نفَس طويل وأنا بحاول أجهّز نفسي للي جاي، لفّيت وفتحت الباب ومع أول خطوة خدتها، حسّيت ان روحي بتتسحب من اللي شوفتُه.
كانت واقعة بطريقة مُريبة على الأرض وحواليها إزاز كتير، ومع إننا نادرًا ما بنكون على وِفاق أو كويسين مع بعض، إلا إني قرّبت بسُرعة أول ما استوعِبت وضعها وأنا بنادي على أي حد عشان يلحقنا وكل اللي بيتردد جوّايا دُعاء وحيد بإنها متسيبنيش.

انت في الصفحة 2 من 4 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل