_
في مبنى الجامعه التقت ليلى بصديقتها أماني ، و اتجهتا لحضور تلك الندوه.
و في القاعه جلست ليلى بالقرب من أخيها لؤي .
قال كِنان الجالس بجوار أخيها من الجهه اليمنى : ازيك يا آنسه ليلى .
أجابت ليلى بصوت خفيض : الحمد لله .
قال لؤي منزعجاً : هششش الندوه هتبدأ عايز اسمع.
فأخيها لؤي شغوف جداً بدراسته ، و حريص على الحصول على أعلى التقديرات ، لإثبات نفسه أمام والده الكثير المتطلبات ، و خاصه بعد تعثر لؤي في شهادة الثانويه العامه و رسوبه لسنتين متتاليتين.
سنتان اضُطر فيها والده إلى تقبل وجود صديقه الانتيم كِنان في بيتهم لمساعدته على المذاكره ، فكِنان أنهى الثانويه العامه بامتياز و مرتبه أولى على الجمهوريه ، تعرف عليه لؤي من احد مواقع التواصل الاجتماعيه حينما اراد بعض الدروس الخصوصيه ليجد اعلانا من كنان عن امكانية تقديمه بعض الدروس للطلبه باسعار مخفضه للغايه ،حينها لجأ له لؤي و اصبحا منذ ذلك الحين صديقين مقربين نظرا لشغف الاثنين بالصحافه و الاعلام ، ليصبح كِنان الاستثناء الوحيد ، فلطالما منع عبدالرحمن ابنيه من احضار اي اصدقاء للبيت الفرحةا على ليلى ، و نظرا لتمسكه بعادات و تقاليد بلدتهم الصغيره ..
تنهدت ليلى و استرقت النظر إلى صديق أخيها لتُفاجأ بنظراته المصوبه نحوها ، أدارت وجهها بسرعة محرجه من تصرفها ، و خجلى من تحديقه بها.
لكزت ليلي صديقتها أماني الجالسه بجوارها و همست : أنا عايزه اطلع بره.
قالت أماني مستنكره : هو احنا لحقنا نعد يا بنتي.
_
قالت ليلى بفروغ صبر : أنا ماشيه.
نهضت من مقعدها و تبعتها أماني مرغمه .
قالت أماني بضيق : مالك ، مش جيتي عشان تشوفي حبيب القلب ، ايه اللي حصل!
شهقت ليلي و قالت : ايه الكلام اللي بتقوليه ده !
ردت أماني بهدوء : يا بنتي مش عليا الكلام ده ، الانكار مش هيفيدك ، و الواد مُز و يتحب فعلا.
ابتسمت ليلى و قالت : و الله انتي رايقه و فايقه .
قالت أماني : طب عيني فعينك كده.
قالت ليلى على الفور : اهو ، مالها عيني بقى.
نظرت أماني لصديقتها نظره المتيقن و قالت : تعالي نقعد هنا.
جلستا على أحد المقاعد و قالت ليلى : مش عارفه يا أماني حاسه إني فورطه كبيره.
_
سألت أماني : احكيلي …
قالت ليلى : أصل زي ما انتي عارفه مش بطيق خطيبي خالص ، و حاولت كتير ألمح لبابا و أكلمه في الموضوع بس هو محكم رأيه و شايف إنه مصلحتي فالجوازه ديه ، و يحيى و لؤي كفايه اللي هما فيه ، انتي متتخيليش بابا ازاي بيضغط عليهم و بيدخل في كل قرار بياخدوه و لازم رأيه هو اللي يمشي ، فمش عايزه أدخلهم كمان في مشاكلي.
صمتت لتستحثها أماني على الحديث : و بعدين ، أنا حاسه إنك عملتي عمله مهببه .
قالت ليلى بخجل : أصلي …
قالت أماني : أصلك ايه يا بت ما تنطقي ، سرك في بير.
قالت ليلى بحرج : مش عارفه ازاي لقيت نفسي بضيف كِنان عندي ع الفيس ، و بقينا نتكلم تقريبا كل يوم .
صفرت أماني بخفه و قالت : يا نهار مِلون ، ضفتي صاحب أخوكي ، و المنيل عادي كده يكلم أخت صاحبه ، وأنا اللي كنت فاكراه أرجل من كده بكتير.
قامت ليلى بالفرحة صديقتها بالكشكول الذي تحمله بيدها و قالت : اسمعي ، هو ميعرفش إنه أنا ، بس دلوقتي شاكه إنه عرفني .
حدقت فيها أماني قائله : مش فاهمه ، ابسلوتلي مفهمتش المقطعين اللي فاتوا دول ، نزلي الترجمه بسرعه.
تأففت ليلي و قالت : أصلي عملت اكاونت جديد مش باسمي و ضفت كِنان عليه ، و هو قبل طلب الصداقه ، لكن ميعرفش أنا مين ، مرضتش أقوله اسمي ، و امبارح قررت إني خلاص مش هاكلمه تاني ، و زي ما انتي عارفه سهرت معاكي ع الفيس ، بس مش عارفه أما شفته انهارده حسيت إنه عرفني و عنيه كأنها بتسألني ليه مردتش امبارح على مسجاته.
_
الفرحةت أماني كفاً بكف و قالت : عنيه بتسألك ، ده انتي واقعه لشوشتك ، يا بنتي غلط جداً اللي بتعمليه ده.
قالت ليلي بحسره : أعمل ايه مش لاقيه حد يفهمني ، و لا يُقف جنبي ، و مش عارفه امتى اتعلقت بيه ، يمكن لأنه بقى يجي عندنا البيت كتير و يمكن عشان بيحب الصحافه و الأخبار زيي ، يمكن بلاقي معاه حلمي اللي مقدرتش أحققه ، مش عارفه ، مش عارفه.
ربتت أماني على كتفها و قالت : طب و أخوكي يحيى مش بتقولي قريب منك و بيفهمك ، ليه متتكلميش معاه.
قالت ليلي : ما قلتلك كفايه مشاكله مع بابا ، و بعدين ده على طول مشغول بيخلص شغل الحكومه اللي بابا أجبره يقبله و بعديها بيروح عالشركه اللي عاملها مع صحابه حتى الاجازات بيقضيها فشغله ، مبعرفش أتلم عليه.
قالت أماني بهدوء : شوفي يا ليلي استمرارك مع خطيبك غلط ، و اللي عملتيه مع كِنان أكبر غلط.
قالت ليلى : طب ادعليلي انهارده هآخد حبوب الشجاعه و أحاول أتكلم مع بابا بخصوص تميم .
قالت أماني بحب : ربنا معاكي ، و ضروري تطمنيني ، هاستنى منك مكالمه .
أومأت ليلي برأسها و اتجهتها لاستكمال محاضراتهن لهذا اليوم.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
خرج يحيى من الشقه محل شركته الصغيره مع صديقيه مالك و أنس ، اختار أن ينزل الدرج فمصعد البنايه المهترىء يستغرق وقتاً طويلاً في الصعود و الهبوط ، ناهيك عن تعطله المستمر ، وصل إلى أسفل الدرج ليسمع أصواتاً تأن من الألم ، توقف و أطرق السمع ، ليكتشف خطأه فتلك الأصوات تأن و لكن بالتأكيد ليس من الألم ، هم باستكمال سيره ليسمع صوت أنثوي يقول : أنس كفايه كده ، حرام عليك .
_
شعر يحيى بالضيق الشديد من تصرفات صديقه أنس ، فمن حوالي أسبوعين قام أنس بإحضار إحدي الفتيات إلى الشقه مقر عملهم ، لينهره كل من يحيى و مالك على فعلته تلك ، و لكن يبدو أن عتابهم معهم لم يأت بنتيجه مثمره ، فقط اضُطر صديقهم إلى تغيير المكان.
هز يحيى رأسه ممتعضاً و أكمل طريقه .
و في سيارة الأجره رن هاتفه ، أجاب على الفور : الو .
قالت خديجه : يحيى يا بني ، معلش لو هاتعبك بس كنت عاوزاك تجبلي كام حاجه من السوبرماركت .
حفظ يحيى طلبات والدته عن ظهر قلب أو هكذا ظن ، وبعد توقف السياره ، ترجل منها و دلف إلى السوبرماركت القريب من بنايتهم .
اتجه إلى القسم المخصص للمنظفات لإحضار حاجيات والدته ، بحث عن الأصناف التي طلبتها ، و لكنه كعادته احتار أيَاً يختار منها ، بقى دقيقه يُقيم الأنواع المعروضه على الأرفف ، عنالفرحةا قرر أخيراً الاتصال بوالدته لمساعدته كعادتها في انتقاء صنفها المفضل.
أخرج هاتفه ، ليفاجأ بصوت أنثوي يقول : ده أفضل نوع ، بيشيل البقع و ريحته حلوه جداً.
التفت تجاه الصوت ، ليرى جارته الصغيره ، صغيره السن و الحجم أيضاً ، فبإمكانه بكل سهوله أن يضعها في عربة المشتروات كما يفعل الآباء مع أطفالهم الصغار ، و لِمَ العربه بإمكانه أن يضعها في جيبه و يغادر السوبرماركت ، ابتسم لهذه الفكره ، هل هي فعلا ضيئلة الحجم لهذه الدرجه أم يُهيأ له ذلك بسبب ضخامة بنيته هو شخصياً.
تفحصها قليلا لتختفي ابتسامته ، و يحل مكانها العبوس بسبب ذلك الفستان الذي ترتديه ، فستان قصير جداً بالكاد يصل إلى ركبتيها ، و بدون أكمام ، و يكشف كثيراً من معالم أنوثتها .
غض بصره للمره الثانيه هذا اليوم و استغفر ربه ، لتقول جارته : أنا بس حبيت أساعدك زي ما ساعدتني الصبح.
_
ثم أضافت : صدقني ده أحسن واحد فيهم .
عاود يحيى النظر إلى الرف ، و التقط الصنف الذي أشارت عليه باستخدامه و قال باقتضاب : متشكر.
قالت فاتن : العفو ، على ايه .
ثم تنحنحت ، ليعود يحيى بنظره إليها متسائلاً : افنالفرحة؟
قالت فاتن بحرج : معلش لو تجبلي واحد أنا كمان ، يعني عشان مش هقدر أطوله و انت بسم الله ما شاء الله طويل اوفر ، و اتبعت كلامها بضحكه صغيره.
ابتسم يحيى رغماً عنه، و التقط واحداً آخر ووضعه في عربتها.
قالت فاتن : ميرسي .
أومأ يحيى برأسه و حرك عربته ليغادر قسم المنظفات ، و كذلك فعلت فاتن.
ليعودا و يلتقيا عند موظف الماليه ، وضعت فاتن عربتها أمام عربته ، و اصطفت بجواره ، ثم قالت بصوت خفيض : ممكن أسألك سؤال ؟
نظر يحيى لها بطرف عينه ، ثم قال : ممكن !
_
سألت فاتن باهتمام : هو مش الاسدال بيلبسوه في الحج ؟
أعطاها يحيى كامل انتباهه و قال : ياريت لو حابه تهزري يبقى تختاري حاجه مناسبه .
عقدت فاتن حاجبيها و قالت : مين قالك إني بهزر !
قال يحيى : اتفضلي ، دورك .
زمت فاتن شفتيها و تقالفرحةت لدفع ثمن مشترواتها .
حين خروجه من السوبرماركت آثر يحيى عبور الشارع و السير على الضفه الأخرى ، بعيدا عن جارته الصغيره ، و بعيدا عن المزيد من الذنوب ، فعيناه اليوم مصرتان على التحديق فيها و التأمل في كينونتها .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
وجدت فاتن صعوبة كبيره في حمل أكياس مشترواتها و السير بهذا الحذاء ذو الكعب العالي جدا ، ترنحت قليلا و كادت أن تسقط ، لولا يد غليظه قامت بإسنادها في اللحظة الأخيره .
الفصل الثاني
¤ عِطرُ الربيعِ ….أنتي ¤
_
———————
وجدت فاتن صعوبة كبيره في حمل أكياس مشترواتها و السير بهذا الحذاء ذو الكعب العالي جدا ، ترنحت قليلا و كادت أن تسقط ، لولا يد غليظه قامت بإسنادها في اللحظة الأخيره .
تطلعت إلى الرجل الذي قام بإسنادها و قالت : ميرسي لحضرتك .
كانت ذراعه ما تزال تطوق خصرها ، أرادت إزاحتها و الابتعاد عنه ، و لكنها لم تعِ كيف ، فيداها مشغولتان بتلك الأكياس ، عوضا عن ذلك قالت بحزم : قلتلك ميرسي و تقدر تكمل طريقك .
قال مبتسما : ميصحش ، لازم أوصلك لحد البيت ، هاتي عنك .
و مد يديه ليلتقط الأكياس ، لتقول فاتن : مفيش داعي ، و ميرسي مره تانيه .
ثم أكملت طريقها ، لتلاحظ سيره بجوارها ، أسرعت فاتن خطاها ، فقام بالمثل ، ثم و على حين غره التقط أحد الأكياس من يدها ، لتصرخ فاتن قائله : يا أستاذ عيب كده .
قال الرجل : بالراحه عليا يا طعمه ، أنا قصدي شريف ، ثم أضاف ضاحكا : أنا طالب القرب من جمال سيادتكم .
نظرت فاتن للرجل و للكيس الذي أصبح بحوزته ، تنهدت و آثرت عالفرحة افتعال مشكله معه و أكملت مسيرها ، و لكنه لم يفهم الرساله بعد ، بل استمر في تتبعها و محاولة التلاطف معها .
أسرعت فاتن أكثر ، لتتعثر و تسقط أرضا ، و لسوء حظها قام ملاحقها بمساعدتها مره أخرى ، و لكن هذه المره بقيت يداه مطبقتان على خصرها .
_
صاحت فاتن بالفرحة : يا حيوان شيل إيدك .
قال الرجل مبتسما : تؤ تؤ ، بس برده طعم و انت متعصب .
و قال صوت ذكوري آخر : شيل ايدك ، أحسن ما أقطعهالك .
التفت الرجل بعد أن أرخى قبضته عنها و قال : و مين بقى حضرتك ، محامي بنات الليل !
شهقت فاتن ليقوم جارها بلكم الرجل قائلا : غور من هنا لاحسن أرتكب فيك جريمه الليلادي .
قال الرجل بعد أن عاد لتوازنه : و على ايه ، ثم ألقى نظره متفحصه ناحيتها و قال : ملكيش فالطيب نصيب .
و استدار مغادرا ، لتقول فاتن : ميرسي اوي ، ده واحد متخلف .
قال يحيى الفرحة : ما انتي لو كنتي لابسه حاجه عدله مكنش أتعرضلك .
قالت فاتن بامتعاض : تقصد ايه ، أنا السبب في سفالته !
قال يحيى بغيظ : لا هو سافل بالفطره ، ليه بقى تديه سبب تاني يسمحله يتطاول بيه عليكي .
_
قالت فاتن بحنق : تاني أنا السبب .
قال يحيى بفروغ صبر : هو انتي مسمعتيش شبهك بمين .
تنهدت فاتن و قالت بحرج : لا سمعت و ميرسي إنك فكرتني .
قال يحيى : مش قصدي أدايقك .
ابتسمت فاتن ، ثم انحنت لتلتقط حاجياتها التي بعثرت في الأرض نتيجه لترنح معاكسها و إسقاط الكيس الذي كان بحوزته .
قال يحيى بحده بعد أن كشف انحناءها عن مفاتنها : بجد ميصحش كده….
قالت فاتن : هو ايه اللي ميصحش .
هز يحيى رأسه و قال : أصل …استني أنا هالمهوملك .
قالت فاتن : مفيش داعي .
قام يحيى على عجاله بجمع حاجياتها التي بعثرت في الارض ثم قال بعصبيه : خلاص اهم و ناولها الكيس ، ثم قام بالتقاط أكياسه هو الآخر .
_
قالت فاتن : ميرسي مره تانيه ، تعبتك معايا .
قال يحيى باقتضاب : العفو ، ثم أكمل مسيره ، و كذلك فعلت فاتن ليسيرا متقاربين .
تعثرت فاتن مره أخرى بسبب كعب الحذاء ، ليقول يحيى : هاتي عنك .
قالت فاتن بتردد : مفيش داعي ، كلها خطوتين و نوصل .
أصر يحيى ، فاستجابت له محرجه ، قال بعد أن دلفا إلى مصعد البنايه : طالما مش بتعرفي تمشي بيه ، بلاه أحسنلك .
زمت فاتن شفتيها و قالت : لا أنا بعرف أمشي بيه كويس جدا ، بس عشان شايله حاجات تقيله .
خرجا من المصعد ، ليوصل يحيى الأكياس إلى باب شقتها قائلا : تحبي أحطهوملك جوه .
تناولت فاتن الأكياس من يده ، ثم قالت: هو انت….
لم تكمل فاتن جملتها ، فلقد استدار جارها مسرعا باتجاه شقتهم ..
تمتمت فاتن : يعني كان مصمم يساعدني و دلوقت هيعمل نفسه تقيل و لا ايه حكايته ده ..
_
دلفت فاتن الى الشقه محتاره من تصرف جارها الشاب ، فلقد دافع عنه و اصر على مساعدتها و من ثم رحل فجأه .. فكرت في نفسها : اهو في رجاله بتساعد لله يعني ، مش على راي ماما لازم يكون ورا مساعدتهم غرض او مصلحه….
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استلقى كِنان على سرير صديقه لؤي محدقا في السقف ، و مذعورا من القرار الذي عزم عليه ، و لكن عاطفته تجاهها طغت على أي ذرة تفكير أو حتى تعقل .
قال لؤي مستنكرا : ايه مش هتقولي رأيك فالمقاله اللي هانزلها على مجلتي ؟
استفاق كِنان من شروده ، و عاد بانتباهه إلى صديقه لؤي ، الذي طالما طلب مشورته في مقالاته التي ينشرها على مجلته الالكترونيه و التي قام أخوه يحيى بتصميمها له .
قال كِنان معتذرا : معلش يا صاحبي ، حالا هقراها ، بس الأول ممكن أدخل الفرحة .
قال لؤي : ما تروح يا بني .
اترك تعليقاً