روايات

نجمة الباشا

تنهدت نجمة تعلم رد فعلها لكنها بدأت تقص عليها كل شيء بدءًا من أول مرة رأت فيها ” سليم ” وصولاً بركضه خلفها هنا وهناك وحتى أخر مشاجرة بينهما، صرخت دنيا وهي تدفع كلماتها دفعًا لحافة لسانها:

-اوعي يا نجمة، اوعي!
ظباط لا، الشباب مليانين الدنيا بس اوعي من الظباط دول ملهمش أمان، أنا أتلسعت مرة وبقولك بلاش اديكي شايفة أحمد وشايفة حياتنا عامله ازاي، والله لولا اللي في بطني ما هستحمل!

الاجابة كما توقعتها تمامًا، ولكن شيء داخلها اندفع يسيطر على لجام لسانها وهو يبرر له ولو مرة:

-بس هو مش بيعاملني زي أحمد، اكيد مش كل الظباط زي بعض يعني قصدي آآ….

قاطعتها دنيا بصوت أجش تقطع حيرتها من جذورها:

-لا يا دنيا كلهم كده بحكم شغلهم مبقاش عندهم مشاعر، ولو على المعاملة الحلوة كلهم بيبقوا كده في الأول يا نجمة الممنوع مرغوب هيعمل اي حاجة عشان يوصلك،
ما انتي عارفه أحمد مكنش كده أيام الخطوبة.

حديث “دنيا” وجد صداه بقوة داخل نجمة التي كانت معبئة بتلك الهواجس، فهتفت تنهي ما اتصلت لأجله:

-ده كان رأيي وقراري خصوصا بعد اللي حصل معاكي، بس كنت حابه افضفض يا دنيا،
أنا مش همشي ورا احتمال ١٠٪ انه كويس وادمر حياتي على سبيل التجربة !!

أكدت دنيا لها في سرعة:

-بالظبط، انتي تستاهلي احسن من كده بكتير، تستاهلي تعيشي كل لحظة في راحة من غير تفكير وقلق.

ابتسمت نجمة ابتسامة صغيرة تخفي خلفها قهر كبير ثم قالت في خفوت:

-تسلميلي يا دودو، مش هعطلك اكتر بقا وهسيبك تشوفي اللي وراكي عشان ميجيش ينكد عليكي.

حركت دنيا رأسها مؤكدة في نبرة مرح حمل مرارة في طياته:

-انتي بتقولي فيها، هيجي ينكد عليا فعلًا لو لقاني بتكلم خصوصًا إنه النهارده جاي بدري شوية.

وبلحظة وكأن زوجها كان ينتظر حديثهما، اقتحم المزعج المكان صائحًا بصوت حاد أعلى من اللازم:

-هو ده اللي مش لاحقه تخلصي، أنا شايف انك عماله ترغي في التليفون مع الناس الفاضية!

زفرت دنيا بتمهل تحاول ألا تنفعل وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه، ثم أجابت محاولة التبرير:

-دي نجمة كلمتها شوية عشان بقالي كام يوم مكلمتهاش.

زمجر الآخر بغضب اشتعل من اللا شيء بمجرد تذكر نجمة التي يستشعر مقتها بسهولة كلما قابلها في لقاءاتهم المعدودة:

-وطبعًا بتحكيلها قصة حياتنا والهانم بتسخنك عليا صح؟!

-لا طبعا.

نفت دنيا سريعًا ولكنه لم يعطها الفرصة بل انتشل الهاتف من بين أصابعها هاتفًا في الهاتف بنبرة غليظة:

-متكلمهاش تاني أحسنلك، هي دلوقتي واحدة متجوزة ووراها مسؤوليات مش عندها فراغ زيك وبطلي تدخلي نفسك في خصوصيات الناس!

انهى جملته بأغلاق الهاتف في وجه نجمة التي انتفخت اوداجها بالغضب وهي تهز رأسها فاقدة الأمل في صلاحه.
لن تكرر خطأ صديقتها..
لن تضع نفسها تحت رحمة شخص همجي عنيف يحتاج أن تبرر له لو تحدثت يومًا إلى صديقتها….!

الفصل الثالث:

جلس سليم يقلب الملف بين يديه يتفحص بدقة سجل المكالمات الخاص بنجمة طوال الأسبوعين الفائتين، بينما يحاول قمع شعاع صغير داخله يشير إلي عدم صواب أفعاله لكنها من تدفعه لذلك وتجعل الشك سمة علاقتهما بأسلوبها وتلاعبها المستمر به.
ثم من سيكون لديه قدرة التطفل على الطرف الآخر ولن يفعل خاصة وان كان هذا الطرف كحبيبته المتمردة.
وعلى قدر جنونه وهيامه بها إلا انه يقسم بانه لن يرحمها إن اتضح بانها تخدعه كما يظن، زفر ثم  نظر إلي الساعة فبعد غياب أسبوعين عن انظاره ومسامعه وذهابه مرات عديدة لانتظارها عند الجامعة دون ظهور منها قرر الذهاب إلي منزلها ومراقبة ان كانت تذهب لمحاضراتها بطريقة خفيه ما أم انها لا تذهب بالفعل كي لا تخاطر برؤيته.
زمجر أنفاسه في حده فها هو يموت ويذوب ذوبًا في لهفة لرؤياها بينما هي تعتزل الحياة كلها لتتجنب لمحه، صدق من قال أن الحياة غير عادلة…. هتف ينادي العسكري الواقف خلف الباب:

-محمد..

-أوامرك يباشا…

-دخلوا العيال اللي برا الحجز وابقى اعرضهم ع المأمور قبل ما يروح،
انا عندي مشوار مهم لو حد سأل عليا قوله طلع حملة.

وبذلك اندفع جاذبًا قبعته أسفل ذراعه متجهًا للخارج.

*****

مرت أكثر من ساعتين وهو يقف بسيارته على بعد بنائين من بنايتها، نظر إلي ساعة معصمه مفكرًا ساعة أخرى يتأكد بها إنه لم يُفوت نزولها وانها تغيب عن دراستها بالفعل، مط شفتيه في تذمر فها هو في أواخر العشرين من عمره يفعل ما لم يفعله وقت مراهقته.
أمسك هاتفه يحاول الاتصال بها أملًا أن تكون أخرجت رقمه من قائمة الحظر، وضع الهاتف فوق أذنه قبل ان يجز اسنانه برفض ونقم على افعالها حين اتاه رفض انطلاق المكالمة إلا إنه تجمد في مكانه ما أن رفع رأسه ليراها تخرج من المبنى بملابس بيتيه وشعر مرفوع أعلى رأسها بطريقة مهمله قبل أن تدخل إلى المتجر أسفل بنايتهم.
كبح رغبة شديدة في أن يهبط ويصفعها في منتصف الطريق لأنها لا تعاقبه بالابتعاد وحده بل تعاقب ذاتها معه، فتلك الهالات السوداء التي تحيط عيونها الذابلة والكيلوجرامات المفقودة من جسدها في أيام قليلة تعكس مدى اضطراباتها الحادة.
تابع خروجها بعد دقائق بحقيبة شراء دون أن ترفع رأسها من الأرض لتعود إلى المنزل في خطوات رتيبة مُتعبة وكأن فراقهما ينهكها جسديًا.
عض على شفتيه وأشعل محرك السيارة مقررًا المغادرة قبل أن يفعل ما يندم عليه عائدًا بشكل مباشر إلى مركز الشرطة لمتابعه أعماله المُهملة التي قد يعاقب عليها قريبًا.
طوال الطريق كان يحاول التوقف عن التفكير في بشرتها الشاحبة وتلك الهالات السوداء فعقله المشتت غير قادر على التفكير ناهيك عن التخطيط لخدمة أهدافه، فزفر يحاول إبعادها عن أفكاره لكن كل ما يسيطر عليه هو سؤال واحد….

لماذا تُصر على تحطيم قلبه بعد أن علقته بها؟

لا يزال يتذكر أول مرة قابلها فيها ولا تزال نظراتها القاتلة محفورة داخل صدره، يتذكر كيف كانت ترفعه للسماء كلما تقرب منها وكلما شعر بمشاعرها نحوه لتنفلت من أصابعه بعدها بقليل وتلقيه دون رحمة دافنه أماله تحت سابع أرض.
تذكر كيف حطم دفاعاتها ونجح في سرقة مكالمات وأحاديث طويلة بينهما خاصة حين وجد حساباتها على مواقع التواصل الالكتروني، كان يظن بانها تزيد من لوعه كي تشعل شوقه لها أو انها تخشى أن يظنها فتاة سيئة لكنها صدمته حين اعترفت له بعد ثمان أشهر ذاب فيها ذوبًا بأنها ترفض وجوده في حياتها لأنه رائد شرطة فهي ترفض الارتباط بهذا الفصيل …
ضحك في سخرية متهكمًا، الوقحة كانت تحادثه بتعالي وكأنه مجنون حرب هارب من العقاب….
وصل إلى العمل أخيرًا دون شعور بالوقت وقد التهمه كل تفكيره وما ان دلف مكتبه حتى نادى في حدة:

-محمد.

-باشا!

صرح العسكري وهو يلقي تحيه عسكرية فاستكمل سليم في وجوم:

-نادي مسعد.

توجه العسكري الشاب للخارج في سرعة، وما هي إلا لحظات قليلة حتى دخل رجل سمين نسبيًا يرفع كفه في تحية قائلًا في قوة:

-اؤمر يافندم..

مسك ورقه وقلم ثم دون عنوان واسم قبل ان يعطيها له طالبًا:

-عايزك بكره تطلعلي مخبر العنوان ده يسأل عن البنت دي في المحل اللي كاتب اسمه،
وأكد عليه يا مسعد ميسألش في أي مكان غيره، يسأل هناك وياخد بعضه ويرجعلي … مفهوم؟!

-مفهوم يا باشا..

سحب الورقة سريعًا قبل أن يغادر، جلس سليم فوق مقعده يدور به لليمين قليلًا وهو يعض شفتيه بتفكير ووعيد قائلًا:

-ماشي يا نجمة، مبقاش أنا لو معرفتش اميلك تحت رحمتي.

*****

انت في الصفحة 8 من 29 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل