روايات

حتة من قلبي

عقد حاجبيه بتعجب

– ليه بقا إن شاء الله؟

– انا مثلًا واحدة بتموت في المقالب، مقدرش أقعد من غير ما أعفرت حد جنبي، يعني المقالب مطلوبة في علاقتنا

هـدر بصدمة من كلماتها التي تشي بكبر سنها

– علاقة مين يا طفلة يا مهزقة!

رفعت حاجبها بتحذير

– حسن ملافظك يا ياسين

جحظت عينيه بصدمة وردد

– ياسين؟

تخصرت وقالت ساخرة

– اومال أقولك يا عمو؟

قـال بـجدية

– يا بابا مثلًا؟

هزت رأسها بنفي قاطع

– لااا بابا دي لأ، عمو أفضل علفكرة

– بس انا أبوكي!

زمت شفتيها بإستنكار

– كلاااام

ابتسم بعدم تصديق ورمقها بتعجب هاتفًا

– انتي متأكدة انك طفلة ست سنين؟

تأتأت مُكذبة إياه

– تؤ، مش طفلة لأ

هز رأسه بقلة حيلة وضحك لبرهه، ومن ثم عاد بنظره لتلك العابثة وما إن وقعت انظاره على ملامحها التي تشبهه إلى حد كبير حتى قال

– تآكلي آيس كريم ولا شوكلاته؟

أشـارت بإصبعيها السبابة والوسطى تخبره بهما “الإثنين” وإبتسامة عابثة ترتسم على محياها!

#الفصل_الخامس

هبط ياسين من سيارته وسـار ببطء ناحية الباب الآخر لها يفتح بابها برفق، فـ تدلدت قدميها الصغيرتين من السيارة وهبطت بصعوبة وهي تُعدِّل من حقيبة ظهرها، أغلق ياسين الباب ببطء وسـار بجانبها صوب الحضانة، وبغتةً أقتحم كفها كفه كما اقتحمت حياته، وقبضت عليه حتى يأخذها للجهة الأخرى ويمرون من السيارات القادمة والذاهبة، سـارت رعشة غريبة بـجسده، وكأنها بلمستها داوت جِراح قلبه التي لم يلتئِمها مرور الأيام أو السنوات…
تنهـدت محبطًا وقبض على يدها الصغيرة يمر بها للجهة الأخرى، مرت هي أولًا من باب الحضانة وما زالت قابضة على يده بـلُطفٍ، سار خلفها وكأنها هي من تسوقه نحو الأمام..هذا بالفعل ما كان يحدث!

ألتقت بـ “روان” التي ابتسمت في وجهها بـترحاب وحبور، والتقطت يدها من يد ياسين الذي كان متمسكًا بها بـشدة، كان يأبى ترك يدها…
وقبل أن تذهب روان رمقت ياسين بنظرة نافرة كارهة لاحظها ياسين فـ ابتسم ساخرًا، وأخرج لسانه لها يُذكرها بما فعله بها سابقًا..
قبل أن تدخل چويرية لمبنى الحضانة، استدارت لياسين ورفعت يدها الحُرة تلوح لها بيدها والإبتسامة ملئت وجهها..
لا يدري لماذا رفع يده ولوح لها، ولا لماذا رقّ قلبه وشعر بنبضاته تزداد، ولا لماذا ارتسمت بسمة هادئة خالية من الشوائب التي تُعكر صفو ذهنه على شفتيه!
فـلقد استطاع لُطفها إزالة جموده واستطاعت بسمتها أن تُعيد نبضات قلبه بـالحُب!

❀❀❀

فرك نـاصر عينيه بـتعب، فـهو منذ الصباح وهو منكب على تلك الأوراق الخاصة بمشروعٍ جديد، فـ بعد الإنتهاء من البناء بالأمس أخذ العمال قسطًا من الراحة وبقى هو يخطط للمشروع القادم…
فوجئ بـ “عشق” تدخل عليه بدون سابق انذار وفي يدها كوبين من القهوة الساخنة، وبـمرح لم يعتاده منها قالت

– صباح الخير يا باشمهندس، أكمل دخول ولا هتطردني؟

عقد حاجبيه بـتعجب من تغيرها المُفاجيء، وأومـأ لها فـ دخلت ووضعت كوبه أمامه بـحرص، وجلس أمامه على المقعد ترتشف من القهوة قبل أم تقول

– قولت أجي أفكر معاك في المشروع الجديد..

ابتسم بـتعجب وأردف

– كتّر خيرك يا باشمهندسة

ألقت نظرها على الأوراق بـفضول هاتفة

– قوليّ بقا خليني أساعدك

واندمجا سريعًـا في عملهما بجدية مُفرِطة وعملية شديدة

❀❀❀

سـحر تلك الرفيقة المُخلصة، التي تسعى فقط لإصلاح صديقتها العزيزة، لم يكن لديهما محاضرات مهمة لذلك سرقتها سحـر بضع ساعات إلى منزلهم مستغلة عدم وجود شقيقها ووالدها، واقترحت على براعم أن تُجَرِب الحجاب عليها، ألتقطت طرحة من الذين كانت ترتديهم قديمًا قبل أن تنتقب وبندانة، وأجلست براعم أمام المرآة وبدأت تُلبسها الحجاب بدقة وتركيز وتضع الدبابيس برفق، حتى انتهت وابتسمت بـسعادة، ابتعدت عن المرآة التي كانت خلفها مباشرةً، فـ استطاعت براعم رؤية مظهرها الخلاب، ظلت تتأمل في ملامحها لدقائق لم تعلم عددها، رُسِمت بسمة رقيقة على شفتيها، ومررت يدها على الحجاب وكان قلبها ينتفض إعجابًا بمظهرها…
قطع تأملها إندفاع الباب فجأة والدخول العاصف لشابًا يصرخ بـ

– انتي يا اللي مشوفتيش ربع ساعة تربـ…..

تسمر “فراس” مكانه بـصدمة، ملامحها المألوفة كانت أول ما يجذب إنتباه، ناهيك عن الحجاب الرقيق الذي يضم رأسها، وكـانت أول كلمة تتردد على لسانه هي

– ما شاء الله تبارك الله

تنحنحت براعم خجلًا وقالت سحر بـحدة

– ما تغض البصر يا أخينا عيب كدا

انتبه لها فراس أخيرًا وتنحنح بحرج ينكس رأسه مستغفرًا ربه ومعتذرًا عدة مرات بـإرتباك..
سرعان ما استدار منصرفًا والخجل يتآكله..

تحدثت براعم بـتوتر

– هـ.. هو أخوكي؟

أومـأت سحر بعصبية وقالت

– ايوه هو، مش عارفة من امتى بيدخل من غير ما يخبط

تنحنحت براعم خجلًا وألتقطت حقيبتها بسرعة قائلة

– آآ..انا لازم امشي

استوقفتها سحر عند الباب وهتفت

– معلش يا براعم هو مكانش قصده

هزت رأسها بنفي وهتفت

– لأ عادي..عادي، سلام

تنهـدت سحر وتركتها تذهب، بينما خرجت براعم من المنزل بسرعة البرق حتى أنها لم تخلع الحجاب!

❀❀❀

– انا الحقيقة مش فاهم حاجة! يعني الوقتي البت دي بتاعت مين؟

صـاحت وداد فيه

– هي ايه اللي بتاعت مين يا عصام متجننيش، هي لعبة؟ قولتلك دي بنت ياسين

هرش فروته بحيرة

– هو انا غايب بقالي قد ايه؟

زفـرت وداد بـيأس، بينما نهضت أماني بملامح ممتعضة قائلة

– انا داخلة المطبخ، يا تآخدي جوزك وتمشوا يا تخليه يخرس، غباؤه لا يُطاق

ابتسم عصام ببلاهة وقال

– تسلمي يا حماتي

أشاحت بيدها في لامبالاة تتمتم بكلمات مبهمة، لا بُد وأنها تدعي عليهم!

لكزها عصام بذراع قائلًا في عبث

– ما تيجي

عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة

– أجي فين؟

غمزها بمشاكسة

– تعالي نروح بيتنا نتلم على بعض نقول كلمتين حلوين، وحشتيني يا بت

أشارت له بإصبعها محذرة وهي تصيح بغضبٍ

– عصام ما تقولش يا بت وبطل قلة أدب بقا في ألفاظك دي!

اختفت بسمته العابثة وامتعضت ملامحه

– والله؟!

نهض من مكانه قائلًا ببطء

– وداد

غمغمت له غير مبالية، فـ قال

– انتي طالق يا حبيبتي

توسعت عينيها بـصدمة ورأته يتحرك صوب الباب يخرج منه في إنفعال، فـ إلتقطت حقيبتها والبالطو الخاص بها وهي تركض خلفه صارخة بـحنق

– عصام..عصام استنى، استنى يا غبي دي المرة التانية اللي تطلقني فيها، يخربيتك هنقف قصاد بعض في المحاكم

قالتها وهي تركض خلفه بخطوات غير متوازنة نظرًا لحذاءها ذو الكعب العالي التي ترتديه، فـ هي عادت من العمل للتو واصطدمت بزوجها الذي عاد من سفرٍ دام لشهور أمامها!

بـعد دقائق من خروجهم…

تسللت براعم للداخل وهي تسير على أطراف أصابعها، فـ استمعت في طريقها للأعلى شهقة آسر أخيها، ترجته بعينيه ألا يتحدث، فـ صرخ فجأةً بصدمة

– براااعم اتحجبت!

أغمضت عينيها تطبق عليهما بقوة، تعض على شفتيها بغيظٍ تود الفتّك بهذا الفتى في الحـال!

اقتربت منها والدتها فهي فقط من سمعت صراخ آسر، التمعت الفرحة في عينيها ونظرت لبراعم بإبتسامة سعيدة وهي تربت على رأسها وتملس على وجهها وتضمها إليها تارةً وتقبّلها تارةً، فـ حاولت براعم التحدث لتُسكتها أماني بزغرودة عالية انطلقت منها عالية متحشرجة، حمدًا لله لم يسمعها أحد؛ لأنه لم يكن أحد بالمنزل من الأساس، هدئتها براعم وشرحت لها ما حدث في منزل سـحر وإحراجها ونزولها دون أن تخلعه، فـ ابتسمت أماني بثقة وقالت

– مش هتقلعيه..طالما لبستيه صدقيني مش هتقدري تقلعيه

وها هي جالسة الآن بغرفتها أمام المرآة تنظر لشكلها الرائع، أعجبها شكلها، كما أُعجبت بما قالته سحر عن الحجاب وأهميته

«بعد مرور أسبوعين»

عدّل ناصر من أكمام بدلته وهو يهبط من الأعلى يصفر بإستمتاع، قابلته چويرية وبراعم اللتان كانا يضحكان سويًا وبيد كلًا منهما طبقًا أحدهم مليء بالفشار والآخر بالمقرمشات…

رفعت براعم حاجبها بتعجب وقـالت

– ايه دا انت رايح تخطب ولا ايه؟

ضحكت چويرية ساخرة منها قائلة

– يخطب ايه، دا رايح يشقط

أومـأت براعم تؤيدها، لحظاتٍ وتوقفت عن تحريك رأسها وناظرتها بصدمة

– يـإيه؟ يشقط؟ انتي متأكدة انك طفـ…

أكملت چويرية وهي تقلب عينيها بملل

– انك طفلة ست سنين، أيوه طفلة ست سنين عايزين ايه يعني مش فاهمة؟

تركتهم وصعدت ركضًا على الدرج بينما بقت براعم تنظر في أثرها بصدمة وناصر يضحك بإستمتاع على ملامحها المدهوشة!

ضربها بـخفة على رأسها وركض للخارج؛ فـ زمت شفتيها بـحنق وألتقطت قطعة شيبسي وضعتها في فمها تلوكها بقسوة..

❀❀❀

ركضت چويرية نحو ياسين الجالس على الأريكة يتابع التلفاز بإهتمام، ناولته الطبق وجلست بجانبه تتسلق الأريكة بصعوبة، تـابعت التلفاز بتركيز وهي تأكل معه من نفس الطبق، سرعان ما دخلت براعم بالمقرمشات وتشاركوهم سويًا وتابعوا الفيلم بـإهتمام وهم ملتحفين بـغطاء من الصوف يُدفئ أجسادهم من برودة الجو…سرعان ما خرج آسر من المرحاض وانضم معهم ببسمة سعيدة

❀❀❀

في منزل سحـر كانت جالسة على فراشها تتنهد كل ثانية والأخرى، فـ براعم لا تُجيبها منذ فترة سوى بكلماتٍ قليلة، لا تجيبها من الأساس! أيعقل أن يكون هذا الموقف الأخير هو السبب؟ فقط يشغل تفكيرها ما حدث مع صديقتها التي أختفت فجأةً ولم تعد تظهر!
دخل فراس عليها بعد أن طرق الباب، جلس أمامها وتحدث بـحرج

– لسه برده مش بتكلمك؟

صاحت فيه معنفة

– أبعد عني يا فراس انت السبب

أردف في محاولة منه لتبرير موقفه

– والله مكنتش أعرف! انا آسف يا سحر، انا غلطان انا عارف، وبعدين انا قولتلك اني مُعجب بيها وبأمر الله هروح أخطبها!

أشاحت ببصرها عنه بملامح مقتضبة، حاليًـا لا تريد إعتذارات واهية، تريد فقط الإطمئنان على صديقتها الحميمة…

نظرت له سريعًـا بعدما خطرت لها الفكرة وقـالت

– وديني بيتها

عقد حاجبيه بتعجب

– وانتي تعرفي عنوانها؟ ايه هنخطبها الوقتي؟

أنتفضت واقفة وتحركت صوب الخزانة قائلة بعجلة وهي تلتقط ثيابها

– طبعًـا دي صاحبتي، روح ألبس وسخن العربية

أومـأ لها في قلة حيلة وخرج من الغرفة..
بينما أغلقت هي الباب وأستعدت للذهاب لصديقتها..

❀❀❀

ضغط ناصر على المزمار بالسيارة فـ انطلق صوته يشق سكون الليل، لحظات وخرجت من البوابة فتاة ترتدي فستانًـا يلتمع وسط الظلام، أوصدت البوابة خلفها وأستدارت له تبتسم بـإتساع، رفعت طرف ثوبها لتستطيع السير ووقفت بجوار السيارة لتجده يهبط سريعًـا قبل أن تفتح الباب، ووقف أمامها مبتسمًا بإعجاب هاتفًـا

– جمال ودلال والله

نكست رأسها تبتسم في خجل، فتح لها باب السيارة فـ دخلت برفق وهدوء لها والإبتسامة لا تُفارق شفتيها، أغلق الباب وأستدار ليستقل مكان السائق ويجلس خلف المقود يُديره وينطلق بـالسيارة نحو مكانهم المنشود…

❀❀

انت في الصفحة 6 من 10 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
34

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل