روايات

نجمة الباشا

اقتربوا من الكمين ثم أخرج سليم حافظة البطاقة الخاصة به، مخرجًا رأسه من شباك السيارة ليصيح مشيرًا بيده في تحية عسكرية شهيرة:

-مساء الفل يا باشا.

رد الضابط التحية وما إن نظر للبطاقة في يده حتى ابتسم ونظر للعساكر الواقفة في الطريق آمرًا بحفاوة شديدة:

-افتح يابني عدي الباشا.

ثم أشار لسليم بابتسامة مُجاملة:

-اتفضل يا باشا.

-متشكرين ربنا معاكم.

تمتم بها سليم وهو يستلم محفظته منطلقًا بالسيارة، نال ما حدث إعجاب الفتيات إلا نجمة التي رفعت حاجبها الايسر وتمتمت بشقاوة متهكمة:

-باشا !! هو انت من الأعيان ولا إيه؟

ابتسم سليم في فخر مشاكسًا لها هو الآخر بهزة مؤكدة من رأسه:

-اه طبعًا اومال!

حينها تدخلت إحدى صديقاتها تخبرها بنبرة منبهرة:

-طبعًا من الأعيان يابنتي مش رائد قد الدنيا!

تجمدت نجمة في جلستها لثواني قليلة وشحبت ملامحها وتلك الكلمة تخترق اذنها ضاربة صخرة مخاوفها بمطرقة الصدمة، سعلت بخفة قبل أن تتمتم بعدها بصوت منخفض وكأنها تتوسل التكذيب:

-مين ده اللي ظابط؟
سليم؟

أومأت الاخرى مؤكدة برأسها، بينما قال سليم بمرح مستنكرًا صدمتها:

-إيه ماشبهش ولا أيه!

تحشرجت أنفاسها وحينها فقط… كل المشاعر التي انتابتها، كل الشقاوة والعبث الذي ظهر في حضرته، انقضى وفر ادراج الريح !!
***

أغمضت جفونها وقد عادت نجمة لواقعها عساها تغلق الوميض الخافت داخلها الذي يخبرها أنها تلاعبت به بالفعل، هزت رأسها نافية تنفيه بمبررات واهية.
وحينما أرادت سحق ذلك الوميض بين ثنايا الظلام، أمسكت هاتفها لتتصل بصديقتها المقربة “دنيا” ، أجابتها بعد قليل ليأتيها صوتها المرهق:

-الوو ازيك يا نجمة؟

تمتمت نجمة بود تخفي ارتباكها:

-الحمدلله بخير، ازيك انتي يا حبيبتي واخبار صحتك دلوقتي؟

-انا الحمدلله بخير انتي عامله ايه؟
من يوم المستشفى مشوفتكيش وحشتيني أوي.

خجلت نجمة أن تخبرها بأنها خشيت الاتصال فتتسبب لها بمشاكل جديدة تنتهي بعقاب زوجها المجنون لها، لكنها قالت في تلعثم:

-الحمدلله وانتي وحشاني اكتر، بس الكلية شغلتني شوية،
مال صوتك أنتي تعبانة ولا إيه؟!

اتاها صوت دنيا المبحوح بتعب والذي أثار اوتار شفقتها، وحنقها في آنٍ واحد:

-لأ ده دور برد، وأنا مطبقة من أمبارح بخلص تجهيز عزومه اهل احمد عشان هيجوا بكره ومش عايزه خناق مع أحمد لو ملاقاش كل حاجة جاهزة انتي عرفاه!
هزت نجمة رأسها بتأكيد، كيف لها ألا تعرفه … فحتى لو لم تكفي حكايات دنيا على سبيل الفضفضة لتعرف انه شخص عنيف بربري، يتعامل معها احيانًا وكأنه يعامل احد المجرمين، فتلك الآثار القبيحة التي رئتها توشم جسد صديقتها كافية لتعرف قُبح شخصيته …. فزوج دنيا هو السبب الرئيسي لمخاوفها، فهذا البربري ضابط مُتسلط مستغل لسلطته كذاك الذي يلاحقها هنا وهناك.. !!
خرجت من شرودها لتقول بصوت خرج حاد من فرط انفعالها دون أن تقصد:

-ما تريحي يا بنتي صوتك باين عليه التعب جدًا، وخليه يطلب اكل جاهز او حتى أجلوا العزومة،
انتي هتموتي نفسك عشان هو عايز يعزم أهله هو للدرجة دي مش حاسس بالمصيبة اللي عملها؟!

اتاها ردها في قلة حيلة:

-لو أهلي كنت أجلت العزومة يا نجمة لكن لو قولتله أجلها او هات أكل جاهز مش هخلص منه ومن خناقه وتهزيقه وهجيب لنفسي كلام أنا في غنى عنه!
خلينا ماشيين كويسين بالزق كده احسن، كفاية العيل اللي في بطني!

غمغمت نجمة بغيظ:

-سبحان ما مصبرك عليه بصراحة!

ابتسمت “دنيا” ابتسامة مصطنعة فلولا اكتشافها لحملها لأصرت على موقفها في الطلاق ولكن ذويها وذويه مع تهديداته الحادة بانتزاع الطفل المنتظر منها جعلها تستسلم لقدرها، أغمضت جفونها تصفي ذهنها قبل ان تغير الموضوع:

-سيبك مني المهم انتي إيه اخبارك، مفيش جديد في حياتك؟!

سعلت نجمة ثم تنهدت مردفه بتردد:

-هو بصراحة في، أنا متصلة بيكي عشان أحكيلك حاجة كنت مخبياها!

تشدقت دنيا في لهفة سعيدة بمحور الحديث:

-بجد طب احكيلي بسرعة يا مقصوفة الرقبة.

انت في الصفحة 7 من 29 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل