
فتحت عينيها فى الصباح بثقل بعد نوم ليله متقطعه ، نظرت حولها وهى مستلقيه فوق الفراش تحاول اجبار عقلها على تقبل ما مرت به منذ البارحه حتى تستطيع التعامل مع كل تلك التغييرات ، زفرت بيأس فليس هناك أمل فى التظاهر بالنوم حتى يصبح كل شئ على ما يرام ، حثت نفسها على القيام ومواجهه قدرها فليست حياة من تتهرب من عقبات حياتها ، بعد قليل كان تقف امام مرأه غرفتها تصفف شعرها جيداً ثم عقدته للاعلى على هيئه كعكه بسيطه أبرزت نعومته ، لوت فمها بسخريه وهى تنظر فى المرأه تتفحص هيئتها البسيطه وهى ترتدى بنطال من الجينز الفاتح مع تيشرت قطنى خفيف فكان مظهرها ابعد ما يكون عن عروس جديده ، تنهدت بثقل وقد عادت إليها تلك الافكار التى تحاول الهرب منها منذ البارحه ، كيف ستتعامل معه ؟!! فبرغم تظاهرها بالقوه امامه الا انها منذ البارحه تخشاه او بالأدق تخشى التواجد معه فى نفس المنزل فهى لا تعلم ردود افعاله عن اى شئ فعلاقتها معه انقطعت منذ ما يقارب الخمسه عشر عاماً ، وما تعلمه عنه فى تعامله مع غيره لا يبشر بخير إطلاقاً ، هل سيفى بوعده لها ام انه فقط يجاريها ؟! ، هل سيستخدم العنف معها مثلما كان يفعل والده مع والدته ؟!، كان هذا اكثر ما تخشاه فقد اصبحت الان فى عرينه بمفردها وليس لديها من يدافع عنها او يحميها من بطشه ، تذكرت بأمل ان دائماً لديها الله ، لذلك تضرعت له بقلب مفعم بالرجاء ان يحميها من بطشه وقوته ثم رفعت راسها بكبرياء تستعد لاستقبال اول يوم فى أسرها واول شئ قررت القيام به هو استكشاف سجنها، فتحت باب غرفتها بهدوء كانها تخشى إصدار اى صوت قد يُعلن عن وجودها فيذكره بها وكأنها ينساها !! ،
التفتت يميناً ويساراً تبحث عنه فلم تجد له اثر ، تنهدت براحه ثم استأنفت طريقها للأسفل ، اول شئ لفت انتباهها بمجرد وصولها للأسفل هو كل تلك الاجساد الضخمه التى تقف متأهبه داخل الحديقه وعلى اعتاب المنزل الداخليه ، بالطبع لم يكن الامر يحتاج لذكاء خارق لتدرك ان كل هؤلاء الرجال للحمايه ولن تتفاجئ اذا علمت ان نصفهم للحرص على إبقائها داخل جدران ذلك القفص ، اثناء تفحصها لهم استرعى انتباها زوج من العيون يتأملها بحذر التفتت حياة تتقدم للأمام وهى تدقق النظر فإذا بها ترى امرأه فى منتصف الثلاثينيات على اقصى تقدير ذات قوام متناسق ووجهه ابيض رائع الجمال ترتدى زى رسمى وتنظر إلي حياة بتفحص من راسها حتى اخمص قدميها ، توقفت حياة عن السير ولم تدرى لمً لم يُعجبها نظرات تلك المرأه لها !!، على كل حال سالتها حياة بفضول :
-مين حضرتك ؟؟!!!..
اجابتها المرأه بنبره رسميه خاليه من اى عاطفه:
-انا عزه .. مديره البيت هنا ..
لوت حياة فمها بيأس فيبدو ان أقامتها هنا لن تكون سهله على الإطلاق ، على كلاً هزت حياة كتفيها بعدم اهتمام ثم اكملت طريقها عده خطوات للأمام قبل ان تتوقف فجأه وتعقد حاجبيها معاً بعبوس وهى ترى احدى زجاجات الخمر موضوعه فوق بار للمشروبات بعشوائية ، لم تتخذ الكثير من الوقت قبل ان تقرر ما عليها فعله ، التفت خلفها مره اخرى توجه حديثها إلى تلك التى لحقت بها :
-مدام عزه لو سمحتى خدى الازايز دى بالكاسات بتاعتها أرميهم ..
اجابتها عزه بكبرياء محافظه على نبرتها الخاليه معها :
-اسفه يا هانم .. دى حاجات فريد بيه ومقدرش اتصرف فيها غير بأمره هو ..
رفعت حياة احدى حاجبيها باندهاش قبل ان تحرك راسها موافقه وهى تلوى طرف فمها بأبتسامه سخريه وتقول بأصرار:
-طب تمام .. تقدرى تندهيلى حد من الحرس اللى واقف بره دول .. بيتهيألى مش محتاجه اذن فريد بيه فى حاجه زى دى صح ؟!!!!..
نظرت إليها عزه بتشكك واضح قبل ان تتحرك نحو الحديقه ثم اختفت لثوان قبل ان تعود ومعها احد الأفراد مرتديا بذله سوداء ويحمل احد الاسلحه فوق خصره بوضوح ، تشدقّت حياة وهى تنظر إلى مظهره المرعب تشعر وكانها سقطت فى احدى دور المافيا الايطاليه !! ترى هل كل ذلك حلم ستفيق منه بعد قليل ؟!!،، كان ذلك اقصى أمانيها فى الوقت الحالى ، على كلاً أغمضت عينيها لبرهه قبل ان تفتحهم مره اخرى وتطلب من الحارس بهدوء :
-لو سمحت ممكن تجيبلى صندوق خشب مقفول او برميل ؟!.. عايزه اى حاجه متسربش مياة ..
أومأ لها الحارس على الفور بأحترام قبل ان يجيبها :
-حالاً يافندم ويكون عند حضرتك ..
ثم تحرك للخلف وهو لازال يعطيها وجهه حتى اختفى عن الأنظار ، التفتت حياة مره اخرى بعد ذهابه تسالها بنبره متحديه :
-عايزه جوانتى .. اكيد عندك ..
اومأت عزه لها براسها قبل ان تختفى هى الاخرى ، زفرت حياة بحنق وهى تفكر فى تلك المرأه وطريقتها العدائيه فى التعامل معها ،
اعادها من افكارها عوده الحارس حاملاً برميل ازرق عميق فابتسمت حياة بسعاده ثم طلبت منه وضعه امامها والانصراف فنفذ على الفور دون جدال ثم بعد ذلك جاءت مدبره المنزل تحمل لها القفازات فارتدتها حياة على الفور ، همت بأمساك الزجاجه الموضوع فوق البار عندما شعرت بعيون تحدق بها ، التفتت حياة فوجدتها لازالت واقفه مكانها تراقبها ، قالت لها حياة بهدوء يشوبه الكثير والكثير من تمردها المعهود:
-على فكره تقدرى تتفضلى انا مش محتاجه حاجه ..
اومأت لها مدبره المنزل بنفاذ صبر قبل ان تتحرك للداخل بتردد وتتركها بمفردها وهى تعلم جيداً ما تنوى فعله .
*************
كان فريد يجلس فى غرفه مكتبه المطله مباشرةً على البحر خلف مكتبه الواسع فى مقعده الجلدى المريح يدقق فى احدى الملفات الموضوعه امامه عندما سمع أصوات تحطم قادمه من الخارج ، أرهف سمعه فإذا بها أصوات تحطم زجاج ، ركض على الفور نحو الخارج يتبع مصدر الصوت وقلبه ينتفض رعباً عليها ظناً منه ان احد اعدائه قد تجرأ على مهاجمه منزله ، صرخ بأسم احد الحراس بقوه مما جعل حياة تنتفض قبل ان يتوقف بصدمه وهو يرى صغيرته تقف بتحدى وهى تضع يدها فوق خصرها وتزم شفتيها للأمام ويدها الاخرى تلقى بما تحمله من زجاجات الخمر فى وعاء ازرق عميق ، جابت عينيه جسدها ونظرات الإعجاب ظاهره عليه ، كم سيسعده ترويضها ؟!.. هذا ان استطاع التفريط بها أساساً ، رفعت حياة راسها على صوته العميق الغاضب :
-حياة !!! هتجرحى نفسك !! ..
استعادت هدوئها ثم نظرت إليه بعيون متحديه وهو يقف امامها يرتدى تيشرت ازرق يبرز عضلاته بقوه ويضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله ، رفعت حاجبيها مع نظره مغيظه له قبل ان تتحرك نحو البار تلتقط اخر زجاجه موضوعه به ثم رفعتها بتحدى امام عينيه وتحركت بها حتى توقفت امام البرميل مره اخرى وقامت بإلقائها من ارتفاع عالى فأصدرت ضجيج قوى من ارتطامها بالزجاج الملقى بداخله ، حاول كتم ضحكته امامها ولم تلاحظ هى بريق التسليه فى عينيه ، تنحنح لتنقيه حلقه وإخراج صوته حازماً :
-على اساس انك لما تكسريهم مش هعرف اجيب غيرهم تانى!! ..
عقدت كلتا ذراعيها امام صدرها ثم تحركت ببطء فى خطوات ثابته نحوه قبل ان تقف امامه مباشرة وترفع راسها بكبرياء حتى تصل لعينيه ثم تحدثت بنبره ثابته قويه عكس ما تشعر بداخلها تماماً وتقول :
-من اللحظه اللى اجبرتنى فيها على انى اكون مراتك ودخلتنى بيتك وبقى اسمى مرتبط بأسمك والبيت ده بقى بيتى انا كمان .. وانا معنديش استعداد لحظه واحده اقعد فى بيت بيتعصى فيه ربنا بالشكل ده .. وأوعى فى يوم تفكر ان قبولى بيك معناه قبولى لشياطينك دى .. البيت اللى هكون موجوده فيه لازم يكون نضيف ..
صمتت قليلاً وهى ترى عرق خفيف بدء ينتفض فى جانب صدغه ولكنها كانت تغلى غضباً من كل ما حدث منذ البارحه ولن تستطيع التوقف الان ، اضافت محافظه على نفس نبرتها وتحديها :
-عايز تشرب هنا اتفضل .. بس ساعتها هتكون ملزم تجبلى بيت تانى اعيش فيه حتى لو اوضه واحده .. بس خليك متأكد انى هحارب على طهارتها بروحى .
أنهت حديثها وصدرها يعلو ويهبط امامها من شده التوتر والغضب معاً ، ظل فريد ينظر إليها مطولاً دون ان ينبث ببنت شفه وهى أيضاً لم تزيح عينيها من امام عينيه فقد كانت مسأله اراده بالنسبه لها وشعرت انها لو حركت عينيها بعيداً عنه معناه اعلان هزيمتها وهى ابداً لن تُهزم امامه ، ظلا هكذا لمده دقيقه ينظر إليها بشرر يتطاير من عينيه قبل ان تلين نظراته امامها وتتحول إلى شئ اخر يعلم انه لن يستطيع تحقيقه ولو بعد حين ولكن ليس بيده حيله فوقوفها امامه الان بكل ذلك التحدى يثيره إلى اقصى درجه ممكنه ، قاطع افكاره دخول الحارس يسأله بقلق :
-فريد بيه .. فى حاجه حصلت ؟!.
صاح به فريد بغضب بعد ان حول نظره عن حياة وقد تبدلت ملامحه ونبرته :
-مين الحيوان اللى دخل البرميل هنا ؟!.
هبت حياة تجيبه بشجاعه وهى تنظر للحارس نظره ذات مغزى من وراء فريد قائله :
-محدش جابه .. انا اللى جبته لوحدى ؟!..
التفت فريد ينظر إليها نظره متشككه قبل ان يعود بغضبه للحارس :
-لما اسالك ترد علياااا !! .. مين اللى دخله هنا انطق !!! ..
فتح الحارس فمه ليجيب قبل ان يسكته صوت حياة للمره الثانيه :
-انا قلتلك انى جبته لوحدى .. روحت الجنينه جبته ورجعت ..
بالرغم من نبرتها القويه ونظرتها الثابته فوقه الا انه استطاع ان يرى الخوف فى عينيها ، لانت نظرته امام حيرة نظرتها وطول أهدابها فوقهم، قاطع تأمله صوت مدبره منزله تقول فى وقار :
-فريد بيه .. الفطار جاهز ..
أجابها فريد دون ان يحول عينيه عن حياة التى التفتت تنظر إلى مصدر الصوت بتركيز بمجرد سماعه :
-تمام .. روحى انتى واحنا هنحصلك .
شدد على حروف جملته الاخيره بقوه مما جعل حياة تفكر فى الرفض اغاظه له ولكن كان لمعدتها رأيى اخر فهى لم تتناول شئ منذ صباح البارحه ، أشار فريد لها بيده نحو غرفه الطعام لتتقدمه فتحركت امامه فى صمت وكبرياء منتهزه الفرصه للهروب من الموقف ، التفت يحدث حارسه بنبره متوعده :
-حسابك معايا مخلصش بس خليه لبعدين ..
انهى جملته ثم التفت يكمل طريقه ويتبعها ، دلفت حياة للغرفه فتفاجئت بعزة مدبره منزل تقف خلف الطاوله بهدوء ، توقفت حياة تفكر بيأس كيف ستتمكن بتمرير الطعام داخل حلقها فى ذلك الجو المتوتر المشحون ، كانت غارقه فى تلك الفكره فلم تشعر بتحرك فريد خلفها يسحب لها احدى مقاعد الطاوله للجلوس ، اندهشت من فعلته تلك والحقيقه انها أعُجبت بها فهى لم تتوقع ابداً ان يصدر منه مثل ذلك الفعل تجهاها بعد ما حدث بينهم منذ قليل ولكنها سرعان ما حذرت نفسها فهو يفعل ذلك فقط من اجل خداعها، تحركت تخفض جسدها قليلاً لتجلس غافله عن نظرات الحقد التى تخترق ظهرها ، بمجرد جلوسهم اومأ فريد لمديره منزله براسه متمتاً :
– تقدرى ترجعى للمطبخ مش محتاجينك معانا .
لم يصدر منها اى رد فعل ولكنها سألته بأهتمام :
-حضرتك تحب تطلب او تضيف حاجه معينه للغدا النهارده ؟!..
نظر فريد بأتجاه حياة ثم اجاب بنبره حانيه ؛
-لا .. تقدرى تسألى حياة هانم .. ومن هنا ورايح تنسقى معاها كل يوم وتشوفى هى هتقولك ايه ..
رفعت حياة رأسها لاعلى تنظر إليه بأندهاش قبل ان تحول نظرتها نحو مدبره المنزل ، انقبضت معده حياة من نظرتها القويه الجافه نحوها ، اللعنه !! ماذا يحدث هنا ؟!! ، لماذا توجه إليها تلك المرأه كل تلك النظرات الغير مريحه ، تنهدت حياة بأحباط فقد ضاع املها فى انه يصبح لديها صديق فى ذلك المنزل ، شردت فى تلك الافكار وهى تنظر إلى وجهه عزة قبل ان يلفت انتباهها نظره الاخيره لفريد ، لقد كانت النقيض لنظرتها له ، كان هو مستغرق فى تناول طعامه ولم يدرى بتلك النظره المبهوره الموجهه نحوه من مدبره منزله ، وضعت حياة كفيها بأحباط فوق وجهها وهى تعود بظهرها إلى الوراء لتستند على ظهر المقعد ، حسناً ما الذى يحدث هنا الان ؟! ، ايُعقل انها عشيقته او اى شئ من ذلك القبيل !!، انها ليست غبيه وتعرف نظرات الإعجاب جيداً حين تراها ، جعدت جبينها بحزن وهى تفكر بقلق هذا ما كان ينقصها ، لا يكفيه ما سببه لها من تعقيدات حتى الان ليجمعها مع عشيقته او ايا كان مسماها تحت سقف واحد ، هزت حياة رأسها مستنكره ماهذا الذى تفكر به !! انها تتهم امرأه مثلها بشئ سئ فقط من اجل نظره لاحظتها ، كيف تفعل ذلك !!! ربما كل ذلك من وحى خيالها وربما هو مجرد إعجاب من طرف واحد لم يتعدى تلك النظره ، شعرت بالسوء من نفسها وقررت تجاهل الامر باكمله فذلك لا يعنيها ،
لاحظ فريد صراع المشاعر المرسوم بدقه على وجهها ونظرتها ولاحظ أيضاً عدم تناولها للطعام ، فتح فمه ليتحدث إليها ولكنه أغلقه مره اخرى فهو يعرفها جيداً ويعلم انه اذا طلب منها تناول طعامها ستعانده ، حاولت حياة دس اى شئ داخل فمها ولكن كان لحلقها رأيى اخر مخالف لها ، وضعت شوكتها بأحباط ثم نظرت له تساله فهى لم تستطع جمح ركاب فضولها لأكثر من ذلك ، تحدثت بهدوء محاوله اخفاء فضولها بعد خروج مديره المنزل :
-هى عزه شغاله هنا من زمان ؟!..
أجابها بعدم اهتمام مرتشفاً قهوته دون النظر نحوها :
-مش فاكر .. يمكن ٣ سنين ..
علمت من نبرته انه لا يريد الاستمرار فى ذلك الحديث ولكنه لن تتركه حتى تحصل على أجوبتها فاضافت :
-مع ان شكلها صغير .. يمكن قدى او اكبر شويه .
رفع رأسه ينظر إليها بنظره متشككه ثم اجاب بتركيز :
-لما أتوظفت هنا كان عمرها ٣٠ ..
شهقت حياة بصدمه دون وعى متمته:
-دى قدك تقريباً !!!!! .
عقد حاجبيه معاً وضاقت عينيه فوقها يتأملها فأضافت مبرره بعد ان شعرت انه يشك بشئ من كثره اسئلتها :
-اصل انا مستغربه انها عرفتنى بنفسها على انها مديره البيت فى الوقت اللى ماما كانت فيه هنا !! يعنى ماما كان لازمتها ايه ؟!..
نظر لها مطولاً وهو يعود بظهره ليسترخى فوق المقعد حتى شعرت انه لن يجيب عن سؤالها ثم تحدث بأقتضاب :
-كانت جنبى ..
هزت رأسها فقد ادركت معنى اجابته قبل ان تزم شفتيها معاً للأمام فى حركه طفوليه ، تحرك من مقعده ليقف امامها بنفاذ صبر ثم حدثها أمراً :
-متعمليش الحركه تانى ..
اساءت فهم مقصده وظنت انها تغضبه فعقدت النيه فى قراره نفسها ان تفعلها امامه كلما اتاحت لها الفرصه عناداً به .
************
متى تخضعين لقلبى
الفصل الخامس
بعد انتهاء الفطور انسحب فريد مره اخرى إلى غرفه مكتبه وقررت حياة استئناف اكتشافها للمنزل ، فقبل مقابله عزه كانت تنتوى الدخول للمطبخ فهو من احدى هواياتها المفضله ، اما الان فهى تعلم جيداً ان وجودها بداخله شئ غير مرحب به ، اكملت جولتها بداخل المنزل ولم تملك الا الإعجاب به حقيقةً فكل ركن به مفروش بعنايه وذوق رفيع ، لم يتبق لها الا المطبخ لدخوله ، كان ينتابها الكثير من الفضول لرؤيته ورؤيه تأثيثه وتجهيزاته لذلك وقفت متردده تحاول الوصول لقرار ثم رفعت راسها بكبرياء وقررت زيارته فهو فى الاخير منزلها هى ، وما ان خطت بداخله حتى رأت ٦ أزواج من العيون تنظر لها ما بين مهتمم ومستنكر ، زوجان اصبحت تعرفهم جيداً اما الآخرين فغريبان كلياً
تنحنحت حياة بحرج وهى تقف فى مدخله وعلى الفور تقدمت نحوها سيده ممتلئه الجسد فى منتصف الخمسينات تقريباً قصيره القوام ذو ابتسامه دافئه احبتها حياة على الفور فبادلتها ابتسامتها بأشراق
تحدثت السيده بنبره اكثر دفئاً وهى تمد يدها فى اتجاه حياة لتحتضن كلتا يديها بحب متسائله :
-اكيد انتى بنت آمنه حياة .. قصدى حياة هانم ..
هزت حياة راسها لها بأيجاب ثم النفى وهى لازالت تحافظ على ابتسامتها الواسعه :
-لا طبعا انا اسمى حياة بس .. واه انا بنت امنه حضرتك تعرفيها ؟!..
مسحت المرأه على شعر حياة بحنان ونظرات الإعجاب تملؤها قائله :
-ماشاء الله .. آمنه عرفت تربى .. ليه حق فريد .. جميله خلقاً وُخلقاً ..
اخفضت حياة رأسها بخجل والاحمرار يغزو وجنتها فأضافت السيده متمتمه :
-صحيح نسيت اعرفك بنفسى .. انا عفاف المسئوله عن الطبخ والمطبخ هنا ..
ثم اشارت إلى رجل فى مقتبل الستينات من عمره كان يجلس على الطاوله بهدوء يتناول طعامه ولكنه نهض بمجرد دخول حياة ورؤيتها :
-وده بقى عمك رضا .. جوزى والجناينى بتاع الفيلا ..
اومأ براسه لحياة يحييها باحترام ووقار ولكنه تفاجئ من رد فعلها وهى تتقدم نحوه تمد يدها فى اتجاهه متمته:
-ازى حضرتك ياعم رضا ..
أجابها معجباً بسلوكها :
-بقيت احسن لما شفتك يابنتى .. ربنا يباركله فيكى ..
تمتمت حياة بخجل موجهه حديثها للسيده عفاف :
– لو حضرتك مش هتضايقى ممكن اقعد معاكم شويه ؟!..
اجابتها عفاف بترحاب لم تعهده حتى من والدتها :
-ياخبر ابيض !! انتى بتسأذنينى عشان تقعدى فى بيتك !! ده المطبخ كله ينور ..
ثم سحبتها بحنان لتجلس على احد المقاعد الموجودة به وللحق كان وثيراً وناعماً مثل مقاعد الاستقبال
لم تعلم كم شعرت حياة بالسعاده من ذلك الاستقبال الحميم فعلى الاقل شعرت انها فازت بصديق فى ذلك المنزل الكبير الجاف ، خرج عم رضا بعد قليل ولم يتبق سوى ثلاثتهم معاً ، كانت السيده عفاف تثرثر مع حياة دون توقف قبل ان تتوقف لتسألها بعبوس :
-شوفى انا اكلت دماغك ازاى ونسيت اسالك !! تحبى اعملك حاجه مخصوص للغدا النهارده ؟!! .. اكيد مش هتحبى تاكلى اكل فريد بيه من اول يوم كده ..
ضمت حياة حاجبيها معاً بتركيز مستفسره :
-ليه مش هحب اكله ؟!..
اجابتها عفاف مسترسله فى شرحها وهى تجعد انفها وتهمس كأنه سر حربى خطير :
-مانتى اكيد عارفه .. فريد بيه بيحافظ على صحته ازاى مش بياكل غير انواع اكل محدده كله خضار ومفيهوش ملح وحاجات غريبه كده وبعدها بيدخل الجيم ويقفل على نفسه مبيطلعش قبل ساعتين تقريباً كل يوم وممنوع حد يدخله .. تقريباً الجيم والمكتب محظورين اى حد يدخلهم وهو فيهم الا لو هو طلب ..
صمتت قليلاً لتزدرد ريقها وهى تتفحص حياة قبل ان تضيف بأبتسامه واسعه :
-طبعاً الكلام ده مش ليكى اكيد فريد بيه هيحب تكونى جنبه على طول ..
زمجرت مدبره المنزل القابعه بهدوء على احد المقاعد وتستمع لحديثهم دون المشاركه فيه :
-ست عفاف بيتهيألى كفايه كلام كده وتخلصى اللى وراكى ميعاد الغدا قرب ..
حدجتها عفاف بنظره حنق قبل ان تجيبها قائله :
-عزه .. انا بتكلم انا والهانم وانا بشتغل وهى مش معطلانى .. روحى بس انتى شوفى وراكى ايه بدل مانتى قاعدلنا كده ..
ضـ,ـربت الاخيره الارض بقدمها غـ,ـيظاً قبل ان تحدج حياة بنظره غل وتتجه نحو الخارج ، اعادت عفاف تركيزها نحو حياة متسائله :
-احنا وقفنا لحد فين ؟!.
-اه كنت بقولك ان فريد بيه محبش فى النيا دى حد قدك .. انا من ساعه ما جيت هنا وانا مش بسمع غير عن حبه ليكى ..
ارادت حياة فتح فمها للاعتراض وقول ملاحظه لاذعة ولكنها عدلت عن ذلك ففى النهايه لن تتحدث عنه امام موظفته .
************
فى تلك الأثناء كان فريد يجلس خلف مكتبه وعروق وجهه بارزه من شده الغضب وهو يتحدث فى الهاتف بعصبيه ، صاح بمساعده قائلاً :
-يعنى ايه يعلى علينا السعر هو لعب عياااااال ..
تعلثم المساعد فى نبرته قائلاً :
-ما .. ما يا فندم …..
قاطعه فريد بغلظه قائلاً :
-انت لسه هتمئمئلى اخلللللص ..
انهى فريد كلمته الاخيره بصراخ جعلت الرجل على الطرف الاخر ينتفض فزعاً ثم قال مسرعاً :
-يافريد بيه .. هو بيقول ان الشركه بره علت عليه وهو معندهوش استعداد يتحمل الخساره ..
جحظت عيونه للخارج بقسوه قبل ان يصمت قليلاً متفكراً قبل ان يقول يتوعد :
-الجنيدي ببلوى دراعى صح !!.. انا عارف كويس ان مفيش حاجه من دى حصلت .. هو فاكر كده بيضـ,ـربنى يعنى !!!!هو كده جاب اخره معايا .. بس ورحممممه امممى ان ما كنت افلسه مبقاش فريد ..
حك ذقنه بيديه ثم تابع بصيغه الامر :
-اسمممع .. قدامك اسبوع وتكون ظبطلى مع الشركه الألمانية اللى عطياه التوكيل وتبلغنى ..
اجابه مساعده برعب :
-بس يا فريد بيه احنا كده بنعلن الحرب عليهم وعيله الجنيدي مش قليله فى السوق ..
صاح به فريد بغضب :
-نبيل !! اظبط معايا كده ولو بتخاف روح اقعد فى بيتك ..
سارع نبيل يجيبه مصححاً :
-يافندم انا خايف على ساعتك مش اكتر ..
اجابه فريد وهو يصر على اسنانه بشراسه :
-لسه متخلقش اللى يقف قدامى او يلوى دراعى ..
حرك كفه داخل فروه راسه مفكراً ثم تابع بنفس صيغه الامر :
– ظبطلى بس انت الشركه وانا هقولك بعدها هنعمل ايه ..
ثم اغلق الهاتف بنفاذ صبر وألقاه بقوه فوق سطح مكتبه وهو يتوعد لعائله الجنيدي ..
**********
مضى الوقت وجاء موعد وجبه الغذاء سريعاً ، دلفت حياة غرفه الطعام على مضض فوجدته يجلس على قائمه الطاوله باسترخاء ينتظرها ، نظر إليها بتمعن يتأمل ملامحها المتجهمة فاسترخت تقاسيم وجهه على الفور ، حتى وهى فى حالتها تلك تستطيع تبديل بنظره منها ، فكر بحب انها اصبحت كالمخدر بالنسبه له ولكن مخدر من نوع اخر ، مخدر يجعل الزمن يتوقف عن الحركه وينسى معها ماضيه وما يخشاه من حاضره مستقبله.
قررت هى تجاهله والتصرف بلامبالاه مثله ، لذلك توجهت مباشرة نحو احد المقاعد البعيده عنه نسبياً لتجلس فوقه بهدوء ، نظر إليها ملياً اولاً نظره خاليه قبل ان ينطق جملته متشدقاً :
-بصى كده كويسه هتلاقى انى الحمدلله معنديش مرض معدى .. ولا احنا فى نص الشهر والقمر بدر فخايفه اتحول واقوم اعضك !!..
نظرت إليه بصدمه قبل ان تستوعب حديثه ، انتظر هو رد فعل منها ولكن دون فائده لذلك تمتم بنفاذ صبر قائلاً بتهديد:
-هتتفضلى تقعدى جنبى من نفسك ولا تحبى اجى اشيلك ..
قفزت من مقعدها على الفور بمجرد سماع جملته فكلاً من نبرته ونظرته كانت توحى بجديته التامه ، جلست فى المقعد المجاور له دون ان ترفع نظرها نحوه حتى لا ترى نظراته البارده التى يرمقها بها منذ الصباح ،
فى تلك الأثناء دلفت السيده عفاف داخل الغرفه تحمل الوعاء الخاص بالطعام ، وضعته فوق الطاوله وشرعت فى بدء عملها عندما تحركت حياة من مقعدها وهى تتحدث بود :
-متتعبيش نفسك يا دادا انا هكمل ..
قبض فريد على معصم يدها بقوه يمنعها من الحركه وهو يرفع نظره إليها بنظره غاضبه اصابتها بالارتباك ثم تحدث بنبره منخفضة ولكن حاده :
-اقعدى مكانك .. انا مش جايبك هنا تشتغلى ..
فتحت فمها لتعارضه ولكنه نظرته التحذيرية التاليه التى رمقها بها مع زياده ضغطه على معصمها جعلتها تتراجع ، عادت تجلس فوق مقعدها بغضب قبل ان توجهه نظره معتذره فى اتجاه السيده عفاف فبادلتها الاخيره نظرتها بايماءه خفيفه من راسها وأبتسامه متفهمه قبل ان تشرع فى استئناف عملها والخروج بهدوء من الغرفه بعد استئذانه ،
امسكت حياة بملعقتها لتبدء فى تناول طعامها قبل ان تعقد حاجبيها معاً بأشمئزاز !!! ان الحساء يحتوى على جميع المكونات التى تكرهها فعلاً ، دفعت الوعاء بعيداً عنها قليلاً فهى لن تتناول ذلك الطعام تحت اى ظرف كان ، كان فريد يراقب ما تقوم به بتركيز تام وعندما دفعت الوعاء من امامها حدثها بنبره آمره :
-حياة كملى أكلك انتى مش طفله !!!! ..
حدجته بنظره غاضبه قبل ان تجيبه بحنق قائله وهى تقلد نبرته :
كويس انك عارف انى مش طفله !.. ولا اقولك تعالى اكلنى غصب عنى زى ما اتجوزتنى غصب ..
شعرت بالانتصار عندما رأت اثر الصدمه واضحاً على ملامحه ولكن سرعان ما تحولت نظره انتصارها إلى قلق عندما وجدته يرفع احدى حاجبيه بتحدى ويضع معلقته فوق الطاوله وهو يستعد للتحرك ، شهقت برعب وهى ترفع كفها فى اتجاهه لتوقف وهى تتمتم برعب :
-اوعى تقرب منى انا مش هاكل اكل الناس العيانه ده ..
اتسع فمه بأبتسامه انتصار ثم تحولت بتسليه وهو ينظر إلى ملامحها الغاضبه ، فهو يعلم جيداً ان مذاق الطعام لم يعجبها ولكنها ارادت اللعب معه وعدم الاعتراف. ، زمت هى شفتيها بحنق وهى تفكر بغيظ لقد خدعها ، اذا عليها ان تكون اكثر يقظه عندما تتعامل معه فى المستقبل ، اعادها من افكارها صوته العميق يسألها بأهتمام ونبره حانيه :
-ليه مطلبتيش من المطبخ حاجه انتى بتحبيها ؟!..
اجابته بحنق :
-وانا اعرف منين يعنى !! كنت بحسبك بتاكل زى الناس ..
رمقها بنظره غير مفهومه قبل ان تعود إليه نظرته البارده مره اخرى :
-الناس هى اللى مش بتاكل زيى !!!
تمتمت بخفوت :
-مغرور
فريد :
-سمعتك ..
اجابته بحنق :
-ميهمنيش .. انا كده كده بكرهك ..
اهتزت نظرته قليلاً قبل ان يجيبها بصوت هادئ ونبره تملؤها التهكم المرير :
-مسمعتهاش من امبارح ..
ثم وضع المحرمه فوق الطاوله بعد ان مسح بها فمه وتركها وخرج من الغرفه ..
**************